(الجزيرة) |
ملخص تتناول الورقة علاقة الصين الدولة ومسلميها بعضهم ببعض القائمة على التمييز العرقي والديني، والتي انعكست توترًا ما بين الدولة والمسلمين الأويغور، وتمييزًا حكوميًّا ما بين مسلمي الهُوِي والأويغور. هذا ويشكِّل المسلمون في الصين أقل من 2% من السكان، وأغلبهم ينحدر من أقليتي الأويغور والهُوِي. ويقول الباحث: إن الأخيرة اندمجت إلى حدٍّ كبير من حيث اللغة والثقافة في شعب الهان ذي الأغلبية؛ مما انعكس في إضفاء الطابع الصيني على تدينهم وإخضاع هويتهم الإسلامية للهويّة الصينية الجامعة. أمّا الأويغور -خلافًا للهُوي- فلم يندمجوا في شعب الهان، كما أنهم لم يتنازلوا عن هويتهم الإسلامية لصالح هوية الدولة الصينية. وتتصاعد وتيرة أحداث العنف في إقليم شينجيانغ، موطن الأويغور؛ بسبب تبنِّي بكين لإجراءات مشددة تجاههم وبما يمسّ بحقوقهم الدينية بُغْية إخضاعهم؛ ما يسبِّب قلقًا كبيرًا في المجتمع الإسلامي عمومًا. وتحلِّل الورقة السياسات المستقبلية التي ستعتمدها الصين، وردّ الفعل المحتمل من جانب الأويغور. |
مقدمة
وفق بيانات الإحصاء الرسمي الصيني عام 2010 (كما هو موضَّح في الجدول 1)(1)، فإن من بين السكان البالغ تعدادهم 1,3 مليار نسمة، تشكِّل الأقليات الخمس والخمسون في مجملها من عدد السكان ما نسبته 8,4 % فقط، وتبلغ نسبة المسلمين فيها 1,7 % فقط(2).
تشمل الأقليات المسلمة العشرة: الهُوِي، والأويغور، والقازاق، ودونغشيانغ، والقرغيز، وسالار، والطاجيك، والأوزبك، وبونان، والتتار. وباستثناء الهوي والأويغور، اللذيْن يبلغ تعداد سكان كلٍّ منهما أكثر من عشرة ملايين نسمة، فإنّ الأقليات الثمانية الأخرى لا تشكِّل سوى 0,1 % أو أقل من مجموع السكان. غير أن هؤلاء المسلمين يتركزون في المنطقة الشمالية الغربية العظمى (30? من عموم المنطقة)، بما في ذلك ثلاث محافظات (شنشي وقانسو وتشينغهاي) ومنطقتان ذاتيتا الحكم الذاتي (نينغشيا وشينجيانغ)(3). ويتوزع شعب الهُوِي على نطاق واسع في المنطقة الشمالية الغربية، وبعض منهم يقيمون -أيضًا- في المقاطعات الداخلية للصين، بينما يعيش معظم شعب الأويغور في شينجيانغ، وخاصة المنطقة الجنوبية.
في حين تعيش أقليات القازاق والقرغيز والطاجيك والأوزبك والتتار في المناطق الحدودية لإقليم شينجيانغ، وتتقاسم نفس المجموعات العرقية لشعوب الدول المجاورة مثل كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وروسيا وأفغانستان. أما دونغشيانغ، وسالار، وبونان فكلها شعوب إسلامية لها هويّة عرقية خاصة بها، ولكن عادة ما تُذكر على أنها جزء من شعب الهُوِي. يقيم معظم شعوب دونغشيانغ وبونان في مقاطعة قانسو، بينما تتركز سالار في تشينغهاي. والجدير بالذكر أن المجموعات العرقية الأخرى، بما في ذلك أبناء قومية الهان، لا تخلو من عدد قليل من السكان المسلمين، وهي موزَّعة في جميع أنحاء الصين، تكثر نسبيًّا في بعض المحافظات مثل يونان وخنان، ويبلغ عددهم في كلتيهما نحو مليون نسمة(4).
