موريتانيا: هل تنهي الانتخابات الأزمة السياسية؟

ساهم تأجيل الانتخابات عام 2011 في تعقيد الأزمة السياسية بموريتانيا. وفي حين دعت الحكومة للانتخابات في أكتوبر القادم، أعلنت المنسقية التي تضم غالبية أحزاب المعارضة مقاطعتها لها، ما يزيد من حدة الاستقطاب السياسي. وما لم يقع تنظيم الانتخابات في ظروف مرضية للجميع فستظل بذور الأزمة السياسية قائمة.
2013916103722751734_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

يأتي تحديد الحكومة الموريتانية موعدا للانتخابات البرلمانية والبلدية التي تأجلت نحو سنتين في الثاني عشر من أكتوبر/تشرين أول القادم، وما تبعه من إعلان معظم أحزاب المعارضة مقاطعتها لهذه الانتخابات، في سياق أزمة سياسية حادة عاشتها البلاد خلال السنتين الأخيرتين، وكانت شرارتها الأولى قد انطلقت منذ تأجيل هذه الانتخابات عن موعدها الأصلي في أكتوبر/تشرين أول 2011، هذا إن لم تكن قد بدأت قبل ذلك بتأثير الربيع العربي وخروج مجموعات من الشباب الموريتاني في حركة 25 فبراير/شباط التي سعت إلى استلهام دور الشباب في الدول التي شهدت ثورات عارمة.

فبعد تأجيل تلك الانتخابات وما سببه من خدش في شرعية استمرار البرلمان والمجالس المحلية، بدا بوضوح أن الأزمة السياسية قد انضاف إليها عامل تغذية خطير، وهو أمر أجمعت عليه الأطراف السياسية بما فيها الأغلبية الحاكمة، وإن اختلفت في سبل حله، فقد انصب اهتمام النظام على حل يضفي شرعية على استمرار الهيئات الانتخابية القادمة، إلى حين تجديدها بالانتخابات التي كانت في ذلك الوقت غير ممكنة لأسباب فنية وقانونية.

وسبب تأجيل الانتخابات هو إيقاف السلطة تجديد المشروع الوطني لبطاقات التعريف (البطاقة الشخصية)، حيث أطلقت مشروعا آخر للتسجيل البيومتري، وهذا المشروع لم ينته حتى الآن، وبالتالي لا يزال غير ممكن إجراء الانتخابات على أساسه لعدم وجود لائحة انتخابية.

وبالنسبة إلى المعارضة فإن أطرافا من بينها، كانت ترى أن النظام لا يختلف عن أنظمة الدول التي شهدت ثورات، ورأت في الأمر فرصة لتجييش الشارع ضده، بينما كانت أطراف أخرى، أبرزها حزب رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير، تجد في الأمر فرصة للوقوف موقفا وسطا أعاده بعض المراقبين لأوضاعها الداخلية.

وقد دخل هذا الطرف الأخير من المعارضة، الذي تسمى بـ"المعاهدة من أجل التناوب السلمي"، في حوار رسمي مع النظام في ديسمبر/كانون أول 2011 أفضى إلى اتفاقية سياسية قضت بإدخال تعديلات طفيفة على المنظومة الدستورية والقانونية المتعلقة بالنظام السياسي. ونصت على استمرارية الهيئات الانتخابية القائمة لحين انتخاب أخرى. لكن دخول هذا الطرف من المعارضة الحوار الذي لم يفض إلى حكومة تشارك فيها المعارضة قد شكل ثغرة أدت إلى عدم قدرته على حل الأزمة السياسية. لذلك لم يلبث رئيس البرلمان، أبرز المعارضين المحاورين، أن طرح مبادرة تقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع، وهو ما لا يزال النظام وحزبه الحاكم يرفضانه حتى الآن.

بالمقابل قاطعت معظم أحزاب المعارضة، المنضوية تحت "منسقية المعارضة الديمقراطية" هذا الحوار ونقلت خلافها مع النظام إلى الشارع حيث تبنت في مارس/آذار عام 2012 خيار إسقاطه بالشارع من خلال المسيرات والاعتصامات. لكن النظام واجه شارع المعارضة أمنيا حتى استطاع تحييده وبقيت دعوة الرحيل دون آلية لفرضها.

