
لا تلوح في أفق العام الجديد (2009) بادرة توحي بأنه يمكن أن يشكل خطوة إلى الأمام عربيا، لذلك فإن السؤال الذي يلح حقا هو إلى أي مدى يمكن أن يصل التراجع إلى الوراء في ذلك العام؟
تهديدات اقتصادية
إن تهديدات عدة تضغط على عالمنا العربي على الصعيدين الاقتصادي والسياسي. والاقتصادي أمر مفهوم إلى حد كبير والتهديد فيه ناشئ بالدرجة الأولى عن الأزمة الاقتصادية العالمية التي تراجعت في ظلها أسعار النفط، الأمر الذي لا يشك في تأثيرها على النمو الاقتصادي.
وهو ما ستتعرض له كل دول الخليج بدرجات متفاوتة، تبلغ ذروتها في إمارة دبي التي قطعت شوطا بعيدا في الإعمار والتنمية الاقتصادية دون أن يتوفر لها مصدر ثابت للتمويل، في حين أن بقية دول الخليج لديها مخزونات النفط والغاز يجعل تأثرها بانخفاض الأسعار العالمية أقل.
وبصورة عامة فإن الدول النفطية ستكون مطالبة بتأجيل خططها التنموية وإن أثر ذلك على أوضاعها الاقتصادية، إلا أنه لا يبدو أن ذلك التأخير سوف يؤثر على الاستقرار السياسي والاجتماعي. وتستثنى من ذلك دول الخليج التي ستمر بحالة من الانكماش النسبي بسبب تدني أسعار النفط الذي قد يضطرها إلى الاستغناء عن بعض العمالة الأجنبية جراء ذلك.
وحسب تقدير صحيفة فايننشال تايمز يوم 23 ديسمبر فإن ثمة ما يقارب 3 ملايين عامل آسيوي في دولة الإمارات العربية المتحدة (من الهند وبنغلاديش وباكستان) وهؤلاء مهددون بخفض رواتبهم، كما أن بعضا منهم معرض للترحيل مع التعويض بسبب تأجيل أو إلغاء مشروعات البناء الكبيرة، الأمر الذي يمكن أن يكون له تأثيره السلبي على اقتصاديات البلدان التي ينتمون إليها.
وإذا جاز لنا أن نقول أن الدول الخليجية لن تتأثر بشكل فادح نتيجة الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار النفط، فإن بقية دول العالم العربي لن تسلم من تأثيرات تتفاوت في حدتها، فضلا عن أنها يمكن أن تؤثر على الاستقرار السياسي في تلك الدول.
إذا جاز لنا أن نقول أن الدول الخليجية لن تتأثر بشكل فادح نتيجة الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار النفط، فإن بقية دول العالم العربي لن تسلم من تأثيرات تتفاوت في حدتها، فضلا عن أنها يمكن أن تؤثر على الاستقرار السياسي في تلك الدول |
لذلك لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن أزمة دول الخليج ستكون اقتصادية أولا، في حين أن أزمات بقية أنحاء العالم العربي ستكون سياسية أولا. وذلك لا يلغي دور الأزمة الاقتصادية التي لن ينجو منها أحد، ولكن تداعيات هذه الأزمة مرشحة لأن تنعكس على الأوضاع السياسية.
وإذا أردنا أن نرسم الخطوط العريضة للواقع العربي المنتظر في السنة الجديدة فسنجد أن عدم الاستقرار واحتمالات العواصف القوية يطلان من أي تحليل للمستقبل العربي المنظور. وفي تفصيل ذلك سنجد ما يلي:
تلوح في الأفق بوادر قوية لتعميق الانقسام بين دوله، خصوصا محور (القاهرة – الرياض- سوريا) الذي كان في كثير من الحالات عنصرا مهما في التوافق حول مختلف القضايا، وعلى رأسها قضية فلسطين. وقد أصبح الموقف من المقاومة هو محور الانقسام في الوقت الراهن، الذي يعبر في جانب منه عن الموقف من السياسة الأمريكية في المنطقة، وذلك أن الدول التي تؤيد التسوية السياسية والتي تحتفظ بعلاقة طيبة مع الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تقف في جانب، في حين أن الدول المؤيدة للمقاومة والممانعة للهيمنة الأمريكية يقف في جانب آخر.
