ندوة للجزيرة للدراسات وبروكنجز الدوحة تناقش أهمية مراكز الأبحاث وتحدياتها

4 February 2019
67e5b80b63dc4f348d6bedcef4929609_18.jpg
من اليمين: ساري حنفي، محمد المصري، محجوب الزويري، عز الدين عبد المولى، نادر القبَّاني، عثمان آي فرح (مدير الندوة) (الجزيرة)

عقد مركز الجزيرة للدراسات بالتعاون مع مركز بروكنجز الدوحة ندوة بعنوان "أهمية مراكز الأبحاث في عملية صناعة السياسات بالعالم العربي"، في العاصمة القطرية الدوحة، يوم الأربعاء، 30 يناير/كانون الثاني 2018. وأكد الخبراء المشاركون في الندوة على أهمية مراكز الدراسات والأبحاث في مساعدة صنَّاع القرار بشأن وضع السياسات، دون إغفال وجود تحديات وفجوة في التواصل بين المراكز البحثية وصناع القرار في العالم العربي. كما تناول المتحدثون عددًا من المسؤوليات والتحديات المتعلقة بالتمويل واستقلالية مراكز الدراسات والأبحاث وتوفر المعلومات التي يمكن البناء عليها في عملية وضع السياسات وصناعة القرار. وتحدث في الندوة كل من عز الدين عبد المولى، مدير البحوث في مركز الجزيرة للدراسات، ونادر القباني، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة، ومحجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، وساري حنفي، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية في بيروت، ومحمد المصري، مدير تنفيذي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.

القباني: المؤسسات العامة تعاني ضعفًا في استيعاب المعلومات الخاصة بصناعة السياسات

 (الجزيرة)

أكد الدكتور نادر القباني، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة، على أن هناك مسؤولية مشتركة بين مراكز الدراسات والأبحاث من جهة، وصنَّاع القرار من جهة أخرى، لزيادة الاستفادة من المنتج المعرفي لمراكز الأبحاث في عملية صناعة القرار ووضع السياسات. وشدَّد على أهمية دور مراكز الأبحاث والتحليل السياسي في إنتاج أبحاث ودراسات مستقلة معنية بالسياسات العامة وأيضًا توليد أفكار جديدة تحلُّ مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية. واعتبر هذه المراكز حلقة وسيطة تربط بين الباحثين والأكاديميين من جهة، وصناع القرار من جهة أخرى.

واستعرض القباني عددًا من المشكلات التي تواجه مراكز الأبحاث؛ حيث إن الوطن العربي ضعيف في الإنتاج المعرفي، ويعاني نقصًا في استيعاب المؤسسات العامة للمعلومات الخاصة بصناعة السياسات وأيضًا هناك ضعف في حلقة الوصل واستخدامها من جانب صانع القرار. 

ونوَّه إلى أن صناع القرار لا يتعاملون مع نتائج الأبحاث والدراسات؛ "لذلك لابد من التفكير في بيئة للسياسات المتكاملة تشمل مؤسسات أبحاث مستقلة وتحليل سياسات ومؤسسات دعم القرار، فكلما كانت البيئة غنية باختلاف المؤسسات والترابط بينها في نفس الوقت، ساعدت صانع القرار في اتخاذ قراراته بعد استشارة أطراف متعددة". 

وشدَّد القباني على وجود فجوة بين مراكز الأبحاث وصناع القرار، وأن هناك مسؤولية تجاه مراكز الأبحاث التي يجب عليها الاستناد إلى المعلومة وتفسيرها لصانع القرار بالطريقة التي يمكن استيعابها، وضرورة تغيير منظومة الحوار بشكل متكامل بين الطرفين والتواصل بشكل أقوى مع صناع القرار.

عبد المولى: مراكز الأبحاث العربية تواجه مشكلات في هيكلية السلطة والاستبداد

(الجزيرة)

أوضح الدكتور عز الدين عبد المولى، مدير البحوث في مركز الجزيرة للدراسات، أنه لا يوجد فارق جوهري في جودة وعمق ما تنتجه مراكز الأبحاث العربية والمراكز العالمية الأخرى، "وأحيانًا نَفُوقُ هذه المراكز خاصة في الدراسات المتعلقة بمنطقتنا التي نفهم ظروفها وواقعها بصورة أكبر".