المعارضة بين الخيار الثوري والمعالجات السياسية للأزمة

إذا كان شقا المعارضة لم ينجحا في طريقيهما الثوري والسياسي في تحقيق وجهتي نظرهما حتى الآن، فإن ذلك يعود إلى واقع أحزابها وطبيعة العلاقات بين أحلافها من ناحية، كما أنه يلقي أعباء على إمكانية استمرارها في نفس الموقف في المستقبل من ناحية أخرى.

وتتباين داخل كل تحالف مواقف الأحزاب ومصالحها، وتسبب ذلك مثلا داخل المعارضة الداعية لرحيل النظام في خلافات من بينها موضوع التصعيد في وجه تدخل قوات الأمن لفض اعتصامات الشارع، حيث كان حزب تواصل الإسلامي متحمسا للتصعيد الثوري، مقابل الأحزاب الأخرى التي قيل إنها ترى في موقفه رغبة منه في خلق حالة ثورية تنتهي بمكاسب للإسلاميين على غرار دول الربيع العربي.

ويجري الحديث في الوضع الراهن عن تباين في وجهات النظر بين عدد من أحزاب المنسقية أو المعارضة الداعية لرحيل النظام. ويشهد على ذلك أن حزبي تواصل الإسلامي واتحاد قوى التقدم اليساري لم يعلنا موقفهما المقاطع للانتخابات إلا يوم 11 أغسطس/آب الجاري، أي بعد نحو شهر من دعوة الحكومة لهيئة الناخبين، في حين أن حزب تكتل القوى الديمقراطية، أكبر أحزاب المعارضة، اتخذ موقف المقاطعة قبل دعوة الناخبين بأكثر من شهر.

يمكن القول إن عدم قدرة المعارضة الداعية للرحيل على فرض خيارها الذي قطع طريق العودة، يصعّب عليها كثيرا من متطلبات الفعل السياسي غير الثوري، إذ بدا كأنها تعيش مرحلة ثورية وإن لم تكن كذلك من الناحية الفعلية، وهو ما يعقد الخروج من هذا الوضع السياسي، وقد يترك ذلك أثرا سلبيا على شعبيتها وعلى ثقة المواطنين فيها وفي برامجها.

أما المعارضة المحاورة فتتكون من حلف يمثل قطب الرحى فيه حزب التحالف الشعبي التقدمي، وهو حزب رئيس البرلمان. لقد كان من الأسباب التي دفعت هذا الحزب للمشاركة في الحوار سعي رئيسه للتغلب على الانشقاق الداخلي الذي قاده زعماء من الحزب لم يعد يجمعه معهم غير كونهم من مؤسسي "حركة الحر" المدافعة عن حقوق شريحة "الحراطين" (الأرقاء السابقين) الذين يمثلون الخزان الشعبي والانتخابي للحزب. يضاف إلى التحالف الشعبي التقدمي حزبان صغيرا الحجم، وهما حزب الصواب البعثي الذي لا يتمتع بأي مقعد في البرلمان رغم مشاركته القوية في انتخابات عام 2006، وحزب الوئام حديث النشأة الذي يقوده أحد أركان نظام ولد الطائع وهو الوزير بيجل ولد هميد.

 المعارضة والسلطة بين القطيعة والحوار غير المثمر

جربت المعارضة بمجملها مختلف أنواع العلاقات مع النظام، ولكن دون تحقيق نتائج تذكر. فالطرف الأساسي في المعارضة وهو منسقية المعارضة الديمقراطية، قطع نهائيا حبل الوصل السياسي مع النظام منذ أن رفض الدخول في الحوار الذي جرى بين النظام وجناح المعاهدة من أجل التناوب السلمي في ديسمبر/كانون أول 2011، ثم تبنيه لخيار إسقاط النظام بالشارع. وفضلا عن انقطاع التواصل السياسي فإن درجة التراشق الإعلامي بين النظام وهذه الأحزاب قد وصلت مستوى غير مسبوق، حيث هاجم زعماء هذه الأحزاب والرئيس محمد ولد عبد العزيز بعضهم بعضا بشكل شخصي أكثر من مرة.

