مستقبل القوات الإفريقية في الصومال

من أبرز التحديات التي يتعرض لها الصومال تلاشي المنظومة العسكرية والأمنية وهو ما ولَّد فراغا كبيرا، حاول الاتحاد الإفريقي أن يضع له حدا عن طريق استقدام القوات الإفريقية إلى الصومال، وما زالت تلك التحديات ماثلة أمام الحكومة الصومالية مما يجعل بقاء هذه القوات أمرا ضروريا.
201512684837496734_20.jpg
قاعدة حلني الحصينة التي تتخذها القوات الأفريقية بالصومال مقرا رئيسيا لها (الفرنسية/غيتي)
ملخص
كان الهدف من إرسال قوات إفريقية إلى الصومال تحت غطاء دولي هو الوقوف في وجه حركة الشباب المجاهدين التي تصنفها الكثير من الدوائر الإفريقية والعالمية على أنها تنظيم إرهابي، كما تهدف هذه القوات إلى إعانة الحكومة الانتقالية في الصومال على ضبط الأمن ويناط بها أيضا المساهمة في النشاط الإنساني والإغاثي التي تحتاجه الكثير من شرائح الشعب الصومالي. كان عددها في البداية في حدود خمسة آلاف ثم تطور العدد إلى أكثر من 22 ألف جندي من ست دول إفريقية. وقد نجحت هذه القوة القارية في الكثير من مهامها الأمنية والإنسانية، خصوصا وأن الجيش الصومالي أصبح معدوما بعد أن أنهكته الحرب الأهلية والفراغ السياسي والأمني المنتشر في البلاد، فضلا عن القرار الأممي بحظر تصدير السلاح للصومال. كما شكلت حركة الشباب المجاهدين تحديا ملموسا للجيش الصومالي. ومع ما عرفته الصومال مؤخرا من تراجع أهمية حركة الشباب في الميدان إلا أن واقع الجيش الصومالي وحاجته إلى تأهيل وإعادة بناء تجعل بقاء القوات الإفريقية في الصومال أمرا حيويا.

في شهر أغسطس/آب من عام 2004 تمخضت عن مؤتمر المصالحة الصومالية في كينيا حكومة انتقالية بقيادة الرئيس الراحل عبد الله يوسف أحمد؛ الذي واجهت حكومته عقبتين رئيستين؛ الأولى: نفوذ زعماء الحرب؛ الذين كانوا سببًا في فشل حكومة سلفه عبد قاسم صلاد حسن، والثانية: كانت ظهور لاعب جديد أكثر خطورة وتعقيدًا من زعماء الحرب؛ وهو ما كان يعرف آنذاك بالمحاكم الإسلامية؛ وهي عبارة عن تحالف يضمُّ في جنباته تيارات إسلامية جهادية وأخرى تقليدية، إلى جانب واجهات قبلية فرضت عليها مصالحها أن تتحالف مع القوى الإسلامية.

وبسبب هاتين العقبتين لم تستطع حكومة الرئيس عبد الله يوسف الاستقرار في العاصمة؛ التي كانت معقلاً لزعماء الحرب ثم للمحاكم الإسلامية، وانقضى عامان من عمر الحكومة وهي تبحث عن مقرٍّ لها، وتنقلت بين مدينة جوهر على بعد تسعين كيلومترًا شمال العاصمة، ومدينة بيدوا الواقعة على بعد نحو 220 كيلومترًا جنوب غربي العاصمة، وفي 18 من شهر فبراير/شباط عام 2006 أعلن تسعة من زعماء الحرب تحالفًا باسم: "محاربة الإرهاب وفرض السلام"، واندلعت في اليوم نفسه مواجهات مسلحة بين ميليشيات التحالف والمحاكم الإسلامية؛ استمرت قرابة أربعة أشهر انتهت بالسيطرة الكاملة للمحاكم الإسلامية على العاصمة؛ وذلك بعد إرغام زعماء الحرب على إخلاء مواقعهم ومغادرة العاصمة، مسدلة بذلك الستار على خمس عشرة سنة من نفوذ زعماء الحرب في العاصمة مقديشو.

