ركزت خطبة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود - بشكل ملفت- على تقديم صورة إيجابية عن الصومال في المرحلة الجديدة (الجزيرة) |
حظيت خطبة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في فندق شيراتون بالدوحة بتاريخ 5 مارس/ آذار 2013، باهتمام وعناية إعلامية غير قليلين على خلاف الخطب التي ألقاها في داخل البلاد وخارجها منذ انتخابه في سبتمبر/أيلول 2012.
وتعود هذه الأهمية إلى عدة عوامل توافرت لهذه المحاضرة من أهمها الثقل البحثي للجهة المنظمة (مركز الجزيرة للدراسات)، والمنطقة الجغرافية التي احتضنتها (العالم العربي)، والزخم الإعلامي الذي خلعته عليها قناة الجزيرة، التي باتت –في نظري- اليوم أهمّ مصادر تلقّي الحدث وفهمه للقارئ والمشاهد على حدّ سواء.
ويمكن القول إن الأجواء العامة للمحاضرة كانت إيجابية إلى حد كبير. فمن حيث المضمون التزم الرئيس القراءة من الورقة التي أخذت- فيما يبدو- قسطا وافرا من الإعداد بعد البلبلة الشعبية الناجمة عن بعض خطبه الارتجالية التي سببت له إحراجات كادت تشكل طعنا شعبيا في مصداقية حكومته.
وفيما يتعلق بردوده على الاستفسارات التي وجهت إليه من قبل الحاضرين سواء أكانوا صوماليين أو غير صوماليين كانت أيضا موفقة إلى حدّ كبير، كما فهم من تعليقات المشاركين على طاولات "الكافيه" بعد المحاضرة، حيث استمر النقاش والتقييم ما يقارب الساعة.
وفي هذا التقرير نحاول أن نقدم صورة إجمالية عن أهم المحاور التي ارتكزت عليها محاضرة الرئيس والنقاش والأسئلة التي وجهت إليه.
الصومال في المرحلة الجديدة.. بين التفاؤل والتشاؤم
ركزت خطبة الرئيس- بشكل ملفت- على تقديم صورة إيجابية عن الصومال في المرحلة الجديدة، بداية من وقوفه عند الانتقال السلمي للسلطة الذي أفرز وصوله إلى سدة الحكم ، والتطورات في مجال إعادة الأمن والتوسع الجغرافي الذي حققته حكومته خارج مقديشو، والتمثيل الديبلوماسي العالمي الذي بات يأخذ تزايدا مطّردا في الأشهر الأخيرة.
ويشكل هذا الاستهلال الذي عاد الرئيس إلى مضمونه عدة مرات، وبتطبيقات مختلفة، رسالة صريحة إلى العالم مفادها أنّ الصومال جادٌّ في العودة إلى الساحة من جديد، والالتحاق بركب العالم والسعي للنهضة والتطور، كما أنه يشكّل في ذات الوقت محاولة لسحب التصور السلبي الذي ثبت في أذهان المجتمعات واللاعبين السياسيين عن الصومال بفعل ترسبات فترة الانتقاليات المتعاقبة التي كانت تنتهي في الغالب بنتائج متشابهة إلى حدّ كبير.
ومن أهم التطبيقات التي عزز بها الرئيس تلك الصورة التفاؤلية التي قدمها من الصومال، خبرته الشخصية كناشط اجتماعي، وقد لفت الأنظار إليها في الدقائق الأولى من محاضرته ثم عاد إليها للتوكيد أثناء حديثه عن آلياته في تحدي الواقع، وهو أمر يمكن أن يدفع التفاؤل في أذهان المستمع الذي لا يعرف كثيرا من تعقيدات الملف الصومالي، بينما تعدّ مجرد شحنة تفاؤلية في نظر المستمع الصومالي الذي يدرك الكثير من ترسّبات الدمار الذي استمر طيلة العقدين الأخيرين.
