تركيا والأكراد: من المسألة الشرقية إلى الانفتاح الديمقراطي

تناول الكتاب الجوانب المتعلقة بالأزمة الكردية منذ عام 1920 وحتى عام 2010 من خلال دراسة سبعين تقريرا، ومن خلال تعريف القضية الكردية، والتوصيات المتعلقة بطرق حلها، والشخصيات المرتبطة بها. مع الإشارة إلى أن التقارير المذكورة قد ظهرت بشكل مكثف في عهد الحزب الواحد وفي عقد التسعينيات.
78977f23609f48a3b39c969af3512b06_18.jpg
تركيا والأكراد: من المسألة الشرقية إلى الانفتاح الديمقراطي (الجزيرة)

تناول الكتاب الجوانب المتعلقة بالأزمة الكردية منذ عام 1920 وحتى عام 2010 من خلال دراسة سبعين تقريرا، ومن خلال تعريف القضية الكردية، والتوصيات المتعلقة بطرق حلها، والشخصيات المرتبطة بها. مع الإشارة إلى أن التقارير المذكورة قد ظهرت بشكل مكثف في عهد الحزب الواحد وفي عقد التسعينيات.

المؤلف والكتاب

أعد هذا المؤلف "الذاكرة التركية للقضية الكردية من المسألة الشرقية إلى الانفتاح الديمقراطي" الدكتور حسين يايمان عضو هيئة التدريس في جامعة غازي والخبير في وقف دراسات السياسة والاقتصاد والمجتمع  (SETA)، وقد بذل فيه جهودا حثيثة استمرت لفترة طويلة تناول فيها وثائق سرية وعلنية. وعمل المؤلف على إحياء الذاكرة التركية للقضية الكردية مستفيدا، وبشكل تفصيلي، من وثائق الدولة والمعلومات الموجودة لدى الأحزاب المختلفة.

تناول الكتاب الجوانب المتعلقة بالأزمة الكردية منذ عام 1920 وحتى عام 2010 من خلال دراسة سبعين تقريرا، ومن خلال تعريف القضية الكردية، والتوصيات المتعلقة بطرق حلها، والشخصيات المرتبطة بها. مع الإشارة إلى أن التقارير المذكورة قد ظهرت بشكل مكثف في عهد الحزب الواحد وفي عقد التسعينيات.
وبالنظر إلى التقاليد التي تحكم كتابة التقارير، يظهر أن هناك ارتباطا بينها وبين أوقات زيادة حدة الأزمة؛ فحين تشتد الأزمات تكون هناك حاجة واضحة لكتابة التقارير، وهناك العديد منها الذي تم إعداده من قبل مؤسسات الدولة والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. ومن هنا يمكن القول: إن الكتاب أحاط بزوايا هذا الموضوع.

بين مقاربتين: الأمنية والسياسية

يضع الكتاب القضية الكردية على طاولة البحث، ويلقي الضوء على ما يتوجب فعله تجاهها، ويقر بوجود مقاربتين أساسيتين تناولتا هذه القضية، وهما "المقاربة الأمنية" و"المقاربة الديمقراطية"، مؤكدا أن القضية الكردية اتخذت مسارا جديدا وتطورت مساراتها الاجتماعية في عقد التسعينيات.
وانتقد المؤلف بشدة أصحاب المقاربة الأمنية، وتعرض لذكر الأشخاص الذين تحدثوا باسم الدولة، "وأوصلوها إلى موقف معيب أمام التاريخ والمجتمع" من الشأن الكردي، مشيرا إلى دورهم في زيادة تعقيد الأزمة، وشكلت التقارير التاريخية المنسوبة إلى كلٍّ من فوزي تشاكماك وإبراهيم طالي أونغوران وعصمت أينونو وشكري قيا نموذجا لهذه المواقف التي ظهرت بشكل خاص في مرحلة حكم الحزب الواحد.
ومن أهم الأطروحات التي تبناها هذا الكتاب: أنه بالرغم من استحواذ هذه القضية على مساحة كبيرة من ااهتمام الرأي العام التركي، إلا أنه لم تتشكل الإرادة الفعلية المشتركة من أجل التوصل إلى حل مناسب لها.

