تونس : الثورة ورؤى المستقبل

9 March 2011
2011101613856534580_2.jpg
 

نظم مركز الجزيرة للدرسات بتونس العاصمة ندوة بعنوان: "تونس الثورة ورؤى المستقبل"، وكان ذلك في يومي 21 و25 يناير/ كانون الثاني 2011. وقد توزعت إلى ثلاث جلسات عكست ثلاث رؤي هي: رؤية السياسيين ورؤية نشطاء المجتمع المدني ورؤية الباحثين.

السياسيون التونسيون: الثورة استمرار لنضال طويل
المجتمع المدني.. ما حصل كان بفعل الجماهير فقط
الباحثون.. ما ملامح جمهورية الغد؟

السياسيون التونسيون: الثورة استمرار لنضال طويل

 

من أبرز نقاط الالتقاء بين السياسيين: ضرورة تكوين "حكومة إنقاذ وطني" وإجراء انتخابات تشريعية وإنشاء دستور جديد مع مجلس استشاري من الأخصائيين لصياغة هذا الدستور دون نسيان وجوب تنظيم انتخابات رئاسية على أسس ديمقراطية جديدة.

أكد السياسيون المشاركون في الندوة، ويعكسون الطيف السياسي التونسي بمختلف ألوانه، على أن ما حدث في تونس من احتجاجات اجتماعية ورفض للواقع ما هو إلا انتفاضة شعبية ساهمت فيها وسائل الإعلام والحراك السياسي خاصة للأحزاب المعارضة المعترف بها وغير المعترف بها معبرة عن وجوب التمسك بزمام الأمور ومواصلة العمل مع بقايا النظام السابق المنخرطة في الحكومة "المحدثة" والدفع نحو إرساء مسار ديمقراطي جديد يمكن أن ينفتح فيما بعد على الأحزاب التي لم تمثل داخل الحكومة الحالية.أعطيت الكلمة بعد ذلك إلى :

وتمت الإشارة من طرف بعض المتدخلين إلى أن تركيبة الحكومة التي تلت خلع الرئيس ب علي قامت على الانتقاء والإقصاء مما يقتضي وجوب سن قانون عفو تشريعي عام وتكوين حكومة "إنقاذ" دون قيد أو شرط. في حين رأى البعض أن هذه الحكومة حكومة "تكنوقراط".

وحظيت الثورة التونسية بحديث معمق حيث أظهرت الندوة أن نجاح الثورة يخاف عليه الالتفاف على هذه الثورة فإن كان الدكتاتور رحل فإن الدكتاتورية بجميع أجهزتها لم ترحل، فهناك مطالبة قوية وصريحة باجتثاث الدكتاتورية إذ لا يمكن أن تتواصل الدولة ببقايا الدكتاتورية. وهذا ما يتطلب تكوين "حكومة مؤقتة" تكون محل إجماع وطني، ويمكن أن تفرز تلك الحكومة مجلسا تأسيسيا يتولى وضع دستور جديد يؤسس لجمهورية ثانية.

وأمن الدولة غير مهدد لأن الشعب اليوم هو من يقوم بحماية نفسه فالثورة لازالت مستمرة والشعب يستكمل ثورته رافضا "مسرحية" الحكومة داعيا إلى وجوب قيام حكومة إنقاذ وطني، وهذا الإشكال سياسي وليس قانونيا.

وكانت القاعة بمختلف الأصوات السياسية التي صدرت منها معبرة بإجماع عن ضرورة تكوين "حكومة إنقاذ وطني"، إلا أن إجماع السياسيين التونسيين في هذه الندوة على بعض النقاط لم يمنع من وجود حالات اختلاف. ومن أبرز نقاط الالتقاء بين السياسيين: ضرورة تكوين "حكومة إنقاذ وطني" وإجراء انتخابات تشريعية وإنشاء دستور جديد مع مجلس استشاري من الأخصائيين لصياغة هذا الدستور دون نسيان وجوب تنظيم انتخابات رئاسية على أسس ديمقراطية جديدة.

