تحولات الطاقة.. ومستقبل إفريقيا

يتناول التقرير قضية الطاقة في القارة الإفريقية التي تطرح الكثير من التحديات نظرًا للوضع الأمني والسياسي لدول القارة، ويبقى من المحتمل المراهنة على مستقبل الطاقة في إفريقيا على ضوء عوائد احتياطاتها من الطاقة الأحفورية، وثمار مشاريعها في مجال "الطاقة المتجدِّدة" الآخذة في التوسُّع.
114f086a67f94e21b1811a3135827966_18.jpg
لم تمنع الاحتياطات النفطية الكبيرة في القارة الإفريقية من وجود طوابير طويلة أمام محطات التزود بالبنزين. (الفرنسية)

للنفط الإفريقي خصائص تفضيلية على المستوى العالمي فهو من النوع "الخفيف"، وسهل الاستخراج والتكرير إذا ما قورن بخام الشرق الأوسط "الثقيل" كما يقول الخبراء. كما أنه من حيث مكان الاستخراج يوجد العديد من حقوله وخاماته في مناطق بحرية وهو أمر يسهل تصديره نحو القارات البعيدة بسهولة نسبيًّا؛ إذ تبلغ نسبة نجاح عمليات التنقيب في المياه العميقة 50% في السواحل الإفريقية مقابل نسبة 10% في باقي أنحاء العالم، وهو ما يجعل النفط الإفريقي أكثر أمنًا عندما تتعرض بعض المناطق الإفريقية لاضطرابات سياسية أو حروب داخلية كما يحدث من حين لآخر. 

ومن خصائص النفط الإفريقي أن الدول المنتجة توفِّر بيئات تعاقدية جيدة إلى حدٍّ كبير مقارنة بالبيئة التعاقدية لبترول الشرق الأوسط؛ لأن معظم البلدان الإفريقية يُتعاقد معها على أساس ما يُسَمَّى باتفاقيات الشراكة في الإنتاج. ومعظم الاحتياطات النفطية الإفريقية تمَّ اكتشافها في دول ليست عضوًا في منظمة الدول المصدِّرة للبترول (أوبك)، وبالتالي لا تخضع للقيود الصارمة على الإنتاج، التي تُحَدِّدها المنظمة للحفاظ على مستوى الأسعار. 

غير أن الاحتياطات الطاقوية الضخمة في إفريقيا تطرح من المخاوف والترقب المثير ضعف ما تَعِدُ به من تباشير الرفاه والتنمية، فعلى المستوى التنموي عرفت القارة الإفريقية خصوصا في نيجيريا حربًا أهلية ما زالت مستمرة وهي عملاق النفط الإفريقي، كما أن الغابون ظلت دولة تستورد أكثر مما تنتج.

خلال السنوات الخمس الأخيرة، كان حوالي 30% من الاكتشافات النفطية والغازية متمركزًا في إفريقيا جنوب الصحراء(1)، وهي الاكتشافات التي جعلت القارة الإفريقية تتصدَّر قارات العالم من حيث عدد الدول المنتجة للنفط؛ حيث أصبح عدد دولها النفطية 21 دولة في مقابل 19 دولة في آسيا، و19 دولة في أوروبا، و10 دول في أميركا الشمالية والجنوبية(2)

وفي المقابل لا يزال في إفريقيا 290 مليون شخص من أصل 915 مليون ساكن، يتمتعون بالطاقة الكهربائية؛ فيما يتواصل ازدياد عدد المحرومين من الكهرباء مع النمو السكاني المطَّرد الذي تشهده القارة، وبفعله "يزداد الطلب على الطاقة الطبيعية (الحطب والفحم)؛ حيث تتجاوز نسبة الطلب على جميع المصادر الأخرى مجتمعة... ففي إفريقيا جنوب الصحراء كل أربعة أفراد من أصل خمسة يستغلون الطاقة الطبيعية في الطبخ، ومن المتوقع أن يزداد الطلب على هذه الوسائل بنسبة 40% سنة 2040، وهو ما سيشكل ضغطًا كبيرًا على المصادر الطبيعية"(3). 

كيف يمكن لإفريقيا -القارة الواعدة التي تضمُّ اقتصاديات ذات نموٍّ متسارع- أن تستفيد من عوائد مخزونها النفطي والغازي "الاستثنائي"، الذي توَّجها خلال السنوات الأخيرة في صدارة منتجي الطاقة على المستوى العالمي(4)، وهي المكانة الآخذة في التعزُّز أكثر مع كل الاكتشافات الجديدة في السواحل الغربية والشرقية للقارة، خصوصًا حين أسهمت هذه الاحتياطات العملاقة في وضع حدٍّ لفرضيات سبق أن تحدَّثت عنها دراسات وتقارير عدة حول "غروب الطاقة"، وقرب نفاد احتياطات النفط على مستوى العالم(5). 

والمنحى الآخر الذي نسعى إلى لفت الانتباه إليه، هو التحديات المزمنة للقارة الإفريقية في مجال تحقيق الوصول لطاقة نظيفة وميسورة ومستدامة في عالم يُواجه تضاؤل الموارد، وتحديات مناخية متنامية باتت تمثِّل الانشغالات الأساسية في القرن الحادي والعشرين؛ حيث يُعَدُّ واقع العجز في مجال التغطية الكهربائية في بلدان إفريقيا أحد أكثر الأوضاع مأساوية على مستوى العالم؛ على الرغم من الجهود المبذولة في القارة حاليًّا في مجال توصيل الطاقة؛ خصوصًا في ظلِّ التجارب الرائدة في مجال الطاقة المتجدِّدة، التي تقودها بعض بلدان إفريقيا على نحو مثير للإعجاب. 

عملاق طاقوي وجيوبولتيكي استثنائي 

تتميز القارة الإفريقية بجيوبولتيك مميز؛ حيث تتمركز في موقع متوسط بين قارات العالم، يطل على أهم الممرات الملاحية؛ مثل: مضيق جبل طارق، وقناة السويس، ومضيق باب المندب، ورأس الرجاء الصالح، بالإضافة إلى الجزر المحيطة بالقارة، والمطلة على المحيط الأطلنطي والهندي، وتُعَدُّ إفريقيا قلب العالم القديم، وعمقًا مهمًّا لغرب قارة آسيا وجنوب قارة أوروبا؛ الأمر الذي يجعلها همزة الوصل بين قارات العالم المختلفة؛ حيث يكتسب الجزء الشمالي والشمالي الشرقي للقارة أهميته من السيطرة على حركة المواصلات العالمية المدنية والعسكرية بين قارات آسيا وأوروبا وإفريقيا، كما يكتسب في المقابل الجزء الغربي والجنوب الغربي للقارة أهميته من الاتصال بحركة الملاحة القادمة من الأميركتين والشرق الأقصى(6). 