بعد انفراد المحاكم الإسلامية بسيطرتها على العاصمة ظهر عاملان جديدان دفعا المحاكم الإسلامية نحو الاستمرار في العمليات العسكرية، والسعي لوأد الحكومة الانتقالية في مهدها (مدينة بيدوا)؛ والعاملان هما: 

  1. نزعة التيار الجهادي في المحاكم الذي اشتُهر فيما بعد باسم: "حركة الشباب المجاهدين"؛ حيث كان هذا التيار بقيادة كوادر شبابية تواصلت مع تنظيم القاعدة بطرق مباشرة وغير مباشرة، وكانت تسعى لإعلان ميلادها عن طريق إطلاق عمليات جهادية مسلحة على الوجود الأجنبي في الصومال، وعلى الحكومة الانتقالية المدعومة من دول الجوار والمجتمع الدولي. 
  2. الشعور الذي ساد لدى عشائر "الهوية" ذات نفوذ الأكبر في العاصمة والمحافظات المجاورة لها؛ التي احتضنت مشروع المحاكم الإسلامية ووقفت معه ضد زعماء الحرب، كانت هذه العشائر تنظر إلى حكومة الرئيس عبد الله يوسف المدعومة من قبل إثيوبيا عسكريًّا وسياسيًّا بعين الريبة، وترجمت أجندة حكومته في ضوء ترسبات الحرب الأهلية التي أطاحت بحكومة الرئيس زياد بري في عام 1991.

هذان العاملان إلى جانب عوامل أخرى دفعت قرار المحاكم الإسلامية إلى إعلان الحرب والجهاد على حكومة بيدوا؛ مما دفع الأخيرة إلى توجيه دعوة للقوى الدولية والإقليمية لحمايتها من زحف قوى المحاكم؛ وذلك في وقت كانت الحكومة الإثيوبية تحتفظ بعدد من قواتها في مدينة بيدوا لتوفير الحماية للحكومة الانتقالية، ثم دفعت وحدات أخرى من جيشها عبر حدودها مع محافظتي مدج وهيران لوقف زحف المحاكم الإسلامية لمناطق تعتبرها إثيوبيا نفوذًا لحلفائها. وانتهت المواجهات بين الجيش الإثيوبي ومقاتلي المحاكم الإسلامية بإسقاط سلطة المحاكم الإسلامية في العاصمة ووسط وجنوب البلاد؛ وذلك في ديسمبر/كانون الأول 2006، واستمرَّ وجود القوات الإثيوبية للصومال حتى مطلع 2009.

قوات بعثة حفظ السلام الإفريقية في الصومال "أميسوم"

وفي 19 من شهر يناير/كانون الثاني 2007 أصدر الاتحاد الإفريقي بيانًا يُقَرِّر فيه إرسال بعثة سلام إلى الصومال تحلُّ محلَّ القوات الإثيوبية؛ مهمَّتها: 

  1. الحدُّ من التهديد الذي تشكِّله حركة الشباب المجاهدين. 
  2. تقديم الدعم لجهود مؤسسات الحكومة الانتقالية الرامية إلى ضبط الاستقرار في البلاد.
  3. توفير تسهيلات للجهود الإنسانية وخلق ظروف مواتية على المدى البعيد للاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية.(1)

وفي 20 من شهر فبراير/شباط 2007 أصدر مجلس الأمن الدولي قرارًا رقم 1744/2007 يعلن فيه دعمه لخطوة الاتحاد الإفريقي لنشر بعثة حفظ سلام إفريقية في الصومال، وترحيبه بإعلان الحكومة الإثيوبية استعدادها لسحب قواتها من الصومال.(2)

وفي 6 من مارس/آذار 2007 وصلت أول دفعة من القوات الإفريقية قوامها أربعة آلاف جندي أوغندي إلى مطار العاصمة الصومالية مقديشو، كما وصل حوالي ألف جندي من بوروندي؛ وبسبب حجم التحدِّي الأمني والعسكري الذي كانت تمثِّله حركة الشباب المجاهدين؛ التي خاضت حربًا استنزافية ضد القوات الحكومية وحلفائها من القوات الإفريقية، قرَّر الاتحاد الإفريقي وبدعم من مجلس الأمن للأمم المتحدة في قراره رقم 2124/2013 رفع عدد أفراد قوَّات حفظ السلام الإفريقية في الصومال إلى أكثر من اثنين وعشرين ألف جندي وخمسمائة وأربعين شرطيًّا من ستة بلدان إفريقية، و81 من الطاقم الإداري(3) حسب الجدول التالي:

م

البلد

عدد الجنود

1

أوغندا

6223

2

بوروندي

5432

3

إثيوبيا

4395

4

كينيا

3664

5

جيبوتي

1000

6

سيراليون

850

وتمَّ توزيع هذه القوات على أساس ستة قطاعات جغرافية في جنوب ووسط البلاد؛ وهي:

  • القطاع الأول: ويضم العاصمة ومحافظة شبيلي السفلى؛ وفيه قوات من أوغندا وبوروندي.
  • القطاع الثاني: ويضم محافظتي جوبا الوسطى وجوبا السفلى؛ وفيه قوات كينية. 
  • القطاع الثالث: ويضم محافظات باي، بكول وجدو؛ وفيه قوات إثيوبية.
  • القطاع الرابع: ويضم محافظتي هيران وجلجدود في وسط الصومال؛ وفيها قوات جيبوتية.
  • القطاع الخامس: ويضم محافظة شبيلي الوسطى؛ وفيه قوات بوروندية، إضافة إلى القوات السيراليونية التي مهمتها تأمين ميناء كسمايو كقطاع سادس.(4)

وتتوقَّع مغادرة القوات السيراليونية للصومال كليًّا في شهر يناير/كانون الثاني من هذا العام بسبب قضاء هؤلاء الجنود في الصومال أكثر مما كان مقررًا، وبعد أن تمَّ التحفُّظ على وصول قوات أخرى من جنسيتهم تحل محلهم بسبب وباء إيبولا المتفشي في بلادهم.

وقد تمكنت القوات الإفريقية منذ وصولها إلى العاصمة الصومالية قبل سبع سنوات من القيام ببعض الإنجازات الملموسة؛ التي من أهمها توفير الحماية الأمنية للمؤسسات الحكومة ولمقار المسؤولين الحكوميين، وتدريب مئات من عناصر الجيش الصومالي، كما أن زيادة عدد القوات الإفريقية دفعت مقاتلي حركة الشباب المجاهدين إلى الانسحاب من مواقعهم في العاصمة مقديشو؛ وذلك في أغسطس/آب 2011.

وفي شهر أغسطس/آب من العام السابق شنَّت القوات الحكومية وبدعم من القوات الإفريقية حملة أُطلق عليها اسم: "عملية المحيط الهندي"؛ التي تمكنت من خلالها القوات المتحالفة من استعادة أهم المدن والمناطق الرئيسة؛ التي كانت تحت سيطرة حركة الشباب المجاهدين.(5)

وحسب مسؤولين في الاتحاد الإفريقي فإنه من المقرر أن تغادر القوات الإفريقية الصومال بحلول عام 2016 مشروطة بحسب خارطة الطريق؛(6) التي تنص بإحلال السلام وإجراء أول انتخابات مباشرة لانتخاب برلمان ورئيس للجمهورية؛ لكن الواقع الصومالي له قراءة مغايرة لما هو ممكن أن يتحقق في عام 2016 من استحقاقات أمنية وسياسية قد تمهد لمغادرة القوات الإفريقية للصومال؛ وذلك في ضوء أهم ثلاثة أهداف لبعثة حفظ السلام الإفريقية في الصومال "أميسوم"؛ وهي الحد من التهديد الذي يشكِّله المسلحون الإسلاميون في وجه الحكومة الفيدرالية، والمساعدة في تدريب وبناء جيش صومالي قادر على فرض الأمن والاستقرار، وتوفير تسهيلات للجهود الإنسانية، ومن خلال إلقاء نظرة سريعة على ما تحقق في كل مهمة من هذه المهام يتضح لنا عدم واقعية تحديد عام 2016 كموعد لمغادرة القوات الإفريقية للصومال.