المقاربة الأمنية

في ظل التقسيمات الإدارية في أولى سنوات عهد الجمهورية اشتملت مناطق شرق وجنوب شرق الأناضول التي يكثر فيها الأكراد على ثلاث مناطق إدارية من أصل خمس مناطق إدارية عامة في الدولة، وفي مرحلة لاحقة تم تطبيق الأحكام العرفية في هذه المناطق، وتأسيس محافظة لتطبيق هذه الأحكام. وقد بدأ تطبيق الأحكام العرفية بعد الحركة الثورية التي قام بها الشيخ سعيد، سنة 1925 وتم الإعلان عن انتهائها سنة 1950؛ حيث بقيت المنطقة مدة خمس وعشرين سنة في ظل الأحكام العرفية. كما خضعت المنطقة للأحكام العرفية بين عامي 1978-2002، بمعنى أن المنطقة ظلت فترة إحدى وخمسين سنة خاضعة للأحكام العرفية، ومن الغريب أن تبقى منطقة هذه المدة الطويلة تحت الأحكام العرفية، دون حصول أزمة فيها.

يذكر المؤلف أن كلفة الجهود التي بُذلت لمكافحة الإرهاب ضد تركيا قد بلغت 300 مليار دولار، ويرى أن هذا المبلغ يكفي لبناء أكثر من خمس عشرة ألف مدرسة، وتسعمائة مستشفى، ومائة وخمسين جسرا معلقا ومائة وعشرين سدا. ويرى أنه لو وُجِد في المنطقة 120 سدًّا لما ظهرت أزمة في المنطقة، فلم تعمل تركيا على مواجهة هذه المشكلة وتحلها بشكل جذري، بل عملت على حلها بحلول مرحلية وتدابير يومية.
لقد شهد التاريخ التركي منذ زمن الدولة العثمانية تسعة وعشرين تمردا كرديا، كان أشدها بين عامي 1925-1937، وأطولها الأخير الذي استمر لثلاث وثلاثين سنة. وحسب تقرير لجنة الهجرة التابعة لمجلس الأمة التركي، تم النزوح من بعض مناطق الأناضول بسبب المخاوف الأمنية وكان عدد الوحدات السكنية 3428 وحدة، استقر فيها حوالي مليوني شخص.

وقام الجيش التركي بخمس وعشرين عملية عسكرية محدودة خارج الحدود التركية لمكافحة الإرهاب.
لقد فقدت الدولة التركية من أبنائها في مكافحة حزب العمال الكردستاني ما يفوق العدد الذي فقدته في حرب الاستقلال، وحسب الأرقام التي أعلنها رئيس هيئة الأركان التركي فإن عدد شهداء حرب الاستقلال التركية بلغ 1885 شهيدا، بينما يبلغ عدد الأرواح التي فقدتها تركيا في مكافحة "إرهاب" حزب العمال الكردستاني 11735.
وبالنظر إلى مجموعة من الإحصائيات –التي وردت في هذا الكتاب- والتي تناولت عدد الضحايا الذين فقدتهم تركيا في مكافحة حزب العمال الكردستاني، ظهر أن عدد الضحايا من المواطنين الأتراك قد وصل إلى خمسين ألف شخص.

وبالرغم من تغير خمسة من رؤساء الجمهورية وثمانية من رؤساء الوزراء، وثمانية من رؤساء هيئة الأركان واثنين وعشرين وزير داخلية، وخمس عشرة حكومة منذ عام 1984، وبالرغم من إلغاء إدارة المحافظة التي خضعت للأحكام العرفية في المنطقة، ما زالت الأزمة تراوح مكانها.
وكانت الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية أكثر الأحزاب التي تناولت القضية الكردية، وبالرغم من تبني هذه الأحزاب لكثير من التوصيات في هذا المجال في أحد عشر تقريرا لها، إلا أن التوصيات التي طرحتها لم يطبق منها إلا القليل.. وعلى عكس ما يُعتقد، كان حزب اليسار الديمقراطي أول حزب قام بإعداد دراسة شاملة للقضية الكردية.

المقاربة السياسية

ورصد الكتاب بتعمق الفترة الممتدة من عهد الحزب الواحد حتى عهد حزب العدالة والتنمية، وخلص منها إلى أنه لا توجد سياسة تركية ثابتة تتعلق بالقضية الكردية، وأن سياسة تركيا تجاه هذه المنطقة مرتبطة بالأشخاص، وأنها تتغير مع تغير هؤلاء الأشخاص. لكنه أكد بالمقابل على وجود تغيرات في نموذج السياسة التركية تجاه القضية الكردية مع الانفتاح الديمقراطي الذي ظهر في عهد حزب العدالة والتنمية، وشدد على ضرورة الحديث عن إيجاد حلول للقضية الكردية أكثر من تركيز الحديث عن الأزمة نفسها.

وفي سياق دراسته للسياسة التركية في هذا الصدد يبين المؤلف أن المصطلحات التي استُخدمت في وصف القضية الكردية ارتبطت بالظروف الزمنية المحيطة بها؛ حيث وُصِفت في البداية بقضية الشرق، لتوصف منذ التسعينيات حتى اليوم بالقضية الكردية. وتمت الإشارة في هذه الدراسة إلى أن الوثيقة الأولى التي استخدمتها الدولة في وصف السياسة الرسمية للمسألة الكردية قد عبرت عنها بكونها "خطة إصلاحات الشرق" وبعدها تم استخدام هذه العبارة ومشتقاتها في جميع المؤلفات اللاحقة.

