أزمة الرئاسة الأفغانية: الأسباب والآثار

بعد مضي أكثر من شهرين ونصف الشهر ما زال الشعب الأفغاني ينتظر إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية وسط خلافات متزايدة. تبحث هذه الورقة مشكلة الانتخابات الرئاسية الأفغانية، وأسبابها وتأثيراتها. وتحاول تقديم بعض السيناريوهات للحكومة المقبلة.
20149893347612580_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
حدثت الأزمة السياسية الحالية في أفغانستان، بسبب التزوير الكبير الذي حصل في الانتخابات الرئاسية، وهيأت الإدارة الأميركية الفرصة لجعلها أكثر حدة بسكوتها وعدم إرسالها رسائل للأطراف المتصارعة سياسيًا بضرورة قبول النتائج. وكان لانتماءات الأطراف المشاركة في الانتخابات دخل في بروز الأزمة وتعزيزها، وهي الأزمة التي بدأ الناس يضيقون ذرعًا بها، بسبب ما يلحق بهم من أضرار.

وبدا الحل الأميركي مشابهًا لما حدث في الماضي، عندما جاءت رافعة شعار إنقاذ أفغانستان من الحروب الداخلية على غرار ما حدث بعد انسحاب قوات الاتحاد السوفيتي السابق، لكن الحل الذي اقترحته لإنهاء الأزمة باسم "حكومة الوحدة الوطنية" يدل على أن الولايات المتحدة الأميركية تُعلي من شأن مصالحها على حساب البلد الذي أنهكته الحروب، فقد أصرّت على جمع أقطاب متعارضة في هذه الحكومة، وهذه الأقطاب لن يستقر معها الوضع في أفغانستان، لعدم وجود التفاهم والتوافق والتنسيق في الرؤى والبرامج بين الفريق الذي سيعمل من خلال هذه الحكومة.

ولعل ما تشهده أفغانستان اليوم على صعيد هذه الأزمة يعيد إلى الواجهة الجدال الذي جرى بشأن عدم إجراء الانتخابات في مثل هذه الظروف، وكان الأحرى التوصل من خلال المحادثات الجادة إلى إنهاء الحرب، وتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية لفترة انتقالية، ثم إجراء الانتخابات العامة الحقيقية تحت إشرافها ومن ثم تشكيل حكومة مستقرة تحت قيادة من يختاره الشعب.

أُجريت الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية الأفغانية يوم السبت 5 إبريل/نيسان 2014، ولم تحسم نتائجها في هذه الجولة؛ لأن أحدًا من المرشحين لم يتمكن من إحراز أكثر من 50% من أصوات الناخبين، وبناء على المادة رقم (61) من القانون الأساسي للدولة(1) أُجريت الجولة الثانية بين اثنين من المرشحين اللذين حصلا على أعلى الأصوات، وهما: الدكتور (الطبيب) عبد الله عبد الله والدكتور محمد أشرف غني أحمد زاي، وكان ذلك يوم 14 يونيو/حزيران 2014 بعد أن تأجلت أكثر من مرة.
وبعد مضي قرابة شهرين ونصف الشهر ما زال الشعب الأفغاني ينتظر إعلان نتائج تلك الانتخابات. تسعى هذه الورقة إلى بحث مشكلة الانتخابات الرئاسية الأفغانية، وأسبابها وتأثيراتها. وتحاول تقديم بعض السيناريوهات للحكومة المقبلة.

الأزمة وأسبابها

عندما أُعلنت النتيجة الأولية للانتخابات رفضتها حملة الدكتور عبد الله عبد الله متهمة المفوضية المستقلة للانتخابات ومن ورائها الحكومة الحالية بالتزوير المنظم، فتدخلت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية للوساطة، لكن الأزمة ما زالت قائمة إلى اليوم، وتتلخص أسبابها الحقيقية فيما يلي:

أولاً: التزوير على نطاق واسع: أُجريت الانتخابات الرئاسية الحالية في ظروف كانت الفرص مهيأة فيها للتزوير واسع النطاق لكل الأطراف المشاركة فيها، وقد استغلها جميعهم، ومما وفر فرص التزوير الكبيرة الأسباب التالية:

  1. الظروف الأمنية المتردية التي أُجريت فيها الانتخابات: كانت تقارير وسائل الإعلام العالمي وما نشرته من تقارير حول الإقبال الكبير للناخبين على صناديق الاقتراع في جولتي الانتخابات الرئاسية الأولى والثانية تصمّ الآذان، وكان يُقصد من ذلك أن تثبت الإدارة الأميركية أنها، وهي تنسحب من أفغانستان، تترك بلدًا ديمقراطيًا كما وعدت، وأن نسبة المشاركة في الانتخابات فيها تفوق نسبة المشاركة في الدول المستقرة. لكن المهتمين بالشأن الأفغاني يدركون أن الانتخابات قد أُجريت في ظروف أمنية متردية جدًا في كثير من الولايات والمناطق بحيث لم يكن متاحًا فتح بعض مراكز الاقتراع أصلاً، وكان هناك (906) مراكز من مجموع (6263) مركزًا، مغلقة يوم الاقتراع وفق الإحصائيات الرسمية(2)، وفي مناطق أخرى كثيرة لم يخرج الناس من بيوتهم أصلاً لكن الصناديق مُلئت بالأصوات المزورة، ولم يكن من الممكن مراقبة تلك المراكز بسبب الأوضاع الأمنية.
  2. المفوضية المستقلة للانتخابات: شاركت المفوضية في التزوير لصالح بعض الشخصيات القيادية في الجهة التي شُكّلت للإشراف على إجراء الانتخابات التي أُريد أن تكون نزيهة. وقد اتُهم الأمين العام للمفوضية المستقلة للانتخابات ضياء الحق أمر خيل بممارسة التزوير، وقد اتهمه أحد المرشحين في الجولة الثانية بالتزوير الكبير والمنظم في الانتخابات لصالح مرشح آخر، وطالب حامد كرزاي بإقالته من منصبه(3) واستقال بنفسه يوم 25 يونيو/حزيران 2014، واعترف أحمد يوسف نورستان رئيس المفوضية المستقلة للانتخابات بالتهم الموجهة إليه(4) ، ولم تكن تهم التزوير قاصرة على قيادات المفوضية المستقلة للانتخابات بل طالت عددًا كبيرًا من موظفيها في الولايات، فقد أوقفت المفوضية المستقلة للانتخابات نفسها (5388) من موظفيها عن العمل بسبب اتهامها إياهم بالتزوير لصالح مرشح أو آخر(5).
  3. مؤسسات الدولة وإداراتها: كانت مؤسسات الدولة وإداراتها منقسمة بين المرشحين في الجولة الثانية للانتخابات، لأن إدارة الدولة ومؤسساتها لم تُبْنَ على أسس وطنية سليمة، بل كانت الانتماءات العرقية والحزبية حاضرة في تأسيسها، وقد مارس كل موظف إدارة التزوير في دائرة عمله لصالح من يؤيده، فقد أعلن رئيس المفوضية المستقلة للانتخابات أنه أرسل قائمة كبيرة بأسماء المتهمين بالتزوير لرئيس الدولة، وأن هذه القائمة مشتملة على أسماء محافظي الولايات وقيادات الشرطة ورؤساء البلديات وغيرهم، وطالبهم بالتنحي عن وظائفهم(6)، فإذا كان هؤلاء ضالعين في التزوير وهم يملكون كل الصلاحيات في مناطقهم فإلى أي مدى يكون التزوير في هذه الانتخابات؟!
  4. المسلحون: كما لا يخفى أن عددًا كبيرًا من المسلحين وأمراء الحرب ما زالوا يحملون أسلحة غير مصرح بها في المناطق النائية، بل وفي بعض المدن الكبيرة كذلك، لقد أجبر هؤلاء المسلحون موظفي المفوضية المستقلة للانتخابات على التزوير لصالح المرشح الذي يؤيدونه، يقول عبد الرحمن هوتك النائب الأول لرئيس المفوضية المستقلة للانتخابات: "لقد اعتُدي على موظفي المفوضية المستقلة للانتخابات يوم الاقتراع في العديد من المحافظات من قِبل مسلّحين وأمراء الحرب، وأجبروهم على التزوير"(7). وكان ذلك من أهم أسباب التزوير الكبير الذي مورس في الانتخابات الرئاسية.

