نموذج التواصل السياسي لــ"كامبريدج أناليتكا": فبركة الأخبار وهندسة الجمهور

تبرز الدراسة أطر واستراتيجيات التواصل السياسي لشركة الاستشارات السياسية "كامبريدج أناليتكا"، وتعتبرها حالة دراسية للتواصل الاستراتيجي الذي يسعى فيه القائم بالفبركة لهندسة الجمهور والتأثير فيه باستخدام تقنيات معقدة لصناعة أخبار كاذبة ومحتويات دعائية مختارة بدقة تتجاوب مع حاجيات المستخدم المستهدف.
1b3b419f0ad647639107f52ab24edbd9_18.jpg
(الجزيرة)

مقدمة 

أعادت قضية "كامبريدج أناليتكا" وتداعياتها المشتغلين في حقول السياسة، وعلوم الإعلام والنفس والاجتماع في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، وغيرهما، إلى البحث مُجددًا في قدرة الإعلام والدعاية على التلاعب بالرأي العام وتضليله، أو التحكم به لغايات سياسية غير ديمقراطية. ومع أن هذه القضايا كانت مركز بحث وتحقيق منذ مطلع القرن الماضي، لاسيما بعد أن ظهرت حملات العلاقات العامة على يد النمساوي إدوارد بيرنز (Edward Bernays)(1)، الذي هاجر إلى الولايات المتحدة بعد أن تشرَّب أفكار خاله، عالم النفس سيغموند فرويد(2)، ومع ظهور مدارس ونظريات الدعاية السياسية قبل وبعد الحرب الباردة، إلا أن ما كُشف عنه في مارس/آذار من العام 2018، حول تلاعب كامبريدج أناليتكا بتوجهات الناخبين في أكثر من بلد، عبر اختراق بياناتهم الشخصية على موقع فيسبوك، نقل النقاش إلى مستويات تتعلق بمدى خطورة مثل هذه السلوكيات على الديمقراطيات الغربية، التي تقوم بالأساس على حرية الرأي، وحُرمة الخصوصية الفردية.  

تستعرض هذه الدراسة بداية الإطار النظري الذي أَطَّر مختلف أنشطة التواصل السياسي منذ مطلع القرن الماضي، وصولًا إلى الوقت الراهن، حيث نشطت وكالات الاستشارات السياسية، وفَتَحت التقنياتُ الحديثة، وانتشارُ وسائط الإعلام والاتصال، الميدانَ للاعبين جدد، أسهموا إلى حد كبير في إفساد المشهد بنشر الأخبار الزائفة، والمغالاة في تضليل المتلقين، بغرض دفع الأجندات السياسية لزبائنهم، واكتساح الفضاء الإلكتروني بموجات متتالية من البيانات والأخبار، التي لم يعد سهلًا تمييز الغث من السمين فيها، وطغى فيها الزيف على الحقيقة(3). ثم تتناول الدراسة قضية كامبريدج أناليتكا كحالة ودليل على نشاط بعض مؤسسات الاتصال السياسي التي لا تتورع عن توظيف أساليب وأدوات غير أخلاقية لأجل رفع شأن من يدفعون أجرها، وإقصاء خصومهم بأي ثمن.  

أولًا: الإطار النظري للتواصل السياسي 

تسعى مختلف التشكيلات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنقابية للتأثير في سياسات الدول العامة، والضغط على صناع القرار، وقادة الرأي، والرأي العام، بهدف تحقيق مكاسب مادية أو معنوية لأعضائها، أو درء مخاطر مادية أو معنوية قد تضر بمصالحهم. وتتنوع أشكال المنظمات، التي تمارس الضغط والتحشيد بين "جماعات الضغط-اللوبي"، والجمعيات الخيرية، والاتحادات والنقابات المهنية، والمنظمات غير الحكومية، ومراكز الدراسات والأبحاث، وشركات الاتصال السياسي. وغالبًا ما تسعى هذه المنظمات والمؤسسات للتأثير في صناع القرار بالوسائل التقليدية المباشرة (الاتصال الشخصي، الهاتف، الرسائل الخطية، الرسائل الإلكترونية..) من خلال تعبئة أعضائها أو المنخرطين في نشاطها للاتصال بصانعي السياسات، أو عن طريق التعاقد مع شركات مختصة في تنظيم حملات الضغط والعلاقات العامة والاتصال السياسي، وغالبًا ما يكون موظفو هذه الشركات من أصحاب الخبرات، ممن سبق لهم العمل في الأجهزة التنفيذية والتشريعية أو في الأحزاب السياسية، أو من أصحاب الخبرات الأخرى من المحامين والإعلاميين والأكاديميين وخبراء العلاقات العامة(4). 

1- الضغط السياسي

يُعرِّفُ رجل العلاقات العامة البريطاني، ليونيل زيتر (Lionel Zetter)، مصطلحَ اللوبي (Lobby) بأنه "حملة ضغط منظمة ومتعددة الأشكال والأدوات، تسعى إلى التأثير في الحكومات ومؤسساتها التنفيذية، والحكومات المحلية، والمؤسسات التشريعية، لفرض أجندات معينة على السياسات العامة، بأساليب الإقناع السياسي"(5). ويرى "أن الضغط هو سلوك بشري طبيعي وحتمي يرجع تاريخه إلى زمن بعيد، وتُعَدُّ مهنةُ التحشيد من أقدم المهن، التي عرفتها المجتمعات البشرية، فحيثما وُجد فرد أو مجموعة أفراد يسعون إلى السيطرة على مجتمع ما، قام هذا الفرد أو أولئك الأفراد بحملات تحشيد وضغط بهدف فرض سلطتهم بطريقة ما"(6). وبالفعل، تشير الأدبيات إلى أن اليونان والرومان استخدموا تقنيات الضغط للتأثير على مجالس الشيوخ والعموم لتأييد أو معارضة القضايا، كما حفلت ردهات قصور الملوك والأمراء في تلك الإمبراطوريات برجال البلاط، الذين كانوا بمثابة جماعات ضغط وقادة للتأثير في صناع القرار في ذلك الوقت(7). 

وتشير الأدبيات إلى أن "الضغط السياسي" تطور في القرن التاسع عشر في واشنطن حتى صار "مهنة" أو "حرفة" معترفًا بها، يتولَّى العاملون فيها عددًا من المهام كتنظيم برامج استقبال واستضافة وترفيه عن أعضاء مجلس الشيوخ، وتقديم المعلومات والمعلومات المضادة لهم وللنواب بخصوص القضايا العامة المطروحة عليهم، وكتابة الخطابات العامة للشخصيات السياسية، وفتح قنوات الاتصال بين أصحاب المصالح وصناع القرار، وتقديم التدريب في مجال العلاقات العامة والعلاقات الإعلامية للشخصيات العامة. وقد ازدهرت صناعة "حملات التحشيد والضغط" في القرن العشرين، وأصبح أنموذج جماعات الضغط حاضرًا في كل المجتمعات الديمقراطية، لاسيما المجتمعات الغربية، وعلى وجه الخصوص في العواصم العالمية المركزية، مثل واشنطن ولندن وبروكسل، حيث المقر الرئيسي للاتحاد الأوروبي. كما تطور أداء مجموعات الضغط بسرعة، خلال العقود الأخيرة، بفضل ظهور وسائل الإعلام الجماهيري، التي سهلت تنظيم الحملات الشعبية والتي لا تزال في صميم "صناعة الضغط" حتى اليوم(8). 

وبينما تسعى الجمعيات الخيرية إلى الضغط من أجل إقناع الحكومة بتغيير سياساتها، بحيث تتوافق مع رؤية هذه الجمعيات، تسعى النقابات والاتحادات المهنية إلى الضغط على الحكومة أو مؤسسات القطاع الخاص لزيادة الأجور وتحسين معاشات التقاعد لأعضائها، وتحسين ظروف عملهم. أما مراكز الدراسات والأبحاث، فتمارس الضغط عبر ما تقدمه من دراسات وبيانات واستشارات للمؤسسات التنفيذية والتشريعية ولصناع القرار. وتقوم وكالات الاتصال السياسي بتنظيم حملات التأثير في السياسيين، وإثارة الانتباه من خلال الإعلام، وحشد الدعم الشعبي، وإدارة السمعة، وتحسين الصورة، والرصد والتنبؤ بالتطورات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية، وإجراء الأبحاث الاستقصائية الخاصة بالرأي العام واتجاهاته، وتوفير المعلومات والبيانات السياسية، وتقديم المشورة الاستراتيجية لصناع القرار...إلخ. وبعبارة أخرى، تشمل حملات الضغط كل النشاطات المؤثرة في الشؤون العامة، وبذلك فإنها لا تقتصر على مجرد تطوير العلاقات الرأسية بين جماعات الضغط وجماعات المصالح من ناحية، وصناع القرار من ناحية أخرى، ولكنها تسعى، بالتوازي مع ذلك، إلى تعزيز العلاقات الأفقية مع جماعات الضغط والمصالح المختلفة، المشاركة والمؤثرة، في وضع السياسات العامة(9). 

