ما بعد إعلان ترامب بشأن القدس: أي مستقبل للقضية الفلسطينية؟

25 December 2017
0c78fe1a57c0475a8b2a8a6332bfd407_18.jpg
من اليمين: عدنان هياجنة، عزت الرشق، سالم المحروقي (مدير الجلسة) (الجزيرة)

مقدمة 

بحثت الندوة التي نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات بالاشتراك مع قناة الجزيرة مباشر والتي شارك فيها نخبة من الباحثين والسياسيين، تبعات وتداعيات قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي اتخذه في السابع من ديسمبر/كانون الأول 2017، والذي يقضي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها، كما سلَّطت الضوء على تأثير هذا القرار على الداخل الفلسطيني وما إن كان سيدفع باتجاه توافق على رؤية نضالية ترسم ملامح المشروع الوطني الفلسطيني مستقبلًا. كما ناقشت تأثير القرار على الاصطفافات السياسية القائمة حاليًّا بمنطقة الشرق الأوسط. واختتمت الندوة بتسليط الضوء على مستقبل القضية الفلسطينية ومقترح حل الدولتين وما إن كان لا يزال قائمًا في ظل ما لحق بالدور الأميركي كراعٍ لعملية السلام من أضرار نتيجة هذا القرار. وقد تحدث في هذه الندوة كل من: الدكتور محمد اشتية، عضو اللجنة التنفيذية لحركة فتح، والسيد عزت الرشق، رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية، والدكتور عدنان هياجنة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، والسيد هيو لافيت، عضو قسم العلاقات الخارجية في المجلس الأوروبي ومنسق الملف الفلسطيني-الإسرائيلي.

قرار ترامب قضى على المسار التفاوضي

أكد الدكتور محمد اشتية، عضو اللجنة التنفيذية لحركة فتح، أنه بعد قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، دخل الفلسطينيون في مفصل مهم من تاريخ قضيتهم: هنالك معلومات أساسية في تاريخ هذه القضية سواء تعلق الأمر بتوقيف الكفاح المسلح ثم المفاوضات التي توقفت عمليًّا منذ 30 مارس/آذار 2013 ولم يبق أي تفاوض حقيقي بين الفلسطينيين وإسرائيل، فقررت القيادة الفلسطينية تدويل القضية بعرضها على المنظمات الدولية، وبإقامة اعترافات ثنائية مثل ما حصل مع السويد والفاتيكان، فضلًا عن بعض البرلمانات التي اعترفت بالدولة الفلسطينية دون أن تعترف دول تلك البرلمانات بها. وما عمله ترامب ليس سوى تناغم مع ما عمله نتانياهو الذي ضرب بعرض الحائط كل الاتفاقيات مع الفلسطينيين. كما أن الرئيس الأميركي قضى على مستقبل التفاوض وما يتعلق بقضايا الحل النهائي كالقدس والحدود والمياه واللاجئين. ويمكن أن نقول: إن قرار ترامب هو عطاء من لا يملك لمن لا يستحق، بل إنه تحدَّى النظام الدولي. إن المجلس الوطني الفلسطيني هو صاحب الولاية ومنظمة التحرير الفلسطينية والمجلس هما من أسَّس السلطة، ومن ثم يصبح من الضروري انعقاد هذا المجلس لتجري مراجعة جدية وحقيقية. فلابد لهذا الحراك الشعبي والهَبَّة الفلسطينية أن تُعزَّز بمواقف على المستوى التحدي والتضحيات. لابد كذلك من مصالحة البيت الفلسطيني ومن ثم خلق ائتلاف دولي من أجل إنهاء الاحتلال. نريد إنهاء الاحتلال، وتمكين أهلنا في القدس. إن ما قام به ترامب هو تبنِّي الرواية اليهودية ونفي الرواية المسيحية والإسلامية، وهو ما أدخلنا في بوتقة من الصراع الديني، ولمواجهة هذا التحدي ينبغي أن يكون هناك حراك شعبي ومسار سياسي واضح. إن المسار التفاوضي قتلته إسرائيل قبل أن يقضي عليه ترامب؛ حيث لم يعد هناك وسيط. هذا المسار ضربه ترامب ضربة قاضية. لابد من ائتلاف دولي، وهو ما بدأه الرئيس، أبو مازن، فقد كان في تركيا ثم ذهب الى السعودية وسيذهب إلى فرنسا للقاء 28 وزير خارجية أوروبيًّا لاطلاعهم على تصوره لما بعد قرار ترامب. بالمجمل، فإن قرار ترامب قد جعل من مدينة القدس محطَّ أنظار الجميع، صارت القدس موضوعًا عالميًّا، وليست موضوعًا إسرائيليًّا، كما تقول المؤسسات الأكاديمية الأميركية والإسرائيلي. هناك حراك شعبي في جميع الأراضي الفلسطينية في غزة وفي الضفة وفي كل مكان.