ثانيًا: عدم قبول أصول اللعبة الديمقراطية: لا شك أن اللعبة الديمقراطية لها أصولها وضوابطها؛ فإذا قبلت الأطراف السياسية في الظروف الاستثنائية، مثل ظروف أفغانستان، المشاركة فيها يجب عندئذ القبول بنتائجها التي تعلنها الجهات المختصة أيًا كانت تلك النتائج، وخاصة بعد فحص الآراء والأصوات والتمييز بين الأصوات المزورة والأصوات الصحيحة، وفحص الشكاوى الانتخابية من قبل المفوضية المستقلة للشكاوى الانتخابية، لكن الذي يحدث الآن في أفغانستان هو مخالف لما تمليه أصول تلك اللعبة؛ فإن أصول الديمقراطية تقتضي أن يكون فيها كاسب وخاسر، لكن الأطراف المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة لا تقبل سوى كسب المعركة الانتخابية، وتهدد بإسقاط الدولة إن لم يُعلَن نجاحُها من قبل المفوضية المستقلة للانتخابات، وهدد أحد الطرفين بتشكيل حكومة موازية، كما هددوا بالاستيلاء على مؤسسات الدولة ومقرات الحكومة إن لم تعلن المفوضية المستقلة للانتخابات فوزه في الانتخابات. فإن تذرعوا بالتزوير، وأنهم يرفضون النتائج لإعادة الحق إلى نصابه، فإن التزوير مارسه الجميع؛ كل حسب استطاعته، ومع ذلك فإنهم كانوا يعرفون يقينًا أن التزوير سيحدث ومع ذلك قبلوا المشاركة في الانتخابات، كما أن لمنع التزوير، ومنع آثاره طرقًا قانونية يجب الرجوع إليها.

ثالثًا: الرغبة الأميركية في إيجاد الأزمة: ومن أهم أسباب حدوث الأزمة السياسية الحالية المصالح الأميركية ورغباتها؛ فإنها لو أرادت أن تحسم نتيجة الانتخابات لحُسمت خلال أيام بعد الجولة الثانية، لكنها شجعت الأطراف المنافسة بسكوتها على المضي في مطالبها، وذلك لأن حدوث الأزمة يوفر الفرص لها لفرض إرادتها في تحقيق ما كانت تسعى له منذ خمس سنوات أو أكثر، وهو إيجاد منصب تنفيذي إلى جانب منصب رئيس الدولة، لأنها تريد بذلك أن تتعدد مراكز القوى داخل النظام الأفغاني، لئلّا تُكرّر تجربة حامد كرزاي مرة أخرى، حيث لم تستطع أن تملي على حامد كرزاي رأيها في العديد من القضايا الخلافية بينه وبين أميركا لعدم وجود مراكز أخرى للقوة داخل النظام، ليتم الضغط من خلالها على حامد كرزاي، ومن أهم تلك القضايا الاتفاقية الأمنية بين كابول وواشنطن التي ما زالت تنتظر التوقيع مع شدة إصرار الولايات المتحدة الأميركية على توقيعها قبل نهاية العام الماضي.

وهناك قضايا أخرى كثيرة فشلت الإدارة الأميركية في فرض رأيها فيها على حامد كرزاي، فخلقت هذه الأزمة الانتخابية أو على الأقل هيأت الفرصة لحدوثها لتتمكن من مساومة المرشحين لتحقيق تلك الرغبة التي انتظرت لتحقيقها خمس سنوات، وكان حامد كرزاي قد حذّر مما يحدث الآن قبل إجراء الانتخابات بستة أشهر تقريبًا، ولمّا اشتدت الضغوط الداخلية والخارجية عليه لتوقيع الاتفاقية الأمنية مع أميركا طلب مجلس الأعيان (لويا جركا) للتشاور يوم 21-24 من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، وتحدث في جلسته الختامية بالتفصيل ووضع عدة شروط لتوقيع الاتفاقية الأمنية، منها: توفير ضمان مكتوب من قبل واشنطن بإجراء انتخابات نزيهة وعدم التدخل فيها.