2- الدعاية السياسية

تعتبر الدعاية السياسية في العصر الحديث من النشاطات الاتصالية، التي غالبًا ما توظفها جماعات الضغط (الرسمية والخاصة) للتأثير في مواقف الأفراد والمجتمعات. وتقوم الدعاية السياسية على أسس وقواعد علمية منهجية، تستند إلى جملة من النظريات الأصيلة في علوم النفس والاجتماع والاتصال. ومهما اختلفت أساليب الدعاية ومناهجها ومدارسها، وتباينَ تطوُّرُها من مجتمع إلى آخر، أو من فترة زمنية إلى أخرى، إلا أنها ظلت في كل الأزمان والأماكن أسلوبًا تواصليًّا يهدف أساسًا إلى التأثير في الآخر، وإحداث تغييرات في أفكار الأفراد والمجتمعات ومعتقداتهم ومواقفهم. 

يختلف تعريف مفهوم الدعاية تبعًا لتعدد الدراسات والسياقات، التي يَرِدُ فيها المفهوم. وبشكل عام فإن لفظ "دعاية" بالعربية يقابل لفظ "Propaganda" باللغة اللاتينية ومشتقاتها، ويُقصد به منهجٌ إعلاميٌّ يسعى، عبر نشر معلومات وحقائق أو أنصاف حقائق أو حتى أكاذيب، إلى التأثير في اتجاهات الرأي العام وآرائه وسلوكه. ويحدد أنتوني لاينبرغر (Anthony Linebarger)،  في كتابه "الحرب النفسية"، الدعاية بأنها "حملة تقوم على استخدام مخطط لأي شكل من أشكال الاتصال الجماهيري بهدف التأثير في عقول ومشاعر مجموعة بشرية معينة، ولتحقيق غرض محدد، سواء كان عسكريًّا أو اقتصاديًّا، أو سياسيًّا"(10). ويتفق دوغلاس وولتون (Douglas Walton) مع هذا الرأي مُعرِّفًا الدعاية بأنها "قيام مجموعة أو منظمة ضغط بفرض وجهة نظر ما، وتقديمها وترويجها لجمهور عريض"(11). 

وبينما يُعرِّف الفرنسي، جاك إيلول ((Jacques Ellul، في كتابه الشهير "الدعاية -تشكيل مواقف الرجال- (1973)"  الدعاية بأنها "الأساليب التي تمارسها مجموعة منظمة على شريحة واسعة من الأفراد المتشابهين بهدف تحقيق مشاركة إيجابية نشطة أو سلبية في سلوكهم ومواقفهم، وذلك عن طريق مراوغات نفسية تتم في نطاق منظم"(12)، لا يرى جوزيف غوبلز (Joseph Goebbels)، وزير الدعاية النازية في عهد أدولف هتلر (Adolf Hitler)، طريقة سياسية محددة للدعاية، بل يرى أن لها هدفًا محددًا هو إخضاع الجمهور، و"تعتبر كل الوسائل التي تخدم هذا الهدف وسائل جيدة، لأن الغاية تبرر الوسيلة"(13). 

وبشكل عام، تتوافق التعريفات والحدود المتداولة لمفهوم الدعاية على أنها نشر للأفكار والعقائد والمواقف السياسية على نطاق واسع بهدف إيصالها إلى أكبر عدد ممكن من الناس. ويستخدم القائم بالدعاية أفضل وسائل الاتصال وأكثرها تأثيرًا في الجمهور المستهدف، أو يمكن تعريف الدعاية بأنها "فن يسعى إلى حشد القوى العاطفية والمصالح الفردية في اتجاه لا يؤدي إلى الاقتناع بفكرة أو مبدأ فحسب، بل إلى تبني تلك الأفكار أو الآراء أو المواقف والدفاع عنها"(14). 

وتتعدد أشكال الدعاية السياسية وأساليبها، غير أن الأدبيات، التي اهتمت برصد الدعاية ودراستها، منذ الحرب العالمية الثانية، استطاعت التمييز بين ثلاثة أشكال رئيسية من الدعاية السياسية على أساس مصدر الدعاية ومضمونها: الدعاية البيضاء، والدعاية السوداء، والدعاية الرمادية(15). 

‌أ. الدعاية البيضاء: هي الدعاية العلنية في وسائل الإعلام الجماهيري التقليدية (مقروءة ومسموعة ومرئية) ووسائل الإعلام الإلكتروني والإعلام الاجتماعي الجديد. وغالبًا ما يتم الكشف عن المصدر المنتج للمضمون الإعلامي والجهة المنظمة للحملة الدعائية. يُستخدم هذا النوع من الدعاية من قِبَل المؤسسات العامة والخاصة بهدف الترويج أو التوعية، ونشر القيم السياسية والثقافية، والبيانات الاقتصادية، والمعلومات العسكرية، والقواعد والمبادئ الاجتماعية، وفي حملات الترويج للوثائق الرسمية، مثل: القوانين والمراسيم، والخطب العامة، وتوجهات السياسة الوطنية والخارجية، والنشرات الصحافية العمومية...إلخ(16). كما توجه الدعاية البيضاء بهدف مواجهة الدعاية السلبية(17)، أو تعبئة الجمهور الداخلي لأجل المشاركة في الحملات التوعوية والالتفاف حول الدولة في أوقات الحرب(18).

‌ب. الدعاية السوداء: وهي الدعاية السرية والمستورة، ولا يكشف هذا النوع مطلقًا عن مصادره. وغالبًا ما تهدف الدعاية السوداء إلى تشويه الخصم، ولا تعتمد كثيرًا على الحقائق، بل تلجأ إلى المبالغة والتهويل(19).

‌ج. الدعاية الرمادية: تأتي غامضة في ما يتعلق بالمصدر، كما تكون بين العلنية والسرية، أو تُنسب إلى غير مصادرها الحقيقية(20) 

تتنوع كذلك أساليب الدعاية وأشكالها من إطلاق الشعارات وصولًا إلى إثارة الغرائز ودغدغة المشاعر، وبينها تندرج أساليب "القَوْلَبَة والتنميط وتكريس الصورة الذهنية"، و"فرض المعلومات على أنها مسلَّمات" بدلًا من المناقشة والبرهنة، و"الاعتماد على الأرقام والإحصائيات من قبيل نتائج الاستفتاءات واستطلاعات الرأي". وفي كل الحالات تعمد الدعاية إلى التكرار والتجديد، وإثارة الغرائز وتحريك الشهوات مع الميل إلى المبالغة والتهويل، وصولًا إلى اختلاق الأكاذيب. وقد ميزت بعض الدراسات بين أشكال الدعاية على أساس الأهداف؛ إذ صنَّف جاك إيلول الدعاية لأربعة أشكال(21): 

  • دعاية التأطير العقائدي والتعبئة والاستقطاب

يوظِّف القائم بالدعاية، في ترويج أفكاره وآرائه ومواقفه، وسائل متعددة من منشورات وخطب وعلاقات شخصية، وغايته في ذلك التأثير في الأوساط والجماعات السياسية لترسيخ الأفكار في صفوف المؤيدين، وتوسيع قاعدته الشعبية عبر استقطاب المزيد من المؤيدين أو المتعاطفين. وتقوم دعاية التأطير العقائدي والتعبئة والاستقطاب (Propaganda of indoctrination, recruitment and expansion) على إعداد خطة دعائية، بحسب الفئات أو الأوساط الاجتماعية، مع معرفة نمط تفكير وسلوك كل منها، وتمييز أفضل وسائل الاتصال وأقدرها على التأثير بكل فئة أو شريحة اجتماعية، ويسمى هذا بالإعداد السوسيولوجي للدعاية(22). 

  • دعاية الإدماج

يتمثَّل الهدف الرئيسي لدعاية الإدماج (Propaganda of integration) في صنع الرأي العام وتوجيه السلوك والمواقف العامة. وهذه الدعاية تنسج وحدة فكرية وعقائدية، مع حثِّ الجمهور المتلقي على التأييد ثم الالتزام بالفعل والإنجاز. 