وقد استثمرت السياسة الأمريكية والإسرائيلية هذا الخلاف، فاعتبرت الأولى " معتدلين" وصنفت الآخرين" متطرفين". وكان ذلك الانقسام قد ظهر بوضوح أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي في دمشق في يوليو 2008 الذي تغيب عنه الرئيس المصري وملك السعودية والأردن، ثم ألقى بظلاله على مؤتمر القمة الاستثنائي الذي دعت إليه قطر بعد مذبحة غزة، حيث رفضت مصر والسعودية عقده في الدوحة بمظنة أن قطر منفتحة على الطرف الآخر (معسكر الممانعة)، ولا يستبعد أن يكون للانقسام صداه في القمة الاقتصادية التي يفترض أن تعقد في الكويت في شهر يناير 2009.
وهذا الانقسام أضعف كثيرا الموقف من القضية الفلسطينية، لأنه كرس الانقسام في الساحة الفلسطينية خصوصا بين حركتي فتح وحماس. ولأنه كان انقساما بين دعاة التفاوض وأنصار المقاومة، ولأن دولتين كبيرتين(مصر والسعودية) أيدتا دعاة التفاوض فإن ذلك قد أفرز نتيجتين.
أولاهما أن إسرائيل استمرأت لعبة المفاوضات التي يمكن أن تستمر سنينا دون أن تحقق أية نتيجة، في حين تواصل من جانبها تغيير الحقائق على الأرض بما يحقق مخططات التهويد والتوسع والاستيطاني الذي تسعى إليه.
والنتيجة الثانية أن إسرائيل أصبحت أكثر شراسة في مواجهة قوى المقاومة، حيث اعتبرت أن لها "حلفاء" من الجانب العربي يريدون " السلام"، والمقاومون يشكلون عقبة أمام تحقيق ذلك الهدف.
حدث ذلك في وقت تراجعت فيه القضية الفلسطينية التي لم تعد قضية العرب "المركزية"، كما كان يقال. وذلك راجع بالدرجة الأولى إلى تعاظم الدور الأميركي في العالم العربي، وكان التوافق على تسليم ملف القضية إلى الولايات المتحدة في مؤتمر أنابوليس، و"الرعاية" الأميركية لمختلف صور التفاوض من دلائل ذلك التراجع. يلي ذلك في الأهمية عنصر هام تمثل في تنامي النزعات القطرية في العالم العربي، التي كان شعارها الأساس هو "نحن أولا ولا شأن لنا بغيرنا".
ونتيجة لذلك رفعت أنظمة عربية يدها عن القضية، ووجدت في الخلاف بين حركتي فتح وحماس ذريعة للادعاء بأن انقسام الفلسطينيين هو الذي يعطل التقدم في حلها. في حين أن ذلك الانقسام ما كان له أن يستمر ويتعمق لولا الانقسام العربي حول الموقف في التفاوض وما سمي بالحلول السلمية.
هذه الأجواء أصابت الجامعة العربية بالشلل، الأمر الذي جعلها عاجزة عن القيام بأي دور في أي مشكلة في الساحة العربية، باعتبار أن المشاكل الأساسية أصبح لها طرفان ومعسكران، ومن ثم أصبحت الجامعة بمثابة عربة يجرها حصانان في اتجاهين متعارضين. لذلك لم يكن مستغربا أن تدعى تركيا لكي تقوم بدور في المصالحة العربية والفلسطينية أيضا، إذا أضفنا إلى ذلك إيران التي لها حضور في الساحة العربية، خصوصا في لبنان والعراق وسوريا وفلسطين.
من المؤشرات التي تلوح قرائتها في أفق العام الجديد أيضا أن إسرائيل مرشحة لأن تتخذ خطوات أبعد في اختراق الساحة العربية |
كما أن إسرائيل نجحت في مد الجسور وعقد التحالفات مع بعض الأنظمة العربية، فإن المشهد بهذه الصورة يقودنا إلى نتيجة عبثية هي أن اللاعبين الأساسيين في المنطقة العربية لم يعودوا عربا.