وبرر ذلك بأن الإدارة الأميركية أساءت بتدخلها السافر في الانتخابات الرئاسية السابقة (عندما انتُخب حامد كرزاي للمرة الثانية رئيسًا)، وكانت تساوم معه على إيجاد منصب تنفيذي يُحوّل إليه جزء من صلاحيات الرئيس، وأنه يخاف أن تعود لسيرتها السابقة في الانتخابات المقبلة، يبدو ذلك جليًا في حديث لحامد كرزاي نصه: "قبل أن تأتوا لاجتماعكم بثلاثة أيام تقريبًا، كنت أنا والسيد وزير الخارجية واسبنتا (مستشار الرئيس للشؤون الأمنية) والسيد عبد الكريم خرم نناقش وفدًا أميركيًا مكونًا من السفير الأميركي والجنرال دونفورد (قائد قوات الناتو في أفغانستان) حول الاتفاقية الأمنية، فلم نتفق على البند الثالث المتعلق بالعمليات العسكرية التي يتعرض لها الأفغان في مساكنهم... فقلت للسفير الأميركي: لم تستعجلون؟ لم تصرون على أن يتم توقيع هذه الاتفاقية معي شخصيًا؟ لم لا تنتظرون حوالي خمسة أشهر؟ ستتشكل حكومة جديدة لم لا توقعون هذه الاتفاقية معها؟ قال: لا نستطيع أن ننتظر، قلت: قضيتم اثنتي عشرة سنة في أفغانستان، لماذا لا تنتظرون خمسة أشهر؟ قالوا: لدينا ترتيبات، ومن الممكن أن تنتقل الانتخابات (يتحدث عن الانتخابات الحالية) إلى الجولة الثانية، وتتأخر نتائجها لمدة خمسة أو ستة أشهر! هنا صُعقت، وسألت نفسي: لماذا تتأخر نتائجها خمسة أو ستة أشهر؟ وخطر في ذهني ما حدث في الانتخابات الماضية، وأنهم يريدون أن يلعبوا في الانتخابات المقبلة لعبتهم في الانتخابات الماضية... ثم طلب مني جون كيري أن ننتقل إلى الجولة الثانية وحلف لي على أنهم على استعداد لإجراء الجولة الثانية (مع أن مجموعة من أصدقائي كانوا يشكّون في ذلك). ومع أنهم كانوا قد شوهوا الجولة الأولى وشككوا في نزاهتها أخلفوا وعدهم ولم يُجروا الجولة الثانية، كانت الأمور في تلك الفترة مستقرة نوعًا ما، كنت قد حكمت أفغانستان لمدة سبع سنوات فلم تضطرب الأمور، لكنهم إن أجروا الجولة الأولى في الانتخابات المقبلة (يقصد الانتخابات الحالية) ثم عطّلوا النتائج لمدة خمسة أو ستة أشهر، وخرج مرشحان، يكون كل واحد منهما يظن نفسه أنه قد كسب الانتخابات، وتكون فترة الحكومة الحالية منتهية، ستبقى أفغانستان من غير حكومة ونظام! ومن هنا أطالب المجتمع الدولي بإجراء الانتخابات وفق الدستور الأفغاني، وأن ينتهي كل شيء خلال أسبوعين فقط، لماذا التأخير؟ تأخير خمسة أو ستة أشهر؟!"(8).

لقد حدث فعلاً ما كان يخشاه حامد كرزاي ويسعى لأخذ ضمانات أميركية بعدم حدوثه.

رابعًا: استخبارات بعض الدول المجاورة: قدمت حملة الدكتور عبد الله عبد الله تسجيلات لبعض المكالمات الهاتفية لبعض الشخصيات في المفوضية المستقلة للانتخابات ولبعض القيادات في الحكومة تدل على تدخلها في الانتخابات لصالح الدكتور محمد أشرف غني، ونشرت وسائل الإعلام في حينه أن استخبارات إيرانية قامت بتسجيل هذه المكالمات؛ لأن الجهات الأفغانية نفت ضلوعها في الأمر(9).

الآثار المترتبة على الأزمة الحالية

كانت آثار هذه الأزمة مدمرة على المجتمع الأفغاني في جميع جوانب حياته، فقد تضرر بها اقتصاديًا وأمنيًا واجتماعيًا وسياسيًا، ونستطيع أن نُجمل تلك الآثار في النقاط التالية: 

  1. الآثار الاقتصادية: لقد أثّرت الأزمة السياسية الحالية على الاقتصاد الأفغاني تأثيرًا مدمرًا؛ لقد توقفت حركة السلع في الأسواق، فقلّت عوائد الدولة من الجمارك، ويواجه الاقتصاد الأفغاني حالة ركود شديدة، بدأ أهل الثروة من الأفغان وغيرهم ينقلون ثرواتهم خارج أفغانستان، وارتفعت معدلات البطالة، وتوقفت عن الإنتاج المصانع القليلة التي كانت تشتغل، لقد أبدت جامعة الدول الأوروبية تخوفًا من عجز الحكومة الأفغانية عن دفع مستحقات موظفي الدولة، ويقول وزير المالية الأفغاني حضرت عمر زاخيلوال: خسرت أفغانستان بسبب تأخير إعلان نتائج الانتخابات خمسة مليارات من الدولارات، كما أن ستة مليارات من الثروات الشخصية هُرّبت من البلد لنفس السبب، وأن عوائد الدولة تناقصت هذه السنة بنسبة 25% عن السنة الماضية.

    وحذر الوزير الأفغاني من أن مزيدًا من التأخير في إعلان النتائج سيسبّب أزمة مالية حادة في أفغانستان، فإذا لم تتمكن الدولة من جمع العوائد المطلوبة لن تتمكن من تأدية حقوق الموظفين، وذلك سيؤدي إلى أزمات خانقة في البلد، وقد تضطر الحكومة لأن تسرّح عددًا كبيرًا من موظفيها، وتخفّض رواتب الآخرين، وهذا أيضًا سيسبب أزمات كبيرة في البلد"(10). ومما لا يخفى على المتابع أن المجتمع الدولي يموّل مشاريع كثيرة في أفغانستان، كما أنه يوفر الميزانية التطويرية للحكومة، هذه الدول كلها أوقفت المشاريع الجديدة، كما أنها بالنسبة لمشاريعها الجارية في حالة الانتظار، وقد أدى ذلك إلى الركود الاقتصادي أيضًا.