الجدول رقم (1) السكان المسلمون في الصين |
||
العدد الإجمالي لسكان الصين |
1332810869 |
100,0% |
الهان |
1220844520 |
91,6% |
الأقليات من غير الهان (55 أقلية) |
111966349 |
8,4% |
المسلمون |
23142104 |
1,7% |
الهوي |
10586087 |
0,8% |
الأويغور |
10069346 |
0,8% |
القازاق |
1462588 |
0,1% |
دونغشيانغ |
621500 |
أقل من |
القرغيز |
186708 |
أقل من |
سالار |
130607 |
أقل من |
الطاجيك |
51069 |
أقل من |
الأوزبك |
10569 |
أقل من |
بونان |
20074 |
أقل من |
التتار |
3556 |
أقل من |
DataSource: China's 2010 Census Data, National Bureau of Statistics of China |
لفهم الوضع الحالي للأقليات المسلمة وعلاقاتها مع نظام جمهورية الصين الشعبية، لابُدّ من معرفة سياسة الصين تجاه الأقليات العرقية والمعتقدات الدينية، لاسيما أن المسلمين يشكِّلون 20? فقط من الأقليات السكانية، وأن قومية الهان وغيرها والأقليات الخمس والأربعين الأخرى يوجد فيها -أيضًا- مسلمون.
عليه، فإنه لابد من توضيح الفرق بصورة جلية بين المجموعات العرقية التي غالبية سكانها من المسلمين، وبين الذين يتّبعون دين الإسلام بغضِّ النظر عن مجموعتهم العرقية. بالرغم من أن العقيدة الرسمية للصين وفق المبادئ الشيوعية هي الإلحاد(5)، إلا أن العديد من الديانات قد اجتذبت أتباعًا، بما في ذلك الخمسة أديان التقليدية (البوذية والطاوية والإسلام والكاثوليكية والبروتستانتية) وأديان جديدة(6). ونظرًا لوجود عدد كبير من المجموعات العرقية والمعتقدات الدينية، فقد نصَّ نظام الصين الشعبية على مجموعة من المبادئ التوجيهية العامة لصنع سياستها في إدارة الأقليات والشؤون الدينية.
سياسة الصين إزاء الأقليات
منذ قيام الحزب الشيوعي الصيني بإنشاء جمهورية الصين الشعبية عام 1950، اتسمت سياسته تجاه الأقليات بثلاثة مبادئ هي:
-
أن تكون كل الجماعات العرقية منتمية إلى الأمة الصينية الجامعة، والتي تتألف من 56 قومية، ولا يمكن فصل الوحدة السياسية لهذه القوميات.
-
لكل الجماعات العرقية مكانة متساوية في إطار الأمة الصينية الجامعة. والمكانة المتساوية تعني كل أنواع الحقوق والواجبات، بغضِّ النظر عن الفروق العرقية مثل اللغة والدين والعادات، وما إلى ذلك.
-
نتيجة لاختلاف الظروف التاريخية والجغرافية والمناخية وغيرها، يتحتم على الحكومة المركزية اعتماد تدابير تفضيلية في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتعليمية وغيرها، بما يخدم الأقليات المحرومة(7).
وعلى صعيد آخر يمكن تلخيص السياسة الصينية العامة للشؤون الدينية في خمسة مبادئ:
-
على أعضاء الحزب الشيوعي الصيني والمسؤولين الحكوميين في جمهورية الصين الشعبية الالتزام بالماركسية اللينينية، وأن يكونوا ملحدين.
-
لجميع مواطني جمهورية الصين الشعبية الحق في التديُّن أو عدمه.
-
لجميع الأديان الشرعية مكانة متساوية، ويجب أن يكون من أغراضها تعزيز الوحدة الوطنية.
-
يجب تنظيم جميع المنظمات والأنشطة الدينية محليًّا وتحت رعاية الدولة، ويمنع منعًا باتًّا أي شكل من أشكال التأثير الأجنبي على الأنشطة الدينية.
-
يجب فصل الأديان عن التعليم والسياسة، ولا يجوز تحت أي ظرف من الظروف استخدام القضايا الدينية للتأثير على التعليم والسياسة(8).
يقوم على تطبيق لائحة الدولة سلطة محددة على كل مستويات الحكومة. فعلى مستوى الحكومة المركزية، تعتبر كلٌّ من اللجنة الوطنية للشؤون العرقية والإدارة الوطنية للشؤون الدينية التابعتين لمجلس الدولة هما أعلى جهازين معنيين بشؤون الأقليات والأمور الدينية، على التوالي. وأما على مستوى المقاطعات وأدناها، فيتم دمج الوحدات الإدارية لشؤون الأقليات والشؤون الدينية، ما يدل على أن نظام جمهورية الصين الشعبية يتعامل مع هذين المجاليْن الإدارييْن باعتبارهما مرتبطين ارتباطًا وثيقًا، وبالتالي ينفِّذ السياسات الخاصة بالأمور الدينية والأقليات من خلال نفس الوحدة الإدارية.
