نتطلع لتقديم مفهوم جديد عن السياسة للعالم

تطرح الثورة المصرية العديد من الأسئلة ومن بينها: ما علاقة هذه الثورة بالإخوان المسلمين؟ وما موقف الإخوان مما جرى؟ وكيف يتصورون مستقبل مصر؟ وأي مكان لهم في هذا المستقبل? طرح مركز الدراسات هذه الأسئلة وغيرها على نائب المرشد العام للإخوان فكان جوابه
23 July 2011
20117238362253734_2.jpg

حوار: إميل أمين

تعرض الأخوان المسلمون المصريون طوال عقود طويلة لحالة من الحظر بقيت في أغلب الأحيان غير فعالة، ذلك أن قواعد الأخوان المسلمين كانت ولا تزال فاعلة وناشطة في المجتمع المصري ومعترف بها شعبويا وإن أنكرت الحكومات ذلك، وصفتها بـ "الجماعة المحظورة".

في هذا الحوار نقترب من أحد أهم العقول المفكرة لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، الدكتور رشاد البيومي، نائب المرشد العام للجماعة والذي فتح لنا صدره بمودة بالغة رغم ضيق وقته للإجابة عن علامات استفهام تحلق في الآفاق المحلية والدولية عن رؤية الإخوان المسلمين لما جرى ودورهم المستقبلي ضمن مجموع الشعب المصري الذي قرر ألا "ينتظر جودو" وذهب إلى ميدان التحرير ربما ليلتقيه هناك.

والدكتور البيومي بسنوات عمره التي تقترب من الخامسة والسبعين يعد وعن حق شاهدا ومشاركا لحياة الإخوان، وقد تعرض لعسف شديد قضى من جراءه سنوات طوال وراء أقبية السجون حتى أنه يوصف بـ"الصلب الصامت" وله مكانة متميز بين الإخوان سيما وأنه المسؤول عن قطاع الشباب في الجماعة.

الإخوان والموقف من الثورة

بداية هل كنتم تتوقعون حدوث ما جرى يوم الخامس والعشرين يناير/ كانون الثاني على مثل هذا النحو من سرعة وقوع الأحداث على نحو ما آلت إليه؟

رشاد البيومي: هناك أمران في هذا الشأن يتوجب التوقف عندهما، الأول هو أننا نثق في وعد الله سبحانه وتعالى الذي لا يرضى الظلم لعباده على الإطلاق، والأمر الثاني في حقيقة الأمر هو أن ما جرى كان بعيدا إلى حد ما عن فكر أي إنسان في مصر، سيما وان الشخصية المصرية في العقود الأخيرة اتسمت بحالة من اللامبالاة و"الأنامالية"، وكان التصور السائد هو أن الشباب المصري أبعد ما يكون عن الثورة أو الفورة ضد الظلم؟ وعليه فإن المشهد في بداياته يبدو وكأنه متناقض.

لكن مع مرور الوقت تبين أن الشباب المصري كان على خلاف ما حسبنا، ووجدناه ممتلئا غيظا وحقدا وكمدا من جراء المظالم التي يعاني منها الشارع المصري بعمومه، سيما وأنه ما من إنسان إلا وشملته يد الطغيان والظلم ولذلك عندما قامت الثورة تحرك الجميع، كل من بؤرة معينة محتقنة، ظلم، فقر، إهمال، جهل، صحة، وقد كانت جماعة الإخوان المسلمين من أكثر الجماعات معاناة في مجموع الشعب المصري.

في تقديركم هل كانت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني فتحا في تاريخ الإخوان في مصر والاعتراف بها رسميا بعد عقود طوال من وصمها بـ"المحظورة"؟