  2. وخامة الأوضاع الأمنية: تدهورت الأوضاع الأمنية في الشهور التي تلت إجراء الانتخابات الرئاسية؛ لأن أغلب مؤسسات الدولة الأمنية والشخصيات المحورية في الحكومة منشغلة بالحكومة المقبلة، فقد ازدادت حوادث القتل والسرقة ونهب الناس بقوة السلاح في العاصمة كابول التي كانت تُعتبر من أكثر المناطق أمنًا، وأما المناطق البعيدة والنائية فالأمور ساءت أكثر؛ حيث زادت حوادث الاختطاف لأجل المال من قبل مجموعات مسلحة في القرى والأرياف والطرق العامة بين المدن الكبيرة.

    أما المعارضة المسلحة فقد نشطت بشكل غير عادي في هذه الفترة، واستولت على العديد من المديريات في ولاية هلمند، وقندز، ونورستان وغيرها من الولايات، كما نفّذت العديد من العمليات في المدن الكبيرة، ولأجل وخامة الأوضاع الأمنية اجتمعت الهيئة الإدارية للبرلمان الأفغاني بقيادة عبد الرؤوف إبراهيمي رئيس البرلمان بالقيادات الأمنية ووزيري الدفاع والداخلية ورئيس الأمن يوم 30 أغسطس/آب 2014، وقد أبدى رئيس البرلمان القلق بخصوص الأوضاع الأمنية الوخيمة في البلد وبخصوص الحوادث الأخيرة في ولاية قندز وسائر أنحاء البلد، وأشار إلى أن الظروف الأمنية ساءت كثيرًا بسبب اعتداءات الجيش الباكستاني على الحدود الأفغانية وبسبب الأزمة السياسية الحالية(11).

  3. فقدان الثقة في النظام السياسي: لقد أدى النزاع السياسي الحاد على المناصب الحكومية وتأجيل إعلان النتائج أكثر من شهرين إلى أن يفقد الشعب الأفغاني الثقة في النظام القائم على الانتخابات، لأن الشعب توصل إلى أن صناديق الاقتراع لا تقرر شيئًا بل القرار النهائي بيد الجهات الأجنبية.

الحل الذي اقترحه جون كيري

عندما احتدت الأزمة وهدد الدكتور عبد الله عبد الله بتشكيل حكومة موازية للحكومة المركزية في حال إعلان نتيجة الانتخابات لصالح الدكتور محمد أشرف غني أحمد زاي وصل وزير الخارجية الأميركي إلى كابول لإجراء محادثات بين مرشحي منصب الرئاسة صباح يوم الجمعة 11 يوليو/تموز 2014، وبعد عدة لقاءات مع المرشحين توصل معهما إلى حل كانت الإدارة الأميركية تسعى إلى تحقيقه منذ خمس سنوات أو أكثر، وكان الحل هو تشكيل "حكومة الوحدة الوطنية"(12)، ولا يمكن أن يكون قد جرى التوصل إليه بالصدفة، ومن هنا يغلب الظن أن الأزمة الحالية التي مهدت الطريق لواشنطن لتصل إلى هدفها حدثت بتخطيط منها أو على أقل تقدير هيأت الظروف لحدوثها.

ويقصد بحكومة الوحدة الوطنية أن يشارك المرشحان وحملاتهما في تشكيل الحكومة المقبلة، وأن لا يكون في الانتخابات كاسب وخاسر، بأن يتم إيجاد منصب تنفيذي يتولاه المرشح الذي لم يتمكن من كسب الأصوات المطلوبة ليحوز منصب الرئاسة، كما أنه سيعيّن قائد المعارضة، أما باقي تفاصيل "حكومة الوحدة الوطنية" فهي محل نزاع حتى الآن، ومما لم يتفق عليه المرشحان حتى الآن صلاحيات هذا المنصب التنفيذي، وتقسيم باقي المناصب المحورية في الدولة، ومن هنا يحتد النزاع بينهم من وقت لآخر.

