حلقة نقاشية: الخلاف السني –الشيعي وتأثيره على المنطقة

20156159154355734_20.jpg
الخلاف السني الشيعي تحول في أحيان كثيرة إلى حروب دموية أزهقت الكثير من أرواح الأبرياء (الجزيرة)

ملخص
نظَّم مركز الجزيرة للدراسات حلقة نقاشية بحثية مغلقة تناولت حقيقة الخلاف بين السُّنَّة والشيعة، تحدث فيها الدكتور محمد بن المختار الشنقيطي، أستاذ تاريخ الأديان في كلية الدراسات الإسلامية بجامعة خليفة.

وتداول الباحثون مع الشنقيطي في حظوظ التقارب السياسي بين  العرب وإيران، في ضوء الخلاف السني الشيعي، ورأى الباحثون أن الخلاف بين السنة والشيعة، تحول في أحيان كثيرة إلى حروب دموية أزهقت الكثير من أرواح الأبرياء، وأنَّ الشرخ بين الطائفتين ظل يتوسع كل يوم حتى أصبح من المستحيل إصلاحه.

كما رأوا أنه، ورغم وجود خلافات في تفاصيل العقائد والشعائر بين السنة والشيعة، فإن أشد مظاهر الخلاف بينهما إثارة للنزاع واستفزازًا للمشاعر ليست المسائل الاعتقادية والعبادية، بل قضايا السياسة والذاكرة التاريخية.

التسنن والتشيع

وافتتح الشنقيطي الحلقة النقاشية المغلقة بالقول: إن أصل الخلاف يعود إلى الأزمة الدستورية في المنطقة التي يفترض أن تستوعب هذه الخلافات ضمن تعددية معترف بها. كما أشار إلى الذاكرة التاريخية وتأثيرها في الأزمة؛ حيث ينظر الشيعة إلى أن القيادة يجب أن تنحصر في البيت النبوي فقط واعتبار معظم الصحابة خانوا الأمانة في توريث الخلافة في غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فيما يؤمن السُّنَّة بشرعية الخلفاء الراشدين ويحترمون ويقدِّرون دور الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا.

كما تحدث عن الحساسية القومية بين العرب والفُرس ودورها في تأجيج الخلاف باعتبارها سابقة على الحساسية المذهبية.

 مراحل الخلاف وتداعياته

وتدارس الباحثون مراحل الخلاف الشيعي السني في أربع مراحل، وهي:

  • الصراع بين المالكية والإسماعيلية خلال الحكم الفاطمي لتونس الذي دام بضعة عقود.
  • الاشتباكات الحنبلية-الشيعية في بغداد تحت الحكم البويهي الشيعي؛ حيث كان معظم سكان بغداد من السنَّة (1045-1055).
  • تنافس النفوذ بين العثمانيين والصفويين ابتداء من معركة جالديران عام 1514.
  • الصراع على الخليج منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979 وحتى الآن.

وقال الباحث الشنقيطي: إن هناك ثلاث مدارس من الشيعة، وهي: الزيدية والإسماعيلية والإمامية وهذه الأخيرة هي التي ورثت الجميع وتتمثل في الدولة الإيرانية التي تزعم أنها تدافع عن كل هذه المذاهب رغم اختلافها معها سياسيًّا ودينيًّا وتاريخيًّا.

وأضاف: إن الشيعة صاغوا لأنفسهم مشروعًا كونيًّا من خلال نظرية الإمام الفقيه التي جاء بها الخميني ليخلِّص الشيعة من السلبية بانتظار الإمام (المهدي) المنتظر.

وخلص الباحثون إلى أن إيران لا مستقبل لها في العلاقة مع الغرب إلا من خلال التخلي عن معاداة إسرائيل، ورغم أنها تخلَّت عن الملف الفلسطيني في الصراع إلا أنها لن تتخلي عن ملف حزب الله المنتمي لطائفتها.

ورأوا أنه يجب وضع حدٍّ للنفوذ الإيراني في اليمن وسوريا ووضع التهديد العربي على حدود إيران من خلال مواجهة النفوذ الإيراني في العراق. إلا أنهم يؤكدون في نفس الوقت أنه يجب إيجاد حالة من التعايش بين السنة والشيعة ولكن بعد استعادة مكانة السنة في المنطقة. 

حقيقة الخلاف

وناقش الباحثون حقيقة الخلاف السنِّي-الشيعي، وقالوا: إن القطيعة بين السنة والشيعة كانت سياسية، وإن كان التعبير عنها عادة ما يكون في إطار لغة دينية ومذهبية.