- المؤكد انه منذ العام 1954 وحتى الآن ونحن في حرب لا هوادة فيها، حتى قبل ذلك التاريخ في الثلاثينات والأربعينات كانت هناك حروب ضد الأخوان، غير أن الحرب الشرسة ضدنا انطلقت مع عبد الناصر، وهناك وثيقة أطرافها عبد الناصر وحسن التهامي والسفيران الأمريكي والبريطاني في مصر ومفادها التخطيط للقضاء على الإخوان وإرسالهم لسجون الواحات، فقد كان عبد الناصر يبغي الإجهاز على الإخوان وإبادتهم، وكان هذا تخيله. غير أنه وبكل قواته وجبروته وإعداماته وسجونه وظلمه لم يستطع أن ينال من عزيمة الإخوان، وكانت النتيجة أن الذين ظلوا على عهدهم من الإخوان وخرجوا من السجن كانوا أكثر مضاء وأكثر قوة وأكثر استعدادا للتضحية. وحينما جاء السادات، بدا للوهلة الأولى مستعدا للتفاهم لكن السلطة دائما لها سطوتها ومغرياتها وجرى ما جرى منه. فيما الرئيس مبارك جاء في البدايات بشكل طيب لكنه انقلب لاحقا على عقبيه وكان أشد ظلما وجبروتا وطغيانا من الآخرين، وها قد آن المولي بنهاية هذا الظلم التاريخي.

التساؤل المهم في الحال والاستقبال ممن يستمد الإخوان المسلمين شرعيتهم؟

- نحن نستمد شرعيتنا حقيقة من الشارع المصري، والشارع خير شاهد على ذلك، وهذا أمر أثبتته التجربة العلمية، فلما أتيحت الفرصة لرجل الشارع أن يقول رأيه في الإخوان في انتخابات عام 2005، وكان الآمر على ثلاث مراحل وفي وقت جرت فيه ضغوط دولية لا سيما من الولايات المتحدة الأمريكية على النظام للسماح بهامش ديمقراطية، كانت النتيجة فوز الإخوان بـ88 مقعدا، وقطع "البلطجية" علينا الطريق إلى المرحلة الثالثة، نحن نستمد شرعيتنا من الشارع ابتداء ومن قلوب الناس.

وخير دليل على صدق ما نقول به ما جرى في الانتخابات المزيفة الأخيرة لأحد الإخوة من الجماعة الذي لم يوفق في الانتخابات بفعل التزوير غير أن شبابا الدائرة قالوا له أنت لم توفق في الانتخابات لكنك نلت كرسي في قلب كل واحد منا، وهذا أمر له معنى ومغزى كبير جدا وليس أمرا يسيرا أن تستشعر مثل هذه المسألة. نحن بفضل الله متواجدون في كل الأوقات ولا نستشعر بغربة أبدا مع رغبات الشارع، بل نستشعر الغربة مع الحكومات صاحبة أدوات القمع وقوات الأمن.

البعض يوجه اتهام للإخوان بأن مشاركتهم كانت ضعيفة في بدايات أيام الثورة وعندما تيقنوا من النصر ازدادت المشاركة لخطف المكاسب.. كيف تردون؟

- هذا كلام غير صحيح على الإطلاق، فمن اليوم الأول سمحنا لشبابنا بالمشاركة في هذه المظاهرات، وعندما اشتد الوطيس وتعامل الأمن مع الشباب، شارك الإخوان على جميع المستويات العمرية والتنظيمية، حتى يوم الأربعاء الشهير بوقعة الجمل إذ كان الإخوان هو الذين تصدوا للبلطجة، ولذلك كثير من الناس وحتى الذين كانوا دائما وأبدا يهاجمون الإخوان شهدوا بهذه الحقيقة. وهناك أصوات قالت الحقيقة بموضوعية مثل الدكتور مصطفى الفقي الذي أشار بقوله "لا يمكننا أن ننكر أن الإخوان هم الذين حموا الثورة ونظموا الحياة الاجتماعية في ميدان التحرير، وأنكروا ذواتهم ولم يعلنوا عن أنفسهم في أي لحظة، الإخوان هم الذين أسسوا المستشفى الميداني في التحرير، وقاموا بأداء الواجب، غير أننا لم نرد في أي لحظة أن نقول ها هم الأخوان أو هذا هو دورهم، لكنه دور شهد به القاصي والداني.

لماذا رفضت في حديثكم مع مجلة دير شبيجل الألمانية أن تصف الثورة الأخيرة بأنها إسلامية؟

- ما من شيء اسمه ثورة إسلامية أو حكومة إسلامية، الثورة كانت ثورة شارك في صنعها كل عناصر الشعب المصري، ولهذا أنا اسميها ثورة مصرية، ثم إنه في الإسلام لا يوجد ما يسمى دولة دينية، ليس لدينا عمائم تحكم لأننا لا يوجد لدينا رجال دين، لا يوجد منطوق لرجال الدين في الإسلام، هناك رجال علم في أي مجال "فأسالوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون"، ليس لدينا ملالي، هذه مسالة لابد أن تكون واضحة في أذهان من لا يعرفها من مواطنينا.

