من يحلل الإستراتيجية الأميركية في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن (2000-2006) عالميا وفي منطقة الشرق الأوسط, يجدها مختلفة عن كثير من الإستراتيجيات الأميركية المتبعة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى انتهاء ولاية الرئيس الأميركي بيل كلينتون عام 2000.
منير شفيق |
وقد اختلفت أساسا من حيث تحديد أولويات هذه الإستراتيجية, وما يترتب على ذلك من سياسات وتحالفات وعلاقات بالدول الأخرى.
فالمحافظون الجدد الذين أصبحوا في مركز القرار الأميركي من خلال تبنيهم من قبل الرئيس جورج بوش ونائبه ديك تشيني ووزير دفاعه السابق دونالد رمسفيلد, كانوا أصحاب مشروع لإستراتيجية أميركية جديدة, لا سيما في الشرق الأوسط, لطالما عبروا عنها في تسعينيات القرن الماضي.
وقد وجدوا ضالتهم لفرضه على الإستراتيجية الأميركية باستغلال أحداث 11 سبتمبر/ أيلول2001, ولهذا يخطئ من يعزو ما حدث من تغيير في تحديد أولويات الإستراتيجية الأميركية إلى تلك الأحداث.
فالمحافظون الجدد والثلاثي بوش-تشيني-رمسفيلد (وهناك من يضيف كوندوليزا رايس) كانوا يعدون لإستراتيجية العسكرة العالمية من جديد قبل تلك الأحداث. وثمة دلائل على ذلك, منها العودة إلى طرح مشروع الدرع الصاروخية المضادة للصواريخ (حرب النجوم), والانسحاب من عدة اتفاقات دولية.
الإستراتيجية الأميركية
مواقف الدول الكبرى
مؤشرات عام 2007
يمكن تلخيص الإستراتيجية الأميركية كما عبرت عن نفسها خلال الخمس أو السنوات الست الماضية عمليا، إلى جانب ما عبرت عنه إستراتيجيتا الأمن القومي الأميركي الصادرتان في 20 سبتمبر/ أيلول 2002 و16 مارس/ آذار 2004 في النقاط التالية:
جعلت أولوياتها إعادة صوغ دول منطقة الشرق الأوسط, وفقا لمشروع شرق أوسطي تبنى المشروع الإسرائيلي، وزاد عليه عبر المحافظين الجدد الذين يعدون أنفسهم أكثر "إسرائيلية" و"صهيونية" حتى من الليكود نفسه. وهذا ما كانت تعنيه "الحرب على الإرهاب" والتعريض بالمجتمعات الإسلامية والإسلام بوصفهما حاضنين للإرهاب."
جعلت الإدارة الأميركية أولويتها إعادة صوغ دول منطقة الشرق الأوسط, وفقا لمشروع شرق أوسطي تبنى المشروع الإسرائيلي، وزاد عليه عبر المحافظين الجدد الذين يعدون أنفسهم أكثر إسرائيلية وصهيونية من الليكود
"- إعطاء الأولوية لمشاريع الشرق الأوسط (الكبير, الواسع, الجديد...) في الإستراتيجية الكلية الأميركية ترتب عليه في مرحلته الأولى نظرية تحالف الراغبين بديلا للالتزام بالحلف الأطلسي, كما ولد موقفا سلبيا من مجلس الأمن من أجل الانفراد بقرارات الحرب بعيدا عن مواقف الدول الكبرى الأخرى.
- ولكي يعاد صوغ حكومات بلدان الشرق الأوسط ومجتمعاته العربية والإسلامية اعتمد على:
- نظرية الحرب الاستباقية، سياسة التغيير بالقوة والاحتلال وهو ما طبق في أفغانستان والعراق، وفي فلسطين من قبل إسرائيل منذ عدوانها الممتد منذ ربيع 2002.
- استخدام سياسة الترويع من خلال النموذج الأفغاني والعراقي وحتى الفلسطيني (محاصرة عرفات واغتياله). وهو ما عرف بنظرية تساقط أحجار الدومينو, أي الإطاحة برئيس ليرتعب الآخرون فيستسلمون.