  • دعاية التهييج أو التحريض

لا يختلف هذا النوع من الدعاية  (Propaganda of agitation)عن دعاية التوسع والتأطير والاستقطاب إلا من حيث الأهداف والطرق. فإذا كان المرسل (المصدر) في دعاية التأطير العقائدي والتعبئة والاستقطاب ينشر جملة أفكار ويدعو الأفراد إلى اعتناقها بشكل فردي، فإن المحرِّض يكتفي بإلقاء فكرة واحدة إلى جمهور عريض من الناس، ثم يجتهد لاستثارة الناس وحشد استنكارهم لقضية ما، وهو بذلك يخلق مناخًا عامًّا يهيئ الرأي العام لاعتناق ما تطرحه الحملة الدعائية من شعارات، وبذلك تكون مرحلة التحريض بمثابة الدعاية التمهيدية. 

  • الدعاية الهدامة

لا يُعدُّ هذا النمط (Subversive propaganda) من التأثير في الرأي العام دعاية بالمعنى الحرفي للكلمة، فهو لا يأتي بتأطير إضافي، ولا يقدم فكرة جديدة، بل يسعى إلى تدمير وتخريب أفكار أو آراء منتشرة أو مقبولة من قبل جمهور ما. وغالبًا ما ترمي الدعاية الهدامة إلى النيل من سمعة شخص، أو منظمة قائمة بهدف تقويض أركانها، ودحض مضامين إعلامها. 

واستفاد صناع الخطاب الدعائي من نظريات الاتجاهات السلوكية في علم النفس، لاسيما نظرية الروسي إيفان بافلوف (Ivan Pavlov)، المعروفة بـ"التعلم الشرطي"(23). فقد لاحظ بافلوف أثناء إحدى تجاربه على الكلاب أن توفير عنصر مثير يصاحب تقديم الطعام كرؤية الوعاء الذي يوضع فيه الطعام أو صوت هذا الوعاء، تحدث إسالة اللعاب. وتمثَّلت خلاصة ما استفاده صناع التأثير الإعلامي والدعاية من نظرية بافلوف، في تحديد كيفية استجابة المتلقي للمؤثرات الخارجية، ومنها:

  • أولًا: التكرار، فتكرار المواقف والظروف المحيطة يعتبر عاملًا أساسيًّا لتكوُّن الرباط الشرطي وتعلم الاستجابة الشرطية.
  • ثانيًا: عامل الزمن: فقد دلَّت التجارب على أن الاستجابة الشرطية تقع ما بين 0.4 و0.5 من الثانية، أما إذا زادت عن هذه الفترة فإن عملية الارتباط الشرطي تتأخر.
  • ثالثًا: التعزيز أو التدعيم: إن العامل الحاسم في التعلم الشرطي هو التعزيز، فلكي يصبح الجرس قادرًا على استدعاء إفراز اللعاب، لابد من أن يُقدَّم الطعام للكلب إثر سماعه لصوت الجرس. 
  • رابعًا: التعميم: أي إن المثير المشابه للمثير الأصلي (صوت الجرس) يستدعي نفس الاستجابة الشرطية مثل النغمات في صوت الجرس.  
  • خامسًا: التمييز: وهو الاستجابة لمثير محدد دون غيره.
  • سادسًا: الاسترجاع التلقائي والتضاؤل (الانطفاء): بيَّن بافلوف أن هذه العملية ليست عملية مطلقة بل تخضع لعدة عوامل، فالعادات القوية تكون أكثر مقاومة من العادات الضعيفة وتكون عملية الاسترجاع (استعادة العادة)، من عوامل تكيُّف الكائن الحي مع البيئة المرافقة للمواقف المرافقة للمثير، فقد لاحظ بافلوف، أن استجابة الكلاب بعد أيام للحافز، وبدون تقديم الطعام، أدت إلى توقف الكلاب وبشكل تلقائي عن سيلان اللعاب(24). 

3- فبركة الأخبار والمعلومات

ذات مساء من العام 1938 توقف البث الإذاعي لمحطة "سي بي إس" (CBS) الأميركية، وخرج صوت المذيع أورسون ويلز (Orson Welles)، ليعلن في خبر عاجل عن تعرض الولايات المتحدة لهجوم من كائنات فضائية. يعود البث مجددًا لنقل حفل موسيقي من أحد فنادق نيويورك الفخمة، ثم ينقطع البث ثانية ليعود المذيع معلنًا بصوت مرتجف عن غزو كائنات فضائية للمدينة، ثم يعود البث للحفل الموسيقي. ليلة طويلة قضاها الجمهور ما بين الاستمتاع بالموسيقى القادمة من حفل "القديسين"، والأخبار العاجلة المتواترة عن غزو فضائي، أخذ مراسلو الإذاعة بنقل تفاصيله من موقع الحدث، مع تعليقات من خبراء في الفضاء والأمن، ونقل بالصوت مشاهد الاستنفار لرجال الشرطة والإسعاف. انقضى الأمر أخيرًا، وانتهت حالة الاستنفار، وتبدد الذعر، بعد أن كشفت الإذاعة أن الأمر غير حقيقي، وليس إلا عرضًا مستوحى من عمل مسرحي باسم "حرب العوالم"(25). 

أثار سلوك الإذاعة ردود فعل غاضبة بين الناس، لكنه أيضًا أثار انتباه المهتمين بالدراسات الإعلامية إلى دور الإعلام في توجيه الرأي العام. بالرغم من التفاوت في تقدير حجم الخوف والذعر الذي أحدثتهما المسرحية في الجمهور المتلقي(26)، إلا أن هذه الحادثة الشهيرة في تاريخ الإعلام الأميركي، لاتزال حاضرة كمثال يُذكِّر الباحثين بتاريخ صناعة "الأخبار الكاذبة"، ومدى تأثير وسائل الإعلام في الجمهور، وقدرة الإعلام على التلاعب بمشاعر المتلقي وتصرفاته(27). في تعليقه على ما جرى، قال ويلز: "أردنا أن يفهم الناس أنه لا ينبغي لهم أخذ أي رأي غير ناضج، ولا ينبغي عليهم ابتلاع كل ما جاء من خلال الحنفية سواء كان الراديو أم لا. ولكن كما قلت كانت تجربة جزئية فقط، لم يكن لدينا أي فكرة عن المدى الذي ستخلفه"(28). وعلَّق الزعيم النازي أدولف هتلر على الفزع الذي سببته الحادثة للشعب الأميركي، واصفًا إياه بأنه "دليل على الانحطاط وفساد الديمقراطية"(29). لم تكن خدعة "الغزو الفضائي" التي بثتها "سي بي إس" الأولى، فقد سبقتها في ذلك إذاعة "بي بي سي" البريطانية، عندما قطعت البث في يناير/كانون الثاني 1926، لتعلن عن أعمال شغب مكثفة في جميع أنحاء لندن؛ حيث تم تفجير برج ساعة "بيغ بن"، وإعدام سياسي، وحرق فندق بالكامل. وتبيَّن لاحقًا أن الأمر لم يكن إلا مجرد نص كتبه رجل دين كاثوليكي من وحي الخيال(30). 

ومع أن المثالين السابقين يؤكدان أن تاريخ فبركة الأخبار وتزييفها مرتبط بتاريخ وسائل الإعلام ومواكب لها، وليس بدعة حديثة أو طارئة، إلا أن قضية "الأخبار الكاذبة أو المفبركة" عادت إلى السطح مجددًا، وبزخم لافت، في أعقاب الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2016، وقد أثار الجميع من الرئيس باراك أوباما إلى البابا فرانسيس مخاوف بشأن الأخبار المزورة والأثر المحتمل لها على كل من الحياة السياسية والأفراد. وفي زمن قياسي، تحولت العبارة من وصف لظاهرة تنتشر عبر وسائل الإعلام الاجتماعي الجديد، إلى منحى كلي للصحافة، إلى غضب سياسي(31). 