هل لهذا ترون أن النموذج الإيراني غير قابل للتطبيق في مصر؟

- ذاك نموذج مختلف تماما، فهمنا للإسلام مختلف، فهمنا للإسلام ينطلق من الآية الكريمة "وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون"، هنا القبطي له حق علي، المجتمع الإسلامي فيه الكافر والمشرك واليهودي وفيه من ليس له دين، وأنا مطالب بحماية الجميع.

الإخوان والموقف من الجيش والسلطة

هل أنتم راضون عن تسلم المؤسسة العسكرية المصرية مقاليد الأمور؟ وكيف تقيمون الأوضاع الآنية لمصر في ظل مسؤوليتها؟

- القبول بالمؤسسة العسكرية كان البديل للفراغ وكلاهما أمران أحلاهما مر، ولم يكن هناك خيار غير هذا، سيما وأن حسني مبارك لم يكن وحتى أخر لحظة يريد أن يتنحي، فكانت الظروف تحتم وجود أي سلطة تستطيع أن تقوم بهذا العمل في هذه الفترة الانتقالية. لكن أؤكد على أن الشعب أبلغ رسالته للعسكر وهو أنه لن يرضى بحكم عسكري إلى الأبد. بل هي فترة انتقالية يطالب فيها الشعب بكل طوائفه وأركانه بحقوقه الدستورية المشروعة. ولذلك سنشارك كل جمعة في وقفات تذكر بمطالبنا وحقوقنا، وبالأمور التي لم يبت فيها، ولابد أن تتم الاستجابة لمطالب الشعب، وهناك الآن مطالب ملحة موجهة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يتخذ فيها قرار.

هل من أمثلة على نوعية تلك المطالبات؟

- هناك قضية في منتهى الخطورة على سبيل المثال وأشعر أنها مجلبة للعار بالنسبة لكل مصري ومهانة وهي أن يتواني المجتمع والسلطة والجيش وكل إنسان في مصر عن الأحداث الدامية التي جرت، نحن نحاكم العادلي على غسيل أموال حتى ولو كانت مليارات وليست ملايين، لكن أين المحاكمة الحقيقية لدوره في قتل أكثر من 300 شاب وجرح أكثر من خمسة آلاف شاب ومن يتحمل مسؤولية الرصاص الحي الذي كان يوجه لصدور الشباب؟ هل يكفي أن يوضع في السجن أو المعتقل بتهمة غسيل أموال.

ثم من الذي أعطى الأمر للعادلي، أليس حسني مبارك المسؤول عن هذا؟ لا بد أن تكون هذه الأمور لها أولويات تطمئن قلوب الناس، دماء الشهداء يجب ألا تذهب هدرا أو هباء.

هناك أمر أخر، الناس الذين تعرضوا للظلم وتمت محاكمتهم أمام محاكم عسكرية استثنائية دونما ذنب ولا يزالوا في السجون، معتقلين بعشرات الآلاف، هؤلاء لابد من قرارات فورية للإفراج عنهم مما يطمئن الناس من انه ستكون هناك جدية وعهد جديد في التعامل مع مثل هذه القضايا وإلا لما قامت الثورة.

لماذا قطعتم عهدا بأنكم لن تسعون إلى المنافسة على منصب الرئاسة أو الأغلبية البرلمانية القادمة... وهل جاء ذلك كنوع من التطمينات لأطراف أخرى داخلية أو خارجية؟

- منذ أيام عبد الناصر وحتى الساعة هناك فزاعة اسمها الأخوان المسلمين، والأمر لا يتوقف عند حدود مصر فحسب بل وجدنا القذافي في ليبيا على سبيل المثال يتحدث عنها، ومن قبله وجدنا زين العادين بن علي، وكلهم يستخدمون منطوقا ومنهجية واحدة. إذا أزحتم أنظمتنا لن يكون هناك بديل سوى الإخوان المسلمين، ثم انسحب الأمر على الداخل المحلي بنفس الفكرة، وصوروا للناس أن حكم الإخوان يعني إقامة الحدود، وقطع الأيدي والأرجل وصلب الناس، والكلام الذي ليس له أي أصل وبعيد تماما عن أي حقيقة.

