المشهد الحزبي التونسي: تصدعات سياسية في ظل أزمة اقتصادية واجتماعية

تناقش الورقة كيف بات الخوف على التجربة الديمقراطية التونسية مستمرًا بسبب المناخ الحزبي المشحون في ظل استئناف الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي، وبسبب استغلال أطراف أجنبية للتجاذبات السياسية "الحادة" بين أبناء البلد الواحد لتمرير أجندتها المتمثلة في تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي في طوره الأخير.
5cd5741a57844711956fa100f5faabe5_18.jpg
توسع ظاهرة الترحال البرلماني في مجلس النواب التونسي (الأناضول)

رغم مرور سبع سنوات من الثورة، وانطلاق مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، وكتابة دستور الجمهورية الثانية، وتركيز أغلب الهيئات الدستورية، وتشكيل حكومة الائتلاف الرباعي (حكومة حبيب الصيد)، وفي مرحلة ثانية حكومة الوحدة الوطنية (حكومة يوسف الشاهد) على خلفية "سياسة التوافق" بين زعيمي أكبر حزبين، نداء تونس وحزب حركة النهضة، ونجاح الانتخابات البلدية في إطار الشفافية، فإن كل تلك الإنجازات على أهميتها ونجاعتها "تلوثت"، منذ حوالي نصف السنة، بالصراع المتفاقم والمتسع الذي عرفه حزب نداء تونس، الطرف الرئيسي المشكل للحكومة، على خلفية ذاتية وشخصية وليس على برامج سياسية وفكرية. وظلت تونس تعيش على وقع هذا الصراع وتداعياته المختلفة والحادة على البلاد وعلى الساحة السياسية والحزبية وعلى عملية الانتقال الديمقراطي ككل.

فكيف يبدو الوضع الاقتصادي والاجتماعي العام في تونس؟ وما أبرز ملامح المشهد الحزبي والسياسي بعد أربع سنوات من الانتخابات التشريعية وبعد إعلان رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي نهاية التوافق مع الأستاذ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة؟ وما تداعيات ذلك على المشهد السياسي والحزبي والنيابي عامة؟

انتقال ديمقراطي "مهزوز" 

يتطلب إنجاح عملية الانتقال الديمقراطي توفر مجموعة من المقومات والآليات والشروط السياسية والقانونية والاجتماعية ترتبط أساسًا بمستوى الدخل والرفاهية الاجتماعية والاستقلالية الاقتصادية والمالية في حدودها الدنيا (1). بالإضافة إلى الاتفاق حول نموذج سياسي لتحقيق الانتقال ما يتطلب توحيد الرؤى والأهداف في الحد الأدنى، وتوحيد الجهود والوسائل. غير أن الأوضاع الحزبية والسياسة والاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها البلاد التونسية شكَّلت عوائق راهنة وقد تُشكِّل عوائق محتملة ربما تهدد مسار الانتقال الديمقراطي في طوره الأخير.

اهتزاز الخريطة الحزبية

يعرف الوضع الحزبي في تونس اهتزازات وتصدعات وانشقاقات ترفدها أزمة اقتصادية واجتماعية عميقة، وقد وصل عدد الأحزاب إلى 211 حزبًا سياسيًّا. قد يبدو هذا "الانفلات" الحزبي طبيعيًّا لدولة كانت تعيش لأكثر من خمسة عقود تحت نظام استبدادي لم يسمح بالتعددية الحزبية إلا بشروط معينة وتحت قيادته وتوجيهه، غير أن حضور الأحزاب في الساحة السياسية وفي مجلس نواب الشعب عامة يبدو محدودًا (نحو 15 حزبًا)، كما عرفت الساحة الحزبية ظواهر ومشاكل لا حدَّ لها أثَّرت أحيانًا بعمق على المشهد السياسي، من ذلك:

• هشاشة وضعف الأحزاب ومرورها بأزمات منعتها من القيام بدورها. 

• تواصل ظاهرة السياحة الحزبية والبرلمانية، من ذلك أن انتقال النواب بين الكتل البرلمانية خلال الدورات البرلمانية الأربع تجاوز ثلث النواب حيث تنقَّل 74 نائبًا (من إجمالي 217 نائبًا) من كتلة إلى أخرى ومن بينهم نواب انتقلوا أربع مرات في أربع سنوات. 

