حلقة نقاشية: الأزمة المغربية-المصرية: الخلفيات ومستقبل العلاقات

201511812649714580_20.jpg
(الجزيرة)
ملخص
عرفت العلاقات المصرية المغربية قمة حميميتها في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وقد ظلت الدبلوماسية المصرية بمنأى عن التجاذبات المغربية الجزائرية حول مشكل الصحراء الغربية. غير أن الموقف المصري الراهن من الحكومة المغربية ذات التوجه الإسلامي، وزيارات المسؤولين المصريين للجزائر وتطور الموقف المصري مؤخرا من قضية الصحراء الغربية، ولقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برئيس البوليساريو محمد عبد العزيز خلال مؤتمر قمة الاتحاد الإفريقي فضلا عن زيارة وفد إعلامي مصري مخيمات الصحراويين في تندوف ونشر كتاب مصري بعنوان: الصحراء بعيون مصرية، فضلا  عن زيارة الملك المغربي لتركيا كلها أمور عقدت العلاقات بين البلدين وآلت بها على المستوى الإعلامي إلى تأزم يعكس ربما تعقيدا في المواقف السياسية والدبلوماسية واختلافا في وجهات النظر. ويبقى السؤال المطروح هل الرغبة الدبلوماسية للبلدين في تجاوز هذه الأزمة ستجعل القاهرة تقبل بالتعاطي مع حكومة مغربية ذات مرجعية إسلامية، وهل سيرضى المغرب عن تبنى مصر حليفة الأمس الطرح  الجزائري فيما يتعلق بقضية الصحراء الغربية التي يعتبرها المغرب خطا أحمر يعتبر الاقتراب منه مساسا بوحدته الترابية؟

عقد مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية بعنوان: "الأزمة المغربية-المصرية: الخلفيات ومستقبل العلاقات بين البلدين"، وذلك يوم الأربعاء 14 من يناير/كانون الثاني 2014، وتأتي هذه الحلقة بعد تأزُّم العلاقة بين المغرب ومصر في الآونة الأخيرة، عقب تصعيد الإعلام المغربي لهجته السياسية، ووصفه ما جرى في مصر بأنه انقلاب عسكري على رئيس شرعي.

وقد جاء هذا التصعيد حسب الرؤية المغربية في ظلِّ مراقبة المغرب لمؤشرات التقارب المصري-الجزائري، وبعد صدور كتاب يضمُّ عددًا من المقالات لكُتَّاب مصريين يتناولون فيه قضية الصحراء الغربية وفق رؤية تناقض رؤية المغرب.

هل تمثل الأزمة بين المغرب ومصر تغيرًا سياسيًّا جذريًّا من النظام المصري؟ أم تعكس فقط توظيفًا لأوراق سياسية تجاه أي احتمال لتغيير مصر سياستها تجاه أولويات المغرب في منطقة المغرب العربي؟ شارك في الحلقة النقاشية الدكتور محمد بريش، كاتب مغربي وخبير دولي في الدراسات المستقبلية، والأستاذ عبد الفتاح فايد، مدير مكتب الجزيرة في القاهرة.

المغرب ورؤيته للموقف المصري

الكلام عن هذه العلاقة هو جزء من الحديث عن العلاقات العربية-العربية، وهي علاقات يطبعها في الغالب التأزم والمغالبة، وظاهرة التجزؤ والانقسام ظاهرة ملموسة في العلاقات العربية حديثًا، ولو استعدنا التاريخ لوجدنا أن العلاقة بين هاتين الدولتين قد عرفت الكثير من التناغم حتى في عهد الدولة العثمانية؛ كانت علاقة المغرب بمصر يطبعها الطابع الديني بحكم أن مصر ظلَّت محطة رحيل الحجاج المغاربة، وبحكم كون الإسلام جاء إلى المغرب مرورًا بمصر، وظل المغرب مثمنًا لهذه العلاقة، وألقى ذلك بظلاله على الشؤون الحالية؛ فكان المغاربة يولون عناية خاصة لما يحدث في مصر ويعرفونه ويتابعونه؛ حتى إنه يمكننا القول: إن الحدث المغربي لا يظهر في مصر بالحجم الذي يظهر به الحدث المصري في المغرب.

