مستقبل استفتاء كردستان العراق

تم إجراء استفتاء استقلال كردستان العراق كما هو مخطط له، ورغم المعارضة الكبيرة له، تناقش هذه الورقة الأبعاد المستقبلية للخطوة الكردية وآثارها السياسية، مرجِّحة أن الأكراد سيستفيدون بشكل أفضل بالبقاء كجزء من العراق الفيدرالي أو الكونفيدرالي.
07b2971f6cb443ff985ba1299dcb64b4_18.jpg
أخطاء حكومة إقليم كردستان في حسابات الدعم الدولي والإقليمي للاستقلال (غيتي)

مقدمة

كان الوضع السابق للعراق غير مستقر ولا يمكن الدفاع عنه. ولكن لا ينبغي بالضرورة أن يكون الحل الجديد واحدًا من موقفين معلنين للجمهور من طرف بغداد أو أربيل. وفي هذا المنعطف، سيكون أي هيكل فيدرالي محدَّد ومنفَّذ بشكل أفضل مع بعض الضمانات الدولية والإقليمية أو في إطار كونفيدرالي أسهل وأكثر معقولية من تحقيق دولة مستقلة جديدة. إذا نجح هذا الترتيب الجديد، فإن العراق يحتاج بعد ذلك إلى الانتقال من بنيته السياسية والأمنية الطائفية الحالية ليصبح دولة (فيدرالية أوكونفيدرالية فاعلة) لمواطنيها أو مكوناتها. وسيستفيد الأكراد بشكل أفضل بالبقاء كجزء من العراق الفيدرالي أو الكونفيدرالي. إذا فشل الأمر مرة أخرى، فإن الأكراد سوف يواصلون طريقهم التطوري نحو الدولة مع المزيد من التعاطف الدولي وربما الإقليمي. 

وعلى الرغم من كل الاحتمالات، تم إجراء استفتاء استقلال كردستان العراق كما هو مخطط له، وكانت المعارضة ضده كبيرة أيضًا. وقد عارضت الولايات المتحدة والأمم المتحدة وروسيا وبريطانيا والقوى الإقليمية: تركيا وإيران، الاستفتاء. غير أن الأكراد العراقيين شرعوا في إجرائه. ومع وجود مخاوف بشأن عدم اليقين الذي يُحتمل أن يترتب على الاستفتاء، فإن مزاج العاصمة الكردية في إقليم كردستان (أربيل) كان احتفاليًّا في يوم التصويت. وقد أدى حوالي 72 في المئة من هذا الإقبال على الاستفتاء و92 في المئة تأييدًا لقرار الاستقلال، إلى رفع معنويات القيادة الكردية(1)

الآثار سياسية أكثر منها قانونية 

الاستفتاء غير مُلزم، وستكون الآثار المترتبة على ذلك سياسية أكثر منها قانونية. والواقع أن هذا ليس الاستفتاء الأول الذي أجراه الأكراد العراقيون على مسألة الاستقلال؛ ففي عام 2005، أجروا استفتاء على نفس السؤال أيضًا، وحصل حينها على تأييد إجماعي تقريبًا من الأكراد. ولكن هناك فرق نوعي بين الاستفتاءين؛ فأولهما كان مبادرة يقودها المجتمع المدني، في حين أن الاستفتاء الثاني كان مبادرة من الحكومة الكردية، التي صدَّق عليها البرلمان أيضًا، والذي استأنف أعماله في 14 سبتمبر/أيلول 2017 بعد أكثر من عامين من انعقاده(2). 