واقع الجيش الصومالي

كان الصومال من الدول الإفريقية المستقلة حديثًا؛ التي أصبح لها جيش يعتبر من أقوى الجيوش في القارة الإفريقية خلال أقل من عقدين من تاريخ استقلاله عن المستعمر البريطاني والإيطالي عام 1960؛(7) لكن هذا الجيش القوى مُنِيَ بانتكاسات متلاحقة جعلته أثرًا بعد عين؛ أولاً: في عام 1977 اندلعت حرب بين الصومال وجارتها إثيوبيا على خلفية النزاع حول منطقة أوغادين في شهر يوليو/تموز من العام نفسه، ونجحت خلال ثلاثة أيام في السيطرة على معظم أراضي أوغادين المتنازع عليها بين الجارتين؛(8) لكن تدخل الاتحاد السوفيتي وكوبا واليمن الجنوبي لصالح إثيوبيا، قلب ميزان المعادلة، وانسحب الجيش الصومالي وهو يجر ذيل الهزيمة.

ثانيًا: في عام 1978 ونتيجة لمرارة الهزيمة في حرب أوغادين، رأى بعض الضباط العسكريين أن المرحلة الحرجة التي تمر بها القيادة السياسية وما تعانيه من عزلة دولية قد تكون فرصة سانحة للانقضاض عليها وانتزاع السلطة منها؛ فقاموا بمحاولة انقلاب انتهت بالفشل؛ لكنها أدَّت إلى القضاء على ما تبقى من خيط تماسك في الجيش الوطني؛ حيث انعدمت الثقة بين المؤسستين الرئاسية والعسكرية، وبعدها أصبح الانشقاق المنفذ الوحيد أمام الضباط العسكريين.(9)

وأخيرًا، في عام 1991 أدَّت ثورة العشائر المسلحة إلى الإطاحة بالحكومة المركزيَّة، ودخلت البلاد في دوامة حرب أهلية جعلت عقدة الجيش الصومالي تنحل.

هذه الانتكاسات المتلاحقة جعلت الجيش الصومالي يتفكك بشكل كامل، وانقسم أفراد قواته من الجنود والضباط إلى ثلاث مجموعات: مجموعة شاركت في الحرب الأهلية وانضمت إلى صفوف الفصائل العشائرية، وأخرى فرَّت مع عائلاتها خارج الوطن، ومجموعة ثالثة بقيت في الوطن؛ لكنها لم تنخرط في فوضى الحرب الأهلية.

وفي عام 2000 تمَّ تشكيل حكومة انتقالية برئاسة عبد القاسم صلاد حسن، وبدأت هذه الحكومة محاولات لجمع شمل ما تبقى من أفراد الجيش الصومالي في العاصمة ومحيطها، فجمعت عددًا من الجنود أغلبيتهم من كبار السن أضيف إليهم مئات من الميليشيات القبلية الذين نشؤوا في الفوضى ولا يعرفون سوى ولاء القبيلة، ونتيجة لترسبات مرحلة الحرب الأهلية وثقافة الفوضى، إضافة إلى فشل الحكومات المتعاقبة في توفير الاحتياجات المادية والمعنوية اللازمة للجيش؛ إما لنقص في الموارد أو لتفشي الفساد في المؤسسات الحكومية، أخفقت جميع المحاولات الرامية إلى دمجهم في الجيش.

وكانت إعادة بناء الجيش الصومالي حتى يتسلم مهام فرض الأمن والاستقرار بندًا من وعوده الستة؛ التي أعلنها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في خطبة ترشُّحه في عام 2012، ويُقَدَّر حاليًّا عدد عناصر الجيش الوطني المسجلين لدى الحكومة كجنود بعشرين ألف جندي، يتوزعون على قواعد في وسط وجنوب البلاد؛ ومهمتهم تتلخص في الآتي:

  1. المشاركة في المعارك التي تخوضها القوات الإفريقية ضد مقاتلي حركة الشباب المجاهدين: حيث يقوم الجيش الصومالي في تحالفه مع القوات الإفريقية ضد حركة الشباب المجاهدين بأدوار لها أهميتها الاستراتيجية، فمهمة الاستطلاع ورصد تحركات مقاتلي حركة الشباب المجاهدين تقع على عاتق الجيش الصومالي.
  2. تَسَلُّم مسؤولية إدارة المناطق المحررة من القوات الإفريقية: دور القوات الأجنبية يمثل عامل ضغط على مقاتلي حركة الشباب المجاهدين؛ بسبب التفوق في الإمكانيات التي تتمتع بها القوات الإفريقية؛ التي يتجاوز عددها عشرين ألف جندي، مقارنة بمقاتلي حركة الشباب المجاهدين الذين لا يُعرف بالضبط عددهم الحقيقي ويقومون بحرب عصابات، ولن يتعدى دور القوات الإفريقية الاحتكاك بالمواطنين وتشكيل دوريات الشرطة والإدارة المحلية، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الجيش الصومالي.
  3. تولي مسؤولية مقار الهيئات الحكومية: توفير الحماية الأمنية لمقار الهيئات الحكومية ومختلف ضباط ومسؤولي الدولة هي في الأساس مهمة يقوم بها الجيش الصومالي؛ وذلك بغضِّ النظر عن حجم ومستوى التعزيزات التي تقدمها القوات الإفريقية لتأمين سلامة المقار الحكومية وأمن مسؤولي الدولة، وفي وزارة الدفاع الصومالية وحدها كان هناك ثمانمائة جندي بوروندي مهمتهم حماية وزارة الدفاع؛ لكن القائد الأعلى للقوات المسلحة الصومالية طلب مغادرتهم وترك حماية مبنى الوزارة للجيش الصومالي.

تحديات في طريق إعادة بناء جيش وطني

وفي المقابل، يواجه الجيش الصومالي تحديات كبيرة في طريق عودته جيشًا وطنيًّا قادرًا على تحمل مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار في بلده؛ ومن هذه التحديات:

  1. الظروف المالية وغياب الرعاية اللازمة: حيث إن 13 ألف جندي فقط من أصل عشرين ألفًا يتسلمون راتبًا شهريًّا قدره مائة دولار لا تفرِّق بين جندي وضابط(10)، وبطريقة متقطعة، ومبلغ مائة دولار لا يسدد الإيجار الشهري لمسكن عائلة الجندي؛ فضلاً عن تلبية حاجاتها من المواد الغذائية؛ مما يجعل الالتحاق بالجيش خيار صعب لا يُقْدِم عليه إلا مَنْ سُدَّت عليه بقية أبواب الحياة؛ التي تؤثر بدورها على معنويات الجيش وأدائهم في الميدان.
  2. حظر السلاح على الصومال -الذي فرضه مجلس الأمن الدولي في مطلع التسعينات- يحدُّ من قدرات الجيش الصومالي القتالية،(11) وقد قام مجلس الأمن بتخفيف الحظر بقدر ما يسمح بتقديم بعض الأسلحة الخفيفة للجيش الصومالي؛ لكن هذا الجيش يحتاج إلى معدات عسكرية ثقيلة، وتكنولوجيا متطورة تجعله متفوقًا في الرصد والاستطلاع وتأمين شبكة اتصالات عسكرية؛ لكنها بحاجة إلى موافقة مجلس الأمن وقوى دولية وإقليمية.
  3. بسبب تقلبات الأحداث السياسية وكون المحاصصة القبلية معيارًا لتقاسم السلطة؛ أصبح رؤساء الأركان وقيادات الجيش عرضة للتغيير المستمر؛ وقد تعاقب على وزارة الدفاع ستة وزراء، كما تَعاقَبَ على رئاسة أركان الجيش خمسة قياديين تمت التضحية بهم بموجب المحاصصة القبلية لتقاسم أهم مناصب السلطة؛ مما يعني أن كل واحد منهم يخلي منصبه وهو لم يطبق الخطط العسكرية التي وضعها بعد تعيينه قائدًا للجيش.
    حركة الشباب المجاهدين بين الانحسار والتمدد