ووفقًا للمبادئ المذكورة أعلاه، تدَّعي الصين أنها تمنح حرية دينية شاملة لكل المواطنين، لكنها تؤكد أنه لابد من تطبيق نظام الدولة بصرامة لضمان التقيُّد بالقانون، ومنع أي محاولة للطعن في النظام أو تهديد الوحدة الوطنية. هذا النهج يعوق حتمًا الطريقة التي يمكن بها تطوير الأديان، فبحسب هذا النهج لا ينبغي لأي دين تطوير هوية سياسية منافسة للهوية الصينية الجامعة، ويجب أن تكون جميع المنظمات والأنشطة الدينية تحت مراقبة الدولة، ويجب على القيادات الدينية عدم إنشاء شبكات دينية عابرة للحدود الوطنية، وأن يصبح الدين شأنًا شخصيًّا بحيث تضمن سلطة الدولة الحرية لجميع المواطنين في اعتناق العقيدة الدينية أو أن يكونوا ملحدين، بغضِّ النظر عن خلفيتهم الإثنيَّة. وأخيرًا أن تكون التقاليد أو الأنشطة الدينية عُرْضة للإيقاف إذا تعارضت مع الأهداف الوطنية العليا، كالحفاظ على الاستقرار السياسي أو قمع الأنشطة الانفصالية.
أقليات عرقية تخضع للتمييز
من بين الخمس والخمسين أقلية في الصين، يواجه باستمرار كلٌّ من الأويغوريين والتبتيين نظام الدولة الصارم الذي يعكر صفو حياتهم اليومية، بما في ذلك المجال الديني. والواقع أن نظام جمهورية الصين الشعبية يبقى دائمًا في حالة تأهب في إقليمي شينجيانغ والتبت؛ نظرًا لتاريخهما المعروف بالحركات الانفصالية، لاسيما بالنسبة للاضطرابات السياسية المستمرة منذ عام 2009، والمتمثلة بالهجمات العنيفة في شينجيانغ والاحتجاجات في التبت؛ مما حدا بالصين لتكثيف الإجراءات الأمنية في كلتا المنطقتيْن، وفرض قيود واسعة -من قبيل منع صوم شهر رمضان(9)- على الأنشطة الدينية(10)؛ بهدف منع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية التي قد تتطور من خلال الشبكات الدينية(11). وهذا يتناقض مع سياسة التكيُّف التي تطبقها الصين على ديانات أخرى (البروتستانتية والبوذية وحتى الإسلام في المناطق التي يسكنها الهُوِي)، والسبب الرئيسي لهذا الاختلاف في الموقف هو أنه لا يوجد قلق أمني هناك يخشاه النظام.
وهناك سبب عميق وراء تقييد الحق الديني للأويغوريين والتبتيين مردّه إلى عدم وجود ثقة سياسية للنظام بهاتين الأقليتين، وينطوي على ظاهرة مميزة لا يواجهها النظام في الأجزاء الأخرى من الصين، وهي أن كلًّا من الحزب الشيوعي والدولة فشلا في إدراج الأويغور والتبت في الأجهزة الاستخبارية، وبالتالي لا يمكنهما اختراق نسيجهما الاجتماعي وممارسة السيطرة الكاملة عليهما. ويرجع ذلك -إلى حد كبير- إلى عدم الاندماج الاجتماعي بين شعب الهان من جهة وشعبي الأقليتين من جهة أخرى؛ ما جعل الدولة تتبنَّى تدابير أمنية صارمة للحفاظ على النظام السياسي.
باختصار، إن لجوء الصين إلى فرض القيود والحكم العسكري على هاتين الأقليتين ليس بسبب العقيدة الدينية وحدها، بل بسبب تاريخ الحركة الاستقلالية وفشل الرقابة الاجتماعية معًا، لاسيما أنه في الأماكن الأخرى التي توجد فيها أقليات مسلمة أو بوذية تبتية(12)، لا تطبِّق الصين هذه السياسة الصارمة كما هو الحال في شينجيانغ والتبت؛ لأنه لا مخاوف من هذين النوعين في نظر النظام.
المسلمون والدولة ونظرة كل منهما للآخر
المجتمع المسلم في الصين ليس مجتمعًا متماسكًا، بل حتى داخل شعب الهُوِي هناك صراعات بين الطوائف المختلفة(13). ومع ذلك، يمكننا تصنيف الأقليات المسلمة العشر إلى أربع مجموعات أبرزها الهُوِي والأويغور، وهما الأقليتان اللتان تتقاسمان نفس الجذور العرقية مع المجموعة الرئيسية في البلدان المجاورة، وغيرهم من المسلمين الذين لديهم هويتهم الخاصة بهم. ومن بين هذه المجموعات الأربع، تعتبر العلاقة بين المجموعتين المذكورتين وبين الدولة علاقة أكثر أهمية؛ لأنهما يمثلان السكان المسلمين بنسبة 89,2? وهما أكبر أقلية في منطقة الشمال الغربي؛ لذلك فإن النقاش التالي يتركز فقط على الهُوِي والأويغور(14).