• ظاهرة الاستقالة من الأحزاب والانشقاقات: كما هي الحال بالنسبة إلى "حزب نداء تونس (2) وآفاق تونس، والاتحاد الوطني الحر وحزب مشروع تونس(3)، وحزب حراك تونس الإرادة"(4). وإن لم تعرف بعض الأحزاب ظاهرة التشظي والانشقاق غير أنها تعرف بعض المشاكل والتباينات المحدودة غير أنها تبدو مؤثرة مثل حال الجبهة الشعبية (5) وحزب حركة النهضة (6). كما يتميز المشهد الحزبي في تونس بسرعة تشكيل الائتلافات والاندماجات الفوقية بين الأحزاب، من ذلك الاندماج أو الانصهار بين الاتحاد الوطني الحر ونداء تونس الأخير.

وتقف وراء تلك الظاهرة عدة عوامل، نذكر منها:

- محدودية التجربة الحزبية بالمفهوم الحديث والدقيق للحزب تقنيًّا ومضمونًا. 

- حداثة الفاعلين في العمل السياسي داخل تلك الأحزاب. 

- هيمنة الزعيم المؤسس، الفرد، الذي غالبًا ما يتميز بنرجسية تكاد تكون مطلقة وأحيانًا مؤذية للحزب ومنتسبيه.

- فقدان الرؤية الفكرية والسياسية (استراتيجية-مستقبلية) والاكتفاء ببرامج سياسية طارئة ردًّا على مواقف الآخرين.

- غياب الممارسة الديمقراطية داخل الحزب الواحد. 

- دور الولاءات الفرعية في تكوين الأحزاب (الجهة، القرابة، المصلحة الخاصة المادية غالبًا...، المحاباة). 

- هشاشة العلاقات بين الأحزاب التي تتحكم فيها نزوات ظرفية وذاتية.

- غياب الثقة داخل الحزب الواحد وبين الأحزاب.

فإلى أي مدى أسهم هذا المشهد الحزبي المرتبك والمهزوز في تحديد سمات المشهد السياسي العام؟

انعكس هذا المشهد الحزبي المرتبك والمهزوز وأثَّر على الوضع السياسي العام، وتجلى ذلك خاصة في:

- تغيير متكرر للحكومات والتحويرات الوزارية التي لم تكن تلبية لضرورات منطقية وعقلانية وطنية بل نتيجة ضغوطات سياسية وفئوية ضيقة.

- ضعف وارتباك حكومتي السيدين، الحبيب الصيد (الأولى) ويوسف الشاهد (الثانية)، وعجزهما عن تحقيق الحد من البرنامج الذي وعدوا الشعب بتحقيقه.

- هيمنة الخلاف بين حزب نداء تونس ورئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، على المشهد السياسي الوطني على حساب الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية.

- تعذر الاتفاق فيما يُعرف بالنقطة 64 حول طبيعة التغيير الحكومي ما أدى إلى تعليق العمل بوثيقة قرطاج 2. 

- "خيبة" رئيس الجمهورية من موقف حزب حركة النهضة من التشبث باستقرار الحكومة وبقاء يوسف الشاهد على رأسها ما أدى إلى تحول رئيس الدولة إلى طرف في "الصراع" أو الخلاف والانحياز إلى "خيار" ابنه.

- استخدام وسائل غير أخلاقية ومفردات بذيئة واتهامات بالفساد بين القوى السياسية المختلفة.

أما عن المشهد البرلماني، فتميز بتوسع ظاهرة السياحة البرلمانية التي عرفتها أغلب الكتل البرلمانية، باستثناء كتلتي الجبهة الشعبية وكتلة حزب حركة النهضة، ما أدى إلى تراجع حجم بعض الكتل (نداء تونس وكتلة الحرة: مشروع نداء تونس) وتَشَكُّل كتلة جديدة وازنة وهي "كتلة الائتلاف الوطني"، سريعًا ما تراجع حجمها بعد أن انفصل عنها نواب الاتحاد الوطني الحر (اثنا عشر نائبًا) وانضمامها إلى كتلة حزب نداء تونس ما أدى إلى اختلال في التوازنات داخل البرلمان.