 

نشطاء المجتمع المدني.. ما حصل كان بفعل الجماهير لا سواهم

طرحت الجلسة الثانية التي أنعشها نشطاء المجتمع المدني في كثيرا من الأفكار من أهمها أن ما عرفته تونسي شكل انتفاضة اجتماعية ثم تحول إلى ثورة. وكما أشار إلى ذلك الفاعلون السياسيون فقد رأى نشطاء المجتمع المدني أن تركيبة الحكومة التي تلت الإطاحة بالرئيس المخلوع لا تعكس مطالب الشارع الباحث عن العدالة والحرية. والحكومة المنصبة ما هي إلا صورة أو تواصل للنظام السابق الذي غادره "بن علي" لكنه بقي متشبثا بالسلطة لذلك لا بد من إقالتها وتعيين مجلس تأسيسي، وما يقتضيه ذلك من سن عفو تشريعي عام وعودة المهجرين وتكوين هيئة وطنية تشرف على تقيين مجلس تأسيسي. فالحكومة الحالية لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تكون مجلسا تأسيسيا.

كما رأى هؤلاء النشطاء أن الفضل فيما حدث لا يعود لا إلى السياسيين ولا إلى الحقوقيين بل كان بفعل الجماهير وخاصة غير المسيسة. وركز الحضور على ضرورة محاسبة المنتهكين وإيقاف الانتهاكات وضمان أن لا يعيد إنتاج نظام يسمح باستعباد المواطنين وانتهاك حقوقهم ويجب أن تقف الجمعيات الحقوقية في وجه كل من يخرق القانون مهما كانت هويته أو موقعه.

 

الباحثون.. ما ملامح جمهورية الغد؟

آثار الثورة التونسية قد تصيب بالعدوى المجال المغاربي خصوصا على المستوى النقابي والحقوقي وحتى على مستوى الأنظمة السياسية حيث لاحظ اهتزازا للشرعية قابلا للانفجار في كل لحظة وكذلك على المستوى العربي

طرحت الجلسة الثالثة والأخيرة التي شارك فيها مجموعة من الباحثين عدة أسئلة انصب بعضها على مستقبل تونس: فماذا على التونسيين أن يفعلوا إزاء الفراغ المؤسسي اجتماعيا وسياسيا، الذي طبع المشهد السياسي غداة الثورة وأثناءها وبعدها.

فالخارطة السياسية القانونية في تونس لم تمثل بوفاء حقيقة الحراك السياسي والقوى الفكرية في تونس، فلا الأحزاب اليسارية ولا القومية ولا الإسلامية مثّلت حقيقة الخارطة الفكرية في تونس. وضعف القوى السياسية وهشاشتها التنظيمية، جعل تجاوز الاصطفاف الإيديولوجي القديم الذي سمح بجمع حزب العمال والنهضة في صف واحد وحركة التجديد والتكتّل في صف انتهى به الأمر إلى التلاشي. هذا فضلا عن تغوّل التجمّع الدستوري الذي ضمّ أكثر من مليون منخرط ويستعمل أجهزة الدّولة ويتداخل معها وظيفيا. ولا ينبغي أن ننسى تلك الأحزاب الديكورية البرلمانية التي لا أثر لها.

السؤال المطروح على متبع المشهد الحزبي التونسي هو: هل كان التجمّع الدستوري وهما مثلما كانت الأحزاب الشيوعية في أوروبا سابقا حتى أنّه لم يجرؤ على الدخول في حوار مع الأطراف السياسية الأخرى، أما أحزاب الديكور فقد شهدت انقلابات داخلية سريعة لتلميع الصورة وتخفيف الأضرار.

وفيما يخص المؤسسات الاجتماعية لا بد من التساءل عن مصير مؤسسة العائلة والمدرسة بعد هذا الزلزال والتساؤل عن طبيعة الاصطفاف السياسي الجديد مع زوال الخصم الذي وحّد المعارضة فرصد أربعة حركات أو تجمّعات حركيّة بارزة هي:

• عائلة اليسار.

• العائلة العروبية.

• العائلة العلمانية.

• العائلة الاسلامية.

على أن أية واحدة من هذه العائلات لن يدّعي تمثيلها حزب واحد فضلا على أن كل الأحزاب السابقة لن تظل محافظة على انسجامها الداخلي القديم وهناك إمكانية حدوث استقطاب إيديولوجي حاد داخلها. كما أن التجمّع الدستوري قادم لا محالة على مرحلة من التشظي وإعادة التشكّل. قد خلصت الجلسة في هذا المجال إلى أن المشهد السياسي التونسي يقترب من المشهد المغربي بظهور أحزاب إدارية.