شعب الهوي هو أكبر جماعة إسلامية، هاجر أسلافهم من الإمبراطورية العربية والفارسية إلى الصين في عهد العائلتين الملكيتين تانغ ويوان (في الفترة بين القرن السابع والثالث عشر)(15)، وبعد الاندماج في الثقافة الصينية لفترة طويلة أصبح شعب الهوي يستخدم اللغة الصينية ويمارس الإسلام من خلال المواد المترجمة إلى اللغة الصينية؛ مما يعكس إضفاء الطابع الصيني في توطين العقيدة الإسلامية. وبما أن معظم شعب الهوي من المسلمين السُّنَّة، فإن عقيدتهم الإسلامية ذات سمة صوفية مميزة؛ لذا عادة ما تكون مساجدهم القديمة أضرحة صوفية تحتوي على خصائص معمارية صينية واضحة. ونظرًا لقوة الاندماج، يرى شعب الهوي هويتهم الإسلامية من المنظور الثقافي أكثر من السياسي، وعايشت هذه الأقلية عهودًا من التغييرات العديدة شملت العائلات الحاكمة أو الحكومات(16). لا يرى نظام جمهورية الصين الشعبية العقيدة الإسلامية على أنها تشكِّل خطرًا محتملًا على الحكومة؛ لأن معظم المسلمين الهوي يعتبرون أنفسهم صينيين، وهذا هو السبب وراء تخفيف القيود الدينية المفروضة عليهم.
شعب الأويغور هم -أيضًا- مجموعة كبيرة أخرى، حيث كان أسلافهم من سكان شينجيانغ القديمة (تُرْكستان الشرقية)، وهم مزيج من الأتراك والمغول، وقبائل السكان الأصليين(17). وعلى الرغم من أن الأويغور عاشوا في شينجيانغ لفترة طويلة، لم يخضعوا للحكم الصيني حتى منتصف القرن الثامن عشر. ولم ينجح أيٌّ من الحكام الصينيين(18) خلال أكثر من 250 عامًا من الحكم من استيعاب الأويغوريين في الثقافة الصينية؛ حيث إن أغلب الأويغوريين لا يتكلمون الصينية، فضلًا عن ندرة التزاوج ما بين شعبي الأويغور والهان، وتزداد الاحتكاكات بين الفريقين؛ بسبب كثرة الخلافات العرقية بينهما(19). لقد أثبت التاريخ أن قيادة شعب الهان، باعتبارهم المجموعة الحاكمة، عادة ما تطبِّق وسائل قمعية لتأمين سيطرتها في إقليم شينجيانغ(20)؛ لأنها تستبعد وجود فكرة الانتماء لدى الأويغوريين إلى الأمة الصينية الكبرى. ومن وجهة نظر الأويغور، يُعتبر الصراع الأخير في شينجيانغ هو ردّ فعل على التعدي غير المعقول على حقوقهم الدينية، إذ هم يحتجون على "شوفينية الهان". ومن وجهة نظر قيادة الهان، تعتبر تلك الهجمات العنيفة المرتبطة "بالتطرف الديني" هي أكبر تهديد للمصلحة الوطنية، ويجب أن تُوقَف. هذه الحالة من انعدام الثقة بين الشعبيْن تُذكي العداء العرقي، ليس بين نشطاء الأويغور ومسؤولي الهان فقط، بل أيضًا بين الأويغوريين العاديين ونظرائهم من الهان.