ينظر بعض الخبراء إلى أن التحوُّل الغربي والعالمي في العقود الثلاثة الأخيرة نحو الاهتمام بالإمكانات الطاقوية الكبرى في القارة الإفريقية -على الرغم من ظهور النفط فيها منذ منتصف القرن المنصرم- يرجع إلى تداعيات أزمات الشرق الأوسط الغني بالنفط، ولاسيما بعد قرار وقف تصدير النفط وجعله سلاحًا اقتصاديًّا رادعًا إبان حرب (رمضان) أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهي اللحظة التي شكلت انعطافة غربية حاسمة نحو الاهتمام بالمخزون النفطي في إفريقيا؛ حيث توجَّهت في التسعينات بعض كبريات شركات النفط العالمي إلى إنفاق 80% من ميزانيات التنقيب لديها في إفريقيا جنوب الصحراء(7)؛ مما أسهم في بروز إفريقيا عملاقًا نفطيًّا بفعل حجم الاستثمارات، وتوافر التقنية الحديثة في البحث عن الذهب الأسود في كل مكان بالقارة، خاصة قرب السواحل، وتبرز من بين أهم مناطق إنتاج النفط الإفريقية في الوقت الحاضر منطقة خليج غينيا؛ وذلك من خلال الاحتياطي الضخم (60 مليار برميل)، علاوة على المخزون الضخم من الغاز الطبيعي(8)، كما يعوم الشمال الإفريقي -وفي القلب منه ليبيا- على مخزون نفطي وغازي ضخم، وأخيرًا تحدَّثت "كوسموس"، و"شيفرون" عن اكتشافات مهمة على السواحل الأطلسية للسنغال وموريتانيا(9)، وهو ما يجعل إمدادات النفط الحالية في خليج غينيا والمستقبلية في السنغال وموريتانيا "في موقع مناسب يُؤَهِّلها للتصدير نحو القارة الأميركية الشمالية، وأيضًا نحو أوروبا؛ التي تُعَدُّ -أيضًا- مستهلِكًا كبيرًا للنفط، مع ضمان توفير تكاليف النقل، وهذا بحدِّ ذاته عامل مهمٌّ، إذا ما علمنا أن 40% من نفقات الشحن العالمية يمتصها الناتج النفطي كما أن مناطق الإنتاج بعيدة عن المناطق السكنية وقريبة من البحار"(10). 

تُعَدُّ إفريقيا عملاقًا طاقويًّا بامتياز، وذلك من حيث المخزون الاحتياطي؛ حيث تحوي القارة ما يناهز 15% من احتياطي العالم النفطي، كما تحوز نحو 50% من الطاقة الكهرومائية، ولا يزال المستغلُّ منها في حدود 2-4% فقط بالإضافة إلى الطاقة الشمسية في الصحاري الإفريقية. 

تنقسم القارة الإفريقية نفطيًّا إلى خمس مناطق رئيسة؛ هي: شمال إفريقيا، وشرق إفريقيا، ووسط إفريقيا، وغرب إفريقيا، وجنوب إفريقيا، وسوف نستعرض أهم الدول النفطية في هذه الأقاليم والاحتياطات النفطية المؤكدة فيها وفق آخر الإحصاءات المنشورة في عام 2015، في تقرير لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية(11)، وبناء على المعطيات الواردة في هذا التقرير نرسم الجداول التوضيحية التالية: 

جدول الاحتياطات النفطية الإفريقية المؤكدة 

منطقة الشمال الإفريقي: أبرز الاحتياطات النفطية المؤكدة توجد في الدول التالية:

الدولة

الاحتياطي

ليبيا

48 مليار برميل

الجزائر

12 مليار برميل

مصر

4 مليارات برميل

تونس

425 مليون برميل

 منطقة شرق إفريقيا: أبرز الاحتياطات النفطية المؤكدة توجد في الدول التالية:

الدولة

الاحتياطي

جنوب السودان

3.7 مليارات برميل

أوغندا

2.5 مليارات برميل

السودان

1.25 مليارات برميل

 منطقة وسط إفريقيا: وأبرز الاحتياطات النفطية المؤكدة فيها توجد في الدول التالية:

الدولة

الاحتياطي

الغابون

2 مليار برميل

الكونغو برازفيل

1.6 مليارات برميل

تشاد

1.5 مليارات برميل

غينيا الاستوائية

1.1 مليارات برميل

الكاميرون

200 مليون برميل

الكونغو الديمقراطية

180 مليون برميل

 منطقة غرب إفريقيا: وأبرز الاحتياطات النفطية المؤكدة توجد في الدول التالية:

الدولة

الاحتياطي

نيجيريا

37 مليار برميل

غانا

660 مليون برميل

النيجر

150 مليون برميل

ساحل العاجل

100 مليون برميل

موريتانيا

20 مليون برميل

 منطقة الجنوب الإفريقي: وأبرز الاحتياطات النفطية المؤكدة توجد في الدول التالية:

الدولة

الاحتياطي

أنغولا

9 مليارات برميل

تليها جنوب إفريقيا باحتياطات متواضعة ستنفد قبل 2020

ميزات النفط الإفريقي 

يتمتع النفط الإفريقي بميزات تفضيلية بالنسبة إلى عمالقة النفط (الأخوات السبع)(12)؛ ومن هذه الميزات: "إنه من النوع "الخفيف"، وهو أسهل استخراجًا وتكريرًا من خام الشرق الأوسط "الثقيل" نوعًا ما، وأنه كذلك موجود في مناطق بحرية بعيدة عن اليابسة؛ مما يسهل تعبئته ونقله عبر السفن إلى موانئ أوروبا وأميركا، بعيدًا عن المخاوف مِنْ سرقته، أو الاضطرابات السياسية والحروب في الدول المنتجة له". 

ويمتاز نفط إفريقيا -أيضًا- من منظور شركات النفط، بأن الدول المنتجة له توفِّر بيئة تعاقدية جيدة إلى حدٍّ كبير مقارنة بالبيئة التعاقدية لبترول الشرق الأوسط؛ لأن معظم البلدان الإفريقية يُتعاقد معها على أساس ما يُسَمَّى باتفاقيات الشراكة في الإنتاج، وأخيرًا فإن معظم الاكتشافات الحديثة تمَّت في دول ليست عضوًا في منظمة الدول المصدِّرة للبترول (أوبك)، وبالتالي لا تخضع للقيود الصارمة على الإنتاج، التي تُحَدِّدها المنظمة للحفاظ على مستوى الأسعار(13)؛ ففي إفريقيا جنوب الصحراء، بعدما زاد إنتاجها على أربعة ملايين برميل يوميًّا، باتت تُنتج مقدار ما تُنتجه إيران وفنزويلا والمكسيك مجتمعة؛ ففي عشر سنين زاد إنتاجها بنسبة 36% مقابل 16% لباقي القارات(14). 

