المؤسسة السجنية في المغرب ضمن السياق الحقوقي

دفعت المتغيرات الداخلية والدولية والحركة الحقوقية، المغرب لتعزيز مسار حقوق الإنسان؛ حيث صادق على معاهدات واتفاقيات دولية في هذا المجال. ولم تمنع سياسة الدولة لمواجهة إشكالات المؤسسة السجنية، استمرار الكثير من الاختلالات داخلها. وهو ما يطرح على الدولة والمجتمع المدني مسؤولية إصلاح هذه المؤسسة.
201492595827659734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
كان في هذا الشأن، وتحت تأثير المتغيرات الداخلية والتحولات الدولية الكبرى التي أفرزها انهيار المعسكر الشرقي وما رافق ذلك من تزايد الاهتمام الدولي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ سعى المغرب إلى تكييف منظومته القانونية مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان. وتم إحداث مجموعة من المؤسسات، مثل: هيئة الإنصاف والمصالحة، ومؤسسة الوسيط، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

لقد قامت الدولة المغربية بمجموعة من التدابير للحد من إشكالات المؤسسة السجنية؛ حيث تم فصل مسؤولية إدارة السجون عن وزارة العدل، كما أُحدثت مندوبية (إدارة) عامة للسجون، واعتمد قانون 98/23 الذي تسعى مقتضياته إلى دعم أمن وسلامة وكرامة السجين، وإعادة إدماجه داخل المجتمع، وتقديم التدريب والتعليم للسجناء قبيل إطلاق سراحهم. غير أن ذلك لم يمنع من استمرار الكثير من المشاكل والاختلالات داخل هذه المؤسسات.

كان للحركة الحقوقية أثر كبير في تعزيز مسار حقوق الإنسان بالمغرب على مستويين، يتمثل الأول في الضغط نحو دفع السلطة في المغرب إلى المصادقة على الكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وإصلاح وسنّ مجموعة من التشريعات انسجامًا مع التحولات المجتمعية والتطورات الدولية في هذا الشأن. ويرتبط الثاني بترسيخ ثقافة حقوق الإنسان في أوساط المجتمع.

وأسهمت هذه الحركة، إلى جانب القوى السياسية والمدنية الأخرى، في دعم مسار العدالة الانتقالية بالمغرب، والذي تُوِّج بإحداث هيئة المصالحة والإنصاف التي كان لها الفضل في طي صفحات قاتمة من تاريخ المغرب الحديث، وإيجاد مجموعة من التوصيات الداعمة للقطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المستقبل؛ حيث وجد الكثير منها الطريق نحو "الدسترة" بعد انطلاق الحراك الاجتماعي الذي أعقبه إصلاح دستوري عام 2011.

المؤسسة السجنية ومتغيرات الداخل والخارج

تحت تأثير المتغيرات الداخلية والتحولات الدولية الكبرى التي أفرزها انهيار المعسكر الشرقي وما رافق ذلك من تزايد الاهتمام الدولي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ سعى المغرب إلى تكييف منظومته القانونية مع المعايير الدولية المتعارف عليها في مجال حقوق الإنسان. وتمَّ إحداث مجموعة من المؤسسات، مثل: هيئة الإنصاف والمصالحة، ومؤسسة الوسيط، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.

لقد أثَّر تطور الحركة الحقوقية بالمغرب في مجموعة من القضايا ذات الصلة بحقوق الإنسان؛ حيث فُتحت نقاشات على قدر كبير من الأهمية تخص قضايا لم تنل حظًّا وافرًا ضمن اهتمامات مختلف الهيئات والأحزاب السياسية، مثل: قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتمكين المرأة، والإشكالات المختلفة التي تطرحها المؤسسات السجنية.

وقد ازدادت أهمية المجتمع المدني في تعزيز وحماية حقوق السجناء، عبر سبل مختلفة ترتبط بنهج أساليب الحوار مع الجهات الحكومية المعنية. والقيام بالزيارات الميدانية ورصد الاختلالات، وتتبع الحالات وتنظيم اللقاءات وإصدار التقارير والنشرات، والقيام بحملات للتوعية؛ علاوة على اعتماد آليتي الترافع والاحتجاج في هذا الصدد.

ولا تخفى الإكراهات التي تواجه أداء المجتمع المدني في هذا الشأن، فبالإضافة إلى ضعف الإمكانات المادية وهشاشة التنسيق بين مكوناته، لا يزال الكثير من مؤسسات الدولة يتردد في دعم جهوده والتعاون معه.

وإذا كان الغرض من فرض العقوبة على الجناة يتركز في إحباط دافع الجريمة وحماية المجتمع وإصلاح الجاني وإلحاق المعاناة المناسبة به، وتحقيق العدالة والتعويض عن الخسارة(1)؛ فإنه تحت عوامل تطور العدالة الجنائية وحقوق الإنسان، تم تجاوز النظرة التي كانت تختزل مهام المؤسسات السجنية في الجانب الردعي والانتقامي إلى اعتبارها مجالاً إصلاحيًّا وتربويًّا يوازن بين تنفيذ العقوبة من جهة، وحفظ واحترام الكرامة الإنسانية من جهة ثانية.

تلعب السجون دورًا جوهريًّا في المجتمع، فهي بالغة الأهمية بالنسبة للأمن الإنساني والعام، غير أن مهمة بناء سجون تراعي مبادئ العدالة والإنسانية والفعالية وإدارتها، قلَّما تُعطَى أهمية قصوى(2). وعلاوة على الوظيفة الردعية التي تباشرها هذه المؤسسات كآليات لتنفيذ العقوبات التي يصدرها القضاء، وجعل المجرم مترددًا قبل اقتراف جريمته، فإنها تحظى أيضًا بمهام وقائية، من حيث السعي لتقويم سلوك الجناة وإدماجهم داخل المجتمع وترسيخ تنشئة اجتماعية تدعم تحصينهم من السقوط في براثن الجريمة من جديد.

إن نفاذ العقوبة على الجناة على مستوى حرمانهم من الحرية لا يلغي حقوق السجين المختلفة، التي سعى الكثير من التشريعات الداخلية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان إلى ترسيخها وضمانها.

وتجد حماية حقوق السجين أساسها في مجموعة من المقتضيات الدستورية والتشريعية التي تؤكد على احترام حقوق الإنسان وتمكين الأفراد من محاكمة عادلة. كما أقرَّت الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادئ أساسية لمعاملة السجناء بموجب قرارها الصادر في 14 ديسمبر/كانون الأول 1990.

وقد أوْلت مؤتمرات الأمم المتحدة لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين التي انطلقت منذ منتصف الخمسينات من القرن الماضي، أهمية لهذا الموضوع؛ حيث أوصت في الكثير من دوراتها التي تُعقد مرة واحدة كل خمس سنوات بضرورة سعي القضاة في المحاكم الجنائية إلى عدم الحكم بعقوبات سجنية قصيرة وتعويضها بعقوبات بديلة، كما هو الشأن بالنسبة لوقف التنفيذ والاختبار القضائي والغرامات المالية، أو وضع المعنيين في معتقلات مستقلة عن باقي السجناء أو في فضاءات سجنية مفتوحة(3).

إشكالات المؤسسة السجنية المغربية

أضحى الاكتظاظ داخل السجون المغربية يشكِّل معضلة حقيقية(4) تطرح أكثر من إشكال قانوني وحقوقي؛ حيث تزايدت التقارير والدراسات التي تحذر من تداعياته الخطيرة على المعتقلين وعلى وظائف المؤسسات السجنية بشكل عام؛ فهو يؤدي إلى خلق ظروف اعتقال من شأنها إضعاف قدرة المنظومة السجنية على الاستجابة لحاجيات الأشخاص النزلاء، سواء فيما يتعلق بالعناية الطبية والتغذية والإيواء، والتكوين والترفيه(5).

ويؤكد الكثير من الخبراء على أن هذا الاكتظاظ هو نتاج طبيعي للمقاربة الأمنية التي تتعاطى بها المؤسسة القضائية ومختلف المؤسسات المعنية مع الظاهرة الإجرامية. حيث تشير المعطيات الإحصائية إلى أن نسبة السجناء في إطار الاعتقال الاحتياطي يشكِّلون ما بين 40 و60 بالمائة من مجموع المعتقلين.

رغم المبررات التي تُطرح بصدد الاعتقال الاحتياطي(6)؛ من حيث حفظ أمن المجتمع وضمان سير التحقيقات وتنفيذ الأحكام ومنع المتهم من العودة إلى ارتكاب الفعل الإجرامي، يؤكد الكثير من الدراسات أن هذا الإجراء غالبًا ما ينطوي على مساس بحرية وحقوق المتهم في محاكمة عادلة؛ حيث يتم حبس المتهم في غياب حكم يقضي بإدانته، بما "يتعارض تمامًا مع حق الشخص في ألا يودع السجن إلا تنفيذًا لحكم صادر بإدانته من القضاء"(7).

جاء في بيان صادر عن 21 منظمة غير حكومية حول تدبير الاعتقال الاحتياطي بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2012، أن تواتر استعمال هذا الإجراء "خارج أي اعتبار لطبيعته الاستثنائية يمس بالأمن القانوني وقرينة البراءة التي تعد أساس المحاكمة العادلة، كما يعد مسؤولاً بدرجة أولى عن ظاهرة الاكتظاظ الكبير الذي تشهده  السجون المغربية"(8).

ولم يُخفِ وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، قلقه من هذه الوضعية، وصرَّح أمام ممثلي الجمعيات الموقعة على البيان خلال لقاء جمعه بهم في وزارة العدل بتاريخ 18 ديسمبر/كانون الأول عام 2012 بأن "نسبة الاعتقال الاحتياطي التي توجد في المغرب لا تشرِّف"(9).

وهو الاكتظاظ الذي أكده التقرير السنوي للمرصد المغربي للسجون(10) لسنتي (2011-2012)؛ حيث أشار إلى أن عدد المعتقلين ارتفع إلى 11463 سجينًا بين سنة 2008 وسنة 2012(11).

وأشار التقرير الذي أصدره المجلس الوطني لحقوق الإنسان بعنوان "أزمة السجون: مسؤولية مشتركة" في أكتوبر/تشرين الأول 2012، إلى اللجوء المكثف للاعتقال الاحتياطي وبطء المحاكمات والتطبيق شبه المنعدم للمقتضيات القانونية المتعلقة بالإفراج المقيد، إضافة إلى الإعمال المحدود لمسطرة الصلح بالشروط.

ودعت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان في يونيو/حزيران عام 2012، إلى إعادة تأهيل السجون المغربية بشكل يضمن كرامة السجناء ويحفظ مجموعة من الحقوق التي يضمنها لهم الدستور المغربي الجديد. كما أعربت عن قلقها من أوضاع السجناء داخل مجموعة من السجون المغربية، وخاصة تلك التي وقفت من خلال زيارتها على حجم الاكتظاظ بها(12).

كما عبَّرت نفس الهيئة في بلاغ لمجلسها الوطني عام 2012 عن قلقها إزاء استمرار الإضراب عن الطعام لبعض السجناء ودعت السلطات العمومية إلى تمتيع السجناء بكافة الحقوق التي يضمنها القانون والمعايير الدولية ذات الصلة، بما يضمن كرامتهم(13).

وأكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن أوضاع السجون والسجناء لم تشهد تحسنًا ملموسًا؛ إذ لا يزال واقع السجون مترديًا ويعرف انتهاكات خطيرة لحقوق السجناء، بفعل هيمنة المقاربة الأمنية والعقابية في السجون، مضيفة: إن الأمر يتعلق بنهج تعرفه جُلُّ المؤسسات السجنية. كما نبهت إلى ما وصفته بأنه شيوع للعنف والتعذيب اللذين يأخذان أشكالاً عدة؛ حيث سجلت حدوث ثلاث وفيات داخل السجون عام 2013(14).

مواجهة مشاكل المؤسسة السجنية

أمام تزايد الانتقادات والتحذيرات في هذا الصدد، قامت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب المغربي بمهمة استطلاعية حول أوضاع السجن المركزي "عين السبع" (عكاشة) بالدار البيضاء(15) يوم 24 مايو/أيار 2012، نتج عنها إصدار تقرير تضمَّن مجموعة من المعطيات التي تخص الاختلالات التي تعرفها هذه المؤسسة، مثل الاكتظاظ(16) والاعتداءات الجنسية والأمراض النفسية والرشاوى. كما تضمَّن مجموعة من التوصيات الداعمة لأنسنة ظروف الاعتقال.

لم تتوقف الانتقادات بصدد أوضاع السجون بالمغرب على الهيئات الحقوقية الداخلية؛ حيث ورد أيضًا ضمن تقارير دولية مختلفة؛ فقد جاء في الفقرة 14 من الملاحظات الختامية للجنة المعنية بحقوق الإنسان (العهـد الدولي الخاص بالحقــوق المدنيـة والسياسية) في الدورة الثانية والثمانين للعام 2004(17) أن "اللجنة قلقة إزاء كثرة الادعاءات بتعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم وكون الموظفين المسؤولين عن هذه الأفعال لا يُحمَّلون عمومًا سوى المسؤولية التأديبية إن كانت هناك عقوبة". كما أكدت أيضًا على الدول الأطراف مراجعة تشريعها فيما يتعلق بالحجز الاحتياطي.

ورغم أن لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة أثنت عام 2011(18)، على الجهود التي راكمها المغرب في السنوات الأخيرة على مستوى المصادقة على مجموعة من الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان، وتضمين الدستور المعدل لعام 2011 مجموعة من المقتضيات في هذا الشأن، فقد عبَّرت في المقابل عن قلقها المتزايد "إزاء بعض الأحكام الواردة في الإطار القانوني الحالي المتعلق بالتعذيب لاسيما إمكانية منح العفو العام لمرتكبي التعذيب والصفح عن بعضهم"، كما عبَّرت اللجنة عن قلقها أيضًا "إزاء العديد من ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة من قبل ضباط الشرطة وموظفي السجون".

ومن جهة أخرى أكد تقرير لوزارة الخارجية الأميركية(19) أن أحوال السجون بالمغرب ظلت سيئة ولم تستوفِ المعايير الدولية عمومًا؛ حيث كانت مكتظة، وكثيرًا ما استخدم السجناء الإضراب عن الطعام للمطالبة بظروف أفضل في السجن، أو للاحتجاج على الاحتجاز المطوَّل في انتظار المحاكمة.
 
كما طالبت منظمة العفو الدولية المغرب بإطلاق سراح ناشطيْن سُجنا مؤخرًا لقيامهما بالإبلاغ عن تعرضهما للاختطاف والتعذيب. ونظَّمت يوم 18 سبتمبر/أيلول 2014 وقفة احتجاجية صامتة أمام البرلمان المغربي طالبت من خلالها الهيئة بوضع حد للتعذيب في إطار حملتها الحملة العالمية التي أطلقتها المنظمة في 13 مايو/أيار 2014، واختير فيها المغرب من ضمن البلدان المعنية بهذا الأمر. لكن بالمقابل عبَّر وزير العدل والحريات المغربي عن وجود إرادة قوية للدولة في مواجهة التعذيب الذي يمكن أن يرتكبه أيٌّ كان، مضيفًا: إن المغرب يعرف تحولات عميقة، تميزه عن محيطه الإقليمي الذي يعرف اضطرابات لا تُحترم فيها أدنى ضمانات حقوق الإنسان(20).

إن تجاوز الوضعية الصعبة التي تعيشها المؤسسات السجنية يطرح أسئلة على مختلف الفاعلين؛ فعلاوة على دور المؤسسة القضائية والمندوبية السامية باعتبارها المؤسسة الوصية في هذا الباب، هناك دور مهم منوط بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والجمعيات الحقوقية، إضافة إلى الإعلام بكل أصنافه. ولعل إيلاء الاهتمام للمؤسسات السجنية باتجاه دعم وظائفها الردعية والوقائية والتربوية يفرض إنتاج مقاربات على قدر من الشمولية والتكامل والتناغم في التعاطي مع الظاهرة، بصورة منفتحة على التوصيات والخلاصات التي راكمتها الفعاليات الحقوقية ومختلف الفاعلين والخبراء في هذا المجال.

لقد قامت الدولة المغربية بمجموعة من التدابير للحد من هذه الإشكالات؛ حيث تم فصل مسؤولية إدارة السجون عن وزارة العدل، كما أحدثت مندوبية (إدارة) عامة للسجون، واعتمد قانون 98/23 الذي تسعى مقتضياته إلى دعم أمن وسلامة وكرامة السجين، وإعادة إدماجه داخل المجتمع. فيما قدمت مؤسسة محمد السادس تدريبات تعليمية وتربوية ومهنية للسجناء قبيل إطلاق سراحهم، غير أن ذلك لم يمنع من استمرار الكثير من المشاكل والاختلالات داخل هذه المؤسسات.

لقد خلص الكثير من الدراسات والأبحاث إلى فشل السياسات الجنائية التي تربط العقوبة بالسجن فقط، وعدم نجاعة العقوبات السالبة للحرية ذات المدد القصيرة في زجر الجرائم وردع الجناة. وتشير المعايير الدولية ذات الصلة إلى أنه يتعين استخدام السجن كملاذ أخير، ويتعين كذلك أن تُستخدم الأحكام غير الاحتجازية قدر الإمكان(21).

أضحى اعتماد أحكام قضائية بديلة من قبيل فرض الغرامات المالية والمصادرة والتوبيخ وتوجيه الإنذارات وفرض حضور محكومين لمراكز التأهيل المهني، أمرًا ضروريًّا للحد من الجرائم والاكتظاظ داخل السجون، وهو ما يؤكده الكثير من التجارب المقارنة، خاصة أن العقوبات السجنية المتخذة في سياق الحبس الاحتياطي تظل مسؤولة عن تفشي مختلف الانحرافات والأمراض والانتهاكات داخل هذه المؤسسات؛ حيث تسمح للمحكومين بالاحتكاك بأخطر المجرمين داخل السجون بما يجعلهم عرضة لانحراف أكبر.

وهذا ما يفرض مراجعة النصوص القانونية الواردة في هذا الصدد، وتوفير الإمكانات المادية اللازمة. وتقويم السياسة الجنائية باتجاه مواجهة الظاهرة الإجرامية دون المس بحقوق السجناء.

خاتمة

لا تخفى أهمية تأهيل موظفي المؤسسات السجنية وتمكينهم من التدريب اللازم ودعم تكوينهم القانوني وتعزيز ثقافتهم في علاقتها باحترام حقوق السجين وسبل رعايته وتهذيبه. إضافة إلى اعتماد برامج منتظمة لتأهيل السجناء لولوج مهن وحرف تدعم اندماجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم.

وفي حين يُلقي ذلك على الدولة أعباء إضافية لتطوير المؤسسة السجنية؛ فقد نبَّه المرصد المغربي للسجون في تقريره لعام 2009-2010 إلى عدم فتح المجال أمام المنظمات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالموضوع للمساهمة والمشاركة الفعلية في تطوير وتحديث هذه المؤسسات ماديًّا ومعنويًّا إعمالاً للفصل 84 من قانون 98/23(22).

كما تضمن تقرير المرصد (2011- 2012) مجموعة من المقترحات والتوصيات؛ حيث طالب بإحداث آلية مؤسساتية مركزية مستقلة عن المندوبية العامة للسجون تتمتع بضمانات دستورية، تشرف على مراقبة السجون طبقًا لمنهجية واستراتيجية محددة. وتتكون من مؤسسة الوسيط والمجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة والمرصد المغربي للسجون والهيئة الوطنية لأطباء القطاع العام ومؤسسة محمد السادس".

بالإضافة إلى اعتماد تواصل إعلامي منفتح وتعزيز العلاقة مع الجمعيات وفتح المؤسسات السجنية أمام الرأي العام، عبر إحداث بوابة إلكترونية تتضمن مختلف البيانات والمعطيات والتقارير ذات الصلة(23). وجاء في مذكرة إصلاح القضاء بالمغرب التي قدمها عشر جمعيات، أن الإصلاحات الحقيقية للسجون لا تنفصل عن الإصلاحات الشاملة للعدالة والقضاء؛ وذلك من منطلق مسؤولية النيابات العامة وقضاة التحقيق وقضاة تنفيذ العقوبات، والقرارات التي تُتخذ في كل مؤسسة من هذه المؤسسات، فيما يخص أوضاع الاكتظاظ وسوء المعاملة وأي انتهاكات لحقوق السجناء رجالاً ونساءً وأحداثًا(24).
__________________________________________
إدريس لكريني - مدير مجموعة الأبحاث والدراسات الدولية حول إدارة الأزمات