ولم تتوقف حدود هذا الخلاف عند التحريض باللسان، بل تشمل مجموعات تتجاوز السلطة، وتفرض رؤيتها الدينية بقوة الساعد والسلاح.

ويرى الباحثون أن ضعف السلطة يمثل تربة خصبة لنمو هذه الخلافات وتطورها، وأحيانًا تنحاز السلطة السياسية إلى أحد تأويلات العقيدة على حساب تأويلات أخرى، بينما تقتضي الحكمة السياسية ألا تكون السلطة طرفًا في الصراع الفكري، بل تضمن للجميع حق التعبير عن عقيدتهم دونما إكراه.

وهكذا، فإن الفتنة الطائفية هي نتيجة العجز الفكري والسياسي ولا تأتي في بيئة تعددية مذهبية وحرية دينية.
ورأى الباحثون أن مجتمعاتنا تحتاج إلى وقف استنزاف الذات، والقبول بشرعية الهويتين السنِّيَّة والشيعية، وحقهما في الوجود دون إكراه أو إجحاف، طبقا للقاعدة القرآنية "لا إكراه في الدين" (سورة البقرة، الآية (256).

حلول مقترحة

وحول الحلول المقترحة لهذا الخلاف، يرى الباحثون أننا لسنا بحاجة إلى من يبرهن على صحة مذهب وبطلان آخر، وإنما نحتاج اليوم إلى من ينقض المنطق الطائفي ذاته، وبُعْده عن معاني الشرع وروح الإنسانية.


رأى الباحثون ضرورة تحييد الخلاف السني الشيعي عمليًّا، وحصره في
الجدل العلمي والحِجاج النظري (الجزيرة)

ويقول تاريخ كل الثورات إنها تقوم على تأجيل المطالب الجزئية لصالح الغايات الكلية، وترجيح الصالح العام على المنفعة الخاصة. ولذلك خلص الباحثون إلى أن الثورات المضادة سعت لتسويق الخلاف بين مكونات المجتمع، بادعاء التماهي مع إحدى الكتل الاجتماعية والسعي إلى إقناعها بارتباط مصلحتها بوجوده؛ وهذا ما نراه اليوم في بعض الدول العربية التي تشهد ثورات شعبية.

وللأسف، فقد أسهمت الفتنة الطائفية الحالية بين السنة والشيعة في توسيع الهوة بين مكونات الشعب، وفقدان الإحساس بالانتماء المشترك والمصير المشترك بين أبناء الأمة الواحدة.

ولهذا، يرى الباحثون ضرورة تجاوز ذلك -ليس بالدعوات النظرية للتقريب بين المذاهب-، وإنما بتحييد الخلاف عمليًّا، وحصره في الجدل العلمي والحِجاج النظري، دون إنهاك للمجتمع أو تمزيق للُحمته، مع احتفاظ كل طائفة بحقها في التشبث بما تراه حقًّا دون إكراه أو إجحاف، واحترام حقوق الناس في العقيدة والعبادة بغضِّ النظر عن خلفيتهم الطائفية والمذهبية.

وخلص الباحثون في الحلقة النقاشية المغلقة إلى أنَّ الحل لا يكون في الرد على الطائفية بطائفية، وأن العلاج الفعال للطائفية هو العدل والحرية للجميع.

الخلاصة

رأى الباحثون أن الخلاف بين السنة والشيعة، تحول في أحيان كثيرة إلى حروب دموية أزهقت الكثير من أرواح الأبرياء، وأن الشرخ بين الطائفتين ظل يتوسع كل يوم حتى أصبح من المستحيل إصلاحه.

وحول الحلول المقترحة لهذا الخلاف، يرى الباحثون أننا لسنا بحاجة إلى من يبرهن على صحة مذهب وبطلان آخر، وإنما نحتاج اليوم إلى من ينقض المنطق الطائفي ذاته.

ولهذا يرى الباحثون ضرورة تجاوز ذلك بتحييد الخلاف عمليًّا، وحصره في الجدل العلمي والحِجاج النظري، دون إنهاك للمجتمع أو تمزيق للُحمته، مع احتفاظ كل طائفة بحقها في التشبث بما تراه حقًّا دون إكراه أو إجحاف، واحترام حقوق الناس في العقيدة والعبادة.
_____________________________
* ماجد أبو دياك - باحث في مركز الجزيرة للدراسات