من المؤشرات التي تلوح قراءتها في أفق العام الجديد أيضا أن إسرائيل مرشحة لأن تتخذ خطوات أبعد في اختراق الساحة العربية. وربما كان من أهم التطورات التي حدثت في هذه الزاوية في العام المنصرم، أنه شهد لأول مرة حضورا للعاهل السعودي الملك عبد الله، مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في المؤتمر الذي عقد في نيويورك في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تحت إسم الحوار بين الديانات.
وذلك الحضور السعودي يمثل تراجعا عن الحذر التقليدي الذي دأبت المملكة إلى انتهاجه في الموضوع الإسرائيلي، حيث كان موقفها الثابت والمعلن يؤكد دائما على أنها ستكون "آخر المطبعين". ورغم أن تقارير تحدثت لاحقا عن لقاءات سعودية إسرائيلية في بعض العواصم الأوروبية، إلا أننا قد لا نفاجأ كثيرا إذا ما تواصلت تلك اللقاءات بأشكال أخرى خلال العام الجديد.
ولا يفوتنا في هذا الصدد أن نلاحظ التقريظ العلني الذي عبر عنه الرئيس الإسرائيلي للمبادرة السعودية لحل القضية الفلسطينية، التي تبنتها في بيروت، وكان ذلك موقفا جديدا في السياسة الإسرائيلية التي رفضت المبادرة ثم دعت بعد ذلك إلى إدخال بعض التعديلات عليها. وقد تحدثت التقارير الصحفية على أن أبو مازن ناقش في زيارته للرياض في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2008 فكرة إجراء التعديلات الإسرائيلية المطلوبة على المبادرة.
بعيدا عن الاقتصاد
هناك ثلاثة عوامل أخرى -غير الأزمة الاقتصادية- ستكون فاعلة بدرجة أو أخرى في العام الجديد، وسيكون لها تأثيرها على المنطقة بأسرها، هي:
- أن ثمة إدارة أميركية جديدة سوف تحل في البيت الأبيض قبل نهاية شهر يناير/ كانون الثاني. ورغم علمنا بأولويات تلك الإدارة المتعلقة بظروف الواقع الأميركي (سواء فيما يخص الأزمة الاقتصادية أو الانسحاب من العراق) إلا أن هذه الإدارة لابد أن يكون لها إسهام في ثلاثة أمور تهمنا بشكل مباشر:
1- موقفها من الصراع العربي الإسرائيلي.
2- نتائج حوارها المباشر الذي وعدت به مع كل من إيران وسوريا.
3- موقفها من الديمقراطية في العالم العربي.
موضوع الملف النووي الإيراني سيظل أهم الشواغل الرئيسية للسياسة الإسرائيلية، التي تدرك أن الوقت بصدده ليس في صالحها، لأنه يوفر لإيران الفرصة في التقدم في مشروعها. لذلك فإنها لم ولن تتوقف عن الضغط لإيقاف الجهد الإيراني بكل السبل |
إن موضوع الملف النووي الإيراني سيظل أهم الشواغل الرئيسية للسياسة الإسرائيلية، التي تدرك أن الوقت بصدده ليس في صالحها، لأنه يوفر لإيران الفرصة في التقدم في مشروعها. لذلك فإنها لم ولن تتوقف عن الضغط لإيقاف الجهد الإيراني بكل السبل، سواء من خلال صفقة سياسية قد يسفر عنها الحوار المفترض بين طهران وواشنطن. أو من خلال ضربة عسكرية لن تكون واشنطن بعيدة عنها. وكل من الخيارين سيكون له تأثيره البالغ وأصداؤه الكبيرة في العالم العربي.
- إن موضوع سلطة حماس في غزة يراد له أن يحسم، لسبب جوهري هو أن استمرارها يؤثر سلبا على فرص أبو مازن في تمرير أي تسوية يتوصل إليها مع الإسرائيليين. ورغم انتهاء ولايته في التاسع من شهر يناير/ كانون الثاني، إلا أن قواعد اللعبة تقتضي أن يستمر في موقعه، لكي يؤدي دوره. علما بأن تمرير التسوية أصبح مطلوبا بشدة من السلطة ومن دول الاعتدال التي أصبح الملف الفلسطيني يشكل مصدرا مستمرا للتنغيص عليها، فضلا عن الإسرائيليين الذين يرون في حالة الوهن العربي الراهنة فرصة لا تعوض لإغلاق الملف الفلسطيني.