وعلى الرغم من ذلك، فإن الاستفتاء الحالي لن يحقق الاستقلال فورًا، وهذه نقطة تؤكدها باستمرار القيادة الكردية العراقية أيضًا، وستبقى حدود العراق، كدولة ذات سيادة معترف بها دوليًّا، بالإضافة إلى الحدود الداخلية بين حكومة إقليم كردستان والعراق، سليمة في أعقاب الاستفتاء، على الأقل في المستقبل المنظور. وعلى الرغم من ذلك، فقد تسبَّب هذا القرار في الكثير من القلق على الصعيد الوطني والإقليمي والدولي. وعلى وجه الخصوص، شعرت الدول الإقليمية مثل إيران وتركيا بالقلق إزاء هذا القرار. وبالنسبة لهم، انتقل الاستفتاء من كونه قضية يجب أن تُدار إلى أزمة تتزايد وتتفاقم. وقد هدَّد كل من البلدين حكومة إقليم كردستان بعواقب وخيمة، إذا تقدمت في الاستفتاء (الذي أجرته). بالإضافة إلى إغلاق(3) المجال الجوي، لم يتم فرض عقوبات كبرى على الأكراد. ولكن على الرغم من اللغة التركية الشديدة والتهديدات، لم يتم بعد توضيح خصائص هذه العواقب والتهديدات. وتضمنت نتائج اجتماع مجلس الأمن القومي التركي واجتماع مجلس الوزراء، الذي عُقد في 22 سبتمبر/أيلول 2017، تهديدات وتحذيرات أكثر تجريدًا، بدلًا من اتخاذ خطوات ملموسة للعقاب. وفي هذه المرحلة، يستحق السؤال التالي جوابًا: لماذا تحول الاستفتاء بسرعة من كونه مسألة يمكن التحكم فيها إلى أزمة متصاعدة؟ 

الحسابات الخاطئة 

أدَّت سلسلة من إساءة التقديرات إلى إطالة أمد الأزمة ووصولها إلى ما وصلت إليه في الوقت الحاضر. أولًا: المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، لم يُبدِ اهتمامًا كافيًا بهذه الأزمة لفترة طويلة. ليس هناك شيء جديد في هذه الأزمة. لقد كانت أزمة في قيد الصنع. إن هدف الاستقلال الكردستاني معروف جيدًا. وأعرب رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، عن نيته إجراء استفتاء عام 2014، غير أن هذه الخطة تعطلت بسبب تصاعد خطر تنظيم "الدولة الإسلامية". ونتيجة للمعركة ضد تنظيم الدولة، أُرجئت هذه العملية. ومع ذلك، فإنه إذ رأى أن الحرب ضد تنظيم الدولة تقترب من نهايتها، فقد أعاد طموحه في عام 2016. وأعقب الإعلان العلني عن نوايا إجراء الاستفتاء إنشاء اللجنة المستقلة للانتخابات ولجنة الاستفتاء للإشراف على الإعداد للاستفتاء على الاستقلال. 

في 7 يونيو/حزيران 2017، حددت هذه اللجنة موعدًا -25 سبتمبر/أيلول 2017- لإجراء الاستفتاء. خلال هذه الأوقات، لم تقم الولايات المتحدة أو القوى الدولية الكبرى الأخرى بأية عمليات ذات معنى لإيجاد أرضية مشتركة بين بغداد وأربيل كبديل لاستفتاء الاستقلال. وقد شاركت الولايات المتحدة في دبلوماسية مكوكية متأخرة جدًّا. حتى ذلك الحين، كان الخطأ الرئيسي لهذه الدبلوماسية هو وضع العبء كله على أكتاف الأكراد واعتماد لغة التهديدات تجاههم في التصريحات العلنية، وأصدرت كل من وزارة الخارجية(4) والبيت الأبيض(5) تصريحات لا تعارض الاستفتاء فحسب، بل أيضًا تهدد بشكل صريح أو علني الجانب الكردي بعواقب وخيمة إذا ما مضى قدمًا في القرار. وعلى النقيض من ذلك، فإن هذه التصريحات شجعت الحكومة المركزية على الدخول في حوارات مع الأكراد. 