الأهمية الكبيرة التي تشكلها الصومال للعالم بشكل عام بعد تعافيها من أزمتها، من منطلق أنها تشكل بوابة لإفريقيا، ومدخلا للجزيرة العربية، كانت أيضا من أهم المفردات التي ركز عليها الرئيس في حديثه الاستشرافي لمستقبل الصومال في الفترة الجديدة، في محاولة جادة لبعث الأمل لدى الصوماليين أولا، ولدى المجتمع الدولي ثانيا، ودعوة صريحة كذلك إلى الحفاظ على معطيات الفترة الجديدة ومؤشراتها الإيجابية واستغلال كل ذلك وتسخيره لبعث الصومال من تحت الأنقاض، وعُبورها إلى شاطئ الأمن والاستقرار والنظام.
أهمّ الانجازات.. مفردات جديدة على الخطاب السياسي
لم يتحدث الرئيس عن انجازات حكومته بالطريقة التقليدية التي كان يتحدث بها في خطاباته السابقة، من حيث التركيز على تعداد بعض المفردات (إزالة حواجز، فتح بعض الشوارع، تسديد رواتب القوات...إلخ)، بل سار إلى نهج أقرب ما يكون إلى شرح المحاور التي تتركز عليها أعمال حكومته في الفترة القادمة (الأمن، العدالة، التعافي الاقتصادي تحسين العلاقات، وحدة البلاد، المصالحة)، وهو ما حقق له من أن ينأى بنفسه من التعليقات التهكمية التي لحقت به سابقا أثناء تعداده لإنجازات الأيام المائة الأولى من حُكمه.
حاول الرئيس طمأنة المستمعين بأن حركة الشباب في موقف الفرار والانهزام، وأن خطرهم لم يعد كما كان (الجزيرة) |
وفي محاولة لتبرير بطء عجلة التغيير الذي يستشعره الكثيرون، ولضبط بوصلة المطالب التي يعلق الشعب والمجتمع الدولي تحقيقه على الحكومة في وقت قياسي، سلط الضوءَ على أن طريق الانجاز وإعادة السلام ليست مفروشة بالزهور، ولكنه في ذات الوقت أكد على التزام حكومته بمواجهة التحديات تدريجيا ، وأنها تعمل وفق أولوياتها، وأن الانجازات جارية على أرض الواقع في المستويات الأمنية والإدارية والسياسية . مع تذكير أن تحقيق إنجازات شاملة لا يمكن تحقيقه في غضون أشهر، وإنما يحتاج إلى مزيد من الوقت والثقة والتعاون بين الحكومة والشعب، والحكومة والمجتمع الدولي.
التحديات الأمنية.. تحديات لا تقبل التراخي
تصدّر الملف الأمني التحدّيات التي ذكرها الرئيس أنّ حكومته تواجهها في الحاضر، وفي هذا السياق تحدث عن أن حكومته تعطي الأولوية لبناء الجيش الصومالي، مع الإشارة إلى التحديات التي يواجهونها في بناء جيش صومالي وطني بعد عقدين من التقاتل القبلي الذي باعد الشقّة بين الشعب، وجعل دمج أبنائه في قالب وطنيٍ واحدٍ أمرا في غاية الصعوبة.
نظريا، أشار الرئيس إلى أن حكومته تعتزم تجاوز هذه المشكلة والخروج إلى تأسيس جيش وطني من شتى القبائل والمناطق، ولكن من الناحية التطبيقية لا يتوقّع أن هذا سيكون أمرا هينا يتحقق في فترة قصيرة، إذ لا يتصور توافر حلول سحرية تخفف من حدة تأثيرات المشارب القبلية، وتخلق جوا من الثقة المتبادلة في وقت قياسي، وهي نفس الأسباب التي جعلت غلبة العنصر أو القبيلة التي ينحدر منها الرئيس في الجيش مألوفا على مدى بضعة عشر عاما الأخيرة (فترة كل من عبد القاسم صلاد، وعبد الله يوسف، وشريف شيخ أحمد).
وإلى جانب ملف بناء الجيش الذي ركز عليه الرئيس وراهن في نجاحه التعاون والشراكة الحقيقية بين الشعب والحكومة، وبين الحكومة والمجتمع الدولي، فإن الحديث عن حركة الشباب كان له القدح المعلّى في الخطبة والمناقشة معا، باعتبار الحركة المذكورة أكبر تحد تواجهه الحكومة.
