حسابات الربح والخسارة في الأزمة السورية من منظور إسرائيلي

تقوم السياسة الإسرائيلية على التزام الصمت إزاء النزاع السوري بوجهيه المحلي والإقليمي؛ لأنه يستنزف كل الأطراف ويترك إسرائيل بمنأى عنهم، ولكن هناك وضع جديد يَتَشَكَّل ويُمثِّل تحديًا صعبًا لإسرائيل، تبرز فيه منظمات سورية من المعارضة معادية لإسرائيل، كما يتعزَّز الوجود الإيراني هناك.
d70626959594472cbca7d0299fe2cccc_18.jpg
بسبب التفاهم الروسي-الإيراني، فإن ما يفصل بين "ميليشيات إيران" وإسرائيل يتراوح ما بين 5 و20 كيلومترًا في مرتفعات الجولان (رويترز)

مقدمة 

التزمت إسرائيل الحذر طيلة سنوات الصراع السوري ولم تتخذ موقفًا علنيًّا لصالح أي من الأطراف المتصارعة، وتدارست الأجهزة الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية، من منظور إسرائيلي، المخاطر والفرص التي قد تنشأ عن مختلف سيناريوهات الصراع القائم(1) 

من جهة، حافظ نظام آل الأسد (في عهد الرئيس حافظ الأسد أولًا ثم عهد ابنه بشار لاحقًا) على أمن الحدود الإسرائيلية-السورية واستمرت هادئة وآمنة لعقود متواصلة منذ إبرام هدنة عام 1974، ولم يتعرض "شمال إسرائيل" من الجانب السوري لأي تهديدات مباشرة وجدية تدعو الجيش الإسرائيلي للقلق حيالها. ومن جهة أخرى، فإن علاقات الرئيس، بشار الأسد، مع إيران وتقديمه دعمًا عسكريًّا لحزب الله، وضعاه داخل دائرة المهدِّدين المحتملين لأمن إسرائيل.  

قد تكون الثورة على نظام الأسد والأحداث الجارية منذ العام 2011 أسهمت في تهدئة مخاوف إسرائيل الأمنية، نظرًا لاصطفاف إيران وحزب الله مع الرئيس الأسد، والدخول في مواجهة مع المعارضة السورية. لكن بالمقابل تزداد الأوضاع تعقيدًا؛ حيث ترتبط شرائح من مكونات القوى المعارضة للنظام السوري بأيديولوجيات "جهادية"، تُكِنُّ بالأساس عداءً لإسرائيل. لذلك، فإن طبيعة النظام الذي ستشكِّله تلك الجماعات لخلافة نظام الرئيس الأسد، يبقى مجهولًا وغير موثوق به، وفقًا للمبدأ القائل: "الشر الذي لا تعرفه" (أي نظام ما بعد الأسد في سوريا) أسوأ من "الشر الذي تعرفه" (أي نظام الأسد). هذا الوضع جعل إسرائيل تمتنع عن إصدار أي تصريحات علنية سواء في هذا الاتجاه أو ذاك، واقتصرت تحركاتها على شنِّ هجمات متفرقة ضد أهداف تابعة للنظام السوري يُعتقد أنها تنتج أو تنقل أسلحة إلى حزب الله. كما عملت إسرائيل على تقديم مساعدات إنسانية محدودة لمدنيين وربما أيضًا "لمقاتلين" على حدودها في مرتفعات الجولان. ويعلِّق محلِّلون عسكريون إسرائيليون بسخرية على ما يجري في سوريا قائلين: "إن موقف إسرائيل في الأزمة السورية يذكِّر بموقفها من الحرب الإيرانية-العراقية: تتمنى النصر لكل الأطراف"؛ لأن الاقتتال الدائر بين قوات الأسد وحزب الله و"المنظمات الجهادية"، كما تعتقد إسرائيل، سيُضعف جميع الأطراف ويصرفها عن التركيز على معاداة إسرائيل، وكل هذه العوامل من شأنها تخفيف حدة التهديدات على حدود إسرائيل الشمالية(2). لكن هذا لا يمنع من وجود خشية من أن تصبح سوريا دولة هشة ومنقسمة تعاني من فراغ خطير في السلطة، مع انتشار الفوضى داخلها، ما يجعلها مصدرًا لعدم الاستقرار على الحدود مع إسرائيل. لذا، من الصعب حتى مع استمرار الاقتتال الداخلي في سوريا، أن تتمكن إسرائيل من المحافظة على هدوء حدودها الشمالية كما عرفته قبل اندلاع الصراع وخلال معظم فتراته. 