وعلى الصعيد الفني تخدم الخاصية الجغرافية للقارة السمراء واعتدال المناخ المحلي عمليات الاكتشاف وتقييمه، والمباشرة بالاستثمارات عبر سفن الإنتاج والتخزين، وبفضل هذه التجهيزات يمكن أن تؤمِّن المعالجة الأولى للنفط في مكان التنقيب؛ وبالتالي تخفيض فترات الإنتاج، كما أن نسبة نجاح عمليات التنقيب في المياه العميقة تبلغ 50% في السواحل الإفريقية مقابل نسبة 10% في باقي أنحاء العالم، ويتمتع حوالي نصف الآبار بقدرة عالية في إنتاج 100 مليون برميل(15). 

وهنالك نموذجان إفريقيان نفطيان من المهم الوقوف عليهما:

‌أ. نموذج نيجيريا

تُعَدُّ نيجيريا البلد الأغنى من المصادر البترولية، ووفق المعطيات المنشورة من قِبَل الأوبك ومنظمة الطاقة الدولية وأيضًا وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في تقرير لها خلال عام 2015، يزيد الاحتياطي المؤكَد لنيجيريا من النفط على (37 مليار برميل)، وفي تقرير آخر للوكالة نفسها عن مستويات الإنتاج وصل إنتاج نيجيريا من النفط في عام 2014 إلى معدل (2.423 مليون برميل يوميًّا)(16)، ووصل إنتاجها من الغاز في عام 2013 معدل (38.4 ملايين متر مكعب سنويًّا)(17). 

تواجه صناعتا النفط والغاز في نيجيريا صعوبات جمة من قبيل "عدم ثبات القوانين المنظمة، والحركات الاحتجاجية(18)، وسرقة النفط في دلتا النيجر"، وكلها عوامل تحبط المستثمرين، كما يُسرق يوميًّا 150 ألف برميل في نيجيريا، وهي قيمة أكثر من 5 مليارات دولار سنويًّا، وهو مبلغ يكفي لتعميم الطاقة الكهربائية على كامل تراب نيجيريا قبل سنة 2030، وتعاني نيجيريا على غرار البلدان المنتجة للغاز الطبيعي من فقدان لكميات هائلة من الغاز نتيجة لما يسمى بالتورشاج (Torchage) (وهو عبارة عن إشعال الغاز في المرحلة الأولية للاستغلال)؛ مما أدى إلى فقدان أكثر من 1000 مليار متر مكعب خلال السنوات الماضية؛ وهو ما يكفي لتغذية جميع بلدان المنطقة لمدة 10 سنوات(19). 

جدول توضيحي لمعطيات الطاقة في نيجيريا (مصدر المعطيات تقرير أوبك في عام 2015) (20):

الدولة

قيمة الصادرات

قيمة صادرات النفط

الاحتياط المؤكد من النفط

الاحتياط المؤكد من الغاز

الإنتاج من النفط الخام

صادرات منتجات البترول

صادرات الغاز الطبيعي

نيجيريا

(83.897)

مليون دولار

(76.925)

مليون دولار

(37.079)

مليون برميل

(5.111)

مليار متر مكعب

(1.807)

ألف برميل يوميًّا

(49.0)

ألف برميل يوميًّا

(26.778)

مليون متر مكعب

يبذل نظام الرئيس المنتخب حديثًا محمد بخاري جهودًا مقدرة في التعامل الصارم مع لوبيات الفساد في نيجيريا، لاسيما تلك المتجذرة في قطاعات الطاقة، مع إصرار على محاربة الإرهاب والعنف الطائفي من أجل استمرار معدلات النمو المتحصل عليها في السنوات الأخيرة، ومع ذلك ما زالت نيجيريا على الرغم من الإمكانات والآمال تُعَدُّ نموذجًا للدولة الفاشلة في الاستفادة من الثروة النفطية، على الرغم من ظهور البترول فيها منذ وقت مبكر؛ حيث انخفض مستوى معيشة سكانها باطراد، منذ الاستقلال عن بريطانيا عام 1960(21)

ووفقًا لتوقعات منظمة الطاقة الدولية، فإن نيجيريا إذا لم تنجح في وضع حدٍّ لتحدياتها المزمنة فستكون مهدَّدة بخسارة موقعها في سوق الطاقة على مستوى إفريقيا، لدرجة جعلت أنغولا في طريقها لتكون أبرز مصدري النفط الخام في المنطقة بدلاً من نيجيريا، "وعلى مستوى إنتاج الغاز الذي تحتل فيه نيجيريا موقعًا مهمًّا على مستوى غرب إفريقيا، فإن مركز الثقل بدأ يتوجَّه نحو الشرق؛ حيث اكتشافات الأوفشور في الموزمبيق وتنزانيا"(22). 

‌ب. نموذج ليبيا

تحوز ليبيا احتياطيًّا نفطيًّا هو الأضخم على مستوى القارة الإفريقية حتى الآن؛ حيث يصل الاحتياطي الليبي المؤكد من النفط (48.363 مليار برميل)(23)، مع احتياطي غازي معتبر (1.505 مليار متر مكعب)(24)، في الوقت الذي لا يزال الإنتاج الليبي من النفط يقارب مستوى (480 ألف برميل يوميًّا)؛ وذلك حسب آخر تقرير للأوبك، ليكون إنتاجها دون مستويات الإنتاج في جارَتَيْها مصر (532 ألف برميل يوميًّا)، والجزائر (1.193 ألف برميل يوميًّا)، على الرغم من البون الشاسع بين الاحتياطي النفطي الليبي والاحتياطات الجزائرية والمصرية، على التوالي (12.200 مليار برميل) (4.40 مليار برميل). ومع احتفاظ ليبيا بموقع مهم في ترتيب الدول الإفريقية المصدرة للغاز (4.962) مليون متر مكعب سنويًّا؛ لكن لا تزال أمامها فرص كبيرة لاحتلال موقع رائد في صناعة النفط على مستوى القارة؛ يتناسب مع الموقع الاستراتيجي لليبيا، وما تتمتع به من احتياطات نفطية ضخمة هي الأولى قاريًّا في الوقت الحالي(25)، ويبقى نجاح هذه الآمال مشروطًا بتجاوز حالة عدم الاستقرار السياسي، والتوجُّه نحو بناء الدولة الليبية على أسس سليمة تضمن الأمن والانسجام المجتمعي، وترسيخ المؤسسات الديمقراطية، الأمر الذي سيمكِّن من جذب الاستثمارات الدولية، ويوفِّر مناخات ملائمة لاستغلال حقول جديدة والاستفادة من عوائدها في بناء نهضة تنموية حقيقية، وعلى الرغم من دور حالة عدم الاستقرار التي أعقبت ثورة 17 من فبراير/شباط وتجليات "ضعف الدولة" الموروث عن حقبة العقيد القذافي، فإن وفرة الاحتياطات النفطية الليبية تبقى أحدَ أهمِّ محركات الصراع؛ حيث "كان النفط دائمًا سببًا في الحروب والصراعات الأهلية والداخلية في كثير من الدول، والغريب أن هذه المناطق التي يُشَرَّد أهلها ويقتلون بالجملة هي في الوقت نفسه مناطق آمنة بالنسبة إلى شركات التنقيب عن النفط وإنتاجه وتكريره"(26). 

