الفضائيات الليبية ودورها في الصراع السياسي العسكري

تعالج الدراسة دور القنوات الفضائية الليبية في الصراع السياسي والنزاع العسكري من خلال مبحثين دراسيين متكاملين؛ هما: اتجاهات المشاهدين نحو هذه القنوات، وتحليل محتوى بعض برامجها الإخبارية؛ وهو ما يُتيح دراسة كيفية تغطيتها الإخبارية للأزمة، ودورها في الصراع وتأثيراتها في الرأي العام.
201529101135899734_20.jpg
[الجزيرة]

ملخص

ترصد الدراسة دور القنوات الفضائية المحلية في الصراع السياسي والنزاع العسكري بين مكونات المشهد الليبي بعد أن أصبح للدولة حكومتان وجهازان تشريعيان، وبات لكل طرف أنصار وموالون وقنوات فضائية ومحطات إذاعية وصحف تتحكَّم فيها توجُّهات وسياسة مُمَوِّليها؛ وهو ما يُثير أسئلة كثيرة بشأن مصداقية تغطيتها الإخبارية للأزمة السياسية والمؤسساتية التي تشهدها البلاد، وحجم متابعتها وانتشارها، ثم دورها في هذه الأزمة وتأثيراتها في الرأي العام.
وتحاول الدراسة الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال قياس حجم متابعة أفراد العينة للقنوات الفضائية المحلية، ودورها في تغطية الأزمة السياسية والعسكرية، والتعرف على أهم الموضوعات التي تركز عليها، وتحديد آلية وأساليب تغطيتها، ومدى مصداقيتها وتحيزها، وتأثير تلك التغطية في اتجاهات الجمهور نحوها. وقد اعتمد الباحث المنهج الوصفي لتحليل مشكلة الدراسة؛ مُستخدمًا استمارة استبيان للدراسة الميدانية لعينة من طلبة وأعضاء هيئة التدريس بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا بطرابلس، واستمارة لتحليل عينة من البرامج الإخبارية في القنوات الفضائية.
وخلصت الدراسة إلى تدني مستوى مشاهدة القنوات الفضائية الليبية بصفة منتظمة (دائمًا) أو بشكل غير منتظم (أحيانًا) لدى أفراد العينة؛ لكونها مُتحيِّزة ولا تمثل إلا الجهة التابعة لها، وغير موضوعية وتفتقر إلى التوازن والشفافية في تغطيتها لتطورات الأزمة، كما أنها تُسهم في تأجيج الصراع، ولا تلتزم بأخلاقيات المهنة والقواعد الحاكمة للممارسة الإعلامية في معالجة تداعيات الأحداث، وتخالف التشريعات القانونية والأخلاقية في العديد من برامجها؛ بل يرى أفراد العينة أن تلك القنوات تُعَدُّ مشكلة في حدِّ ذاتها؛ لأنها أداة من أدوات الاقتتال والتفرقة؛ لذلك يعتمد المشاهد على مصادر بديلة في الحصول على الأخبار والمعلومات عن تطورات الأزمة وتداعياتها، ومن أهمها مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الفضائية؛ كالعربية، والعربية الحدث، وفرنسا 24، والجزيرة، وBBC عربي، وغيرها.

مقدمة

شهدت ليبيا كغيرها من بلدان الربيع العربي تحوُّلاً كبيرًا في مختلف جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بعد ثورة 17 من فبراير/شباط 2011، كما عرف الحقل الإعلامي تغيُّرًا كبيرًا في بنيته، وفي خطاب وسائله، ولم تَعُدِ التشريعات واللوائح والتوجيهات السياسية التي كانت تعيق صدور هذه الوسائل وانتشارها ذات اعتبار، كما أن التصريح بإنشاء أية وسيلة إعلامية لم يَعُدْ له مكان بعد التغيير الذي حدث في ليبيا، إضافة إلى ذلك فإن الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الانتقالي بعد التغيير السياسي أعطى الحق في حرية التعبير والاتصال والتملك بناء على "المادة 14" منه(1). فالقنوات المرئية والمسموعة والصحف التي كانت تُعَدُّ بأصابع اليد الواحدة أصبحت تزداد يومًا بعد يوم، وباتت الأحزاب السياسية وبعض المناطق الجهوية تملك قنوات إذاعية وصحفًا، إضافة إلى ما تملكه الدولة وأصحاب رؤوس الأموال؛ مما زاد من تعدُّد الوسائل الإعلامية المتنوِّعة التي أثَّرت بشكل كبير في تشكيل المشهد السياسي وما عرفه من أحداث لاحقة؛ فأصبحت تَظْهَر للعيان خلال كل فترة قناةٌ إذاعية ذات توجه سياسي، أو أيديولوجي، تحاول من خلال برامجها استقطاب أكبر عدد من المشاهدين والمستمعين والتأثير فيهم.

1. الإطار المنهجي للدراسة

أ- مشكلة الدراسة

بعد فترة قصيرة من نجاح ثورة 17 من فبراير/شباط 2011 شهدت ليبيا تقلُّبات سياسية واجتماعية، واختلافات فكرية وجهوية، وانقسامات حزبية، وصراعًا على السلطة والزعامة، كما سبَّب انتشار السلاح بين الأفراد والمناطق والتشكيلات المسلحة في تعقيد المشهد السياسي والاجتماعي في ليبيا، وزادت حدَّة الخلاف حتى وصلت البلاد إلى صراع مسلَّح واقتتال بين العديد من التنظيمات والمناطق المسلحة المختلفة فكريًّا أو سياسيًّا أو جهويًّا على الرغم من التحامها وترابطها في جبهة واحدة ضدَّ النظام السابق في جميع الجبهات خلال بداية الأحداث.