وقد شجع ذلك في المقابل بغداد وجعلها أقل انفتاحًا نحو تسوية سلمية. وكان من الواضح أن هذا التشديد لموقف بغداد واضح في الخطاب المتغير للمسؤولين بشأن الاستفتاء. وفي أبريل/نيسان 2017، اعترف رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بالاستقلال بوصفه حقًّا طبيعيًّا للأكراد، ولكنه شكَّك في توقيته ودعا لتأجيله. وفى النصف الثاني من سبتمبر/أيلول 2017، تغير موقفه وطلب عدم تأجيل الاستفتاء، بل إلغاءه تمامًا(6)، وتحدث عن استخدام التدابير العسكرية(7) إذا لزم الأمر. ومثل هذا التشنج لجانب واحد في الوقت الذي كان الهدف هو إيجاد أرضية مشتركة يجعل المهمة نفسها أصعب تحقيقًا، نظرًا لأنه تم أيضًا الاضطلاع بها في وقت متأخر ومن خلال الإنذارات. وقد أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في التكلفة السياسية لعدم إجراء الاستفتاء لمسعود بارزاني، رئيس حكومة إقليم كردستان، والبطل الرئيسي لاستفتاء الاستقلال. 

كما تم تبني خط مماثل لدبلوماسية متأخرة مصحوبة بإنذارات ولغة تهديدات من قبل القوى الكبرى المجاورة. لقد كانت تركيا في السنوات الأخيرة واحدة من القوى الرئيسية التي سهَّلت الاستقلال الاقتصادي لحكومة إقليم كردستان عن بغداد من خلال الانخراط الثنائي مع أربيل في بيع النفط والغاز الكردي إلى السوق الدولية، وقد أرسلت تركيا في السابق رسائل مُختلطة بشأن مسألة الاستقلال؛ فقد قال الرئيس رجب طيب أردوغان، عندما سُئل عن الاستقلال الكردستاني: إن هذه مسألة داخلية عراقية -وفسَّر الكثيرون ذلك حينها على أنه دعم ضمني من تركيا لاستقلال حكومة إقليم كردستان- حدث هذا قبل عامين فقط. 

وبالمثل، فإن حكومة إقليم كردستان قد أخطأت في حساب الدعم الدولي والإقليمي للاستقلال، وقد ارتكبت العديد من الأخطاء أثناء عملية استفتاء الاستقلال. ومما يثير استياء الأكراد أن الدعم للسلامة الإقليمية العراقية والوضع الراهن كان أكثر مما هو متوقع. وعلاوةً على ذلك، فإن طبيعة المشهد السياسي المجزَّأة في استفتاء الاستقلال في كردستان الذي أعلنت فيه الجماعة الإسلامية "كومال" والمعارضة "غوران" أنها ستقاطع الاستفتاء (وهو الموقف الذي تغير(8) لدى كل منهما قبل ساعات فقط من الإعادة) كان سيئًا للقضية الكردية. وعلى نفس المنوال، أدى الانقسام داخل الاتحاد الوطني الكردستاني، ومنافسه وشريكه الحاكم منذ زمن طويل، الحزب الديمقراطي الكردستاني، إلى تفاقم قضية استفتاء الاستقلال. وأدت آثار هذه العوامل مُجتمعة إلى أن يُنظر إلى استفتاء الاستقلال من خلال نظرة حزبية من الحزب الديمقراطي الكردستاني فقط، إن لم تكن نظرة شخصية من خلال مسعود بارزاني فقط. بمعنى آخر كانت النظرة من خلال البعض وليس الكل الوطني. وهذا في المقابل قلَّص جزئيًّا المقبولية الدولية للاستفتاء. 

وعلاوةً على ذلك، فإن الصورة السائدة عن الأكراد كمقاتلين شجعان في معركة تنظيم الدولة، وتبنيهم للغة حقوق الإنسان، وتقرير المصير، والمطالب الشعبية الديمقراطية ليست قوية بما فيه الكفاية للأكراد للتغلب على الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية المُقاوِمة التي كانت مدفوعة جزئيًّا بالقلق إزاء العواقب الجيوسياسية المترتبة على هذا التحرك، وجزئيًّا بسبب تفضيلها الافتراضي للوضع الراهن. هناك اختلاف بين فرضيات مُؤيدي الاستقلال الكردي ومعارضيه. اللغة القائمة على الحق التي تقدم بها الأكراد كانت تحرِّض ضد رفض جيوسياسي مُسبق من قبل المُعارضين للاستفتاء. على الرغم من أن بارزاني كان مُحيرًا عندما قال(9) إنه يود أن يعرف منذ متى أصبح جيران كردستان مُهتمين كثيرًا بوحدة العراق، يبدو أن هناك العديد من المدافعين الإقليميين والدوليين عن السلامة الإقليمية للعراق. 

وعلى الرغم من هذه الحسابات الخاطئة والأخطاء، إلا أن استفتاء الاستقلال ليس جهدًا غير منطقي. وعلاوة على ذلك، فإنه يجب ألا يكون لعبة مُحصلتها صفر للحكومة المركزية والأكراد العراقيين. وبغضِّ النظر عن النتيجة، فإن عملية الاستفتاء في حدِّ ذاتها قد تحمَّلت بالفعل بعض النتائج المهمة. 

عواقب عملية استفتاء الاستقلال 

كانت فكرة استفتاء الاستقلال ذات أهمية مثل إجراء الاستفتاء نفسه. وعلى الرغم من أنها كانت تجربة سياسية في إطار الصنع لفترة طويلة، إلا أن الاستقلال الكردي كان لا يزال يعتبر مناقشة نظرية، إن لم يكن أضغاث أحلام، من قبل الكثيرين، ولم يوحِّد المؤيدون جهودهم أو يعزِّزوا بحثهم عن الاستقلال. كانت الحقائق الإقليمية والدولية ضد هذه الخطوة، والأكراد ليسوا في وضع آمن لتحدي هذا التعارض الخارجي. وبالمثل، لم يكن على خصوم الاستقلال أن يُبَلْوِرُوا معارضتهم؛ لأن احتمال الاستقلال لا يبدو وشيكًا. وقد تمت ممارسة سياسة المراوغة والتضارب على مستويات عديدة، وطنية وإقليمية ودولية. وعلى الرغم من المحادثات الطويلة التي دارت حول الاستقلال، إلا أن الأكراد العراقيين لا يبدو أن لديهم خارطة طريق لها. ولا يبدو أنهم درسوا كافة السيناريوهات المحتملة عندما بدأوا بالمضي قدمًا في محاولة الاستقلال. وبغضِّ النظر عن المعارضة الإيرانية، لم يكن لدى معظم البلدان الإقليمية سياسة واضحة بشأن هذه المسألة، وخاصة في السنوات الأخيرة. ومع تقدم العملية قدمًا، يتعين على البلدان أن تكشف عن مواقفها بشكل أوضح. وفي الوقت الذي عارضت فيه تركيا وإيران والحكومة المركزية العراقية هذه الخطوة بقوة، أصبحت إسرائيل الدولة الإقليمية الوحيدة التي أعربت عن تأييدها لها، في حين تبنَّى الأردن موقفًا متعاطفًا تجاه الاستفتاء. أحد الاستثناءات هنا هو الصمت النسبي للخليج (مع وضع موقف السعودية جانبًا بعد محاولتها الفاشلة للتوسط بين بغداد وأربيل) في هذا الشأن. وبمعنى آخر، فإن موقف الدول الإقليمية بشأن هذه القضية يعكس جزئيًّا الموقف الإقليمي للبلدان من أزمة قطر. 

ومع قرار إجراء الاستفتاء، كان على جميع الأطراف تقريبًا توضيح مواقفها بشأن هذه القضية. لم يعد من الممكن المضي قدمًا في سياسة الغموض (المقصود)؛ حيث إن تاريخ الاستفتاء كان يقترب، وكانت القوى السياسية والمجتمعية خلاله آخذة في الازدياد. وعلى الصعيد الداخلي، سيتعين على جميع الأحزاب السياسية الكردية أن تقدم سياسات أكثر وضوحًا بشأن مسألة الاستقلال. ولهذا السبب، على الرغم من الخلافات والانقسامات الأولية بين الأحزاب الكردية العراقية، فقد انتهى بهم الأمر إلى دعم استفتاء الاستقلال عندما أصبح واضحًا أن الاستفتاء لن يؤجَّل، وبالتالي كان عليهم أن يتخذوا موقفًا عامًّا بشأن هذه المسألة. ولذلك، فإن مسألة الاستقلال تحولت من نقاش مُجرد إلى عملية. 

