ألبانيا: عامل سلام في البلقان، واختبار لأسس الاتحاد الأوروبي

تشهد منطقة جنوب غرب البلقان وجودا ألبانيا كبيرا، وهو معطى يحظى بأهمية فائقة في سياق ما "يسمى قضية التقسيم الإقليمي-السياسي" إذا ما أثيرت، حيث قد تذهب بعض الإثنيات بطموحاتها نحو التجمع في دولة واحدة، ما يجعل ألبانيا وإثنيتها في صدارة المواجهين لمثل هذه التغييرات.
201351692024127734_20.jpg
 

يحتل موقع ألبانيا الجيوستراتيجي أهمية بالغة في السياق الأوروبي العام، كما أنها تلعب دورًا حاسمًا ومحددًا في علاقة أوروبا بالبلقان ومركز حوض البحر الأبيض المتوسط. فهي جغرافيًا دولة بلقانية تقع في جنوب شرق القارة الأوروبية، يحدها من الغرب البحر الأدرياتيكي، وتطل من الجنوب على البحر الأيوني. أما من جهة الشمال الشرقي نحو الجنوب الغربي، باتجاه دوران عقارب الساعة، فتحدها دولة الجبل الأسود ثم كوسوفو فمقدونيا وصولاً إلى اليونان. تبلغ مساحة ألبانيا حوالي 30 ألف كيلومتر مربع ما يجعلها أكبر مساحة من جاراتها، وهي باستثناء اليونان أكثرها سكانًا حيث يسكنها 6,3 مليون نسمة. 

وباعتبارهم سكانًا أصليين للقارة الأوروبية، فإن الألبان، في السياق التاريخي الأنثربولوجي والديموغرافي، ينتمون إلى العرق الإليري، عاشوا في المناطق الممتدة من منطقة "إيبيرا" في اليونان، والمناطق الواقعة إلى الغرب من مقدونيا، مرورًا بكوسوفو والجبل الأسود، فالبوسنة ومناطق دالماسيا، وصولاً إلى "إيسترا" على ساحل البحر الأدرياتيكي، وتعود تسميتهم الحالية "الألبان"، وفقًا لأغلب المصادر التاريخية، إلى بدايات القرن الحادي عشر. إلى ذلك التاريخ، كانت تلك المناطق تخضع لحكم إمبراطوريات كبرى، أولها: الإمبراطورية الرومانية، ثم البيزنطية، تلا ذلك خضوع تلك المناطق إلى سيادة الإمبراطورية البلغارية، خاصة المناطق الواقعة إلى الجنوب الغربي من مقدونيا الحالية، كما بسطت أسرة إمبراطور صربيا "نيمانيتش" سيطرتها على المناطق الواقعة اليوم على أراضي دولة كوسوفو.

تكوّن دولة ألبانيا

لم تعرف تلك المنطقة إلى حدود القرن الحادي عشر تسمية "ألبانيا" ولم يكن أهلها يسمون الألبان، كما أن تعريف اللغة الألبانية بصفتها تلك لا دليل تاريخيًا عليه يمكن ذكره قبل القرن الثاني عشر. أما فيما يتعلق بالتسمية القومية لسكان ألبانيا الأصليين، فلها عدة جذور تحملنا كلها إلى التسمية الحالية "ألبان، ألبانيون". أول استعمال للتعريف "أرفانيتي" نجده في وثائق تعود إلى القرن الحادي عشر عندما ثار قائد مدينة "دوريس" –نيكيفور فاسيلاكي- ضد بيزنطة، وكانت وحدات عسكرية من "الأرفانيتي" قد انضمت إليه في حربه تلك لتقاتل معه إلى جانب قوات عسكرية يونانية وبلغارية. هذه التسمية" أرفانيتي" أطلقت على السكان الأصليين لتلك المناطق بما فيها اليونان، وتمت المحافظة عليها إلى يومنا هذا، وهي لا تعرّف فقط الألبان المحليين، وإنما كل الألبان بقطع النظر عن المناطق التي يسكنونها.