وسلَّط الضوء على بعض النقاط التي من شأنها تعظيم الاستفادة من مراكز الدراسات والأبحاث عبر تصحيح العلاقة بين المراكز وصناع القرار، وأيضًا بين النخب التي ينبغي أن تقترب من بعضها البعض، لافتًا إلى أن ثمة فجوة بين مراكز الأبحاث نفسها، كما أن هناك محاولة لصناعة جماعة من مراكز الأبحاث على المستويين الإقليمي والدولي ولابد أن تكون ثمة محاولة مماثلة على المستوى المحلي لتعظيم ما تقدمه هذه المراكز من فائدة. 

واستعرض الدكتور عبد المولى بعض المعضلات التي تواجه مراكز الدراسات والأبحاث في العالم العربي، خاصة مناخات الاستبداد وهيكلية السلطة حيث لا تمر عملية صناعة القرار بقنوات شفافة، فغالبًا ما يكتفي صانع القرار برأي مجموعة من المستشارين الذين يُراعَى في تعيينهم وتقريبهم عامل الولاء على حساب عامل الكفاءة. كما أن الصورة النمطية المتعلقة بالمؤسسات البحثية وخاصة التي تتلقى تمويلًا من الخارج تصنع صورة سلبية لدى صانع القرار والرأي العام. وأشار إلى تحدٍّ آخر، يتمثَّل في وجود تدفق كبير للمعلومات ما يزيد من صعوبة التأكد من صحتها ونقلها إلى صانع القرار عبر مراكز الأبحاث وتحليل السياسات. 

وأشار عبد المولى إلى تحقيق بعض المؤسسات البحثية العربية مراكز متقدمة على قائمة التصنيفات الدولية وتفوقها على مراكز أبحاث تركية وإيرانية وإسرائيلية، وأنها تؤثر في صناعة القرار -بصورة مباشرة في حالة استشارتها أو بصورة غير مباشرة- عبر النقاشات وزيادة الوعي لدى الرأي العام وبث المعرفة.

الزويري: تأثير مراكز الأبحاث في الحكومات مرتبط بسياق الحريات والديمقراطية 

(الجزيرة)

أكد الدكتور محجوب الزويري، مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر، أنه ليس من الإنصاف القول بأن مراكز الدراسات ليست مؤثِّرة "والأهم هو قدرتنا على التغيير في رؤى الحكومات دون إغفال أن ذلك له علاقة بسياق الحريات والديمقراطية والانفتاح والاستماع للرأي الآخر. ويجب عدم النظر إلى دور مراكز الأبحاث بشكل منفصل عن المؤسسات الأخرى في المجتمع". 

وطالب مراكز الأبحاث بالتفكير خارج الصندوق بقفزات وليس خطوات في ظل العالم الرقمي السائد حاليًّا لتصبح أكثر تأثيرًا وتترك بصمة في حياة الناس. وأوضح الزويري أن تَسْييس المؤسسات والمراكز البحثية وأَمْنَنَتِها يجعلها أداة للدولة، مبيِّنًا أن مفهوم أَمْنَنَة وتَسْييس مراكز الأبحاث مرتبط بإنتاج الفكرة والسياسة وأن الدول عادة ما تحتكر السياسات وتصبح مراكز الدراسات أداة للدبلوماسية العامة. 

وقال: إن مراكز الأبحاث تحاول اختراق البيئة الممنوعة وإذا لم تكن هناك استجابة من الدولة والحكومات فلا يمكن لهذه السياسات أن تحقق الفاعلية ولابد من التركيز على مراكز الأبحاث ليكون الهدف الأساسي هو خلق بيئة أفضل في الحريات والفرص وإلا أصبحت السياسات منتجًا بلا مستهلك. وأكد أن التسييس يضع مراكز الأبحاث في دائرة الاتهام والتشكيك في إنتاجها ويجبرها على إنتاج ما تريده السلطة. 

وشدَّد الزويري على أن صناعة الأفكار والسياسات ضرورية في المجتمعات التي تريد التقدم خاصة في المجتمعات التي تحظى بنسبة عالية من التعليم والمعرفة. ونبَّه إلى ضرورة تغيير النظرة السلبية تجاه أبحاث العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ لأن هذه النظرة ينتج عنها عزوف عن إنتاج المعرفة في هذه الموضوعات وتراجع في القدرات البشرية، وهو ما يُلاحَظ في نقص عدد المؤرخين على سبيل المثال، مؤكدًا أن غياب هذه العلوم يصيب مراكز الأبحاث بحالة من الشلل. 

