سياسة المغرب الإفريقية وتأثيرها على نزاع الصحراء

يتناول هذا التقرير سياسة المغرب الإفريقية ورؤيته لمآلات النزاع حول ملف الصحراء في سياق عودة المغرب للاتحاد الإفريقي، كما يقدِّم رؤية شاملة لاستراتيجية المغرب في هذه القارة وهي رؤية تغلِّب جوانب الشراكة الاقتصادية والتعاون في شتى المجالات بين المغرب ومختلف دول القارة الإفريقية.
98cbcb642e16473abb54c54725773c46_18.jpg
ملك المغرب يلقي كلمة في افتتاح القمة الإفريقية بإثيوبيا في يناير/كانون الثاني 2017 (مواقع التواصل)

مقدمة 

غادر المغرب منظمة الوحدة الإفريقية، احتجاجًا منه على قبول البوليساريو عضوًا فيها، وكان يعتقد أن الأخيرة والتي توصف مغربيًّا بأنها حركة انفصالية، تنازعه في إقليم الصحراء، لا تستجمع أركان قيام الدولة(1)، وهو سبب كفيل بطردها، انسجامًا مع شرط العضوية في المنظمة، المنحصر في دول إفريقية ذات سيادة(2). 

إلا أن الدول الإفريقية لم تبال لا بالاحتجاج المغربي ولا بالانسحاب الذي تلاه، مثلما لم تكترث لخرقها لقانون وميثاق المنظمة، فقبلت بعضوية البوليساريو(3)، وتحول غياب المغرب إلى عامل مساعد لتجذُّر البوليساريو في المنظمة القارية، واستئناس الأفارقة به، والأدهى -بالنسبة للمغرب- أن التنظيم الإفريقي، ومع مرور الوقت، تبنَّى الدفاع عنها، بل ظل يمارس الضغط على المغرب أمميًّا، ودوليًّا لفائدتها، وهو ما استخدمه بعض أعضاء المنظمة سبيلًا لتطويق المغرب، وعزله قاريًّا. 

وقد حاول المغرب استرجاع مقعده بقمة واغادوغو في بوركينافاسو(4)، إلا أنه فشل بسبب استهانته بأمر العودة، وعدم تقديره لحجم العراقيل، ولتوهمه أن الأمر سهل، بل مجرد تحصيل حاصل، حتى فوجئ بمواجهة الإنزال الدبلوماسي الجزائري، وإجهاض مبادرته، وهو ما جعله ينكبُّ على نسج خطة استراتيجية، محكمة المبادئ العامة، ودقيقة في الخطوات المرحلية المتحولة، ومنفتحة على الأبواب الموصدة، ومتنوعة في المداخل المثبتة والمؤثرة، فجعلته يظفر سريعًا بالعضوية الضائعة، فقلب فشله السابق إلى نجاح، والعكس بالعكس لدى معارضيه. 

الانضمام إلى الاتحاد الإفريقي: من الغاية إلى الوسيلة 

انفتح المغرب اقتصاديًّا وبدون قيود، على أغلب الدول الإفريقية، ومنها تلك المناوئة لوحدته الترابية(5)، مثل: رواندا وكينيا وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب السوادان وزامبيا، وهذا التواصل المباشر، وبلا عقدة ضمن له وجودًا موسَّعًا، وانتشارًا وتمركزًا كبيرين، وقد اتخذ الأمر أبعادًا متعددة ومتنوعة، وبالخصوص على مستوى العلاقات البينية الثنائية مع الدول الإفريقية، وهو الأساس والقاعدة اللذان سهَّلا عودته إلى التنظيم القاري: الاتحاد الإفريقي. 

كان طموح المغرب بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي قبل تحقيقه غاية مستقلة بذاتها، ويحظى بأولوية في الخطة الاستراتيجية المغربية الإفريقية الجديدة، بيد أن إدراك المغرب له، ووصوله إلى مبتغاه في الرجوع، جعله تحولًا وتغييرًا يطول الغاية المحققة في طبيعتها، وينتقل من مجرد السعي لضمان الوجود المادي من داخل المحيط المؤسسي الإفريقي، كهدف أول مرسوم، ومحدد في تدرج الخطة، بمعزل عن الأسباب التي قد تكون دعت أو أرغمت المغرب إلى إعداد الخطة وسلوكها؛ حيث انتقلت غاية الرجوع آليًّا إلى وسيلة من بين أخرى لبلوغ وتحقيق باقي أولويات الأهداف الاستراتيجية المغربية في تراتبيتها وتدرجها؛ ويمكن إيجازها في ضمان تمركز اقتصادي مغربي متعدد الأقطاب والأوجه ومقبولٍ في إفريقيا، وحمايتِه، وجنيِ عائد سياسي معلوم منه. 

مميزات الخطة المغربية: الشراكة الاقتصادية والتنمية البشرية 

تميزت شعارات الدعاية والترويج التي رفعها المغرب، والمرافِقة لاهتمامه الجديد بإفريقيا بالواقعية؛ حيث استعمل المغرب انتماءه لإفريقيا، كحقيقة جغرافية ثابتة غير قابلة للنقاش، بحيث لا يستطيع أحد نفيها، ولا دفعها، ولا التعديل فيها، ونفس الشيء في تعبير المغرب عن رغبته في أداء واجب خدمة قارته الإفريقية، عبر الشراكة والتعاون مع الدول الإفريقية من أجل التنمية، الهم الذي انخرط فيه المغرب بالأفعال، عبر مشاريع مادية، يؤطِّرها قانونيًّا في شكل اتفاقيات تعاقدية ثنائية مع الدول الإفريقية، وهي اتفاقيات متنوعة تشمل كل القطاعات والمجالات، وعمادها الأساسي التعاون المشترك لبلوغ التنمية الاقتصادية والبشرية المنشودتين من قبل جميع الدول الإفريقية، وهو هاجس تتقاطع فيه هذه الدول مع المغرب. 

إن هذا التعاون والتشارك الاقتصادي من أجل التنمية(6)، الذي اتخذه المغرب نهجًا في تعامله مع الدول الإفريقية، والذي تتخلله المشاورات السياسية(7)، ضمن له تأييدًا وتشجيعًا من الدول الإفريقية للتعامل معه، بنفس القدر الذي دعمت استرجاعه لمقعده في الاتحاد الإفريقي بشكل سريع(8). 