من مشتقات هذه التسمية تفرعت تعريفات مثل "أرناؤوط" أو "أرناؤوطلار"، والتي تعني في اللغة التركية التقليدية وكذلك المعاصرة "الألبان". من ناحية أخرى، فإن أول ظهور لدولة ألبانية مستقلة كان في منتصف القرن الثاني عشر وسُميت رسميًا حينها "بمقاطعة أربانون"، في حين سُمّي سكانها "الألبان"، وصمد استقلال مقاطعة أربانون إلى حدود منتصف القرن الثالث عشر وكانت المقاطعة تمتد على أراض تقع في شمال اليونان وجنوب ألبانيا، لاسيما مدينتي كورتسا وساراندا. هاجر من تلك المنطقة في منتصف القرن الخامس عشر، وفي فترة حكم إسكندر باشا، ما يزيد عن 200 ألف ألباني استقر بهم المقام في جنوب إيطاليا، وتحديدًا في مدينتي "كالابريا" و"سيسيليا"، وقد عُرف أولئك الألبان بتسمية "عرب ريشي"، أما أحفادهم فيبلغ عددهم اليوم حوالي نصف مليون نسمة من سكان جنوب إيطاليا.  وفي كل الأحوال، فإن الأرفانيتي أو الأرناؤوطي أو العرب ريشي أو الأرباناسي، هي تسميات لا تزال تحافظ على أصلها في كل المناطق التي يعيش فيها الألبان، وتشير كلها إلى نفس الإثنية الألبانية.

انتهى الحكم الذاتي الممنوح لمقاطعة ألبانيا عام 1831، وحلّت محلها دولة ألبانيا في التاريخ الحديث، لكن الأزمة الحادة التي تُعرف تاريخيًا بالأزمة الشرقية (1875-1878) والتي انتهت باتفاق المصالحة المعروف باسم "اتفاق سان ستيفان" أولاً ثم بـ"معاهدة برلين" بعد ذلك، حدّت من طموحات الألبان في بسط سيادة دولتهم على كل المناطق التي تعيش فيها الإثنية الألبانية؛ حيث تم توزيع بعض المناطق التي يسكنونها على اليونان والجبل الأسود. وبعد حروب البلقان (1912) أُلحقت بعض مناطق الألبان بصربيا، ثمّ أضيفت مناطق ألبانية أخرى بُعيْد الحرب العالمية الأولى (1918) إلى ما كان يُسمّى بمملكة الصرب والكروات والسلوفينيين، التي تحولت بعد ذلك إلى يوغسلافيا. لكن الألبان، وبعيد الحروب البلقانية 1912، استطاعوا تحقيق حلمهم بتكوين أول دولة قومية في حدودها التي هي عليها اليوم.

توزّع الألبان في المنطقة وتأثيراته

ظل الألبان منذ عام 1912 يشكّلون أغلبية إثنية لسكان المنطقة التي سكنوها لأكثر من ألف عام، وتتوزع اليوم أجزاء من تلك الإثنية المتجانسة داخل حدود الدول المجاورة، في الجبل الأسود، كوسوفو، صربيا، مقدونيا واليونان.  تعتبر دولة ألبانيا المعاصرة دولة متجانسة إلى درجة عالية، فمن حيث اللغة تكاد تكون الألبانية هي اللغة الوحيدة، باستثناء لغات بعض الأقليات من المقدونيين والبوشناق والكوسوفيين والروما واليونانيين والمصريين، والذين لا تتجاوز نسبتهم 3%. وهي كذلك من أكثر دول العالم تجانسًا سكانيًا وديمغرافيًا، فأكثر من 93% من السكان البالغ عددهم 6,3 مليون نسمة -وفقًا لإحصاء 2003- هم من الألبان الخالصين. أما توزيع السكان الديني، وإن اختلفت المصادر في تحديده بدقة، فإن أكثر من 80% من الشعب الألباني مسلمون، مع 12% من الروم الكاثوليك، و6% من الأرثوذكس، أما عدد اليونانيين فلا يتعدّى 1% من مجموع السكان(1).

هذه النسبة العالية من المسلمين داخل المجتمع الألباني، تشكّل معطى مهمًا يلعب دورًا محددًا في المشاريع الاستراتيجية الدولية التي تتعلق بمستقبل المنطقة. كما أن حوالي 520 ألف ألباني يعيشون في الأجزاء الشمالية الغربية من مقدونيا، ويمثلون 26% من مجموع سكان هذه الدولة، في حين تبلغ نسبة المسلمين في مقدونيا 37% من مجموع السكان(2).

وتتمثل الظروف الخاصة، التي خففت من حدة التوتر السياسي بسبب التخوف من معطى ارتفاع نسبة المسلمين الألبان في هذه المنطقة من أوروبا، في أن السياسة الألبانية الرسمية منذ 1912 وبغض النظر عن النظام السياسي الذي حكم ألبانيا، لم تركّز على المعطى الديني أي الهوية الإسلامية لمعظم مواطنيها في بناء خياراتها السياسية ومشاريعها المجتمعية. فمنذ تشكيل الدولة عام 1912، وعلى خلاف ما كانت عليه الإمبراطورية العثمانية، عرفت ألبانيا نظامًا إلحاديًا قاده أنور خوجة، وتواصل عدم التركيز على إسلامية المجتمع في عهد الديمقراطية الذي تشهده ألبانيا في العشريتين الأخيرتين حيث تتّبع نظامًا علمانيًا على مختلف المستويات، وتمارس تهميشًا واضحًا لأي دور للدين داخل المؤسسات الحكومية. 