واقع جديد 

في هذا السياق، يبدو جليًّا أن استراتيجية الغموض الإسرائيلية الحذرة، بل وحتى المترددة فيما يتعلق بالنزاع السوري والتي كانت تبدو حكيمة على مدى سنوات عديدة، تطرح الآن تحديًا أمنيًّا أكبر باعتراف كثير من المراقبين للوضع السوري. ففي الوقت الذي لم تخمد فيه نار الحرب بعد، نجد أن كلًّا من روسيا وإيران والنظام السوري يبرزون تدريجيًّا كمنتصرين مرحليًّا في المستنقع السوري. وكان زعماء كل من روسيا وإيران وتركيا قد أعلنوا في سوتشي، في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، عن خطتهم بعقد جولة محادثات جديدة لحل النزاع السوري(3)، وذلك بعد أيام من لقاء جمع بين فلاديمير بوتين والأسد، وبعد اتفاق حول "إقامة مناطق خفض التصعيد"، الذي توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا والأردن(4). وفي ضوء ما سبق، يبدو أن واقعًا جديدًا في طور التشكل دعا الاستخبارات والمحلِّلين الأمنيين الإسرائيليين، وكذلك سياسيين بارزين مثل وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى التحذير من انعكاساته على الأمن الإسرائيلي. ويرى مراقبون أن الوضع الجديد الآخذ في التشكل، قد يسفر عن تعزيز قوة إيران وحزب الله والأسد، فطهران ماضية في تحصين وجودها وتوسيع نفوذها في سوريا، وحزب الله يبدو قوة عسكرية "أكثر خبرة وأفضل تجهيزًا، كما أن جيش الأسد، عبر الدعم الذي يتلقاه من إيران وروسيا، قد يكون في طريقه نحو إعادة بناء ذاته وتطوير كفاءته. ومع الأخذ في الاعتبار، تراجع مصالح الولايات المتحدة وانسحابها تدريجيًّا من الساحة السورية بسبب تقلص خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي كان مصدر القلق الرئيسي للولايات المتحدة في الصراع الدائر، فإن ما تبقى لإسرائيل من الوسائل الدبلوماسية للتأثير في الساحة السورية ليس بكثير. 

تآكل الخطوط الحمراء الإسرائيلية 

إن الحفاظ على ما يسمى بـ"الخطوط الحمراء" في سوريا هو أكبر تحد يشغل إسرائيل، وهو أمر يمكن استنتاجه من كتابات المحللين الأمنيين. وبصفة عامة، فإن الخطوط الحمراء تشير إلى الاعتراض على ما يلي:

  • وجود الميليشيات الإيرانية، أو تلك المدعومة من إيران، وترسيخ حضور حزب الله في سوريا، وخاصة تواجد قواته على بُعد 40 كيلومترًا من الحدود الإسرائيلية.
  • تصنيع ونقل الأسلحة المتطورة إلى حزب الله.
  • إنشاء ممر على الأرض يصل إيران بالبحر الأبيض المتوسط(5). 