مع هذا الاستفتاء، وضع بارزاني المظالم الكردية تجاه بغداد والتطلعات من أجل إقامة الدولة -وكلاهما معرض لخطر التغاضي عنه بمجرد انتهاء المعركة ضد تنظيم الدولة وخفض الولايات المتحدة التزاماتها تجاه العراق- على جدول الأعمال الدولي. من الولايات المتحدة إلى بريطانيا، ومن الدول الإقليمية إلى مجلس الأمن الدولي، كان على جميع الجهات الفاعلة أن تأتي بموقفها من هذه المسألة. وعلى الرغم من أن جميع الأطراف تقريبًا أبدت مُعارضتها لهذه الخطوة، إلا أن ذلك لا يُغيِّر حقيقة أن هذه العملية قد عززت البحث الكردي عن إقامة دولة في العراق، وهذا يختلف عن تدويل القضية الكردية. الآن يتحول النقاش من كونه متمركزًا حول الحقوق الكردية للتركيز على السيادة الكردية. 

ما الذي ينبغي أن يكون أولوية القوى الكبرى بعد الاستفتاء؟ 

على الرغم من العوامل المذكورة أعلاه، اتخذت حكومة إقليم كردستان خُطوة كبيرة إلى عدم اليقين مع الاستفتاء. وبالمثل، فإن العلاقات بين بغداد وأربيل قد دخلت أيضًا فترة من عدم اليقين والتوتر. ولمنع ذلك من التصعيد إلى أزمة كاملة ذات عواقب وخيمة على الأكراد والعراق والمنطقة ككل، يتعين على القيادة الكردية والعراقية أن ترفض إغراء الشعبوية وتسجيل النقاط، على الرغم من أن الخطاب الأولي للحكومة المركزية يقترح شيئًا آخر. وبالمثل، فإن القوى الكبرى، بدءًا بالولايات المتحدة، ينبغي أن تظل مُنخرطة مع كلا الجانبين لإدارة الأزمة سلميًّا. 

إن الحوار المنظَّم والمتواصل بين جميع الأطراف المعنية أمر أساسي في تجنب هذا النزاع المُتصاعد في صراع مستعص، ولكن لكي يثبت ذلك وظيفيًّا وبشكل ناجح، يجب توضيح شيء واحد: فرضية التفاوض. عندما يُشير الأكراد العراقيون إلى الحوار والتفاوض، فإنهم يشيرون في الغالب إلى التفاوض بشأن الانفصال عن العراق، كما قال رئيس الإقليم مسعود بارزاني(10) بوضوح خلال المؤتمر الصحفي الأخير قبل الاستفتاء. وعندما أشارت القيادة العراقية إلى المحادثات مؤخرًا، افترضت أن هذا يعني تسوية بعض القضايا العالقة بين العراق وحكومة إقليم كردستان في إطار العراق. ويتعين توضيح مسألة احتياجات التفاوض أثناء المفاوضات. 

وحقيقة أن الأكراد العراقيين شرعوا في الاستفتاء -مشيرين إلى أنه بغضِّ النظر عن بعض الوعود الغامضة والعامة، فإنه لم يُعرَض عليهم بديل معقول لتأجيل الاستفتاء- لا ينبغي أن يُستخدم كذريعة للتصلب أو العناد. ولا ينبغي إغلاق باب الحوار بين بغداد وأربيل، بل فتح أبوابها بزيادة. وهناك حاجة ماسَّة إلى الأطراف في هذا النزاع وكذلك إلى القوى الإقليمية والدولية لوضع حلول مُبتكرة وقابلة للتطبيق للأزمة. إذا كانت عملية الاستفتاء قد أظهرت شيئًا واحدًا بوضوح فإنه كالتالي: الوضع الراهن لعلاقات بغداد وأربيل مُتفجر. 

