(الجزيرة) |
ملخص تسعى الدبلوماسية الإيرانية من خلال التحركات والإشارات السياسية التي بعثت بها نحو المغرب مؤخرًا إلى إعادة ترميم العلاقة التي عرفت عام 2009 هزة دبلوماسية في خطوة امتزجت فيها العوامل الداخلية بالأسباب الخارجية، وأسفرت في النهاية عن إغلاق سفارة طهران بالرباط. وقد التقط المغرب الإشارات السياسية القادمة من الولايات المتحدة وأوروبا بعنوان التقارب مع إيران والتفاهم معها في القضايا العالقة، ليحولها إلى إمكانية إعادة ترميم العلاقة مع إيران، وفق ثوابت قديمة وشروط جديدة، سوف تسعى الرباط إلى تحقيق بعض المكاسب من خلالها، خصوصًا في ما يتعلق بقضية الصحراء.ويمثل تجاوز عقبة البُعد المذهبي في العلاقة بين الجانبين أحد عناصر الاستقرار، خاصة أن البعد الجغرافي لمنطقة المغرب العربي عن الخليج لا يزال يجعل النخب السياسية والفكرية في المغرب بعيدة عن التخوفات التي تحكم سلوك عدد من دول الخليج تجاه إيران في القضايا ذات الطابع المذهبي بما تحمله من تأثيرات سياسية. وتعرف العلاقة بين الدولتين غيابًا للركائز القوية التي تدعم حالة الثبات فيها، وعلى رأسها الضعف الكبير الذي تعرفه العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الجانبين، وهو ما يضعف مساحة ولغة المصالح في التعامل بينهما في لحظات الأزمة. |
تسعى الدبلوماسية الإيرانية من خلال التحركات والإشارات السياسية التي بعثت بها نحو المغرب مؤخرًا إلى إعادة ترميم العلاقة التي عرفت عام 2009 هزة دبلوماسية في خطوة امتزجت فيها العوامل الداخلية بالأسباب الخارجية، وأسفرت في النهاية عن إغلاق سفارة طهران بالرباط.
جاء التحرك الإيراني في سياق تصريح أدلى به مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين أمير عبد اللهيان، أفصح فيه عن اتصال هاتفي جرى بين وزيري الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والمغربي صلاح الدين مزوار في فبراير/شباط الماضي، اتفقا خلاله على ضرورة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين.
لكن الاندفاع الإيراني لإعادة ترميم العلاقة مع المغرب والذي يأتي في سياق يشهد تحولات في السياسة الخارجية الإيرانية خصوصًا في العلاقة مع الغرب، يقابله تباطؤ مغربي يوحي بوجود شروط لإعادة بناء العلاقة وفق سياق يتجاوز الأسباب التي أدت إلى قطعها في السابق، ويضمن للدبلوماسية المغربية مكاسب ربما تسعى لتحقيقها من خلال إعادة العلاقة مع طهران.
من التقارب إلى القطيعة
رغم أن التوتر والحذر سمات غالبة لعلاقة المغرب بإيران ما بعد الثورة الإسلامية؛ فقد شهدت العلاقات بين الدولتين بين عام 1991 تاريخ افتتاح السفارة الإيرانية في الرباط -في مرحلة ما بعد الثورة الإسلامية- وعام 2009 الذي حدثت فيه القطيعة، مسارًا دبلوماسيًا إيجابيًا بشكل تصاعدي. وهو ما يشير إليه حجم الحراك الدبلوماسي بين الجانبين قبل عام 2009.
زيارة المسؤولين الإيرانيين للمغرب | زيارات المسؤولين المغاربة لإيران |
1997: زار وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولايتي المغرب. 2000: زار رئيس البرلمان الإيراني السابق مهدي كروبي المغرب. 2004: زيارة وزير الخارجية الإيراني السابق كمال خرازي للمغرب. 2007: زار وزير الخارجية السابق منوشهر متكي المغرب. |
2002: زار رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الرحمن اليوسفي إيران. 2002: زار وزير الخارجية المغربي السابق محمد بن عيسى إيران. 2006: زار وزير الخارجية المغربي السابق محمد بن عيسى إيران. 2007: زار رئيس مجلس النواب المغربي السابق عبد الواحد الراضي إيران. |
وقد جاء المنحى الإيجابي المتصاعد في العلاقات في تلك المرحلة في سياق مقابل عرف توترًا في العلاقات بين إيران والجزائر عام 1993، عقب اتهام الجزائر لطهران بالتدخل في شؤونها الداخلية بعد اندلاع المواجهات المسلحة بين الدولة والإسلاميين؛ وذلك قبل أن تُستأنَف في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي الذي التقى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة عام 2000، لتتواصل العلاقات الدبلوماسية بدءًا من عام 2003، وتتوج بالتعاون الاقتصادي والسياسي والثقافي.
