تقرير حول ندوة: الثورة اليمنية بعد ثلاثة أعوام: التحديات وآفاق المستقبل

20142169473392580_20.jpg

ملخص
شارك في ندوة "الثورة اليمنية بعد ثلاثة أعوام: التحديات وآفاق المستقبل" كل من د. صالح الحازبي الأستاذ بجامعة قطر، والكاتب والمحلل السياسي، والأستاذ/ جمال المليكي الباحث اليمني، والأستاذ الباحث/ محمد الحميري، وترأّس الندوة الأستاذ/ الحواس تقية، الباحث بمركز الجزيرة للدارسات. وانتهت خلاصات الأوراق والنقاشات التي أعقبتها إلى أن الثورة الشبابية اليمنية قد اتسمت بأنها كانت ثورة سلمية واجهت نظامًا قمعيًا وقطعت الطريق أمام مبدأ التوريث. ولعل أبرز ما ستفرزه التطورات السياسية في اليمن هو مخرجات الحوار الوطني وتطبيقها على الأرض؛ خاصة وأن هذا الحوار يضم أغلب عناصر المشهد السياسي اليمني، وهو مشهد متنوع ومتعدد ومعقد، بل إنه مشهد يضم أنصار الثورة إلى جانب أنصار الصورة المضادة، فضلاً عن رعاية قوى إقليمية ودولية لهذا الحوار، وهي قوى لها مصالح مباشرة فيما يحدث في اليمن. وهذا يعني أن الآفاق المستقبلية للمعادلة السياسية في اليمن ستكون بالغة التعقيد. فهل ستكون التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية عبارة عن وصاية على اليمن، وستؤول إلى إقامة دولة يمنية ذات سيادة منقوصة أو معدومة بسب أجندات هذه الدول؟ وإلى أي حد سينجح المتضررون من الحوار الوطني في عرقلتهم لهذا الحوار خصوصًا وأنهم هم من يقف في وجه الكثير من أوجه التقارب؟ وقد أجمع المتدخلون على أن آفاق نجاح العملية السياسية باليمن مرهونة بقدرة الدولة على بسط سيادتها على جميع التراب الوطني.

عقد مركز الجزيرة للدراسات ندوة تحت عنوان: "الثورة اليمنية بعد ثلاثة أعوام: التحديات وآفاق المستقبل"، بتاريخ 10 فبراير/شباط 2014 بالدوحة. وقد شارك في الندوة كل من د. صالح الحازبي الأستاذ بجامعة قطر، والكاتب والمحلل السياسي، والأستاذ/ جمال المليكي الباحث اليمني، والأستاذ الباحث/ محمد الحميري، وترأّس الندوة الأستاذ/ الحواس تقية، الباحث بمركز الجزيرة للدارسات.

وتناولت الندوة ثلاثة محاور، هي: 

  • حصيلة ما جرى في اليمن خلال السنوات الثلاث الماضية.
  • من هم اللاعبون في الساحة اليمنية الآن وما استراتيجياتهم المحلية والإقليمية.
  • نتائج الحوار الوطني الراهن ومستقبل اليمن بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

وتأتي هذه الندوة وقد مرّت ثلاث سنوات على قيام الثورة اليمنية التي انطلقت شرارتها الأولى في الحادي عشر من فبراير/شباط 2011، وهي ندوة من ضمن ندوات ينظمها مركز الجزيرة للدراسات، وقد سبقتها جلستان عن مصر وستليها جلسة عن الثورة الليبية. فالمركز يواصل عمله في متابعة الثورات العربية وقراءة مساراتها ومآلاتها سواء من خلال المؤتمرات والندوات أو الكتب والأوراق التي تنشر في موقع المركز.

