آفاق النزاع النفطي السعودي-الكويتي على المنطقة المحايدة

قد تحسب السعودية أن وقف الإنتاج في المنطقة المحايدة يكبد الكويت كلفة لا يستطيع تحملها وسيضطر إلى التنازل لها عن ملكيته مقابل الاشتراك في مداخيل استغلاله.
c3bb763147ba4ca69d5a8ac2484c9a29_18.jpg
محمد بن سلمان يفشل في إقناع الكويت بمطالبه في المنطقة المحايدة (رويترز)

توقف الإنتاج في الحقول النفطية المشتركة الواقعة في المنطقة المحايدة (المقسومة) بين الكويت والسعودية نتيجة عوامل بيئية تارة وإدارية تارة أخرى. لكن هنالك عوامل أخرى خاصة في حقل الخفجي دعت السعودية إلى غلقه. كما حدثت تطورات جديدة تؤثر بشدة على هذه الحقول في مقدمتها السياسة الاقتصادية السعودية والموقف الكويتي من الأزمة الخليجية والضغوط الأميركية. 

النزاع على الملكية 

تعود جذور الصراع السعودي-الكويتي على المنطقة المحايدة (المقسومة) إلى بداية العشرينات من القرن المنصرم، ولم تستطع الاتفاقات بين الطرفين معالجته سواء تعلق الأمر بالسيادة أم بتقاسم وإدارة الثروات الطبيعية.

بعد زوال الدولة العثمانية، حدث نزاع مسلح في عام 1920 بين الكويت ونجد حول الحدود بينهما. انتهت هذه الحرب بعقد اتفاقية العقير في عام 1922 التي لا تزال تعتبر وثيقة أساسية للحدود بين الطرفين. وبموجبها، أُحدثت منطقة محايدة مساحتها 5.7 آلاف كيلو متر مربع أي ما يعادل 32% من مساحة الكويت الحالية و0.2% من مساحة السعودية الحال (1).

يتقاسم الطرفان السيادة على المنطقة وكذلك جميع الموارد الطبيعية الموجودة فيها لكن هذه المعاهدة لم تعالج التوترات بين البلدين؛ فقد فرضت السعودية حصارًا على الكويت استمر عدة سنوات غايته التأثير على الكويت في سبيل الحصول على مكاسب أخرى في المنطقة.

وفي عام 1965، عقد الطرفان اتفاقية أقرَّت مبدأين: 

أ- المبدأ الأول جديد، وهو تقسيم المنطقة إلى قسمين متساويين: القسم الشمالي تابع لسيادة الكويت والقسم الجنوبي تابع لسيادة السعودية. 

ب- المبدأ الثاني قديم، وهو الاستمرار بتطبيق بنود معاهدة العقير المتعلقة بالملكية المشتركة للثروات الطبيعية بما فيها الحقول النفطية والغازية سواء كانت برية أم بحرية ولغاية ستة أميال بحرية. وهذا هو الوضع القانوني الحالي للمنطقة.

الصراع الحالي بين البلدين سياسي واقتصادي في آن واحد. يتمثل الجانب السياسي في أن معاهدة العقير ومعاهدة عام 1965 والترتيبات الحدودية الأخرى لم تعالج جوهر المشكلة وهو مطالبة كل طرف بكامل المنطقة. أما الجانب الاقتصادي فيرتبط بالخلافات الحادة حول إدارة الحقول النفطية وكيفية استغلالها.

بسبب قوتها العسكرية وقدرتها الاقتصادية والمالية وتأثيرها الخليجي وعلاقاتها الدولية، تحاول السعودية تطبيق نفس الترتيبات التي اتبعتها في منطقة فشت أبوسعفة؛ ففي عام 1958، عقدت الرياض والمنامة اتفاقًا (2) يقضي بتنازل البحرين عن سيادتها على هذه المنطقة مقابل موافقة السعودية على تقاسم الإيرادات النفطية الصافية لحقل أبوسعفة.

إن غلق جميع الحقول النفطية البرية والبحرية المشتركة في الوقت الحاضر ناجم عن قرارات سعودية مباشرة أو غير مباشرة. ستتطور هذه السياسة لتحقيق نفس الهدف الذي سعت إليه الحرب بين 1920 و1922 وكذلك الحصار بين 1923 و1937، أي التنازل عن السيادة مقابل حصول الكويت على إيرادات تحددها اتفاقات مماثلة لاتفاق أبوسعفة.