ارتقت العلاقات المغربية مع أغلبية موسَّعة من الدول الإفريقية إلى المثالية بتعزيزها اقتصاديًّا في إطار مبدأ المصلحة المشتركة(9)، وهو ما يفسِّر سلاسة قبول الأفارقة بعودته، وقبولهم به شريكًا، فنال التعامل معه قدرًا كبيرًا من الشرعية، بسبب انتمائه، ونهجه للبُعد النفعي الاقتصادي، بالاستثمار في مشاريع عملاقة وناجزة(10)، وفي تطابق تام، أو تكامل للمصالح عبر الشراكة، أو التعاون، وفي إطار مبدأ الربح المتبادل، بغية بلوغ التنمية المستدامة. 

يلعب راهن العلاقات الاقتصادية الإفريقية مع مجموعة من القوى الكبرى لصالح وفائدة المغرب؛ لأن الدول الإفريقية بدأت تطرح تساؤلات حول جدوى استثمارات تلك القوى، منها: الصينية، والتركية، والهندية، والروسية وغيرها في تحقيق التنمية، وخلق فرص الشغل، بل تأكد لها أنهم يتخذون إفريقيا سوقًا للأعمال والاستثمار والاستهلاك فحسب(11). 

ولا ينحصر اهتمام المغرب على قطاعات منتِجة وذات عودة سريعة للاستثمار، بل إن سياسته تعطي دورًا أساسيًّا، ومحوريًّا للعنصر البشري الإفريقي، فأَوْلى المغرب عناية لتنمية المواطن الإفريقي، بتأهيله تكوينًا، ومساعدته مهنيًّا، ليصبح منتجًا عن طريق تحسيسه برفع وعيه بما سيوفره استثمار علاقته بمجاله المحلي، والجهوي من إمكانيات للاكتفاء الذاتي، الأسري والعائلي(12). 

ويحقق المغرب في تلك السياسة حاجتين: الأولى: تكمن في تسريع وتيرة التنمية مع شركائه الأفارقة، والثانية: في كسب شرعية القاعدة الشعبية الإفريقية. ويعزِّز المغرب مداخل هذه الشرعية بسَنِّه، وتنفيذه لسياسة خاصة في ميدان الهجرة، ذات بُعد إنساني.  

ما الذي يحتاجه المغرب لتثبيت رجوعه للاتحاد الإفريقي؟ 

لتثبيت المغرب عودته للاتحاد الإفريقي فإنه يحتاج مسيرة من الهدوء لاستيعاب أكبر ولتعميق الفهم، وتحديد المداخل، وهذا يعني: 

  • محاولات وأد طلب انضمام المغرب ومحاصرة الطلب في إجراءات مسطرية

تفطَّن خصوم المغرب، في الجزائر، والبوليساريو، وجنوب إفريقيا إلى حجم المغرب المتزايد، بسبب انتشاره بشكل مؤثِّر في القارة الإفريقية، ولجاذبية ما يعرضه على الأفارقة من عقود تجارية واقتصادية تغطي كافة المجالات؛ من فلاحة، وصناعة، وتعدين، وتأمين، ومصارف، وفي ميدان التكوين والتنمية البشرية، وبعيدًا عن السياسة، بانفتاحه، دون عقدة، ولا حرج على دول تُحسب معادية له، في نزاع الصحراء لدعمها وجهة نظر مخالفيه، وأغلبها دول تقع في شرق ووسط، وجنوب القارة، ومن الدول الأنجلو سكسونية أو الليزوفية (مستعمرات برتغالية سابقًا)، دون أن يهمل تعزيز توطيد علاقاته مع الدول الحليفة والصديقة له، في الغرب الإفريقي. 

ويحاول المغرب في ذلك صدَّ، وتجاوز مخطط المحور الثلاثي، المكون من الجزائر وجنوب إفريقيا ونيجيريا، الرامي إلى عزله قاريًّا، وممارسة الضغط السياسي عليه من داخل الاتحاد الإفريقي، بعد أن قطع أشواطًا في ذلك المخطط، بأن حقق المحور تراكمًا ورصيدًا مهمًّا من قرارات، يحسبها المغرب معادية لحقوقه في نزاع الصحراء. 

وتتجه نيَّة هذا المحور إلى حصار تمدد المغرب الاقتصادي في إفريقيا، وتهديد مصالحه واستثماراته، وثني وإبعاد باقي الدول عن التعامل معه باستخدام مختلف أجهزة الاتحاد الإفريقي والقانون الدولي، بإثارة موضوع الثروات الطبيعية، التي مصدرها إقليم الصحراء، والقول بأنه إقليم محل نزاع، للخروج بخلاصة عدم أحقية المغرب في استغلالها، إلا باحترام خلاصات الرأي الاستشاري الأممي لهانس كورل(14)، أو تنفيذًا للمادة 73 من ميثاق الأمم المتحدة(15)، التي تجعل الاستغلال مرتبط باستشارة الساكنة، وفي صالحها. 

كان هذا المحور، والقطب المعادي للمغرب، والذي حارب عودته إلى الاتحاد الإفريقي غير مطمئن إلى استمرار طريقة اتخاذ القرارات بـ"التوافق"، أو بـ"الإجماع" السياسي، الذي يتم اعتماده بالأولوية داخل الاتحاد الإفريقي(16)، وصودق على قرارات ذات علاقة بنزاع الصحراء، وكان المغرب معنيًّا طيلة مدة غيابه بذلك التوافق والإجماع، وتساؤلاتهم لحظة تقديم المغرب لطلب العودة وطيلة مسار تحقيق الطلب منصبة على مدى قدرة طريقة التصويت على الصمود، في حالة فوز المغرب بالانضمام إلى الاتحاد الإفريقي، وتوليه الدفاع عن أطروحته، ومواجهته بالجدال ضد كل مس بحقوقه ومصالحه(17). 

وهكذا، فقد استُعملت في محاولة إبعاد المغرب كل الوسائل وكل الواجهات، بدءًا بتأويل طبيعة طلبه: أهو في إطار العودة أم في إطار الانضمام؟ وفي أي وعاء يمكن وضعه؟ وما الجهة ذات الأهلية لتلقي الطلب؟ وفي أي شكل يتم تلقيه؟ ثم انتقلت العراقيل إلى تراخي رئيسة اللجنة، السيدة دلاميني نزوما، في توزيع طلب المغرب على الدول أعضاء الاتحاد الإفريقي لإبداء رأيها فيه(18). وبعد ذلك، عبَّرت عن عدم انعقاد الولاية لها لإعلان النتيجة التي حصل عليها الطلب المغربي؛ حيث تنازلت بذلك عن اختصاصها لصالح مؤتمر القمة، وغايتها متجهة إلى تفويت فرصة حضور المغرب في قمة أديس أبابا كعضو رسمي. 

غير أن بروز إرادة شبه إجماع سياسي إفريقي، على قبول ودعم عودة انضمام المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، في اقتراع يفوق الأغلبية النسبية، والذي سعى المغرب إلى إحرازه، طيلة ثلاث سنوات من العمل المستمر في إفريقيا، واحتلت فيه المؤسسة الملكية مكانة المحرك الأساسي؛ إذ تم استغراق واحتواء تحركات الدول الإفريقية المعارضة، وأربكها وأحرجها، وتم إجهاض مبادرات حلف الأقلية المناوئ للمغرب(19)، رغم امتلاكه لمراكز القرار والسلطة داخل الاتحاد الإفريقي. 

غير أن الحلف الرافض استسلم أمام آلية الانتخاب للتعبير عن إرادات الدول الإفريقية؛ حيث صوتت 39 دولة لصالح الطلب المغربي متجاوزًا بذلك الأغلبية البسيطة المطلوبة، وفاق حتى الأغلبية النسبية المحددة في 36، بثلاثة أصوات. وهذه العودة المغربية القوية، والموسعة، والقادرة على تأطير الدول الإفريقية، هي التي يخشى حلف الجزائر وجنوب إفريقيا ويسعى لتفاديها دون جدوى، والآن يحاولون تجريدها من تلك القوة ونزع الفعالية عنها وتحويلها إلى ضحية ومحل اتهام(20). 

  • تفوق إرادات القبول بالانضمام والحاجة للهدوء وتفادي العراقيل

بيد أن تفوق المغرب في معركة الانضمام، لا يعني استسلام معسكر معارضته، والركون إلى القبول بالوضع الجديد والرضى به؛ ذلك أن ترجيح إرادة التصميم المغربية على تحقيق الانضمام، على إرادة إجهاضها وتفاديها من طرف الجزائر وجنوب إفريقيا، لا يضع حدًّا للمنازعة بين الفريقين عند عتبة العزم على الدخول، ورفضه، بل إن جذور هذا الصراع تكمن في خلفيات الانضمام، ودواعي رفضه، وفي أساسهما وأسبابهما(21). 

وهو بذلك قصدٌ يفوق ويتجاوز نتيجة وفكرة العودة المحققة، ويتجه إلى استهداف الدوافع الرئيسية المتحكمة في طلب الانضمام من أساسه، للحد منها في المهد، لإدراك الجزائر وجنوب إفريقيا والبوليساريو الأكيد لإمكانيات المغرب القائمة والمحتملة، أو المفترضة في إحداث تغيير يطول قواعد اللعبة، التي تريدها الجزائر ثابتة على نفس النهج، ومستقرة على نفس المنوال، والمسار والمنحى التي كانت عليه، لصالح البوليساريو، لما تجنيه من مواقف سياسية ضد المغرب، دون عناء، وبتكلفة أقل، من داخل الاتحاد الإفريقي. 

وبالمقابل، فإن نية المغرب في ولوج الاتحاد الإفريقي ترمي إلى تدشين بداية لتحول في هذه القواعد، وجعلها متحركة وديناميكية، بتغييرها وقلبها لصالحه، بالحد من نهج ومسار سارت، ودأبت عليه ضده، سواء في شكلها ونهجها، وفي جوهرها، وفي مضمونها، عن طريق تعليق تواترها، أو محاولة تعديل، وتغيير، ونسخ لها لصالحه مع انصرام الوقت، ومرور والزمن، وفقًا لمضمون استراتيجيته الجديدة القائمة على التدرج في البناء، وفي تحقيق الأهداف حسب أولوياتها المرحلية. 

ذلك أن الواقع من داخل الاتحاد الإفريقي، وفي علاقة بالمغرب، يتميز بوجود بنية من القواعد، والقرارات لصالح البوليساريو وضد المغرب. بالإضافة إلى اعتراف مجموعة من الدول الأعضاء في الاتحاد بالبوليساريو كدولة، وهو اعتراف يعتبره المغرب يتناقض وشرعية حقوقه، المؤيدة تاريخيًّا، والمرجحة قانونًا. كما أن الاتحاد الإفريقي ضرب صفحًا وتعتيمًا على مبادرة المغرب بالحكم الذاتي، في مقابل اعتناقه مبادرة البوليساريو، ولهذا يطالب بتحديد موعد للاستفتاء. 

ويتجاوز الاتحاد الإفريقي في تلك الدعوة القرارات الأممية، وإرادة طرفي النزاع أنفسهم. ويعتقد المغرب أن ذلك يرجع فقط لانسحابه من الفضاء المؤسسي الجماعي الإفريقي، فتدارَك ذلك الخطأ، باتخاذه قرارًا بالعودة وتحقيقها. 

ورغم أن القرار إيجابي بخصوص الطلب المغربي، بحصوله على تصويت واسع من داخل القمة 28 والمؤتمر؛ فإن هذا النجاح المغربي، ووجوده من داخل الاتحاد الإفريقي، مهدد بأن يبقى مجرد رقم إضافي للأعضاء المكوِّنين الاتحاد، في حالة عدم تفعيله ليكون منتجًا وفعالًا وهادفًا، بل إن هذه الخطة والسياسة برمتها قد تنقلب سلبية على المغرب، وترجع عليه بنتائج عكسية، وهو مؤشِّر الخطر الذي يبرهن عليه قرار مجلس السلم والأمن الإفريقي الأخير. وقد يكون المغرب أدرك صعوبة، وشدة الضغط الذي سيمارَس عليه خلال الفترة "الفراغ"، والتي ستمتد فعليًّا ما بين تاريخ رجوعه والمدة التي سيستغرقها لفهم آليات، وقواعد اشتغال أجهزة الاتحاد الإفريقي، ووصوله الفعلي إلى مراكز ومنافذ صنع القرار من داخل مختلف أجهزة الاتحاد الإفريقي، المتعددة والمتنوعة، والكثيرة، للمشاركة والمساهمة في توجيهها، والتحكم في قراراتها. 

وهو في ذلك يحتاج إلى وقت مزدوج، لضبط جدولة انتخاب المكاتب التقريرية في هذه الأجهزة، وخلق ائتلافات، وتشكيل تحالفات من المؤيدين لانتدابه، أو انتداب حلفائه في هذه المراكز، يرافعون بشرعية حقوقه، وبواقعية، وجدية مبادرته بالحكم الذاتي. وهي معارك صعبة؛ لأن ساحاتها، عبارة عن كواليس مظلمة، ويزيد من عتمتها جهل المغرب بقواعد اللعب فيها، والجهد الكبير الذي يلزم، من أجل حسن الاستيعاب، وتقدير التحركات المنتجة. 

والمغرب بذلك في حاجة إلى فترة من الهدوء، والسكينة وتفادي التوترات من أجل فهم جيد، وهذه الحاجة هي التي تفسِّر انسحاب المغرب من جانب واحد من منطقة الكركارات، وتغيبه عن جلسة اجتماع مجلس الأمن والسلم الإفريقي رقم 668 بتاريخ 20 مارس/آذار 2017، خدمة لأولوية الهدف الاستراتيجي، بتوفير ظروف عودة هادئة، سلسة، وغير متوترة. 

إلا أن المغرب انقلب سريعًا عن هذه الضرورة الوقتية وبات يركِّز على التصدي لحضور البوليساريو لأشغال مجموعة من اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات بين إفريقيا وبعض الدول، في التجمعات الإقليمية، والقارية، والأممية، وفِي وقت جد حرج وقبيل عودته للاتحاد الإفريقي بشهر منها اجتماع القمة العربية-الإفريقية بملابو في غينيا يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وغداة عودته خلال مؤتمر التنمية في إفريقيا، الذي ينظمه الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة بإفريقيا في السنغال ما بين 27 و28 مارس/آذار 2017. وخلال اجتماع المؤتمر الدولي لطوكيو حول تنمية إفريقيا (تيكاد) في مابوتو بموزمبيق ما بين 23 و25 أغسطس/آب 2017. 

ونفس الشيء طبع اجتماع القاهرة التشاوري، في 27 سبتمبر/أيلول 2017، حول الصحة الذي نظمته مفوضية الاتحاد الإفريقي على مستوى خبراء دول إقليم شمال إفريقيا لتفعيل المركز الإفريقي لمراقبة الأمراض والوقاية منها، بالإضافة إلى الجدل والنقاش المحتدم الآن حول رفض مشاركة البوليساريو في لقاء الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي الذي سينعقد بساحل العاج ما بين 29 و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. 

وبغض النظر عن أحقية المغرب من عدمها في الدفع برفض حضور البوليساريو لأشغال اجتماعات ومنتديات دولية بسبب عدم حصولها على اعتراف دولي ولا أممي ولا عربي، والتأويل الذي يتفاداه المغرب في حالة التزامه التغاضي والسكوت عن حضور البوليساريو، والاستنتاج المقابل الذي ستخرج به الأخيرة والجزائر وغيرها من الدول المساندة لها في اعتبار ذلك إقرارًا واعترافًا مغربيًّا بالبوليساريو كـ"دولة"؛ فإن حضور البوليساريو يمكن استثماره بشكل إيجابي لبناء تدابير الثقة بدلًا من المواجهة التي لن تجدي نفعًا، ولن تأتي بحل سواء في إطار القبول بالوضع القائم من داخل الاتحاد الإفريقي أو رفضه والسعي لتغييره، فذاك الوضع لم ينفع البوليساريو خلال ثلاثة عقود ونيف طَبَعَها غياب المغرب في التنظيم المؤسسي الإفريقي بنيل دولة، مثلما لم يضر بالمغرب بسحب الإقليم من سيادته وحيازته، ومن ثم وجب إعادة النظر في التكتيك الحالي؛ لأنه مجرد جعجعة بلا طحين، فالعبرة بالنتائج لصالح أو ضد. 

  • محاصرة" أو "طرد" البوليساريو من الاتحاد الإفريقي خطأ استراتيجي، ووجودها أساسي في بناء الثقة

انسحب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية، سنة 1984، احتجاجًا منه على قبول البوليساريو عضوًا فيها، تحت اسم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" المعلنة من جانب واحد، وكانت موجبات الشكاية المغربية منصبة على خرق ميثاق المنظمة، الذي يحصر العضوية في الدول ذات السيادة، وهي الشروط التي لا تستوفيها البوليساريو، باعتبارها مجرد حركة مسلحة انفصالية، تدير مخيمات اللجوء في إقليم بلد آخر، وهو الجزائر، ولا ترقى إلى وصف الدولة، لعدم حيازتها إقليمًا جغرافيًّا، ولا حصلت على اعتراف دولي، ولأن وضع اللجوء لا يسمح لها بأكثر مما ورد في اتفاقية جنيف للجوء في إطار الحلول الدائمة. 

وقد مرَّت ثلاثة عقود وسنتان من تاريخ الانسحاب، قبل أن يفكر المغرب، ويقرر أفضلية عودته إلى التنظيم المؤسسي الإفريقي، الذي أصبح يسمى الاتحاد الإفريقي، واحتلت فيه البوليساريو العضوية، امتدادًا لما اكتسبته في إطار التنظيم القديم بمنظمة الوحدة الإفريقية، السبب الرئيسي في انسحاب المغرب. 

ورغم ظاهر عدم حدوث أي تغيير في تركيبة عضوية الاتحاد الإفريقي، الذي ما زال يحتضن البوليساريو داخله، كعضو كامل العضوية، السبب الذي من شأنه دعوة المغرب إلى العودة، ولا استجاب الأفارقة لشروط رسالة الملك محمد السادس، التي وُجِّهت للقمة 27 للقادة الأفارقة في كيغالي برواندا، بتصحيح ذلك الخطأ، فإن المغرب اختار العودة، وقدم طلبًا بالانضمام دون شروط، وصادق على ميثاق الاتحاد الإفريقي دون تحفظ، وقبل بذلك الجلوس جنبًا إلى جنب البوليساريو. 