أما على المستوى التشريعي، فنلاحظ عدم اتفاق الكتل البرلمانية على تشكيل بعض الهيئات الدستورية المستقلة وتحديدًا:

- هيئة الانتخابات التي ما زالت دون رئيس وظلت تعاني من تقلبات عديدة نتيجة خضوعها للتجاذبات السياسية ما قد يهدد إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستُجرى أواخر عام 2019 وما قد ينزع عن الهيئة أيضًا صفة الاستقلالية.

- عدم التوافق على اختيار بقية أعضاء المحكمة الدستورية التي تعتبر أكبر ضمانة للنظام الجمهوري.

فإلى أي مدى انعكس المشهد الحزبي والسياسي على الوضع الاقتصادي والاجتماعي؟

وضع اقتصادي واجتماعي صعب ومسؤولية الأحزاب السياسية

اعتبر وزير الدفاع التونسي أن "التجاذبات السياسية والانخرام السياسي الموجود في تونس منذ سبع سنوات يمثِّلان سبب كل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والمشاكل التي عرفتها تونس بما فيها الاهتزازات الأمنية في البلاد"(7).

وبالفعل، تمر تونس حاليًّا بأزمة أسوأ بكثير من الأزمة التي عرفتها خلال 1986 التي انتهت بالإطاحة بالرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، حسب اعتراف رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، شخصيًّا (8). إذ عرفت البلاد تدهورًا غير مسبوق لمختلف المؤشرات الاقتصادية. فالديون الخارجية ارتفعت بنسبة 80% (86 بالمئة من الناتج الداخلي الخام تقريبًا)، كما ارتفعت كلفته، سنة 2018، إلى تسعة آلاف مليار دينار. كما بلغ مؤشر التضخم نسبة 7.8 بالمئة في يونيو/حزيران 2018 وبقي في حدود 7.5% في يوليو/تموز، وتفاقم عجز الميزان التجاري فوق اثني عشر مليار دينار (12.16 مليار دينار في نهاية أغسطس/آب 2018، أي بزيادة قدرها 20% مقارنة بنفس الفترة من سنة 2017)، ولا شك أن عجز الميزان التجاري المتفاقم يؤدي بشكل آلي إلى عجز خطير لميزان المدفوعات(9). كما عرف الدينار التونسي تراجعًا حادًّا في قيمته مقابل الدولار واليورو.. والأخطر من كل ذلك تزايد عجز الصناديق الاجتماعية والمؤسسات العمومية.

وفي موازاة ذلك، استمر تدهور الوضع الاجتماعي بارتفاع معدلات البطالة 15.4%(10) وارتفاع نسبة الفقر ونسبة الجريمة وتدهور الخدمات العمومية الأساسية في مجال الصحة والتعليم والنقل والنظافة والبنية التحتية، وتواصل توتر العلاقة بين الحكومة والأطراف الاجتماعية نتيجة تعطل المفاوضات الاجتماعية (إضرابان مقرران هذا الشهر والشهر القادم) (11).

الخارطة البرلمانية 

يدور الصراع حول الحصول على الأغلبية في قبة مجلس نواب الشعب لاستمرار حكومة الشاهد أو دون ذلك بين الكتل المختلفة ليس على أسس فكرية وبرامج سياسية بل على خلفية ذاتية خدمة لمصالح خاصة باستخدام وسائل وطرق غير "نبيلة" وغير مشروعة من قبل أغلب أطراف الصراع بالاعتماد على تفعيل الأطراف المعارضة لاستمرار حكومة الشاهد على فصلين أساسيين، هما: 

• تفعيل الفصل 97 من الدستور وذلك من خلال التصويت على لائحة لوم ضد الحكومة من قبل ثلث نواب المجلس (73 عضوًا) على الأقل غير أن ذلك لا يمكِّن من سحب الثقة من رئيس الحكومة إلا بموافقة الأغلبية المطلقة أي (109 نواب).

• ثانيًا: تفعيل رئيس الجمهورية للفصل 99 من الدستور؛ وذلك من خلال مطالبته مجلس نواب الشعب التصويت على ثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها... ويتم ذلك بتصويت الأغلبية المطلقة.

ويبدو أن كسب الأغلبية من قبل نداء تونس (المندمج مع حزب الوطني الحر) صعب المنال فمن المستبعد أن ينضم إلى هذا الاندماج أعضاء آخرون بل ربما يتقلص حجمه عبر انسحاب عدد من النواب غير الراضين عن الطريقة التي تمت بها عملية الانصهار حتى في حال تصويت الجبهة الشعبية لغير صالح بقاء الشاهد والتقائها موضوعيًّا مع حزب نداء تونس فلن يحقق المعارضون ليوسف الشاهد الأغلبية في حين هناك احتمال كبير لمساندة كتلة حزب مشروع تونس "الائتلاف الثلاثي" خاصة بعد أن صرَّح السيد محسن مرزوق، الأمين العام لحركة مشروع تونس، مساندة حزبه للاستقرار الحكومي ورفض الانصهار مع حركة نداء تونس معتبرًا أن حل مشاكل البلاد لا يكمن في الإطاحة بحكومة الشاهد(12). كما أفاد بأن حزبه يسهم في "طبخ مشروع سياسي بديل سيتم الإعلان عنه في القريب العاجل لتشكيل تحالف استراتيجي عميق لحكم تونس طيلة عشر سنوات"(13) في موازاة تأكيد رئيس كتلة الائتلاف الوطني، مصطفى بن أحمد، أن عشرين نائبًا سيستقيلون من كتلة نداء تونس ويلتحقون بكتلة الائتلاف، مبرزًا أن عدد نواب الكتلة المذكورة سيرتفع بشكل وصفه بـ “اللافت"(14).

غير أن تحقيق أغلبية مريحة في البرلمان تتطلب من رئيس الحكومة، السيد يوسف الشاهد، إجراء تحوير وزاري تحقيقًا لمطلب كل من حزب حركة النهضة وكتلة الائتلاف الوطني وحزب مشروع تونس. ولا نعتقد أن التباين بين حركة النهضة وكتلة الائتلاف الوطني حول توقيت التحوير الوزاري سيؤثر على علاقتهما ووقوفهما إلى جانب حكومة الشاهد.

ويضاعف الشك وانعدام الثقة بين الأطراف السياسية من تعقد المشهد السياسي؛ فبعض من قيادات النهضة يشكِّك في نوايا رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، ويتهمه بأنه توعد باستهداف الحركة و"بالسير على خطى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، واتباع نفس تمشيه"، في إشارة ضمنية إلى انقلابه على رئيس منتخب والاستيلاء على السلطة بالقوة والعمل على إقصاء كل معارضيه بكل الوسائل المتاحة. وحذَّر قائلًا: "إن تونس اليوم حبلى في شهرها السادس بالديكتاتورية" ويقول البعض من هؤلاء: إن يوسف الشاهد الذي لم يتردد في "الانقلاب" على الرئيس السبسي، صاحب الفضل عليه، لن يتردد في الانقلاب على النهضة (15).

وفي موازاة ذلك، اتُّهم حزب حركة النهضة بأنه أصبح "يشتغل لمصلحته الخاصة ولا يراعي المتطلبات الوطنية وانفصل وتنصل بعد أن كان يعمل بالتوافق"(16). بالإضافة لاتهامه من قبل الجبهة الشعبية بامتلاكه لتنظيم سري خاص كان مسؤولًا عن الاغتيالات السياسية التي عرفتها البلاد عام 2013.

وهناك من يرى أن التوافق بين النداء والنهضة وبقية الأطراف الفاعلة قد يعود مجددًا (رغم الخلافات ورغم إعلان القطيعة) خاصة أن النهضة عبَّرت في بيانها الأخير عن تمسكها بالتوافق بين كل القوى الوطنية.

السيناريوهات المحتملة

كل شيء ممكن في المشهد السياسي التونسي حيث تكون السياحة الحزبية والبرلمانية وفق مقاييس لا تتعلق دائمًا بالمصلحة الوطنية، وإن تعلقت بها حينًا فلا يغفل بعض أصحابها المنافع الشخصية (المناصب والمقابل المالي) وحسابات الربح والخسارة.

- السيناريو الأول: تحالف النهضة وكتلة "الائتلاف الوطني" البرلمانية الجديدة ونواب من حزب مشروع تونس لفائدة استمرار يوسف الشاهد مع إجراء تحوير وزاري.

- السيناريو الثاني: يفترض التوصل إلى اتفاق بين "النهضة" و"نداء تونس المندمج" برعاية رئيس الجمهورية وإزاحة الشاهد، مقابل إعادة توزيع الأدوار بين الطرفين.

- السيناريو الثالث: أن يعلن الشاهد استقالته من رئاسة الحكومة بعد الموافقة على ميزانية الدولة، ليترك الجميع في التسلل ويتجه لتكوين حزب جديد. 

- السيناريو الرابع: التحاق عدد من نواب كتلة الائتلاف الوطني، غير المتحمسين للتوافق مع النهضة، بكتلة النداء المندمج لتعزيز موقفها. 

- السيناريو الخامس: استقالة نواب من كتلة نداء تونس المندمج من الكتلة احتجاجًا على عملية الانصهار "الفوقية" بين حزب النداء والوطني الحر بغض النظر عن مساندتهم للتحالف المساند للشاهد أو دون ذلك.

ومهما كان الأمر، يبدو أنه من الصعب أن تتغير التوازنات الكبرى داخل مجلس نواب الشعب بصفة جوهرية على المدى القصير على الأقل ما دام حزب حركة النهضة "رقمًا صعبًا" محددًا في المشهد السياسي مساندًا لاستمرار حكومة يوسف الشاهد. عنوان الاستقرار: حزب النهضة بالتوازي مع ثبات وزن كتلة الائتلاف الوطني أو تطور حجمها ما سيمنع قيام أغلبية عددية معارضة لاستمرار رئاسة السيد يوسف الشاهد على رأس الحكومة.

لكن هل تهدد الوضعية الراهنة التي تعيشها تونس بمظاهرها وأبعادها المختلفة الديمقراطية الناشئة؟

قد يكون ذلك أحد الاحتمالات المطروحة مع ما يتميز به الوضع السياسي العام من ارتباك وغموض وبغياب الثقة والتردد وعدم اليقين سواء داخل الحزب الواحد أو بين الأحزاب. أمر دفع البعض للمراهنة على صدور البيان رقم واحد والانقلاب على المسار الديمقراطي في حين حذر البعض الآخر من حدوث اغتيالات سياسية بـفعل "النشاط المكثف للمخابرات الأجنبية واستمرار معارضة بعض الدول الشقيقة مسار الانتقال الديمقراطي"(17).

ورغم ذلك، توجد إرادة سياسية ثابتة لنجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس من خلال التزامها باحترام الآجال الدستورية لإجراء الانتخابات التي يعتبرها البعض مسألة "مقدسة"(18). وإرادة (برلمانية) حزبية لاستكمال تركيبة المؤسسات التشريعية (انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية ورئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات). كما تبدو المراهنة على تحرك المؤسسة العسكرية مراهنة واهمة، وهذا أمر أكَّده الفريق أول، رشيد عمار، الرئيس السابق لأركان الجيوش الثلاث (19).

ولكن الخوف على التجربة الديمقراطية الفريدة والمميزة يظل مستمرًّا على خلفية المناخ الحزبي والسياسي المشحون في ظل استئناف الاستقطاب الأيديولوجي والسياسي واستغلال بعض الأطراف الأجنبية للتجاذبات السياسية والأيديولوجية "الحادة" بين أبناء البلد الواحد بهدف تمرير أجندتها التي تتمثَّل أساسًا في تعطيل مسار الانتقال الديمقراطي في طوره الأخير.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* أ. د عبد اللطيف الحناشي- أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن، جامعة منوبة تونس.

نبذة عن الكاتب

مراجع

(1)      ما يساعد على ظاهرة شراء الأصوات الانتخابية، ونواب البرلمان والتقليل من السياحة الحزبية.

(2)      "نداء تونس: عدد التنسيقيات المهددة بالاستقالة يرتفع: معارضو حافظ يستعدون لقيادة التيار الإصلاحي داخل النداء"، موقع المغرب، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2Czc9H1

ارتفع عدد التنسيقيات الجهوية التي عبرت عن رفضها لقرار تجميد رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، والمطالبة بمغادرة حافظ قائد السبسي، المدير التنفيذي للحزب. في المقابل، لم تنشر أية تنسيقية من ضمن قرابة 28 تنسيقية للنداء أي مساندة مثلما جرت العادة لقرارات حافظ قائد السبسي. رافضين قرار تجميد عضوية رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وداعين إلى العدول عن هذا القرار الذي اعتبروه ارتجاليًّا.

(3)      "انشقاقات تعصف بـ"مشروع تونس" ومرزوق يستجدي قواعده"، عربي 21، 8 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2CZJn3j

(4)      "استقالة 80 قياديًّا من حراك تونس الإرادة.. الناطق الرسمي باسم الحزب يوضح"، الصباح نيوز، 19 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2yX62ZT

(5)      "خلافات داخلية ومواجهات خارجية.. الجبهة الشعبية أمام تحدي التغيير"، موقع الشروق، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2Je23wD

(6)      "الرأي الجديد" تنفرد بنشر رسالة لطفي زيتون إلى رئيسه راشد الغنوشي.. وقعت عليها قيادات بارزة"، موقع الرأي الجديد، 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2NZouGO

وانظر أيضًا: الفرجاني، سيد: "زوجة يوسف الشاهد طلبت من قيادات في النهضة الكف عن معارضة زوجها"، موقع نسمة، 28 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2CYhxVp

(7)      "وزير الدفاع: "السياسيون سيُحاسبهم الشعب يومًا ما" (فيديو)"، موقع شمس، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://goo.gl/XkQgta

(8)      سعيدان، عز الدين، "من العاجل إقرار مخطط إصلاح هيكلي للاقتصاد"، الصباح نيوز، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018): https://bit.ly/2R8tGdf

(9)      "المعهد الوطني للإحصاء: نسبة البطالة في تونس 15.4 بالمائة"، موقع الشروق، 16 أغسطس/آب 2018، (تاريخ الدخول: 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018)https://bit.ly/2yVEYdy

(10)    "اتحاد الشغل: 24 أكتوبر إضراب في القطاع العام و22 نوفمبر إضراب في الوظيفة العمومية"، الصباح نيوز، 20 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2pqGU9x

(11)    "محسن مرزوق: الانصهار مع نداء تونس "باب وسكرناه"، الصباح نيوز، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2PLOTcJ

(12)    "محسن مرزوق الأمين العام لحركة مشروع تونس لـ"المغرب": النداء الحالي لا أعرفه.. ولن نستجيب لدعوة الالتحاق به"، موقع المغرب، 19 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2PjjmBT

سيكون الإنجاز، حسب مرزوق، بين 30 أكتوبر/تشرين الأول والأسبوع الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2018، أما المشاورات فشملت الشاهد وحزب المبادرة وكتلة الائتلاف الوطني.

(13)    "مصطفى بن أحمد لـ"الشروق": 20 نائبًا من نداء تونس سينضمون قريبًا إلى كتلة الائتلاف"، موقع الشروق، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 19 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2NZg9mq

(14)    "سيد الفرجاني: زوجة يوسف الشاهد طلبت من قيادات في النهضة الكف عن معارضة زوجها"، مرجع سابق. 

(15)    "بوجمعة الرميلي لـ"الصباح نيوز": النهضة "انفصلت وتنصلت".. النداء ضعف ولم "يمت" وهذا فحوى لقائي بقايد السبسي"، الصباح نيوز، 5 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2R8tGdf

(16)    "عبيد البريكي يُحذر: اغتيال سياسي جديد وارد في الفترة القادمة"، الصباح نيوز، 8 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2Ph70dD

(17)    محمد بن سالم: الاغتيالات واردة في تونس بسبب نشاط المخابرات الأجنبية"، موقع الشارع المغاربي، 3 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2RaIZSQ

(18)    "يوسف الشاهد: احترام الآجال الدستورية للانتخابات مسألة مقدسة"، موقع قرطاج نيوز، 14 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://goo.gl/aGQmY2

(19)   "خاص: الجنرال رشيد عمار يوجه رسالة للشعب التونسي: أحسنوا الاختيار سياسيًّا"، موقع ديوان، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018، (تاريخ الدخول: 20 أكتوبر/تشرين الأول 2018):https://bit.ly/2CC4VCr