تستوجب جميع النصوص القانونية التي تحكم الملكية المشتركة موافقة -أو على الأقل إعلام- الأطراف المعنية بجميع التصرفات المتعلقة بالاستغلال والإدارة لكن السعودية أغلقت أو دفعت إلى غلق الحقول النفطية المشتركة مع الكويت.

مناطق النزاع وتكاليفه

يمثِّل نفط المنطقة المحايدة أهمية كبرى للكويت مقارنة بالسعودية وذلك من الزاويتين الإنتاجية والمالية. ويبلغ الإنتاج النفطي الكلي لهذه المنطقة 550 ألف ب/ي يوزع مناصفة على الطرفين.

تُنتج الكويت من جميع حقولها 2.8 مليون ب/ي، بمعنى أن حصتها من نفط المنطقة تعادل 9.8% من إنتاجها الكلي في حين تنتج السعودية من جميع حقولها 10.7 مليون ب/ي، أي لا تعادل حصتها سوى 2.5% من إنتاجها الكلي.

ومن حيث المكانة المالية لحصيلة حصة كل منهما، وعلى افتراض أن سعر برميل النفط خمسون دولارًا، تصبح العوائد الكويتية من المنطقة 5018 مليون دولار في السنة أي 9.9% من الإيرادات العامة لميزانية الدولة، وهي نسبة لا يستهان بها خاصة تحت وطأة الظروف المالية الحالية، في حين لا تعادل العوائد السعودية من هذه المنطقة (نفس المبلغ) سوى 2.6% من إيراداتها العامة.

كما يغطي حجم العوائد الكويتية من هذه المنطقة 23.7% من عجز الميزانية العامة في حين لا يشكِّل حجم العوائد السعودية منها سوى 8.1% من عجز الميزانية العامة (3).

من هذا الجانب، يحمل الكويت خسارة مالية أكبر بكثير من الخسائر التي تتحملها السعودية جرَّاء توقف الإنتاج.

1- الانسحاب من حقل الوفرة

يبلغ احتياطي هذا الحقل 3.4 مليارات برميل وبدأ إنتاجه في عام 1954 بطاقة قدرها 220 ألف ب/ي (4). وكان يدار بصورة مشتركة من قبل الشركة الكويتية لنفط الخليج وشركة شيفرون.

من الناحية الرسمية، قررت السعودية والكويت في اجتماع مشترك، في مايو/أيار 2015، غلقه لإجراء عمليات الصيانة لمدة أسبوعين لكنه لم يعد إلى العمل لحد الآن.

في عام 2009، اتخذت السعودية بمفردها قرارًا بتجديد عقد شيفرون العاملة في الوفرة لمدة ثلاثين عامًا، أي لغاية 2039، وذلك دون استشارة الجانب الكويتي (5). حسب تفسير الكويت، يمس هذا التصرف سيادة الدولة على أراضيها؛ لذلك امتنعت عن إصدار تصاريح العمل لموظفي الشركة وعن منح رخص لاستيراد المواد والمعدات اللازمة؛ الأمر الذي يعني الاستغناء عن خدماتها. تذمر السعوديون من هذه الإجراءات التي يعتبرونها غير مشروعة لأن بتقديرهم لا يجوز تطبيق القوانين الكويتية على حقل الوفرة المشترك.

والواقع، لا يتناسب الموقف السعودي مع اتفاقية 1965 التي تنص على ما يلي: "يمارس كل من الطرفين المتعاقدين حقوق الإدارة والتشريع والدفاع على ذلك الجزء من المنطقة المقسومة الذي يضم إلى إقليمه تمامًا كما يمارسه على إقليمه الأصلي..."(6)

النص واضح؛ للكويت تطبيق قوانينه وتعليماته الإدارية على حقل الوفرة الواقع في النصف الشمالي للمنطقة التابع له من حيث السيادة. وهكذا انسحبت شيفرون وتوقف الإنتاج.

2- تحويل إنتاج حقل الدرة

حقل غازي ونفطي بحري متنازع عليه من قبل السعودية والكويت وإيران. يحتوي على 200 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي و310 ملايين برميل من النفط.