وتتردد العلاقات بين المغرب وإيران بين الاستقرار والاضطراب، نتيجة ارتباطها بعوامل خارجية وأخرى داخلية، لم تتمكن الدبلوماسية الإيرانية من فك عناصرها والتعامل معها خلال السنوات الماضية، ومن ثم تقديم تقييم وقراءة استراتيجية لحدود وطبيعة العلاقة بين المغرب والولايات المتحدة وأوروبا من جهة، والعلاقة مع المنظومة الخليجية التي توجد في منطقة تماس مع إيران؛ حيث يقع المغرب تحت تأثير رؤية بعض دول الخليج وتحولاتها تجاه إيران تقاربًا أو تباعدًا.
وهنالك عوامل داخلية أخرى تتمثل في حساسية البُعد المذهبي الداخلي وأثره في الأمن القومي (الروحي) للمغرب. وصلة ذلك بطبيعة السياسة الدينية التي ينتهجها المغرب والتي ترفض حدوث أية خلخلة لمنظومته المذهبية. بالإضافة إلى غموض زوايا عديدة في الموقف الإيراني من قضية الصحراء، خصوصًا ما يتعلق بطبيعة العلاقة مع جبهة البوليساريو والجزائر.
وتفيد العودة إلى السياق الذي حدثت فيه القطيعة الدبلوماسية بين المغرب وإيران، عقب إغلاق السفارة الإيرانية في الرباط عام 2009، في فهم طبيعة تردد المغرب حتى الآن في استئناف هذه العلاقة. وفي نفس الوقت يفيد هذا التردد في معرفة الرؤية المغربية لاستئناف هذه العلاقة، التي وإن قُطعت دبلوماسيًا فإنها خلت في تلك المرحلة من خطابات التصعيد بين الجانبين، وهو ما حفظ إمكانات العودة.
وقد جاءت إثارة قضية النشاط الثقافي للبعثة الدبلوماسية الإيرانية في الرباط حينها، بعد سياق تفكيك شبكة اتُهمت بالإرهاب يتزعمها "عبد القادر بلعيرج"، ووُصفت بأنها ذات ميول شيعية، لمغاربة قادمين من بلجيكا؛ حيث الاعتقاد بوجود كثير ممن تشيع من المغاربة هنالك. وقد مثّلت تداعيات قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران حسب مراقبين فرصة لتوجيه رسالة تحذير لمن يوصفون بنشطاء شيعة على مستوى الداخل، والذين سعوا إلى التحرك من خلال إنشاء عدد من الجمعيات.
وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى متغيرات أساسية ينبغي أخذها بعين الاعتبار في النظر إلى مسألة التشيع بالمغرب؛ حيث ألحقت التأثيرات السلبية التي نتجت عن الأزمة السورية، ضررًا واضحًا بصورة حزب الله اللبناني والسياسة الإيرانية بشكل واضح جرّاء التدخل المباشر في هذه الأزمة.
وهنالك عوامل أخرى ذات أهمية؛ حيث يوجد الإصلاحيون في السلطة بإيران، وهم أقل تمسكًا بقضية نشر المذهب خارجيًا مقارنة بالتيار المحافظ، والأكثر مرونة في هذا الجانب. وفي الاتجاه ذاته لا يمكن إغفال إدراك إيران لمدى التماسك المذهبي الذي تعرفه المجتمعات العربية ومن ضمنها المغرب، وصعوبة اختراقها مذهبيًا، مقارنة بسهولة هذه المهمة في دول إفريقيا حيث يعتبر البناء المذهبي رخوًا، وحيث تنشط إيران بشكل أكبر.