الآثار المترتبة على هذا الحل

هذه التوليفة التي اقترحتها أميركا لن تجدي أفغانستان نفعًا، وستكون مثارًا للمشاكل المستمرة، كأن الحكومة الأميركية تكرر نفس الخطأ الذي ارتكبته في مؤتمر بون عام 2001؛ حيث استبعدت في ذاك المؤتمر قوى مؤثرة في الساحة السياسية فكانت النتيجة كما رأيناها خلال ثلاث عشرة سنة ماضية، وتكرر نفس الخطأ اليوم كذلك، فبدل أن تشكّل "حكومة الوحدة الوطنية" الحقيقية، تحاول أن تجمع بين قطبين متعارضين في حكومة وتسميها "حكومة الوحدة الوطنية" لتضيف مصطلحًا آخر إلى قائمة المصطلحات الإيجابية التي شوهتها بتفريغها من مفاهيمها الحقيقية وإلباسها معاني أخرى، سنشير باختصار إلى الآثار السلبية التي ستترتب على هذه الاتفاقية:

  1. نقض الدستور الأفغاني: لقد نص الدستور الأفغاني على نوعية الحكومة وتركيبتها، وصلاحيات رئيس الدولة، كما أن الدستور الأفغاني إلى جانب قانون الانتخابات ينص على حل المشاكل التي تحدث أثناء الانتخابات، ومما ينص عليه الدستور أن الصلاحيات التنفيذية بيد رئيس الدولة، لكن الاتفاقية التي تم توقيعها بين المرشحين بوساطة جون كيري تنص على إيجاد منصب تنفيذي تحوّل إليه حزمة من صلاحيات رئيس الدولة، ثم يُعدّل الدستور من قبل مجلس الأعيان (لويا جركا) خلال سنتين وفق ما تم الاتفاق عليه مع جون كيري(13)، هل هناك تلاعب أكبر من ذلك بالدستور؟! الدول المحترمة توافق على الدستور لتضبط على أساسه الأوضاع السياسية، أما هنا فيتم الاتفاق مع جون كيري على شكل للنظام ثم يعدل الدستور وفقه.
  2. فتح الباب للضغوط الأميركية: ستجد الإدارة الأميركية وسيلة لممارسة الضغوط على مثل هذه الحكومة لإخضاعها لمطالبها، لأنها ستكون مشكّلة من أطراف مختلفة ستُشعر أميركا كل طرف منها بأنها ساعدته في الوصول إلى المنصب الذي يتولاه، وعند الضرورة ستقرّب طرفًا للضغط على طرف آخر لتُخضعه لمطالبها، وهذا أهم ما تقصده أميركا من هذه الوساطة، وإنهاء المشكلة بهذه الصورة.
  3. ستدار الحكومة في الفترة المقبلة كشركة مساهمة: هذه الحكومة التي تم الاتفاق عليها بوساطة أميركية أو بالأحرى بطلب أميركي ستكون مثل شركة مساهمة ستُوزّع فيها الوزارات بين الأطراف المختلفة، وكل وزير سيكون تابعًا للجهة التي عينته، ولن يشعر بضرورة تنفيذ برنامج الرئيس الأفغاني، ومن هنا لن يتمكن الرئيس الأفغاني المقبل من أن يطبّق برنامجه الانتخابي، وهذه حالة عانى منها الشعب الأفغاني كثيرًا في فترة الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، لأن الجهات المؤثرة كانت ترتكب كل أنواع الفساد والاختلاس، والاستيلاء على ممتلكات الدولة والعامة، والرئيس كان عاجزًا من محاسبتهم، لأنهم كانوا شركاءه في الحكم، إلى جانب ذلك لم تتمكن الحكومة من القيام بمسؤولياتها تجاه الشعب في مجال التنمية والتقدم لنفس السبب، وإذا شُكّلت هذه الحكومة -التي سُمّيت بحكومة الوحدة الوطنية- ستستمر الحال على ما هي عليه، بل ستكون أسوأ مما كانت، مع أن الشعب الأفغاني كان يتوقع تغييرًا إيجابيًا بعد الانتخابات.
  4. ستكون الحكومة المقبلة سببًا للمشاكل: الحكومة هي الجهة التنفيذية للبرنامج الذي تعده الجهة التي تكسب ثقة الشعب، ومن هنا يجب أن يكون بين أعضائها ووزرائها توافق في الرؤى والبرامج والأولويات، وما لم يحصل هذا التوافق بين أفراد الفريق الذي يعمل معًا سيكون ذلك سببًا للمشاكل وستتعطل مصالح الناس، ولن يمكن إنجاز المسؤوليات التي يحددها برنامج الحكومة، والحكومة التي ستُشكّل باسم حكومة الوحدة الوطنية لن يكون بين أفرادها ذلك التوافق، ومن هنا ستكون سببًا للمشاكل المستمرة، بل ستستمر المشاكل بين الشخصيات المحورية فيها على توزيع المناصب الحكومية والصلاحيات كما يحدث الآن قبل تشكيل الحكومة.