ووجود حماس وقوى المقاومة في الساحة الفلسطينية يشكل عقبة تحول دون ذلك. بحيث أصبح التخلص منها مطلوبا بشدة من جانب كل الأطراف المعنية بإتمام التسوية.
إذا خرجنا من التعميم إلى التخصيص واقتربنا أكثر من واقع الأقطار العربية، فسنجد أن حركتها في العام الجديد موزعة على ثلاث دوائر. فهناك دائرة الأقطار المهددة بأخطار داهمة، ودائرة ثانية تقسم أقطارا ستشهد حراكا لا يمثل خطرا وإنما يغير من المعادلات الجارية، وأقطار أخرى لن يمثل الحراك فيها تغييرا وإنما هو إيحاء بالحراك يجمل الثبات.
الفئة الأولى من الأقطار تضم البلدان التالية:
السودان: الذي يواجه ضغوطا من ثلاثة اتجاهات، أولها استدعاء الرئيس عمر حسن البشير للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، وثانيها مشكلة دارفور التي يراد لها أن تهدأ، وثالثها الحليف الجنوبي الذي يتأهب للانفصال.
إذ من الواضح حتى الآن أن إجراءات محاكمة الرئيس البشير تمضي في المسار المراد لها، الأمر الذي إذا تم فإنه سيصبح بداية لتفكيك السودان. وفكرة المحاكمة التي يلوح بها من شأنها أن تضعف موقف الحكومة الراهنة أمام مفاوضيها في دارفور وأمام حلفائها الجنوبيين. والأخيرون يتأهبون لخوض الانتخابات البرلمانية التي يفترض حسب اتفاق نيفاشا أن تجري في الصيف القادم (قبل موسم الأمطار أي في حدود شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان القادمين).
وهذه الانتخابات سيترتب عليها إعادة تشكيل لأساسيات الحكم: رئاسة الدولة رئاسة الحكومة في الشمال والجنوب وحكام الولايات. وهذه التركيبة السياسية التي تسفر عنها الانتخابات يفترض أن تمهد للاستفتاء الذي سيجري في عام 2010 والذي سيحدد مصير الجنوب. وما إذا كانت علاقته بالشمال ستقوم على أساس الانفصال أو الاتفاق ورغم أن أحد لا يستطيع أن يتنبأ بنتائج الاستفتاء قبل سنتين من إجرائه إلا أن الشواهد القائمة الآن إذا استمرت لبعض الوقت فستعني أن الاتجاه إلى الانفصال سيكون مرجحا. خصوصا أن ثمة قوى إقليمية ودولية تدفع إلى ذلك الاتجاه الذي يفضي إلى تقسيم السودان وتمزيق وحدته.
العراق: في ظل الاحتلال بات العراق مرشحا بقوة للتفكيك. وإذا ما كان الأكراد قد أقاموا وضعا في الشمال رشح المنطق الكردية للانفصال الذي بات أمرا واقعا الآن لا ينقصه إلا التقنين الدستور، إلا أن تفكيك بقية العراق يدخل مرحلة أخرى في العام الجديد، إزاء التوسع في فكرة الأقاليم والفيدرالية. ففي شهر يناير/ كانون الثاني يفترض أن تجري الانتخابات المحلية التي ستحدد خريطة النفوذ الذي تتمتع به القوى السياسية بما يحدد حدود سيطرة كل فصيل.
وفي نهاية العام ستجري الانتخابات التشريعية التي ستحدد حجم كل فصيل في خرائط وقوته ومدى تأثيره على القرار السياسي. صحيح أن ثمة خلافات في داخل القوى المهيمنة في المنطقة الكردية بين جماعة البرزاني الذي يستمد قوته من العشائر وجماعة الطالباني التي تتواجد نسبة عالية من المثقفين بين صفوفها وثمة خلافات أخرى داخل جبهة التوافق وبين حزب الفضيلة والمجلس الأعلى والتيار الصدري.