ويبدو أن تمسك إسرائيل بهذه الخطوط الحمراء يزداد صعوبة، ففي الوقت الذي دعا فيه اتفاق "خفض التصعيد الروسي-الأميركي-الأردني" إلى انسحاب نهائي للقوات الأجنبية من سوريا، فإن وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، أكد، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، على مشروعية وجود ميليشيات مدعومة من إيران في سوريا؛ لأنها جاءت، حسب رأيه، بدعوة من النظام السوري(6). كما وافق الروس على إبقاء الميليشيات على بعد مسافة خمسة كيلومترات من مناطق المعارضة السورية على الحدود مع إسرائيل، ما يعني بحسب بعض المتابعين: أن التواجد الإيراني سيكون على مرتفعات الجولان، أي على بُعد يتراوح ما بين 5 و20 كيلومترًا من الحدود السورية-الإسرائيلية(7). 

أثارت هذه التطورات مخاوف إسرائيل؛ حيث أجرى بنيامين نتنياهو، في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، مكالمة هاتفية مع فلاديمير بوتين امتدت لنصف ساعة، تم فيها تبادل وجهات النظر حول الوضع السوري واعتراض إسرائيل على وجود إيران وحزب الله في سوريا(8). وكان نتنياهو قد أعلن، في وقت سابق من الشهر نفسه في لقاء مع حزبه ما يلي: "أوضحت لأصدقائنا في واشنطن أولًا، ولكن أيضًا لأصدقائنا في موسكو، أن إسرائيل ستتحرك في سوريا، بما في ذلك جنوب سوريا، وفقًا لما تُمليه متطلباتنا الأمنية. هذا ما يحدث حاليًّا وسنستمر في عمله... نحن نراعي أمن إسرائيل وننفذ ذلك بحزم ومسؤولية في الآن نفسه"(9). 

في الفترة الأخيرة، وفي خطوة درامية قوبلت برفض من وزير المالية، موشيه كحلون، في الحكومة الإسرائيلية، تَقَدَّم وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، بطلب ضخ مبلغ 4.8 مليارات شيكل إضافي في ميزانية الجيش الإسرائيلي، التي تبلغ حاليًّا 31 مليار شيكل سنويًّا. وبرَّر ليبرمان طلبه بمخاوف من بروز تهديد استراتيجي جديد على "الحدود الشمالية" لإسرائيل بالتوازي مع التطورات الحاصلة في الصراع السوري(10). وفي الواقع، زادت إسرائيل من وتيرة عملياتها ضد أهداف سورية وأخرى تابعة لحزب الله خلال العام 2017؛ حيث أفادت الأمم المتحدة بأن عمليات التوغل الإسرائيلية في الأراضي اللبنانية ارتفعت بدورها وبشكل ملحوظ. كما وثقت اليونيفيل -قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان- المتمركزة في جنوب لبنان، 758 عملية توغل خلال الفترة الممتدة ما بين 1 يوليو/تموز إلى 30 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أي بزيادة قدرها 80 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2016(11). 

وصدر مؤخرًا عن المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي تقرير تناول تطورات الوضع في شمال إسرائيل وتضمن إشارة إلى الرد الإسرائيلي المحتمل إزاء أي "تهديد". جاءت العبارات المستخدمة في التقرير شديدة اللهجة، وخلُصت إلى التالي: "يبدو أن الوقت قد حان لإسرائيل، إذا أرادت وقف نفوذ إيران ومنع ترسيخ قدمها في سوريا، أن تتدخل في المستنقع السوري، فلدى إسرائيل القدرة على تدمير المشروع الروسي-الإيراني في سوريا وأن تُلحق الضرر بالأسس التي يعتمد عليها نظام الأسد... يجب على إسرائيل أن تُثبت عزمها على طرد القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية التي تسيطر عليها إيران من مرتفعات الجولان، ومنع إيران من إنشاء بنًى تحتية عسكرية في سوريا، من شأنها توفير الوسائل العسكرية لكل من نظام الأسد والميليشيات الشيعية وحزب الله. قد يكون من شأن ذلك أن يؤدي إلى تزايد احتمالات التصعيد على الجبهة الشمالية لإسرائيل وعلى الجبهة السورية، مع احتمال امتداده إلى الجبهة اللبنانية... وعلى إسرائيل أن تكون مستعدة للرد وللتصعيد، وتقييم تداعيات تحركاتها بشكل صحيح"(12). 