ولا يُكيَّف قبول المغرب بالعودة في ظل وجود البوليساريو اعترافًا منه بالأخيرة، ولا إقرارًا من المغرب باكتساب البوليساريو لوصف الدولة، بالنظر إلى أركان قيام الدولة غير المتوفرة لديه، ولكون ميثاق الاتحاد الإفريقي ليس قانونًا لصنع الاعتراف للدول، بل إن جُلَّ الدول أعضاء الاتحاد لا تعترف بالبوليساريو كدولة رغم انضوائها مع البوليساريو داخل نفس التنظيم الجماعي الإفريقي دون تمييز. بل إن غايات وأهدافًا أخرى تحكم رجوع المغرب، وهي أكبر من حرج وجودها بجنب البوليساريو في قاعة أو مجلس واحد، يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي، وبالطبع يحتل صلبها وجوهرها نزاع الصحراء، بصورة مباشرة، أو غير مباشرة. 

وقد تبين مع مرور الزمن، وتطور موقف الاتحاد الإفريقي من نزاع الصحراء، في نظره للنزاع من زاوية تقرير المصير، أن المغرب ارتكب خطأ جسيمًا في ترك المقعد الإفريقي فارغًا لعقود؛ حيث انفرد بالفضاء الإفريقي موقف واحد تدعو إليه الجزائر والبوليساريو، وأطَّرته لصالح أطروحة وحيدة، أغلب مضامينها، محرفة، أو مزيفة، أو تم انتقاؤها خارج سياق اتخاذها، أو تفسيرها، وتأويلها تأويلًا خاطئًا، ولا تجد من يصححها، أو ينبه إلى ما اعتراها من مغالطات، واتُّخذت على إثرها قرارات لا تتلاءم مع موقف كافة الدول الإفريقية، فيما يُحسَب عليها من مشاركة في قرارات جماعية من داخل الاتحاد الإفريقي تضر بمركز المغرب في النزاع؛ حيث تغلبت كفة البوليساريو، في كل ما يتخذ الاتحاد من مبادرات ومواقف في ظل سيادة الرأي الواحد، وعدم وجود مدافع يتولى تقديم وجهة نظر المغرب، وبسط دفوعاته، والدفاع عن مبادرته؛ السبب الذي أرغم المغرب على اللجوء إلى عودة الانضمام. 

سيكون المغرب في مرتبة من يعيد ارتكاب الخطأ نفسه، في حالة اهتمامه بخوض معارك جانبية مع البوليساريو والجزائر من داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، أو إثارة اهتمامه بفكرة تعديل وثائق الاتحاد لملاءمتها لتسمح بطردها من الاتحاد، فهو بذلك يزج بنفسه في ترتيبات الاستراتيجية المقابلة للجزائر وقطب ائتلافها من جنوب إفريقيا وغيرها، ذلك أن انتشار هذا التحالف في أجهزة الاتحاد الإفريقي وامتلاكه لمراكز حساسة لصنع القرار فيها، ومعرفته بتقنيات وأساليب الضغط والتأثير فيه، يجعل فكرة أو مبادرة الطرد بمثابة ضياع لوقت ثمين، وتشتيت لتركيز مطلوب استثماره لجدولة الدخول المغربي إلى تلك المواقع للحضور فيها أولًا، واحتلالها والتحكم فيها ثانيًا، ما دام النزاع في مراحله الأخيرة والنهائية، التي لا ينفع معها الدفاع، بقدر أولوية وأهمية الهجوم، لحصد نتيجة الحسم، أو التأثير في صناعة الحل، والمتمثلة في الإقناع، ونيل المواقف الإفريقية محل المنازعة بين الجانبين. 

وأكثر من ذلك، فإن المغرب سيواجَه بشرعية تمثيلية البوليساريو، واستحضار توقيعه لاتفاق بوقف إطلاق النار مع البوليساريو كطرف رئيسي في النزاع منذ سنة 1991، وتفاوضه المباشر معها في إطار عملية البحث عن حل سياسي متوافق عليه، منذ 2007، ويتمتع بصفة تمثيلية لجزء من السكان المتواجدين في المخيمات. 

وإذ انصرف عمل، واهتمام بعض من المبعوثين الشخصيين للأمناء العامِّين للأمم المتحدة في الصحراء الذين تعاقبوا منذ إحالة الملف على الأمم المتحدة سنة 1991 إلى اهتمامهم بأهمية بناء وترميم الثقة بين المغرب والبوليساريو وتحديد السبل التي تساعد في ذلك، وهي التدابير التي تتضمنها جل تقاريرهم، التي يصادق عليها مجلس الأمن عندما ينظر دوريًّا في الحالة بالصحراء في أبريل/نيسان من كل سنة؛ فإنه من الأجدى استغلال وجود البوليساريو والمغرب داخل الاتحاد الإفريقي لبناء تلك الثقة المفقودة، وقلب معادلة التجارب السابقة التي لم ينفع بداية تدشينها على المستوى الاجتماعي والثقافي عبر برنامج تبادل الزيارات العائلية وتنظيم لقاءات دراسية ورحلات جماعية في التأثير على المواقف السياسية المتصلبة للأطراف. ومن يدري فقلب المعادلة وبداية بناء الثقة سياسيًّا ربما يُعجِّل بتحقيق الغاية، والمضي سريعًا إلى الأمام صوب التسوية السياسية التي تستوجب توافق الجميع، لتعزز ضمان وديمومة أمن واستقرار المنطقة كاملة. 

فالبوليساريو تحتل مرتبة الشريك الرئيسي في مسار البحث عن الحل، وإن محاولة تهميشها أو إقصائها ستدمر العملية السلمية من أساسها، وتعجِّل باستئناف الحرب والاقتتال، وكل المؤشرات تدل على أنها حرب لن تكون محدودة في الزمان ولا المكان بل ستكون شاملة، على شكل "هوبس" أي حرب الجميع ضد الجميع لتصفية كل الحسابات العالقة والقديمة. 