إلا أن هذه الخلافات تدخل في إطار التناقضات التي يمكن تسويتها، حين يبرز في الأفق التناقض الرئيسي بين كل من هذه الفئات وبين الدولة. ذلك أن طموح الحكم الذاتي خصوصا في الأقاليم التي تتوفر فيها موارد نفطية صار هاجسا يلح على تلك القوى التي تريد الاقتداء بالأكراد، معتبرة أن الفيدرالية لا ينبغي أن تكون مقصورة على الأكراد وحدهم.
اليمن: يواجه اليمن ثلاث مشكلات منها ما هو سياسي ومنها ما هو وجودي، في إطار ما هو سياسي تبرز مشكلة النظام السياسي وقيادة البلاد المتمسكة ليس فقط باحتكار السلطة وإنما أيضا بتوريثها كما يبدو من الشواهد العديدة التي يتحدث بها الجميع في صنعاء.
ذلك أن هنالك انطباعا قويا بأن دولة اليمن التي خلصتها الثورة من حكم الإمامة وأسرة حميد الدين أصبحت في نهاية المطاف تحت حكم أسرة أخرى احتكر السلطة والثروة. وممارسة ذلك الاحتكار في الناحية العملية أدت إلى استبعاد فكرة المشاركة في الحكم ومن ثم فقدان الأمل في إمكانية تداول السلطة إذا استمرت الأوضاع كما هي الآن.
على جانب احتكار السلطة فهنالك تمرد الحوثيين في صعدة بالشمال الذي تجاوز عمره أربع سنوات أو لم يحسم أمره تماما بسبب الإصرار على معالجة الأمر أمنيا عبر الإخضاع وليس سياسيا من خلال الحوار.
أما المشكلة الوجودية التي برزت خلال العالم الماضي ولا يعرف إلى أي مدى يمكن أن تتفاقم في العام الجديد فتتمثل في وضع الجنوب الذي دخل في وحدة مع الشمال عقب حرب عام 1994م. ذلك أن هناك شعورا عاما بأن سلطة الشمال هيمنت على الجنوب واستأثرت بموارده. مما أدى إلى إقصاء النخبة الجنوبية بشكل تدريجي من مختلف مواقع المسؤولية والإدارة.
وأحدث ذلك احتقانا تزايدت مظاهره ووصل إلى حد انطلاق المظاهرات والاصطدام بالشرطة في عدن. وهذا الاحتقان وصل الآن إلى المطالبة العلنية بإعادة الاستفتاء على الوحدة بين شطري البلاد وتحدث مصادر السلطة في صنعاء عن مسعى آخرين إلى الانقلاب على النظام الجمهوري القائم.
لكن القدر الثابت أن اليمن يدخل العام الجديد وهو يعاني من تمرد في الشمال ودعوة متزايدة إلى الانفصال في الجنوب الأمر الذي يشكل تحديا وجوديا للوضع القائم.
وإذا ما توفرت للانتخابات النيابية التي يفترض إجراؤها في شهر أبريل/نيسان القادم فقد تفرز برلمانا يعبر عن هذه الحالة التي تجعل من اليمن بلدا مقبلا على مرحلة من عدم الاستقرار لا تعرف مآلاتها. ليس فقط بسبب الأوضاع الداخلية ولكن أيضا لأن هناك حديثا قويا عن دور جهة عربية يدفع بالأمور في ذلك الاتجاه.
الصومال: هذا بلد انفرط عقده منذ انهيار الدولة الصومالية في عام 1991 وهو انفراط تمثل أخيرا في استقالة رئيس الجمهورية وقبله رئيس الوزراء الذي عينه. وقد أسهمت في ذلك الانفراط قوى محلية (أمراء الحرب) وقوى إقليمية (إثيوبيا وكينيا) وقوى دولية تمثلت في الولايات المتحدة الأمريكية ومعها إسرائيل؛ وقد أدى إلى تمزيق البلد واحتلاله في العام الماضي بواسطة الإثيوبيين، وإلى ظهور القرصنة التي تهدد الآن بتدويل البحر الأحمر الأمر الذي لا تستفيد منه سوى الولايات المتحدة وإسرائيل. وهذا التدويل مرشح بقوة لكي يكون أحد التطورات المهمة التي تشهدها منطقة القرن الأفريقي في عام 2009.