ومع الحقبة الناصرية توثقت العلاقات بين البلدين، ومن القاهرة انطلقت الدعوة لاستقلال المغرب العربي كله؛ فنداء القاهرة الاستقلالي أطلقه علال الفاسي من القاهرة، وقد برزت أولى المشاكل بين المغرب ومصر باستقلال موريتانيا حين اعترف عبد الناصر بموريتانيا في منتصف الستينات، وكانت المغرب تطالب بضم هذا البلد إلى أراضيها، وجاءت حرب الرمال بين الجزائر والمغرب 1963 لتكون سببًا في تصدع العلاقات المغربية المصرية؛ حيث كان عبد الناصر يقف إلى جانب الجزائر؛ فولَّد ذلك شرخًا بين البلدين، وكان في وقوف المغرب مع دول الخليج وخصوصًا السعودية مزيدٌ من التباعد بين الرباط والقاهرة في العهد الناصري؛ فظل المغرب مع السعودية في مواقفها ضد مصر، فضلاً عن أن بعض قيادات الإخوان جاؤوا إلى المغرب بعد الأزمة مع عبد الناصر.

لم تتحسن العلاقة وتعرف مدَّها إلا في عهد الرئيس السابق حسني مبارك؛ فالمؤتمر الذي أرجع مصر إلى الجامعة العربية كان في الدار البيضاء، وكان بعد مؤتمر بغداد الذي عزل مصر عن محيطها العربي إثر التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد وزيارة الرئيس السادات للقدس. عرفت العلاقات بين البلدين حميمية في عهد مبارك مع أن الموقف المصري من الصحراء الغربية ظلَّ محايدًا؛ فالقاهرة لا تريد إثارة الجزائر ولا المغرب.

وبعد الانقلاب على الدكتور مرسي، وعلى عادة المغرب في الوقوف مع دول الخليج فقد زكَّت الرباط الانقلاب؛ وذلك تناغمًا مع موقف حليفيها: الإمارات والسعودية، وقد أرسل المغرب وزير خارجيته ولم يرسل رئيس الحكومة، وقد تكررت اللقاءات الدبلوماسية بين البلدين؛ ففي سنة 2014 اجتمع وزير خارجية مصر مع نظيره المغربي، كما قابل صلاح الدين مزوار عبد الفتاح السيسي في سبتمبر/أيلول 2014 ليهنئه بانتخابه رئيسًا لمصر، وحضر اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية المصري مؤتمرًا بمراكش في مارس/آذار 2014؛ مما يوحي بديناميكية العلاقات بين البلدين، وتُوِّج ذلك التناغم في العلاقات بتوقيع اتفاقية بين وزيري أوقاف البلدين تهدف إلى الترويج للوسطية الإسلامية، وتم نشر كتاب "المغرب في عيون مصرية"؛ وهو من تأليف: أيمن عبد العزيز من الأهرام، ونوه به السفير المغربي بالقاهرة وحضر حفل توقيعه.

ويرى المتابعون للشأن المغربي - المصري أن المشاكل بدأت تظهر على السطح مع أوائل يوليو/تموز 2014 حين هاجمت الصحفية أماني الخياط من قناة "أون تي في" رئيس حركة حماس خالد مشعل منتقدة كلمته التي وجهها للمغرب؛ لتنتقد بعد ذلك المغرب بشكل سافر، ذاكرة أمورًا نقدية عديدة، وواصفة الملك المغربي بأنه أجرى صفقة مع الإسلاميين. كما تحدّث الفنان يوسف شعبان عن الملك الراحل الحسن الثاني مدعيًا أن أصوله يهودية، وأن 8 من 10 من المغاربة يهود، ينتحلون صفة الإسلام للوصول إلى منافع شخصية.

ومع أن الصحفية والفنان اعتذرَا فإن الموقف قد ظلَّ مفاجئًا للمغاربة، الذين ما لبثوا أن هاجموا بدورهم النظام المصري في الأول من يناير/كانون الثاني 2015، فأذاعت القناتان المغربيتان الأولى والثانية تقارير تصف الجيش المصري بأنه قام بانقلاب على الشرعية، وأن السيسي قائد انقلابي، وهاجمت تلك التقارير التلفزيونية النظام المصري بأنه أجهض الديمقراطية.

من هنا يحسن لنا أن نتساءل عن سبب هذا التغير في الموقف المغربي، وهنالك مؤشرات يمكن أن تفسر بعض ما حدث؛ فمن الواضح أن الزيارة الأولى لعبد الفتاح السيسي كانت إلى الجزائر، وقد كان للجزائر دور كبير في عودة مصر إلى الحظيرة الإفريقية بعد تجميد الاتحاد الإفريقي عضويتها بعد تدخُّل الجيش وعزل الرئيس محمد مرسي.

