جانب من حلقة النقاش(الجزيرة) |
ملخص وأكَّد المهدي أن المعارضة تؤيد الحوار مع النظام، ولكن ليس بالصيغة القديمة القائمة على تفتيت القضايا، وإنما بحوار تسبقه خطوات لبناء الثقة مثل إطلاق المعتقلين السياسيين على أن يضع الاتحاد الإفريقي ضوابطه ويرفعها لمجلس الأمن للمصادقة عليها ورعايتها. |
مقدمة
جاءت الانتخابات الرئاسية والنيابية التي جرت في السودان في الفترة الأخيرة وسط مقاطعة واضحة من قوى المعارضة الرئيسية، لتطرح أسئلة كثيرة حول مستقبل المشهد السياسي السوداني، وما إذا كانت هذه الانتخابات خطوة نحو الخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، أم أنها ستؤدي لمزيد من التأزُّم والسخونة والتعقيد في هذا المشهد. كما وضعت هذه الانتخابات قوى المعارضة السودانية أمام خيارات، خصوصًا فيما يتعلق بالحوار الوطني مع النظام.
فما هي انعكاسات هذه الانتخابات ونتائجها على آفاق المشهد السياسي في السودان؟ وإلى أين تتجه الأوضاع: إلى تهدئة أم انفجار؟ وما مصير الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة؟ وما الخيارات المتاحة للمعارضة في مواجهة المعطيات السياسية الجديدة التي أفرزتها هذه الانتخابات؟ وهل تملك المعارضة رؤية متماسكة تشكِّل بديلًا لما يقدمه النظام؟ وهل يستمد النظام السوداني الراهن قوته من ضعف وتشرذم المعارضة؟ وما تأثير التطورات الإقليمية الراهنة على المشهد السياسي، وسيناريوهات المستقبل على الساحة السودانية؟
هذا ما حاولت أن تجيب عليه الحلقة النقاشية التي أقامها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان: السودان بعد الانتخابات: خيارات المعارضة وسيناريوهات المستقبل، واستضاف فيها السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المعارض.
مقاطعة
افتتح المهدي الحلقة النقاشية بتأكيد موقف المعارضة المقاطِع لهذه الانتخابات التي أُعلن عن فوز الرئيس السوداني عمر حسن البشير بها بنسبة 94.5%. وقال: إن هذه الانتخابات لم تكن نزيهة لعدة أسباب، أهمها: تمديد التسجيل ليومين إضافيين، وتصويت أعضاء القوات المسلحة في مراكز الاقتراع مع أنهم من المفترض أن يصوِّتوا في ثُكناتهم.
واستطرد زعيم حزب الأمة في الحديث عن الانتهاكات التي شابت الانتخابات والتي قال: إن العديد من الكُتَّاب والمفكِّرين تحدثوا عنها.
وقال المهدي: إن هذه الانتخابات كشفت أن النظام نمر من ورق وأنه ممزق من داخله بدليل مغادرة العديد من القوى صفوف المؤتمر الوطني العام. كما أن رأس النظام الرئيس عمر البشير يواجه الملاحقة الخارجية الأمر الذي يدفع ثمنه السودان بالعقوبات السياسية والاقتصادية.
وأضاف المهدي: إن إجراء الانتخابات السودانية في هذا الوقت بالذات ضيَّع فرصة بدء الحوار الشامل الذي دعت له الآلية الإفريقية الرفيعة في أديس أبابا في مارس/آذار والتي كان من المفترض أن تتضمن وقفًا لإطلاق النار بين الحكومة وبعض المجاميع المسلَّحة، وتبادل الأسرى بين الطرفين والبدء بإجراءات بناء الثقة وإعلان مبادئ التحول الديمقراطي الكامل على أن ينتقل الحوار بعد ذلك إلى الخرطوم.
العمل الشعبي المعارض
وقال المهدي: إن المعارضة السودانية ستدعم العمل الشعبي وستطوره من "ارحَلْ" إلى "اعتصِمْ-اضْرِبْ" في مواجهة حملات الخوف والتضليل التي تقوم بها الحكومة السودانية التي قال: إنها فقدت الكثير من مؤيديها وحلفائها بما فيهم حزب المؤتمر الوطني بقيادة حسن الترابي والذي هو الآن في صفوف المعارضة.
وأكَّد أن المعارضة تؤيد الحوار مع النظام، ولكن ليس بالصيغة القديمة القائمة على تفتيت القضايا، وإنما بحوار تسبقه خطوات لبناء الثقة مثل إطلاق المعتقلين السياسيين على أن يضع الاتحاد الإفريقي ضوابطه ويرفعها لمجلس الأمن للمصادقة عليها ورعايتها.
وأضاف: إن عوامل الاستبداد والظلم والتبعية تجعل الطريق الوحيد لمواجهتها والتخلص منها هو الحوار الجاد والمسؤول بين كافة الأطياف السياسية.
وكان الرئيس السوداني اشترط لعودة الصادق المهدي إلى السودان التبرؤ و"الاغتسال" من "إعلان باريس" الذي وقَّعه مع الجبهة الثورية التي أسست برنامجها على إسقاط النظام بالعمل المسلح، وقال: "مرحبًا بالمهدي في أي وقت لكن بعد أن يتبرأ مما وقَّعه في باريس".
وكان حزب الأمة القومي وقَّع في 8 أغسطس/آب الماضي "إعلان باريس" مع الجبهة الثورية التي تضم تحالفًا لحركات مسلحة بالعاصمة الفرنسية، تضمَّن الدعوة إلى وقف الحرب والتسوية السياسية الشاملة.
ورغم هذا الاتهام، أكَّد المهدي تمسكه بالعمل السياسي لإسقاط النظام، إلا أنه لم يتطرق لتوقيعه الاتفاق مع الجبهة الثورية التي تحمل السلاح ضد النظام.
مواقف جديدة للنظام
ودار حوار في الحلقة حول استفادة النظام من ظروف عربية وإقليمية ليعيد رسم دوره في المنطقة من خلال تعديل موقفه في ليبيا بدعم موقف الإمارات العربية المتحدة التي تؤيد الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، ومشاركته في عاصفة الحزم ضد الحوثيين.
وقال المهدي: إن النظام لم يحقق مكاسب حقيقية من هذه المواقف بل خسر دولًا وجهات، وأشار إلى تغير المواقف في المنطقة وهو ما حرم النظام من الاستفادة من مواقفه الجديدة على المدى القريب.
وسلَّط زعيم حزب الأمة المعارض الضوء على العقوبات التي تواجهها البلاد بسبب طلب البشير للمحكمة الجنائية الدولية، وقال: إنه لن يحمي البشير من الملاحقة إلا التوافق الوطني الذي يشكِّل غطاء له على الصعيد الدولي، كما تطرق إلى الخسائر الاقتصادية التي تتكبدها البلاد بسبب العقوبات الاقتصادية.
كما ناقش المجتمعون الخلافات بين المعارضة ودورها في مواجهة الحكومة التي تحقق مكاسب من وراء ذلك.
الخاتمة
كشفت الانتخابات السودانية عن عمق الخلافات بين الحكومة السودانية والمعارضة. ويمكن القول: إن هذه الخلافات تحتاج إلى التفاوض بين أطراف الأزمة السودانية وذلك للوصول إلى قواسم مشتركة بينها للوصول إلى نظام سياسي قائم على مشاركة الجميع في القرار وليس تفرد طرف بعينه، والقبول بما تفرزه الآلية الديمقراطية لقيادة البلاد.
______________________________
ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات