تطورات الصراع في اليمن وتداعياته

2015459044313734_20.jpg
جانب من حلقة النقاش (الجزيرة)

ملخص
خصّص مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية للحديث عن الوضع في اليمن بعد انطلاق عاصفة الحزم، وهي العملية العسكرية التي تزعمتها السعودية وانضمت إليها تسع دول لتضع حدًا للتوسع الحوثي، وبالتالي تقف في وجه النفوذ الإيراني في اليمن. رصدت الحلقة النقاشية أبرز المواقف الإقليمية والدولية من هذه العملية كما تناولت مستقبل اليمن ومآلات هذه العملية ونتائجها المتوقعة. ولعل من أبرز دلالات عملية عاصفة الحزم أن السعودية فاجأت الجميع حلفاءَ وغيرَهم بقرار إطلاق العملية مما يعني أن هناك تصميمًا سعوديًا وأولوية خاصة لهذه القضية، وأن الواقع الجيوستراتيجي فرض عليها هذا التدبير.

بيّنت الحلقة النقاشية جوانب مهمة من توتر علاقات السعودية بإيران فضلاً عن تناول النقاش للعلاقات السعودية الأمريكية التي لا يمكن إغفالها عند الحديث عن هذه العملية.

ومع أن لكل دولة من دول الإقليم المشاركة في عملية عاصفة الحزم حساباتها الخاصة إلا أن هذه العملية تطرح أكثر من تساؤل حول نتائجها والأهداف المرجوة منها وهل ستقتصر على الهجوم الجوي أم أن هنالك حلقات لاحقة من العملية لم يكشف عنها بعد. وقد طرحت الجلسة مختلف تلك الأسئلة وقدمت رؤى متعددة يلخصها التقرير التالي.

مقدمة

بعد التطورات المتلاحقة التي شهدتها الأزمة اليمنية والتي تُوِّجت في الأيام الأخيرة بتشكيل تحالف عسكري بقيادة المملكة العربية السعودية باسم عاصفة الحزم؛ دخلت الأزمة اليمنية منعرجًا خطيرًا لا يمكن التنبؤ بمآلاته. جاء ذلك بعد أن اقتربت جماعة الحوثي، المتحالفة مع الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، من إحكام سيطرتها على اليمن شمالًا وجنوبًا وهو ما اعتُبر تهديدًا للأمن الإقليمي الخليجي ومن ورائه الأمن القومي العربي.

فقد فشلت كل محاولات التسوية السياسية للصراع بعد رفض الحوثيين الالتزام باتفاقية السلم والشراكة التي وقَّعوا عليها والاستيلاء بقوة السلاح على جميع مؤسسات الدولة. كما فشلت الحكومة الشرعية في وقف تقدمهم الميداني وإدارة شؤون البلاد.

فهل ستحسم عملية عاصفة الحزم الوضع لصالح الشرعية بقيادة الرئيس هادي أم سيتجه اليمن إلى حرب أهلية مفتوحة؟

كيف ستتصرف إيران إزاء هذه التطورات؟ وإلى أي مدى سيستمر دعمها للحوثيين؟

هل ستتطور الحرب إلى نزاع إقليمي أوسع تنخرط فيه قوى دولية أخرى؟ كيف يمكن أن نقرأ مستقبل اليمن في ظل هذه التطورات؟ نقاشًا لهذه الأسئلة قدَّمت الحلقة جملة من الرؤى طرحها الأستاذ وضّاح خنفر رئيس منتدى الشرق، كان من أبرزها:

ما قبل عاصفة الحزم وما بعدها

لا شك أن المشهد السياسي العام في الشرق الأوسط الذي سبق عملية عاصفة الحزم بحاجة إلى الفحص والتأمل، فقد أعادت هذه العملية تموضعات وغيَّرت مواقع بالنسبة لبعض  الدول، بل إن كثيرًا من دول الشرق الأوسط كانت قد باشرت مغازلة إيران قبل العملية، وحاول بعضها أن يجد طريقه إلى طهران. ولعل الموقف العُماني كان أحد المواقف البارزة في التقارب مع إيران على أكثر من صعيد، كما أن مصر غازلت إيران وتجلَّى ذلك في أكثر من تصريح سواء تعلَّق الأمر بالموقف المصري مما يجري في العراق أو في سوريا. وهنالك أكثر من دولة من دول المنطقة كانت تتناغم بشكل أو بآخر مع إيران التي أصبح دورها يتعاظم في منطقة الشرق الأوسط أكثر من أي وقت مضى وتجاوز تأثيرها العراق ولبنان وسوريا ليصل إلى اليمن. والواقع أن السعودية قد نأت بنفسها عن هذه التموقعات وحاولت الابتعاد عن هذا اللغط، بل إنه صار من الواضح لمتابعي الشأن السعودي أنه مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم وتعيين فريقه الجديد فإن الاهتمام الرئيسي كان عنوانه اليمن وإيران؛ حتى إنه قيل: إن لقاء الملك سلمان مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أثناء زيارته للسعودية ذُكرت فيه إيران عشر مرات في حين لم يتم الحديث عن مصر. وهذا يعني أن هنالك أولويات في السياسة السعودية، فلم تعد قضية مصر والعلاقة المتوترة بين النظام في القاهرة وجماعة الإخوان المسلمين التي كانت أولوية بالنسبة لفريق الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز بذات الشأن بل أخذت إيران والوضع في اليمن صدارة الأولويات بالنسبة لفريق الملك سلمان.