العلاقة مع الدول التي تضم إثنية ألبانية

في سياق علاقات ألبانيا مع دول الجوار، تبرز العلاقات المتميزة التي تجمع ألبانيا بإيطاليا. وباستثناء فترة الانعزال الكامل التي عاشتها ألبانيا في ظل فترة حكم أنور خوجة، فإن العلاقات الألبانية-الإيطالية عرفت دومًا تقاربًا كبيرًا، ونُذكّر هنا بأن أكثر من نصف مليون ألباني، ممن يسمّون "عرب ريشي" يعيشون في جنوب إيطاليا. كما أن لألبانيا علاقات جيدة نسبيًا مع اليونان؛ حيث تعيش أقلية ألبانية مهمة، تُعرف باسم "أرفانيتي".  

لم تعرف ألبانيا المعاصرة  منذ تشكل الدولة أي نزاع مع أي من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، في حين توثقت علاقات الألبان بشعب دولة الجبل الأسود، الذي تربطهم به روابط دم وقرابة، خاصة على إثر الاعتداء الصربي على كوسوفو عام 1999-2000، عندما لجأ عدد كبير من الكوسوفيين الألبان إلى الجبل الأسود ليستقبلهم هناك إخوانهم من البوشناق. غير أنه جدير بالذكر أن بعض الدّخن لا يزال يشوب العلاقات الألبانية-اليونانية بسبب ضم جزء من الأراضي التي تعيش فيها أقلية إثنية ألبانية إلى اليونان. وبما أن أغلبية سكان تلك الأراضي هم من الألبان الذين ينتمون إلى الديانة اليونانية الأرثوذكسية، فإن عملية ضم مجموعات من السكان، التي تُغفل الطابع الإثني والديني لهؤلاء، تُبقي الباب مفتوحًا أمام إمكانية الدخول في مواجهات وصراعات. 

وبالنظر إلى التنوع الذي تعيشه منطقة البلقان فمن الواضح أنها قد تعرف مشاكل تتعلق بما تسمّى قضية التقسيم الإقليمي-السياسي الذي لا يتناغم مع التوزّع الإثني للسكان، حيث تواجَه التحذيرات المتكررة بعدم تغيير الحدود الدولية في المنطقة بمطامح تاريخية وإثنية ترمي إلى تجميع أبناء الجنس الواحد في وطن تاريخي وجغرافي واحد يضم شتاتهم ويجمع تفرّقهم؛ ما يجعل ألبانيا وإثنيتها في مقدمة الدول التي ستكون في مواجهة التغييرات؛ وذلك لأن:

  1. عددًا كبيرًا نسبيًا من سكان منطقة جنوب غرب البلقان هم من الإثنية الألبانية.
  2. المناطق التي يعيش فيها الألبان، ومنها كوسوفو ومقدونيا، هم في أغلبهم مسلمون وتتراوح نسبهم ما بين 70% إلى 80%، بل تصل في بعضها إلى أكثر من 90%.
  3. جزءًا مهمًا من الأراضي التي يعيش فيها الألبان التقليديون كأغلبية سكانية اليوم، هو جزء من أقاليم بالدول المجاورة وليس تابعًا للدولة الألبانية، كما أن الألبان في تلك البلدان يمثلون اليوم أغلبية السكان هناك.

 نقاط الشد والتجاذب الإثنية المحتملة

هناك أجزاء يعيش فيها الألبان كمواطنين في خمسة بلدان مجاورة في المنطقة، وبسبب هذا المعطى وبتمايز في درجة الحدّة فإن هناك مراكز قوة وتأثير مختلفة المصالح والأهداف، قد تعمل على إذكاء طموحات بعض الأطراف في تكوين مجتمعات متعددة الأعراق أو ذات عرق واحد؛ ما يؤثر مباشرة على العلاقات داخل الدولة الواحدة، كما بين الدول في رسم سياقات العلاقات داخل الإثنية الواحدة كما فيما بين الإثنيات، وهو ما سيؤثر بالنتيجة بشكل غير مباشر -لكنه سيكون قويًا- على سياسة الاتحاد الأوروبي بعيدة المدى، ونظرته لتاريخ أوروبا الذاتي، وتقييمه لأصالة هوية أوروبا الثقافية(3).
 
المعطى الثاني الأكثر أهمية في مسألة تنظيم العلاقات البينية بين دول الجوار في جنوب غرب البلقان، هو معطى لا يمكن تحييده أو تجاهله، ويتمثل في أن الألبان اليوم يشكّلون أغلبية السكان في المناطق الحدودية التي تواجدوا فيها تاريخيًا بشكل متواصل وعلى مساحات من الأرض متصلة فيما بينها، وهذا قد يكون عاملاً دافعًا لتغذية الطموح الإثني والثقافي واللغوي الذي عادة ما يكون وراء فكرة توحيد تلك المجموعات المتجانسة إثنيًا في دولة وطنية واحدة وموحدة، وهي فكرة من المحتمل أن تطرح مخاوف جدية وحقيقية تستهدف الاستقرار وتفتح الباب أمام صراعات متعدّدة.

لن تقبل أي من الدول التي تتواجد فيها أقليات ألبانية بتلبية مطالب توحيد الألبان، ومن المؤكد أن تلجأ تلك الدول إلى استعمال كل ما يتاح لها من إمكانات لإجهاض مثل تلك المشاريع، هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى، فإن سهولة التواصل التي تُتيحها وسائل الاتصال العصرية، وبالقدر الذي تسمح به من تخفيف حدّة الانقسام وإتاحة فرص التقريب بين الجماعات المتفرقة، فهي أيضًا تمثل عاملاً مغذيًا للإحساس بضرورة السعي إلى إقامة الوحدة السياسية الكاملة والفعلية.

إن الاتجاهات الراديكالية للجماعات الإثنية الداعية إلى إقامة دولة قومية داخل الحدود الإثنية، ستخلق داخل بلدان الجوار الخمس جوًا من عدم الثقة والريبة من قبل شعوب تلك البلدان كما بين قياداتها السياسية تجاه الألبان، وتدعوهم إلى تضييق الخناق عليهم واتخاذ كل التدابير لمواجهة المطالب القومية الألبانية، كما أن الدعوات الألبانية التصالحية تخلق جوًا من الانقسام داخل الإثنية الواحدة، وتفرق بين الألبان وتصنّفهم بين وطنيين وخونة بقدر التزامهم أو عدمه بهدف تحقيق الوحدة القومية.

كل ما تقدم تفصيله له تأثير مباشر في تغذية الأجواء العاصفة داخل المنطقة البلقانية شديدة التأثر بالبعدين القومي والإثني، وبالتالي دعم القوى المعارضة لمشروع الألبان القومي، وذلك في كل دول الجوار الخمس التي تعيش فيها جماعات ألبانية، كما أنه يخلق ازدواجية في الانتماء والولاء، فمن ناحية، هناك إحساس بالولاء للأرض (الوطن) التي عاشوا عليها قرونًا عديدة، وبنوا فيها أحلامهم ومستقبلهم، ومن ناحية أخرى فإن ذلك الولاء يشكّل حملاً ثقيلاً ويعطي الإحساس بخيانة الانتماء الإثني والثقافي والنسيج القومي، الذي يفرض نفسه على الألبان بقطع النظر عن الظروف التي يعيشون فيها وعن الحدود السياسية التي تفصلهم عن الجسم القومي الألباني.

رسم معالم المشروع السياسي الأمثل

أخذًا بالاعتبار أن البلقان جزء لا يتجزأ من أوروبا بكل المقاييس، بدءًا من المعطيات الجغرافية والتاريخية والثقافية، مرورًا بالأبعاد الاقتصادية والسياسية، فإنه من الواضح أن مشاكل التوتر الكامنة في البلقان في ضوء المسألة القومية الألبانية، لابد من حلها، وبالإمكان حلها فقط في إطار أوروبي عام وليس كمسألة إقليمية معزولة.  وتتميز العوامل المشكّلة لهذه المسألة بالوضوح، كما تتجلى -في مثل هذه السياقات السياسية والثقافية والحضارية- المعادلة في الآتي:

  1. ضرورة الأخذ في الاعتبار الطموحات القومية للألبان بشكل مستمر، وبشكل أخص حقيقة تواجدهم في المناطق الترابية المترابطة التي يعيشون فيها تقليديًا ويشكّلون فيها أغلبية ديموغرافية، وهي مناطق وإن كانت على الحدود الألبانية إلا أنها أجزاء من أراضي دول الجوار.
  2. ضرورة الأخذ في الاعتبار حقيقة أن الألبان مسلمون، لهم هويتهم الثقافية الخاصة وهم أوروبيون أصليون، وبصفتهم تلك فلا يحق لأيٍّ كان أن يعمل على إدماجهم في مجتمعات مختلفة عنهم، ومن هنا فإن الألبان المسلمين متساوون مع الألبان الأرثوذكس والكاثوليك والألبان الملحدين... فكلهم وبدون أية تفرقة يمثلون هوية قومية وإثنية واحدة وموحدة متساوية مع باقي القوميات في المنطقة، وفي أوروبا وفي العالم بأسره.