جدول توضيحي لمعطيات الطاقة في ليبيا (المصدر: التقرير الإحصائي للأوبك في عام 2015)(27).

الدولة

قيمة الصادرات

الاحتياط المؤكد من النفط الخام

الاحتياط المؤكد من الغاز الطبيعي

الإنتاج من النفط الخام

صادرات منتجات البترول

صادرات الغاز الطبيعي

ليبيا

(15.18) مليون دولار

(48.363)

مليار برميل

(4.505)

مليار متر مكعب

(480)

ألف برميل يوميًّا

(15.0)

ألف برميل يوميًّا

(4.962) مليون متر مكعب

 

آفاق الطاقة المتجددة في إفريقيا 

عالميًّا يُقَدَّر عدد الأشخاص المحرومين من الطاقة الكهربائية بنحو مليار ونصف؛ أي 17% من إجمالي سكان العالم(28)، والمؤسف أن غالبية هذا الرقم توجد في القارة الإفريقية؛ التي تحوي مصادر ضخمة ومتنوعة للطاقة، فالقارة التي تمثل نسبة 13% من تعداد السكان في العالم، لا تزال نسبة الطلب فيها على الطاقة لا تتجاوز 4%، وقد شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في الطلب على الطاقة منذ سنة 2000؛ ففي إفريقيا 290 مليون شخص فقط من أصل 915 مليون ساكن يتمتعون بالطاقة الكهربائية، وعدد المحرومين منها في ازدياد، فجهود تعميم الكهرباء متواصلة؛ لكنها لا تواكب سرعة تزايد السكان(29). 

تتعرض صحة أزيد من نصف سكان إفريقيا للخطر؛ بسبب الاعتماد على الكتلة الحيوية الصلبة في عملية الطهو؛ فالطلب على الطاقة الطبيعية -خصوصًا الحطب والفحم- في تزايد مستمرٍّ بفعل الازدياد المتسارع للسكان، وهو ما سيشكل ضغطًا كبيرًا على المصادر الطبيعية(30)، الأمر الذي يستدعى استنفار الحكومات الإفريقية والشركاء الدوليين من أجل انتشال القارة من حالة الافتقار الضخمة إلى الطاقة النظيفة؛ حفاظًا على الصحة والوسط البيئي الذي يتعرَّض لتدمير كبير. 

كما يقول تقرير منظمة الطاقة الدولية حول مشاكل الطاقة في إفريقيا، فإن "النقص الصارخ في البنى التحتية للكهرباء يُعَدُّ لغمًا في طريق التنمية الاجتماعية والاقتصادية؛ حيث تضطر النسبة الضئيلة التي تتمتع بالكهرباء أحيانًا إلى استخدام مولدات كهربائية، نتيجة للانقطاعات(31)؛ ففي مصر التي يفترض أن تكون -نظريًّا- قد تجاوزت بفعل أكثر من عامل مشاكل العجز في الطاقة المسجلة في مناطق مختلفة من إفريقيا، لا يزال "توليد الكهرباء فيها يعتمد بشكل رئيس يكاد يتخطى نسبة 90% على الوقود، وفي ظل اعتبار انقطاع الكهرباء مظهرًا شعبيًّا لفشل النظام الحاكم، يتم اللجوء إلى توفير كميات ضخمة من الوقود الذي تحتاجه محطات توليد الكهرباء، وهو ما يتم على حساب الشركات الإنتاجية في مجالات الإسمنت والحديد والسماد والسيراميك وغيرها، التي أصبحت تعمل بجزء من طاقتها الإنتاجية"(32). 

على المستوى العالمي تسعى أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، التي وُوفِقَ عليها مؤخَّرًا، إلى تحقيق الوصول العالمي للطاقة الكهربائية بحلول عام 2030، وذلك بأن تتراجع أعداد المفتقرين للطاقة الكهربائية في عام 2030 إلى 800 مليون شخص على المستوى العالمي، وأن يتراجع عدد المحرومين من الوصول إلى وقود الطهو النظيف تدريجيًّا في الفترة نفسها (2030)(33)؛ ولكن على مستوى إفريقيا ما زالت المسيرة طويلة وشاقة؛ حيث "من المتوقَّع أن يبقى نصف مليار شخص في إفريقيا إلى سنة 2040 محرومًا من الطاقة الكهربائية"(34). 

وفي مواجهة فقر الطاقة المستشري، تُقْبِل الحكومات الإفريقية بشكل متزايد على مصادر الطاقة المتجدِّدة؛ بهدف تحفيز التنمية وتحسين حياة الناس وسبل العيش، وهكذا ازدادت في السنوات الأخيرة الاستثمارات في مجال استغلال نظم جديدة للولوج إلى الطاقة، في قارة لا تزال "أسعار الكهرباء فيها تُعَدُّ من بين الأغلى في العالم إذا ما استثنينا جنوب إفريقيا... وقد بدأت برامج التطوير في تحسين فعالية الإنتاج، ومن المتوقع أن يتضاعف الإنتاج 4 مرات سنة 2040، مقارنة بالرقم المتواضع حاليًّا 90 غيغا وات (يأتي نصفها من جنوب إفريقيا)، وتُعَدُّ دول مثل غانا ورواندا نماذج ناجحة في هذا المجال"(35). 