ثانيًا: تداعيات التصريحات الإيرانية تجاه البحرين
شكّلت تداعيات أزمة العلاقة بين إيران والبحرين عام 2009 الأساس الذي اندرجت تحته الأسباب الأخرى التي أدت إلى قطع العلاقات بشكل مباشر بين الرباط وطهران. وقد أثار تصريح علي ناطق نوري، رئيس مكتب المساءلة في مكتب المرشد الأعلى والمتحدث السابق باسم مجلس الشورى الإيراني، عام 2009 بأن البحريـن تعتبر الولاية الإيرانية الرابعة عشر (2) تضامنًا عربيًا مع البحرين، وكان المغرب ضمن الرافضين لذلك التصريح؛ حيث أرسل وزير خارجيته إلى المنامة لتسليم رسالة تضامن من الملك محمد السادس لملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.
وقد أظهرت النتائج التي أفرزها ذلك الموقف وجود توتـر غير معلن بين الرباط وطهران؛ حيث خصت طهران المغرب وحده بالاحتجاج؛ فما بدأ أزمة إيرانية-بحرينية انتهى أزمة مغربية-إيرانية، استمرت سنوات عديدة، لكن بالمقابل استمرت العلاقات الإيرانية-البحرينية بإعلان الجانبين الحفاظ على علاقة حسن الجوار.
إن أحد التحديات الكبيرة أمام الدبلوماسية المغربية يتمثل في قدرتها على التوازن والتوفيق بين تعاملها مع إيران كفاعل إقليمي مؤثر، وحفاظها على ارتباطات المغرب بعدد من محاور التأثير الدولية والإقليمية في الآن ذاته سواء خليجية أو غيرها. وذلك بما يعكس رؤية مستقلة عن ضغوط العلاقات الإقليمية، التي تجعل السياسة المغربية أقرب إلى التعبير عن المواقف وردود الأفعال لا عن الرؤية الاستراتيجية.
ثالثًا: إيران وقضية الصحراء
تراقب كل الأطراف المعنية بنزاع الصحراء موقف إيران التي تدرك الآثار المحتملة لأي تغيير في موقفها تجاه هذا النزاع على مستوى التوازنات في منطقة المغرب العربي، وهذا ما يضفي الكثير من التعقيدات على رؤية إيران للتعامل مع هذه المنطقة.
ويعتبر الموقف الإيراني من قضية الصحراء الذي يوصف بالحياد الإيجابي أحد المحاور المؤثرة في العلاقة بين طهران والرباط نظرًا لتشعباته؛ حيث ما زال يكتنفه الغموض خصوصًا في ما يتعلق بالموقف من جبهة البوليساريو، وذلك رغم تعبير الخارجية الإيرانية في فبراير/شباط 2007 عن دعم إيران لحل سياسي دائم بين الأطرف المعنية، ودعوتها المسؤولين المسلمين بأن يتحلوا بالحكمة من أجل تسوية هذه المسألة (3) .
وقد أعاد المغرب التأكيد مجددًا على أهمية هذه المسألة في استئناف العلاقة؛ حيث طالب إيران باحترام مبدأ السيادة الداخلية، وهو ما يعني في القاموس السياسي المغربي تحديد موقف واضح من ملف الصحراء، باعتباره شأنًا مغربيًا داخليًا، وربما يطالب المغرب بموقف أكثر تقدمًا مقارنة بالفترة السابقة في سياق إعادة ترميم العلاقة وفق أسس جديدة.
إن عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإيران تفرضها متغيرات دولية وإقليمية على رأسها التقارب الغربي-الإيراني الذي يلعب دورًا في تقوية التوجه الداعم لإعادة العلاقات بين الرباط وطهران من جهة، وأيضًا الإشارات الإيجابية التي تنبعث من دول الخليج نحو إيران، والتي عكستها جملة مؤشرات؛ حيث أرسل العاهل السعودي الملك عبد الله رسالة هنّأ فيها الرئيس الجديد حسن روحاني، بالإضافة إلى رسالة مماثلة بعثها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الإمارات إلى الرئيس حسن روحاني بمناسبة العيد الوطني لإيران.