 ملخّص وتحليل العوامل الرئيسية

حقيقة المعطى الإثني للألبان وتوزعهم على حدود خمس دول في المنطقة، قد يكون عامل تخوف من انفجار محتمل تُغذّيه الدعوات القومية الراديكالية، كما أنه قد يدفع بتلك الدول إلى اتباع سياسات غير ملائمة للمعالجة المتأنية والسلمية لهذا المعطى الديموغرافي-الإثني والثقافي والسياسي، وما قد ينجرّ عنه من توسع رقعة الصراع.

إلا أن أمل دول منطقة جنوب غرب البلقان بأكملها في الالتحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي قد يكون عامل تهدئة وتخفيف لحالة الاحتقان، كما أنه يمثل صمام أمان لمواجهة احتمال انفجار الأوضاع في البلقان بسبب التشدد القومي والراديكالية الإثنية. كما أن احتمال لحاق الجماعات الإثنية الألبانية، القوية ماديًا والمتجانسة ثقافيًا، الموزعة على حدود دول جنوب غرب البلقان ضعيفة، بل تكاد تكون معدومة في الأمد القريب.

في الختام، ما دامت ألبانيا ترعى وتدافع عن حقوق الألبان في دول الجوار بالطرق المسموحة دبلوماسيًا، وبقدر ما تلتزم فيه تيرانا باحترام حقوق الأقليات على أراضيها، وبقدر ما تواصل نهجها الديمقراطي في السياسة والتحرري في الاقتصاد، فإن ألبانيا ستكون عامل استقرار وسلام في كامل المنطقة. 

وإذا نجح الاتحاد الأوروبي في تخطي الاختبار الذاتي الذي رسمه لنفسه، وعامل ألبانيا باحترام وندية، واحترم ثقافة وتقاليد الألبان وتمكن من فرض احترام الإسلام وعدم التمييز ضد المسلمين، وفرض تلك القواعد في كل دول منطقة البلقان خاصة في معاملة الألبان مهما كانت ديانتهم، فإن الاتحاد الأوروبي حينها يكون قد بلغ أعلى مراتب النجاح في تهدئة اضطراب منطقة البلقان الحاسمة في تحديد مستقبل أوروبا اليوم، كما كانت بالأمس تلعب دورًا أساسيًا في تشكيل الهوية والقيم الأوروبية.
_______________________________________
فريد موهيتش - محاضرا لمادّة الفلسفة بجامعة القديسين سيريل وميثوديوس بالعاصمة المقدونية سكوبيا.
ملاحظة: النص بالأصل أعد لمركز الجزيرة للدراسات باللغة البوسنية، وترجمه إلى العربية الباحث المتخصص بشؤون البلقان كريم الماجري.

هوامش
1. هذه الأرقام مستقاة من مرجع رسمي مقدوني ومنشورة في (Balkan Insight, October 2003)، إلا أن هناك مصادر أخرى يونانية تتحدث عن 12% من اليونانيين الذين يعيشون في ألبانيا، كما أن مصادر صربية تقول: إن عدد المسيحيين الأرثوذكس، وفقًا لإحصاء أُنجز عام 2005، بلغ 20% من عدد السكان، مقابل 10% للمسيحيين الكاثوليك، و70 % من المسلمين.
2. Pew Forum on Religion & Public Life
3. يرى الكاتب أن هوية أوروبا لا تقتصر في تشكّلها على العنصر الأوروبي المسيحي، بل تتشكل هويتها من كل الروافد الحضارية والدينية التي أسهمت في تكوينها، وبدون اعتراف الأوروبيين بمشاركة الآخرين في تشكيل هويتهم وقبول حقيقة أن أوروبا ليست أرضًا مسيحية خالصة بل هي إسلامية بنفس القدر، فإن السلام لن يتحقق وستظل التجاذبات والتوترات الإثنية عوامل قابلة لتفجير الأوضاع في أي وقت.

ABOUT THE AUTHOR