حراك لا يغير المعادلات
الأقطار التي ستشهد حراكا لا يقدر له أن يغير من المعادلات الجارية هي:
عام 2009 له أهمية في بلورة فكرة خلافة الرئيس مبارك الذي وتنتهي ولايته الخامسة عام 2011، ورغم أن الشائعات ترشح اثنين لخلافة الرئيس الحالي ابنه جمال ورئيس مخابراته عمر سليمان، إلا أننا نستطيع أن نقول أن الاستقرار على أي منهما سيتم هذا العام |
مصر:
تعيش مصر أوضاعا غير مستقرة وظاهر الأمر أن الأزمة الاقتصادية سوف تضغط عليها بشدة، ليس فقط بسبب تراجع الصادرات وتراجع معدلات النمو، ولكن أيضا لأنها ستؤدي إلى حرمان البلد من مصادر مهمة لدخله، فالسياحة مرشحة للتراجع بدرجة عالية، وكذلك دخل قناة السويس التي أثرت عليها عمليات القرصنة في البحر الأحمر إضافة إلى احتمال تراجع تحويلات المصريين العاملين في الخارج بسبب الركود المنتظر في منطقة الخليج بوجه أخص. إذا أضفنا إلى ذلك ازدياد معدلات السخط الشعبي جراء فشل الأداء الحكومي والفساد، الأمر الذي فجر حوالي ثلاثمائة إضراب في العام الماضي.وذلك كله اصطحب تزايدا في القبضة الأمنية وتعددت حالات التعذيب في السجون واستخدام الشرطة للقوة في تعاملها مع المواطنين، وذلك لا يغذي احتمالات التفاؤل بالعام الجديد خصوصا لجهة الاستقرار فيه.
ولا ينسى في هذا السياق إصرار السلطة على إغلاق معبر رفح والمشاركة في حصار قطاع غزة، الأمر الذي شوه صورة السلطة وسحب من رصيدها في أوساط النخبة العربية التي ما برحت تشدد الهجوم على موقف الحكومة بصورة غير مسبوقة.
على صعيد آخر فإن عام 2009 له أهمية في بلورة فكرة خلافة الرئيس مبارك الذي تجاوز الثمانين وتنتهي ولايته الخامسة عام 2011. ورغم أن الشائعات ترشح اثنين لخلافة الرئيس الحالي ابنه جمال ورئيس مخابراته ورجل الملفات المهمة عمر سليمان، إلا أننا نستطيع أن نقول إن الاستقرار على أي منهما سيتم هذا العام. لأن العام الجديد الذي سيشهد انتخابات تشريعية، سيكون عام الحملة الانتخابية التي ستؤدي إلى اختيار الرئيس بين منافسيه في عام 2011.
لبنان: يجري في الأسبوع الأخير من شهر يناير/ كانون الثاني الجولة الرابعة من الحوار الوطني التي تستهدف تحديد إستراتيجية الدفاع الوطني، إلا أن أهم حدث لبناني في العام الجديد هو الانتخابات النيابية التي ستجري في أبريل المقبل، الذي ستسبقه مباشرة في شهر مارس/ آذار بدأ المحاكمة الدولية لقتلة رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري.
وليس يعوزنا إلى أي مدى يمكن أن تؤثر المحاكمة المفترضة على أجواء الانتخابات ونتائجها، لكن القدر الثابت أن تلك الانتخابات ستكون مفصلية في الوضع اللبناني، وستحسم إلى حد كبير التنافس أو الصراع بين قوى 14 و8 آذار. وهذا الحسم من شأنه أن يحدد وجهة لبنان خلال السنوات المقبلة، ما إذا كان سيتجاوب مع الضغوط الأمريكية التي تتبنى أجندتها قوى 14 آذار، أم سينحاز إلى صف الممانعة الذي يمثله تيار 8 آذار.
كما أن هذه الانتخابات ستحدد دور حزب الله ووضع سلاحه وطبيعة علاقته بالسلطة، كما ستحدد الكثير في علاقة لبنان بسوريا. ومعروف أن تسكين الوضع اللبناني أصبح مطلبا لها في حسابات القوى الدولية والإقليمية، خصوصا في ظل المخططات التي تتجه إلى الاشتباك مع إيران بسبب مشروعها النووي. لأن ذلك الاشتباك إذا قدر له أن يتم فينبغي أن تسبقه تهدئة الجبهة اللبنانية السورية.