ويقر الكتاب بأن سياسة الدولة الرسمية تجاه القضية الكردية قد شهدت تغيرا مع ائتلاف حكومة حزب الطريق القويم مع الحزب الشعبي الاشتراكي الديمقراطي سنة 1991، وأنه تم حينها التغلب بشكل طفيف على الجوانب المتشددة إزاء هذه القضية. ولكن بسبب إساءة إدارة الأزمة والنظر إليها من منظور حربي عسكري، فإن الوعود الكلامية العديدة التي تبنتها حكومة هذين الحزبين لم تر النور، ودفعت تركيا كلفة ذلك ثمنا باهظا.

وعلى العموم لم تستطع الحكومات السابقة في عقد التسعينيات حل حتى البسيط من القضايا الكردية المتعددة، مثل قضيتي اللغة والعفو، وفي ظل حكومة العدالة والتنمية حدثت انفتاحات ديمقراطية وإصلاحات متعددة، تم من خلالها الاستجابة لقسم كبير من المطالب الكردية، وتم تحويل الأزمة الكردية إلى أزمة لغة فحسب.
من خلال النظر إلى محتوى وأسلوب سبعين تقريرا عرضها هذا الكتاب بخصوص القضية الكردية، يتبين مدى التغير الذي حصل لتركيا والذي جاء متوازيا مع تاريخها السياسي؛ فيُفهم أنه تم التعامل مع هذه القضية في إطار القلق على النظام العام في عهد الحزب الواحد، وفي إطار إزالة جميع العوائق التي تقف في طريق الدولة القومية المتجانسة.

أما في عهد التعددية الحزبية فتم التعامل معها على أنها عيوب في النظام يجب التخلص منها، وبعد بداية عقد التسعينيات ظهر الجانب المدني لهذه القضية وترك تأثيره على السياسة الداخلية والسياسة العالمية في نفس الوقت، وجاء متوازيا مع التوجه إلى الحل السياسي.
وقد أشارت الدراسات إلى أنه تم التعامل مع هذه القضية في عهد الحزب الواحد ضمن مقاربات "الإخماد، والاحتواء والإنكار" أما بعد بداية عقد التسعينيات فقد برزت مبادئ "الاعتراف" و"المبادئ الديمقراطية" بدل سياسة الإنكار.

من أزمة للدولة إلى أزمة للمجتمع

ومن الأطروحات الأساسية الأخرى التي تبناها هذا الكتاب، أنه وبالرغم من تحقق نحو 90% من التوصيات المتعلقة بالقضية الكردية في عقد التسعينيات إلا أنها لم تحقق الفائدة المرجوة منها لأنها لم تحدث في وقتها المناسب.

ويعتبر المؤلف أن عدم وجود رؤية للدولة وما سوف تتخذه بخصوص القضية الكردية ومستقبلها، يشكِّل معضلة بحد ذاته، وقد اضطرت الدولة لاتخاذ قرارات آنية بسبب الظروف التي مرت بها المنطقة، ومن الأمور اللافتة للنظر في هذا المجال -حسب رأيه- تحويل الأزمة الكردية إلى "أزمة تركية" ما ساهم في تعقيد القضية، وبسبب الإدارة الخاطئة لها تعدت هذه الأزمة كونها أزمة أنتجتها الدولة لتتجه إلى مسار اجتماعي خطير.

خاتمة

لقد تناول كتاب "الذاكرة التركية للقضية الكردية" من خلال هذه الذاكرة وصفحاتها المسار الذي وصلت إليه محاولات حل الأزمة الكردية، مؤكدا تأخر هذه المحاولات وقصورها عن إيجاد الحل الملائم.
ويعتبر هذا الكتاب مرجعا لغيره من المؤلفات اللاحقة في هذا المجال، فمن جهة تناول كيفية التعامل مع القضية الكردية في تركيا بشمولية وتفصيل، ومن جهة أخرى حلل ونقد الأحكام المسبقة التي حملتها وثائق وتقارير الأنظمة السياسية السابقة. وتعرض المؤلف أيضا للأخطاء التي حدثت في ما مضى أثناء التعامل مع هذه القضية، كما تعرض في نفس الوقت للمقاربات الإيجابية التي يمكن لها أن تحقق نجاحات في المرحلة الجديدة.
_________________
باحث في مركز الجزيرة للدراسات

ABOUT THE AUTHOR