ويؤمل أن تحقق المبادرات الحالية في مختلف البلدان الإفريقية الأهداف الثلاثة -التي أعلنت عنها مبادرة الأمين العام للأمم المتحدة- بشأن حصول الجميع على الطاقة المستدامة، وإعلان العقد (2014-2024) باعتباره عقد الطاقة المستدامة للجميع؛ الذي يرمي لتحقيق ثلاثة أهداف: 1- ضمان تعميم الإتاحة لخدمات الطاقة الحديثة؛ 2- مضاعَفة معدَّل التحسين في كفاءة الطاقة؛ 3- مضاعفة نصيب الطاقة المتجددة(36)؛ التي تشمل (الطاقة الكهرومائية، والطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الحرارية..)، وسنكتفي هنا باستعراض التقدُّم الواقع في إفريقيا في مجالي الطاقة الكهرومائية والطاقة الشمسية. 

أ‌. الطاقة الكهرومائية

في قارة غنيَّة بالبحيرات والأنهار، تكون فرص التوسُّع في استغلال الطاقة الكهرومائية كبيرة، وقد بدأت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء باستغلال بعض مصادرها الواسعة في الطاقة المتجدِّدة، فالطاقة الكهرومائية في إفريقيا أقل من 10% من الإمكانات المتوقَّعة، ففي جمهورية الكونغو الديمقراطية مثلاً لا تتجاوز نسبة السكان ممن لديهم نفاذ إلى الطاقة الكهربائية الـ 9%؛ على الرغم من امتلاك الدولة إمكانات ضخمة من الطاقة الكهرومائية؛ وهو ما يُشَكِّل مثالًا صارخًا(37)؛ وكانت تجربة منظمة استثمار نهر السنغال رائدة في إنتاج الطاقة الكهرومائية منذ عام 2002 من محطة "مانتالي"؛ التي تُقَدَّر طاقتها الإنتاجية بـ(200 ميغا وات، لكنها عمليًّا تنتج فقط 128 ميغا وات)، تُزَوِّد عواصم الدول الثلاث (السنغال، ومالي، وموريتانيا) بإمدادات مهمة من الكهرباء هي في أمس الحاجة إليها؛ وهو تعاون إقليمي مثمر في مجال الطاقة الكهرومائية، سيتعزز أكثر مع المحطات الجديدة "فيلو" بطاقة إنتاجية تُقَدَّر بـ(60 ميغا وات)، ومحطة "أكوينا" التي يُخَطَّط أن تعمل بطاقة إنتاجية تُقَدَّر بـ(140 ميغا وات)(38)؛ لكن المشروع الأهم في هذا السياق هو سدُّ النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق؛ حيث عبَّرت السلطات الإثيوبية عن وعيها المتطوِّر حول الطاقة الكهرومائية باعتبارها مفتاح مستقبل الطاقة في البلاد، ويهدف سدُّ النهضة الإثيوبي الكبير إلى معالجة فقر الطاقة في القرن الإفريقي، وسوف يُنتج -عند اكتماله- طاقة أكثر من أي سدٍّ آخر في إفريقيا. وتتوقَّع الحكومة الإثيوبية أن يُنتج السد ستة غيغات وات من الطاقة عندما يبلغ الإنتاج ذروته؛ مما سيُضاعف إنتاج إثيوبيا من الكهرباء -الذي يبلغ حاليًّا أقل من ثلاثة غيغا وات- بثلاث مرات تقريبًا(39). 

بحسب منظمة الطاقة الدولية، فإن عدم الاستقرار السياسي، وضعف الاستثمارات، ومحدودية السوق، وضعف التنسيق مع البلدان المجاورة، هي العوامل الرئيسة التي أدَّت إلى ضعف استغلال الطاقة الكهرومائية؛ لكن هذه العوامل بدأت شيئًا فشيئًا في الزوال في مجملها؛ نتيجة للتعاون الإقليمي، ونتيجة لظهور الصين؛ التي أصبحت مموِّلًا بارزًا بالإضافة إلى الممولين التقليديين(40). 

ب‌. الطاقة الشمسية

في القارة الإفريقية، هناك تَوَجُّه للاستفادة من الطاقة الشمسية لسدِّ العجز في الطاقة على مستوى بلدان القارة، وتُعَدُّ بلدان الشمال الإفريقي بحكم الصحراء الواسعة -التي تشهد أعلى مستويات إشعاع شمسي- فرصة مهمة لتوليد الطاقة، وقد بدأت بلدان في مناطق مختلفة من القارة في الاهتمام بالطاقة الشمسية:

  • المغرب: أقام المغرب أكبر محطَّة إنتاج للطاقة الشمسية في العالم، وهو المجمَّع الشمسي "نور"، الواقع قرب مدينة "ورززات" في الجنوب المغربي، والمشروع الذي انطلق في مايو/أيار عام 2013، ودشنت مرحلته الأولى في 6 من فبراير/شباط عام 2016، وسيُنتج المغرب عند دخوله حيِّز التشغيل الكامل ما يكفي من الطاقة لسدِّ احتياجات أكثر من مليون أسرة مغربية(41)، وكلف الاستثمار في محطة نور1: "600 مليون يورو لإنتاج 160 ميغا وات من الكهرباء، وهي مرحلة أولى من خمس مراحل في مشروع مغربي طموح وكبير لإنتاج الطاقة في عدد من المناطق المشمسة في المملكة"(42).
  • غانا: أقام هذا البلد الواقع في غرب إفريقيا أحد أكبر محطَّات توليد الطاقة الشمسية في إفريقيا، بطاقة إنتاج من المتوقَّع أن تناهز الـ155 ميغا وات، وهذا المشروع المسمَّى "نزيما"، وتبلغ كلفته 400 مليون دولار، تُشرف عليه مجموعة "بلو إينرجي" البريطانية(43).
  • جنوب إفريقيا: وهي من أهم البلدان الإفريقية التي حقَّقت تقدُّمًا كبيرًا في مجال الطاقة عمومًا، والشمسية بشكل خاصٍّ؛ وذلك بفضل محطة "جاسبر" الشمسية، التي تُمَكِّن من إمداد 80 ألف منزل بالطاقة الكهربائية؛ وذلك بفضل طاقة إنتاجية تُقَدَّر بـ95 ميغا وات، وبفضل العديد من محطات توليد الطاقة الشمسية الأخرى في جنوب إفريقيا، التي تصل طاقة إنتاجها مجتمعة إلى ألف ميغا وات(44).