موريتانيا: ربما كانت البلد الوحيد الذي قد ينتقل وضعه إلى الأفضل سياسيا في العام الجديد، ذلك أنه بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد العام الماضي، و أدى إلى الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ عبد الله، فإن المنتديات الوطنية للديمقراطية توافقت فى نهاية العام الفائت على إنهاء المرحلة الانتقالية في النصف الأول من العام الجديد. على ذلك فإن حكم المجلس العسكري القابض على السلطة الآن يقدر له أن ينتهي قبل نهاية شهر مايو القادم، الأمر الذى يعني أن موريتانيا ستشهد انتخابات رئاسية و برلمانية قبل هذا الموعد.
وفي هذه الحالة فإن الوضع الديمقراطي قد يعود إلى البلاد قبل أن ينتهي العام، إذا تمت الانتخابات بنزاهة و لم يحدث تدخل لصالح الجنرال محمد ولد عبد العزيز، رئيس المجلس العسكري الحاكم، الذي سيرشح نفسه للرئاسة القادمة.
الكويت: تسببت الاستجوابات التي ما برحت تقدمها عناصر المعارضة الكويتية إلى الحكومة في مختلف القضايا في توتير علاقة مجلس الأمن بالحكومة، الأمر الذي عطل أداء الحكومة خلال العام الماضي، وأدى إلى استقالتها في نهاية العام، مما أصاب جهاز الإدارة بالشلل وكان له تأثيره الذي لا ينكر على عملية التنمية في البلد. وكانت نتيجة ذلك أن دولة الكويت دخلت إلى العام الجديد وهو بلا حكومة إذ تعثرت خطوات التشكيل طوال شهر، الأمر الذي يرشح ذلك التوتر في علاقة مجلس الأمة بالسلطة للاستمرار في العام الجديد، بما يفتح الباب لاحتمال حل المجلس وإجراء انتخابات جديدة.
الشريحة الثالثة من الدول العربية التي ستشهد حراكا محدودا، لا يمثل إلا تقدما إلى الأمام. ولا تعتبر له أهميته في الأوضاع الداخلية أو العلاقات الخارجية، تضم الدول التالية:
في المغرب: ستجرى في شهر يونيو/ حزيران انتخابات محلية تتنافس عليها الأحزاب، ليس فقط لتحديد حجم قوتها في الشارع المغربي، ولكن أيضا لإثبات حضورها في "مجلس المستشارين" الذي يمثل الطرف الثاني، لأن القانون ينص على أن يكون ثلاثة أخماس أعضاء المجلس من أعضاء المجالس المحلية.
في الجزائر: ستجرى انتخابات رئاسية (خلال شهر أبريل/ نيسان) يرجح أن يفوز فيها الرئيس الحالي، عبد العزيز بوتفليقة، الذي تم تعديل الدستور خصيصا لكي يسمح له بالترشيح لفترة ثالثة. وما كان لذلك التعديل أن يتم إذا لم تؤيده قيادة الجيش المتحكمة بالقرار السياسي في البلاد. وهذا التأييد المفترض سيكون الضامن لفوز الرئيس بوتفليقة بالمنصب رغم وجود منافسين أقوياء له.
في تونس: ستجرى انتخابات رئاسية وتشريعية خلال نوفمبر/ تشرين الثاني نتيجتها محسومة مسبقا للرئيس بن علي الذي يحكم البلاد منذ العام 1987. حيث لا يسمح لأحد بأن ينافسه على ذلك المنصب، وإن أتيح لبعض المرشحين أن يتقدموا، فإن ذلك يكون عادة من قبيل استيفاء الشكل لا أكثر.
في ليبيا: الفكرة التي طرحت في طرابلس بخصوص إصدار دستور ليست مأخوذة على محمل الجد، لكي تكون ضمن معالم العام الجديد. لأن ذلك المشروع إذا تم إعداده وأجيز في الظروف الراهنة، فإن ذلك لن يغير كثيرا في المشهد السياسي لأنه سيكون في الأغلب من قبيل التجمل لا أكثر.
_______________
كاتب وصحفي
![]() |