كيف تطور مصطلح "الأخبار المفبركة"؟ كان ذلك في منتصف العام 2016، عندما لاحظ المحرر الإعلامي لـموقع (بزفيد Buzzfeed)، كريغ سيلفرمان (Craig Silverman) مجموعة مضحكة من القصص المفبركة تمامًا، وكان مصدرها مدينة صغيرة في أوروبا الشرقية. ويتذكر سيلفرمان قائلًا: "بدأنا بالتحقيق، قبل وقت قصير من الانتخابات الأميركية، وقمنا بتحديد ما لا يقل عن 140 موقعًا إخباريًّا كاذبًا، كانت تجذب أعدادًا هائلة من مستخدمي فيسبوك، وتنشر أخبارًا من قبيل: "البابا فرانسيس يَصدم العالم، ويؤيد دونالد ترامب للرئاسة". وخبر آخر بعنوان: "العثور على عميل مكتب التحقيقات الفيدرالي المشتبه به في تسريب رسائل البريد الإلكتروني للمرشحة هيلاري كلينتون ميتًا في حادثة قتل عمد، نُفذت لتبدو انتحارًا". ويمضي سيلفرمان بالقول: "لقد قادنا التحقيق للعثور على مجموعة صغيرة من المواقع الإخبارية المسجلة بمدينة (فيليس) في مقدونيا". ومن هذه القرية الصغيرة عادت الحياة مجددًا لعبارة "أخبار مزيفة"(32). منذ ذلك الحين، استخدم الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقادة عالم آخرون حول العالم العبارة بشكل متواصل أو متزايد، ثم راح يرددها عدد لا حصر له من النشطاء السياسيين والصحفيين والناس العاديين عبر العالم. وكدليل تقريبي على مدى انتشار عبارة "أخبار زائفة" أو "مفبركة"، يعرض البحث (Google News) عن "أخبار مزيفة" 5 ملايين نتيجة. وفي عام 2018 تم استخدام هذه العبارة حوالي مليوني مرة على تويتر(33). 

وعلى الرغم من أن أساليب نشر المعلومات المُضَلِّلَة، ونشر الإشاعات والأكاذيب والخداع مرتبط بالتاريخ الإنساني، إلا أن ما كشفه سيلفرمان وزملاءه كان زواجًا فريدًا بين خوارزميات وسائل الإعلام الاجتماعي، وأنظمة الإعلان والدعاية السياسية، واستعداد ناس عاديين لتزييف الأخبار ونشرها مقابل الحصول على المال، وانتخابات استحوذت على اهتمام أمة وكثير من دول العالم(34). وعلى خلاف الاعتقاد الشائع، لم يعد الأمر مجرد سيل من الأكاذيب يختلقها أنصار ترامب فقط و/أو من لديهم القليل من التعليم، بل بات تزييف الأخبار ظاهرة تشارك فيها أنصار ترامب وخصومه، وخاض فيه عامة الناس ونخبهم(35). 

ومع تفشي ظاهرة "الأخبار الزائفة" في العالم، برز سؤال أساسي حول مدى تأثير التضليل في أذهان الناخبين، وحول ما إذا كانت القصص الزائفة المنتشرة على الإنترنت لها أي تأثير في خيارات الناس السياسية أو أنماط التصويت. في إحدى الدراسات الأكاديمية الأولى حول استهلاك الأخبار المزيفة، قدَّر الباحثون في جامعات "برينستون" و"دارتماوث" و"إكستر" أن حوالي 25% من الأميركيين زاروا موقعًا إخباريًّا مزيفًا في فترة ستة أسابيع في وقت الانتخابات الأميركية 2016(36). ووفقًا لمسح جديد أجراه مركز بيو (Pew) للأبحاث، في ديسمبر/ انون الأول 2016، فإن حوالي 64% من البالغين في الولايات المتحدة يعتقدون أن القصص الإخبارية الملفَّقة تسبب الكثير من الالتباس حول القضايا والأحداث الحالية(37). وتوصلت دراسة أجراها باحثون من جامعة ولاية أوهايو إلى أن الأخبار المزورة ربما لعبت دورًا مهمًّا في تثبيط دعم هيلاري كلينتون في يوم الانتخابات. وتشير الدراسة إلى أن حوالي 4% من مؤيدي الرئيس باراك أوباما في عام 2012 قد تراجعوا عن التصويت لصالح كلينتون في عام 2016 بسبب تصديق قصص إخبارية مزيفة من قبيل: "كلينتون في حالة سيئة للغاية بسبب مرض خطير"، و"أيَّد البابا فرانسيس ترامب"، و"وافقت كلينتون على مبيعات الأسلحة للجهاديين المسلمين، بما في ذلك "تنظيم الدولة الإسلامية"(38). كما توصلت دراسة أجراها باحثون في جامعات "برينستون" و"دارتماوث" و"إكستر" حول استهلاك الأخبار المزورة خلال حملة 2016، إلى أن الأخبار الخاطئة شكلت 2.6% من جميع المقالات الإخبارية التي نُشرت في وقت متأخر من حملة 2016، وأن ناخبي أوباما الذين لم يكونوا مؤيدين ديمقراطيين موثوقين كانوا أكثر قدرة على تصديق قصص إخبارية مزيفة أكدت قرارهم بعدم التصويت لكلينتون(39). 

بين فنون العلاقات العامة والدعاية، وإشاعة الأخبار الكاذبة، تطورت مدارس التأثير في الرأي العام، والتلاعب بتوجهات الناخبين، وصولًا إلى ما أسماه إدوارد بيرنز في مقال شهير نشره في العام 1948 بـ"هندسة القبول" أو "هندسة الإجماع"(40)، التي يبدو أن شركة كامبردج أناليتكا، حالة الدراسة في هذه الورقة، بعثتها مُجددًا عبر "هندسة" جمهور الناخبين للتصويت لصالح المرشح، دونالد ترامب، في حالة الانتخابات الأميركية 2016، والتصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء "بريكست 2016" في الحالة البريطانية. 

ثانيًا: استراتيجيات التواصل السياسي لـ"كامبريدج أناليتكا" 

تُعَدُّ كامبريدج أناليتكا (Cambridge Analytica) شركة استشارات سياسية عالمية؛ تجمع بين استخراج البيانات وتحليلها وتوظيفها في الاتصال الاستراتيجي لغايات الحملات السياسية. تُعرِّف كامبريدج أناليتكا نفسها بأنها "شركة تحليل البيانات"، وتعمل في مجال الحملات الانتخابية، وذلك واضح على صدر الصفحة الرئيسية للشركة على موقع الإنترنت، حيث تعلن الشركة: "من خلال معرفة الناخبين بشكل أفضل، نحقق تأثيرًا أكبر، مع خفض التكاليف الإجمالية"(41). وخلال عرض حول "كيف عمل الإعلان الرقمي في الحملة الرئاسية الأميركية 2016؟"، تُعرِّف مولي شويكرت (Molly Schweickert)، نائب رئيس قسم الإعلام العالمي في كامبريدج أناليتكا، الشركة بـ"وكالة اتصالات عالمية متخصصة في علم السلوك، وعلم البيانات، والتسويق الرقمي، وجمع المعلومات عن الأفراد وسلوكهم المعيشي، إلى جانب جمع بيانات ديمغرافية عنهم"(42). تم تأسيس الشركة في منطقة "كناري وورف" التجارية شرق العاصمة البريطانية، لندن، باسم "إس سي إل -يو إس إيه ليميتد"، في يناير/كانون الثاني 2015، كشركة تابعة للشركة الأم الأميركية "إس سي إل جروب". في أبريل/نيسان 2016، تم تغيير اسمها إلى كامبريدج أناليتكا (المملكة المتحدة) المحدودة. الشركة مملوكة جزئيًّا لعائلة روبرت ميرسر (Robert Mercer)، وهو مدير صندوق أميركي للتحوط ذو توجهات سياسية محافظة، وتربطه وابنته ريبيكا (Rebekah Mercer) علاقة عمل وشراكة وثيقة مع ستيف بانون (Steve Bannon)، الذي كان يشغل في السابق منصب مدير موقع "بريتبارت نيوز" (Breitbart News) الإخباري اليميني المتشدد، كما شغل منصب كبير المستشارين الاستراتيجيين للرئيس الأميركي، دونالد ترامب(43). للشركة مكاتب في لندن ونيويورك سيتي، والعاصمة الأميركية واشنطن(44). قبل أن تُعرف بـ" كامبريدج أناليتكا" مع انضمام ستيف بانون للشركة في عام 2015(45). 

عملت الشركة منذ تأسيسها لصالح العديد من الجهات والمرشحين في الولايات المتحدة الأميركية، مثل حملة المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية 2016، تيد كروز (Ted Cruz)(46)، ودونالد ترامب(47). وكشفت التحقيقات التي نشرتها صحيفة "ذي غارديان" والقناة الرابعة البريطانيتان أن كامبريدج أناليتكا عملت في عام 2016 لصالح حملة دونالد ترامب الرئاسية، ولصالح حملة "الخروج" أثناء استفتاء "بريكست" حول مصير عضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي(48)، كما ورد على لسان مدير الأبحاث السابق للشركة كريستوفر ويلي (Christopher Wylie)، المتهم بتسريب معلومات سرية من الشركة. وقالت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية، التي أجرت يوم 25 مارس/آذار 2018، مقابلة مع كريستوفر ويلي، أن شركة "آغريغيت آي كيو" الكندية المرتبطة بـ"كامبريدج أناليتكا" عملت مع هذه الأخيرة لمساعدة حملة أنصار"البريكست" للفوز باستفتاء 2016، وقال ويلي إنه وبدون "آغريغيت آي كيو" لما استطاعت حملة الانفصال عن الاتحاد الاوروبي الفوز في الاستفتاء الذي حُسم بأقل من 2% من الأصوات"(49). 