الثورة اليمنية وسؤال التحدي

يبدو أن الثورة اليمنية -كما بيّنت أوراق الندوة وتأطيرها العام- قد تحولت إلى صيغة توافقية بعدما أزالت رأس النظام السابق وأبقت على جزء من أتباعه في المشهد السياسي. لكن هذه الصيغة التوافقية لم تخل من عراقيل قوية ومؤثرة. صحيح أن الثورة اليمنية أطاحت بالرئيس السابق علي عبد الله صالح لكنها دخلت في مرحلة جديدة تتطلب خلق الاستقرار والتوافق على أسس الدولة الجديدة. غير أن التحدي الأكبر أن من كانوا متوافقين قبل سقوط الرئيس السابق صالح صاروا يتنافسون بحث أصبح هذا التنافس جزءًا من المشكل اليمني.

والواقع أن اليمن لا يشكو قلة الموارد فلديه موارد كثيرة لكنها كانت تدار بشكل فاسد، فالإشكال الذي سبق الثورة هو أن اليمن كان يشكو من عدم وجود نظام سياسي، فإذا كانت دول الربيع العربي كتونس ومصر وليبيا وسوريا كانت تشكو من وجود نظام متغول فإن اليمن كان يشكو في الأصل من عدم وجود نظام.

كان من أسباب قيام الثورة اليمنية ملء هذا الفراغ الذي يعيشه اليمن والمتمثل في انعدام الدولة ووجود أسرة تحكم بلدًا؛ فنتج عن الثورة أن اليمن صار يعيش صراعًا بين فكرة الدعوة إلى بناء الدولة وفكرة الإبقاء على اللادولة. فقسم من اليمنيين –كما ذكرت إحدى الورقات- يرغب في الدولة وقسم آخر يسعى جاهدًا إلى الوقوف في وجه أي مشروع يريد بناء هذه الدولة، وهذه اللحظة في هذه الآناء تؤكد أن هناك من يريد إفشال ما يحدث في اليمن من حوار قد يفضي إلى توافق وطني وقيام يمن على أسس دستورية وقانونية.

ومن بين التحديات البارزة في اليمن والتي أثّرت على حصيلة السنوات الثلاث الماضية: القبيلة؛ فالقبيلة تمثل عقدًا اجتماعيًا بارزًا وفاعلاً في الحياة السياسية والاجتماعية اليمنية، وتشكّل في غالب الأحيان بديلاً للدولة، ويصبح الانتماء لها مرادفًا إن لم يكن لاغيًا للانتماء للدولة؛ مما يجعل القبيلة نفسها جزءًا أساسيًا من التحدي الذي تواجهه الثورة اليمنية. ومع أن الثورة عكست هذا الطموح نحو المواطنة والدعوة إلى المشاركة في ظل المساواة، وهذا أحد الإشكالات التي يعاني منها اليمن عكس تونس ومصر؛ ذلك أنه -كما أكدت المداخلات- ليس في اليمن أي نظام سابق على الثورة، وبالتالي لابد من بناء الدولة الجديدة.

ولعل ما شهدناه من نتائج الحوار الوطني من حديث عن شكل الدولة الجديد، وهو موضوع أساسي في الحوار الوطني المنبثق عن المبادرة الخليجية، قد أشار إلى إمكانية أن يصبح اليمن دولة فيدرالية واقتراح تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم. ويبقى إشكال كتابة دستور جديد وما يطرحه من تحد قوي على أطراف الحوار فضلاً عن الإشكالات التنظيمية والدستورية التي ستنظم علاقة الأقاليم فيما بينها وفيما بينها وبين المركز.