على أن القضية الفلسطينية ليست وليدة اليوم بل مرَّت مئة عام على وعد بلفور، غير أن هناك تدرجًا لابد من ملاحظته؛ كان مربع الصراع فلسطين، ثم صار مدينة القدس، وهناك مخطط لتحويل الأنظار إلى المسجد الأقصى حيث تسعى إسرائيل لاستبدال الهيكل به. اللعبة لم تنته إذن، وبالتالي لابد ان يكون الصوت واحدًا وموحدًا فلسطينيًّا وعربيًّا. إسرائيل لها خطة: كيف ستكون القدس 2020؟، وهي خطة قائمة على ترانسفير المقدسيين لتصبح نسبتهم 19% من سكان المدينة.

قرار ترامب بشأن القدس: رُبَّ ضارة نافعة!

يرى الأستاذ عزت الرشق، رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية لحركة حماس، أن القرار الذي أصدره الرئيس ترامب سيئ بالنسبة للقضية الفلسطينية وضرب للتسوية التي استمر مسارها ثلاثة عقود، لكنه قد يكون من باب "رُبَّ ضارة نافعة"، فهو يقدِّم فرصة للفلسطينيين ويدعوهم من جديد للمصالحة، ثم إنه أعاد القضية الفلسطينية إلى سُلَّم أولويات الإقليم بل وأولويات العالم، في الوقت الذي هُمِّشت فيه وأصبحت بعيدة عن اهتمام العرب والعالم. إن العالم جميعًا يتحرك مع الفلسطينيين، وهذا يعني فرصة لإنقاذ عملية المصالحة. وقد قدمت حركة حماس، كما يرى عزة الرشق، مرونة وما زالت تأمل في المستقبل، لكن هناك عقبات حتى ينعم الشعب الفلسطيني بالتوحد.

إن هذا القرار الأميركي -على سوئه- يوحِّد الأمة الاسلامية المنشغلة بصراعاتها الداخلية، إن الأمة الإسلامية تختلف في كثير لكن تتحد من أجل القدس. والسؤال: هل هناك إمكانية لوقف هذا القرار؟ لا شك أن كل القرارات الدولية التي لا تراعي الحقوق الفلسطينية لن تنجح. لا يمكن فرض شيء على الشعب الفلسطيني الذي ضحَّى بدمائه وبنضاله، وهو متمسك بالقدس الشرقية والغربية. إن الحراك الموجود في فلسطين سواء في الضفة والقدس وغزة وفي فلسطين 48، وفي العالم العربي، ومع كل أحرار العالم يبيِّن أن القضية الفلسطينية في صلب اهتمام العالم.

إن الفلسطينيين يراهنون على انتفاضة شعبية مستمرة ومتحدة في وجه الاحتلال، والانتفاضة هي وحدها الكفيلة بتفاعل العالم وبالوقوف سدًّا أمام ترامب وقراره.

إن هناك تفاعلًا غير مسبوق، ونحن في حماس، كما يقول الرشق، معنيون أن تكون هناك مصالحة وإنهاء لحالة الانقسام، وكلما كان الشعب الفلسطيني موحدًا استطاع فرض استراتيجية تجعل إسرائيل تتراجع. إن حماس لا تراهن على مسار التفاوض وكذلك الشعب الفلسطيني، وما كان موجودًا ليس عملية تسوية بل عملية تصفية، وحماس لا تراهن على الإدارة الأميركية التي كانت -ولا تزال- في صف إسرائيل. والحقوق تُنتزع ولا توهب. وعمومًا، وبعد 30 عامًا من مسار التسوية وصلنا إلى هذا الطريق المسدود الذي أسدل الستار على كل العملية التفاوضية. كما توصلنا إلى أن الراعي الأميركي ليس نزيهًا لا محايدًا، ولا ينبغي أن نُضيع الوقت في البحث عن راع آخر، فكل ذلك وهم وسراب. لابد من إعادة النظر في كل ما تم، ومن الجيد أن ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني ويحضره الجميع، وأهم شيء أن يُعيد النظر في كل المسار، ويحدد استراتيجية قائمة على المقاومة وعلى الانتفاضة وعلى جمع الشعب الفلسطيني على استراتيجية واحدة.