وفي تحقيق القناة الرابعة البريطانية المصور، قال المسؤولون التنفيذيون: إن كامبريدج أناليتكا، وشركتها الأم مختبرات الاتصالات الاستراتيجية (SCL)، عملت في أكثر من 200 انتخابات في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك جمهورية التشيك والانتخابات الإيطالية في العام 2012، والثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004. كما استعان سياسيون بخدمات الشركة في انتخابات كينيا في العام 2013 والعام 2017، والانتخابات في نيجيريا في العام 2015(50). ويُجري الكثير من الدول، منها: بريطانيا والهند وأستراليا والبرازيل وماليزيا تحقيقات حول تدخل محتمل لشركة كامبريدج أناليتكا في استحقاقات عامة (انتخابات-استفتاءات) جرت في هذه البلدان(51). ولا يزال دور الشركة في تلك الحملات مثيرًا للجدل، وموضوع تحقيقات مستمرة في البلدين. في 17 مارس/آذار 2018، نشرت صحيفتا "نيويورك تايمز" و"أوبزرفر" تقارير عن استخدام كامبريدج أناليتكا للمعلومات الشخصية التي تم الحصول عليها من فيسبوك، دون إذن المستخدمين، من قبل الباحث في جامعة كامبريدج الأميركي، الروسي الأصل، ألكسندر غوغان (Alex Kogan)، الذي سمح له فيسبوك بجمع معلومات شخصية من مستخدمي الموقع لأغراض أكاديمية(52). كما ذكرت صحيفة "ذي غارديان" البريطانية أن موقع فيسبوك قد عرف عن هذا الخرق الأمني لمدة عامين لكنه لم يفعل شيئًا لحماية مستخدميه(53). 

إلى جانب اختراق المعلومات الشخصية لمستخدمي فيسبوك، ومحاولة التأثير في مواقفهم الانتخابية عبر الرسائل الموجهة، كشف التحقيق الاستقصائي للقناة البريطانية الرابعة لجوء كامبريدج أناليتكا لاستخدام عاملات جنس ورشى وجواسيس سابقين، بالإضافة إلى الاستعانة بالأخبار الزائفة، لمساعدة المرشحين على الفوز بأصوات الناخبين حول العالم، وإقصاء خصومهم أو تشويه صورهم. والتقطت عدسات الكاميرا رؤساء تنفيذيين في شركة تحليل المعلومات يقترحون اللجوء إلى هذه التكتيكات غير المشروعة في كسب أصوات الناخبين، في دول عدة حول العالم. واقترح المديرون على المراسل، الذي قدَّم نفسه كرجل أعمال ثري من سريلانكا ينوي التأثير في الانتخابات المحلية، استخدام تكتيكات عدة في تشويه صورة الخصوم السياسيين، بينها اختلاق فضائح جنسية، والاستعانة بعاملات جنس من أوكرانيا في هذا المجال، وفق تصريحات الرئيس التنفيذي لـ"كامبريدج أناليتكا"، ألكسندر نيكس (Alexander Nix). كما اقترح المدير الإداري للقسم السياسي في الشركة، مارك ترنبول (Mark Turnbull)، اللجوء إلى جواسيس سابقين عملوا لصالح وكالة الاستخبارات البريطانية "إم آي 5" و"إم آي 6". ولفت نيكس، خلال التصوير السري للقناة الرابعة، إلى أن هذه الاقتراحات نظرية، لكنه أكد أيضًا أن بعض التكتيكات نُفذت سابقًا(54). 

1- منهج التنميط السيكوغرافي

سلطت قضية كامبريدج أناليتكا الضوء مُجدَّدًا على ما يعرف بـ"التنميط السيكوغرافي"، وهي تقنية مُستخدمة في مجال التسويق التجاري وتقسيم السوق إلى شرائح (Market Segmentation)، من المستهلكين، بناء على خصائص المستهلك تبعًا لشخصيته وسلوكه وأسلوب حياته(55)، ثم تصنيفه في فئة ما، وهو ما يتيح استهدافَهُ برسائل إعلانية أو دعائية بشكل مُرَّكز تَبَعًا لخصائصه الشخصية. ويصبح التصنيف النفسي أكثر تأثيرًا عندما يكون مرتبطًا بمعايير استهداف أخرى (جغرافية، سلوكية، ديمغرافية،...إلخ)؛ إذ يمكن التوجه للجمهور-المستهدف، بسلع معينة في حالة التسويق التجاري، وبخطابات دعائية معينة في حالات الترويج الدعائي أو الانتخابي(56). ويُلاحظ أن المتغيرات الثلاثة: الشخصية، والسلوك، ونمط الحياة، هي مركز الاستهداف السيكولوجي والسلوكي في تقسيم الجمهور، )انظر الجدول رقم 1)(57). 

الجدول رقم (1) يوضح مراكز الاستهداف السيكولوجي والسلوكي في تقسيم الجمهور

التقسيم الجغرافي

يُقسَّم الجمهور إلى وحدات جغرافية، مثل البلد، والمدن، والمناطق، والمناخ.

التقسيم الديمغرافي

يتم تصنيف الجمهور مع الأخذ بعين الاعتبار متغيرات، مثل: العمر، والجنس، والتعليم، ومستوى الدخل، والدين، والمهنة، والحالة الاجتماعية (متزوج، أعزب).

التقسيم النفسي

تقوم التجزئة السيكوغرافية على تجزئة الجمهور إلى فئات، بناء على عوامل نفسية:

  1. الأنشطة والاهتمامات والآراء: تساعد هذه العوامل الثلاثة على تحديد العملاء (الناخبين) الذين لديهم نفس الإعجاب تجاه الأنشطة، ولديهم اهتمامات في نفس المجال، ولهم آراء متشابهة حول بعض القضايا.
  2. نمط الحياة: يساعد فهم أسلوب حياة الشخص في التعرف على الأشخاص الذين لديهم اختيارات مماثلة (إعجاب/كره) تجاه قضية ما.
  3. السمات الشخصية: يُستخدم هذا العامل لتجميع الأشخاص الذين يُظهرون خصائص شخصية مماثلة، مثل: (الانفتاح، والضمير، والانبساط، والاتساق، والعصابية).
  4. القيم والمواقف: يهتم هذا العامل بتحديد الأشخاص على أساس المثل العليا والإنجازات والتعبير عن الذات.
  5. المكانة الاجتماعية: تُعَدُّ المكانة الاجتماعية التي يتمتع بها الشخص في المجتمع مقياسًا ذا صلة يُستخدم في هذا النوع من التقسيم.

التقسيم السلوكي

يتم تقسيم الجمهور وفقًا للخصائص السلوكية للمستهلك من قبيل:

  1. المناسبة الموجهة: عندما يتم استخدام منتج (خطاب) لمناسبة خاصة فقط، يمكن أن تكون المناسبة متكررة، أو يمكن أن تكون مرة واحدة في العمر. هذا هو المعروف أيضًا باسم "تجزئة المناسبة".
  2. التوجه نحو الاستخدام: يمكن أن يكون التقسيم بناء على مدى استخدام الشخص للمنتج. هناك المستخدم الثقيل أو المستخدم الخفيف. ومن هنا، يعتبر تكرار الاستخدام جزءًا من التجزئة السلوكية.
  3. الولاء: يتم تقسيم الأفراد على أساس مدى الولاء للمنتج. يحتاج الأشخاص ضعاف الولاء إلى الكثير من التركيز والرسائل المكثفة المحملة بمضامين تهدف إلى تثبيت مواقفهم وقناعاتهم، في حين لا يحتاج الأشخاص ذوو الولاء الثابت والقوي إلا لرسائل تؤكد صحة توجهاتهم.
  4. الفوائد المنشودة: تجزئة المستهلك تتم أيضًا على أساس الفوائد المختلفة التي يتصورها المستهلكون (الناخبون). 