بدأت دول مجموعة الإيكواس (التي تضم عددًا متزايدًا من السكان يربو على 334.6 ملايين نسمة) في التوجُّه نحو الاستثمار في مشاريع الطاقة الشمسية بالتعاون مع "ستايشن إينرجي"، وهو مجمَّع يضطلع بطرح حلول مبتكرة لبلدان غرب إفريقيا (بوركينا فاسو، وكوت ديفوار، والسنغال)، من أجل تيسير حصول السكان على الخدمات الأساسية عبر الطاقة الشمسية. 

تُعَدُّ منطقة غرب إفريقيا الأقل حظًّا بالنسبة إلى معدلات إتاحة الكهرباء في العالم؛ حيث يقتصر الأمر على ما يقارب نسبة 42% من مجموع السكان، و8% من سكان الريف، هم الذين تتاح لهم إمكانية الحصول على الكهرباء، على أن إتاحة الكهرباء تتباين بين النيجر؛ حيث لا يزيد معدَّل الكهربة على 9% (2011)، وبين جزر الرأس الأخضر التي كادت تحقِّق مستوى إتاحة شاملة(45). 

وتبقى أهم المشاريع المستقبلية في شمال إفريقيا في مجال الطاقة الشمسية، "مشروع ديزيرتيك"؛ وهو مشروع يُخَطِّط لتزويد نصف أوروبا وشمال إفريقيا بالتيار الكهربائي في غضون عقود زمنية قليلة، ولا تزال الطريق الموصِّلة إلى ذلك محفوفة بالصعوبات؛ لكن صاحب فكرة المشروع "جيرهارد كنيس" يقول: "إن مشروع "ديزيرتيك" يجمع بين أفضل المناطق الشمسية في العالم؛ أي الصحراء، وبين أفضل التقنيات العالمية في الدول المتقدِّمة في هذا المجال". "فمن خلال هذا المشروع تتمكَّن الدول المتقدِّمة تقنيًّا ودول الصحراء من تزويد نفسها بطاقة نظيفة، وبالكميات التي تحتاجها". ومن النتائج الإيجابية لهذا المشروع، خلق فرص عمل للسكان في بلدان مثل: المغرب، ومصر، وتونس، إضافة إلى حماية البيئة على أفضل وجه(46). 

خاتمة 

ترى الوزيرة الكينية الراحلة "وانغاري ماثاي" الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2004، في كتابها "إفريقيا والتحدي" أن القارة الإفريقية بحاجة إلى ما أسمته بالكرسي ثلاثي القوائم، تُمثِّل القائمة الأولى الحيز الديمقراطي؛ حيث تُحْتَرم الحقوق، وترمز القائمة الثانية إلى الإدارة المستدامة والمسؤولة عن الموارد الطبيعية، بينما ترمز القائمة الثالثة إلى ما تُسمِّيه ثقافات السلام. ومن المهم الإقرار بأنه عندما يكون واحد أو أكثر من الأعمدة الثلاثة غائبًا، فقد لا يتعرض المال للتبديد فقط، أو يكون له تأثير مؤقت فحسب؛ بل قد يُسهم -أيضًا- في عدم الاستقرار المتواصل، وتؤكِّد الباحثة أنه من دون مشاركة المواطن والمجتمع المدني النشط، يكون مستقبل التنمية المستدامة العادلة قاتمًا(47). 

تثير الاحتياطات الطاقوية الضخمة في إفريقيا من المخاوف ضعف ما تثيره من تباشير؛ فعلى المستوى التنموي، يُصيب المجتمعات القائمة على ريع النفط ما يُعرف بـ"المرض الهولندي"؛ حيث تؤدِّي عائدات النفط دورًا سلبيًّا في نجاح إدارة الدولة، كما حدث في "الغابون"؛ التي وجدت نفسها فجأة تحصد مئات الملايين من الدولارات بلا جهد، فتحوَّلت من الإنتاج إلى الاستيراد شبه الكامل من الخارج؛ ومن ثَمَّ الإنفاق ببذخ(48). 

على المستوى الديمقراطي، يُؤَكِّد عالم السياسة الأميركي المختصُّ بالتحولات الديمقراطية "لاري دايموند" في كتابه "روح الديمقراطية"، أنه "عندما يُصبح النفط هو المهيمن على صادرات الدولة بشكل مباشر، تُصبح الدولة بذلك، الفاعل الاقتصادي الأكثر قوَّة، وينقلب شعبها إلى زبائن، وليس إلى مواطنين حقيقيين"(49). أما مايكل رُسّْ مؤلف كتاب "لعنة النفط" فيُؤَكِّد في كتابه على متلازمة (نفط أكثر، ديمقراطية أقل)، فالعائدات النفطية في الدول النامية تحدُّ من التطور الاقتصادي والاجتماعي؛ خاصة عندما تكون شركات النفط مملوكة للدولة؛ مما يعطي الحكام حرية التصرُّف في العائدات المالية الضخمة، التي غالبًا ما تكون سرية(50)، وكلما كافحت الأحزاب المختلفة والزمر الإثنية والحركات من أجل التحكُّم في خيرات البلاد، ارتفعت وتيرة الصراع، إن مصدر الثروة الطبيعية على اختلاف أشكالها مرتبط باحتمال كبير لاندلاع حرب أهلية داخلية(51). 

على الرغم من الهواجس والتحديات يبقى من الجائز المراهنة على نهوض مستقبلي لإفريقيا على ضوء عوائد احتياطاتها من الطاقة الأحفورية، وثمار مشاريعها في مجال "الطاقة المتجدِّدة" الآخذة في التوسُّع؛ مما يُعَزِّز مسار التنمية الاقتصادية، ويُوَفِّر مصادر العيش للملايين، بالإضافة إلى انعكاساته الإيجابية على قطاعات الصحة والتعليم، وضخِّ المياه وتحليتها، والأغذية الزراعة "في قارة تخسر سنويًّا 40% من محاصيلها الزراعية جرَّاء سوء التخزين"(52). 

النمو الاقتصادي المرتقب -مهما كان محدودًا- في قارة قطعت خلال السنوات الماضية أشواطًا مهمَّة في التراكم الديمقراطي، الذي يُعَبَّر عنه اليوم برفض "الولاية الثالثة" للرؤساء على مستوى إفريقيا(53)، كلها مؤشرات يمكن أن تُسهم في بروز طبقة وسطى عريضة في ربوع القارة، تفرض التغيير الديمقراطي وتوسيع المشاركة السياسية، وحكم المؤسسات باعتبارها أهم ضمانة للنجاح التنموي، وصيانة الموارد من عبث المؤسسات الاستحواذية المحلية والدولية. 

