صورة إسرائيل وإيران في المخيال السياسي لقادة الرأي السعودي

هذه الورقة هي ملخص دراسة موسَّعة نُشرت في مجلة (لُباب) الصادرة عن مركز الجزيرة للدراسات، وتبحث مكونات الصورة/الذات الإيرانية والإسرائيلية في المخيال السياسي لقادة الرأي السعودي وتبرز مكوناتهما وأبعادهما، والحمولة الأيديولوجية التي تؤطر رؤية هؤلاء القادة في تَمَثُّل هذه الصورة.
5f4682d98eda43ea8722ecf50044b16c_18.jpg
(الجزيرة)

في خضم توتر العلاقات السعودية-الإيرانية، وصراع النفوذ بين البلدين في المنطقة، برز دور بعض كتَّاب الرأي السعوديين وبعض أصوات قادة الرأي التي تدعو إلى مواجهة إيران "ومشروعها الطائفي" في المنطقة والتصدي لبرنامجها النووي؛ إذ يرى هؤلاء في إيران "العدو الأول الذي يجب التفرغ له"، في مقابل المطالبة الصريحة بـ"المصالحة مع إسرائيل" التي لا يُخفي بعضهم تأييدهم لها والوقوف بجانبها "عقلًا ووجدانًا" إذا خاضت حربًا ضد إيران. 

شكَّلت المقالات الصحفية أحد الملامح الرئيسة للتناول الصحفي لصورة إسرائيل وإيران في المخيال السياسي لقادة الرأي السعودي؛ حيث لم يعد دورها يقف عند وظيفة جذب انتباه القارئ أو إثارة اهتمامه، ولكن تتم قراءة الرموز التي تتكون منها المقالات وما تحمله من أفكار أو معان وما تجسده من أبعادٍ مُضافة وما تُركز عليه من شخصياتٍ ووقائع. من هنا، فإن الباحث يركز على الكشف عن الارتباط بين محتوى نصوص المقالات المنشورة ونقل المعاني الاتصالية في الصحف عن الصورة الإعلامية لإيران وإسرائيل في المخيال السياسي لقادة الرأي السعودي في أبرز صحيفتين سعوديتين، هما: "الرياض والجزيرة"، اللتان جرى اختيارهما كعينة عمدية ممثِّلة للمجتمع الأصلي للصحافة السعودية خلال النصف الأول من عام 2018.

ويبرز دور صحيفتي الرياض والجزيرة السعوديتين في تشكيل الصورة عن إيران وإسرائيل انطلاقًا من مفهوم الصورة الإعلامية التي تسهم في تطور آلية تعامل وسائل الإعلام مع الأحداث والموضوعات المختلفة لتكوين فكرة عامة عن هذه الأحداث أو الموضوعات التي تخدم مصالحها وتوجهاتها وسياساتها العامة وحتى الخاصة أحيانًا، مع اختلاف هذه الأحداث أو الموضوعات انطلاقًا من الخصوصيات الآتية:

1. خصوصية الدور: الذي تقوم به الصحافة السعودية في إدارة المواقف الصراعية داخل المجتمعات العربية والإسلامية، لاسيما ما يتعلق بالدور الإيراني في المنطقة العربية وقضية الصراع العربي-الإسرائيلي.

2. خصوصية الحدث: تبرز في التأثير على المجتمعات العربية والإسلامية باعتبار إيران وإسرائيل لاعبين أساسيين في المنطقة العربية ويؤثران بشكل أساسي في صناعة الأحداث والمواقف المختلفة. 

3. خصوصية الوسيلة الإعلامية: تُعَدُّ صحيفة "الجزيرة" صحيفة شعبية متعددة الاهتمامات، ولاسيما ما يتعلق بشؤون الناس وقضاياهم واحتياجاتهم، والتي شهدت تطورًا ملحوظًا في المساحة والشكل والمضمون، كما تُعَدُّ صحيفة "الرياض" الأكثر انتشارًا من حيث معدلات التوزيع والقراءة والمساحات الإعلانية بالمملكة العربية السعودية، وتضم العديد من الكتَّاب والمحرِّرين المعروفين.

حاول الباحث من خلال هذه الدراسة تحديد صورة إيران وإسرائيل في المخيال السياسي لقادة الرأي السعودي، وقد أظهر التحليل النتائج الآتية:

1. ركزت مقالات قادة الرأي السعودي في رسم سمات وأبعاد صورة إسرائيل على أن العرب ليس لهم خيار سوى المصالحة مع إسرائيل وتوقيع اتفاقية سلام شاملة معها، والتفرغ لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة؛ لأن إيران أخطر على العرب من إسرائيل، وتحديدًا الأيديولوجيا التي تحملها وتُسَوِّغ لها التمدد والهيمنة والنفوذ. 