ويرى المغرب أن مصر بدأت تتبنَّى الموقف الجزائري فيما يتعلَّق بقضية الصحراء الغربية، ولم تعُد طرفًا محايدًا، وقد عادت الحميمية إلى العلاقة المصرية-الجزائرية؛ فرُفع الحظر عن 1200 منتَج مصري؛ التي كانت محظورة منذ الأزمة الرياضية بين الجزائر ومصر بسبب كأس العالم لكرة القدم لعام 2010، وكما تمَّ تأليف كتاب: "المغرب بعيون مصرية"؛ فقد أُلِّف مؤخَّرًا كتاب: "الصحراء بعيون مصرية"، وتم الاحتفاء به في فندق الأوراس الفخم بالجزائر.

ومما يلفت الانتباه أن تناغم الموقف المصري الحديث مع الرؤية الجزائرية لبعض القضايا التي يراها المغرب تهديدًا له يجعل مصر في أزمة مع دولة تعتبر حليفًا تقليديًّا للإمارات والسعودية؛ فكيف تسنَّى لمصر التي تجد أبرز دعم لها في الوقت الراهن من الإمارات والسعودية أن تناصب العداء لحليفهما: المغرب؛ إن الأمر لا يتعلَّق بتبنِّي مصر للموقف الجزائري؛ بل إن في الأمر وجهًا آخر؛ فماذا يُراد من المغرب: هل يُراد الانتهاء من تجربة الإسلاميين في المغرب؟

لقد تحدَّث الضابط في شرطة الإمارات ضاحي خلفان في إحدى المرات عن أن الحكومة الإسلامية الموجودة في المغرب ستنتهي، هل كانت دول الخليج الداعمة لمصر تريد من هذه الأزمة الضغط على المغرب، وخصوصًا على الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية ذو التوجه الإسلامي؟

تزامنت هذه الأزمة بين مصر والمغرب في الوقت الذي كان فيه الملك المغربي يقضي جزءًا من إجازته في تركيا، وكان استقباله من لدن الحكومة التركية محل اهتمام من المواقع ومن الإعلام عمومًا، فهل هذا التقارب بين المغرب وتركيا المناهضة للنظام المصري الحالي جاء ليزيد في هذا التوجه؟ ويبقى السؤال: لماذا يتم الضغط على المغرب بهذه الطريقة وفي هذا الوقت خاصة؟

رؤية مصرية للموقف المغربي

تعتبر الدبلوماسية المغربية من أنجح الدبلوماسيات العربية، وأكثرها كفاءة؛ فالمغرب لم يتورط في أي موقف من شأنه أن يثير مخاوف أية دولة عربية، خصوصًا فيما يتعلق بموضوع الربيع العربي؛ حيث استطاع المغرب أن يُحدث تغييرًا سياسيًّا بشكل منطقي وعقلاني، ولما مرت دول الربيع العربي بثورات مضادة ظل المغرب محافظًا على نظامه في ظل حكومة ذات مرجعية إسلامية، واجتاز المغرب هذا الأمر دون أن يتأثر داخليًّا، ودون أن يكون مع أو ضد ما يحدث في تلك الدول.

والذي ميَّز المغرب هو أنه استطاع بكثير من المرونة أن يلبِّيَ في كثير من الأحيان طموحات شعبه الساعية إلى التغيير، وأن يعطي للصحافة مساحة أكبر من الحرية، وفي الوقت نفسه ظلت الحكومة المغربية مرنة في سياساتها الخارجية، وخصوصًا فيما يتعلق بالثورة المضادة في دول الربيع العربي، فقد وقف المغرب إلى جانب ما حدث في مصر؛ لكن الشارع المغربي ظل متناغمًا مع تطلعات الشعوب العربية، فهنالك توازن صعب نجح فيه المغرب، غير أن هناك مجموعة من الأمور تتعلق بالعلاقات المغربية-المصرية كانت السبب في الأزمة التي عرفتها علاقة البلدين: إن مصر تحتاج إلى الجزائر الذي يدعمها بتوفير طاقة بسعر منخفض، كما أن القاهرة تحتاج لدعم الجزائر السياسي، ولعل مصر في الوقت الراهن تجد نفسها أقرب إلى الجزائر، وهو ما يمكن أن نسميه "تحالف الأنظمة ذات الطبيعة العسكرية الدكتاتورية"؛ حيث يوجد في مصر والجزائر نظامان ذوا خلفية عسكرية.

إن المطلوب بالنسبة إلى النظام المصري الراهن لم يعد إزاحة القوى الإسلامية؛ بل اجتثاث كل ما يتعلق بالإسلام السياسي، وهو أمر معلن من قبل القوى الرافضة للتيارات الإسلامية؛ فالتوجه المصري ينحو نحو هيمنة علمانية متعسكرة بوليسية تفوق العلمانية الغربية؛ فهي سياسة لا تريد للآخر "الإسلامي" أن يوجد؛ غير أن المغرب يحتفظ لنفسه بمعادلة صعبة قد لا تُرضي الإسلاميين ولا حتى العلمانيين؛ فهي مقاربة تحافظ على قدر من الديمقراطية وحرية التعبير داخليًّا، وفي الوقت نفسه تتمسك بعلاقة قوية مع الأنظمة المضادة للثورة.

غير أن المقاربة المصرية الراهنة؛ خاصة إذا ما تابعنا الإعلام المسَيَّر بشكل أو بآخر من قِبل الحكومة المصرية والمدافعين عنها؛ فإنه ليس مطلوبًا أن تقف على الحياد: فكل مَنْ ليس معي فهو ضدي. فلابُدَّ من اجتثاث تيارات الإسلام السياسي؛ وعلى هذا الأساس فالإساءات للمغرب لم تكن عفوية ولم تكن مجانية؛ بل هي مُسَيَّرة وموجَّهة؛ عندما يتحدَّث فنان أو مذيعة فإنهما لا يتحدَّثان من تلقاء نفسيهما، إن السياق الذي تم فيه الهجوم من بعض الأطراف الإعلامية المصرية يدل على أن الأمر ليس مجانيًّا، إن هذه المقاربة التي تقوم على تجفيف منابع التيارات الإسلامية واجتثاثها، هو مطلب إماراتي وسعودي، وقراءة المشهد تقول: إنه على المغرب أن يتماهى مع هذا المطلب.

جاء التقارب المصري-الجزائري في هذا السياق، وتم الاجتماع بين عبد الفتاح السيسي ومحمد عبد العزيز الرئيس الصحراوي أثناء قمة الاتحاد الإفريقي؛ التي لا يحضرها المغرب منذ انسحابه من هذا التنظيم القاري الذي اعترف بعضوية جبهة البوليساريو سنة 1984، هذا اللقاء المصري-الصحراوي كان أكبر رسالة استفزاز للمغرب، وعقبه مباشرة تم لقاء وفد إعلامي مصري بالنازحين الصحراويين بمخيمات بتندوف بالغرب الجزائري؛ فلقاء الرئيس السيسي بالرئيس الصحراوي واللقاء الإعلامي بنازحي المخيمات الصحراوية شكَّل استفزازًا كبيرًا للمغرب، وقرأ فيه المغرب تحالفًا جزائريًّا مصريًّا خطيرًا عليه، وقد تمَّ الوصول إلى قمة الأزمة عند بداية سنة 2015، التي ظهر فيها الإعلام المغربي بخروجه غير المعهود وغير مسبوق بهجوم إعلامي على النظام في مصر، ووصف ما حدث بالانقلاب، وأن عبد الفتاح السيسي قائد انقلابي.

ولعل السبب الأصلي للأزمة والتباين الذي حدث بين الرباط والقاهرة هو الموقف من التيارات الإسلامية والموقف من غزة وحماس، وجاء الموقف من قضية الصحراء والتواصل بين مصر والبوليساريو ليكرس الاختلاف، ويعمِّق تباعد وجهتي النظر.

خاتمة

قد لا تصل الأزمة المغربية-المصرية إلى حدِّ قطع العلاقات بين البلدين على الرغم من أن الأسباب التي أدَّت إلى نشوب الأزمة ما زالت قائمة؛ فالنظام المصري يُعبِّر عن أن حكومة ذات مرجعية إسلامية أمرٌ غير مقبول، كما أن المغرب يرى أن التقارب المصري-الجزائري تجاوز المستوى الطبيعي ليمس ما يسميه المغرب قضية الوحدة الترابية للمغرب بعد التواصل المصري مع الصحراويين.