تحالفات إسرائيل الإقليمية القديمة والجديدة 

أسفر الواقع الجديد عن وجود علاقات وطيدة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وذلك كجزء من تقارب إسرائيل مع من تسميهم الدول العربية "المعتدلة"، ومن ضمنها مصر وبعض دول الخليج. وهي بالتأكيد ليست علاقات جديدة إلا أن ظهورها للعلن بهذه الصورة دعت إليه الحاجة لمعادلة التأثير الإيراني المتنامي في المنطقة انطلاقًا من العراق ومرورًا بالاتفاق النووي الإيراني، الذي سمح لطهران بتخصيص المزيد من الموارد لتعزيز ترسانتها العسكرية التقليدية، فضلًا عن الانهيار المحتمل للصفقة بسبب موقف الإدارة الأميركية الجديدة(13)، وصولًا إلى الحروب في سوريا واليمن. كل هذا مجتمعًا يدفع بإسرائيل والمملكة العربية السعودية نحو بناء علاقات ثنائية أكثر انفتاحًا لتحقيق مصالحهما المشتركة. وفي هذا السياق الجديد المتصل بسوريا، خرجت بعض التكهنات حول الخطط الإسرائيلية/السعودية إلى العلن، ومن ذلك نشر السفير الأميركي الأسبق لدى إسرائيل، دانيال شابيرو، مؤخرًا مقالًا تحت عنوان: "هل تدفع السعودية إسرائيل إلى حرب مع حزب الله وإيران؟". كما كان لمحللين آخرين تساؤلات وشكوك مماثلة؛ حيث لاحظ مثلًا الكاتب، دوف زاخيم، في مقال له نُشر في مجلة فورن بوليسي أنه: "ثمة شيء ما يربط بين جاريد كوشنير ومحمد بن سلمان وبنيامين نتنياهو، ويبدو أنها خطة ترمي للضغط على إيران"(14). 

وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية والعربية أيضًا، أثارت ضجة كبيرة حول مقابلة أجراها رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي، غادي إيزنكوت، مع موقع "إيلاف" الإلكتروني التابع للسعودية، وبيَّن إيزنكوت بوضوح ماهية الخطوط الحمراء الإسرائيلية في سوريا؛ حيث قال: "يتمثَّل طلبنا في مغادرة حزب الله سوريا وانسحاب إيران وميليشياتها من سوريا... كما أننا لن نقبل ترسيخ قدم إيران في سوريا بشكل عام، وخاصة في المنطقة الواقعة إلى الغرب من طريق دمشق-السويداء... سوف لن نسمح بأي وجود إيراني، وقد حذرناهم من بناء مصانع أو قواعد عسكرية وأبلغناهم بأننا لن نسمح بذلك". كما بعث برسالة واضحة حول موقف إسرائيل من السعودية قائلًا: إنه فيما يتعلق بإيران "يوجد اتفاق كامل بيننا وبين السعودية التي لم تكن عدونا في يوم ما أبدًا"، مضيفًا أن إسرائيل "ترغب في تبادل المعلومات مع الدول العربية المعتدلة بما في ذلك المعلومات الاستخباراتية للتعامل مع إيران"، لكنه أشار أيضًا إلى انتفاء مصلحة إسرائيل في المبادرة بالدخول في صراع عسكري واسع النطاق مع حزب الله في لبنان، وذلك بالرغم من أن الوضع لا يزال متوترًا وقابلًا للاشتعال(15). 