نبه الباحثون المشاركون في الجلسة الثالثة إلى أن المجلس القومي التأسيسي بلور توافقا تأسيسيا حول فكرة الجمهورية واعتمد مبدأ سيادة الشعب والتداول وفصل السلطات، غير أن الممارسة السياسية منذ سنة 1956 وحتى قبل سن الدستور أفرغت النظام الجمهوري من مبادئه الأساسية وأحدثت عدم توازن بين سلطتي التنفيذ والتشريع لصالح هيمنة الأولى على الثانية أعقب ذلك فترتا حكم استبدادي قطعتا مع دور الشعب فانفرط العقد الجمهوري نهائيا تبلورت على إثره مجموعة من المطالب تمحورت حول الحرية والعدالة الاجتماعية وتمثيل إرادة الشعب ومحاربة الفساد أطلق عليها "ثورة مواطنة" قطعت مع المؤسسات الدستورية القائمة ودعت إلى إعادة صياغة العقد الجمهوري ورد الاعتبار إلى المؤسسة البرلمانية.

وأظهرت المداخلات البحثية أن تونس إزاء حالة ازدواجية سلطة: سلطة شعبية صاعدة مكوناتها لجان الدفاع المدني ولجان التسيير الذاتي ولجان حماية الثورة، وقد سجلت نجاحا في مقاومة النظام القديم ولكنّها لم تتمكن من فرض بدائلها في مقابل سلطة متداعية سقط رأسها وبقيت قاعدتها الحزبية.

 

وبين الباحثون أن آثار الثورة التونسية قد تصيب بالعدوى المجال المغاربي خصوصا على المستوى النقابي والحقوقي وحتى على مستوى الأنظمة السياسية حيث لاحظ اهتزازا للشرعية قابلا للانفجار في كل لحظة وكذلك على المستوى العربي.

 

كما بينت بعض المداخلات أهمية الموقف الأوروبي وخصوصا الفرنسي مما يحدث بتونس والمواقف الاستراتجية لدى السلطة كما لدى المعارضة فالحضور الفرنسي متجذر ثقافيا وفكريا وأكاديميا. أما بالنسبة إلى السياسة الأمريكية القائمة على محاربة القاعدة أساسا فهي مهتمة "بتوظيف" شباب الفيس بوك للترويج لنمط الحياة الأمريكية والدعوة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني عبر بعض الفنانين والصحفيين والأكاديميين.

 

وتناولت الجلسة الثالثة ملف التنمية بتونس المتداخل والمعقد تلك التنمية التي أعاقها الفساد الاقتصادي والسياسي عبر خوصصة المؤسسات وحتى مصادرتها. والثورة مطالبة بإعادة مناخ الاستثمار الآمن وإعادة النظر في منوال التنمية برد الاعتبار للدولة وتكثيف علاقات الشراكة بين أطراف الإنتاج.

 

فقد ثبت أن آليات السوق أدت إلى تزايد الفوارق الاجتماعية والجهوية بما يدعو إلى إعادة تدخّل الدّولة وتعديل العملية التنموية، فقد أحدث حياد الدّولة انخراما بين ما توفره المؤسسة التعليمية من كفاءات عالية وسوق ليس لها القدرة في الكفاءات.

فالاهتمام بالنمو على حساب التنمية أدى إلى إغراق "Dumping" مالي ونقدي وجبائي في حين أن المطلوب هو الاهتمام بالحرص على جودة العملية التعليمية والعدول عن العشوائية في صياغة برامج إصلاح التعليم وإعطاء البعد الجغرافي للتنمية ودعم اللامركزية في التخطيط والتنفيذ ودعم رأس المال الاجتماعي المرتبط بالمناخ الديمقراطي وتشريك المجتمع المدني الحر والممثل، ثم تحدّث عن مراجعة مبدأ أولويّة التصدير الذي رهن العملية التنموية برمتها بالخارج استثمارا وتسويقا في ظل أزمة عالمية دورية، فلابد من إعادة الاعتبار للطلب الداخلي ومراجعة مبدأ الاندماج العمودي في الاقتصاد العالمي لصالح المجال المغاربي وفي إطار نسيج اقتصادي متكامل.