فشلت بغداد في تنفيذ العديد من مواد الدستور. وردًّا على ذلك، اتخذت حكومة إقليم كردستان مؤخرًا العديد من الخطوات أحادية الجانب. ويرى الجانب الكردي أن بغداد رفضت حتى الآن تنفيذ أكثر من 50 مادة من أصل 143 مادة من الدستور العراقي الطويل، وهي نقطة أكدها كثيرون، منهم روبرت فورد(11) الذي كان رئيسًا للمكتب السياسي في السفارة الأميركية في بغداد عام 2005، خلال المفاوضات حول الدستور العراقي الجديد. 

إن التعارض بين أربيل وبغداد، بشكل خاص حول حالة الأراضي المتنازع عليها وقوات "البيشمركة" الكردية بالإضافة إلى تخصيص الميزانية وإدارة الموارد الهيدروكربونية، مُتفجِّر ويجب حله بأسرع ما يمكن. وبالنظر إلى أنه وفقًا للدستور العراقي، فإن وحدة الدولة تتوقف على تنفيذ الدستور، فمن الضروري حل هذه الخلافات الدستورية. 

وفي هذا الصدد، إذا تُرك الوضع الراهن كما هو عليه، فإنه سيولِّد الكثير من التوتر والاحتكاك وحتى الصراعات المفتوحة، حيث إن قوات الميليشيا الشيعية، الحشد الشعبي، ناهيك عن الجيش العراقي، قد شجعهم عزل الموقف الكردي، ويهددون الأكراد علنًا بصراع مفتوح معهم. وبالفعل، وقع عدد قليل من الاشتباكات بين قوات "البيشمركة" الكردية وقوات الحشد الشعبي، في يوم الاستفتاء. 

ينبغي على الولايات المتحدة أن تؤكد أن معارضتها للاستفتاء الكردي لا ينبغي أن تؤخذ على أنها ضوء أخضر من قبل قوات الحشد الشعبي والحكومة المركزية العراقية وإيران للضغط على الأكراد من جميع الأطراف. ومثل هذه الحالة ستدعو إلى نزاع مفتوح بين هذه الأحزاب وتزرع بذور الأزمة الإقليمية والصراع حول السُّلطة الذي لن يكون من السهل التحكم فيه. 

ولكن كما هي الحال بالنسبة للوضع الراهن أو الطبيعة الافتراضية للعلاقات بين بغداد وأربيل التي لا ينبغي أن تؤخذ على أنها مصير، يجب على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الأكبر ألا يعالجا تفكك العراق وظهور دولة كردية مستقلة كالحل البديل الوحيد في المنطقة، على الأقل ليس على المدى القصير. في حين أن الموقف السابق (الوضع الراهن) هو المفضَّل من قبل بغداد، فإن الموقف الأخير (الاستقلال) هو المُفضل من قبل أربيل. ويمكن أن يتوقف النهج الجديد على هيكل فيدرالي جديد ومعزز جيدًا أو اتحاد كونفيدرالي. وهنا لا ينبغي أن يكون الهدف فقط معالجة البحث الكردستاني عن الوضع القانوني والاعتراف والسيادة. ينبغي أن يهدف أيضًا إلى معالجة التهميش السني -الذي هو السبب الجذري للتطرف في العراق- من خلال الاعتراف بهم وتمكينهم سياسيًّا. إن البحث الكردي عن الدولة، والتهميش السني (الذي وفر الوقود لظهور تنظيم الدولة)، ووجود حوالي 1.8 مليون نازح داخليًّا في إقليم كردستان من باقي العراق كان الناتج الثانوي لزيادة الطائفية للدولة العراقية إلى حدٍّ كبير، وعسكرة قطاعها الأمني، وفشل نظامها السياسي. لسوء الحظ، فإن مركزية أو "تقوية" الدولة العراقية كانت مصحوبة بعملية طائفية (شيعية). وبمعنى ما، فإن العراق يمر بعملية توأمة مركزية وطائفية للعراقيين، وهي عملية تغريب للأكراد العراقيين، فضلًا عن تهميش وتطرف السنَّة العراقيين. 