وفي الجانب الإعلامي تمكَّن العديد من المناطق والأحزاب والتنظيمات السياسية، والهيئات الحكومية، ورجال الأعمال، والسياسيين، من إنشاء صحف وقنوات إذاعية ومواقع إلكترونية لخدمة أهدافهم وتوجهاتهم، وكسب أكبر عدد من الموالين والمؤيدين لهم(2)، ومع تطور الأحداث خلال عام 2014، خاصة بعد انتخاب مجلس النواب وانتهاء مدة المؤتمر الوطني، والإشكاليات التي حصلت حول انتقال البرلمان والحكومة الانتقالية إلى طبرق شرق ليبيا، وتشكيل حكومة الإنقاذ من قِبَل المؤتمر الوطني بطرابلس؛ أصبح للدولة الليبية حكومتان وجهازان تشريعيان، وبات لكل طرف أنصار وموالون، وقنوات إذاعية تسير وفق توجهات وسياسة الجهة التي تُمَوِّلها أو تُؤَيِّدها؛ ومن ثَمَّ أصبحت أغلب وسائل الإعلام طرفًا في الصراع والانقسام، وأداة لإشعال فتيل الحرب والانقسام؛ فانحاز أغلبها إلى طرف دون الآخر؛ مما أثَّر في كيفية تعاملها مع الأحداث، وأساليب تغطيتها للأزمة السياسية والعسكرية التي تشهدها ليبيا، ومصداقيتها في نقل الأخبار، وتفسيرها وتحليلها للمعلومات المتداولة عن الأزمة، فأثَّر ذلك بدوره في حجم متابعتها واتجاهات المشاهدين نحوها. هذه القضايا وغيرها تشكِّل إطار الحقل الاستفهامي الآتي:

ب- تساؤلات الدراسة

تساؤلات الدراسة الميدانية:

1. ما مدى حرص المتلقي في ليبيا على مشاهدة القنوات الفضائية المحلية؟ وهل أثرت كيفية تغطية تلك القنوات للأزمة السياسية والعسكرية الليبية على اتجاهات المشاهدين نحوها؟
2. هل تُعَدُّ القنوات الفضائية الليبية المصدر الرئيس للأخبار والمعلومات عن الشأن المحلي للمشاهد في ليبيا؟ وهل توجد لديه بدائل أخرى عنها؟
3. كيف يُقَيِّم المشاهدون القنوات الفضائية الليبية في تغطيتها للأزمة السياسية والعسكرية؟
4. ما مدى توافر معايير الموضوعية والحيادية والشفافية في القنوات الفضائية الليبية عند تناولها للأزمة؟
5. إلى أي مدى انحازت القنوات الفضائية الليبية إلى أحد أطراف الأزمة؟
6. هل أسهمت القنوات الفضائية الليبية في حلِّ الأزمة السياسية والعسكرية أم في تعقيدها؟

تساؤلات الدراسة التحليلية:

1. ما أهم القضايا السياسية والعسكرية التي تعالجها القنوات الفضائية الليبية محل الدراسة؟ وما أجندتها الإخبارية؟
2. ما المصادر التي تعتمد عليها كل قناة في التغطية الإخبارية للأزمة؟
3. ما اتجاه المادة الإعلامية في البرامج الإخبارية في قنوات الدراسة نحو القضايا السياسية والعسكرية في ليبيا؟
4. ما طريقة عرض القضايا السياسية والعسكرية في التغطية الإخبارية؟
5. ما أساليب الإقناع التي تستخدمها كل قناة في تغطيتها للأزمة السياسية والعسكرية في ليبيا؟

ج- أهمية الدراسة

لا تزال الدراسات التي تتناول وسائل الإعلام الليبية عقب ثورة 17 من فبراير/شباط قليلة ونادرة؛ خاصة بعد التطورات السياسية التي شهدتها ليبيا في الفترة الأخيرة (انقسام مؤسساتي عمودي)، فأصبحت دراسة وسائل الإعلام المحلية وموقعها من تلك التطورات ذات أولوية قصوى، كما أن المكتبة الليبية والعربية في حاجة إلى دراسات إعلامية ميدانية وتحليلية تتعلَّق بمدى إسهام وسائل الإعلام الليبية في التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والوقوف على دورها في هذه المرحلة سلبًا أو إيجابًا.

إن التغيرات التي عرفتها وسائل الإعلام الليبية في الكم والكيف، وما تشهده حرية الرأي والتعبير من تراجع وتدهور، تحتاج إلى توثيق وتحليل لكل المراحل للتعرف على الإخفاقات والنجاحات التي حققتها تلك الوسائل.

د- أهداف الدراسة

تهدف الدراسة إلى:

1. التعرف على مدى متابعة المشاهدين في ليبيا للقنوات الفضائية المحلية، وأهم القنوات المفضلة لديهم في الحصول على الأخبار والمعلومات عن الأزمة السياسية والعسكرية في ليبيا.
2. التعرف على حجم اهتمام وسائل الإعلام المحلية بالأزمة السياسية والعسكرية.
3. تحديد اتجاهات التغطية الإخبارية للأزمة في القنوات الفضائية المحلية، وكيفية تناولها.
4. التعرف على تأثير اتجاهات التغطية الإخبارية في متابعة القنوات الفضائية المحلية.
5. التعرف على القضايا والموضوعات التي تركز عليها القنوات الفضائية.
6. تحديد مدى استغلال أطراف الصراع لوسائل الإعلام المحلية في طرح آرائهم وأفكارهم.

هـ- مجتمع الدراسة

مجتمع وعينة الدراسة الميدانية:

أولاً: من حيث الوسيلة اختار الباحث القنوات الفضائية الليبية لتمثل وسائل الإعلام المحلية؛ وذلك باعتبارها أكثر انتشارًا وشعبية بعد التغيير الذي حصل في ليبيا، كما أثبتت الدراسات أن القنوات الفضائية أصبحت اليوم أكثر الوسائل الإعلامية متابعة من قِبَل المشاهدين؛ وذلك من خلال تأثيرها وحضورها الواضح والملموس لدى المواطن؛ إذ باتت تشكِّل واقعًا إعلاميًّا متميزًا لدى شرائح كبيرة من المجتمع(3)، وبخاصة في ليبيا في ظلِّ تعثُّر الطباعة، وتوقُّف العديد من الصحف بعد صدورها، فقد تقلَّص عددها من 341 مطبوعة إلى 47 مطبوعة بعد فترة وجيزة حسب إحصائية الهيئة العامة لتشجيع الصحافة سنة 2013(4)؛ أي: قبل تطور الأزمة الحالية.

إذًا، تمَّ اختيار القنوات الفضائية المرئية كمجتمع للدراسة؛ التي قُدِّر عددها أثناء فترة الدراسة في حدود 50 قناة فضائية متنوِّعة الاتجاه والتخصُّص والتبعية على الرغم من توقُّف بعضها بسبب الصراع الدائر، واعتمد الباحث في دراسته على 16 قناة فضائية كعينة عمدية؛ وهي التي تبثُ نشرات إخبارية وبرامج سياسية ومتابعات مرئية، واستبعد القنوات المتخصصة في شؤون الأطفال والموسيقى والمنوعات والتراث وغيرها من البرامج. وتمَّ اختيار تلك العينة لدراسة تغطيتها الإخبارية للأزمة الليبية، ويُقصد هنا بالتغطية كيفية متابعة وتحليل وتفسير الأخبار والمعلومات الخاصة بالأزمة السياسية والعسكرية الليبية من قِبَل القنوات الفضائية المحلية التي تخصِّص نشرات إخبارية وبرامج إذاعية لمعالجة الشأن الليبي بشكل متواصل، ولم تتوقَّف عن البثِّ خلال فترة الأحداث.