تعددُ اللاعبين والمشكل اليمني

أظهرت الندوة بأوراقها وتعقيباتها والنقاش المثمر الذي تلاها أن في اليمن لاعبين محليين يمسكون بالكثير من أوراق اللعبة، ولاعبين إقليميين قريبين مما يجري في اليمن بل ومؤثرين في صياغته وتوجيهه، فضلاً عن اللاعبين الدوليين المعنيين باليمن ذي الموقع الاستراتيجي الخاص؛ فاليمن هو الدولة المطلة على باب المندب والتي لها شواطئ على البحر الأحمر وعلى المحيط الهندي والقريبة من آبار النفط ومنابع الطاقة في الشرق الأوسط فضلاً عن قربها من منطقة القرن الإفريقي. كل هذه المحددات الاستراتيجية جعلت العديد من الدول في الإقليم كالسعودية والإمارات وإيران أو الدول الكبرى كالولايات المتحدة تهتم بالشأن اليمني اهتمامًا خاصًا. إن تحول اليمن إلى دولة فاشلة يضر دول الإقليم بل ويضر مصالح الدول الكبرى مثلما يضر اليمن نفسه لذلك يسعى الجميع إلى أن يجد له مكانًا في التجاذبات التي تجري في اليمن. وهذا ما يجعل المرحلة القادمة في اليمن مرحلة دقيقة وصعبة لتعدد اللاعبين وتنوع الرؤى واختلاف الإرادات.

من اليسار، د. صالح الحازبي أستاذ بجامعة قطر وكاتب ومحلل سياسي، الأستاذ جمال المليكي باحث يمني، الأستاذ الباحث محمد الحميري، الحواس تقية مدير الجلسة وباحث بمركز الجزيرة للدارسات (الجزيرة)

وللوقوف على بعض هؤلاء اللاعبين نذكر:

  • اللقاء المشترك: وقد كان في الأصل مشروعًا يمنيًا فريدًا؛ جمع تيارات مختلفة في جبهة واحدة، فكان فيه الإسلامي والوطني واليساري. وقد تبنى الحوار الوطني خيارات سياسية مهمة، وشكّل في مرحلة من المراحل أبرز تكتل سياسي معارض لنظام الرئيس المطاح به. غير أن اللقاء المشترك يتعرض اليوم لاختبار حقيقي حول العديد من النقاط المطروحة على بساط البحث بين أطراف الحوار الوطني كاختلاف حول الأقاليم وغيره.
  • الحوثيون: يشكّل الحوثيون أحد اللاعبين الأساسيين في التوازنات السياسية اليمنية اليوم؛ فهم مشاركون في الحوار ويعلنون عن أنفسهم كطرف سياسي لكنهم في نفس الوقت لهم مرجعية روحية يأتمر المسلحون على الأرض بأوامرها. وهنالك قطيعة بين خطابهم السياسي في الإعلام ذلك الخطاب الصادر عن الجهات الحوثية المشارِكة في الحوار الوطني وبين المسلحين الحوثيين على الأرض الذين شاهدناهم في دماج يواجهون الجماعات السلفية كما فتحوا جبهة مواجهة مع قبيلة حاشد ويأتمرون بأوامر للمرجعية الدينية. ومن هنا يصعب تحديد استراتيجية الحوثيين فهم يريدون فتح جبهات قتالية في مناطق يمنية مختلفة في الوقت الذي ينشط طرفهم السياسي في الحوار بصنعاء.
  • أنصار النظام السابق: وهم بقايا المؤتمر الشعبي العام الذي كان الواجهة الحزبية التي يحكم علي عبد الله صالح وأسرته من خلالها، وما زال لهذا المكون قوة تأثيرية في الساحة اليمينة. ويذهب الكثير من التحليلات الإعلامية إلى ارتباطه بالرئيس المطاح به وبأسرته.
  • القاعدة: وهي مكون مهم في المشهد اليمني ولها مسار تاريخي طويل. ومع أن هنالك استهجانًا عامًا في اليمن لما صدر في شهر ديسمبر/كانون الأول 2013 عن قاسم الريامي، القيادي بتنظيم القاعدة باليمن حين عرض دفع الدية لأهالي ضحايا الطواقم الطبية والمرضى إبان غارة على مبان تابعة لوزارة الدفاع؛ حيث كان الاعتذار عن هذا الفعل الشنيع غير وارد؛ مما أثّر سلبًا في نظرة الكثير من المجتمع اليمني لتنظيم القاعدة. كما أنه من الصعب، كما ورد في بعض أوراق الندوة، الفصل بين مسار هذا المكون وبين نظام علي عبد الله صالح؛ حيث قال مدير الأمن بأبين: نحن نسجنهم ونذهب إلى صنعاء ويعودون بأسلحة.
  • الحراك الجنوبي: كان الجنوبيون أكثر وحدوية من الشماليين قبل الحرب اليمنية سنة 1994، لكن النظام في الشمال وسياسته الداخلية وحلم التوريث الذي كان عند الرئيس المطاح به كل ذلك جعل الوحدة أمرًا غير مرغوب به في الجنوب وجسّد ذلك الحراك الجنوبي. وقد دخل الحراك الجنوبي الحوار الوطني وكانت نظرته خصوصًا فيما يتعلق بمستقبل الدولة أن الحل حل فيدرالي يقسّم اليمن إلى إقليمين، وهو ما لم يؤخذ به في مخرجات الحوار حيث كان الرأي مع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم. وسيبقى الإشكال المطروح من قبل الحراك الجنوبي: هل الحل في إطار الوحدة الفيدرالية أم أن الوحدة نفسها ليست حلاً؟
  • مكون الشباب أو شباب الثورة: وهم مكون أساسي لم يستقلوا عن المكونات السابقة تمامًا ما عدا بعض الجمعيات الشبابية مثل المكون التي ترأسه توكل كرمان. ولا شك أن المكون الشبابي الثوري -وحتى ولو كان غير بارز في الصفوف الأمامية للمشهد السياسي اليمني- إلا أنه أثّر في الساحة تأثيرًا ملموسًا بل دفع بكثير من السياسيين للتفكير بشكل آخر.
  • اللاعب الإقليمي: ذكرت الأوراق والنقاشات التي شُفعت بها الندوة أن السعودية والإمارات من أبرز اللاعبين الإقليميين في اليمن. والسعودية بشكل خاص تُعتبر -بحكم علاقاتها المتشابكة مع اليمن- ذات رؤية استراتيجية خاصة لما يحدث في اليمن؛ لا بسبب المصالح السعودية المباشرة في اليمن بل أيضًا بسبب الاهتمام الإيراني بالملف الحوثي باليمن وما يعني ذلك من خطورة بالنسبة للسعودية.