المصادر
1- لمزيد من التفاصيل في هذا الصدد؛ يراجع د. محمد أحمد المشهداني: أصول علمي الإجرام والعقاب في الفقهين: الوضعي والإسلامي؛ دار الثقافة للنشر والتوزيع؛ الأردن، الطبعة الأولى؛ الإصدار الثاني 2008.
2- مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (فيينا): كتيب لقيادات السجون؛ أداة تدريب أساسية ومنهج دراسي لقيادات السجون وفقًا للمعايير والقواعد الدولية؛ منشورات الأمم المتحدة؛ نيويورك إبريل/نيسان 2013؛ ص10.
3- لمزيد من التفاصيل؛ بهذا الخصوص؛ انظر الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة؛ على الرابط:
http://www.un.org/arabic/events/conferences/crime/conference.htm
4 - تشير التقارير إلى أن الطاقة الاستيعابية لجميع السجون المغربية لا تتعدى 40000 سجين؛ فيما يتواجد بداخلها أكثر من 80000 نزيل.
5- المجلس الوطني لحقوق الإنسان: العقوبات البديلة؛ سلسلة المساهمة في النقاش العمومي رقم 5؛ نسخة إلكترونية؛ الموقع الإلكتروني للمجلس الوطني لحقوق الإنسان؛ الفقرة 7.
6- يتعلق الأمر بإجراء يقضي بسلب حرية المتهم لفترة يحددها القانون ووضعه داخل إحدى المؤسسات السجنية على سبيل الاحتياط خلال مباشرة الدعوى الجنائية، وهو إجراء استثنائي أكَّد عليه الفصل 159 من قانون المسطرة الجنائية المغربي.
7- د. إدريس عبد الجواد عبد الله بريك: الحبس الاحتياطي وحماية الحرية الفردية في ضوء آخر تعديلات قوانين الإجراءات الجنائية (دراسة مقارنة)؛ دار الجامعة الجديدة. مصر 2008؛ ص17.
8- انظر نص البيان كاملاً؛ على الموقع الإلكتروني للجمعية المغربية لحقوق الإنسان؛ الرابط:
http://www.amdh.org.ma/ar/communiques-ar/com-21-associations-dh/pr
9- انظر في ذلك الموقع الإلكتروني لهسبريس؛ على الرابط:
http://www.hespress.com/societe/68397.html
10- يسعى المرصد إلى النهوض بحقوق السجناء عبر سبل التوعية والتحسيس واستقبال الشكايات ومعالجتها ومراسلة المعنيين بشأنها.
11- المرصد المغربي للسجون: السجن، المواطنة وحقوق الإنسان، التقرير السنوي 2011-2012؛ الطبعة الأول 2012؛ ص26. 
12 - جريدة المساء؛ المغرب؛ 22 يونيو/حزيران 2012.
13- انظر بلاغ المجلس الوطني للمنظمة بتاريخ 30 يونيو/حزيران 2012، منشور على الموقع الإلكتروني للمنظمة؛ الرابط:
http://www.omdh.org/def.asp?codelangue=29&id_info=1432
14- الجمعية المغربية لحقوق الإنسان: الندوة الصحفية الخاصة بتقديم التقرير السنوي حول انتهاكات حقوق الإنسان بالمغرب سنة 2013؛ الرباط، 18 يونيو/حزيران 2014؛ التصريح الصحفي؛ على الرابط:
http://www.amdh.org.ma/ar/publications/cp-rapport-2013-declaration
15- وهي وضعية كان بالإمكان إسقاطها على باقي المؤسسات السجنية بالمغرب.
16- انظر نص التقرير بالكامل الصادر عن البرلمان برسم الدورة التشريعية (2011-2012)؛ على موقع جسور (بوابة المجتمع المدني مشرق-مغرب)؛ الرابط:
www.e-joussour.net/filesالمهمة الاستطلاعية.pdf
17- الأمم المتحدة: العهـد الدولي الخاص بالحقــوق المدنيـة والسياسية، اللجنة المعنية بحقوق الإنسان؛ الدورة الثانية والثمانون؛ النظر في التقارير المقدمة من الدول الأطراف بموجب المادة 40 من العهد؛ الملاحظات الختامية للجنة المعنية بحقوق الإنسان؛ المغرب 1 ديسمبر/كانون الأول 2004؛ الموقع الإلكتروني للمفوضية السامية لحقوق الإنسان (الأمم المتحدة)؛ على الرابط:
http://www.ohchr.org/AR/countries/MENARegion/Pages/MAIndex.aspx
18- لجنة مناهضة التعذيب: الدورة السابعة والأربعون 31 أكتوبر/تشرين الأول-25 نوفمبر/تشرين الثاني 2011؛ النظر في التقارير المقدمة من الدول الأطراف بموجب المادة 19 من الاتفاقية؛ الملاحظات الختامية للجنة مناهضة التعذيب الخاصة بالمغرب؛ الموقع الإلكتروني للمفوضية السامية لحقوق الإنسان (الأمم المتحدة)؛ المرجع السابق.
19- وزارة الخارجية الأميركية؛ مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل: التقارير القُطرية حول ممارسات حقوق الإنسان لعام 2013؛ ص 5؛ على الموقع الإلكتروني:
http://www.humanrights.gov/wp-content/uploads/2014/04/Morocco-ARA-FINAL.pdf
20- جريدة القدس العربي؛ لندن؛ بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول 2014.
21- مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (فيينا): كتيب لقيادات السجون؛ أداة تدريب أساسية ومنهج دراسي لقيادات السجون وفقًا للمعايير والقواعد الدولية؛ منشورات الأمم المتحدة؛ نيويورك إبريل/نيسان 2013؛ ص 115.
22- المرصد المغربي للسجون: تقرير حول وضعية السجون وحقوق السجناء 2009- 2010؛ ص88.
23- المرصد المغربي للسجون: السجن، المواطنة وحقوق الإنسان، المرجع السابق؛ ص42.
24- مذكرة إصلاح القضاء بالمغرب؛ يونيو/حزيران 2010؛ ص26؛ نسخة إلكترونية؛ الموقع الإلكتروني لجمعية عدالة: http://www.justicemaroc.org

ABOUT THE AUTHOR