ويسمح هذا التنميط بتصميم المنتجات (أو الرسائل الدعائية) وتسويقها بطريقة مركزة وموجهة. يقول كوبرا (Cobra): إن التجزئة تعني تقسيم السوق (المستهلكين-الناخبين) إلى شرائح أو فئات أصغر وأكثر تجانسًا(58). ويتفق يانازي (Yanaze)  مع هذا التوصيف، ويرى أن "تقسيم السوق المستهدفة إلى مجموعات متجانسة ذات خصائص متشابهة، وسلوكيات متشابهة بين الناس في سوق معين، هو محاولة لتشكيل مجموعة (أو مجموعات) بخصائص مماثلة"(59). 

وهناك ثلاثة معايير أو متغيرات عامة لتجزئة الجمهور على أساس التحليل النفسي (السيكوغرافي): الشخصية، والسلوك، وأسلوب الحياة. 

‌أ. يُقصد بالشخصية مجموعة الخصائص النفسية التي تؤثِّر بشكل مباشر على طريقة الحياة. يمكن تعريف شخصية الفرد على أنها مجموعة من الخصائص النفسية، تؤثر بدورها في الطريقة التي يشعر الشخص بها ويتصرف اجتماعيًّا أو فرديًّا(60). ومعرفة الشخصية هي مفتاح لمعرفة رد فعل الفرد وسلوكه وموقفه تجاه منتج. ويقول سولمون (Solomon): إن الشخصية هي مكياج نفسي فريد لكل شخص وتؤثر بشكل منتظم في طريقة تصرف الشخص في بيئته(61). ويرى كوتلر وأرمسترونغ (Armstron & Kotler) أن الشخصية هي مجموعة من الخصائص النفسية الفريدة التي تؤدي إلى تفاعلات ثابتة ومتواصلة نسبيًّا فيما يتعلق بالبيئة. ويستخدم التصنيف السيكوغرافي المتغير الشخصي لتقسيم المستهلكين (الجمهور) وفقًا لسماتهم الشخصية(62).

‌ب. أما السلوك فيتشكل من تراكم المعلومات والخبرات لدى الأفراد، والتي ينتج عنها تقييم شامل لكل ما يحيط بالشخص. أما نمط الحياة فيعني سلوك الشخص في المجتمع.

‌ج. ويرتبط نمط الحياة بالطريقة التي يتصرف بها الفرد في المجتمع، مما يؤثر تأثيرًا مباشرًا على عاداته الاستهلاكية، وأنشطته، واهتماماته، وآرائه، التي تعكس جميعًا تفاعله مع البيئة التي يعيش فيها. 

وتقوم التجزئة السيكوغرافية على تقسيم الجمهور إلى شرائح بناءً على سمات شخصية مختلفة، وقيم، ومواقف، ومصالح، وأنماط حياة المستهلكين. 

الرسم البياني رقم (1) يظهر محددات التقسيم السيكوغرافي لإنتاج الرسالة الموجهة للشريحة المستهدفة 

 

كما يعمل التقسيم السيكوغرافي (التحليل النفسي) على تقطيع شرائح الجمهور وفقًا لمعايير ذاتية، على أساس متغير واحد أو أكثر، مثل القيم، والمواقف، والشخصية، والاهتمامات،...إلخ. وبهذا المعنى تستخدم السيكوغرافيا المحددات النفسية، والاجتماعية، والأنثروبولوجية لتقسيم السوق (جمهور المستهلكين أو الناخبين) وفقا لاتجاهاتهم، وبالتالي اتخاذ قرار ملموس بشأن المنتج (الرسالة) الموجهة للشريحة المستهدفة(63). 

2- التدخل السيكوغرافي في الانتخابات الأميركية 2016

كشفت اعترافات كريستوفر ويلي، المحلل السابق في شركة كامبريدج أناليتكا، لصحيفة "ذي أوبزرفر" البريطانية، أن الشركة وظفت تقنيات غاية في التعقيد لتكوين محتويات "دعائية" مختارة بدقة تتجاوب مع حاجيات المستَخدِم المستهدَف. وكشفت تحقيقات "القناة الرابعة" البريطانية، وصحيفتي "نيويورك تايمز" الأميركية و"ذي أوبزرفر" البريطانية، إقدام كامبريدج أناليتكا، على جمع معلومات شخصية عن حوالي 50 مليون -اعترف فيسبوك لاحقًا بأن الرقم وصل إلى 87 مليون-(64) مستخدم لموقع فيسبوك من دون موافقتهم، لاستخدامها في تصميم برامج بإمكانها التنبؤ بخيارات الناخبين والتأثير عليهم في صناديق الاقتراع خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016(65). 

ومن خلال عملية "التنميط السيكوغرافي"(66) لملايين المشتركين في فيسبوك، أنتجت كامبريدج أناليتكا محتويات دعائية مصورة موجهة مع توصيات للمستخدِم من أجل تغيير وجهة نظره حول الانتخابات. وتوضح صحيفة "نيويورك تايمز"، أن مفهوم الاستهداف النفسي اعتمد جزئيًّا على ورقة علمية نُشرت عام 2015 في مجلة "الأكاديمية الوطنية للعلوم"؛ حيث أظهر الباحثون أن الوصول إلى إبداء الإعجاب، والمشاركة، والتعليقات على فيسبوك، يسمح بالتعرف على شخصية الفرد، ورغبات أصدقائه وتوجهاتهم عبر اختبار شخصية يقيس ما يُسمَّى الصفات الخمس الكبرى: الانفتاح، والضمير، والانبساط، والاتساق، والعصابية(67). 

وتقول مولي شويكرت (Molly Schweickert)، نائبة رئيس قسم الإعلام العالمي في كامبريدج أناليتكا: إن البيانات السيكوغرافية التي جمعتها الشركة خلال الحملات الانتخابية الرئاسية الأميركية للعام 2016، واستخدام "التسويق الرقمي والبيانات"(68) سمحت بالتعرف على المرشح المفضل لكل ناخب، وعلى ما يفضله كل ناخب في كل مرشح، وما القضايا التي يهتم بها كل ناخب، بالإضافة إلى المعلومات الديمغرافية التي تخص كل ناخب(69). واستعانت الشركة لتنفيذ ذلك بعالم النفس من جامعة كامبريدج، ألكسندر كوغان، الذي جمع معلومات مستخدمي فيسبوك عبر تطبيق أنشأه باسم (هذه حياتك الرقمية)، يقدم خدمة إجراء اختبار للتنبؤ بشخصية المستخدم، وأدرج التطبيق على فيسبوك تحت وصف "تطبيق بحثي يستخدمه علماء النفس"(70). 

وأوضحت الموظفة السابقة في كامبريدج أناليتكا، بريتني كايزر (Brittany Kaiser)، أن أبحاث مسح مكثفة وبيانات وخوارزميات لتحسين الأداء استُخدمت لجمع بيانات الناخبين، ثم تحليل البيانات وتقسيمها حسب المعطيات الديمغرافية والسيكوغرافية، ثم ترجمة النتائج إلى معلومات، ثم تحويل المعلومات إلى محتوى إعلامي وإعلاني يستهدف مختلف شرائح الجمهور (انظر الشكل رقم 2)(71). 

الرسم البياني رقم (2) يوضح دورة إنتاج المحتوى الإعلامي والإعلاني لاستهداف الجمهور

 

وكشفت كيزر لصحيفة "الغارديان" أن الأشهر السابقة للانتخابات الرئاسية الأميركية شهدت نشر أعداد هائلة من الرسائل الدعائية التي شوهدت مليارات المرات على مختلف منصات التواصل الاجتماعي بما فيها فيسبوك، وتويتر، وغوغل، وسناب شات، ويوتيوب، وتطبيق "باندورا" المخصص لمشاركة الموسيقى(72). ومثال على ذلك الرسائل التي نُشرت بعناوين: "كلينتون صوتت لصالح حرب العراق، ترامب عارضها"، و"كلينتون تساند اتفاقية نافتا، ستنقل فرص العمل إلى الخارج"، و"ترامب للرئاسة.. تعرف على كامل خطته الاقتصادية"(73)

وتوضح هذه النماذج كيفية توظيف كامبريدج أناليتكا لتقنيات "التنميط السيكوغرافي"، لأغراض سياسية؛ إذ كشف تحقيق بثته القناة الرابعة البريطانية، في 20 مارس/آذار 2018، على جهود الشركة لتشويه صورة المرشحة الرئاسية الأميركية، الديمقراطية هيلاري كلينتون، التي نافست دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية 2016، وكيف قامت بتأليف شعار "هزيمة المحتالة هيلاري" (Defeat crooked Hillary) للتأثير في قرار الناخب الأميركي عبر بث أخبار زائفة ومفبركة. كما عمد العاملون في كامبريدج أناليتكا على توظيف المعلومات التي تم جمعها عن الناخبين لصياغة رسائل دعائية، ترمي إلى تحقيق أهداف أساسية، مثل زيادة جمع التبرعات عبر الإنترنت، والتواصل مع الناخبين المترددين، وزيادة نسبة المشاركة في يوم التصويت(74). 