ثانيًا: من حيث المتلقِّي (المشاهد) اختار الباحث طلبة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه) وأعضاء هيئة التدريس بالأكاديمية الليبية لتكون عينة للمشاهد الليبي، ويقصد بالعينة مجموعة من المفردات تعكس بصورة دقيقة خصائص وأوضاع المجتمع الذي سُحبت منه(5). واختار الباحث هذه العينة العمدية لأسباب عدَّة؛ منها تواجدها خلال فترة الدراسة، ثم لقدرة أفراد العينة على الاختيار والتميز بين ما يُقَدَّم من هذه القنوات؛ نظرًا إلى المستوى التعليمي والثقافي، والعامل العمري لهذه الفئة من المجتمع؛ فهم يُعَدُّون الأكثر اطلاعًا على حيثيات الأزمة والاختلافات بين أطرافها، ولقدرتهم على تحليل الخطاب الإعلامي في تلك القنوات، كما أن الأكاديمية الليبية للدراسات العليا تُعَدُّ أقدم مؤسسة للدراسات العليا في ليبيا؛ ولأنها تشمل العديد من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس من مختلف المناطق الليبية، وتمَّ اختيار 310 مبحوثين كعينة قصدية تمثل الدراسة الميدانية؛ منهم 260 طالبًا و50 عضوًا في هيئة التدريس مع استبعاد مشاركتين لا تنطبق عليهما الشروط العلمية ليُصبح عدد أفراد العينة 308 مبحوثين.

مجتمع وعينة الدراسة التحليلية:

يتمثَّل مجتمع الدراسة التحليلية في البرامج الإخبارية في قناتي ليبيا أولاً، وليبيا الأحرار(6)، واقتصرت عينة الدراسة التحليلية على نشرتي الأخبار؛ اللتان يتمُّ بثُّهما يوميًّا عند الساعة التاسعة مساءً في القناتين. وقد خضعت نشرتا الأخبار للتحليل الكمي في الفترة الممتدة من 11 من ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى 30 من ديسمبر/كانون الأول 2014، بعد البدء في عملية توزيع استمارة الاستبيان الخاص بالدراسة الميدانية لتتزامن مع الفترة نفسها، وتكمن مبررات اختيار مجتمع الدراسة التحليلية والعينة في الآتي:

1. ظهرت قناة ليبيا الأحرار في 25 من مارس/آذار 2011؛ وهي تُبَثُّ من قطر، وتُعَدُ أول قناة غير حكومية بعد ثورة 17 من فبراير/شباط، وقد تولى إدارتها في المرحلة الأولى الصحفي محمود شمام رئيس التحرير السابق لمجلة نيوز ويك7).
2. تأسست قناة ليبيا أولاً في مارس/آذار 2011، وبدأت البثُّ من القاهرة في إبريل/نيسان 2011 ويُموِّلها رجلا الأعمال الليبيان حسونة طاطاناكي وحازم الكاديكي المحسوبان على التيار الليبرالي.
3. تعتبر قناتا: ليبيا أولاً، وليبيا الأحرار، من القنوات الخاصة.
4. استمرَّت القناتان في البثِّ وتقديم البرامج الإخبارية أثناء فترة الأزمة التي تمرُّ بها ليبيا.
أما اختيار نشرة أخبار التاسعة في قناتي ليبيا أولاً وليبيا الأحرار، عينةً للدراسة التحليلية؛ فذلك يرجع إلى أنهما تعرضان وتتناولان أهم الأحداث اليومية الجارية في ليبيا، وتغطيتها بالتعليق والتحليل من خلال آراء المحللين السياسيين والعسكريين.

و- منهج الدراسة وأدواتها

تعتمد معظم الدراسات الإعلامية على المنهج الوصفي الذي يقوم بدراسة الأحداث والظواهر والآراء وتفسيرها للوصول إلى نتائج يمكن الاعتماد عليها في دراسة الواقع والتنبؤ بالمستقبل، وقد أدركت الدراسات الإعلامية أهمية هذا المنهج؛ فهو يُعَدُّ جهدًا منظَّمًا للحصول على بيانات ومعلومات تتعلَّق بموضوع البحث من أجل التعرُّف على الظاهرة وتشخيصها للتعرُّف على جوانب قوتها وضعفها؛ فهذه البيانات والمعلومات يمكن تصنيفها وتفسيرها وتعميمها لأجل إجراء التعديلات المطلوبة تمَّ اقتراح التوصيات المناسبة بخصوصها(8). ومن خلال هذا المنهج تمَّ مسح مشاهدي القنوات الفضائية من العينة المختارة للتعرُّف على آرائها وأفكارها واتجاهاتها ودوافعها من مشاهدة تلك القنوات، كما استخدم الباحث المنهج المسحي في الدراسة التحليلية لعينة من البرامج الإخبارية في قناتي الدراسة التحليلية؛ وذلك من خلال تحليل المضمون الذي يمثل أحد تصنيفات الدراسات المسحية، وفقًا لأهداف وتساؤلات الدراسة.

استمارة الاستبيان الخاصة بالدراسة الميدانية:

تُعَدُّ استمارة الاستبيان من أهم الأدوات التي تُستخدم في جمع المعلومات والبيانات للدراسات الميدانية والتطبيقية؛ حيث قام الباحث بتصميم استمارة الاستبيان بهدف الحصول على المعلومات المناسبة المتعلقة بأهداف الدراسة وتساؤلاتها، وقُسِّمت إلى ثلاثة محاور: شمل المحور الأول البيانات الشخصية، وتناول المحور الثاني مشاهدة القنوات الفضائية الليبية، وكان المحور الثالث يتعلَّق بالتغطية الإخبارية للأحداث السياسية والعسكرية في ليبيا. وقد تمَّ تحكيم الاستمارة بعرضها على مجموعة من الخبراء والمختصين(9)؛ الذين أُخذت ملاحظاتهم وآراؤهم حولها، وقام الباحث صحبة مجموعة من المتعاونين بتوزيع تلك الاستمارات على عينة الدراسة، واستخدم برنامج التحليل الإحصائي المعروف اختصارًا بـ(SPSS) لتفريغ البيانات، واستخراج التكرارات والنسب المئوية، ولم يتم استخدام العلاقات الترابطية لضيق الوقت ومحدودية حجم الدراسة.

استمارة تحليل بيانات الدراسة التحليلية:

اعتمد الباحث استمارة تحليل المضمون كأداة رئيسة لجمع البيانات في الدراسة التحليلية لمضمون العينة؛ التي تمَّ تحديد شكلها النهائي بعد مرورها بعدَّة مراحل متسلسلة(10)، وتناولت استمارة التحليل أهمَّ القضايا المتعلِّقَة بالأزمة السياسية والعسكرية في ليبيا؛ ومن أهمها:

  • مجلس النواب وما يصدره من قرارات.
  • المؤتمر الوطني وما يصدره من قرارات.
  • العمليات العسكرية لما يُعرف بقوات جيش الكرامة.
  • العمليات العسكرية لما يُعرف بقوات جيش فجر ليبيا.
  • الدستور والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.
  • الحوار.

ز- حدود الدراسة

- الحدود الجغرافية والبشرية: اقتصرت الحدود الجغرافية للدراسة الميدانية على الأكاديمية الليبية للدراسات العليا بطرابلس من خلال عينة من طلبة وأعضاء هيئة التدريس بالأكاديمية.

- الحدود الزمنية: امتدت فترة الدراسة الميدانية من بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني إلى شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2014. والحدود الزمنية للدراسة التحليلية هي الفترة الزمنية لتطبيق الدراسة التحليلية، وتمتد من 11 من ديسمبر/كانون الأول 2014 إلى 30 من ديسمبر/كانون الأول 2014.

ح- الصعوبات التي واجهت الدراسة

1. عدم استقرار النواحي الأمنية خلال فترة الدراسة؛ الأمر الذي جعل الوصول إلى عينة الدراسة صعبًا في بعض الأحيان؛ فضلاً عن الحالة النفسية السيئة التي تمرُّ بها ليبيا.
2. عدم استقرار بثِّ بعض القنوات الفضائية الليبية وانتظام برامجها، وانقطاع التيار الكهربائي وشبكة الإنترنت في أغلب الأحيان.
3. ضيق المدَّة المحدَّدة للدراسة والتزام الباحث ببرامج تدريسية وبحثية أخرى.

2. عرض وتحليل نتائج الدراسة الميدانية

أ- البيانات الشخصية لأفراد العينة

من خلال الدراسة الميدانية التي أُجريت في شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2014 على عينة من طلبة الدراسات العليا وأعضاء هيئة التدريس بالأكاديمية الليبية للدراسات العليا بلغ مجموعها 308 أفرادٍ؛ منهم 177 من الذكور بنسبة 57.5% من مجموع المبحوثين، و131 من الإناث بنسبة 42.5%، وانقسمت العينة من حيث الحالة الاجتماعية إلى 106 أفراد متزوِّجين بنسبة 34.5%، و202 من غير المتزوِّجين بنسبة 65.5%. ومن حيث العمر انقسمت العينة إلى مجموعتين رئيستين: الأولى أقل من 35 سنة، وشملت 174 مبحوثًا بنسبة 56.5%، والثانية أكثر من 35 سنة وشملت 134 فردًا بنسبة 53.5%، كما شملت عينة الدراسة الميدانية 258 مبحوثًا من طلبة الدراسات العليا (ماجستير ودكتوراه) بنسبة 83.8% من مجموع أفراد العينة، و50 مبحوثًا من أعضاء هيئة التدريس بالأكاديمية بنسبة 16.2%.

ب- مشاهدة القنوات الفضائية الليبية

انقسم هذا المحور إلى مجموعة نقاط شملت:
حجم مشاهدة القنوات الفضائية الليبية لدى أفراد العينة:

أظهرت نتائج الدراسة الميدانية تدنِّي مشاهدة القنوات الفضائية الليبية لدى أفراد العينة خلال فترة الدراسة؛ إذ لم تتجاوز نسبة المشاهدة أكثر من نصف أفراد العينة بالنسبة إلى الذين يشاهدونها بصفة منتظمة (دائمًا)، أو بشكل غير منتظم (أحيانًا)؛ وهو ما يُوَضِّحه الشكل البياني رقم (1) الذي يشير إلى ارتفاع نسبة الذين لا يشاهدون أغلب تلك القنوات:

وانقسمت القنوات من حيث المشاهدة إلى ثلاث مجموعات؛ وهي:

- المجموعة الأولى تضمُّ: النبأ بنسبة 56%، وقناة ليبيا أولاً بنسبة 55%، وقناة ليبيا لكل الأحرار بنسبة 50%.
- المجموعة الثانية وتضم: ليبيا TV بنسبة 43%، وقناة توباكتس 41%، وقناة مصراتة 40%، وقناة ليبيا الدولية بنسبة 40%، وقناة ليبيا 24 بنسبة 37%، وقناة الدردنيل بنسبة 36%، وقناة 17 فبراير/شباط بنسبة 31%.
- المجموعة الثالثة وتشمل أغلب القنوات التي تنعدم مشاهدتها أو نادرًا ما يتم مشاهدتها من قِبَل أفراد العينة؛ وهي: قناة الكرامة، وقناة فزان TV، وصوت القبائل، والتناصح، وبنغازي TV، وقناة بانوراما.

أسباب عدم مشاهدة القنوات الفضائية الليبية:

يوضح الجدول رقم (1) أسباب عدم مشاهدة القنوات الفضائية الليبية؛ التي بيَّنها أفراد العينة، وقد وُضِعَت بشكل تسلسلي من الأعلى إلى الأدنى:

لقد أسهمت هذه الأسباب في تدني مستوى مشاهدة القنوات الفضائية الليبية التي لم تحرص على استقطاب المشاهد وجذبه لمتابعتها؛ بل زاد انحيازها لأحد الأطراف وعدم موضوعيتها في تغطية الأخبار وتحليلها في عزوف الجمهور عنها؛ وهو ما يُظهره ويدعمه الشكل البياني رقم (2)؛ إذ إن ما يقارب نصف أفراد العينة قَلَّت المدة الزمنية التي يُخَصِّصونها لمشاهدة تلك القنوات أثناء الأزمة؛ ويدلُّ ذلك على عدم اعتمادها مصدرًا للأخبار والمعلومات عن الأزمة السياسية لدى أفراد العينة.

وبناء على تلك الأسباب أصبحت هذه القنوات لا تمثل مصدرًا مهمًّا للأخبار والمعلومات لدى أفراد العينة؛ مما جعلهم يعتمدون على بدائل أخرى للحصول على معلوماتهم عن الأزمة الليبية؛ ومن أهمها:

1. مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة 47%.
2. قناة العربية والعربية الحدث بنسبة 40%.
3. قناة فرنسا 24 بنسبة 28%.
4. قناة الجزيرة بنسبة 21.4%.
5. المواقع الإلكترونية الرسمية الليبية بنسبة 20%.
6. قناة BBC العربية بنسبة 18%.
7. القنوات الليبية المسموعة بنسبة 18%.
8. وسائل إعلامية أخرى بنسبة 23%.