الآفاق والاحتمالات المتوقعة

اتسمت الثورة الشبابية اليمنية بأنها كانت ثورة سلمية واجهت نظامًا قمعيًا وقطعت الطريق أمام مبدأ التوريث.

ولعل أبرز ما ستفرزه التطورات السياسية في اليمن هو مخرجات الحوار الوطني وتطبيقها على الأرض؛ خاصة وأن هذا الحوار يضم أغلب عناصر المشهد السياسي اليمني، وهو مشهد متنوع ومتعدد ومعقد، بل إنه مشهد يضم أنصار الثورة إلى جانب أنصار الصورة المضادة، فضلاً عن رعاية قوى إقليمية ودولية لهذا الحوار، وهي قوى لها مصالح مباشرة فيما يحدث في اليمن. وهذا يعني أن الآفاق المستقبلية للمعادلة السياسية في اليمن ستكون بالغة التعقيد.

فهل ستكون التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية عبارة عن وصاية على اليمن، وستؤول إلى إقامة دولة يمنية ذات سيادة منقوصة أو معدومة بسب أجندات هذه الدول؟

وإلى أي حد سينجح المتضررون من الحوار الوطني في عرقلتهم لهذا الحوار خصوصًا وأنهم هم من يقف في وجه الكثير من أوجه التقارب؟

وقد أجمع المتدخلون على أن آفاق نجاح العملية السياسية باليمن مرهونة بقدرة الدولة على بسط سيادتها على جميع التراب الوطني. 
___________________________
* سيدي أحمد ولد أحمد سالم – باحث بمركز الجزيرة للدراسات