نزاع الصحراء وولاية النظر الإفريقية 

رغم نجاح مجموعة من الدول الإفريقية، في إطار منظمة الوحدة الإفريقية، ولو في ظل انسحاب المغرب منها منذ 1984، وبتعاون مع الأمم المتحدة في توقيع المغرب والبوليساريو على وقف إطلاق النار واحترامه، ومصادقة مجلس الأمن عليه بنص القرار 690 بتاريخ 29 أبريل/نيسان 1991، وبسط الأمم المتحدة سلطتها على الملف، فإن الدول الإفريقية ومنظمة الوحدة الإفريقية، ومن بعدها الاتحاد الإفريقي بعد تغيير التنظيم للاسم، بقيا خارج سياق لعب دور أساسي في عمليات التهيئ، أو الاقتراح، أو المبادرة لحل النزاع، واقتصر حضورها على تأثيث العناصر العسكرية للمينورسو، في إطار مشاركة لدول إفريقية على المستوى الفردي، وخارج التنظيم المؤسسي الإفريقي. 

إلا أن الاتحاد الإفريقي، وبالضبط منذ 2014، بدأ يتدخل في نزاع الصحراء، رغم عدم انعقاد الاختصاص له للنظر فيه، بل إنه اتخذ قرارات في علاقة بالموضوع بتوافق، أو بإجماع أعضائه، وكانت انطلاقته الأولى باهتمامه بحقوق الإنسان في الصحراء، ومطالبته بتوسيع مهام المينورسو لتطول مراقبتها. 

ومن بعده، وبالضبط سنة 2014، عمد إلى تعيين خواكيم شيسانصو، الرئيس السابق لموزمبيق، مبعوثًا خاصًّا لإفريقيا مكلفًا بملف الصحراء، الغاية منه لفت الانتباه الدولي للنزاع. كما اتخذ قرارًا آخر برفضه تنظيم المغرب لأنشطة ذات بُعد دولي بالصحراء، بادعاء أنه إقليم متنازَع عليه، وخاصة رفضه تنظيم أشغال المنظمة السويسرية "كرانس مونتانا" في مدينة الداخلة، سنة 2015، بالإضافة إلى توجيهه عدة دعوات ومراسلات إلى مجلس الأمن لتحديد موعد ثابت للاستفتاء، وغايته في ذلك ممارسة الضغط لتجاوز العملية السياسية والعودة إلى خطة التسوية والاستفتاء، الذي عجزت الأمم المتحدة عن تحديد الجسم الانتخابي له، وعبَّر المغرب فيما بعد عن رفضه له. 

وآخر قرار استقر عليه نظر الاتحاد الإفريقي هو رفضه استغلال المغرب للموارد الطبيعية في الإقليم، ودعوة البرلمان الإفريقي الدول أعضاءه إلى إغلاق مكاتب الشركات التي تتعامل مع المغرب بخصوص الموارد الواردة من إقليم الصحراء، وكل هذه المواقف اتخذها الاتحاد الإفريقي في تناغم وانسجام تام مع وصفه الضمني للمغرب بأنه "محتل"، عند وصفه للإقليم بـ"أن إقليم الصحراء الغربية آخر مستعمرة في إفريقيا". ولا مراء في أن لهذه القرارات الصادرة عن الاتحاد الإفريقي وقعًا كبيرًا لدى الجهات المخاطبة بها أمميًّا وقاريًّا وجهويًّا ودوليًّا. 

كما أن لهذه القرارات التي تشك في سيادة المغرب على إقليم الصحراء، أو تبخس عمل آلياته الوطنية التي تشتغل في مجال حماية حقوق الإنسان، وتلغي أو لا تكترث بحقوق المغرب التاريخية والقانونية والواقعية، تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا، بغضِّ النظر عن دعوى المغرب بعدم حياد الاتحاد الإفريقي، بسبب اتخاذه موقفًا مسبقًا لصالح البوليساريو، باعترافه بها "دولة"، في ظل عدم اعتراف الأمم المتحدة بها كذلك، وباقي التجمعات القارية والإقليمية باستثناء الاتحاد الإفريقي، ولسحب مجموعة من الدول لسابق اعترافها بها. 

وهو ما يؤدي إلى عدم إيلاء رفض المغرب لتدخل الاتحاد الإفريقي أهمية قصوى، رغم تبليغ هذا الرفض للأمين العام لمرات متعددة، بل إن مجلس الأمن سمح للمبعوث الإفريقي الخاص بتناول الكلمة لديه، وكلها أسباب حتمت، وفرضت على المغرب الرجوع إلى مهد ولادة هذه القرارات لوأدها، ووقف نزيف تناسلها، بدلًا من انتظار الاصطدام بها في مركز القرار الأممي، أو أمام تجمعات قارية وإقليمية. 

وبعد تحقق عودة المغرب وحصوله على عضوية الاتحاد الإفريقي، وأصبح كل أطراف النزاع المباشرين، المغرب والبوليساريو، والملاحظين، الجزائر وموريتانيا، يحتضنهم نفس الإطار المؤسسي الإفريقي، فإن إمكانية، واحتمال عودة الاتحاد الإفريقي للعب دور أساسي، ورئيسي لحل نزاع الصحراء تبقى قائمة، ويستفيد الاتحاد من حيثية وجود النزاع في القارة الإفريقية، وأن أطرافه أفارقة. 

غير أن هذه الفرضية تبقى رهينة بإرادة أطراف النزاع، فالمغرب رجع إلى إفريقيا لعلاج أوجاع تدخل الاتحاد في النزاع دون اعتبار لحقوقه ومصالحه، وطموحه منصبٌّ على ترجيح الكفة الإفريقية لصالحه، وخلق ائتلاف كبير لدول إفريقية تؤيد مبادرته بالحكم الذاتي من داخل الاتحاد الإفريقي، ومحاولة إجراء تغيير في نظرة الاتحاد الإفريقي للنزاع، التي تدور حول تقرير المصير، وهي نفس الرؤية التي يتقاسمها مع الجمعية العامة للأمم المتحدة، واللجنة الرابعة، لجعلها مرتبطة بالأمن والسلم الإفريقيين، ليتطابق ويتلاءم مع نظرة مجلس الأمن، الذي ينظر إلى النزاع على أنه مرتبط بالسلم والأمن العالميين(23). 

وفي مقابل هذا الطموح المغربي، فإن الجزائر وجنوب إفريقيا يدركان طبيعة ضعف البدايات بشكل عام، بما فيها بداية العودة المغربية للاتحاد الإفريقي، الذي يفترض فيه أنه يفتقد ولا يمتلك بعد القوة، والنجاعة داخل أجهزة الاتحاد الإفريقي، ويريدان استغلال هذه المرحلة، وممارسة ضغط شديد على المغرب، في محاولة لصده عن اللحاق بهدفه الأساسي بولوج الأجهزة التقريرية للاتحاد الإفريقي، وجعل عودته فعَّالة وقادرة على إجراء تغيير في عقيدة أعضاء الاتحاد لصالحه، بتغيير قناعة مجموعة من الدول الإفريقية ضد البوليساريو. 

وهذا التناقض البيِّن في الإرادات بين المغرب والجزائر، واللذين جعلا الساحة الإفريقية مجالًا لمعارك سياسية واقتصادية، والحجر الأساس والمحوري ووقودها، يختزله نزاع الصحراء. وهذا التضاد الشديد، سيؤجل انعقاد اختصاص الاتحاد الإفريقي بالنزاع(24)، وباستعادة الولاية، تبعًا لإفريقية النزاع رغم تعبير الرئيس الغيني، والذي يحمل صفة الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الإفريقي، بعد انتخابه في قمة أديس أبابا في نهاية شهر يناير/كانون الثاني 2016، عن هذه الأمنية، خلال حوار تليفزيوني مع قناة دبي، في برنامج "قابل للنقاش". وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي، أندريه لافروف أثناء لقائه بوزير الخارجية الموريتاني خلال زيارته الأخيرة لموريتانيا في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2017. 

خاتمة 

قد يكون تفكير المغرب في قراره بالعودة إلى الاتحاد الإفريقي وإعادة اهتمامه به، عبر البناء والشراكة الاقتصادية وتقديمه لطلب الانضمام إلى المنظمة الاقتصادية لدول وغرب إفريقيا وقبوله المبدئي ذا بُعد وهدف سياسي(25) بمحاولة التحكم في الموقف الإفريقي واستغراقه لما اتخذه ويتخذه هذا التنظيم من قرارات ومبادرات معادية لموقف المغرب في نزاع الصحراء. وقد يكون ذا بعد آخر استراتيجي، في بحث المغرب عن آلية إفريقية بديلة عن الأمم المتحدة لحل النزاع، أو بحثه عن موقف وسند إفريقي يؤيد مبادرته بالحكم الذاتي، ويؤَثِّر لصالحه على مستوى الأمم المتحدة ذات الولاية حاليًّا. 

وقد يكون قرار المغرب يحكمه البحث عن حشد جماعة من الدول الإفريقية تناهض تطبيق الحلول الجديدة، المعدَّة من قبل الأمانة العامة للأمم المتحدة، وتنتظر الوقت واللحظة المناسبة لطرحها، والتي لا يقبل بها المغرب وفق ما يُستَشَفُّ من خطاب ملك المغرب الأخير في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، والذي جعل الحل في إطار سيادة المغرب وفِي إطار مبادرته الحكم الذاتي، ويرفض أية محاولة للتحريف في مقاربة الأمم المتحدة في الحل، ويرمز في ذلك إلى شكله السياسي المتوافق عليه، وفِي وصف مبادرته بذات المصداقية والواقعية. 

ولا محالة أن الحل السياسي، الذي قد تكون أعدته الأمم المتحدة، هو هذا العرض المغربي بالحكم الذاتي بعد تطويره، والذي يشترطه المغرب لطي نهائي للنزاع؛ حيث يُفترض فيه أنه يتجاوز الحكم الذاتي، لكنه لا يصل حد الاستقلال الذي ترغب فيه البوليساريو، وهذا التقابل في المبادرتين هو السبب الحقيقي لتعليق المفاوضات منذ 2012، وهو أمر يقلق الأمم المتحدة؛ لأن جمودها ينذر بالتصعيد في كل لحظة، وهو ما يسعى الأمين العام الجديد، أنطونيو غوتيريس، ومبعوثه الشخصي، هورست كولر، لتفاديه. 

غير أن الأمين العام السابق، بان كي مون، ومبعوثه الشخصي، كريستوفر روس، لم يتمكنا من إقناع أي من الطرفين بطرحه، بل تسببت الأفكار والحلول التي ظهرت بوادرها منذ 2014 في توتر بين الأطراف والأمانة العامة للأمم المتحدة، وخاصة مع المغرب، ويأمل المغرب أن يستفيد الأطراف من الديناميكية الجديدة دوليًّا في رفض تقسيم الدول وأن يشجع ذلك على الاهتداء -ولا شك- إلى حل لنزاع الصحراء الذي لن يكون إلا سياسيًّا ويقبل به كل الأطراف، ليكون دعامة للأمن والاستقرار في المنطقة ككل. 

ورغم حيوية إفريقيا اقتصاديًّا، وأهمية موقف دولها واتحادها سياسيًّا لإسناد طرف، والضغط على آخر، وهو كنه السر الذي يتسابقون ويتنازعون لنيله وبلوغه، فإن الحل في النهاية يصنعه الأطراف أنفسهم وبتوافق إرادتهم، دون نفي للدور الأساسي للأمم المتحدة ودول الجوار، والدور المساعد، أو المؤثِّر الذي قد تضطلع به الدول الإفريقية وتنظيمها المؤسسي مستقبلًا، فعودة المغرب تفتح مرحلة جديدة في نزاع الصحراء(25). 

إن الضغط على أحدهما، أو فرض حلٍّ لا يرضيانه، أو عرقلة الوصول إلى التوافق في الحل، هي بوادر حقيقية للفوضى وعدم الاستقرار، وقد تشكِّل شرارة الحرب الشاملة، فعسى أن يتعقل الجميع، وكل الأطراف، في إطار حل يوحد ولا يفرق، وهو الديناميكية لاعتقاد دولي جديد بنبذ تفتيت وتقسيم الدول، منها رفض إعلان استقلال إقليم شمال العراق "كردستان العراق"، ورفض إعلان استقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا. وعسى أن يكون عبرة من أجل التفكير الواقعي لبناء اتحاد مغاربي، ومن أجل القوة المطلوبة مغربيًّا، ومغاربيًّا.