ولم يذكر أفراد العينة الصحافة الليبية بديلاً عن القنوات الفضائية؛ مما يدل على عدم وجود دور لها في متابعة أحداث الأزمة، ولم يعدُّونها ضمن مصادرهم الإخبارية؛ فالصحافة كجزء من الإعلام الليبي يعاني منذ زمن من فقدان الثقة من قِبَل المتلقي؛ سواء كان قارئًا أو مستمعًا أو مشاهدًا؛ وذلك بسبب الخطاب الإعلامي الواحد والتوجُّه الفردي، وسيطرة الدولة وإشرافها المباشر على تلك الوسائل؛ الأمر الذي جعل ليبيا تحتل المرتبة 146 دوليًّا و16 عربيًّا عام 2010 في مؤشر حرية الإعلام(11)، ومع تحسُّن الوضع بعد التغيير الذي شهدته البلاد في نهاية عام 2011 وأوائل عام 2012 بارتفاع مستوى حرية التعبير، وزيادة أعداد الصحف والقنوات الصادرة بليبيا خلال فترة قصيرة، وإقبال الجمهور عليها؛ لكنها كانت طفرة في تاريخ حرية التعبير في ليبيا لم تدم طويلاً، فسرعان ما تعرَّض العديد من المؤسسات الإعلامية للاعتداء والتخريب، وكان عام 2014 من أسوأ المحطات في الاعتداء على الصحفيين في ليبيا؛ والأمثلة كثيرة كما حدث مع قناة العاصمة والحرة وليبيا لكل الأحرار وغيرها(12).

لقد أثَّرت الأزمة الحالية على وسائل الإعلام الليبية، وأصبحت أداة من أدواتها الرئيسة؛ فانعكس ذلك على مصداقيتها في نقل الأخبار وتفسيرها؛ مما أدَّى إلى عزوف المتلقِّين عنها والتشكيك في انحيازها لطرف دون آخر، وغياب الموضوعية في تغطيتها كما جاء في الفقرات التي أجاب عنها المشاهدون؛ فعلى سبيل المثال فإن القنوات التي تُصْدَر أو تُمَوَّل في المنطقة الغربية لابُدَّ أن تنشر وتُحَلِّل ما تُريده الحكومة الموجودة بطرابلس، وتنقل أخبار "فجر ليبيا والشروق" وتُحَلِّلها بشكل إيجابي. والقنوات التي تُصْدَر أو تُموَّل في المنطقة الشرقية لابُدَّ أن تنشر وتُحَلِّل ما تُريده حكومة طبرق، وتنقل أخبار "الكرامة" وتُحَلِّلها بشكل إيجابي؛ وهي أمور جعلت العديد من المشاهدين يتحولون إلى قنوات أخرى بدلاً من القنوات المحلية في الحصول على أخبار ومعلومات هذه الأزمة.

ومن خلال التساؤل عن الوقت الذي يُخَصِّصه أفراد العينة لمشاهدة القنوات الفضائية الليبية، تَبَيَّن أن ما نسبته 50% من أفراد العينة يُشاهدون القنوات الفضائية الليبية أقل من ساعة في اليوم، وأن 30% من أفراد العينة يُشاهدونها من ساعة إلى أقل من ساعتين في اليوم، وأن 10% يُشاهدونها من ساعتين إلى ثلاث ساعات في اليوم، في حين أن 4.5% من أفراد العينة فقط يشاهدونها أكثر من ثلاث ساعات يوميًّا؛ وهذه المدَّة تُعَدُّ قليلة إذا ما قُورنت بما يخصصه المتلقي في ليبيا لمشاهدة القنوات الفضائية الأخرى حسب نتائج العديد من الدراسات السابقة التي تناولت المشاهد الليبي(13).

ج- التغطية الإخبارية للصراع السياسي والنزاع العسكري في ليبيا

يرى أكثر من نصف أفراد العينة حسب الشكل البياني رقم (3) أن الفضائيات الليبية "أسهمت إلى حدٍّ ما" في نقل أخبار الأزمة؛ أي: أن اهتمام القنوات الفضائية الليبية بالصراع السياسي والنزاع العسكري بين مكونات المشهد الليبي كان واضحًا؛ لأنه شأن محلي، وهذا يدخل ضمن اختصاصها. فكل طرف يحرص على أن يستحوذ على أكبر قدر من المتابعين؛ فيتولى إرسال أخباره وصوره إلى قنواته، أو يقوم بتسهيل مهمة الصحفيين والمراسلين التابعين له للوصول إلى مواقع الحدث والمناطق التي يُسيطر عليها، أو دعوتهم للمؤتمرات الصحفية التي يُعِدُّها لشرح وجهة نظره، كما تتولَّى القنوات الفضائية -خاصة الموالية أو المتعاطفة معه- بنقل تلك الأخبار وتحليلها، وإجراء المقابلات الخاصة حولها.

تقييم إسهام القنوات الفضائية الليبية في تغطية الأزمة:

تُظهر نتائج الجدول رقم (2) تطابق إجابات أفراد العينة إلى حدٍّ كبير بشأن "أسباب عدم مشاهدتهم للقنوات الفضائية الليبية"، وفي تقييمهم لتغطية تلك القنوات التي لا يشاهدونها لافتقارها للموضوعية والحياد والشفافية؛ وقد أظهرت العبارات المذكورة تحيُّز القنوات وإسهامها في تأجيج وإثارة المشاكل بنسب مرتفعة كالآتي:

لقد أسهمت الأزمة التي تشهدها ليبيا في تعميق الهوة بين المشاهد من جهة وبين القنوات الفضائية الليبية من جهة أخرى بسبب عدم حياديتها وتأجيجها للصراع لتصبح مشكلة في حدِّ ذاتها، فمن خلال متابعة الباحث لبعض البرامج التي تبثُّها هذه القنوات تَبَيَّن وجود عدد من الشخصيات الإذاعية والبرامج التي لا تلتزم بمعايير المهنة وأخلاقياتها وتسهم إلى حدٍّ كبير في زيادة الخلاف بخطاب حماسي عاطفي خالٍ من الأدلة والأرقام والحقائق وأسلوب إذاعي بذيء يصل إلى السبِّ والشتم على الهواء مباشرة في برامج تُبَثُّ بشكل يومي لا تخدم المصلحة العامة للوطن والمواطن.