القضية الفلسطينية في ذيل الاهتمام العالمي

يرى د. عدنان هياجنة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر، أن قرار ترامب ليس مفاجئًا بل كان متوقعًا؛ ذلك أننا نلاحظ تراجعًا للقضية الفلسطينية على مستوى الاهتمام الأميركي منذ بعض الوقت. لم يكن للعرب استراتيجية ولا للسلطة الفلسطينية. إن الأمر ليس جديدًا، بل هناك أمور واضحة للعيان فالجمهوريون مثلًا لم يعودوا يدعمون حل الدولتين، وخلال إدارة جورج بوش الابن فإنه لم يُجرِ أي اتصال مع السلطة الفلسطينية، وحتى أوباما لم يتحدث عن القضية الفلسطينية. الصراع العربي-الإسرائيلي لم يعد له مرجعية عند الساسة الأميركيين. هناك تغيير لقواعد اللعبة أميركيًّا وكان علينا ألا ننتظر حتى يقع ما وقع. القضية الفلسطينية لا تحتل أية أولوية عند أميركا، والنظام العربي هو السبب، لقد أصبحت في ذيل اهتمام العالم، وتُرفَع الآن شعارات ويُعلن عن سياسات من قبيل محاربة إيران، لم تعد إسرائيل هدفًا، ونلاحظ أن الجامعة العربية لم تعقد اجتماعًا رئاسيًّا بشأن القدس بل كان هناك اجتماع وزاري فقط، في حين ظهرت قضية القدس وكأنها قضية العالم الإسلامي الذي واكبها بعقد قمة لمنظمة العمل الإسلامي وإن تغيب عنها مَن تغيب. وعمومًا، فإن كل ما جرَّبه العرب في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، وعلى رأسه المراهنة على أميركا، ينبغي أن يتم التوقف عنه. 

لا شك في أنه لو لم يُقمَع الربيع العربي لكانت لنا أنظمة منتخبة وشعوب يمكن أن تحاسب الأنظمة. إن معظم الدول العربية فاشلة فكيف لها مساعدة الفلسطينيين وهم بحاجة لمساعدة أنفسهم. وتبقى الانتفاضة هي الحل الوحيد، لكن لا يمكن أن تكون مع نفس الأشخاص الذين يتكلمون عن المفاوضات ثم يتكلمون عن الانتفاضة، لابد من جيل جديد.

كما أنه لا تمكن المراهنة على أوروبا، فأوروبا ترفض لكنها لا تفعل شيئًا، وقد شاهدنا ذلك في العراق.

والواقع أن العالم العربي قد تأقلم مع السياسات الخارجية الأميركية، كما وقع أثناء احتلال العراق، ووقع مع تغيير المناهج، ومع الحرب على الإرهاب وسيتأقلم العرب مع القدس عاصمة لإسرائيل.

الموقف الأميركي من القدس ثابت قبل ومع ترامب

يعتقد هيو لافيت، عضو قسم العلاقات الخارجية في المجلس الأوروبي ومنسق الملف الفلسطيني-الإسرائيلي، أن سياسة أميركا تجاه القدس مع الرئيس ترامب حتى ولو كانت متشددة ألا أنها استمرار لموقف الإدارات الأميركية السابقة فيما يتعلق بالقدس. هناك مرشحون عديدون وعدوا بأن يعترفوا بالقدس عاصمة لإسرائيل ولم يفعلوا، وترامب وعد ففعل. ولفهم ما فعله ترامب ينبغي أن نشير إلى أن أميركا أصبحت تُولِي أهمية قليلة جدًّا للقانون الدولي وللتفاهم الدولي وللمؤسسات الدولية. 

ويبقى أن نقول: إن الأوروبيين، رغم ما قاله أحد المتحدثين من أن أوروبا ترفض ما تفعله أميركا لكنها لا تفعل شيئًا لمواجهتها، قد اعترفوا بفشل عملية أوسلو التي استمرت 25 سنة بزعامة أميركية، وهذا لا يعني أن أوروبا ستعوِّض أميركا، لكن الأوروبيين وصلوا في سياستهم لمفترق طرق وينبغي أن يعلنوا أنهم يدعمون الفلسطينيين خصوصًا أن أميركا لم تعد تدعم حل الدولتين وهذا ما يحتِّم على أوروبا أن ترفع صوتها ولا تكتفي بالتعبير عن قلقها تجاه سياسة إسرائيل. 