البعض الآخر اعتبر أن الإخوان يصطادون في الماء العكر كما يقال، ويحاولون الآن القفز على الثورة كما قيل في عام 1954. وهذا بدوره غير حقيقي سيما وأنني عايشت هذه الفترة وأعلم مقدار الخيانة التي حدثت وقتها من الجيش.

نحن أطلقنا هذه التصريحات حتى نقول للناس إننا لسنا طلاب سلطة، نحن طلاب إصلاح، وسنترك للشارع المصري وللمجتمع المصري أن يقول كلمته، نحن نقول للناس إننا لسنا بصدد التشارع أو التنازع على السلطة إطلاقا، لكن سنترك الباب مفتوحا عندما تحتاجونا في يوم من الأيام وتقولوا لنا نحن نريدكم في هذا المكان أو ذاك سنقول لهم أهلا وسهلا إذا كنتم راضين عن وجودنا.

الإخوان والعلاقة بأمريكا والغرب

أثناء الأزمة تحدث كثيرون عن اتصالات جرت بينكم وبين أطراف أمريكية.. ما حقيقة تلك الاتصالات؟

- نحن لا نخشى في الله لومة لائم، ولو كانت قد جرت آية اتصالات على هذا النحو ما كنا أنكرناها أبدا، والحقيقة بإطلاقها أنه لم يحدث أي اتصال بيننا وبين أي جهة حكومية في العالم كله، لأننا أخذنا على أنفسنا عهدا مع الحكومة السابقة رغم أنها حكومة ظالمة، أننا لن نلتقي أي مسؤول أجنبي إلا بحضور مندوب من وزارة الخارجية المصرية، ولن نكرر أزمة الاتصال مع الإنجليز المعروفة بأزمة ايفانز عام 1954. ورغم أنها كانت تجري تحت سمع وبصر عبد الناصر إلا أنه اتهمنا بأننا كنا نعمل من وراء حكومة الثورة.

لكن في المقابل نقابل الصحافة ووسائل الإعلام أو أي أطياف شعبية بكل ترحاب، ودائما ما نشير إلى أننا نفصل بين الحكومات وبين الشعوب، العلاقة بيننا وبين الشعوب علاقة في إطار الإنسانية أما الحكومات التي تكيل بمكيالين وتدعم إسرائيل ضد الفلسطينيين فلا يمكن أن نتعامل معها أو نثق فيها على الإطلاق.

هناك مشهد مثير رأيناه مؤخرا إذ وجدنا بعض مراكز الدارسات الغربية تضع جماعة الإخوان في حجمها الطبيعي فيما أبواق عربية ذهبت ولا تزال إلى التهويل من آمر الجماعة. ماذا يعني لكم هذا التضاد؟

- للأسف الشديد وأقول للأسف الشديد أن المعسكر الغربي تحكمه عقلانية في كثير من الأحيان ولذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، الكثير منهم تناول الكتب من على الرفوف وقرأ الكثير من الكتب التي تتحدث عن الإسلام وبدأ يقرأ، وأصبح عدد الذين يدخلون الإسلام أضعاف ما كان الوضع سابقا. لكن المجتمع العربي تغيب عنه هذه العقلانية، وبخاصة في ظل تحكم الإعلام في تشكيل منهجيته الفكرية بنسبة تكاد تصل إلى أكثر من 80%، ولذلك وجدنا الإعلام العربي في غالبه أبواقا للظلم والطغيان، وللأسف كلها أبواق تزوير وكذب وبهتان. على سبيل المثال التلفزيون المصري كان يسوق للأكاذيب في حين كانت الناس تقتل على الطرقات، وهذا شان كثير من الدول العربية، التي تسود فيها إشكاليات التهييج العشوائي وتضخيم الأمور وتهويلها وتكرس جل خدمته لخدمة الزعيم الملهم الذي لا يأتيه الباطل من بين أيديه ولا من خلفه.