بالمقابل تجمع جناح المعارضة المحاور بالنظام علاقات سياسية على المستوى الرسمي أبرزها نتائج الحوار السياسي الذي وقعا عليه، ولكن يمكن الحديث على المستوى السياسي عن نوع من الخلافات العميقة التي تبرز بين الحين والآخر. وهذا وإن كان طبيعيا في العلاقة بين نظام ومعارضة إلا أن وقوعه في متعلقات الحوار بين الطرفين ينذر بمزيد من التدهور في العلاقة بينهما، و يمكن التمثيل لذلك بالتسريبات الصحفية التي تحدثت عن امتعاض "المعاهدة" وخاصة حزب رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير من دعوة الحكومة للانتخابات دون مشاورتها، وأن لقاء ولد بلخير مع الرئيس يوم 12 أغسطس/آب الجاري كان من أجل طلب تأجيلها.

لكن الأبرز في اختلاف وجهتي النظر بين النظام ومحاوريه من المعارضة هو الخلاف حول كيفية الخروج من الأزمة السياسية. فبينما طرحت المعارضة المحاورة عبر رئيس البرلمان مبادرة تقوم على تشكيل حكومة وحدة وطنية فإن الحكومة رفضتها بشدة، ما يعني أنه لم يعد بالإمكان القول بإطلاق إن علاقة الطرفين حاليا علاقة شراكة وحوار.

المشهد إلى أين؟

يتمثل الجواب عن سؤال مستقبل المشهد السياسي الموريتاني بعد دعوة الحكومة للانتخابات ومقاطعة المنسقية التي تضم غالبية أحزاب المعارضة لها، وسعي المعارضة المحاورة لتأجيلها في ثلاثة احتمالات:

  1. إجراء الانتخابات في وقتها المحدد من طرف الحكومة وبمشاركة جناح المعارضة المحاورة أو بدون مشاركته، وهذا السيناريو مستبعد لعدة أسباب قانونية وفنية وسياسية. فاللائحة الانتخابية التي ستجرى على أساسها هذه الانتخابات ستعد وفق الإحصاء البيومتري الذي تجريه السلطات منذ مايو/ أيار 2011. ولم يتجاوز حتى الآن عدد المسجلين فيه مليونين ونصف المليون طبقا للبيانات المنشورة على موقع الوكالة المشرفة عليه، وذلك من أصل أربعة ملايين يتوقع الإحصائيون أنها هي عدد المواطنين. وهذا من شأنه أن يسبب ثغرات قانونية في هذه اللائحة. ثم إن الإحصاء الإداري ذا الطابع الانتخابي الذي أطلقته اللجنة المستقلة للانتخابات لا يتوقع أن ينتهي قبل أجل الانتخابات، بل يمكن القول إن التحضيرات الفنية للانتخابات بمجملها لن تنهي بأي حال قبل الموعد المحدد لها.
  2. تأجيل الانتخابات إلى موعد يمكّن من تجاوز الإشكالات القانونية والفنية التي تحول دون تنظيمها في موعدها المحدد، وربما إجراؤها بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل. وهنالك مؤشرات بدأت ترجح هذا الاحتمال، من بينها حديث الرئيس الموريتاني نفسه في خرجته السنوية "لقاء الشعب"  يوم 13 أغسطس/آب الجاري عن إمكانية تأجيلها أسبوعين أو ثلاثة. رغم أنه عاد وأكد بعد ذلك أن الأمر ليس بيد الحكومة وإنما هو من صلاحيات اللجنة المستقلة للانتخابات.

    وفي حالة الاتجاه للتأجيل حتى تكتمل الشروط القانونية والفنية الملائمة فإن هذا الموعد لن يكون إلا بعد أشهر، أي ربما في شتاء العام المقبل. وما يرجح إمكانية هذا السيناريو هو قرب الانتخابات الرئاسية التي يحل موعدها في يوليو/تموز من العام المقبل، لأن أوضاع البلد الاقتصادية والاجتماعية تجعل من الصعوبة بمكان تنظيم موسمين انتخابيين كبيرين في أقل من سنة. وفي هذا السياق يطرح السؤال حول انعكاس تأجيل الانتخابات على المشهد السياسي؟ وكيف سيكون عليه الحال إذا نظمت بعد أن تكتمل شروطها؟

    أولا، يمكن القول إنه رغم كون تأجيل موعد الانتخابات سيوفر حجة إضافية للمعارضة بشأن عدم قدرة السلطة على الوفاء بالتزاماتها وسيزيد من التوتر السياسي، إلا أنه من المستبعد أن يكون له انعكاسات ميدانية، عى الأقل في ما يتعلق بالعودة إلى مسار التصعيد في الشارع والعودة لرفع شعار الرحيل.