ويفهم من حديث الرئيس عن حركة الشباب في الخطبة ومضامين ردوده على الأسئلة الخاصة بها، أنه كان يحاول طمأنة المستمعين بأن الحركة في موقف الفرار والانهزام، وأن خطرهم لم يعد كما كان.
وفي هذا الصدد لم يغب عن ذهنه أن يتطرق إلى موقف حكومته في التعامل مع ملف الشباب، وقد لخصه في المواجهة المسلحة والحسم العسكري مادام أن الحركة لا تمتلك أجندة سياسية يمكن أن تُساوم بها، ولكنه في ذات الوقت ركز على استعداد حكومته لترحيب الناشئة الذين أجبرتهم الظروف المعيشية والبطالة والفراغ التعليمي والوظيفي للانضمام إلى حركة الشباب حسب وصفه، دون تحملها حق الحصانة للأشخاص الذين وصفوا بأنهم مجرمو حرب. أما المقاتلون الأجانب الذين تسميهم حركة الشباب بـ(المهاجرين) فقد اكتفى بتوجيه نداء لهم بالعودة إلى بلادهم.
ومع علمنا بأن حركة الشباب فشلت فشلا ذريعا في إقناع الشعب، بل الأحرى في التمسك على الثقة الكبيرة التي أولاها الشعب في أول الوهلة، بسوء سياستها وتدبيرها، وانتهاجها سياسة الاغتيالات والتخويف الجماعي الذي أفقدها التضامن الشعبي الذي كانت تنعم به ما يقارب ثلاثة أعوام 2009-2011، فإن السؤال هنا: هل تمتلك أجهزة أمن الحكومة عوامل كاريزمية تؤهلها لثقة الشعب وتعاطفه؟ واستغلال نفور الشعب من حركة الشباب وتضايقهم من استغراقها في إراقة الدماء؟
بالتأكيد، لا يظهر في الأفق ما يدل على ذلك، بل العكس تماما، ثبت ميدانيا أن جيش الحكومة أشد ضررا على المجتمع من الشباب، إذ صار النهب والسرقة والاغتصاب سمة مميزة لأي منطقة تستولي عليها قوات الحكومة، وهو أمر يهدّد مستقبل علاقة الشعب بالحكومة، ومساهمته في البناء وإعادة الأمن والاستقرار.
هذا عن الجيش الصومالي، أما القوات الأجنبية التي تستند إليها الحكومة الحالية فهي أيضا جزء من المشكلة، إذ ظل الحديث عن عدم جديتها في إحداث حسم عسكري حقيقي في الصومال وضد حركة الشباب بالتحديد مثار جدل في الآونة الأخيرة، خصوصا بعد توقف تقدمها في المناطق الجنوبية الغربية قبل عام تقريبا. هذا فضلا عن أن كثيرا منهم يتعاملون مع الحكومة بأنها عالة عليهم، فليس لها الخيار في فرض ما تريده على غرار المقولة القائلة (لا اختيار للمتسول).
فعلا، لم يكن الرئيس ليتوقف عند كل تلك القضايا الميدانية، إذ لم يكن المقام سوى مقام تلميحات دبلوماسية ووعود وبعث رسائل تفاؤلية إلى أطياف المستمعين، دون التدرّج إلى تحسّس أماكن الجرح والكشف عنها؛ لكن الحقيقة أنه يمتلك من حقائق إحراجه أمام القوات الأجنبية وتنفّذها في الأمر، وعدم جديتها في الحسم العسكري، أكثر بكثير مما يمتلكه المحللون والمهتمون في الشأن السياسي!
العلاقات الخارجية.. مرحلة الطمأنة وبناء الجسور
يلاحظ أن العلاقات الدولية شغلت حيزا كبيرا من خطاب الرئيس سواء بالنسبة للغرب الذي شدد على اهتمامه به، أو بالنسبة للدول العربية والإسلامية.