خلاصة 

في مقاله الشهير "الدعاية" الذي نُشر في العام 1928، كتب إدوارد بيرنز: "التلاعب الواعي والذكي بالعادات المنظمة ووجهات نظر الجماهير هو عنصر مهم في المجتمع الديمقراطي. أولئك الذين يتلاعبون بآلية المجتمع غير المنظورة يشكلون حكومة غير مرئية، هي القوة الحاكمة الحقيقية لبلادنا. نحن محكومون، وعقولنا مُقَوْلَبَة، وأذواقنا مُتَشَكِّلَة، وأفكارنا مقترحة، إلى حد كبير من قبل رجال لم نسمع عنهم أبدًا. هم الذين يسحبون الأسلاك التي تتحكم في العقل العام"(75). ولعل مثال "مشاعل الحرية" هو النموذج الأبرز، في تجربة بيرنز لجهة الـتأثير في مواقف الأفراد والمجتمع. ففي العقد الثاني من القرن الماضي، كان التدخين مُقتصرًا على الرجال، فيما ينظر المجتمع بريبة إلى المرأة المدخنة، فاستعان جورج واشنطن هيل، رئيس الشركة الأميركية للتبغ، بخدمات المستشار في مجال الدعاية، إدوارد بيرنز، الذي أطلق حملة "مشاعل الحرية"، باستئجار عارضات أزياء، وسار بهن في شارع عام وهنَّ يدخِّنَّ، ودعا الصحافة لتغطية الحدث، مُدعيًا أن ما يجري تحرك نسوي حقوقي. وفعلًا، انتشرت صور التحرك على أنه "تحرر نسوي" من القمع الذكوري لحق المرأة في التدخين، وسُمِّيت السجائر في فم النساء المشاركات بـ"مشاعل الحرية"، فانتشرت الكلمة على أنها رمز "الثورة". نجحت حملة "مشاعل الحرية" برفع مبيعات السجائر، وهي الغاية التي كان ينشدها رئيس الشركة الأميركية للتبغ(76). ويعود لبيرنز أيضًا اختراع مصطلح "جمهورية الموز"، عندما شارك في إسقاط حكومة غواتيمالا عام 1954 إلى جانب وكالة المخابرات الأميركية "السي آي إيه" و"الشركة المتحدة للفاكهة"؛ إذ تم إسقاط الحكومة الإصلاحية الاشتراكية المنتخبة ديمقراطيًّا عبر حملة إعلامية تحريضية شاملة وضعها بيرنز وأشرف على تنفيذها(77). 

ويبدو أن شركات الاتصال السياسي الحديثة، مثل كامبريدج أناليتكا استفادت إلى حد كبير من النظريات التقليدية المعروفة في مجالات التأثير في الجماهير، وهندسة الرأي العام، مستفيدة من التطور التكنولوجي، والكم الهائل من المعلومات المُتاحة على مواقع التواصل الاجتماعي، للسيطرة على الجماهير، وهندسة الرأي العام، والتلاعب بالأفراد والمجتمعات، تبعًا لأجندات سياسية مدفوعة الثمن، دون مراعاة لأي حدود أو ضوابط أخلاقية. وفي المقابل، يبدو أن الجماهير، التي وقعت في فخ "مسرحية الغزو الفضائي" قبل ما يقرب من مئة العام، لم تتعلم بعد، كيف تنجو من تأثير وكالات الاتصال السياسي والدعاية والعلاقات العامة التي تدفع الأجندات السياسية لزبائنها، وتجتاح الفضاء الرقمي بموجات متتالية من البيانات والأخبار، التي لم يعد سهلًا التمييز بين الغث والسمين فيها، وطغى الزيف فيها على الحقيقة(78). 

ما بين نموذج "مشاعل الحرية" التي ابتكرها بيرنز في مطلع القرن الماضي، للتأثير في سلوكيات الأفراد ومواقفهم بهدف زيادة أرباح شركات التبغ، ونموذج كامبريدج أناليتكا الراهن، للتأثير في سلوكيات الأفراد وتوجهاتهم الانتخابية، لصالح الدفع بأجندات سياسية معينة، لا يبدو أن شيئًا جوهريًّا اختلف في أساليب وغايات هندسة الرأي العام، والتلاعب بالعقول، إلا لجهة الأدوات والتقنيات. بل كشفت فضيحة كامبريدج أناليتكا وفيسبوك حجم الخطر الذي تشكله شركات الاتصال السياسي، ومنصات الإعلام الاجتماعي عامة على حقوق الإنسان؛ ذلك أن "انتهاكات حقوق الإنسان جزء لا يتجزأ من نموذج الأعمال الذي طورته شركات الإعلام الاجتماعي في السنوات الأخيرة"(79).  وأخيرًا، تُظهر قضية كامبريدج أناليتكا كيف أن من وصفهم بيرنز بـ"الحكومة غير المرئية "صاروا أكثر قوة ونفوذًا في عصر الإعلام الجديد والإعلام الاجتماعي، بينما صار الأفراد أقل مناعة، وأكثر عرضة للسيطرة(80)، وباتت فبركة الأخبار خطرًا قد يحيل أعرق الديمقراطيات الغربية إلى "جمهوريات موز" تتحكم بها تحالفات منصات الإعلام الاجتماعي مع وكالات الدعاية السياسية وشركات العلاقات العامة.

____________________________________

د. نواف التميمي، أستاذ الصحافة بمعهد الدوحة للدراسات العليا

References

1- Gunderman, Richard, “The manipulation of the American mind: Edward Bernays and the birth of public relation", theconversation.com, 9 July 2015, (Visited on 29 March,2018):

http://theconversation.com/the-manipulation-of-the-american-mind-edward-bernays-and-the-birth-of-public-relations-44393

2- فهمي، أحمد، هندسة الجمهور.. كيف تُغير وسائل الإعلام الأفكار والتصرفات؟، (مركز البيان للبحوث والدراسات، الرياض، 2014)، ص 8.

3Fischer, Brendan, “A Banana Republic Once Again?”, prwatch.org, 27 December 2010, (Visited on 28 March, 2018):

https://www.prwatch.org/news/2010/12/9834/banana-republic-once-again

4- Parvin, Philip, “Friend or Foe? Lobbying in British Democracy”, A discussion paper, (Hansard Society, London, 2007), p. 6. (Visited on 21 March 2015): إضغط هنا.

5- Zetter, L. Lobbying - The Art of Political Persuasion, (Harriman House LTD, Petersfield-UK, 2008). p. 3.

6- Ibid, p. 4.

7- Ibid, p. 4.

8- Ibid, p. 6.

9- Ibid, p. 7.

10- Linebarger, P. M. Anthony, Psychological Warfare, (Combat Forces Press. Washington, 1954).

11- Walton, Douglas, “What is propaganda, and what exactly is wrong with it?”, Public affairs quarterly, volume 11, number 4, (October 1997), p. 387.

12- Ellul, J. Propaganda - the formation of men's attitudes, (Vintage books, NY, 1973).

13-  Doob, W.  Leonard, “Goebbels' Principles of Propaganda”, The Public Opinion Quarterly, Vol. 14, No. 3, (Oxford University Press. Oxford, 1950), p. 419-442. (Visited on 16 March 2015): إضغط هنا.

14- Walton, “What is propaganda, and what exactly is wrong with it?”, op, cit.

15- Cunningham, B. S. The Idea of Propaganda: A Reconstruction, (Praeger Publishers, Westport, USA, 2002), p. 67-71.

16- Vl?du?escu, Stefan, “Communicational types of propaganda”, International Letters of Social and Humanistic Sciences 22 (2014) 41-49, p.42, ilshs.pl, (Visited on 14 November 2014):

http://www.ilshs.pl/wp-content/uploads/2013/10/ILSHS-22-2014-41-49.pdf.

17- Ibid, p. 42.

18- Cunningham, The Idea of Propaganda: A Reconstruction, op, cit.

19- Ibid.

20-  Ibid.

21- Ellul, Propaganda - the formation of men's attitudes, op, cit.

22- Cunningham The Idea of Propaganda: A Reconstruction, op, cit, p. 66-67

23- لفتت هذه الظاهرة فضول بافلوف فحاول أن يدرس مدى استجابة الحيوان لمثير صناعي (كصوت جرس) مصاحب للمثير الأصلي، وهو تقديم الطعام، واستنتج بافلوف من تجربته أنه إذا اشترطت استجابة معينة بمثير (سمعي في هذه الحالة) تصاحب المثير الأصلي (الطعام) وتكررت هذه العملية، ثم قمنا لاحقًا بإزالة المثير الأصلي وقدمنا المثير المصاحب وحده فإن الاستجابة الشرطية تحدث (وهي سيلان اللعاب). وفسر بافلوف الاستجابة الشرطية بحدوث عملية التعلم كنتيجة لنوع من الارتباط بين المثير والاستجابة. ويُرجِع بافلوف حدوث هذا النوع من الارتباط إلى أسس فسيولوجية بحتة، وجعل هذا الارتباط من وظائف المخ، بناء على القاعدة الفسيولوجية التي اعتمدها في التفسير.

24- أبو سعيد ضو، سوزان، "إيفان بافلوف… ونظرية التعلم الشرطي"، 25 فبراير/شباط 2016، (تاريخ الدخول: 29 مارس/آذار 2018):

 http://greenarea.me/ar/111167/إيفان-بافلوف-ونظرية-التعلم-الشرطي، https://goo.gl/xGtKWA

- انظر أيضًا: فهمي، هندسة الجمهور.. كيف تُغير وسائل الإعلام الأفكار والتصرفات؟، مرجع سابق، ص 51-55.

25- Egnal, Cleo, “The 1938 fake news story that mobilized the navy... in fear of aliens”, Ranker.com, (Visited on 29 March 2014):

https://goo.gl/ANnGVW.

26- نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"، صباح اليوم التالي (31 أكتوبر/تشرين الأول 1938)، تقريرًا على الصفحة الأولى، رصدت فيه ردود فعل الناس على ما جرى. وجاء في العنوان "المستمعون في ذعر بعد تصديق مسرحية الحرب... الناس يهربون من منازلهم خوفًا من هجوم بالغاز يشنه سكان كوكب مارس.. سيل من الاتصالات على مراكز الشرطة".

27- فهمي، هندسة الجمهور.. كيف تُغير وسائل الإعلام الأفكار والتصرفات؟، مرجع سابق، ص 6.

28- المرجع السابق.

29- المرجع السابق.

30- المرجع السابق.

31- Wendling, Mike, “The (almost) complete history of 'fake news'”, 22 January 2018, bbc.com, (Visited on 30 March 2018):

http://www.bbc.com/news/blogs-trending-42724320

32- Ibid.

33- Ibid.

34- Ibid.

35- Ibid.

36- Ibid.

37- Barthel, Michael, Mitchell, Amy, and Holcomb, Jesse, “Many Americans Believe Fake News Is Sowing Confusion”, journalism.org, 15 December 2016, (Visited on 12 April 2018):

http://www.journalism.org/2016/12/15/many-americans-believe-fake-news-is-sowing-confusion

38- Blake, Aaron, “A new study suggests fake news might have won Donald Trump the 2016 election”, washingtonpost.com, 3 April 2018, (Visited on 4 April 2018):

https://www.washingtonpost.com/news/the-fix/wp/2018/04/03/a-new-study-suggests-fake-news-might-have-won-donald-trump-the-2016-election/?utm_term=.e94cadea0718

39- Ibid.

40- فهمي، هندسة الجمهور.. كيف تُغير وسائل الإعلام الأفكار والتصرفات؟، مرجع سابق، ص 10.

41- “Data drives all we do”, cambridgeanalytica.org, (Visited on 30 March 2018):

https://cambridgeanalytica.org

42- “Cambridge Analytica explains how the Trump campaign worked”, youtube.com, 12 May 207, (Visited on 1 April 2018):

https://www.youtube.com/watch?v=bB2BJjMNXpA&feature=youtu.be.

43- Prokop, Andrew, “Cambridge Analytica and its many scandals, explained”, vox.com, 21 March 2018, (Visited on 30 March 2018):

https://www.vox.com/policy-and-politics/2018/3/21/17141428/cambridge-analytica-trump-russia-mueller

44- https://cambridgeanalytica.org, (Visited on 30 March 2018).

45- Ingram, David, “Factbox: Who is Cambridge Analytica and what did it do?”, reuters.com, 30 March 2018, (Visited on 30 March 2018):

https://www.reuters.com/article/us-facebook-cambridge-analytica-factbox/factbox-who-is-cambridge-analytica-and-what-did-it-do-idUSKBN1GW07F

46- Vogel, Kenneth, “Cruz partners with donor's 'psychographic' firm”, politico.com, 7 July 2015. (Visited on 1 April 2018):

https://www.politico.com/story/2015/07/ted-cruz-donor-for-data-119813

47- “Cambridge Analytica explains how the Trump campaign worked”, op, cit.

48- Cambridge Analytica: The data firm's global influence”, bbc.com, 22 March 2018, (Visited on 1 April 2018):

http://www.bbc.com/news/world-43476762

49- "مسرب المعلومات، كريستوفر وايلي: "كامبريدج أناليتكا" لعبت "دورًا حاسمًا" في "بريكست"، العربي الجديد، عدد 27 مارس/آذار 2018.

50- Cambridge Analytica: The data firm's global influence”, bbc.com, 22 March 2018, (Visited on 1 April 2018): http://www.bbc.com/news/world-43476762

51- Ibid.

52- Ingram, “Factbox: Who is Cambridge Analytica and what did it do?”, op, cit.

53- “UK High Court grants Cambridge Analytica search warrant to ICO”, CNBC.com, 23 March 2018, (Visited on 1 April 2018):

https://www.cnbc.com/2018/03/23/uk-high-court-grants-cambridge-analytica-search-warrant-to-ico.html

54Osborne, Hilary, “What is Cambridge Analytica? The firm at the centre of Facebook's data breach”, theguardian.com, 18 March 2018, (Visited on 1 April 2018):

https://www.theguardian.com/news/2018/mar/18/what-is-cambridge-analytica-firm-at-centre-of-facebook-data-breach

55- Ibid.

56- Ibid.

57- Ibid.

58- Ibid.

59- Ibid.

60- Ibid.

61- Ibid.

62- Armstrong, Gary; Kotler, Philip, Marketing An Introduction, (Upper Saddle River, N.J. Prentice Hall, 7 Edition, 2005).

63- Ibid.

64- “Facebook scandal 'hit 87 million users”, bbc.com, 4 April 2018, (Visited on 5 April 2018): http://www.bbc.com/news/technology-43649018

65- Ingram, “Factbox: Who is Cambridge Analytica and what did it do?”, op, cit.

66João Paulo, Ciribeli, & Samuel, Miquelito, Market segmentation by psychographic criteria: an essay on the main

psychographic theoretical approaches and its relationship with performance criteria. “Visión de Futuro” Año 12, Volumen Nº19, Nº 1, Enero - Junio 2015 – P. 51-64, (Visited on 1 April 2018):

https://goo.gl/zhZ6Zn,

67- Flam, Faye, “What did Cambridge Analytica really do?”, japantimes.co.jp, 31 March 2018, (Visited on 1 April, 2018):

https://www.japantimes.co.jp/opinion/2018/03/31/commentary/world-commentary/cambridge-analytica-really/#.WsBuy4huYdU

68 Cambridge Analytica explains how the Trump campaign worked”, op, cit.

69- Ibid.

70-Ingram, “Factbox: Who is Cambridge Analytica and what did it do?”, op, cit.

71- Lewis, Paul, and Hilder, Paul, “Leaked: Cambridge Analytica's blueprint for Trump victory”, theguardian.com, 23 March 2018, (Visited on 26 April 2018):

https://www.theguardian.com/uk-news/2018/mar/23/leaked-cambridge-analyticas-blueprint-for-trump-victory

72Ibid

73- Ibid.

74-  Detrow, Scott, “What Did Cambridge Analytica Do During The 2016 Election?”, npr.org, 20 March 2018, (Visited on 1 April, 2018):

https://www.npr.org/2018/03/20/595338116/what-did-cambridge-analytica-do-during-the-2016-election

75Gunderman, “The manipulation of the American mind”, op, cit.

76- Ibid.

77- Fischer, “A Banana Republic Once Again?”, op, cit.

78Ibid.

79- Joseph, Sarah, “Why the business model of social media giants like Facebook is incompatible with human rights”, theconversation.com, 3 April 2018, (Visited on 4 April 2018):

https://theconversation.com/why-the-business-model-of-social-media-giants-like-facebook-is-incompatible-with-human-rights-94016

80- Ibid.