    وثانيا، وتحديدا حول مشاركة المعارضة في هذه الانتخابات، فرغم اتفاق المعارضة الداعية لرحيل النظام حاليا على مقاطعة الانتخابات في موعدها الحالي، إلا أنه لا يمكن الجزم بأن الحال سيكون كذلك في حال تأجيلها، حتى لو لم تجر تحت إشراف حكومة وحدة وطنية كما تطالب حاليا. ويمكن التدليل على ذلك بأن بعض أحزاب هذه المعارضة لم تحسم أمرها في مقاطعة الموعد الحالي إلا متأخرا جدا. كما أن بعض وسائل الإعلام تحدثت سابقا عن أن الموقف من الانتخابات موضع خلاف قوي بين جناحين من منسقية المعارضة الديمقراطية،(1) ويزيد احتمال المشاركة إذا نظمت الانتخابات الرئاسية مع الانتخابات البرلمانية والبلدية في آن واحد.

  3. يتمثل السيناريو الثالث في التوصل إلى اتفاق سياسي بين مختلف الأطراف يقضي بتأجيل الانتخابات وتشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف عليها. وهذا السيناريو يعززه اتفاق طرفي المعارضة عليه ودعوة أطراف عديدة من المبادرات المستقلة ومنظمات المجتمع المدني له، وكذلك إدراك مختلف الأطراف أن هذا السناريو هو الوحيد الذي يمكن أن يوفر مخرجا من الأزمة السياسية المستمرة منذ سنتين.

لكن رفض الحزب الحاكم والرئيس شخصيا لهذا السيناريو يقلل من احتماليته جدا، إلا أنه عند الحديث عن الاحتمالات الممكنة لا يمكن الجزم بأن هذا الرفض سيستمر إلى النهاية. إذ يمكن تفسير سبب رفض النظام له حتى الآن بالسعي لتقصير الفترة التي ستتولى فيها هذه الحكومة تسيير الشؤون العامة، واقتصار دورها على تنظيم الانتخابات كما حدث بعد اتفاق دكار سنة 2009 بين الرئيس الحالي ونظامه العسكري حينذاك، وبين المعارضة، حيث إن الحكومة التي انبثقت عن ذلك الاتفاق لم تعمر أكثر من 18 يوما أدارت خلالها انتخابات فاز فيها الرئيس.

خاتمة

كان تأجيل الانتخابات عام 2011 شرارة للأزمة السياسية، وجاء تحديد موعدها حاليا ليزيد من حدة الاستقطاب السياسي رغم أنه يتوقع أن تكون إزالة السبب مؤدية لتخفيف المسبب. وهذا يحيل إلى أن السبب الحقيقي هو عدم توافق الأطراف السياسية على ما اتخذ من خطوات. وبالتالي يمكن القول إنه ما لم يقع تنظيم الانتخابات في ظروف مرضية للجميع فستظل بذور الأزمة السياسية قائمة، حتى لو خفف منها مؤقتا تنظيم انتخابات مرضية من الناحية الفنية، فذلك ما تؤكده تجربة الانتخابات الرئاسية عام 2009 . فرغم أنها تمت تحت إشراف حكومة وحدة وطنية تولت المعارضة فيها منصب وزارة الداخلية ورئاسة اللجنة المستقلة للانتخابات، إلا أن ذلك لم يحل دون اعتراضات من المعارضة بحجة عدم حياد الإدارة. وقد مثل ذلك أحد أسباب الأزمة السياسية الحالية بدل أن يكون إنهاء لأزمة الانقلاب العسكري عام 2008.
________________________________
* باحث بالمركز الموريتاني للدراسات والبحوث الاستراتيجية

المصادر
1- جريدة "الأخبار إنفو"  عدد 22 مايو 2013  ورابطه على موقع الوكالة التي تتبع لها الصحيفة، http://www.alakhbar.info/30517-0--FAB-0F----F5C-F-.html

ABOUT THE AUTHOR