التداعيات على الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني 

يُقدَّم التقاء وتوحيد المصالح الواضح بين السعودية وإسرائيل على أنه دعم محتمل للاتفاق الذي تعمل الولايات المتحدة الأميركية على التوسط فيه بين العالم العربي وإسرائيل بشأن الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني وتطبيع العلاقات مع إسرائيل؛ حيث تحدثت تقارير عن عكوف صهر الرئيس ترامب ومستشاره، جاريد كوشنير، على رسم ملامح صفقة ما. ومع ذلك، فهناك القليل من التفاؤل بشأن إحراز تقدم حقيقي لحل القضية الإسرائيلية-الفلسطينية. وعلى أرض الواقع، فإن ما شهدته المنطقة العربية من أحداث، منذ اندلاع الثورات العربية في عام 2011، أدى إلى تهميش قضية إقامة الدولة الفلسطينية، كما يفتقر الفلسطينيون في الوقت الراهن إلى أي دعم حقيقي سواء أكان من العالم العربي المنشغل بالصراع السعودي-الإيراني، أم من الولايات المتحدة وأوروبا. من جهته، فإن للمحور الإيراني-الروسي-التركي أيضًا انشغالات أكبر، ولم يُبدِ اهتمامًا كبيرًا بممارسة ضغط فعلي على إسرائيل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية خارج إطار الخُطب. وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن حكومة نتنياهو ترتكز إلى ائتلاف مع الأحزاب السياسية المتطرفة والسياسيين الذين سيعترضون على أي اتفاق سلام جدي. 

وعلى الأغلب، أمام نتنياهو فرصة لاستئناف عملية مفاوضات السلام مع الفلسطينيين بما يشتت الانتباه عن التحقيقات الجارية معه في قضايا الفساد، كما لا تزال القوة الإيرانية المتنامية في سوريا وازدياد قوة حزب الله بالإضافة إلى الطموح النووي المحتمل لإيران، تمثِّل بالنسبة لنتنياهو صرخة استنجاد يستخدمها ضد المعارضة اليسارية في إسرائيل، وضد الذين يثيرون تلك الاتهامات بالفساد ضده، فضلًا عن استخدامها أيضًا ضد منافسيه اليمينيين. 

السياستان الخارجية والداخلية 

هناك قول معروف مفاده أن السياسة في إسرائيل، بما فيها السياسة الخارجية، إنما هي سياسة موجهة نحو الداخل، هدفها موجه دائمًا نحو الجمهور الإسرائيلي. ينطبق هذا أيضًا على اللاعبين الآخرين في المنطقة؛ حيث تستفيد كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل وإيران داخليًّا، أو تأمل في أن تستفيد، من الإبقاء على التهديدات الأمنية الاستراتيجية الخارجية. 

بالنسبة لإيران، قد يكون ذلك في توسيع نطاق دعم الميليشيات العاملة خارج حدودها، بتضخيم التهديدات الأمنية المتأتية من "الجهاديين السنَّة" و"الكيان الصهيوني" و"الوهابية السعودية"، كمبرر لاستمرارها في بناء أجهزتها الأمنية التي يمكن أن توظَّف أيضًا في قمع المعارضة السياسية في الداخل على حساب الإصلاحات الحقيقية. أما بالنسبة للسعودية، فإن تصعيد التهديد الأمني الذي تفرضه إيران يبرر الزيادة الهائلة في النفقات العسكرية، وشراء كميات من الأسلحة تفوق التصور من الولايات المتحدة، ثم التباهي بالعلاقات الوثيقة مع الغرب باعتبارها شهادة على "اعتدالها"، وذلك دون إجراء أي إصلاحات سياسية حقيقية أو تحرك فعلي نحو ديمقراطية شاملة وحرية سياسية حقيقية في البلاد. 

في إسرائيل، تستخدم الحكومة اليمينية، من جهتها، ذلك التهديد الأمني الوجودي، المتمثل في صعود إيران كقوة إقليمية، لإسكات المعارضة في الداخل ورفض تقديم تنازلات حقيقية للفلسطينيين متذرعة بالاعتبارات الأمنية. وعلى الرغم من أن الفاعلين السياسيين أنفسهم في إيران، وكذلك الثنائي السعودي-الإسرائيلي، فضلًا عن المراقبين والمحللين، يؤكدون على تزايد التوتر والتنافس بين المحورين، فإنه من الواضح أيضًا أن كِلا الجانبين يستفيدان بشكل كبير من تصعيد التهديدات وإطالة أمدها ومن تصعيد الخطابات العدوانية المتبادلة. 

لا يوجد صالحون في هذه اللعبة السياسية، رغم أن كلًّا منهم يسعى إلى تقديم نفسه على هذا النحو بل لا يوجد فائزون سوى مؤسسات أمنية ولاعبون غير ديمقراطيين في البلدان الثلاثة جميعها، ويوجد بالمقابل خاسرون يمثلون النهج الديمقراطي الحقيقي في تلك البلدان الثلاثة. 

خاتمة 

في خلاصة يمكن القول: إنه رغم تصاعد الهجمات الإسرائيلية على أهداف في سوريا، وبالرغم من طلب الجيش الإسرائيلي زيادة لميزانيته، ورغم خطاب التهديد الذي يستخدمه نتنياهو وليبرمان وتبادل الاتهامات والتهديدات الصادرة عن حزب الله وإسرائيل، فإننا ما زلنا نشهد نوعًا من المحافظة على الوضع القائم. 

فإسرائيل تحتفظ لنفسها بحرية التحرك داخل سوريا ضد أهداف تعتبرها مصانع لإنتاج أسلحة متطورة أو نقلها بحيث يُحتمل استخدامها من طرف حزب الله أو الجيش السوري ضد إسرائيل. وحتى الآن، لم تواجَه إسرائيل سوى برد خجول سواء أكان من سوريا وحزب الله، أو حتى من روسيا. مع العلم بأنه ليس هناك ما يدعو الجيش السوري الذي ازداد قوة، ولا حزب الله، الذي اكتسب قوة أكبر عبر خوضه حروبًا ميدانية، لِأَنْ يسعيا إلى فتح جبهة ضد إسرائيل في الوقت الذي يعززان فيه من قوتهما ويرسخان فيه هيمنتهما. 

وكذلك رغم ما تمخضت عنه العلاقات السعودية-الإسرائيلية الدافئة من اقتراح بعض الخطط لاتخاذ المزيد من الإجراءات العسكرية الصارمة ضد حزب الله في لبنان، وحتى في سوريا، فإن في إسرائيل على الأقل، لا توجد أي رغبة حقيقية في الانجرار نحو صراع كبير. 

وهكذا، يبدو أن طلب الميزانية، الذي تقدم به ليبرمان، إنما يهدف إلى الحفاظ على التفوق الاستراتيجي للجيش الإسرائيلي مقارنة مع إيران والفاعلين الإقليميين الآخرين، لاسيما وأن جميع الأطراف المعنية بالصراع الإقليمي، (أي سوريا وإيران وحزب الله وتركيا وروسيا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر) تستفيد راهنًا من التصعيد في حدة الخطاب ورفع حجم الإنفاق العسكري والأمني والإبقاء على التهديد الخارجي. 

أما السؤال الذي لا يزال يتطلب إجابة فهو معرفة ما إذا كان بوسع وسائل الإعلام والمراقبين السياسيين المعنيين، تجنب الوقوع في شَرَك المواقف المزدوجة التي يتخذها هؤلاء الفاعلون الإقليميون والدوليون، وهذا يتطلب اتخاذ موقف مساند لأحد طرفي الصراع، والتركيز على مواجهة وتحدي أولئك الذين يواصلون الاستفادة والكسب ماديًّا وسياسيًّا من استمرار الصراعات المختلفة في منطقة مزقتها الحرب.