حسب الاتفاق السعودي-الكويتي، يتعين أن يحصل كل طرف على حصته من الحقل مباشرة لكن السعودية تصر على تحويل الإنتاج إلى الخفجي ومنها يحصل الكويت على حصته. بسبب عدم موافقة الكويت على هذا التصرف، توقفت أشغال التطوير منذ عام 2013 وأوقفت السعودية الإنتاج في عام 2014.

3- هجرة النفط من حقل الخفجي

حقل بحري كويتي-سعودي يحتوي على 6.3 مليارات برميل وتبلغ طاقته الإنتاجية 300 ألف ب/ي (7). تتولى استغلاله شيفرون والشركة الكويتية لنفط الخليج. 

حسب التصريحات الرسمية، أقدمت السعودية على غلق الحقل، في أكتوبر/تشرين الأول 2014، نتيجة مشاكل ترتبط بمعدات الإنتاج من جهة وبعوامل بيئية من جهة أخرى؛ إذ تنبعث عن عملية الاستخراج غازات ضارة تتجاوز الحد المسموح به.

والواقع أن هناك عدة أسباب أدت إلى هذا الغلق أهمها هجرة نفط هذا الحقل المشترك إلى حقل السفانية السعودي. وتتراوح كمية النفط المنتقلة بين 50 ألف و80 ألف ب/ي (8).

ويقترح ديوان المحاسبة الكويتي تشكيل لجنة مشتركة لتقصي الحقائق ووضع الحلول الممكنة. ويرى الكويتيون ضرورة حفر 240 بئرًا في محيط السفانية لإيقاف هذا النزيف (9).

أما السعودية، فلا توافق على إنشاء هذه الآبار لأنها لا تعترف أساسًا بهجرة الخام من الخفجي إلى السفانية، ولا غرابة في أن نجد من يرى العكس تمامًا (10).

وعلى هذا الأساس، وسواء كانت الهجرة بهذا الاتجاه أو ذاك، فإن قرار التوقف عن الإنتاج يصب في صالح السعودية ويضر بالكويت. لذلك، يحاول الكويتيون بذل الجهود في سبيل الحصول على التعويضات عن هذا الضرر الفادح. وفي هذا السياق، يحتاجون إلى الاعتبارات التالية: 

- النقطة الأولى: إثبات الهجرة من الخفجي إلى السفانية، ويتم ذلك عن طريق خبراء نفطيين وجيولوجيين. لابد من إثبات أن منطقة السفانية ذات ضغط منخفض في حين أن منطقة الخفجي ذات ضغط مرتفع. ومن المعلوم، أن الإنتاج الهائل لحقل السفانية (1.2 مليون ب/ي) يولِّد ضغطًا منخفضًا فيه. كما أن توقف حقل الخفجي عن الإنتاج يرفع الضغط فيه.

وينبغي وجود ممرات بين الحقلين، وهذا أمر سهل ومعروف لأن حقل الخفجي من وجهة نظر السعودية امتداد طبيعي لحقل السفانية.

- النقطة الثانية: وجود الضرر. من الزاوية القانونية الضرر هو الذي يحدد المسؤولية وما يترتب عليها من تعويضات. وهذا مرتبط بالنقطة السابقة من جهة وبتوقف الإنتاج في الخفجي واستمرار الإنتاج في السفانية من جهة أخرى.

يحقق غلق حقل الخفجي إذن مكسبًا للسعودية يتمثَّل في إمكانية زيادة إنتاج حقل السفانية في حين أن ضرر الكويت مزدوج: التوقف عن الإنتاج والهجرة.

- النقطة الثالثة: تحديد حجم الخام المتسرب من الخفجي إلى السفانية على وجه الدقة، وهذه عملية تفترض تعاون الطرفين، كما ينبغي وضع فترة زمنية لهذه الهجرة. وقد سبق لديون المحاسبة الكويتي أن قدَّر حجم الخام المنتقل بنحو 502 مليون برميل خلال الفترة بين بداية عام 1960 وبداية عام 2009 (11). ولكن يتعين على الديوان أن يبيِّن الطريقة التي اعتمد عليها للوصول إلى هذا الرقم، وعليه أيضًا تحديث المعلومة.

- النقطة الرابعة: تحديد قيمة البرميل المهاجر.