الأويغور وصعود التشدد الديني
لا يمكن إنكار تزايد وتيرة وعدد حوادث العنف بشكل ملحوظ بعد عام 2009، وكثير منها عبارة عن هجمات من قِبل أويغوريين(21). وخلافًا لهجمات "المتشددين" في الفترات الماضية في التسعينات وبداية الألفية، فإن كثيرًا من تلك الحوادث لم تكن مخطَّطة ومنفَّذة من قبل منظمات معروفة مؤيِّدة للاستقلال مثل حركة شرق تركستان الإسلامية (ETIM)، بل تقوم بها جماعات مرتبطة بشبكات دينية تعمل تحت الأرض(22). وفي الوقت الذي تزعم فيه الحكومة الصينية أن المنظمات المؤيدة للاستقلال هي العقل المدبِّر وراء الهجمات العنيفة، أظهرت الأدلة أن تلك الحوادث تبدو عفوية قام بها دعاة وأتباع جماعات إسلامية سرية، حيث يوجد -مثلًا- شريط فيديو "متشدِّد" يروِّج للجهاد ضد حكم الهان(23)، ولكن الأدلة قليلة جدًّا حول وجود أي علاقة مباشرة بين تلك الهجمات والمنظمات المصنَّفة بأنها "إرهابية". هذا يدل على أن ما يوصف بالتشدُّد الإسلامي قد يمارس تأثيرًا معينًا على مستوى القاعدة الشعبية لمجتمع الأويغور، وأن الأمر لا علاقة له "بالمنظمات الإرهابية" الأجنبية -مثل الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة- أو المنظمات الموالية للحركات الاستقلالية (مثل حركة شرق تركستان الإسلامية)، وإنما له صلة بمعارضة الأويغوريين للنظام.
تعتمد بكين في هذا السياق المزيد من الإجراءات القمعية ضد الأويغور، وتحديدًا تجاه الأنشطة الدينية باسم "حملة مكافحة الإرهاب" والحفاظ على الاستقرار؛ ما يفاقم الغضب لدى الأويغور ويخلق بيئة ملائمة للتشدد الديني. هذا، ويكمن السبب الحقيقي وراء معارضة معظم الجماعات في المجتمع الأويغوري للدولة في عدم قدرة بكين على تحسين مستوى معيشتهم، واحترام هويتهم الإسلامية، وحل مشكلة التوترات العرقية بين الهان والأويغور، ووقف التداعيات السلبية الناجمة عن خطة التنمية الصينية الاحتكارية(24). والواقع أن بكين لا تحرِّك ساكنًا في مواجهة هذه المشاكل المستعصية والتي طال انتظار حلها، وتتجاهل طلبات الأويغور بهذا الصدد، لا بل بدلًا من حلها تلجأ إلى اعتماد طرق وحشية في التعامل معهم.
باختصار، للصين سبب يجعلها تخشى من التشدُّد الديني، ولكن ما عليها أن تخشاه حاليًا ليست الدولة الإسلامية أو غيرها من المنظمات الإرهابية الأجنبية، بل هؤلاء الأويغوريون الغاضبون الذين يستشيطون غضبًا من القمع الوحشي الذي تمارسه بكين، والتجاهل المتعمّد لمطالبهم(25). قد تصرّ الصين على أن ما تفعله يحظى بشرعية كاملة استنادًا إلى أنه يخضع للسياسات الخاصة بالأقليات والشؤون الدينية التي تطبّق على جميع القوميات في الصين على السواء، وأن تصعيد الإجراءات الأمنية لا يستهدف الأويغوريين على وجه التحديد أو الإسلام؛ لأن هذه الإجراءات يمكن تطبيقها في أي مكان أو على أي مجموعة بُغْية التخلص من أي تهديد للأمن الوطني.
قضية الأويغور والتأثير الدولي
تنطوي المشكلة الأويغورية من منظور بكين على ثلاث قضايا، وهي: حركة الاستقلال، والهجمات الإرهابية، والاندماج الوطني. تتخذ بكين موقفًا متشددًا حيال قضيتي حركة الاستقلال والهجمات الإرهابية، وتصرّ على عدم السماح لأي تدخل أجنبي في شؤون الصين الداخلية. وتعتبر قضية الاندماج الوطني من أكثر المشاكل التي تؤرِّق النظام؛ لأنها تشمل كل أنواع السياسات المتعلقة بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية والعرقية والدينية، وغيرها. والهدف النهائي هو جعل الأويغوريين يضعون في سُلَّم أولوياتهم الانتماء السياسي كأعضاء للأمة الصينية الجامعة، ولم تحرز بكين في هذا الشأن إلا نجاحًا ضئيلًا جدًّا حتى الآن.
وفي هذا السياق، تلعب العوامل الدولية دورًا مهمًّا، وتؤثر على سياسة الصين الخارجية إزاء هذه القضايا الثلاث والدول المعنيّة بها. ففيما يتعلق بالقضية الأولى وهي حركة استقلال شينجيانغ، تعتقد بكين أن تركيا(26) ودول غربية (مثل الصندوق الوطني للديمقراطية في الولايات المتحدة والمؤتمر العالمي للأويغور(27)) كلها تقدِّم الدعم للجماعات الانفصالية في الخارج. فيما يختص بتركيا بالذات، أدانت بكين مؤخرًا الاحتجاجات المناهضة للصين والداعمة للأويغور في تركيا، وقالت: إن دعوى وجود تمييز على نطاق واسع ضد الأويغور ومصادرة حقوقهم الدينية لا صحة له(28). كما ألقت بكين بضغطها السياسي على رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، الذي أكّد على احترام تركيا لسيادة الصين ووحدة أراضيها، و"لن نسمح لأحد باستخدام الأراضي التركية لفعل أي شيء يضرّ بالمصالح الوطنية للصين والأمن"(29).