انحياز القنوات الفضائية الليبية لأحد أطراف الأزمة:

أظهرت إجابات أفراد العينة أن جميع القنوات الفضائية الليبية منحازة لأحد أطراف الصراع على النحو التالي:

أولاً: القنوات المنحازة إلى الحكومة الانتقالية والبرلمان بطبرق مرتبة ترتيبًا تنازليًّا حسب نسبة انحيازها؛ وتشمل:
1-قناة الكرامة، 2- قناة ليبيا أولاً، 3- قناة ليبيا الدولية، 4- قناة صوت القبائل، 5-قناة ليبيا 24، 6- قناة ليبيا TV، 7- قناة بنغازي TV، 8- قناة الدردنيل.

ثانيًا: القنوات المنحازة إلى حكومة الإنقاذ والمؤتمر الوطني بطرابلس مرتبة ترتيبًا تنازليًّا حسب نسبة انحيازها؛ وتشمل:
1- قناة مصراتة، 2- قناة النبأ، 3- قناة توباكتس، 4- قناة ليبيا لكل الأحرار، 5- قناة 17 فبراير/شباط 6- قناة التناصح، 7- قناة فزان TV، 8- قناة بانوراما.

سمات المعالجة الإعلامية للأزمة:

تمارس القنوات الفضائية تغطيتها للصراع السياسي والنزاع العسكري من خلال ما تُقَدِّمه من نشرات إخبارية وتقارير وندوات وبرامج حوارية ولقاءات وأقوال الصحف، وما يدور في الشارع، وما تنقله وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي؛ ففي هذه الممارسة يظهر حجم اهتمام القناة بالأزمة واتجاهات معالجتها للأحداث والوقائع، وفي هذا السياق يرى أفراد العينة من خلال إجاباتهم عن التساؤل الحادي عشر المتعلق بكيفية ممارسة القنوات الفضائية الليبية للتغطية الإخبارية للأزمة أنها تنحصر في النقاط الواردة بشكل تسلسلي في الجدول رقم (3) التالي:

تُظهر إجابات أفراد العينة أن القنوات الفضائية لم تستطع أن تُقَدِّم الحلول عند تناولها لقضايا الأزمة الليبية، وباعتبار أن أغلبها منحاز لأحد أطراف الأزمة فإنها تُرَكِّز على نشر وجهة نظر الطرف الموالي لها فقط، كما تحاول تشويه الطرف الآخر وتحميله المسؤولية، وتخصِّص جُلَّ وقتها للمناصرين، وتستضيف مَنْ يتولى الدفاع عنهم فقط دون الاستماع للطرف الآخر، وفي بعض الأحيان تقوم بنقل أخبار ومعلومات من مصادر مجهولة، وتنسبها إلى شاهد عيان، وكثيرًا ما يتضح أنها أخبار غير صحيحة أو كيدية؛ وهي ليست من مقومات الإعلام المسؤول الذي يحاول أن يستوعب كل الأطراف بمهنية وحرفية ويُقَدِّم الحقيقة مهما كانت نتائجها.

الحلول المقترحة لتنظيم عمل القنوات الفضائية:

تضمنت استمارة الاستبيان مجموعة من الفقرات تشمل اقتراحات لتنظيم عمل القنوات الفضائية في ليبيا، وطُلب من عينة الدراسة ترتيبها، والتأكيد عليها، وإضافة ما يرونه من مقترحات، فكانت النتائج على النحو الآتي:

1. وضع وتحديث التشريعات المنظِّمة للعمل الإعلامي بصفة عامة بنسبة 76%.
2. دعوة العاملين بالقنوات الفضائية لوضع ميثاق شرف للمهنة يلتزم به الجميع بنسبة 74%.
3. العمل على مساعدة تلك القنوات في تدريب وتطوير العاملين بها على احترام قواعد الممارسة الإعلامية بنسبة 73%.
4. إصدار التشريعات التي تسمح للصحفيين بالحصول على المعلومات بنسبة 70.5%.
5. دعم وتشجيع القنوات المحايدة والمعتدلة وتشجيع البرامج الجادة والناجحة بنسبة 70.1%.
6. وضع شروط وضوابط صارمة لإصدار التراخيص لبث العمل الفضائي بنسبة 66.2%.
7. إلغاء الرخص الممنوحة للقنوات الفضائية غير الملتزمة وتجميد عملها بنسبة 66%.

أما بخصوص فقرة "ترك القنوات الفضائية وشأنها دون تدخل من أحد حفاظًا على حرية التعبير" فقد أيدها 36.4% من أفراد العينة، وعارضها 37.4% من المبحوثين.

وتُبيَّن إجابات أفراد العينة أن هناك ضرورة لوضع آلية سريعة لعلاج الحالة السيئة التي تمر بها وسائل الإعلام الليبية في ظلِّ التخبط الذي تعيشه الدولة الليبية، خاصة أن وسائل الإعلام أصبحت في هذا العصر أداة للحرب والسلم، وما فعلته المؤسسة الإعلامية في ليبيا من انقسام وتشتت بين المناطق والعائلات وإسهامها في زيادة فتيل الحرب دليل واضح على خطورتها؛ مما يحتم على الدولة الليبية بمساعدة المجتمع الدولي الإسراع لعلاج هذه القضية.

3. عرض وتحليل نتائج الدراسة التحليلية

من خلال متابعة برامج قناة ليبيا أولاً وقناة ليبيا لكل الأحرار، فإن القضايا التي ركزت عليها التغطية ووجهت إليها الاهتمام ومثلت أبرز أجندتها الإخبارية، يمكن استعراضها حسبما بيَّنته نتائج الدراسة التحليلية في الجدول رقم (4) كالآتي:

- احتلت العمليات العسكرية المرتبة الأولى في المجموع العام للتغطية الإخبارية في قناتي الدراسة بنسبة بلغت 62.01%.
- جاءت قضايا المؤتمر الوطني وما يصدره من قرارات، والدستور والهيئة التأسيسية لصياغة الدستور في المرتبة الأخيرة في المجموع العام للتغطية الإخبارية في قناتي الدراسة؛ بنسبة بلغت 7.75% لكل منهما.
- جاءت العمليات العسكرية لقوات ما يعرف بجيش الكرامة في المرتبة الأولى في التغطية الإخبارية لقناة ليبيا أولاً بنسبة بلغت 79.01%.
- جاءت العمليات العسكرية لقوات ما يعرف بجيش فجر ليبيا في المرتبة الأولى في التغطية الإخبارية لقناة ليبيا الأحرار بنسبة بلغت 84.81%.
- جاءت قضايا المؤتمر الوطني وما يصدره من قرارات في المرتبة الأخيرة في التغطية الإخبارية لقناة ليبيا أولاً بنسبة بلغت 15%.
- جاءت قضايا مجلس النواب وما يصدره من قرارات في المرتبة الأخيرة في التغطية الإخبارية لقناة ليبيا الأحرار بنسبة بلغت 15.15%.