على أوروبا أن تدافع بشكل أكثر صرامة عن تنفيذ حل الدولتين وينبغي أن تساعد الفلسطينيين في تحقيق سيادتهم في غزة والضفة الغربية، والنظر في دعم المصالحة الفلسطينية.

ماذا بعد قرار ترامب بشأن القدس؟

البحث عن راع غير أميركي

يرى محمد اشتية أن المسار التفاوضي انتهى إلى غير رجعة وأن دور الولايات المتحدة في القضية الفلسطينية انتهى إلى غير رجعة كذلك. لقد مرَّ الفلسطينيون بتحديات كثيرة وخاضوا معارك وجود منذ 1917، كما أن أميركا صادقت على مستوى الكونغرس على أزيد من 20 قرارًا ضد السلطة ومنظمة التحرير من بينها وقف تمويل السلطة، ومن بينها اعتبار المنظمة إرهابية، ومن آخرها إغلاق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن. وما تسعى له واشنطن ليس اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل فقط بل هناك رؤية شاملة سوف يعمل على أساسها وسيُضيق على الفلسطينيين ليقبلوا ما بات يُعرف بصفقة القرن التي وإن كانت غير معروفة في تفاصيلها لكن من ملامحها أن القدس عاصمة إسرائيل، ومن ملامحها عدم عودة اللاجئين. إن هناك استغلالًا للضعف العربي وانشغال أغلب الدول العربية بأزمات داخلية كما هي الحال في ليبيا والعراق وسوريا واليمن. فعصر الانحطاط العربي تم استغلاله للقضاء على الاهتمام بالقضية. غير أن الفلسطينيين قادرون على حماية قضيتهم ولو كانوا يقبضون بأيديهم على الجمر، ولا يمكن لنا أن نتأقلم مع هذا القرار. 

إن التقسيم الزمني للأقصى حسمه سكان القدس حين رفعوا الأذان في الكنائس. لا شك أن هناك نهاية مرحلة وبداية أخرى، والوسيط الأميركي انتهى دوره وقد أثبت المسار عقمه، وأمامنا مجموعة خيارات: إن العالم ليس قطبًا أميركيًّا واحدًا بل هناك دور لروسيا وللصين ولمجموعة البريكس، فالعالم ليس رهينة المطالب الأميركية. ويبقى التحدي الحقيقي هو رسم مسار جديد مع أقطاب غير أميركا، كما يرى الدكتور اشتيه.

خيار المصالحة هو الصواب

يرى عزت الرشق، أن على الفلسطينيين قبل البحث عن راع روسي أو صيني أن يبحثوا في وضعهم الخاص. لابد من إعادة النظر في كل المسار السابق، أي أوسلو والتسوية، لابد لأبي مازن أن يقول: إن أوسلو انتهت، كما يرى الرشق. إن الشعب الفلسطيني أعطى ما عنده ولم يأخذ شيئًا، وقد حان وقت لحظة الحقيقة ومصارحة الشعب الفلسطيني بأن تعلن السلطة أن مسار التسوية انتهى ولا رجعة إليه. لابد من مواقف عملية إلى جانب التصريحات الإعلامية القوية. لابد من إعادة النظر في المجلس الوطني الفلسطيني ليكون البيت الذي يجمع كل الفلسطينيين، ولابد من إعلان مقاومة ليس شرطًا أن تكون مسلحة بل شعبية. إن الإخوة في فتح وصلوا إلى حائط مسدود، كما يقول الرشق، وعلى الفلسطينيين إعلان استراتيجية جديدة تقوم على هدف واحد وهو دحر الاحتلال. فإذا توحَّد الفلسطينيون يمكنهم بعد ذلك التوجه للعرب ثم للمسلمين ثم للعالم. فلابد إذن من رؤية واضحة ومسار جديد يراهن على المقاومة ويلغي التنسيق الأمني مع إسرائيل.

وقد أكد د. عدنان هياجنة، على نفس الفكرة، وهي ضرورة المصالحة الفلسطينية، لكن يبقى المهم أن يبتعد الفلسطينيون والعرب عن الاستراتيجيات التي تم تجريبها.

وفي سياق خيار المصالحة الفلسطينية، يؤكد السيد هيو لافيت على أن إسرائيل لن تقبل أي راع للمفاوضات غير الأميركيين، وإسرائيل يمكنها إنهاء الاحتلال في أي وقت لكن لا يوجد شيء يدفعها لذلك. وفي هذا السياق لابد من مصالحة فلسطينية تمارس ضغوطًا على إسرائيل، بدلًا من التفكير في هذا الوسيط أو ذاك.