_____________________________________

 ليهي بن شطريت- أستاذ مساعد، معهد العلاقات العامة والدولية-جامعة جورجيا، أثينا 

 ملاحظة: النص بالأصل أُعِد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة الإنجليزية، وترجمه إلى العربية كريم الماجري.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1-  “Israeli intelligence bodies debate who is better – Assad or the rebels”, NRG, 29 April 2013, (Visited on 20 November 2017):   

http://www.nrg.co.il/online/1/ART2/464/687.html

2-  Kaspit, Ben, “Israel wishes success to both sides in Syria”, Al-Monitor, 2 September 2014, (Visited on 20 November  2017):   

https://www.al-monitor.com/pulse/iw/originals/2014/09/israel-syria-goln-heights-assad-insurgents-idf-drone.html

3- Nechepurenko, Ivan, “Russia, Turkey and Iran Propose Conference on Postwar Syria’s Future”, New York Times, 22 November 2017, (Visited on 22 November 2017):

 https://www.nytimes.com/2017/11/22/world/europe/russia-turkey-iran-syria-war-peace-talks.html

4- “Background Briefing on the Joint Statement by the President of the United States and the President of the Russian Federation on Syria”, US State Department, 11 November 2017, (Visited on 22 November 2017):   

 https://www.state.gov/r/pa/prs/ps/2017/11/275463.htm

5- Yadlin, Amos and Ari Heistein, “Ending the War in Syria: An Israeli Perspective”, Council on Foreign Relation, 21 September 2017, (Visited on 20 November 2017):

     https://www.cfr.org/councilofcouncils/global_memos/p39169

6- “Russian FM says Iran can legitimately stay in Syria”, Times of Israel, 14 November 2017, (Visited on 16 November 2017)

 https://www.timesofisrael.com/russian-fm-says-iran-can-legitimately-stay-in-syria/ 

7- Harel. Amos, “Two steps from Iran: Israel may issue threats, but Moscow is setting facts on the ground”, Haaretz, 17 November 2017, (Visited on 20 November 2017):

https://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.4607704

8- “Putin Calls Trump, Netanyahu to Discuss Syria after Surprise Assad Meeting”, Haaretz, 21 November 2017, (Visited on 22 November 2017):

https://www.haaretz.com/middle-east-news/syria/1.824241

9- “Netanyahu on the Syrian cease-fire agreement: Israel will act in Syria according to its security needs”, YNET, 13 November 2017, (Visited on 19 November 2017):

http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5042298,00.html

10- “Liberman demands additional billions to the defense budget”, Channel 10 News, 20 November 2017, (Visited on 22 November 2017):

http://news.nana10.co.il/Article/?ArticleID=1274780

11- “UN Secretary General: Increased risk for confrontation between Israel and Hezbollah”, YNET, 25 November 2017, (Visited on 29 November 2017):

http://www.ynet.co.il/articles/0,7340,L-5047540,00.html

12- Dekel, Udi and Zvi Magen, “Israel’s Red Lines on Iran’s Foothold in Syria”, INSS Insight No. 993, 22 November 2017 (Visited on 22 November 2017):

http://www.inss.org.il/publication/israels-red-lines-irans-foothold-syria/

13- من المهم الإشارة إلى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، خلافًا لبنيامين نتنياهو، نظرت إلى الصفقة بشكل إيجابي مع بعض الحذر، في الحدِّ الأدنى، ورأت فيه احتواءً للتهديد النووي الإيراني أو على الأقل تأجيل خطره. فالانهيار المحتمل للاتفاق يثير انزعاجًا في إسرائيل؛ لأنه قد يعيد ذلك التهديد إلى البروز باعتباره تهديدًا وشيكًا.

14-  Zakheim, Dov, “Jared Kushner, Mohammed bin Salman, and Benjamin Netanyahu are up to something.” Foreign Policy, 7 November 2017 (Visited on 19 November 2017):

http://foreignpolicy.com/2017/11/07/jared-kushner-mohammed-bin-salman-and-benjamin-netanyahu-are-up-to-something/

15- Harel, Amos, “IDF Chief of Staff to a Saudi paper: There’s complete agreement between us about Iran”, Haaretz, 16 November 2017 (Visited on 19 November 2017):

https://www.haaretz.co.il/news/politics/1.4607321