الاقتراح البديل

يتساءل بعض الناس: إذا كانت حكومة الوحدة الوطنية تحمل في تشكيلها هذه المشاكل فما هو البديل عنها؟ وهل يوجد هناك حل آخر أفضل في هذه الظروف؟ وينسى الفريق الذي يطرح هذه الأسئلة أن الانتخابات قد أُجريت في ظروف غير صالحة لها، ومن ثم كانت نتيجتها كما نراها ونشاهدها، وأن نهايتها بهذه الصورة كانت أمرًا مخططًا من قبل، ومن هنا لم يكن من المعقول أن تُجرَى الانتخابات في مثل هذه الظروف؛ ظروف الانقسام الحاد في المجتمع مع استمرار الحرب، ولما قبل الناس خوض الانتخابات في مثل هذه الظروف فقد استجابوا للوقوع في المستنقع الذي أُريد منهم الوقوع فيه.

وكان المفترض من البداية أن تُشكّل حكومة انتقالية أو حكومة الوحدة الوطنية لفترة محددة بمشاركة جميع الأطراف الأفغانية بعد محادثات حقيقية وجادة، لإتمام التعديلات اللازمة في الدستور، واتخاذ الترتيبات اللازمة لإجراء الانتخابات العامة بعد توقف القتال وتوقف نزيف الدم ومن ثم إجراء الانتخابات العامة وتسليم السلطة لمن سيختاره الشعب.
______________________________________
د. مصباح الله عبد الباقي: أستاذ في جامعة سلام، كابل.