مصادر قناتي الدراسة في التغطية الإخبارية للأزمة:

- احتل المسؤولون المرتبة الأولى في مصادر المادة الإخبارية في قناة ليبيا أولاً بنسبة بلغت 25.2%.
- احتل المراسل المرتبة الأولى في مصادر المادة الإخبارية في قناة ليبيا الأحرار بنسبة بلغت 34.9%.
- بلغت نسبة المادة الإخبارية من دون مصدر 21.5% في قناة ليبيا أولاً، وبلغت 14.6% في قناة ليبيا الأحرار.

اتجاه المادة الإعلامية في التغطية الإخبارية للأزمة:

- بلغت نسبة الاتجاه المؤيد لقضايا مجلس النواب وما يصدره من قرارات في قناة ليبيا أولاً 89.3%، ونسبة الاتجاه المعارض صفر%.
- بلغت نسبة الاتجاه المؤيد لقضايا مجلس النواب وما يصدره من قرارات في قناة ليبيا الأحرار صفر%، ونسبة الاتجاه المعارض 80%.
- بلغت نسبة الاتجاه المؤيد لقضايا المؤتمر الوطني وما يصدره من قرارات في قناة ليبيا أولاً صفر%، ونسبة الاتجاه المعارض 100%.
- بلغت نسبة الاتجاه المؤيد لقضايا المؤتمر الوطني وما يصدره من قرارات في قناة ليبيا الأحرار 35.3%، ونسبة الاتجاه المعارض 5.9%، ونسبة الاتجاه المحايد 58.8%.
- بلغت نسبة الاتجاه المؤيد للعمليات العسكرية لقوات ما يعرف بجيش الكرامة في قناة ليبيا أولاً 90.6%، ونسبة الاتجاه المعارض صفر%.
- بلغت نسبة الاتجاه المؤيد للعمليات العسكرية لقوات ما يعرف بجيش الكرامة في قناة ليبيا الأحرار صفر%، ونسبة الاتجاه المعارض 82.4%، ونسبة الاتجاه المحايد 17.6%.
- بلغت نسبة الاتجاه المؤيد للعمليات العسكرية لقوات ما يعرف بجيش فجر ليبيا في قناة ليبيا أولاً صفر%، ونسبة الاتجاه المعارض 100%.
- بلغت نسبة الاتجاه المؤيد للعمليات العسكرية لقوات ما يعرف بجيش فجر ليبيا في قناة ليبيا الأحرار 65.7%، ونسبة الاتجاه المعارض صفر%.

ويتضح من خلال هذه الأرقام مدى انحياز القناتين لأحد أطراف الصراع على حساب الطرف الآخر؛ وهي النتائج نفسها التي أظهرتها الدراسة الميدانية عندما أكد 75% من أفراد العينة "أن أغلب القنوات الليبية متحيزة لطرف دون الآخر"؛ حيث بيَّن هؤلاء أن قناة ليبيا أولاً منحازة إلى "الحكومة الانتقالية المؤقتة والبرلمان بطبرق" بنسبة 72.4%، وأن قناة ليبيا لكل الأحرار منحازة إلى "حكومة الإنقاذ والمؤتمر الوطني بطرابلس" بنسبة 60.1%، كما اتضح -أيضًا- أن القناتين تحظيان بنسب متقاربة من حيت المشاهدة في إجابة السؤال رقم (1) "قناة ليبيا أولاً 54.8% وقناة ليبيا لكل الأحرار 49.6%".

أساليب الإقناع المستخدمة في التغطية الإخبارية:

- جاء أسلوب التحيز وعدم الدقة في طرح الموضوع في المرتبة الأولى لأساليب الإقناع المستخدمة في التغطية الإخبارية للأزمة في قناة ليبيا أولاً بنسبة بلغت 34.8%، تلاه مباشرة أسلوب المبالغة في طرح الموضوع واستثارة العواطف بنسبة 33.3%، وفي المرتبة الثالثة جاء أسلوب أمثلة واقعية وأحداث حقيقية بنسبة 26.7%.

- جاء أسلوب أمثلة واقعية وأحداث حقيقية في المرتبة الأولى لأساليب الإقناع المستخدمة في التغطية الإخبارية للأزمة في قناة ليبيا الأحرار بنسبة 34.9%، تلاه أسلوب التحيز وعدم الدقة في طرح الموضوع بنسبة بلغت 26.8%، وبفارق قليل جدًّا جاء أسلوب المبالغة في طرح الموضوع واستثارة العواطف في المرتبة الثالثة بنسبة 26.1%.

- جاء أسلوب أدلة وأرقام وحقائق وبيانات في المرتبة الأخيرة في القناتين.

4. النتائج

- أظهرت الدراسة الميدانية تدنِّي مشاهدة القنوات الفضائية الليبية لدى أفراد العينة بصفة منتظمة (دائمًا) أو بشكل غير منتظم (أحيانًا)، ولم تتجاوز نسبة المشاهدة أكثر من نصف المبحوثين إلا في 3 قنوات من أصل 16 قناة، وترجع أسباب عدم مشاهدة القنوات الفضائية الليبية حسب رأي أفراد العينة إلى كونها قنوات متحيزة ولا تمثل إلا الجهة التابعة لها، وأنها غير موضوعية وتفتقر إلى التوازن والشفافية في متابعتها للأخبار والأحداث، إضافة إلى تكرار برامجها وعدم توافر مراسلين لها في مواقع الحدث، كما أن أغلب أخبارها مجهول المصدر.

- يعتمد أغلب أفراد العينة على مصادر بديلة في الحصول على الأخبار والمعلومات عن الأزمة السياسية في ليبيا؛ ومن أهمها: مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض القنوات الفضائية؛ كالعربية والعربية الحدث وفرنسا 24 والجزيرة وBBC عربي، وغيرها.