- النقطة الخامسة والأخيرة: الحساب؛ فبناء على ما تقدم، يصبح مبلغ الضرر السنوي حاصل ضرب ما يلي: عدد البراميل المتسربة يوميًّا مضروبًا بعدد أيام السنة مضروبًا بعدد السنوات مضروبًا بمعدل قيمة البرميل الواحد.

قدَّر الكويتيون خسارتهم بمبلغ 6.1 مليارات دولار للفترة بين نهاية 2014 ونهاية 2016 (12)، لكن هذه الخسارة ترتبط بتوقف الإنتاج وليس بالهجرة.

لابد من إعداد تقرير مفصل ودقيق عن الأضرار الناجمة عن الهجرة. عندئذ تصبح المفاوضات بين الطرفين ضرورية ومبنية على أسس علمية، لكن نجاح هذه المفاوضات ضعيف بل لا أمل حتى في قبولها من الطرف السعودي. وهكذا، يحق للكويت رفع شكوى أمام المحافل الدولية.

العوامل المؤثرة على إنتاج المنطقة

عدة مؤثرات اقتصادية وسياسية تدعو السعودية إلى استئناف الإنتاج تارة وإلى الإبقاء على الحقول مغلقة تارة أخرى، والغلبة بتقديرها للخيار الثاني.

1- أسعار النفط

بسبب عجز ميزانية الدولة، قررت السعودية خصخصة 5% من أسهم أرامكو لكنها تراجعت عن ذلك مؤخرًا وإن ظلت حاجتها للأموال كما هي، ثم عاد ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، ووعد بإتمام العملية مستقبلًا. تحاول الرياض الحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال من هذه العملية عن طريق تحسين قيمة الشركة في أسواق المال العالمية.

وفق تقديرات أحد كبار المسؤولين السعوديين، تصل قيمة أرامكو إلى تريليوني دولار. يُتوقع إذن الحصول على مئة مليار دولار من الخصخصة (13). ومن المعلوم أن قيم الشركات النفطية تعتمد على عدة عوامل في مقدمتها أسعار النفط. ولما كانت هذه الأسعار تتجه نحو الارتفاع منذ أكثر من عام بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، فضَّلت السعودية التريث في طرح أسهم الشركة في البورصة متوقعة ارتفاع القيمة إلى أكثر من هذا المبلغ.

لذلك، لا يُعقل أن توافق الرياض في هذه المرحلة على عودة الإنتاج إلى المنطقة المقسومة. لا شك في أن هذه العودة تفضي إلى تحسن العوائد النفطية لكن إذا كان من المهم تحقيق زيادة في الإيرادات فإن الأهم في الوقت الحاضر رفع الأسعار أو على الأقل التصدي لهبوطها.

تؤثر عودة الإنتاج إلى المنطقة المقسومة تأثيرًا سلبيًّا على الأسعار فتنخفض قيمة أرامكو. وهذا لا يعني هبوط الإيرادات المتوقعة من الخصخصة فحسب بل كذلك فشل السياسة الاقتصادية التي وضعت قواعدها رؤية المملكة 2030.

ومن زاوية أخرى، فإن زيادة الإنتاج السعودي داخل المنطقة المقسومة وخارجها (بغضِّ النظر عن الزيادة التي يتطلبها تعويض نقص النفط الإيراني بسبب العقوبات الأميركية) يعني عدم احترام الالتزامات داخل أوبك وخارجها. فقد أكد مؤتمر المنظمة المنعقد بالجزائر، في سبتمبر/أيلول 2018، على ضرورة الإبقاء على حجم الإنتاج كما هو دون أية زيادة. كما صرَّح الوزير السعودي في الاجتماع بعدم إقدام السعودية على زيادة الإنتاج لخفض الأسعار. ويرى (14) أن ثمانين دولارًا للبرميل هو السعر المناسب للمنتجين والمستهلكين (سعر مزيج برنت حاليًّا 77 دولارًا). وهنالك توافق حول هذه النقطة مع روسيا. هذه دلالات واضحة على صعوبة عودة الإنتاج إلى المنطقة المقسومة. 

2- الدور الكويتي في الأزمة الخليجية

اتخذ الكويت موقفًا محايدًا من الأزمة الخليجية الحالية الناجمة عن فرض حصار اقتصادي ومقاطعة دبلوماسية ضد قطر من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر. ويسعى الكويت إلى تقريب وجهات النظر في إطار البيت الخليجي. 