الهوامش والمصادر
1  - قانون اساسي افغانستان (النسخة الرسمية)، الفصل الثاني: رئيس الدولة، المواد من 60 إلى 67، ص18-24، (كابول، 14/جدي/1382الموافق 4 يناير/كانون الثاني عام 2004م).
2- روبين رهنوش، تقرير بعنوان: (در روز انتخابات 906 مرکز راي دهي بسته خواهد بود) ستکون 906 مراکز من مراکز الاقتراع مغلقة يوم الاقتراع، نشره موقع خامه پرس يوم 9 يونيو/حزيران 2014م، وتمت مراجعته يوم 30 أغسطس/آب 2014م على العنوان التالي: http://www.khaama.com/persian/archives/14922 .
3 - عبد الواحد عادل، تقرير إخباري بعنوان: (عبد الله عبد الله: صلاحيت امرخيل به تعليق در آورده شود) "عبد الله عبد الله: يجب إيقاف أمر خيل عن عمله"، نشره موقع صوت أميركا بالفارسية، يوم 15 يونيو/حزيران 2014م، (يوم المراجعة 31 أغسطس/آب 2014م) على العنوان التالي: http://www.darivoa.com/content/abdullah-abdullah-asked-for-suspension-of-amarkhel-authotities/1937553.html
4 - صالحه سادات، تقرير عن مقابلة صحفية مع أحمد يوسف نورستاني (نورستاني: اگر ضياء الحق امرخيل گناه کار نمي بود فرار نمي کرد) "نورستاني: لو لم يكن ضياء الحق أمر خيل مجرمًا لما فرّ من البلد"، موقع طلوع نيوز بالفارسية يوم 3 يوليو/تموز 2014م (يوم المراجعة 31 أغسطس/آب 2014م) على العنوان التالي: http://www.tolonews.com/fa/election-2014/15471-amarkhail-would-not-escape-if-innocent-nuristani
5 - أحمد ظاهر قادري، (نورستاني: مقام هاي دولتي که در تقلب انتخاباتي دست داشتند به زودي برکنار شوند) "الشخصيات الحکومية الكبيرة الذين كانوا ضالعين في التزوير في الانتخابات يجب أن يتنحوا عن مناصبهم"، تقرير عن لقاء صحفي لأحمد يوسف نورستاني نشره موقع "خبر گزاري بخدي" يوم 27 مايو/أيار 2014م، وراجعته يوم 1 سبتمبر/أيلول 2014م على الرابط التالي: (http://www.bokhdinews.af/election/17032-%D9%86%D9%88%D8%B1%D8%B3%D8%AA%D8%A7%D9%86%DB%8C-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%85-%D9%87%D8%A7%DB%8C-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%AA%DB%8C-%DA%A9%D9%87-%D8%AF%D8%B1-%D8%AA%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA%DB%8C-%D8%AF%D8%A7%D8%B3%D8%AA-%D8%AF%D8%A7%D8%B4%D8%AA%D9%86%D8%AF-%D8%A8%D9%87-%D8%B2%D9%88%D8%AF%DB%8C-%D8%A8%D8%B1%DA%A9%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%B4%D9%88%D9%86%D8%AF)
6 - المصدر السابق.
7 - مريم محمدي، تقرير بعنوان: (مداخله گسترده مقامات دولتي در انتخابات 24 جوزا) "التدخل الکبير للشخصيات الحكومية الكبيرة في انتخابات يوم 14 يونيو"، نشره الموقع الرسمي لتليفزيون "نورين" يوم 25 يونيو/حزيران 2014م، وروجع يوم 30 أغسطس/آب 2014م على الرابط التالي: http://www.noorintv.af/index.php/permalink/5315.html
8 - الرئيس الأفغاني حامد كرزاي، (متن کامل سخنراني حامد کرزي رئيس جمهوري اسلامي افغانستان در محفل اختتاميه لويه جرگه مشورتي) "نص خطاب الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في الحفل الختامي لمجلس الأعيان (لويا جركا)" المنشور على الموقع الرسمي لرئيس جمهورية أفغانستان الإسلامية، يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2013م، يوم المراجعة 1 سبتمبر/أيلول 2014م على العنوان التالي:  http://president.gov.af/fa/documents
9 - تصريحات وزارة الداخلية والاستخبارات، (وزارت امور داخله وامنيت ملي دخالت در قضيه شنود مكالمات تلفوني را رد كردند) رفضت وزارة الشؤون الداخلية والاستخبارات الضلوع في قضية التنصت على المكالمات التليفونية، تقرير نشرته وكالة "پژواک نيوز" يوم 25 يونيو/حزيران 2014م، وتمت مراجعته يوم 1 سبتمبر/أيلول 2014م على الرابط التالي: http://www.elections.pajhwok.com/dr/2014/06/25-6
10- تصريحات وزير المالية حضرت عمر زاخيلوال، (وزير ماليه: بحران انتخابات پنج ميليارد دلار به اقتصاد ما صدمه زده) "وزير المالية: خسرت أفغانستان بسبب أزمة الانتخابات خمسة مليارات دولارات" المنشورة على موقع إذاعة بي بي سي بالفارسية، يوم 25 أغسطس/آب 2014م، وروجع الموقع يوم 9 يناير/كانون الثاني 2014م على العنوان التالي: إضغط هنا
11 - تقرير إخباري بعنوان: (رئيس ولسي جرگه در نشستي با مسئولان امنيتي کشور در مورد مشکلات امنيتي بحث کرد) "رئيس البرلمان ناقش المشاكل الأمنية في اجتماع مع القيادات الأمنية في البلد" نشرته وكالة أنباء باختر الرسمية، يوم 30 أغسطس/آب 2014م، ورجعت إليه يوم 1 سبتمبر/أيلول 2014م، على العنوان التالي:  http://www.bakhtarnews.com.af/dari/political-news/item/37275-%D8%B1%DB%8C%DB%8C%D8%B3-%D9%88%D9%84%D8%B3%DB%8C-%D8%AC%D8%B1%DA%AF%D9%87-%D8%AF%D8%B1-%D9%86%D8%B4%D8%B3%D8%AA%DB%8C-%D8%A8%D8%A7-%D9%85%D8%B3%D9%88%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%85%D9%86%DB%8C%D8%AA%DB%8C-%DA%A9%D8%B4%D9%88%D8%B1-%D8%AF%D8%B1-%D9%85%D9%88%D8%B1%D8%AF-%D9%85%D8%B4%DA%A9%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%85%D9%86%DB%8C%D8%AA%DB%8C-%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%DA%A9%D8%B1%D8%AF.html
12 - انظر تفاصيل الاتفاقية التي توصل إليه المرشحان مع جون كيري في (متن کامل اعلاميه مشترك نامزادن رياست جمهوري افغانستان) "المتن الكامل لاتفاقية مرشحي الرئاسة في أفغانستان"، المنشور على موقع إذاعة بي بي سي بالفارسية يوم 8 أغسطس/آب 014م وراجعته يوم 1 سبتمبر/أيلول 2014م على الرابط التالي:  إضغط هنا
13 - (متن کامل اعلاميه مشترك نامزادن رياست جمهوري افغانستان) "المتن الكامل لاتفاقية مرشحي الرئاسة في أفغانستان"، المنشور على موقع إذاعة بي بي سي بالفارسية يوم 8 أغسطس/آب 2014م وراجعته يوم 1 سبتمبر/أيلول 2014م على الرابط التالي:  إضغط هنا.

نبذة عن الكاتب