فبالنسبة للغرب تحدث عن نجاحه في إقناع الغرب بأن لديهم في الصومال اليوم شريكا حقيقيا يحوز ثقة الشعب ويمكن أن يقدم الكثير لمصالحهم. وقد كانت هذه النقطة بالنسبة لكثير من الصوماليين مهمة بسبب الاستفهامات الكثيرة التي أثيرت حول نوعية التفاهم الذي من خلاله اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية الحكومة الصومالية، ومن ثم تحركت إلى طرح مشروع رفع حظر السلاح عن الصومال على الأمم المتحدة
جانب من الحضور (الجزيرة) |
وبما أن المقام لم يكن يتسع أكثر من الإشارة إلى وجود تفاهم وطمأنة، فإن السؤال يبقى قائما حول ماهية تلك الطمأنة وتطبيقاتها؟ وهل ستجعل الصومال دمية في يد الولايات المتحدة، تصيغها كما تشاء، ووفق أجنداتها ومتطلباتها؟
فالصوماليون في هذه المرحلة الحرجة بالذات، في حاجة ماسة إلى دعم المجتمع الدولي، والولايات المتحدة التي تقود العالم الجديد من جانب ، ولديهم مخاوف من استغلال حالة ضعفهم لصالح أجندات القوى الدولية من جانب آخر.
ويبدو أن هذه المعلومات لم تغب عن ذهن الرئيس وهو يلقي خطابه أو يجيب عن بعض التساؤلات التي وجهت إليه، بل إن تردده إلى تلك النقطة يفهم استحضاره لتلك المخاوف، وهو ما جعله- تقريبا- يرسل رسائل طمأنة للشعب تتلخّص في أن العالم اليوم عالم المصالح، وأن للقوى الدولية مصالحها في الصومال، وللصوماليين مصالحهم، وأن الأهمية تكمن في كيفية الموازنة بين مصالح القوى الدولية من جهة، وبينها وبين مصالح الوطنية من جهة أخرى.
أما الإجابة عن تفاصيل التفاهمات التي طمأنت الولايات المتحدة فلم يتطرق إليها الرئيس، ولم يكن من المنتظر أن يتطرق إليها، لكن هذا لا يمنع من قراءة تكهنية لما يمكن أن تدور حوله التفاهمات بين الصومال الجديد والولايات المتحدة الأمريكية، فهناك محاور مكشوفة تهمّ الولايات المتحدة كما يظهر من ممارسات سياستها الخارجية، وهو ما يسهم في فك رموز المحاور التي نجحت بها الحكومة الصومالية في إقناع الولايات المتحدة الأمريكية بواسطتها.
ومن خلال قرائن الأحوال، يبدو أن القواعد العسكرية، ومحاربة الإرهاب، والولاء لطابور النظام العالمي الجديد New world order ، بالإضافة إلى مسألة الشراكة الاقتصادية أو بالأحرى مسألة التنقيب عن النفط في الصومال، ستظل أبرز العناوين التي دار حولها حوار الحكومة الجديدة مع الأمريكان.
وثمة مسألة أخرى مهمة لا يمكن أن تغيب عن هذا السياق، وهي قلق الولايات المتحدة الأمريكية من لاعبين سجل أحدهما حضورا ملموسا وجادا في الساحة الصومالية وهي (تركيا) التي زار رئس وزرائها رجب طيب أردغان الصومال في 2011، بينما اللاعب الآخر وهو الصين وضع رحاله في دول إفريقية مجاورة بشكل ملحوظ، وهو ما يفسر التوجه الأمريكي الجديد نحو الصومال والاهتمام المتزايد الذي أولته أمريكا للصومال الجديد كما ظهر من تمسكها برفع حظر السلاح من الصومال، في وقت أبدت بريطانيا الحليفة تخوفها من هذه الخطوة، ووصف بعض الهيئات الحقوقية الغربية إياها بخطوة سابقة لأوانها.
ويبقى التساؤل بعد ظهور اهتمام أمريكا في الصومال: ماذا تنوي أمريكا أن تفعله بعد رفع حظر السلاح من الصومال، وهل يمكن أنها تخطط لإرسال قواتها إلى الصومال استغلالا للتفاهمات المذكورة، ولمتابعة تطورات القاعدة ورموزها عن كثب؟ وهو أمر لا يستبعد نظرا لتمسكها في رفع الحظر كليا .