على الرغم مما تعرَّضت له حركة الشباب المجاهدين في الآونة الأخيرة من خسارة عدة مدن ومناطق رئيسية في وسط وجنوب الصومال كانت تمثل لها معاقل استراتيجية؛ التي انسحب منها مقاتلوها بعد زحف قوات مشتركة من القوات الإفريقية والقوات الحكومية نحوها، إضافة إلى مقتل زعيمها في مطلع شهر سبتمبر/أيلول 2014 من قبل الولايات المتحدة الأميركية التي قامت بقصف سيارة كان يستقلها زعيم الحركة أحمد عبد غودني في محافظة شبيلي السفلى جنوب العاصمة، وأدَّت إلى مقتله إلى جانب بعض مرافقيه،(12) ومع ذلك فإن حركة الشباب المجاهدين ما زالت تمثِّل تحديًا كبيرًا على المستوى المحلي والإقليمي، يجعل من المستحيل الحديث عن انسحاب للقوات الإفريقية لحفظ السلام في المنظور القريب لأسباب؛ منها:

  1. تعتمد حركة الشباب استراتيجية تقضي الانسحاب من أية مدينة أو منطقة تواجه فيها ضغوطًا عسكرية من القوات الحكومية وحلفائهم من القوات الإفريقية، وتفاديها أية مواجهة عسكرية. هذه الاستراتيجية تقلِّل الخسائر البشرية والمادية في صفوفها، وتُبقي قدراتها القتالية على مستوى من الجاهزية، تمكنها من مواصلة استمرار الهجمات على المواقع العسكرية والمرافق الحكومية، والقيام بتوجيه ضربات موجعة وخاطفة في الزمان والمكان اللذين تختارهما الحركة.
  2. المدن والمناطق التي سيطرت عليها القوات الحكومية وحلفائها من القوات الإفريقية هي بمثابة جزر متقطعة الأوصال لا تستطيع هذه القوات التنقل بينها دون أن تتعرض لكمائن أو هجمات من قبل حركة الشباب المجاهدين، كما فرضت الحركة حصارًا كاملاً على هذه المدن، وحذرت التجار من مغبة توريد السلع والمواد الغذائية إلى المدن المحاصرة، وقامت بحرق عدة شاحنات كانت تحمل سلعًا ومواد غذائية لأكثر من منطقة؛ مما يعني أن المناطق التي تعتبرها الحكومة وحلفاؤها محررة، فإنها بالنسبة إلى حركة الشباب ليست سوى أفخاخ وضعتها للقوات الإفريقية والحكومية.
  3. جميع المناطق التي عادت إلى سيطرت الحكومة لا توجد منطقة واحدة يتولى مسؤولة حمايتها قوات حكومية لا تساندها وحدات من القوات الإفريقية، وتمثل القوات الحكومية هدفًا سهلاً بالنسبة إلى مقاتلي حركة الشباب المجاهدين؛ بسبب التفوق في المهارات القتالية لمقاتلي الشباب، الذين يحملون عقيدة قتالية تجعلهم إما مجاهدًا منتصرًا أو شهيدًا متوفى مقابل جندي حكومي يفتقر إلى المعنويات القتالية بسبب غياب الرعاية اللازمة.
  4. بسبب ما وصفناه من الظروف المادية الحرجة للقوات الحكومية وموظفي مكاتب الدولة، فإن حركة الشباب نجحت في اختراقهم وتجنيد بعضهم لتسهيل عملياتها وجمع المعلومات مقابل مبالغ مالية زهيدة؛ حيث تمكن مهاجمون من الحركة في شهر يوليو/تموز من هذا العام من تجاوز جميع نقاط التفتيش المحيطة بالقصر الرئاسي، والوصول إلى داخل القصر واحتلال المبنى الذي يقع فيه مكتب رئيس الحكومة؛ وذلك عن طريق شخص يعمل داخل القصر قام بنقلهم في سيارته مقابل مبلغ مائتي دولار أميركي كان يتسلمها شهريًّا من الحركة.(13)
  5. غياب أي إنجازات سياسية ملموسة؛ التي أثَّرت سلبًا على التقدم العسكري والأمني الذي تسعى القوات الإفريقية إلى تحقيقها، وكان من المفروض أن تعجِّل الحكومة بتشكيل إدارات محلية في جميع المناطق المحررة، وتوفير أجهزة الشرطة والقضاء في كل منطقة تعود إلى سيطرتها، وهو ما لم يتحقق منه شيء حتى الآن، والحكومة تورطت في خلافات داخلية بين مسؤوليها، وأسقط البرلمان في السادس من هذا الشهر ثاني حكومة خلال سنتين من عمره، بسبب خلاف بين رئيس الجمهورية ورئيسي الحكومتين السابقتين.
  6. خلال أربع سنوات مضت كررت الأمم المتحدة إنذارها من خطورة الوضع الإنساني في الصومال، وكان آخرها في مطلع يناير/ كانون الثاني 2015؛ حيث حذرت من أن ثلاثة ملايين صومالي مهددون بخطر الموت نتيجة نقص في الغذاء والمياه. وفي عام 2011 ضربت مناطق في وسط وجنوب البلاد موجةُ جفاف أدَّت إلى مقتل ثلاثمائة ألف شخص، ونزوح حوالي مليون نسمة من مناطقهم نتيجة الجفاف، وتستضيف العاصمة وحدها عشرات المخيمات للنازحين من المحافظات، وبسبب الصراع الدائر فشلت جميع الجهود الإنسانية في الوصول إلى حل للأزمات الإنسانية المتكررة في الصومال.