يؤكد "لاري دايموند" في تحليله لارتباط النمو الاقتصادي بالتحول الديمقراطي في "تايوان" أنه كانت "للنمو السريع نتائج تحررية، فمع الإقلاع الاقتصادي، حقَّقت تايوان جميع السمات المألوفة لدى كل المجتمعات النامية الرأسمالية: ارتفع مستوى التعليم، وقوي التواصل الجماهيري، وانتعش الدخل الفردي، وبرز مجال حضري متميز، يحوي طبقة العمال وطبقة المهنيين المتوسطة وطبقة رجال الأعمال المقاولين. كما تميزت طبقة رجال الأعمال باستقلاليتها، وخرجت المقاولات الفردية من سيطرة حزب الدولة، على الرغم من أنها كانت صغيرة وغير مهيكلة، وسيطرت المقاولات المتوسطة والصغرى التي تُعَدُّ مشغلًا أساسيًّا ومصدرًا للعملة الصعبة؛ مما يسهل استقلالها عن الحزب الحاكم... وتطورت الديمقراطية في تايوان بفضل مثقفي الطبقة المتوسطة؛ التي نشأت في أثناء مرحلة النمو السريع"(54).

_________________________

سيد اعمر شيخنا - باحث موريتاني.

مراجع

1- تقرير وكالة الطاقة الدولية: عدد خاص -دراسة حول مستقبل الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء 2014، (تاريخ الدخول: 3 يونيو/حزيران 2016):

http://www.iea.org/publications/freepublications/publication/WEO_Africa_French.pdf

2 – شبانة، أيمن، "النفط الإفريقي، عندما تتحرك السياسة الأميركية وراء الموارد"، مجلة إفريقيا قارتنا، العدد 2، فبراير/شباط 2013، ص1. وأيضًا انظر المقال منشور على الرابط التالي (تاريخ التصفح 25 من مايو/أيار 2016):

http://www.meshkat.net/node/23391

3 - تقرير وكالة الطاقة الدولية حول مستقبل الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء 2014، مرجع سابق.

4 - حول موقع إفريقيا في سوق الطاقة العالمي، انظر: سليتر، روبرت، سلطة النفط والتحول في ميزان القوى العالمية، ترجمة محمد فتحي خضر، (مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، القاهرة)، ط 1، 2016.

5 - لمزيد من الاطلاع حول هذا الموضوع راجع: هاينبرغ، ريتشارد، غروب الطاقة، ترجمة مازن جندلي، (الدار العربية للعلوم، بيروت)، ط 1، 2016.

6 - عقيد ركن خليفة أحمد، "القيادة الاستراتيجية الأميركية في إفريقيا أفريكوم، لماذا الآن؟"، مجلة المسلح، بتاريخ 6 من كتوبر/تشرين الأول 2008، (تاريخ الدخول: 20 مايو/أيار 2016):

http://www.almusallh.ly/ar/stratigystud/166-africom

7 - بدر محمد بدر، عرض كتاب: التكالب على نفط إفريقيا، للمؤلف جون حسين جازفنيان، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 12 مايو/أيار 2016): إضغط هنا.

8 - :إفريقيا الوافد الجديد في عالم النفط:، الشرق الأوسط، 22  سبتمبر/أيلول 2005، العدد 9795.

9 – "شركة "كوسموس" تعلن عن ثاني اكتشاف نفطي بموريتانيا"، وكالة الأخبار الموريتانية المستقلة، انظر الرابط التالي، (تاريخ الدخول: 23 مايو/أيار 2016):

http://www.alakhbar.info/news/12553-2015-11-12-14-23-10.html

10 – "تقرير النفط الإفريقي محور الصراع الدولي القادم"، موقع قراءات إفريقية، 12 مايو/أيار 2014، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2016):

http://www.qiraatafrican.com/home/new/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A-%D9%85%D8%AD%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%A7%D8%AF%D9%85-2-2

11 - مصدر المعطيات الواردة في جداول الاحتياطات النفطية المؤكدة في إفريقيا هو تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، حول الاحتياطات النفطية المؤكدة في العالم، المنشور عام 2015، لمزيد من الاطلاع انظر الرابط التالي:

https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/rankorder/2244rank.html

12 - يطلق لقب الأخوات السبع على الشركات النفطية الكبرى، والشركات المقصودة في الأصل هي: برتش بتروليوم (BP)، شل (Shell)، أكسون (Exxon)، موبل (Mobil)، شيفرون (Chevron)، تكساكو (Texaco)، كلف (Gulf).

13 - بدر محمد بدر، عرض كتاب: "التكالب على نفط إفريقيا"، مصدر سابق.

14 - تقرير النفط الإفريقي.. محور الصراع الدولي القادم، موقع قراءات إفريقية، مصدر سابق.

15 - تقرير النفط الإفريقي.. محور الصراع الدولي القادم، موقع قراءات إفريقية، مصدر سابق.

16 - تقرير المخابرات المركزية الأميركية، حول معدلات الإنتاج النفطي في عام 2014، (تاريخ الدخول: 1 يونيو/حزيران 2016):

https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/rankorder/2241rank.html

17 - تقرير المخابرات المركزية الأميركية حول معدلات إنتاج الغاز في العالم، (تاريخ الدخول: 1 يونيو/حزيران 2016):

https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/rankorder/2249rank.html

18 - أعلنت الحكومة النيجيرية (7 من أغسطس/آب 2016) أنها ستتفاوض مع جماعة (منتقمو دلتا النيجر) التي أعلنت مسؤوليتها عن عدد من الهجمات على خطوط أنابيب النفط والغاز، وتسببت في هبوط قياسي في إنتاج النفط منذ 20 عامًا، ووصول سعره إلى أعلى مستوى له في عام 2016، وأشار وزير النفط النيجيري إيمانويل إيبي كاتشيكو إلى أن إنتاج بلاده من النفط يتراوح بين 1,5 و1,6 ملايين برميل نفط يوميًّا، بعد أن كان 2,2 ملايين برميل يوميًّا في بداية العام، مضيفًا: "فقدنا نحو 600 ألف برميل خلال الشهرين الأخيرين بسبب الهجمات المتعددة للمتشددين في المنطقة. لمزيد من التفاصيل انظر الرابط التالي، (تاريخ الدخول: 8 يونيو/حزيران 2016):

http://www.saharamedias.net/%D9%86%D9%8A%D8%AC%D9%8A%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D8%B9%D8%AF-%D9%84%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D9%85%D9%86%D8%AA%D9%82%D9%85%D9%88-%D8%AF%D9%84%D8%AA%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D8%AC%D8%B1_a30633.html

19 - تقرير وكالة الطاقة الدولية: عدد خاص - دراسة حول مستقبل الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء 2014، (تاريخ الدخول: 3 يونيو/حزيران 2016)

http://www.iea.org/publications/freepublications/publication/WEO_Africa_French.pdf

20 - للاطلاع على التقرير الإحصائي لأوبك عن نيجيريا الصادر في عام 2015، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2016):

http://www.opec.org/opec_web/en/about_us/167.htm

21 - بدر محمد بدر، التكالب على نفط إفريقيا، مصدر سابق.