لكن السعودية باتت تنظر إلى الموقف الكويتي من زاويتين: الزاوية الأولى تتعلق بجدوى الوساطة الكويتية. لا ترى الرياض في هذا الدور مكسبًا لها بل قد يكون مضرًّا بمصالحها. علمًا بأن دولًا عديدة تجد في التفاوض المباشر الأسلوب الوحيد لمعالجة الأزمة (15). والزاوية الثانية ترتبط بسعي الكويت إلى تقوية علاقاته مع الدوحة. أضف إلى ذلك، تحسين العلاقات الاقتصادية مع تركيا فيما يخص التجارة والاستثمارات البينية. بل هنالك توجه كويتي نحو تخفيف التوتر مع إيران. 

وعلى هذا الأساس، يدخل عدم استئناف الإنتاج النفطي في المنطقة المقسومة في إطار الضغط السعودي على الكويت بهدف إعادة النظر في هذه العلاقات. 

لو كان الكويت ضمن دول الحصار لتنازلت السعودية عن الكثير من شروطها بل لما أقدمت أساسًا على غلق الحقول المشتركة. 

وعند العودة إلى حقل أبوسعفة المشترك، نلاحظ أن السعودية لا تتردد في منح البحرين حصة أكبر من تلك التي تم الاتفاق عليها. كما لا تنوي أرامكو تقليص الإنتاج في هذا الحقل بل بالعكس تمامًا. لم يكن لهذه العلاقة النفطية أن تستمر لولا توافق السياسة البحرينية مع السياسة السعودية. الرياض تطلب بصورة أو بأخرى من الكويت وفي ميدان حقول المنطقة المقسومة أن تتبنى الموقف البحريني.

3- العقوبات ضد إيران

على افتراض فاعلية الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية ضد إيران المتمثلة بحظر الصادرات النفطية، ستتوافق الدول النفطية داخل أوبك وخارجها على تقاسم الحصة الإيرانية. وبالتالي، يُفترض أن يعود الإنتاج إلى المنطقة المقسومة أو إلى بعض حقولها، لكن الرياض تفضل زيادة إنتاج حقولها بدلًا من الحقول المشتركة مع الكويت؛ إذ تبلغ القدرة الإنتاجية السعودية 12 مليون ب/ي. أي إنها تستطيع بسهولة رفع إنتاجها بواقع مليون ب/ي على الأقل دون الاعتماد على نفط المنطقة المقسومة. علمًا بأن فاعلية العقوبات الأميركية ضد إيران غير أكيدة لأسباب عديدة. لذلك، تتريث السعودية في زيادة إنتاجها. وبالتالي، ومن باب أولى لا توافق بسهولة على عودة الإنتاج إلى هذه المنطقة.

4- ضغوط الولايات المتحدة

دعت الإدارة الأميركية السعودية عدة مرات إلى زيادة إنتاجها النفطي لتخفيض الأسعار لكن هذه الدعوات المصحوبة بالتهديد تارة وبالتذكير بالجميل تارة أخرى لم تجد استجابة لها. تطلب الإدارة الأميركية من السعودية إحياء سياستها القديمة المتمثلة بالمنتج المرجح لكن المشاكل المالية التي ظهرت في ميزانيتها أدت إلى التخلي عن هذا الدور. أصبحت السياسة النفطية السعودية مبنية على أساس مصالح البلد بالدرجة الأولى.

أدى ارتفاع أسعار الخام إلى التأثير سلبيًّا على الميزان التجاري السلعي الأميركي الذي يعاني من عجز مزمن منذ عدة عقود. لكن السعودية تتصدر قائمة الدول المستوردة لمعدات عسكرية ومدنية أميركية، وهذا يعوض ذلك.

أضف إلى ذلك، أن السعودية في حالة حرب في اليمن. وهذه تمثِّل محاولة لتقويض النفوذ الإيراني في المنطقة العربية. لابد إذن من رفع أسعار النفط لتغطية الأعباء المالية الحربية. يدخل التريث السعودي في عودة الإنتاج إلى المنطقة المقسومة في إطار هذه السياسة. والإدارة الأميركية تتفهم جيدًا علاقة الحرب بأسعار النفط لذلك لم تقدم على أي إجراء عملي يضر بالمصالح السعودية.