- يُقَيِّم أفراد العينة دور القنوات الفضائية الليبية في تغطية الأزمة بالتحيز لطرف على حساب آخر، كما أن تلك القنوات أسهمت في تأجيج الصراع، ولا تسعى إلى وضع الحلول للخروج من الأزمة، ولا يلتزم أغلبها بأخلاقيات المهنة والقواعد الحاكمة للممارسة الإعلامية، كما تخالف التشريعات القانونية والأخلاقية، وتستضيف في بعض الأحيان شخصيات تثير المشاكل، ويرى أفراد العينة أن تلك القنوات مشكلة في حد ذاتها؛ لأنها أداة من أدوات الاقتتال والتفرقة، وهي لا تسهم في نقل الأخبار والمعلومات بحياد وموضوعية، ولا تطرح وجهات النظر المتعددة، ولا تزوِّد المشاهدين بالأخبار الواضحة عن الأزمة.

- يرى أفراد العينة أن تلك القنوات لم تسهم بدور كبير في الخروج من الأزمة؛ كالدعوة إلى ترك السلاح والحوار والتصالح، ولم تقم بدورها في الدعوة إلى عودة المهجَّرين، واحترام حقوق الإنسان، ونشر مبادئ المساواة وإقامة العدالة الانتقالية، كما أنها لم تقم بالدور المطلوب في الدعوة إلى إقامة دولة المؤسسات والديمقراطية، ولم تقم بدور فعال من خلال خطاب إعلامي مسؤول يراعي مصلحة الوطن والمواطن ويحقق الوفاق الاجتماعي.

- أظهرت الدراسة التحليلية أن أهم القضايا التي ركزت عليها القنوات الفضائية الليبية حسب تسلسلها هي: العمليات العسكرية لقوات الكرامة والعمليات العسكرية لقوات فجر ليبيا بنسب مرتفعة، ومجلس النواب وما يصدره من قرارات والحوار الوطني وأخبار الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور والمؤتمر الوطني وما يصدره من قرارات بنسب منخفضة.

- تعتمد قنوات الدراسة التحليلية على المسؤولين والمندوبين في حصولها على الأخبار عن الأزمة، ثم عرض الأخبار من دون مصدر، كما تعتمد على الاتجاه المؤيد عند تناولها لأخبار العمليات العسكرية للجهة الموالية لها والاتجاه المعارض عند تناولها لأخبار الطرف الآخر، ويغلب على معالجتهما تناول القضايا من دون تحليل. وتلجأ القناتان لأسلوب التحيز وعدم الدقة في طرح الموضوع الذي جاء في المرتبة الأولى لأساليب الإقناع المستخدمة في التغطية الإخبارية للأزمة، ثم أسلوب المبالغة في طرح الموضوع واستثارة العواطف في المرتبة الثانية، كما جاء أسلوب أمثلة واقعية وأحداث حقيقية في المرتبة الثالثة، في حين جاء أسلوب أدلة وأرقام وحقائق وبيانات في المرتبة الأخيرة في القناتين، وقد تطابقت نتائج الدراسة التحليلية مع نتائج الدراسة الميدانية.

وتقتضي هذه البيئة الإعلامية التي تُمَارِس فيها القنوات الفضائية نشاطها الإخباري:

- العمل على إصدار التشريعات والقوانين لتنظيم الممارسة الإعلامية للقنوات الفضائية في ليبيا، ووضع ميثاق شرف يلتزم به كافة العاملين بالقطاع الإعلامي خاصة القنوات الفضائية.

- تنظيم الدورات التدريبية للعاملين بالقنوات الفضائية حول أخلاقيات المهنة وأسس وآليات العمل الإعلامي الناجح بالاستفادة من الخبراء والمختصين بالمراكز البحثية وخبرة القنوات الفضائية المتطورة.

- العمل على حماية الصحفيين والمراسلين والمؤسسات الإعلامية، وتحميل أطراف الصراع مسؤولية سلامتهم ومحاسبة المسؤولين عن الأضرار التي تسببت لهم ولمؤسساتهم خلال فترة الأزمة الحالية.
___________________________________________________
* د. محمد علي الأصفر، أستاذ الإعلام في الجامعات الليبية.

المراجع
1. محمد علي الأصفر، حرية التعبير وتداول المعلومات في ليبيا بين تقييد المشرع وأوامر السلطة، مجلة جامعة الزيتونة، العدد 8، 2013، ص 29.
2. على سبيل المثال: قناة الزنتان، قناة مصراتة، قناة برقة، قناة ليبيا الدولية لحزب تحالف القوى الوطنية، قناة النبأ لحزب الوطن، قناة التناصح لحزب العدالة والبناء، قناة 17 فبراير/شباط وقناة الوطنية طرابلس لحكومة الإنقاذ، قناة الكرامة وقناة الوطنية البيضاء للحكومة الانتقالية.
3. حسين نيازي الصايفي، الفضائيات العربية في عصر العولمة (مصر: أيتراك، ط1، 2010)، ص 342.
4. هيئة دعم وتشجيع الصحافة، تقرير غير منشور، 2014.
5. شريف درويش اللبان، هشام عطية عبد المقصود، مقدمة في مناهج البحث الإعلامي (القاهرة: الدار العربية، ط 1، 2008) ص 66.
6. www.libyaawalan.tv ، www.libya.tv، تاريخ الدخول، 25 من ديسمبر/كانون الأول 2014.
7. ar.wikipedia.org، تاريخ الدخول 20 من يناير/كانون الثاني 2015.
8. سمير محمد حسن، بحوث الإعلام (القاهرة: عالم الكتاب، ط 2، 1995)، ص 197.
9. أسماء المحكمين:
أ. د. عابدين الدردير الشريف عضو هيئة التدريس بقسم الإعلام بجامعة الزيتونة ومدرسة الإعلام والفنون بالأكاديمية الليبية، د. العربي عقيلة عضو هيئة التدريس المشارك بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الزيتونة ومدرسة العلوم الاقتصادية بالأكاديمية الليبية، د. مسعود حسين التائب عضو هيئة التدريس المشارك بقسم الإعلام بجامعة الزاوية ومدرسة الإعلام والفنون بالأكاديمية الليبية، د. إبراهيم سالم اشتيوى عضو هيئة التدريس المحاضر بقسم الإعلام بجامعة الزيتونة.
10. تولى د. إبراهيم النعاجي متابعة الأخبار المرئية وتفريغها باستمارة الدراسة التحليلية.
11. عيسى قيدوم، عناوين المشهد الإعلامي في ليبيا، 28 من يونيو/حزيران 2008.
http://www.libya-watanona.com/adab/essa/ea20068a.htm
تاريخ الدخول على الموقع 2 من فبراير/شباط 2015.
12. خالد غلام، تقرير إخباري غير منشور، كلية الفنون والإعلام، 2014.
13. Direct Satellite Broadcasting Its Impact on the Audiences for Local Television Channels in Tripoli Libya, unpublished PhD dissertation, Manchester University, 2002.

ABOUT THE AUTHOR