22 - تقرير وكالة الطاقة الدولية: عدد خاص -دراسة حول مستقبل الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء 2014، مصدر سبق ذكره.

23 - تقرير المخابرات المركزية الأميركية حول الاحتياطات المؤكدة، مصدر سابق.

24 - التقرير الإحصائي للأوبك عن ليبيا خلال الصادر عام 2015، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2016):

http://www.opec.org/opec_web/en/about_us/166.htm

25- بحسب تقارير الأوبك والمخابرات المركزية الأميركية الاحتياطي الليبي من النفط هو الأول إفريقيًّا حتى إشعار جديد، انظر: للرابط الأول (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2016)، وللثاني (تاريخ الدخول: 1 يونيو/حزيران 2016):

http://www.opec.org/opec_web/en/about_us/166.htm

https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/rankorder/2244rank.html

26 – غرابية، إبراهيم، عرض كتاب "السجل الأسود للنفط" لمؤلفيه: توماس زايفيرت/كلاوس فيرنر، موقع الجزيرة نت، انظر الرابط التالي، (تاريخ الدخول: 20 مايو/أيار 2016): إضغط هنا.

27- انظر التقرير الإحصائي للأوبك عن ليبيا سنة 2015، (تاريخ الدخول: 4 يونيو/حزيران 2016):

http://www.opec.org/opec_web/en/about_us/166.htm

28- الملخص التنفيذي السنوي لوكالة الطاقة الدولية لعام 2015، ص 3، (تاريخ الدخول: 2 يونيو/حزيران 2016):

http://www.iea.org/publications/freepublications/publication/WEO2015ES_ARABIC.pdf

29 - تقرير وكالة الطاقة الدولية: عدد خاص -دراسة حول مستقبل الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء، سبق ذكره.

30 - المصدر السابق.

31 - المصدر السابق.

32 - ممدوح الولي، أزمة الطاقة في مصر، موقع الجزيرة مباشر، (تاريخ الدخول: 2 يونيو/حزيران 2016):

http://mubasher.aljazeera.net/articlesandstudies/2015/07/201571385447677812.htm

33 - الملخص التنفيذي السنوي لوكالة الطاقة الدولية لعام 2015، ص3.

34 - تقرير وكالة الطاقة الدولية: عدد خاص -دراسة حول مستقبل الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء، سبق ذكره.

35 - المصدر السابق نفسه.

36 - تقرير تنمية قطاعات وتكنولوجيات الطاقة المتجددة في غرب إفريقيا، (تاريخ الدخول: 28 مايو/أيار 2016):

http://unchronicle.un.org/ar/article/1954/

37 - تقرير وكالة الطاقة الدولية: عدد خاص -دراسة حول مستقبل الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء، سبق ذكره.

38 - محمدن ولد آكاه، مانتالي، الطاقة الكهرومائية في خدمة التنمية والتكامل الاقتصادي، موقع الحصاد الموريتاني، (تاريخ الدخول: 6 يونيو/حزيران 2016):

http://alhassad.net/article13035.html

39 - انظر، تقرير مستقبل الطاقة الكهرومائية في إفريقيا، (تاريخ الدخول: 30 مايو/أيار 2016):

http://www.scidev.net/mena/energy/data-visualisation/africa-hydropower-future-interactive-AR.html#section-2

40 - تقرير وكالة الطاقة الدولية: عدد خاص -دراسة حول مستقبل الطاقة في إفريقيا جنوب الصحراء، سبق ذكره.

41 - تقرير لموقع هسبريس المغربي بعنوان: "إشادة دولية بافتتاح مجمع "نور" ورززات"، (تاريخ الدخول: 20 مايو/أيار 2016):

http://www.hespress.com/economie/293652.html

42 - تقرير لموقع dw بعنوان: "نور أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم" بتاريخ 13 من ديسمبر/كانون الأول 2015، انظر الرابط التالي:

http://www.dw.com/ar/%D9%86%D9%88%D8%B1-%D8%A3%D9%83%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D8%AD%D8%B7%D8%A9-%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85/a-18914795

43 - بن سعيد، أسماء، "الطاقة الشمسية في إفريقيا، مشاريع تتدفق بسرعة الضوء"، وكالة الأناضول، (تاريخ الدخول: 30 مايو/أيار 2016): إضغط هنا.

44 - بن سعيد، "الطاقة الشمسية في إفريقيا، مشاريع تتدفق بسرعة الضوء"، مصدر سابق.

45 - تقرير تنمية قطاعات وتكنولوجيات الطاقة المتجددة في غرب إفريقيا، مصدر سابق.

46 - تعاون بين أوروبا وشمال إفريقيا في إنتاج الطاقة الشمسية، موقع dw، (تاريخ الدخول: 1 يونيو/حزيران 2016):

http://www.dw.com/ar/%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A7-%D9%88%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A5%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%86%D8%AA%D8%A7%D8%AC-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%A9/a-15119464

47 - شرين يونس، عرض كتاب "إفريقيا والتحدي" الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 5 يونيو/حزيران 2016): إضغط هنا.

48 - بدر محمد بدر، التكالب على نفط إفريقيا، مصدر سابق.

49 – دايموند، لاري، روح الديمقراطية، الكفاح من أجل بناء مجتمعات حرة، ترجمة عبد النور الخراقي، (الشبكة العربية للأبحاث والنشر، بيروت، 2014) ط 1، ص 123.

50 - زياد منى، عرض كتاب: لعنة النفط، الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 6 يونيو/حزيران 2016):

http://www.aljazeera.net/knowledgegate/books/2012/6/25/%D9%84%D8%B9%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7

51 - دايموند، روح الديمقراطية، ص127.

52- بن سعيد، "الطاقة الشمسية في إفريقيا، مشاريع تتدفق بسرعة الضوء"، مصدر سابق.

53- سيد أعمر ولد شيخنا، "الولاية الثالثة وتعديلات الدساتير الإفريقية، جدل داخلي وتشجيع خارجي"، مركز الجزيرة للدراسات، (تاريخ الدخول: 6 يونيو/حزيران 2016):

http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2015/12/20151213111535868611.html

54 - دايموند، روح الديمقراطية، ص151-152.