وأما بالنسبة للمسألة الثانية، حملة مكافحة الإرهاب، فتسعى الصين بالفعل لتعاون أكبر مع العالم، بما في ذلك العالم العربي وإيران والدول الغربية. وهذا ما يفسِّر السبب وراء محاولة الصين الربط المباشر بين أحداث العنف الأخيرة في شينجيانغ بالمنظمات الإرهابية مثل حركة شرق تركستان الإسلامية، وتنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية(30). والقصد من ذلك هو تعزيز القول بأن المشكلة الأويغورية متعلقة بالانفصال والإرهاب، ولا علاقة لها بقضايا الحكم العديدة المرتبطة بالحرمان الذي يعاني منه الأويغور أو قضية حقوق الإنسان.
المسألة الأخيرة هي أقل الموضوعات التي تستعدّ بكين للتطرُّق لها؛ لأنها ستفتح في وجهها العديد من المشاكل وتخلق توترًا مع المجتمع الإسلامي عالميًّا. وفق وجهة نظر بكين، إن استيعاب الأويغور في الأمة الصينية الجامعة يتطلب مستوى معينًا من هضم الثقافة الصينية، متمثلًا في ثلاث خصائص على الأقل؛ أولًا: أن يقتصر الإسلام على المجال الثقافي، ثانيًا: أن تكون الهوية الإسلامية ثانوية دائمًا مقابل القومية الصينية، ثالثًا: يجب تعديل الممارسات والعادات الدينية في حال تعارضها مع سياسات الدولة ذات الصلة. على سبيل المثال، الدولة هي التي تفرض القيود على صيام الكوادر الشيوعية، والمعلمين، والطلاب؛ وذلك لأن أعضاء الحزب الشيوعي الصيني يجب أن يكونوا ملحدين والتعليم العلماني هو السياسة العالمية التي لا ينبغي المساس بها لأسباب دينية؛ لأن مسألتي إلحاد أعضاء الحزب الشيوعي وعلمانية التعليم من المبادئ الأساسية للسياسة العامة للصين فيما يتعلق بالشؤون الدينية. وهذا التعارض بين السياسة العلمانية تجاه الأقليات من جهة والوعي الإسلامي المتنامي من جهة أخرى، هو الذي يُسهِم في تأجيج المعارضة الأويغورية لنظام جمهورية الصين الشعبية، وهو الذي يثير قلقًا واسعًا -أيضًا- في العالم الإسلامي حول مصادرة الحقوق الدينية للأويغور، وجعلهم أقلية محرومة في الصين.
سياسات الصين المحتملة مستقبلًا
على ضوء الوضع الحالي، سوف تواصل بكين تشديد الإجراءات الأمنية للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي واستئصال ما تصفه بـ"العنف". وهذا ينطوي حتمًا على تصعيد سياساتها الصارمة في شينجيانغ وخاصة تجاه الأويغور، من قبيل تقييد حرية المسلمين الدينية وتشديد سيطرة الدولة على الشبكات الدينية؛ لمنع أنشطة المعارضة الأويغورية. قد تكون الصين غير حريصة على فرض نظام شامل على الأنشطة الدينية، ولا حاجة بها لذلك؛ لأنه سيؤدي إلى تداعيات ضد سياسات الحكم الصيني في شينجيانغ وهي في غنى عنها، ولكن ما تعتزم بكين إظهاره للعالم هو أن تطبيق هذه السياسات الصارمة أمر لابد منه في مواجهة "الهجمات العنيفة" التي قام بها من تصفهم بالانفصاليين والإرهابيين، وهذه الإجراءات -بحسب رؤيتها- كلها مشروعة ومتوافقة مع القانون العام الخاص بالأقليات والشؤون الدينية وفقًا لدستور جمهورية الصين الشعبية.