أما ما يتعلق بالعالم العربي والإسلامي فقد كانت الرسالة الموجهة إليهما مزدوجة الخطاب، تحمل في طياتها العتاب والدعوة معا، يظهر ذلك في وقوفه عند ضعف التمثيل الدبلوماسي العربي الإسلامي في مقديشو، حيث لا يوجد في الصومال سوى ثلاث سفارات عربية وإسلامية ( اليمن والسودان وتركيا) من مجموع عشرين سفارة في مقديشو، ودعوته الدول العربية والإسلامية لفتح سفاراتها في الصومال، ووصفه ذلك بقضية أخلاقية أكثر مما هي دبلوماسية، حيث إن العالم الخارجي سيندفع أكثر إلى استيعاب أن الصومال دخلت في فترة جديدة إذا شاهد أعلام الدول العربية ترفرف على أرض الصومال
لقد أسهب الرئيس في الحديث عن الأهمية الاستراتيجية للصومال والثروات الحيوانية والبحرية والزراعية الهائلة التي ينعم بها هذا البلد، ويبدو أنه كان يرمي من وراء ذلك الشرح التوضيحي إلى شحذ همة المستثمرين واللاعبين الدوليين في الاقتصاد العالمي، والدول العربية والإسلامية إلى التسابق نحو استثمار الطبيعة الخام في الصومال.
وأخيرا فقد أولى الرئيس أهمية كبيرة لإرسال رسائل الضمان والطمأنة للعالم بأن التعافي الاقتصادي وبناء نظام اقتصادي كفء هو أحد المحاور الأساسية التي تسعى حكومته لتحقيقها في الفترة الحالية، وهي نقطة مهمة لتسهيل المعاملات المالية وتشجيع المانحين والمستثمرين، وكسب ثقتهم من خلال بناء أجهزة المراقبة المالية والبنك المركزي.
المصالحة.. أكثر من ملف في الانتظار
المصالحة نظريا، أمر من السهل أن يزعمه كل فصيل أو نظام، لكن إيجاد آليات وبرامج عملية لها هو بيت القصيد الذي لم يتحقق في الصومال حتى الآن، مع أن كل الحكومات الانتقالية كانت تزعم أنها حكومات مصالحة وطنية.
وفي تقديري لم يقدم الرئيس معلومات كافية عن مشروع حكومته في المصالحة، مع علمنا بأن حزازات القبلية عادت من جديد، وهو ما كان ينبغي أن يجد مزيدا من التعبئة والتنسيق بين الحكومة والعلماء، وشيوخ العشائر، والمثقفين، والنقابات ومنظمات المجتمع المدني.
وبما أن مسألة الفدرالية تتصدّر الصراع القبلي الذي سمع هديره في شرق البلاد وغربها مؤخرا، فقد وجه إليه أحد الحاضرين سؤالا عن رأي حكومته في الفدرالية ومناسبتها للفترة الحالية، وكانت إجابة الرئيس موفّقة إعلاميا، حيث استطاع أن يخرج نفسه من الإحراجات، من خلال تقريره بأن قرار ما إذا كانت الصومال ستكون دولة فدرالية أم لا، ليس بيديه، فهناك دستور وبرلمان، ولكنه لفت إلى مشروعية النقاش حول طبيعة الفدرالية التي سيأخذها الصوماليون وهل ستكون على أساس ولايتين شمالية وجنوبية، أم ثلاث ولايات، أم أربعة أم خمسة أم أقل أو أكثر.
وهذه الأخيرة نقطة في غاية الأهمية، تضاف إلى بعض المعلومات المتسرّبة من بعض المسؤولين في الحكومة والتي تدور حول رفض الحزب الحاكم والمقربين من الرئيس فكرة الفدرالية في الصومال إطلاقا، وعزمهم على تأجيل الحديث عنها إلى حين بناء الدولة المركزية وتأسيس الإدارات المحلية، على نية إحداث تعديل دستوري أو عرض المسألة للاستفتاء الشعبي بعد تهيئة الشعب لمستوى المطالبة الدستورية.