قرار عاصفة الحزم والرسائل السعودية

 يبدو أن إيران وغيرها من الدول في المنطقة تفاجأت بقرار عاصفة الحزم فلم يكن أحد يتوقع ما وقع من هجوم جوي في توقيته وفي نوعيته وفي حجمه. الحقيقة أن السعودية قامت بالتخطيط والتنفيذ وهي منفردة لتخبر بعد ذلك الدول التسع التي أعلنت مشاركتها في العملية بعدما تم إقرارها وتنفيذها. ومن المعلوم أن الأجواء اليمنية منكشفة بالنسبة للسعوديين فبنك الأهداف مكشوف وقد سهَّلت الولايات المتحدة على السعوديين جانبًا مهمًّا في هذا المجال الميداني بتزويد السعوديين بالمعلومات الاستخبارية المتعلقة ببنك الأهداف وبعد ذلك أخبرت السعودية الدول الحليفة بقرارها. ولا يخلو الموقف السعودي في هذه العملية، وهي تخاطب حلفاءها، من الأخذ بمبدأ "إمَّا معي أو ضدي". لقد تفاجأ جميع الدول الحليفة للسعودية وغير الحليفة وربما كان هذا من بين الرسائل التي أرادت السعودية تمريرها في هذه العملية.

وهنالك رسالة أخرى بالغة الأهمية أرادت السعودية إبلاغها من خلال هذه العملية وهي أنها دولة تملك سلاحًا جويًّا متطورًا وضاربًا، وأنها تجيد توجيهه واستغلاله في الوقت المناسب، وقد اعتمدت السعودية من الناحية الإعلامية الطريقة الأميركية في توصيل المعلومات الميدانية ونتائج العملية يومًا بيوم؛ وذلك بعقد مؤتمر صحفي يومي تستعمل فيه تقنيات الفيديو والستالايت وهو ما ظلَّت أميركا تفعله في حروبها الأخيرة، وهي رسالة تودُّ السعودية من خلالها أن تبين جانبًا من قدراتها العسكرية وامتلاكها لتقنيات معاصرة.

ومن الرسائل المهمة التي برزت من هذه العملية ما حاولته السعودية من ربط صلات مع الحركات الإسلامية الفاعلة مثل الإخوان وحزب الإصلاح اليمني لتضمن إلى جانب المواقف الرسمية المسانِدة وجود مساندة وتعاطف شعبي حتى مع من كان مصنَّفًا إلى وقت قريب بأنه إرهابي.

العلاقات السعودية-الأميركية على المحك

لم يتحدث الإعلان السعودي عن عاصفة الحزم ودخولها حيز التنفيذ عن الإرهاب ولا عن القاعدة، ويبدو أن أميركا الموافِقة على هذه العملية لم تطلب ذلك من السعودية مما يعني أن هنالك مؤشرات حول تطورٍ ما في العلاقات السعودية-الأميركية، فالموقف السعودي اتصف بنوع من الحسم والتصميم تجاه أميركا، فمن الواضح أن السعودية اقتنعت بأن السقف الأميركي المسموح به في الشرق الأوسط يتناغم إن لم يكن يتماهى مع السقف الإيراني، فأميركا مؤخرًا صارت تتعامل مع حلفائها التقليديين في منطقة الخليج، وعلى رأسهم السعودية، بمنطق مؤدَّاه أن المتاح سياسيًّا هو المسموح به إيرانيًّا، وأن أميركا تنظر إلى ما يسري ويسير في المنطقة وفق ما تراه إيران وهذا ما أزعج السعودية. وقد تجلَّى الخلاف السعودي-الأميركي حول الوضع في العراق حيث ظلَّت أميركا تؤكد للجانب السعودي أنها لا تريد إزعاج إيران. وما يتعلق بالعراق والرؤية الأميركية حوله ينطبق على الوضع في سوريا والوضع في اليمن؛ فالسقف الإيراني كان عنصرًا جوهريًّا في تحديد الرؤية الأميركية. ويعني هذا في النهاية أن الخضوع لأميركا ورؤيتها في الشرق الأوسط صار نوعًا من الخضوع لإيران.

إلا أننا ينبغي ألا ننسى أن أميركا لا يسعها التنازل عن السعودية ذات المكانة الخاصة بالنسبة للطاقة والاقتصاد العالمي، وهذا ما ساعد السعودية على أن تأخذ مبادرتها بالنسبة للتدخل في اليمن.