لكل هذه الأسباب وغيرها ستبقى حاجة الحكومة الصومالية إلى بقاء القوات الإفريقية لحفظ السلام كضمان لوجودها؛ وهي حاجة ستستمر على الأقل نحو ولايتين سياسيتين قادمتين وفقًا للمعطيات الراهنة.
_______________________________
محمد أحمد عبد الله - كاتب وصحفي صومالي.

الإحالات
1 - AUPSC. (2007, January 19). Retrieved December 14, 2014, from AU: http://www.ausitroom-sd.org/Documents/PSC2007/69th/Communique/CommuniqueEng.pdf
2 - Refworld. (2007, Febuary 21). Retrieved December 14, 2014, from refworld: http://www.refworld.org/docid/4600f97e2.html
3 - AMISOM. (2014). Retrieved December 14, 2014, from AMISOM: http://amisom-au.org/frequently-asked-questions/
4 - AMISOM. (2014). Retrieved December 14, 2014, from AMISOM: http://amisom-au.org/mission-profile/military-component/
5 - Aljazeera. (2104, Augost 30). Retrieved December 13, 2014, from Aljazeera: http://www.aljazeera.com/news/africa/2014/08/somali-au-forces-al-shabab-offensive-201483082742221929.html
6 - ABAHI. (2014, Augst 21). Retrieved December 15, 2014, from SABAHI: http://sabahionline.com/ar/articles/hoa/articles/newsbriefs/2014/08/21/newsbrief-06
7 - Dailysatar. (2012, Augst 10). Retrieved December 16, 2014, from Dailystar: http://www.dailystar.com.lb/News/Middle-East/2012/Aug-10/184071-once-mighty-somalias-army-struggles-to-rebuild-itself.ashx
8 - GlobalSecurity. (2000). Retrieved December 16, 2014, from GlobalSecurity: http://www.globalsecurity.org/military/library/report/1986/KCA.htm
9 - Ibid.
10 - http://www.irinnews.org/report/98028/analysis-somali-security-sector-reform
11 - تصريح لوزير الدفاع الصومالي في تقرير بثته قناة الجزيرة في 11 من ديسمبر/كانون الأول 2014م،
12 - http://www.defense.gov/news/newsarticle.aspx?id=123096
13 - في 11 من يوليو/تموز 2014م بثَّ التلفزيون الحكومي اعترافات شخص قيل: إنه كان يعمل داخل القصر ونقل في سيارته مهاجمين من حركة الشباب نفَّذوا هجومًا داخل القصر الرئاسي، مقابل مبلغ 200 دولار كان يتلقَّاها شهريًّا من حركة الشباب، كما بثَّ تليفزيون الحكومة في 8 من ديسمبر/كانون الأول 2014م اعترافات فتاة كانت تتلقى المبلغ نفسه من حركة الشباب مقابل السكن والعيش في منزل كان مخزنًا لسلاح الحركة كتمويه للسلطات بأنه بيت عائلة.

نبذة عن الكاتب