لقد تضافرت عدة مؤشرات في السنوات الأخيرة تشير إلى الاتجاه نحو إعادة ترميم العلاقة بين المغرب وإيران، وهو ما عكسته مجموعة من اللقاءات الرسمية بين الجانبين؛ حيث شارك وزير الدولة السابق في الخارجية المغربية يوسف العمراني رفقة وفد رفيع في قمة طهران لحركة دول عدم الانحياز عام 2012، وكذلك مبادرة البرلمان الإيراني لتشكيل لجنة مشتركة مهمتها تطوير العلاقات المغربية-الإيرانية. بالإضافة إلى اللقاء الذي جمع رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بن كيران ووزير الخارجية الإيراني في القاهرة على هامش انعقاد مؤتمر القمة الإسلامية عام 2013. وكذلك بوادر أخرى أبرزها دعوة المغرب إيران في يناير/كانون الثاني من العام الجاري لحضور اجتماع لجنة القدس بمدينة مراكش؛ حيث حضر سفير إيران لدى منظمة التعاون الإسلامي حامد رضا دهقاني.
ويعتبر اللقاء الذي جمع بين الأمير رشيد شقيق الملك محمد السادس ورئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني على هامش حفل تقديم الدستور التونسي الجديد مؤشرًا مهمًا في هذا الاتجاه. ومثّل الاتصال الهاتفي في فبراير/شباط 2014 بين وزيري الخارجية: الإيراني محمد جواد ظريف والمغربي صلاح الدين مزوار إشارة مهمة للعودة التدريجية للعلاقات.
وينبغي الإشارة إلى أن الشروط السابقة تندرج في إطار ما هو معلن، في حين يبقى موقف إيران من قضية الصحراء أحد أهم عناصر التفاوض المخفية والتي قد تكون ربما أهم الشروط في هذه المرحلة، وهو ما سيتكفل المستقبل القريب بإظهاره.
أهمية المغرب الاستراتيجية بالنسبة لإيران
الاتجاه الإيراني لاستعادة العلاقة مع المغرب له خلفيات عديدة؛ حيث تمثل العلاقة مع المغرب بالنسبة لإيران المقتنعة بدورها كفاعل إقليمي، أهمية استراتيجية باعتباره فاعلاً في مناطق أساسية جيوستراتيجيًا، سواء في منطقة المغرب العربي أو في إفريقيا ومنطقة الصحراء والساحل؛ حيث تعرف الدبلوماسية المغربية حضورًا متصاعدًا بشكل ملحوظ، ويعكس ذلك حجم الزيارات الرسمية للملك محمد السادس لعدد من الدول الإفريقية، وأيضًا طبيعة الحضور والاتفاقات التي يتم إبرامها. ولاشك أن إفريقيا داخلة في دائرة الاهتمام الإيراني، خصوصًا أن المغرب له نشاط ديني قوي ومتصاعد هناك في سياق ما يمكن وصفه بمهمة "دعم الإسلام المعتدل" في القارة السمراء؛ مما قد يجعل الاحتكاك على مستوى النشاط الديني في تلك المناطق عنصرًا لا يمكن إغفاله مستقبلاً، إذا استحضرنا التواجد الإيراني في تلك المناطق من الناحية المذهبية من جهة، والحضور الديني المغربي المقابل له والمكثف هنالك، والمستند إلى البعد الديني الصوفي، من جهة أخرى.
لاشك أن المغرب التقط الإشارات السياسية القادمة من الولايات المتحدة وأوروبا بعنوان التقارب مع إيران والتفاهم معها في القضايا العالقة، ليحولها إلى إمكانية إعادة ترميم العلاقة مع إيران، وفق ثوابت قديمة وشروط جديدة سوف تسعى الرباط إلى تحقيق بعض المكاسب من خلالها، خصوصًا في ما يتعلق بقضية الصحراء.
ويمثل تجاوز عقبة البُعد المذهبي في العلاقة بين الجانبين أحد عناصر الاستقرار، خاصة أن البعد الجغرافي لمنطقة المغرب العربي عن الخليج لا يزال يجعل النخب السياسية والفكرية في المغرب بعيدة عن التخوفات التي تحكم سلوك عدد من دول الخليج تجاه إيران في القضايا ذات الطابع المذهبي.
المصادر
http://www.aawsat.com/details.asp?section=1&issueno=11057&article=509974#.UwyDnr7JR9A
2-معهد واشنطن: مهدي خلجي: تخبط سياسة إيران تجاه البحرين
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/irans-policy-confusion-about-bahrain
3-حسين الزاوي: المغرب العربي وإيران.. تحديات التاريخ وتقلبات الجغرافيا السياسية
http://www.dohainstitute.org/release/957c100e-b605-48a1-b25b-1d75bceeb0ec
http://www.alquds.co.uk/?p=56544
http://www.kuna.net.kw/ArticleDetails.aspx?id=2110986&language=ar