وليس من المرجّح أن توقف هذه السياسات الصارمة لوحدها المعارضة الأويغورية من العمل ضد نظام جمهورية الصين الشعبية، ما لم تكن بكين قادرة على كسب قلوب الأويغوريين وعقولهم عن طريق حل القضايا التي تثير غضبهم، أهمّها -وقبل كل شيء- هو احترام الهوية الإسلامية الأويغورية، وليس فقط في الحياة الثقافية بل أيضًا في المجال السياسي، وهو ما قد يعني منح مزيد من حقوق الحكم الذاتي من خلال رفع سيطرة الدولة عن الحكم المحلي. ثم بعد ذلك يجب على بكين رفع حالة الحرمان التي يرزح تحت نِيرها الأويغوريون من خلال تحسين مستوى معيشتهم، وتعزيز القيم الإسلامية، وتطبيق سياسات تفضيليّة على نطاق واسع.
وأما الهدف بعيد الأمد الذي ينبغي على بكين السعي لتحقيقه فهو ليس دمج الأويغور في الثقافة الصينية، بل بناء علاقة بين مختلف الأعراق على قدم المساواة والاحترام، والتوفيق بين شعبي الهان والأويغور. من المفارقات أن جميع التدابير المذكورة أعلاه تتطلب مؤسسة سياسية ديمقراطية لتنفيذها، غير أن نظام جمهورية الصين الشعبية الحالي يفتقر إلى الثقة السياسية والقدرة على تنفيذ تلك التدابير؛ بسبب "طبيعته الاستبدادية".
______________________________________________
رايموند لي - مختص في الشأن السياسي والدراسات المسحية في شرق آسيا.
المصادر
1- The data is available online from the National Bureau of Statistics of China at http://www.stats.gov.cn/tjsj/pcsj/rkpc/6rp/indexce.htm [retrieved August 8, 2015]
2- على الرغم من أن أحدث البيانات قد تكون متاحة عن جماعات عرقية معينة، قرّر الكاتب استخدام بيانات التعداد السكاني؛ لأنها تحتوي على البيانات السكانية لجميع المجموعات العرقية الستة والخمسين في نفس الوقت. كما أن بيانات التعداد السكاني تعتبر المصدر الإحصائي الأكثر ثقة للمقارنة بين الأعراق.
3- نينغشيا وشينجيانغ منطقتا حكم ذاتي على مستوى المحافظات. أما منطقة نينغشيا فذاتية الحكم لقومية الهُوِي، في حين شينجيانغ منطقة حكم ذاتي للأويغور. والتسمية مأخوذة من اسم أكبر الأقليات في المنطقة.
4- هناك الكثير من شعب الهُوِي الذين تم دمجهم عبر أجيال عديدة، وبخاصة في المحافظات الداخلية، وهؤلاء قد لا يعرِّفون أنفسهم على أنهم من الهُوِي، ولم يعُد الإسلام دينًا ممارَسًا بالنسبة لهم.
5- Xinlin, "Central Commission for Discipline Inspection of the Chinese Communist Party Issues a Document Forbidding Party Members to Believe a Religion", Radio Free Asia, 2015-05-25. http://www.rfa.org/mandarin/yataibaodao/shehui/xl2-05252015122742.html [retrieved August 8, 2015
6- Daxianggonghui, "Why China Has a Religious Fever?" SINA culture, 2014-07-04. http://history.sina.com.cn/cul/zl/2014-07-04/142294628.shtml [retrieved August 8, 2015]
7- Ma Qizhi (2012), "PRC's Ethnic Policies and Their Legal Institutionization", www.npc.gov.cn , 2012-02-03. http://www.npc.gov.cn/npc/zgrdzz/2012-02/03/content_1687354.htm [retrieved August 8, 2015]
8- "Regulation on Religious Affairs", PRC State Council, 2004-11-30. إضغط هنا. [retrieved August 8, 2015]
9- "China Restricts Ramadan Fasting in Far Western Region", Agence France-Presse, 2015-06-18. http://www.ndtv.com/world-news/china-restricts-ramadan-fasting-in-far-western-region-772852 [retrieved August 8, 2015]
10- Regarding the detail of Chinese religious regulation, see Julia Famularo , " Chinese Religious Regulations in the Xinjiang Uyghur Autonomous Region: A Veiled Threat to Turkic Muslims?", Project 2049 Institute, 2015-04-08. إضغط هنا. [retrieved August 8, 2015]
11- "Maintaining Stability: China Increases Station Troops in Xinjiang and Tibet", CNA news Agency, 2013-11-25. http://www.cna.com.tw/news/acn/201311250098-1.aspx [retrieved August 8, 2015]
12- على سبيل المثال، لا تطبِّق الصين التدابير الأمنية المشدّدة على مناطق شعب الهُوِي (المسلمين) في المقاطعات الشمالية الغربية الأخرى، كما أنها لا تفعل ذلك مع المنغوليين (البوذيين التبتيين) في منغوليا الداخلية.