_____________________________________

 صبري الحو- محام، خبير في القانون الدولي لشؤون إفريقيا ونزاع الصحراء.

مراجع

- أبو هيف، علي صادق، القانون الدولي العام، (منشأة المعارف، الإسكندرية، 1965)، ط 7، ص 180.

2 - المادة الرابعة من ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية المصادق عليه في مايو/أيار 1963.

– كان ذلك في نوفمبر/تشرين الثاني 1983، خلال قمة نيروبي، حيث خرق وزراء خارجية الدول أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية المادتين 4 و28 بقبولهم بانضمام البوليساريو عضوًا في المنظمة القارية.

4 – قمة منظمة الوحدة الإفريقية بعاصمة بوركينافاسو واغادوغو، بتاريخ 8-10 يونيو/حزيران 1998.

5 – "دورية المبادلات التجارية والاستثمارات المباشرة المغربية في إفريقيا"، مجلة المالية لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية، (العدد 28، أغسطس/آب 2015)، ص 15.

6- “Tendances et opportunités sur l’avancement de la coopération Sud-Sud au Maroc Etude et consultation des parties prenantes”, Ministère des Affaires Etrangères et de la Coopération, Décembre 2013, (Visited on 25 July 2017)

goo.gl/M2t6Ro

7- Relations Maroc-Afrique: l’ambition d’une nouvelle frontière”, finances.gov, Juillet 2015, (Visited on 29 July 2017): إضغط هنا.

8- Elwalid Samir, “Union africaine : le Maroc reprend sa place”, .lepoint.fr, 1 Février 2017, (Visited on 31 October 2017):

http://afrique.lepoint.fr/actualites/union-africaine-le-maroc-reprend-sa-place-31-01-2017-2101463_2365.php

9- Berahab, Rim, “Relations between Morocco and sub-Saharan Africa: What is the potential for trade and foreign direct investment?”, ocppc.ma, 1 February 2017, (Visited on 31 October 2017):

http://www.ocppc.ma/publications/relations-between-morocco-and-sub-saharan-africa-what-potential-trade-and-foreign

10Naji, Abderrahmane, “Morocco Back to African Union”, economy-and-politics, 17 February 2017, (Visited on 31 October 2017):

https://wsimag.com/economy-and-politics/23613-morocco-back-to-african-u…

11- “La Chine en Afrique: avantages ou inconvénients pour le développement?”, cetri.be, Avril 2008, (Visited on 20 October 2017):

http://www.cetri.be/La-Chine-en-Afrique-avantages-ou?lang=fr

12- “Les relations Maroc-Afrique: les voies d’une stratégie globale et rénovée”, ires.ma, Novembre 2012, (Visited on 20 October 2017):

http://www.ires.ma/wp-content/uploads/2016/12/RAPPORT_AFRIQUE.pdf

13- انظر: الحو، صبري، "المغرب والهجرة القادمة من إفريقيا جنوب الصحراء"، مركز الجزيرة للدراسات، 21 ديسمبر/كانون الأول 2016، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://studies.aljazeera.net/ar/profile/161221085133553.html

14– انظر: الحو، صبري، "خبير قانوني: هل وقع المغرب "فريسة" لقضاة المحكمة الأوروبية؟"، هسبريس، 14 ديسمبر/كانون الأول 2014، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

https://www.hespress.com/writers/287589.html

15 – انظر: بنهدا، طارق، "كوندي: الإجماع رافق عودة المغرب.. وإفريقيا ستحل نزاع الصحراء"، هسبرس، 14 ديسمبر/كانون الأول 2014، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

https://www.hespress.com/politique/344402.html

16– "المادة 7 من العقد التأسيسي للاتحاد الإفريقي، موقع الاتحاد الإفريقي"، 11 يوليو/تموز 2000، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

https://au.int/sites/default/files/pages/32020-file-constitutive_act_french-1.pdf

 17 – انظر: المغرب يبدأ إجراءات الانضمام للاتحاد الإفريقي، موقع الجزيرة نت، 17 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

goo.gl/U4WN1k

18 – انظر: الحو، صبري، "المغرب يفوز بعضوية الاتحاد الإفريقي... وزوما وقود المعركة"، هسبريس، 15 ديسمبر/كانون الأول 2016، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://m.hespress.com/orbites/332155.html

19 – "لائحة الدول التي لم تصوِّت على الطلب المغربي، موقع ميديا 24"، 7 فبراير/شباط 2017، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

https://www.medias24.com/MAROC/NATION/170683-Union-Africaine-quels-sont-les-pays-qui-se-sont-opposes-au-Maroc.html

20 – انظر: "المغرب يدخل الاتحاد الإفريقي: كيف سيؤثِّر ذلك على الصحراء الغربية؟" موقع كارلوس رويث ميغيل، 30 يناير/كانون الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://blogs.periodistadigital.com/desdeelatlantico.php/2017/01/30/marruecos-entra-en-la-union-africana-ico

21 – انظر: "السلام والأمن العالميان"، موقع جامعة قادس الإسبانية، مارس/آذار 2015، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://catedras.uca.es/jean-monnet/revistas/paix-et-securite-internationales/numerosPSI/psi-03-etudes-adimi-maroc-afrique-subsaharienne.pdf

23 – انظر: "قرار مجلس الأمن رقم 2153 ضمن قرارات مجلس الأمن الدولي"، موقع الأمم المتحدة، 28 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://www.un.org/ar/documents/viewdoc.asp?docnumber=S/RES/2351(2017)&referer=

24 – انظر: الحو، صبري، "الاتحاد الإفريقي غير مؤهَّل للنظر في نزاع الصحراء"، صدى نيوز، 17 فبراير/شباط 2017، (تاريخ الدخول: 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://sadanews.ma/news.php?extend.1690.1

25 – انظر: "عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي يفتح مرحلة جديدة في نزاع الصحراء"، فبراير/شباط 2017 (تاريخ الدخول: 18 أكتوبر/تشرين الأول 2017):

http://www.iri.edu.ar/wp-content/uploads/2017/02/iri-opina-2017-Marruecos.pdf