2. فسَّر قادة الرأي السعودي الدعم الإيراني لفصائل المقاومة الفلسطينية بأنها استراتيجية إيرانية لاستخدام تلك الفصائل كحاجز صد لإلهاء إسرائيل ومنع تحركاتها تجاه طهران بهدف إيقاف تسلحها العابر للقارات من أجل الوصول إلى السلاح النووي، وإيقاف التمدد الإيراني وتأثيره السياسي في العمق العربي.

3. كان المخيال السياسي لصورة إسرائيل عند قادة الرأي السعودي متأثرًا بنموذجين عالميين مزيفين من الصورة: تدهور الصورة الإعلامية للعرب وتألق الصورة الإعلامية لإسرائيل. 

4. احتل اتجاه الرؤية السعودية للسلام مع إسرائيل المرتبة الرابعة من اهتمامات قادة الرأي السعودي بصورة إسرائيل، وركزوا على أن يكون الخطاب تجاه القضية العربية مدنيًّا وحقوقيًّا وعالميًّا، وليس دينيًّا، فالقبيلة العبرانية وأذنابها يستغلون النصوص الدينية وبعض المرويات التاريخية غير المثبتة، وبعض الأساطير القديمة لتبرير القتل المنهجي والتهجير والنفي لأصحاب الأرض تحت حجة الوعد الإلهي المقدس. 

5. ركزت مقالات الرأي المنشورة في صحيفتي العينة على متابعة ما تسميه: نشاط "المنظمات الإرهابية المعادية لإسرائيل"، ومن أهمها: فيلق القدس في كل من سوريا ولبنان والعراق، وكذلك نشاط حزب الله اللبناني، وحركة حماس، وحركة أنصار الله الحوثي التي لم تطلق رصاصة واحدة من أجل دعم الفلسطينيين.

6. كشفت نتائج الدراسة أن صورة إسرائيل في المخيال السياسي لقادة الرأي السعودي خلال عام 2018 ركزت على نفي التقارب السعودي مع إسرائيل إلا أن بعض مقالات هؤلاء القادة أكدت وجود اتصالات بينهما على خلفية قضايا عدة، منها: المخاوف المشتركة من إيران واتباع استراتيجية مزدوجة لاحتواء النفوذ الإيراني، وإعادة تشكيل وتحديث المملكة ردًّا على اضطرابات الربيع العربي والتهديد الذي يشكِّله عنف المتشددين الإسلاميين.

7. اهتم قادة الرأي السعودي بتقديم صورة سلبية لإيران التي تقوم بحروب هجينة في كل من سوريا واليمن والعراق ولبنان، مستعملة موارد عسكرية وغير عسكرية، حكومية وغير حكومية، وهي أساليب خطيرة تقوض أمن البلدان وتؤثر بدرجة كبيرة على تلاحم المجتمعات؛ لأنها تجيِّش الطوائف، كما أنها تستعمل أدوات لم تألفها الحروب التقليدية الطبيعية.

8. اهتم قادة الرأي السعودي بصورة إيران انطلاقًا من التركيز على معاناة المواطن الإيراني من "سياسة النظام الإرهابية" وانعكاسها على سوء الأوضاع الاقتصادية وحرمانه من أبسط حقوقه المشروعة وهدر أمواله.

9. أكدت نتائج الدراسة التحليلية موقف قادة الرأي السعودي من الاتفاق النووي الإيراني؛ إذ يرى أن مشكلة إيران مع العالم ليس في برنامجها النووي الذي جرى الانسحاب الأميركي الأحادي منه، ولكن المشكلة في سلوك إيران الذي لا يعكس الثقة والمصداقية والالتزام مع المجتمع الدولي، وتحديدًا مع إقليمها ومحيطها العربي.

10. أكدت نتائج الدراسة أن الأجندة السياسية الإيرانية كانت تعمل في إطار دعم تنظيمات إرهابية ولدت أيديولوجيا الكراهية التي زرعتها في المحيط الاقليمي والعربي والدولي. 

11. ركز قادة الرأي السعودي على أن دول مجلس التعاون الخليجي من أكبر المتضررين من التدخلات الإيرانية وأن منطقة الشرق الأوسط عامة ومنطقة الخليج العربي خاصة على فوهة بركان يصنعه قادة إيران ويغذيه القطبان الروسي-الأميركي.

(للاطلاع على الدراسة كاملة، اضغط هنا) 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د.سعد سلمان المشهداني، أستاذ الصحافة في قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة تكريت.

ABOUT THE AUTHOR