وبيَّن أن مراكز الأبحاث تؤثر في وعي الناس وطريقة تفكيرهم، "ولكن علينا أن نتيقن من أن التأثير لا يأتي بين يوم وليلة والبيئة العربية يواجه فيها المواطن العربي ضغطًا إعلاميًّا لا مثيل له في العالم بهدف إعادة تشكيل عقله وقيمه".

المصري: نهضة مراكز الأبحاث تتطلب التمويل والاستقلالية 

(الجزيرة)

تناول الدكتور محمد المصري، مدير تنفيذي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، عددًا من المشكلات التي تواجه مراكز الأبحاث، خاصة مسألة التمويل والاستقلالية وتوفر المعلومات. واستعرض مثالًا عن استقلالية المراكز قائلًا: إن مراكز التحليل السياسي في الولايات المتحدة كان هدفها التأثير على صناع القرار ولكن هذا التأثير أصبح متبادلًا بتبعية بعض المراكز لبعض الأحزاب السياسية. 

واتفق المصري مع الزويري في إهمال بحوث العلوم الاجتماعية والإنسانية في العالم العربي، موضحًا أن هذه العلوم ليست موجودة على أجندة الدول في المنطقة العربية؛ لأن الاهتمام أكبر بالعلوم التطبيقية. وقال: "يجب ألا يكون الباحثون مجرد مستشارين لصانع القرار"، لافتًا إلى أن المؤشر العربي، الذي يصدره المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات سنويًّا، أوضح أن 50% من مواطني العالم العربي لا يريدون المشاركة في الانتخابات النيابية، لأن السياسة وصناعة القرار حكر على مجموعة من الأشخاص. 

وأكد المصري أن مراكز الدراسات تؤثر في قطاعات من المجتمع والنخب ويمكن أن يُبْنَى على ذلك. وطالب بضرورة الفصل بين مراكز الأبحاث ومراكز تحليل السياسات؛ حيث إن مركز الأبحاث تسعى لتطوير الأدوات البحثية والانفتاح على النظريات والتخصصات وجمع المعلومات لإنتاج بحوث.

وقال: إن إنتاج نهضة في مراكز الأبحاث والدراسات العربية يتطلب ضمان التمويل، وخاصة في أبحاث العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكذلك ضمان الاستقلالية للباحثين وألا يطاردهم الخوف من دخول السجن، وزيادة التأثير على صانع القرار في المنطقة العربية في قضايا جوهرية لأن العلوم الإنسانية هدفها إسعاد المواطنين وليس إعادة إنتاج الهيمنة في النظام السياسي.

حنفي: نقصُ الثقة في العلمِ والاستبدادُ يؤثِّران في المراكز البحثية 

(الجزيرة)

تحدث الدكتور ساري حنفي، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية في بيروت، عن ثلاثة مداخل لتقييم مراكز الأبحاث تتمثل في المدخل المؤسساتي والتمويل وتوافر المعلومات. وقال: إن هناك ربطًا مبالغًا فيه بين المراكز البحثية والأجندات السياسية فيما يخص التمويل. وبيَّن أن كثيرًا من مراكز الأبحاث والفكر بالمنطقة العربية تقع تحت تأثير الاستبداد، كما أن تقييم المراكز يجب أن يكون من خلال المنتج المعرفي ومدى موضوعيته واستقلاليته وحرية الرأي. 

وأضاف أن هناك مشكلة في العالم العربي تتعلق بنقص الثقة في العلم. 

ونوَّه حنفي إلى أن العالم العربي يُعَدُّ أقل المناطق التي توجد فيها جمعيات لعلم الاجتماع، وأن غياب الجماعة العلمية البحثية يعيق تعبير الباحثين عن آرائهم بحرية وحمايتهم في نفس الوقت. وأكد أنه لابد من دراسة درجة الليبرالية بالمراكز والاستقلالية وعدم ربط التمويل بمنتج الأبحاث. وأشار إلى أن مراكز الأبحاث بها مشكلات خاصة وأن النخب بالعالم العربي لا تتحدث مع بعضها، مثل غياب الإسلاميين التام خلال مناقشة الربيع العربي بالجامعة الأميركية في بيروت في وقت سابق، كما أن هناك مراكز فكر إسلامية نادرًا ما تتعامل مع نخب لا تعجبهم آراؤهم.