أما مسألة الحوار مع أرض الصومال فلم ترد في المحاضرة، على الرغم من كونها من صميم الموضوعات المطروحة للحوار منذ أواخر فترة الرئيس السابق شريف شيخ أحمد، وإنما جاءت الإشارة إليها بصورة مقتضبة أثناء رده على إحدى المداخلات، وفي ذلك ربما دلالة على أن مسألة أرض الصومال لا تشغل الحكومة في الفترة الحالية، وأن جهدهم وأولوياتهم تنصبّ في الفترة الحالية على تأسيس الهيكل الإداري والمؤسسات الحكومية وتوسيع الحكومة في الأقاليم الجنوبية، مع الاستمرار في الحوار الروتيني، من منطلق أن الحوار الجاد في هذه المسألة يكون مجديا بعد النجاح في إقامة الدولة الصومالية في الجنوب والمناطق الوسطى، واستعادة مقديشو مكانتها كعاصمة.
العلاقات الدولية شغلت حيزا كبيرا من خطاب الرئيس سواء بالنسبة للغرب الذي شدد على اهتمامه به، أو بالنسبة للدول العربية والإسلامية (الجزيرة) |
ومما يدعم هذا التوجه الوفود المتتابعة التي أرسلتها الحكومة إلى كل من محافظة جلجدود، وهيران، واهتمامها الكبير في شأن تأسيس الولايات الجنوبية الغربية، وإشارة الرئيس إلى المشاريع الإنمائية الخمسة (مدرسة، مركز صحي، بئر ماء، إدارة محلية، مركز شرطة) التي ذكر أنها ستعمم قريبا في 72 منطقة، يفترض أن تكون أغلبها، إن لم تكن كلها، في الجنوب والوسط، بما أن المناطق الشمالية (صوماليلاند) تعتبر نفسها دولة مستقلة، وأن المناطق الشرقية (بونت لاند) تمتلك إدارة محلية.
من الملاحظ أن الرئيس لم يتطرق في خطبته إلى دور دول الجوار في الصومال الجديد، وإنما جاء تعليقه عليها من خلال سؤال وجهه أحد الحاضرين حول ما إذا كان تغير الحكم في إثيوبيا بعد وفاة رئيس وزرائها ميلس زناوي، والتغير المرتقب في كينيا في الأيام القادمة سيفيدان الصومال.
وإجابة الرئيس من هذا التساؤل، وإن كان مسيّسا على ما تقتضيه طبيعته الدبلوماسية، حيث أشار إلى أنهم يتعاملون مع دول وليس مع أشخاص، ثم عروجه على زيارته إلى كل من جيبوتي وكينيا وإثيوبيا وبعض المحاور التي تحدثوا عنها في تلك الزيارات، ، فإنها في الوقت ذاته تفهم ضحالة العلاقة والتنسيق بين الصومال ودول الجوار(إثيوبيا وكينيا) في هذه الفترة الرئاسية خلافا للفترتين السابقتين.
خلاصة
وفي نهاية المطاف يمكن القول- من خلال قراءة خطبة الرئيس ومقتضى قرائن الواقع العملي لممارساته السياسية- بأن الحكومة الصومالية الجديدة تعطي الأولوية الأولى للشراكة مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية على وجه التحديد، من منطلق أن أغلب مواقف العالم السياسية تدور في فلكها، بما فيها الدول العربية ودول الجوار، فجميعها لا ينفك من مسايرة السياسات الأمريكية. وهو ما يعني أن الصومال في الفترة الجديدة قد تجد دعما سخيا من الدول العربية، وقد تتعافى من عبث دول الجوار إذا صدقت الولايات المتحدة في تفاهماتها مع الرئيس، واتجهت إلى الشراكة مع الصومال بجدية.
ويبقى الامتحان الصعب أمام الحكومة إذا نجحت في العلاقات الخارجية، كيف تتغلب على التحديات الداخلية، وعلى رأسها التحدي الأمني المتمثل بحركة الشباب المجاهدين التي ضاعفت في الأشهر الأخيرة الاغتيالات والتفجيرات بعد خسارتها عدة مدن استراتيجية، والبلبلة القبلية التي تعتصر الصومال تحت ذريعة بناء الولايات واستثمار الفدرالية، وتحدي بناء الجيش الصومالي الكفء الذي يحوز على ثقة الشعب.
_________________________________
عمر محمد ورسمة - كاتب وباحث صومالي