الخطوة الأخيرة

لم يعد ممكنًا الاستمرار بالشراكة التي أصبحت مضرة للطرفين السعودي والكويتي. يتعين إذن إيجاد الصيغة الملائمة لإنهائها.

لقد أحرزت اتفاقية 1965 تقدمًا كبيرًا في تعديل اتفاقية العقير؛ فبات القسم الشمالي للمنطقة تابعًا للسيادة الكويتية والقسم الجنوبي منها للسيادة السعودية. ينبغي الآن الانتقال إلى الخطوة الثانية المنطقية وهي ضم الحقول الواقعة في كل قسم إلى الدولة صاحبة السيادة عليه.

يتساوى نفط المنطقة في الجودة تقريبًا؛ إنها من النوع المتوسط من حيث درجة كثافتها ومحتواها الكبريتي. أما الاختلافات فتتمثل في حجم الاحتياطي من جهة وتكلفة الإنتاج من جهة أخرى. تكلفة البرميل في حقل الخفجي تعادل أربعة أضعاف تكلفة البرميل في حقل الوفرة. لكن هذه الاختلافات يسهل حلها مقارنة بالأزمة الحالية التي امتزجت فيها المصالح الاقتصادية بالمشاكل السياسية والتأثيرات الخارجية. الانفصال هو الحل الأمثل لنزاع يتعقد بمرور الزمن.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*صباح نعوش- باحث اقتصادي.

نبذة عن الكاتب

مراجع

1- "اتفاقية بين دولة الكويت والمملكة العربية السعودية في شأن تقسيم المنطقة المحايدة"، 7 يوليو/تموز 1965، الديباجة والمادتان الثانية والسابعة.

2- "إن تقاسم الإيراد النفطي بين الحكومتين لا يمس ما للحكومة العربية السعودية من حق السيادة والإدارة على هذه المنطقة المذكورة أعلاه". اتفاقية فشت أبوسعفة لعام 1958، المادة الثانية.

3- أجرينا هذه الحسابات اعتمادًا على إيرادات ونفقات الميزانية العامة للبلدين، وأما الرقم المفترض لسعر البرميل فهو معتمد في ميزانية الكويت للعام الجاري 2018-2019.

4- مغربي، أحمد، "رصد ميزانية أولية للتشغيل ومشاريع رأسمالية ضخمة"، الأنباء الكويتية، 16 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2Jw0Jpe

5- "المنطقة السعودية الكويتية المحايدة"، المعرفة، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

 https://bit.ly/2Sq721o 

6- اتفاقية 1965، مرجع سابق، المادة الثالثة.

7- مغربي، "رصد ميزانية أولية للتشغيل ومشاريع رأسمالية ضخمة"، مرجع سابق.

8- الخالدي، خالد، "هجرة نحو 80 ألف برميل يوميًا من حقل الخفجي إلى السفانية"، الجريدة، 9 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2P0z3yI

9- "الشركة الكويتية لنفط الخليج"، جمعية الشفافية الكويتية، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

 https://bit.ly/2ET1KsI

10- Henni; Abdelghani, “New Terms To Govern Al-Khafji Joint Saudi-Kuwait Oil Field”, Hartenergy, 16 August 2018 (visited: 30 October 2018):

 https://bit.ly/2OztLW2

11- "تقرير ديوان المحاسبة: 502 مليون برميل هجرت نفط الخليج في منطقة العمليات المشتركة"، موقع العاملين بالقطاع النفطي، 24 يوليو/تموز 2011، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2yK0fHC

12- مغربي، "رصد ميزانية أولية للتشغيل ومشاريع رأسمالية ضخمة"، مرجع سابق.

13- نعوش، صباح، "تعثر خصخصة أرامكو: ما المشكلة؟"، البيت الخليجي، 26 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2EUq2m2

14- "اجتماع أوبك-خارج أوبك بالجزائر، تجديد التأكيد على ارادة ضمان استقرار سوق النفط"، الوسط، 24 سبتمبر/أيلول 2018، (تاريخ الدخول: 30 أكتوبر/تشرين الأول 2018):

https://bit.ly/2OiVwl8

15- راجع موقف كل من الولايات المتحدة والصين وكندا وكوريا من شكوى قطر ضد الإمارات أمام منظمة التجارة العالمية.