- ابتزاز الدول العربية من خلال الترويج بتبني إدارة بوش لشعارات الإصلاح والديمقراطية والشفافية وحقوق الإنسان (من المغرب إلى إندونيسيا) وذلك من أجل انتزاع التنازلات لحساب المشروع الإسرائيلي, مقابل إغلاق ملفات الاستبداد والفساد والتشهير بالأنظمة.
أما التنازلات المطلوبة فكانت في أكثر من 95% منها لصالح إسرائيل: مثل الاعتراف, التطبيع, حل الجمعيات الخيرية، منع الدعم للشعب الفلسطيني, ضرب المقاومة الفلسطينية, التخلي عن التضامن العربي، إجهاض مؤسسة قمة العربية. - تحريك التناقضات الداخلية بتشجيع قوى طائفية أو إثنية أو جهوية للتحرك من أجل الضغط على الدول المركزية تحد تهديد الحرب الأهلية والانفصال. وذلك لابتزاز التنازلات المطلوبة منها أو اتخاذ الأزمة ذريعة للتدخل (أشكاله متعددة).
وقد برزت هذه الظاهرة في السودان (بعد المصالحة مع تمرد الجنوب)، لا سيما في إثارة قضية دارفور وصولا إلى اتخاذ قرار من مجلس الأمن لإرسال قوات دولية.
وقد فسّرت حكومة السودان ذلك بمنزلة الاحتلال وهددت بالمقاومة، فوضعت الولايات المتحدة وبريطانيا على الأجندة فرض حظر جوي فوق دارفور.
وفي حين تركت الولايات المتحدة الصومال يتمزق ويعيش الفوضى في ظل حكم أمراء الحرب وحكومة صورية، عادت للتدخل ومن خلال مجلس الأمن عندما تمكنت حركة المحاكم الإسلامية من القضاء على حكم أولئك الأمراء، وحملت وعودا مع التفاف الشعب حولها في توحيد الصومال وتحقيق الأمن فيه.
وهكذا فُتحت جبهتان جديدتان في السنتين الماضيتين ضد السودان والصومال ضمن الهجمة الأميركية التي استهدفت إقامة مشروع الشرق الأوسط الآنف الذكر.
باختصار شنت الولايات المتحدة الأميركية حربا واسعة متعددة الأوجه, من الخارج ومن الداخل, ضد عدد من البلدان العربية والإسلامية من أفغانستان إلى السودان.
تغييرات أساسية
هذه الإستراتيجية استمرت في العهد الثاني لإدارة بوش لكن مع إحداث ثلاثة تغييرات أساسية, وذلك بسبب ما لقيته تلك الإستراتيجية من فشل وإخفاق لا سيما في العراق، التغيير الأول كان بالعودة إلى مصالحة فرنسا وألمانيا وإعادة الاعتبار لحلف الأطلسي, والثاني إعادة الاعتبار لمجلس الأمن, حيث راحت الولايات المتحدة تعقد الصفقات مع روسيا والصين وأوروبا مقابل تصويتها في مصلحة قرار يهم الإدارة الأميركية, مع تقديم تنازلات عند صوغه.
والتغيير الثالث التراجع عن الضغوط على عدد من الدول العربية بطي ملفات الإصلاح والديمقراطية أو فضائح الفساد والاستبداد وأشكال انتقال السلطة, ومن ثم العودة إلى شعار "تغليب الاستقرار".
لقد أفادت كل من روسيا والصين والهند وعدد من الدول بسبب غرق السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط, ومن ثم غضها الطرف عما يجري هناك، فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين رتب الوضع الداخلي مبعدا الأفراد والقوى المتنفذة الموالية لأميركا والصهيونية.
وها هي ذي روسيا تعود دولة قوية من جديد، أما الصين والهند فقد توسعتا في تطوير اقتصادهما ودخلتا السوق العالمي بقوة ولم تق