الإخوان والموقف من الديمقراطية والطائفية

بإعلان الإخوان عن الخطوات التأسيسية لحزب "الحرية والعدالة" كيف سيقدر لكم التمييز والفصل بين ما هو سياسي وما هو دعوي في مسيرتكم؟

- هناك مفهوم خاطئ وهو أن السياسة شيء والعمل الدعوي شأن آخر، نحن نقول إن الإسلام دين شامل، فيه الجانب الدعوي وفيه الجانب السياسي، وفيه الاقتصادي والعلمي والنفسي، كل هذه تأتي تحت مظلة كبيرة اسمها الإسلام، ونحن دعاة إصلاح إسلامي بالمفهوم الإسلامي، السياسة جزء من العمل الإسلامي ولا نستطيع أبدا أن نفرق بين الإسلام السياسي أو الإسلام الدعوي على الإطلاق. لكن عندما نتعامل مع الأمر كحزب سنضع له لوائح وشروطا وتعرض على كل الذين يريدون الانتماء لهذا الحزب من خلال هذه الشروط، وأهلا وسهلا بهم حتى لو كانوا من غير المسلمين هذا هو الأمر.

نحن نقول لماذا السياسة دائما ميكافيلية لماذا لا تكون نظيفة شفافة تدعو للتعاون على البر والتقوى، نمضي في طريق ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا البعض فيما اختلفنا فيه، هذا هو رأينا، نريد أن نقدم مفهوم جديد للسياسية مفهوم مغاير عن الآخرين، فليس شرطا أو قصرا أن تكون السياسة كذب وبهتان وتزييف للحقائق.

ما هو موقفكم من فكرة وقيمة الديمقراطية سيما وأنكم تنظرون إليها على أنها معطى أجنبي وصنوها الإسلامي هو الشورى؟

- لو قمنا بقياس الديمقراطية على الشورى لوجدنا الأولى أقل من الثانية في المضمون، بمعنى أن الشورى أوسع، وهذا ليس اجتهادا شخصيا، هذا أمر رباني، رب العزة يقول: "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر". رغم أنها آية نزلت بعد غزوة أحد أي بعد انهزام المسلمين، نحن نرى أنه لا بد أن يكون الأمر شورى، ولا بد أن تتأصل هذه المسالة، عبر أي سبيل لتحقيق هذا الأمر، سمه ما شئت، نحن نتجاوب معه بكل ما نستطيع من قوة.

هناك مخاوف من أن تكون تجربتكم السياسية مرادفة لتجربة حماس.. ديمقراطية لمرة واحدة وكفى؟

- كل ما يصلنا عن حماس هو من خلال البوق المضاد، لكن لا يصلنا ما يحدث على أرض غزة كحقيقة على الإطلاق، ولذلك لا يصح أبدا أن يكون حكمنا من خلال هذه الأبواق المفرطة. فحقيقة الأمر بعيدة عن تجربة حماس، نحن دائما نواجه بجماعات "صيادي الأخطاء" فلا أحد ينظر إلى التاريخ ويقول لنا إن أعدل وأنزه فترة حكم كانت في عهد الخليفة عمر بن الخطاب أو يجيء من يذكرنا بعدالة عمر بن عبد العزيز، ما من أحد يتحدث عن معلم طيب بل يختارون أي نموذج يشوه الصورة للحديث عنه.

لا يوفر الأقباط مخاوفهم من الأخوان وأحاديث الراغبين للهجرة إذا وصلتم للحكم عديدة.. لماذا بلغ الأمر هذا الحد من التخوين أو التخويف؟

- للأسف الشديد الحكومة السابقة مسؤولة عن هذا الأمر، هي التي استخدمت الإخوان دائما كفزاعة في مواجهة كافة القوى المصرة ومنها الأقباط. الحكومة السابقة هي التي كانت تتحدث عن الفتنة الطائفية، وعندما حدثت الثورة وجرى ما جرى من انفلات أمني، لم تحدث حادثة واحدة ضد كنيسة أو دار عبادة مسيحية في مصر، والأقباط أنفسهم شهدوا أن الذين كانوا يحمون الكنائس في هذه الفترة هم الإخوان هذه قضية واجبة التذكير بها.

والأمر الذي عايشته بنفسي أنه كان هناك من الأقباط من هم على صلة وثيقة بالإخوان المسلمين من أمثال اسطفان باسيلي ومكرم عبيد وكمال اخنوخ وغيرهم من الأقباط الذين كان لهم مكانة في المجتمع المصري، وكان ذلك مبكرا، حيث كان الكثير منهم على صلة بالأستاذ البنا.

وهناك جانب أخر في هذا الشأن ويتعلق بالكنيسة بشكلها الجديد والتي ضخمت هذه المسالة، وكنا قد تعودنا أن نرسل دعوات لهم للمشاركة في إفطارات رمضان على سبيل المثال، وفي فترة من الفترات كانوا يحضرون بتمثيل عالي، ثم تناقص هذا التمثيل فكان يحضر أسقف واحد بعينه، ثم انقطعت المشاركة تماما دونما أدنى اعتذار وذلك بتعليمات من جهاز مباحث أمن الدولة الذي كان يدعو لهذه الفرقة، ويدعو لها انطلاقا من فلسفة فرق تسد التي استخدمها لتحقيق مآربه في إدارة شؤون البلاد.

على الرغم من إحراز الإخوان لآسهم واضحة في الآونة الأخيرة إلا أن هناك ولا شك اتجاهات رافضة لأسلمة المجتمع إن جاز التعبير.. ما الذي يقف وراءها في تقديرك؟

- المؤكد أن هذه الأصوات هي نتاج لحصاد سنوات وعقود طوال تبدأ من أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين، فلا يجب أن نغفل عن وثيقة كامبل 1895م والتي نصت بنودها على أنه لا بد من مواجهة الإسلام، وبعدما فشل الغرب في مواجهة الإسلام بدأ يبحث عن مداخل ووسائل أخرى، فكانت التوصيات التي طمست التاريخ الإسلامي، كمحاولة إذاعة النعرات القومية والطائفية، والتعامل مع الحدود الجغرافية بما يسبِّب العديد من المشكلات، وهو الحصاد الذي نجني ثماره الآن، فعندما ننتقل لأوائل القرن العشرين وقضايا التغريب التي غلبت على كل المجتمع العربي والإسلامي، ظنًّا بأن المجتمع الإسلامي لا بد له من اللجوء إلى الغرب، وبُعث من بُعث إلى الخارج ليعودوا مفتونين بالحضارة الغربية، وكان على رأسهم المجموعة التي أشير إليها بالتنوير فيما بعد، أمثال علي مبارك، وسلامة موسى.

وفي سنه 21 أُسِّس أول حزب شيوعي في مصر، وكان في مقدمته سلامة موسى، لكن عام 1928م ظهرت جماعة الإخوان المسلمين، وكانت من أهم الجماعات التي تسعى لعرقلة أهداف الحركات الشيوعية، أمثال منظمة "حدتو"، والتي كان يرأسها ويحرِّكها الصهيوني هنري كورييل، وجمعية التغيير، ومنظمة أسكرا وغيرها، وكانت كلها تدار بأيدٍ صهيونية ومع ذلك استطاعت الحركة الإسلامية أن تغزو العالم، وبدأت النفوس تهفو للعودة إلى الأصل وما يصلح به مجتمعنا ويتفق مع قيمنا، واقتصادنا وسياساتنا.

هل تعتقدون أن المساحة المتاحة لحركة الإخوان كفصيل سياسي يمكن أن تمضي بعيدا عن التجاذبات ولتقاطعات الإقليمية والدولية؟

- نحن نرجو أن ننأى بأنفسنا عن هذه التقاطعات التي تتحدث عنها، لا اهتمام لنا بالتقاطع أو التشارع مع الخلافات الدولية أو وجهات النظر الكونية، نحن جل ما نبتغيه هو أن نلتقي مع مواطنينا على كلمة سواء، أما الخارج فلكل حساباته واتجاهاته.

ما هو موقفكم من ترشح المرأة أو القبطي لرئاسة الجمهورية؟

- يجب أن ننظر إلى الإسلام بوصفه محتوى واسعا، به العديد من الآراء الفقهية. وبالنسبة لي كمسلم يمكن أن أتناول بالبحث والدرس أكثر من رأي فقهي في القضية الواحدة ويكون من حقي وقتها أن آخذ بالرأي الذي أرتضيه وأرى فيه الخير والعافية وهذا هو شان الشورى في الإسلام. القضايا تعرض على المجتمع والأمة بالانتخاب وهو الذي يختار ونحن لا نستطيع مطلقا فرض ذلك على الناس.

وباختصار لا توجد -كما قلنا مسبقا- مواد بعينها لها قدسية خاصة عند الإخوان بل من الممكن أن يعاد النظر في أي شيء. لكن يجب أن تتمتع الأمور بعقلانية وموضوعية فعلى سبيل المثال فكرة ترشح القبطي لرئاسة مصر أحب أن أطرح في مقابلها علامة استفهام. هل من الممكن أن يتولى مسلم رئاسة إيطاليا أو فرنسا أو بريطانيا أو أمريكا؟ نحن لم نبتدع هذا الأمر فهو رؤية فقهية ولكن لا نجبر الناس على الالتزام بها وعندما نعرض رؤية ما لجهة قضية بعينها نقول إن هذه الرؤية يرتاح لها الأخوان.

هناك الكثير من الأحاديث التي تدور حول المادة الثانية من الدستور بقاؤها أو رفعها من الدستور الجديد أو المعدل ما هي وجهة نظر الإخوان في هذا الموضوع؟

- المادة الثانية من الدستور المصري والتي تذهب إلى أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع المصري تعتبر ضامنة للهوية العربية والإسلامية للدولة، وهذا هو الطرح الذي يميل إليه الإخوان، أي وجود المرجعية الإسلامية للدولة. وبمعنى أوضح نحن نطالب بتفعيل المادة الثانية من الدستور وهذه هي الدولة المدنية التي يبغيها الإخوان، ونحن نقول إن المرجعية تكون لله، فالتشريع الرباني أكبر من أي فكر أخر وهو ما أثبتته الأيام بعد الرأسمالية والاشتراكية ولكن على الناس أن تفهم الإسلام بشكل سليم.

ما هو شكل الدولة التي تفضلونها لاحقا في مصر، ثم ماذا عن مشاركتكم في الحكومة الانتقالية الحالية؟

- نحن نميل إلى النظام البرلماني للدولة المصرية لأنه الأقرب لنموذج الشورى الإسلامي، أما فيما يخص الحكومة الانتقالية الحالية فالأصل أننا لن نشارك فيها لكن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة، وعندها سيكون لكل حادث حديث. وأؤكد على أننا لسنا نسعى وراء سلطة بعينها أو أغلبية بذاتها.

ضمن اللوم والتقريع الذي كان يوجه للإخوان القول بأن حركتكم تمحي عقول شبابها وتجعلهم بلا رأي حتى ينفذوا ما ترتئيه.. ما صحة هذا الاتهام؟

- من المؤكد أن هذا اتهام فارغ من أي مضمون حقيقي ويصب في طائفة الأكاذيب التي تم ترويجها أمنيا في مواجهتنا، فالزعم بأن شباب الإخوان بدون رأي أو إبداع فكري أمر غير صحيح جملة وتفصيلا، ذلك أن هؤلاء الشباب ما كان لهم أن ينضموا لصفوف الإخوان إلا بعد قناعة كاملة وتفكير عميق سيما وأن هناك أهوالا تقابلهم، وتهديدات بقطع أرزاقهم وإعاقة مسيرتهم الحياتية أو العلمية أو الدراسية. ولو كان الأمر على هذا النحو لما تمكنت الجماعة من المضي قدما عبر مراحلها الطويلة وحتى الساعة.

على ذكر الشباب هناك دعوات عن مصالحات داخلية داخل الإخوان بعد فترة من الخلافات في صفوف الجماعة مؤخرا.. ماذا عن ذلك؟

- مؤكد أننا في منعطف تاريخي هام لمصر ولجماعة الإخوان ولهذا أؤكد على أن كل الأمور واللوائح يعاد النظر فيه،ا وتعاد دراستها وصياغتها ربما من جديد. والأهم أن كل التجديدات والمراجعات التي تمت قبل الثورة سيتم إعادة النظر فيها مرة أخرى بعد الثورة. وأؤكد أيضا أنه مع بداية أحداث الثورة قمنا بالاتصال بجميع كوادر الجماعة التي اختلفت معنا، وقلنا لهم كونوا إلى جوارنا ومنهم د.عبد المنعم أبو الفتوح الذي تردد على مكتب الإرشاد كثيرا منذ بداية الأحداث واتصلنا بنائب المرشد السابق محمد حبيب، واتصلنا بكل من تتصور، وهذا حقهم علينا ونحن لا نفرط في قلامة ظفر أحد من الإخوان.

هل سنوات الإقصاء السياسي للإخوان في تقديركم سوف تؤثر سلبا على مقدرات الحياة السياسية للجماعة في قادمات الأيام؟

- بالمطلق أقول لا، ذلك أن العمل الانتخابي هو جزء من العمل السياسي، والذي هو توجه واحد من بين توجهات كثيرة للعمل العام لجماعة الأخوان المسلمين ويكفينا ما حققناه من أرصدة في نفوس وقلوب الجماهير من شمال مصر إلى جنوبها سيما وأن القاصي والداني يشهدان بأن هذه الانتخابات مزورة. وكيف أديرت المعركة بطفولية، وبمستوى لا يليق بأي مفكر أو سياسي، وكانت المسألة برمَّتها متروكة للمخبرين ومباحث أمن الدولة. فالأحداث الجسيمة التي تعرَّض لها الإخوان على مدار تاريخهم ما أقعدتهم، فأدوا واجبهم على الوجه الأكمل، وسنظل نؤدي إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً.

ما هي رؤيتكم للفترة القادمة وكيف تتطلعون إلى سير الأحداث وبخاصة في ظل الضبابية السائدة الآن؟

- نعم هناك ضبابية تلف المشهد المصري الآن، لأنه هناك من الأمور المهمة التي نشعر أنها تأخرت عن مواقيتها الواجبة كما سبق واشرنا إلى قضية مثل قضية وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ثم هناك ثروات مبارك ومالها، أضف إلى ذلك بقاء بعض الرموز موجودين في البلد من بقايا النظام السابق مثل رئيس الوزراء ووزير العدل الذي كان ضالعا في الفساد ووافق على كثير من القوانين المشبوهة، هذه وغيرها في حاجة إلى توضيحات وأضواء حتى نعرف إلى أين نحن ذاهبون.

نظرة الإخوان لإسرائيل

تبقى إشكالية العلاقات مع إسرائيل وشأن قضية كامب ديفيد من القضايا المثيرة للجدل في فكر الإخوان.. ما هي توجهاتكم في سياق هذه الاتفاقية؟

- الحديث عن الاتفاقيات الدولية أمر قائم بذاته، نحن نحترم الاتفاقيات الدولية، ونحترم القوانين الدولية، والدساتير الدولية، كأصل، نحن أناس نحترم فكرة ومبدأ العهد، لكن القضية بالنسبة لهذه المعاهدة بالذات أنها تم تمريرها من تحت أعين الشعب ومن خلف المجالس البرلمانية المتخصصة لأغراض ما عبر مناورات ومداورات وإخفاء.

معاهدة كامب ديفيد فيها من البنود ما لم نعرفه إلا متأخرا، على سبيل المثال بند تصدير الغاز لإسرائيل بسعر هو 1 على 15 من سعره الأساسي، هذا كان ضمن الاتفاقية، وعندما اعترض المصريون على تصدير الغاز لإسرائيل بثمن بخس قيل لنا إن هذا ضمن الاتفاقية.

الأمر الأخر في معاهدة كامب ديفيد هي أن الطرف الأخر لم يقم بما كان يجب عليه القيام به. الاتفاقية تنص ابتداء على سلام شامل في المنطقة. وهنا نتساءل من الذي كسر عهد السلام في قانا وصبرا وشاتيلا وغزة، من أصحاب المجازر؟ من الذي يحاول هدم المسجد الأقصى؟ لا بد أن يعلم الناس في مصر الحقائق بعدما أعمى الإعلام العربي والعالمي عيونهم لعقود طوال.

الاتفاقية تطالب نهاية الأمر بقيام دولة فلسطينية؟ أين هي الآن؟ هي أصل من بنود معاهدة كامب ديفيد، ولذلك قول الآتي: نحن نرفض الاتفاقية و لكن عندما نقترب في التعاطي معها نقترب بالأسلوب العلمي والقانوني العالي، من خلال إعادة طرحها على البرلمان، وعلى الشعب الذي يجب عليه أن يقول كلمته فيها وليس معنى ذلك أننا سنحمل السلاح غدا ونبدأ في القتال، هذا ليس أسلوبنا أو منطقنا.

لماذا ظهر التأثر على الإسرائيليين من جراء غياب مبارك من على الساحة المصرية؟

- الجواب يفهم من بين محتوى السؤال، أنت تفتقد شخصا أو تتأثر لرحيله إذا كان يحقق لك مصلحة ما تخدم إستراتيجيتك وأهدافك وتتفق مع أمنك القومي وفي هذا السياق يفهم كيف كان مبارك يخدم الأمن القومي الإسرائيلي.