 حلفاء السعودية والحسابات المختلفة

من الملاحظ أن حلفاء السعودية في المنطقة فاجأهم ما حصل وربما كان مفاجأة غير سارة، فمصر، وهي حليف السعودية الاستراتيجي، فاجأتها قدرة السعودية على اتخاذ مبادرة بهذا الحجم بدون استشارة مصر، فهذا يُعدُّ أمرًا مخيفًا خصوصًا وأن الرياض وضعت القاهرة في مأزق: إمَّا معي أو ضدي. ولم تكن المفاجأة بأقل وقعًا بالنسبة للإماراتيين الذين رتَّبوا لسفير اليمن السابق ونجل الرئيس المخلوع أحمد بن عبد الله صالح لقاء مع الأمير محمد بن سلمان وقد جاء بشروط وعروض فردَّ عليه السعوديون ردًّا أربك الإمارات؛ لذلك كانت مشاركتهم في مؤتمر شرم الشيخ دون ما كان متوقعًا. وكانت حسابات سلطنة عُمان، المهتمة بما يدور في اليمن منذ عهد بعيد، غير دقيقة تمامًا، فربما بنى العمانيون تقديراتهم على أن السعودية كانت اهتماماتها في أمور أخرى غير اليمن كالوضع في مصر، وأن تحركها السياسي والدبلوماسي بطيء ومن باب أحرى أن يكون تدخلها العسكري كذلك. فقد تفاجأت سلطنة عمان كما تفاجأ غيرها بالديناميكية التي صارت تطبع التحرك السعودي.

مآلات عملية عاصفة الحزم

يبقى التساؤل: إلى أي مدى يمكن لهذه الضربات أن تكسر ظهر الحوثيين وحليفهم علي عبد الله؟ واردًا. مما لا شك فيه أن أغلب صواريخ سكود التي كانت بحوزة الحوثيين والتي تشكِّل تهديدًا مباشرًا للسعودية قد تم تدميرها، إلا أن الوضع على المستوى الميداني معقَّد جدًّا؛ فالمجال في الأرض مجال غير مريح وغير ملائم لاجتياح بري إذا كانت السعودية تخطط لاستكمال تدخلها الجوي باجتياح أرضي، حيث إنه من شبه المستحيل لجيش خارجي أن يغزو اليمن فلا السعوديون ولا المصريون ولا الباكستانيون بقادرين على ذلك. وفي نفس الوقت فإن الضربات الجوية مهما بلغت من إضرار بالحوثيين وحليفهم علي عبد الله صالح فإنها لن تحقق انتصارًا نهائيًّا، بل إن الحوثيين قد يجرُّون السعودية لحرب استنزافية طويلة الأمد قد تنهك السعودية ولا تحقق لها أهدافها.


جانب من المشاركين في الحلقة النقاشية (الجزيرة)

وتبقى جملة من الخيارات أمام عاصفة الحزم، وعلى رأسها تسليح مجموعة من القبائل اليمنية المقاتلة وتكون عملية التسليح واسعة وهي التي بإمكانها أن تحقق توازنًا على الأرض. ومن جانب آخر، على السعودية أن تحل مشكلتها مع حزب الإصلاح فهو من بين التشكيلات السياسية الأقوى على الأرض. ومع أن حزب الإصلاح لم يُدِن ما يقوم به الحوثيون في اليمن ربما لأن عنده حساباته الداخلية الخاصة إلا أنه يبقى قوة مهمة يمكن التحالف معها، بحكم أن لدى الإصلاح 15 ألف مقاتل فضلًا عن نفوذهم وسلاحهم وعلاقاتهم القَبَلية. لكن يبدو أنه كان في تقديرهم أن دول الخليج تريد أن تجرهم إلى حرب مع الحوثيين حتى تتخلص منهما معًا؛ لذلك وجدناهم حاربوا في عمران ولما وجدوا أن الجيش اليمني مع الحوثيين انسحبوا وأبقوا قوتهم العسكرية محايدة.

ولا شك أن مآلات هذه العملية لها علاقة وثيقة بالموقف الإيراني التي سيكون لها موقف دون شك خصوصًا وأن إيران تتفوق على السعودية في أمور، منها: تنوع الأوراق؛ فالسعودية عندها طائرات واستطاعت من خلالها أن توقف المد الحوثي في اليمن لكن إيران لها نفوذ في العراق وسوريا ولبنان وفي اليمن نفسه، ويمكنها تحريك ملفات في أماكن تخضع لنفوذها قد تربك السعودية، مع العلم بأن أي تحرك إيراني ضد السعودية سيضع في الحسبان الموقف الأميركي الذي يرى أن أمن السعودية خط أحمر نظرًا للمصالح النفطية والاقتصادية. وفي نفس السياق يمكن الحديث مع تطور الأحداث عن الموقف التركي مما يجري ويمكن للسعودية أن تقبل بتحالف استراتيجي مع تركيا كما فعلت تركيا مع قطر.
____________________________________
د. سيدي أحمد ولد الأمير - باحث في مركز الجزيرة للدراسات