13- Ma Ping (2005), "Explore the Problem on Islamic Rising Sect and Menhuan of Comtemporary Nrothwest Region", Journal of Hui Muslim Minority Studies, Vol. 60, No. 4, pp. 107-110. (In Chinese)
14- منعًا للإطالة، امتنع المؤلف عن مناقشة المجموعتين الأخيرتين في النص الرئيسي. وباختصار، ليس لأيٍّ من هاتين المجموعتين هوية دينية سياسية قوية يمكن أن تهدِّد نظام جمهورية الصين الشعبية. عليه، فإن بكين تعتمد سياسات أكثر استيعابية تجاه المجموعتين.
15- Wang Yun (2000), "The Origin and Formation of the Moslem", The Ideological Front, Vol. 26, No. 2, pp.79-81. (In Chinese)
16- Zhou Zhuan-bin, "Discussion on Hui's cultural Origin and Evolution", www.mzb.com.cn, 2012-11-26. http://www.mzb.com.cn/html/Home/report/345935-1.htm [retrieved August 8, 2015]
17- "The Origin of the Uyghur People", china.com.cn, 2009-07-10. http://www.china.com.cn/aboutchina/txt/2009-07/10/content_18107921.htm [retrieved August 8, 2015]
18- أنظمة الحكم الثلاثة تشمل عائلة تشينغ، والحكومة القومية، ونظام جمهورية الصين الشعبية.
19- "Why is there tension between China and the Uighurs?" BBC News, 2014-09-26. http://www.bbc.com/news/world-asia-china-26414014 [retrieved August 8, 2015]
20- Kilic Kanat, "Repression in China and Its Consequences in Xinjiang", Hudson Institute, 2014-07-28. http://www.hudson.org/research/10480-repression-in-china-and-its-consequences-in-xinjiang [retrieved August 8, 2015]
21- Raymond Lee, "Unrest in Xinjiang, Uyghur Province in China", Aljazeera Center for Studies, 2014-02-20. http://studies.aljazeera.net/en/reports/2014/02/201421281846110687.htm [retrieved August 8, 2015]
22- "Many Violent Attacks in Xinjiang Involves with Juveniles", CCTV Program "News 1+1", 2014-08-25. http://www.chinanews.com/fz/2014/08-26/6529013.shtml [retrieved August 8, 2015]
23- "CCTV Disclosed the Footage of Terrorist Organzation's Activities in Xinjiang", CCTV Network, 2014-08-25. http://news.e23.cn/content/2014-08-25/2014082500248.html [retrieved August 8, 2015]
24- Raymond Lee, "Unrest in Xinjiang, Uyghur Province in China", Aljazeera Center for Studies.
25- "Uygurs Blame Religious and Cultural Repression in Xinjiang for Violence", Agence France-Presse, 2013-11-12. http://www.scmp.com/news/china/article/1354766/uygurs-blame-religious-and-cultural-repression-xinjiang-violence [retrieved August 8, 2015]
26- Qiu Yongzheng, "Turkey Publicly Support East Turkestan Terrorist Organization, Why Our Government Do Not Do Anything Up to Now", Global Times, 2013-07-01. http://club.china.com/data/thread/1011/2761/81/87/7_1.html [retrieved August 8, 2015]
27- "U.S. National Endowment for Democracy Support Rebiya Kadeer and Help Recruitment of Anti-China Team", www.CRNTT.com, 2009-08-12. http://hk.crntt.com/doc/1010/4/5/7/101045702_4.html?coluid=7&kindid=0&docid=101045702&mdate=0812093701 [retrieved August 8, 2015]
28- He Jin, Zhao Xiya, and Han Qinyan, "The Allegation that the Chinese Government Forbid Ramadan Fasting is a Big Lie of Anti-China Groups", Xinjiang Daily, 2015-07-15. http://epaper.xjdaily.com/detail.aspx?id=9176163 [retrieved August 8, 2015]
29- Christopher Bodeen, "Turkish President Erdogan in Beijing amid Ethnic Tensions", Associated Press, 2015-07-29. http://bigstory.ap.org/article/1bb4f7fa829043459e75d03675400729/turkish-president-erdogan-beijing-amid-ethnic-tensions [retrieved August 8, 2015]
30- "Ninety Percent of Xinjiang's Violent Incident are Provoked by the Thought of Jihad", Xinjiang Daily, 2015-06-10. http://www.chinanews.com/df/2015/06-10/7334573.shtml