وهذا يوضح أن الوضع الراهن السابق كان غير مستقر ولا يمكن الدفاع عنه، ولكن الحل الجديد لا يجب بالضرورة أن يكون مبنيًّا على الموقف المُعلن من أحد الطرفين. وفي هذه المرحلة، سيكون أي هيكل اتحادي مُحدد ومُنفذ بشكل أفضل مع بعض الضمانات الدولية والإقليمية، أو ترتيبات كونفيدرالية، أسهل وأكثر معقولية من تحقيق دولة مستقلة جديدة. إذا جرى هذا الترتيب الجديد، فإن العراق يحتاج بعد ذلك إلى الانتقال من بنيته السياسية والأمنية الطائفية الحالية ليصبح دولة (فيدرالية أو كونفيدرالية) لمواطنيها أو مكوناتها. وسيستفيد الأكراد بشكل أفضل إذا بقوا جزءًا من العراق الفيدرالي أو الكونفيدرالي الذي إذا فشل، فإن الأكراد سوف يواصلون طريقهم التطوري نحو الدولة مع المزيد من التعاطف والدعم الدولي وربما الإقليمي. وفي الواقع، إن تطور الكيان الكردي في العراق من الحكم الذاتي في عام 1970 إلى افتتاح البرلمان الكردي في عام 1992 والمنطقة الفيدرالية الكردية في العراق بعد عام 2003 بشكل تدريجي، جعل من السهل قبوله إقليميًّا ودوليًّا.

________________________________________

غالب دلاي- مدير البحوث في منتدى الشرق وباحث مشارك في مركز الجزيرة للدراسات للشؤون التركية والكردية. 

ملاحظة: نشرت هذه الدراسة على الصفحة الإنجليزية بموقع مركز الجزيرة للدراسات بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- تم نشر نسخة موجزة من هذه المادة في مجلة الشؤون الخارجية.

2- "البرلمان الكردستاني يستأنف الجلسات أخيرًا يوم الخميس"، باسنيوز، 10 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 27 سبتمبر/أيلول 2017):

http://www.basnews.com/index.php/ar/news/kurdistan/376885

3- "إيران تغلق مجالها الجوي إلى إقليم كردستان بناء على طلب العراق"، روداو، 24 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

 http://www.rudaw.net/english/middleeast/iran/24092017

4- "استفتاء حكومة إقليم كردستان العراق المخطط له"، وزارة الخارجية الأميركية، 20 سبتمبر/أيلول 2017. https://www.state.gov/r/pa/prs/ps/2017/09/274324.htm

5- "بيان من السكرتير الصحفي بشأن الاستفتاء المقترح من حكومة إقليم كردستان"، البيت الأبيض، 15 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

 https://www.whitehouse.gov/the-press-office/2017/09/15/statement-press-secretary-kurdistan-regional-governments-proposed

6- "رئيس الوزراء العراقي يدعو إقليم كردستان إلى وقف الاستفتاء"، فايننشال تايمز، 17 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

 https://www.ft.com/content/8c2b59fa-9c8c-11e7-8cd4-932067fbf946

7- "العبادي يحذر من القوة العسكرية إذا تحول التصويت الكردي إلى عنف"، الأعمال العراقية، 19 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

 http://www.iraq-businessnews.com/2017/09/19/video-abadi-warns-of-military-force-if-kurdish-vote-turns-violent/

8- "الحزب المؤيد لتأجيل استفتاء الاستقلال يُغير موقفه إلى نعم للاستفتاء"، صحيفة كردستان 24، 24 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

 http://www.kurdistan24.net/en/news/70e75db4-7443-4e65-9692-91f244f99fd6

9- "بارزاني إلى جيران كردستان: أنتم لا تشعرون بالقلق على وحدة العراق وسيادته"، روداو، 16 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://www.rudaw.net/mobile/english/kurdistan/160920176

10- "الرئيس بارزاني: لا شيء سيعيد كردستان للعراق"، روداو، 24 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://www.rudaw.net/english/kurdistan/2409201711

11- روبرت فورد، "الاستفتاء الكردي: التفكير، لا التهديدات"، الشرق الأوسط، 23 سبتمبر/أيلول 2017، (تاريخ الدخول: 1 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

 https://english.aawsat.com/robert-ford/opinion/kurdish-referendum-thinking-not-threats