سياسة الهند الخارجية في عالم متغير

أي دور يمكن أن تلعبه الهند في ظل نظام عالمي قديم يتلاشى وآخر يتشكل؟ إن الوزن الجيوسياسي المتنامي للهند، والمعدل المرتفع لنمو الناتج القومي، وفرص الأسواق الاقتصادية الوفيرة، كلها عوامل تؤكد على تدعيم مكانة الهند على الساحة الدولية، فكيف ترسم سياستها الخارجية؟.
11 November 2009
1_942817_1_34.jpg






مصدر الخريطة: مركز الجزيرة للدراسات

براهما تشيللاني

ليس بوسع أحد اليوم إنكار ما يشهده العالم من تغير في موازين القوى الدولية، ويتجلى هذا تحول مراكز القوى من الغرب إلى الشرق، وفي التردي الذي أصاب البناء الدولي الذي أسهمت الولايات المتحدة في إرساءه بعد خروجها منتصرة من الحرب العالمية الثانية، فضلا عن صعود آسيا كأكبر دائن مالي وأهم قاطرة في النظام الاقتصادي العالمي.


استبداد الجغرافيا 
في الموقف الأمريكي 
مخاطر الجبهة الشرقية 
العلاقة مع الصين 
نحو انحياز متعدد


صحيح أن العالم اليوم لم يصبح بعد عالما متعدد الأقطاب، إلا أنه مع ذلك لم يعد عالما أحادي القطبية على نحو ما كان خلال الفترة الممتدة من انهيار الاتحاد السوفيتي وحتى نهاية تسعينيات القرن العشرين، تلك الفترة التي فشلت فيها الولايات المتحدة في صياغة عالم ليبرالي جديد تحت زعامتها. ما نعيشه اليوم ليس سوى عالم في مرحلة الانتقال. قد يبدو للبعض أن عالمنا صار بلا أقطاب، لا مفر من أن تتشابك وتتداخل فيه أدوار عدة لاعبين. ولعل هذا بالضبط ما يجعل انتظار ظهور نظام دولي متعدد الأقطاب مسألة وقت فقط.





التحديات التي تواجه العالم اليوم فريدة في نوعها، وتشمل قضايا جديدة، وعالمية التأثير، وتتفاوت بين الارتفاع في حرارة المناخ العالمي وتفشي الإرهاب الدولي
ويرتبط الحراك الحالي في مراكز القوى بواقع جديد يصعد فيه الاقتصاد الآسيوي إلى درجة لم يعرف لها التاريخ نظيرا في السرعة أو المدى. ويمكن إدراك حجم وسرعة ما حققته آسيا من إنجاز من خلال قراءة كتاب جونار مردال عالم الاقتصاد السويدي والحائز على جائزة نوبل والذي يحمل عنوان "الدراما الآسيوية..بحثًا عن فقر الأمم" الصادر عام 1968. يتحسر مردال في كتابه على تهاوي آسيا نتيجة الفقر والضغط السكاني وصعوبة استغلال الموارد(1).لكن صار بإمكاننا اليوم القول, بأن قصة الفقر المتوطن في آسيا قد تحولت إلى قصة ازدهار تعم أرجاء القارة.

آسيا التي تتميز بأنها مهدٌ للحضارات ووطن لاستقرار معظم شعوب العالم، تعود اليوم للازدهار بعد فترة قصيرة من التدهور تسبب فيها الاستعمار الأوربي على مدى قرنين من الزمن. فبحسب دراسة لبنك التنمية الآسيوي كانت حصة آسيا في الاقتصاد العالمي تناهز 60 % عام 1820، وذلك قبيل الثورة الصناعية. غير أن آسيا سقطت في تدهور حاد على مدى الـ 125 سنة التالية. وهاهي اليوم تحقق ما نسبته 40 % من الناتج العالمي، وقد ترتفع تلك الحصة بحسب بعض التقديرات إلى 60 % عام 2050، وذلك حين تتقدم ثلاث دول آسيوية لتتصدر قائمة الدول الأربع الأكبر في الاقتصاد العالمي ( الصين والهند والولايات المتحدة واليابان). 


ولعل في هذا إشارة إلى قرب استعادة آسيا ريادتها التي تمتعت بها على مدى ألفي سنة سبقت الثورة الصناعية، تلك الثورة التي كانت سببا في أن يتقدم الغرب المسيرة. وعلى نحو ما يسجل المؤرخ البريطاني أنجوس مديسون فإن الصين والهند كانتا أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم خلال الفترة من العام الميلادي الأول وحتى عام 1820. وبحسب دراسة كيشور محبوباني والتي تحمل عنوان "نصف الكرة الآسيوي الجديد" (2) يمكن وصف القرنين الماضيين من السيطرة الغربية على تاريخ العالم بأنهما حدث استثنائي خلال ألفي سنة. ويذهب محبوباني إلى أن "زمن سيادة الغرب على العالم قد ولى" وذلك رغم أن الغرب "لا يريد الاعتراف بذلك وليست لديه النية للمشاركة في بناء نظام عالمي بديل. وما هذا في الواقع إلا إرهاصات لكارثة وشيكة".


إن التغيرات التي تشهدها موازين القوى السياسية والاقتصادية تشي بأن عالما مغايرا هو قيد التشكل، عالم يتميز بتوزيع أكبر للقوى، لكنه مع ذلك عالم محفوف بعدم الثقة. فكما يظهر التاريخ فإنه من النادر أن تقع تغيرات بنيوية في مراكز القوى في صمت وهدوء. إذ عادة ما تتفشى تلك التغيرات عبر أرجاء النظام الدولي، حتى ولو كان هذا النوع من الاضطراب قصير الأمد.


ومع الثورة التكنولوجية خلال الربع الأخير من  القرن الماضي، نجد أنفسنا اليوم في عالم متسارع التغير. هذا التغير لم ينجم عن انتصار عسكري أو فوز في ساحات القتال، بل نتيجة عامل سلمي يتمثل في النمو الاقتصادي السريع.


وبديهي أن أي تغير في بناء مراكز القوى الدولية لابد أن ينجم عنه تغير مماثل في مراكز القوى العسكرية، حتى وإن جاء ذلك على عدة مراحل. فبعد 60 عاما من الهيمنة يضطر اليوم مركز القوى الممتد عبر الأطلسي (أوربا الغربية والولايات المتحدة)  أن يفسح المجال لنظام عالمي جديد. لن يكون النظام الجديد كسابقه الذي تشكل على أنقاض حرب عالمية، بل سيقوم على أساس سلام عالمي. وإلى أن تتضح معالم هذا النظام الجديد فإن خطوط التصدع التي أصابت النظام القديم عبر العالم ستستمر منذرة بمخاطر جيوسياسية متصاعدة.


استبداد الجغرافيا


أي دور يمكن أن تلعبه الهند في ظل المعطيات السابقة؟ إن الوزن الجيوسياسي المتنامي للهند، والمعدل المرتفع لنمو الناتج القومي، وفرص الأسواق الاقتصادية الوفيرة، كلها عوامل تؤكد على تدعيم مكانة الهند على الساحة الدولية. غير أن الهند تواجه رغم ذلك أحد العوامل المؤثرة في محيطها الجغرافي ألا وهو ذلك القوس المسمى بقوس الإضطرابات والذي يمثل أكثر نقاط ضعف الهند من الناحية الجيوسياسية. فالجوار الهندي مضطرب للغاية وبشكل مزمن، لدرجة تجعل الهند تواجه ما يعرف باسم "الاستبداد الجغرافي"(3)، وهو ما يضعها أمام تهديدات خارجية خطيرة، تحدق بها من كل حدب وصوب.





الوزن الجيوسياسي المتنامي للهند، والمعدل المرتفع لنمو الناتج القومي، وفرص الأسواق الاقتصادية الوفيرة، كلها عوامل تؤكد على تدعيم مكانة الهند على الساحة الدولية
يطوق الهند قوس من الدول الفاشلة والاستبدادية التي تسعي بشكل أو بآخر إلى تقويض ما تتمتع به الهند من علمانية وتنوع إثني وتعددية ثقافية. فإلى الغرب تواجه الهند "قوسا من الأزمات يترامى من الأردن إلى باكستان"، إذا استعرنا عنوان إحدى الحلقات النقاشية التي شهدها مؤتمر السياسة الدولية والذي عقد في إيفيان بفرنسا عام 2008(4).

فعلى هذا المحور يمتد حزام متصل من الاضطراب السياسي يمتد من لبنان إلى باكستان، ويلقي بتداعيات بالغة الخطورة على الأمنين الإقليمي والدولي. فانتشار النموذج الطالباني، وتفشي التهديدات المسلحة في باكستان، الجار اللصيق للهند،  ذهبت بأحد مراكز الأبحاث الأمريكية إلى التحذير من "أن الوقت يداهمنا في حلف شمال الأطلسي ونعجز عن مساعدة باكستان في تغيير مسارها الحالي المتجه نحو مزيد من الاضطراب الاقتصادي والسياسي، وهو ما قد ينتهي بفشل محدق "(5).


ومع ذلك لا يريد الخطاب السياسي الدولي أن يعترف بواقع جديد مفاده أن الحدود السياسية بين أفغانستان وباكستان لم يعد لها وجود على أرض الواقع. فخط الحدود المسمى "خط دوراند" كان خطا اصطناعيًا واختراعًا استعماريًا بريطانيًا، ترك شعب البشتون مقسمًا على جانبي الحدود(6). وليس لهذا الخط وجود اليوم سوى على الخرائط، أما على أرض الواقع فليس له أي اعتبار سياسي أو إثني أو اقتصادي، حتى بعد أن أصبحت المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان قطبًا جاذبًا للجهاديين. والنتيجة هي استعداد "باشتونستان"، ذلك الكيان السياسي الذي سعى شعب البشتون طويلا من أجل تحقيقه، إلى البزوغ من تحت الشمس، ولو على أنقاض الحركات الإسلامية المسلحة النشطة حاليا في الإقليم.


ويبدو من الصعب حقيقةً الحيلولة دون تلاشي خط دوراند. فسيطرة الحكومة الباكستانية شبه منعدمة على نحو نصف مساحة البلاد ( معظم إقليم بالوشستان، وأجزاء كبيرة من إقليم الحدود الشمالية الغربية وكل إقليم القبائل) كما لا تملك كابل أية سيطرة على مساحات واسعة من أفغانستان. ويفقد الجيش الباكستاني القدرة على السيطرة على الأرض لصالح المتمردين في الأقاليم الغربية، ليس لأن الجيش أقل عتادًا من المتمردين، بل لأن ردة الفعل العكسي على المستوى الإثني والقبلي والعمل المسلح أدت,جميعها, إلى تدهور مكانة الجيش في أراضي البشتون والبالوش. 


وبعد أن فقدت السيطرة على مسرح العمليات، اختارت المؤسسة العسكرية الباكستانية، المخترقة من قبل الجهاديين، وما يتبعها من وكالة الاستخبارات الداخلية،أن تتبنى منهجًا جديدًا يقوم على دعم بالوكالة للجماعات المسلحة، وفي مقدمتها حركة طالبان. وتدفع باكستان اليوم ثمنًا باهظًا لتبنيها حركة طالبان وارتباطها الوثيق بها. أما "دولة" البشتون ذات التوجه الإسلامي، تلك التي تبدو دولة فقط على أرض الواقع، فسيكون بوسعها إفشال ذلك الارتباط العضوي بين باكستان وأفغانستان، الدولتان اللتان تم خلقهما بشكل مفتعل، وما زالتا تبحثان عن هوية قومية إلى اليوم.


في الموقف الأميركي


المجتمع الدولي مطالب بأن يحسم تردده تجاه خط دوراند الحدودي، وعليه أن يتخلص من نهج الحلول السهلة تحت ذريعة السعي إلى إقرار الأمن في باكستان وأفغانستان مع الحفاظ على حدودهما الحالية. فإذا ما أخذنا سياسات الولايات المتحدة على سبيل المثال، تبدو هذه السياسة وكأنها تهرب من مواجهة الواقع. فإدارة الرئيس أوباما تسعى الآن، ولو ظاهريا، إلى اتباع منهج عسكري تجاه أفغانستان في صورة "تدفق" للقوات العسكرية، في مقابل استراتيجية سياسية تجاه باكستان تقوم على إنفاق بلايين الدولارات كمساعدات إضافية، يسميها وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قرشي "تدفق مدني".





الجوار الهندي مضطرب للغاية وبشكل مزمن، لدرجة تجعل الهند تواجه ما يعرف باسم "الاستبداد الجغرافي"، وهو ما يضعها أمام تهديدات خارجية خطيرة، تحدق بها من كل حدب وصوب
ترفض سياسة أوباما النهج العسكري الذي اتبعته إدارة بوش في أفغانستان والقائم على البناء المؤسسي كمحاولة لخلق نوع من "مذبح الأبطال في آسيا الوسطى"(7). بالمقابل كشفت الإدارة الجديدة عن تخصيصها 7.5 بليون دولار كمساعدات مدنية لمواجهة تصاعد المد المتطرف في باكستان وذلك من أجل كسب العقول والقلوب هناك، أما "مذبح الأبطال" فلم يحن موعده بعد(8).

ولسوء الحظ لم تدرك إدارة أوباما أن مشكلة الحدود الأفغانية الباكستانية لا يمكن حلها دون ترويض حقيقي من قبل واشنطن، المسؤولة عن خلق هذا الخلط المرعب. والأكثر سوءا أن الإدارة الأمريكية الجديدة تسعى إلى "إحتواء" الإرهاب إقليميا وليس إلى "هزيمته"، وكأن شبح الإرهاب المقيت قابل للاحتواء في حزام الحدود الأفغانية الباكستانية، والحقيقة هي أن منهج غض الطرف هذا يضع أمن الهند على حافة الخطر. 


يجادل البعض قائلا إن الولايات المتحدة بعدما راجعت منهجها وعادت إلى طريقة الإحتواء والردع صار بوسعها الاعتماد على الوسائل الدبلوماسية في تطويق التهديدات الإرهابية الآتية من باكستان وطالبان(9). وبديهي أن الولايات المتحدة الواقعة بعيدا جدا عن تلك المواقع الملتهبة يمكنها طرح هذا المنهج، لكن الهند التي تشتعل النيران عند أبوابها لا تطيق ذلك بل ستعاني من تبعاته الوخيمة.


ولا تخلو سياسة أوباما تجاه الإقليم الباكستاني-الأفغاني من سلوكيات غريبة ومفاجئة، وكأنك تتابع مشاهد من حكايات أليس في بلاد العجائب. خذ على سبيل المثال القرار الأمريكي بإنفاق ثلاثة بلايين دولار في صورة مساعدات عسكرية إضافية لإسلام آباد تحت عنوان "دعم القدرات الباكستانية لمواجهة التمردات". يفوت الولايات المتحدة أن إدارة أوباما قد أعلنت من قبل أن المتمردين يحصلون على دعم بالوكالة من قبل جنرالات باكستان. وخذ أيضا حجة سياسة أوباما القائلة بإن "تدفق" المساعدات العسكرية يمكن أن يستخدم، على النمط العراقي، كاستعراض قوة لعقد صفقات مع الإرهابيين "الطيبيين".


إن ثنائية الدعم المالي والرشوة تغفل حقيقة كون المسلحين الأفغان، المتمتعين بحماية قبلية عبر الحدود، ليسوا في عجلة من أمرهم لقبول تلك الرشوة مقارنة بنظرائهم العراقيين، وبالتالي لا يشعرون بأنهم واقعون تحت ضغوط تجبرهم عل عقد صفقات مع الأمريكيين.


كما أن العطايا الأمريكية الجديدة التي كانت توزع بتقتير على المؤسسة العسكرية الباكستانية المفرزة للإرهاب، كانت تغفل حقيقة أن جنرالات باكستان ليس لديهم كثير من المحفزات لعقد تعاون متين وجدي مع الولايات المتحدة في وقت كان أوباما بالكاد يضع معالم استراتيجيته تحت قناع الخروج من أفغانستان(10). وعلى هذا لم يكن مطلوبا من جنرالات باكستان ووكلائهم في جماعة طالبان سوى القليل من الصبر إلى أن تخرج الولايات المتحدة من أفغانستان حتى يشرعوا بعدها في المطالبة بها لأنفسهم.






ليس أمام الهند من خيارات سوى الاستعداد لمواجهة أخطار أشد وطأة تستهدف سلامها وأمنها الداخليستأتيها من الغرب وبخاصة من باكستان وأفغانستان


 

لذلك, فليس أمام الهند من خيارات سوى الاستعداد لمواجهة أخطار أشد وطأة ستأتيها من الغرب وتستهدف سلامها وأمنها الداخلي. لقد اتفق المجتمع الدولي على التركيز على بناء المؤسسات وتسريح الميليشيات النشطة، وإعادة البناء من أجل المساعدة في تحويل أفغانستان إلى دولة مستقرة وعصرية، وهي أهداف حفزت الهند لدفع منحة سخية مقدارها 1.2 بليون دولار لأفغانستان وأخذت على عاتقها بناء مبنى البرلمان الأفغاني الجديد. غير أن هذا الاستثمار الهندي قيد المراهنة الآن في ظل إهمال إدارة اوباما للمسعى الدولي القائم على دعم بناء المؤسسات في أفغانستان واعتماد نهج آخر يستخف ببناء المؤسسات ويقارنها بمنهج بناء الدولة.

فبدلا من التركيز على بناء أفغانستان دولة موحدة ومستقرة، حددت استراتيجية أوباما مهمة قصيرة الأمد تقوم على " تعطيل وتجريد وهزيمة القاعدة في أفغانستان وباكستان"(11). وأخذا في الاعتبار أن القاعدة تعاني بالفعل من التمزق والضعف وليست في موقف يسمح لها بأن تتحدى المصالح الأمريكية، فبوسع أوباما أن يعلن في أي وقت أن "مهمته اكتملت بنجاح". 


وعلى نحو ما يعترف التقرير الاستخباراتي السنوي للمخاطر التي تهدد الولايات المتحدة، والذي قدم إلى لجنة الشيوخ في 12 فبراير/شباط 2009، فإنه ونتيجة ل" الضغوط التي مارسناها وحلفاؤنا على القيادة المركزية للقاعدة في باكستان فإن القاعدة اليوم تفتقر إلى تلك القدرة والفاعلية التي كانت عليها قبل عام مضى"(12).
وقد لا تزيد تطلعات أوباما عن تسهيل مهمة الولايات المتحدة في إنهاء العمليات العسكرية في أفغانستان قبل تاريخ الانتخابات الرئاسية المقبلة. وسيؤدي المنهج السيئ لأوباما تجاه تهديدات القاعدة(13) – التي تختبئ فلولها في كهوف الجبال- إلى المساعدة في خلق مجال للتفاوض حول صفقة سياسية مع حركة طالبان، الأكثر رعبا ونشاطا. ولأن طالبان تمثل تنظيما يتمتع ببناء وأيدولوجيا ترتكز على القيادة والطاعة، فإن هذه الحركة لن تكون وريثة لتنظيم القاعدة فحسب، بل ستقوم وبشكل عملي - على نحو ما حدث حين سيطرت على كابل في 1996 – بإعادة اختراع القاعدة وتحويلها من شبكة مفككة إلى بناء تنظيمي له سلطة مركزية ورسالة عالمية(14). 


مخاطر الجبهة الشرقية


على الجبهة الشرقية للهند تقع بورما وبنجلاديش، تواجه الأولى كارثة إنسانية مع توسيع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عليها، إضافة إلى وحشية الممارسات التي يرتكبها نظامها العسكري. أما الثانية فتواجه خطر تحولها إلى نسخة أخرى من باكستان مع تصاعد الأصولية الإسلامية.





تتعرض الهند من جهة الشرق لخطر قادم من ميانمار (بورما) وبنجلاديش، فالأولى تتعرض لكارثة إنسانية مع توسيع العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة عليها. أما الثانية فتواجه خطر تحولها إلى نسخة أخرى من باكستان مع تصاعد الأصولية الإسلامية
ليست بنجلاديش دولة صغيرة مثل بروني أو بوتان، بل هي سابع أكبر دول العالم سكانًا. ولدى بنجلاديش تاريخ حافل من الاضطراب السياسي بدأ منذ لحظة ميلادها الدموي. وقد شهدت البلاد 22 محاولة إنقلاب عسكري، تمكن بعضها من تحقيق النجاح. فقد نجت رئيسة الوزراء الحالية، الشيخة حسينة، من اغتيال حصد أرواح أسرتها ووالدها الشيخ مجيب الرحمن، مؤسس بنجلاديش وأول رئيس وزراء في تاريخ البلاد. كما نجت حسينة من الموت مرة أخرى حين رمى معارضون 13 قنبلة على موكبها السياسي عام 2004، وكانت النتيجة مقتل أكثر من عشرين شخصًا.

وعلى مدى يومين من شهر فبراير 2009، أسفر تمرد في سلاح حرس الحدود البنغالي عن مقتل العشرات من كبار الضباط في مذبحة وقعت في مقر القيادة العسكرية، وتم إلقاء الجثث بشكل مزري في حفر ضحلة وقنوات الصرف الصحي. وتؤكد هذه الحادثة على طبيعة الوضع الدائم الاضطراب في تلك الدولة التي تشهد علاقة متوترة بين الزعماء المدنيين والجيش، وهي علاقة تنزع نحو العبث بالمقدرات السياسية للبلاد.


تنبع أهم التهديدات التي تواجهها بنجلاديش اليوم من الراديكالية الإسلامية، ومن تصاعد نفوذ المؤسسة العسكرية، وتكرار وقوع كوارث طبيعية تزداد حدة وقسوة مع اتجاه المناخ العالمي نحو الاحتباس الحراري. فبالإضافة إلى ملايين البنغال الذين يعيشون بشكل غير قانوني في الهند، هاجر العديد من سكان بنجلاديش من المناطق الريفية وانتقلوا إلى العاصمة دكا التي وجدوا فيها "ملاذًا" من الكوارث الطبيعية، تلك الكوارث التي كان أشدها وطأة الفيضانات والأعاصير وطغيان المياه المالحة من خليج البنغال(15).


وعلى غرار النموذج الباكستاني، قدمت وكالة الاستخبارات العسكرية البنغالية ووكالة استخبارات الأمن القومي في بنجلاديش دعما ورعاية للجماعات الجهادية، واستخدمت هذه الجماعات لتحقيق مصالح سياسية داخل البلاد وخارجها. ويحفل تاريخ وكالة الاستخبارات العسكرية البنغالية بسجل طويل من العمليات التي تمت ضد الأحزاب السياسية والصحافيين المعارضين فضلا عن سجلها في انتهاك حقوق الإنسان، وذلك من خلال ما مارسته تجاه سكان القبائل في منطقة شيتاجونج هيل في جنوب شرق البلاد، إضافة إلى ما شنته من حملات اضطهاد ضد جماعة الأحمدية، وهي طائفة مارقة عن الإسلام.


كما عقدت وكالة الاستخبارات العسكرية البنغالية علاقات وثيقة مع نظيرتها الباكستانية وسمحت لها باستخدام الأراضي البنغالية لتدبير عمليات تنفذ على الأراضي الهندية، إضافة إلى تقديم الدعم لحركات التمرد في شمال شرق الهند.


وعلى ضوء ما سبق، تبدو بنجلاديش غير عابئة بالتحديات الأمنية التي تواجهها الهند. فالهند لا تواجه فقط الممارسات الاستخباراتية العابرة للحدود والعمليات الإرهابية الآتية من بنجلاديش، بل تواجه كذلك قضية إنسانية ذات تداعيات خطيرة على الأمد الطويل.
ومن المحتمل أن تتعرض الهند ليس فقط لتدفق لاجئين بنغال لأسباب اقتصادية بل قد تشهد أيضا طوفانا من اللاجئين لأسباب مناخية. وقد أشرنا في دراسة سابقة إلى أنه بالنسبة للهند فإن "التوسع العرقي لبنجلاديش والذي يتجاوز الحدود السياسية لا يقدم الدعم لشبكة العلاقات العابرة للحدود فحسب بل يجعل مهمة نيودلهي في إدارة حدودها مهمة باهظة الكلفة.


وقد أوضحت إحصاءات التعداد السكاني الهندي أن المناطق الهندية الواقعة على الحدود مع بنجلاديش قد أصبحت مناطق ذات أغلبية بنغالية. ولعل هذه أول حالة في التاريخ الحديث تمدد فيها دولة تخومها العرقية دون أن توسع حدودها السياسية. وللمقارنة، فإن الصين دفعت سكانا من قومية الهان إلى إقليم منغوليا الداخلية وإقليم تركستان الشرقية (شينغيانغ) والتبت، بعد أن كانت قد وسعت حدودها السياسية على هذه المناطق(16).


وإذا انتقلنا إلى بورما (والتي أسمتها الزمرة الحاكمة "ميانمار") فسنجد أن الأوضاع المضطربة في هذه الدولة قد دفعت بآلاف اللاجئين لأسباب عرقية وسياسية إلى الهند، والتي تمثل اليوم قبلة للحركة الديموقراطية في المنفى. وبغض النظر عن ترتيبات الزمرة الحاكمة في بورما للانتخابات العامة في 2010، ستبقى بورما واحدة من أكثر الدول التي تعاني العزلة ووطأة العقوبات.


وتعود جذور التردي الذي تعيشه بورما إلى أحداث عام 1962 حين قام الجنرال ني وين Ne Win بخلع رئيس الوزراء المنتخب يو نو  U Nu، والذي عد مهندسًا لسياسة عدم الانحياز.  لقد ضرب الجنرال وين ، المفتون بماركس وستالين، حصارًا على البلاد، وحال دون تدفق أية تجارة خارجية أو استثمار أجنبي، فضلا عن تأميم الشركات، وأوقف عمل كافة المشروعات الأجنبية، وعرقل تدفق السياحة، وطرد جالية كبيرة من رجال الأعمال الهنود.


وقد احتاجت بورما لأكثر من ربع قرن حتى يتمكن الجيل الجديد من القادة العسكريين من بدء محاولات لفك العزلة الدولية عن بورما من خلال قدر من الاصلاحات الاقتصادية، وإن لم يحل ذلك دون استمرار بسط سيطرتهم السياسية على البلاد، واستمرار ممارساتهم القمعية، على نحو ما قابل به الجيش التظاهرات الطلابية التي نشبت عام 1988 متسببا في سقوط آلاف القتلى والجرحى.


الجدير بالذكر أن فرض العقوبات على بورما لم يبدأ إلا بعد أن رفضت الزمرة الحاكمة للبلاد الاعتراف بنتائج انتخابات عام 1990، والتي فاز فيها حزب أونج سان سو كوي. ولم تشرع الولايات المتحدة في فرض عقوبات اقتصادية إلا خلال العقد الجاري، حين صدر في عام 2003 قانون الديموقراطية والحرية لبورما (والذي شمل فرض حظر على الواردات من بورما) إلى جانب عدد من القرارات التنفيذية العقابية التي اتخذها الرئيس جورج بوش.


وهكذا يبدو أن طبيعة النظام في بورما تشجع على فرض موجة جديدة من الحصار الاقتصادي الذي تقوده الولايات المتحدة، وذلك بعد مقتل 31 شخصا على الأقل حين تم قمع التظاهرات الشعبية التي شهدتها البلاد في سبتمبر/أيلول 2007. ونتيجة ذلك يتحمل الشعب البورمي البالغ تعداده 58 مليون نسمة الآثار الكارثية لهذا الحصار، ولعل الصين – الداعمة لكل الأنظمة المنبوذة – تبدو المستفيد الوحيد من هذا الوضع.


وحين نأخذ في الاعتبار إمكانات بورما الكبرى على المستوى الإثني والديني والثقافي، فإن الديمقراطية  وحدها القادرة على تحقيق وحدة بورما وتكامل أراضيها، على غرار ما حققته الهند. غير أنه ليس من الممكن غرس بذور الديموقراطية في اقتصاد راكد محاط بحصار غربي يزداد تشددا يوما بعد يوم. ويتجسد الواقع المؤلم في أن العقوبات أوصلت المجتمع البورمي إلى حالة متردية من الفقر والاستياء، في وقت تستمر فيه السلطة العسكرية في إحكام قبضتها.
ولعل بورما خير مثال على أن العقوبات تؤذي الضحايا بدلا من أن تساعدهم. وعلى نحو ما لاحظ أحد الباحثين فإن "فرض العقوبات على ميانمار قد يشعر الأمريكيين بأنهم يفعلون خيرًا، لكن الشعور بفعل الخير شيء ونزول الخير نفسه شيء آخر"(17). ولعلنا في حاجة إلى منهج آخر يعتمد عقوبات ذات أهداف أكثر دقة ويفسح المجال للأطراف الخارجية لتسهم في تحقيق تنمية حقيقية في بورما.








تمثل بورما جسرا طبيعيًا بين جنوب آسيا وجنوبها الشرقي، محتلة بذلك موقعًا بالغ الأهمية للتنمية الاقتصادية في شمال شرق الهند. وهذا الموقع المتميز لبورما يجعل منها حلقة وصل استراتيجية بين الهند والصين وجنوب شرق آسيا.


وقد كان هذا سببًا في تشجيع الهند على الاستثمار في قطاع الغاز الطبيعي في بورما وإطلاق مشروع لمد ممر مواصلات متعدد المحاور لربط شمال شرق الهند ببورما. غير أن رفض بنجلاديش توفير ممر عبر أراضيها حال دون تحقيق ذلك المشروع. ومثل هذا النهج ذي الأفق الضيق الذي تتبعه بنجلاديش يعرقل اتفاقية التجارة الحرة المعروفة باسم بيمستيك BIMSTEC (والتي تضم سريلانكا والهند وبوتان ونيبال وبنجلاديش وبورما وتايلاند).


العلاقة مع الصين


تخشى الهند أن يؤدي نهج العقوبات إلى وقوع بورما في حبائل التحالف الاستراتيجي مع الصين، هذه الأخيرة تجد في بورما بوابة ولوج رئيسية لبلوغ خليج البنغال والمحيط الهندي. وإذا ما تمكنت الصين من إتمام التغلغل إلى الموارد الاقتصادية البورمية فلن تترك الفرصة تمر كي تستكمل الممر الإستراتيجي المعروف باسم إراوادي Irrawaddy  ( والاسم لنهر بورما الرئيسي الذي ينبع من الصين ويصب في خليج البنغال) ذلك الممر الذي يربط بين الموانئ البورمية وإقليم يونان في الصين عبر شبكة من وسائل النقل والاتصال البرية والنهرية والسكك الحديدية وخطوط الطاقة. وتشكل مثل هذه الروابط ضغطا على الجبهة الشرقية للهند.


وعلى جبهة أخرى تقوم الصين بمد ممر استراتيجي شمالي - جنوبي على التخوم الغربية للهند يعبر صحراء كاراكورام ويصل إلى ميناء جوادار Gwadar الباكستاني الذي تكفلت الصين ببناءه، وذلك عند مدخل خليج هرمز. هذا بالإضافة إلى ممر استراتيجي آخر في التبت على مشارف التخوم الشمالية للهند.


وفي بورما تقدم الصين المساعدات لمد طريق بري سريع يمتد على مسافة 1500 كم وينتهي إلى ولاية أروناتشال الهندية، تلك الولاية التي تزعم الصين أحقيتها فيها. ولمثل هذه العلاقات الصينية البورمية تداعيات بالغة الأهمية على الأمن الهندي. فهذه الروابط ستسمح للصين بالتدخل في الشأن الداخلي لشمال شرق الهند وتشكل حالة من الضغط العسكري غير المباشر على أمن الهند. وتجد الصين المهمة أمامها سهلة للتأثير على الهند من البوابة البورمية من خلال الإختراق السلس عبر الأراضي السهلية  في بورما بدلا من تكبد المشاق في الهيمالايا على الجبهة الشمالية والشمالية الغربية.


ففي أثناء الحرب الصينية الهندية، وخلال الغزو الصيني للهند عام 1962، وجدت القوات المسلحة الهندية نفسها وقد تم تطويقها في منطقة بعينها في إقليم أروناتشال ( والذي كان يعرف آنذاك بالإقليم الشمالي الشرقي) مما أعطى شكوكا مفادها أن بعض الوحدات العسكرية الصينية قد دخلت باطمئنان عبر الأراضي السهلية البورمية وليس عبر تسلق جبال الهيمالايا.


ويمكن إدراك إمكانات الصين في التأثير على أمن الهند من خلال استحضار الاضطرابات القبلية التي وقعت في شمال شرق الهند بدعم من الصين خلال فترة زعامة ماو. في تلك الحقبة قامت الصين بتسليح وتدريب المتمردين، سواء ميليشيات ناجا Naga  أو ميزو Mizo، وقد تم ذلك جزئيا باستخدام الأراضي البورمية. وخلال الحرب العالمية الثانية، صنفت قوات الحلفاء والمحور بورما على أنها "بوابة الهند الخلفية". وإضافة إلى ما سبق تجمع الهند وبورما حدود مشتركة ومخترقة يبلغ طولهها 1378 كم, تتم عبرها عمليات للمتمردين الذين يتحركون على جانبي الحدود وينتمون لأصول هندية وبورمية على حد سواء.


وتراقب الهند على مشارفها الجنوبية تلك الحرب الأهلية السريلانكية، والتي تعد أطول حرب أهلية عرفتها القارة الآسيوية. وعلى الرغم من الانتصار الكبير للقوات الحكومية في عام 2009 ضد حركة نمور التاميل فإنه ليس من المتوقع أن يحل السلام الأهلي قريبًا. فالحكومة غير قادرة على إرساء السلام أو صياغة حل للتذمر التاميلي المزمن لأسباب ثقافية وسياسية.


ولعل ما حققه الجيش من تفوق في مواجهة قوات التاميل إنما يعود الفضل فيه إلى تدفق أنظمة الأسلحة الصينية، وبصفة خاصة مقاتلات جيان-7 والمدافع الرشاشة المحمولة جوا. وكانت الجائزة التي حصلت عليها الصين فوز مهندسيها بعقد تشييد ميناء هامبنتوتا Hambantota بكلفة مليار دولار في جنوب شرق سريلانكا.
وعلى الجبهة الشمالية للهند، تترامى نيبال التي يحكمها نظام متأثر بالنهج الماوي، فاتحًا الباب لزيادة النفوذ الصيني. على هذا المحور نفسه أصبحت الصين جارا للهند، لا بالجغرافيا وإنما بالبارود، وذلك بعد أن ابتلعت الصين إقليم التبت في 1950-1951.


لقد صارت الصين بعد احتلال التبت جارا للهند ونيبال وبوتان، وتمكنت عبر هذا الاحتلال من الحصول على بوابة ولوج إلى كل من باكستان وبورما. وتستمد العلاقة الاستراتيجية بين باكستان والصين أهميتها- والتي يعد ممر كاراكورام علامتها البارزة(18) – من اختفاء التبت كمنطقة عازلة. وقد خلقت هذه العلاقة الاستراتيجية خللاً غير مسبوق على المستوى الدولي، وذلك بعد أن نقلت الصين إلى باكستان تكنولولجيا نووية وصاروخية وما شابهها من تبادلات سرية.


ورغم ضم الصين للتبت، يظل هذا الإقليم محوريا للأمن الهندي. ومما يدل على مركزية القضية التبتية بالنسبة للهند استمرار مزاعم الصين بحقوق في ولاية أروناتشال براديش المرتبطة جغرافيا بإقليم التبت. كما يدل على ذلك أيضا ما تقوم به الصين من مشروعات لنقل المياه من أحواض الأنهار في هضبة التبت، تلك الهضبة التي تنبع منها روافد كافة الأنهار الآسيوية الكبرى باستثناء نهر الجانج.


وحين تعمل الصين على إقامة السدود على نهر براهامابوترا ونهر سوتليج، أو التهديد بتحويل مياه نهر براهمابوترا إلى حوض النهر الأصفر المتعطش للمياه، فإنها بهذا تحول المياه سلاحًا في وجه الهند. وإذا أخذنا في الاعتبار الارتباط المباشر بين النظام البيئي البالغ الحساسية في إقليم التبت ودرجة التوازن المناخي في معظم الأجزاء الأخرى من القارة الآسيوية سندرك حجم الاستنزاف الذي تقوم به الصين للموارد المعدنية الرئيسية في إقليم التبت والأنشطة الهندسية الواسعة التي تجريها في الإقليم، وفي مقدمتها استمرار مد خط السكك الحديدي والطرق المعبدة الواصلة إلى سفوح جبل إفرست. وعلى هذا فلن نندهش إذا عرفنا أن الهند تستضيف الحكومة التبتية في المنفى رغم أن نيودلهي تتعامل رسميا مع بكين!


اللافت للانتباه أن صعود الصين كلاعب دولي خلال فترة زمنية لم تتجاوز عمر جيل من الأجيال -وفي ظل حكومة استبدادية- إنما يرمز إلى إعادة ترتيب نوعي لمواقع القوى في آسيا، بل وفي العالم بأسره.


فمنذ أن صعدت اليابان إلى مصاف الدول العظمى خلال حكم الإمبراطور ميجي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، لا نجد دولة أخرى غير أوربية تحصل على هذه الصفة سوى الصين اليوم.
فعلى نحو ما يشير إليه أحدث تقرير لمجلس الاستخبارات الأمريكي، فإن الصين تتقدم بجسارة لتؤثر على الأوضاع الجيوسياسية العالمية، أكثر مما تفعل أية دولة أخرى في العالم. ومن المتوقع أن "تمارس الصين نفوذا أكبر على المستوى العالمي خلال العشرين سنة المقبلة، وبدرجة تفوق ما يمكن أن تحققه أية دولة أخرى(19)". ولعل أحد التحديات التي تواجه سياسة الهند الخارجية في ظل هذه الأوضاع هو أن تتمكن من إدارة العلاقة مع الصين الصاعدة ذات النظام الشمولي الذي لا يخفي طموحاته الدولية.


تنبع التحديات التي تمثلها الصين للهند من طبيعة النظام لا الشعب. ورغم كل شيء، علينا أن نتذكر أن الأسلحة لا تقتل البشر إلا حين تصدر الأوامر ممن في أيديهم السلطة بفتح النيران. ولعل الإعجاب الذي يحظى به النظام الصيني من قبل القوميين المتطرفيين يأتي من التأثر بالشعارات الداعية إلى تذويب الفوارق، وتحقيق التجانس، على نحو ما يشير إليه شعار الرئيس الصيني هو جين تاو الذي ينادي بـ "مجتمع متناغم" وهو شعار صمم لكسب تعاطف وانسجام الشعب مع حكومته.


من زاوية أخرى، لا تكف الصين عن شن حملة علنية لتشويه سمعة الدلاي لاما نتيجة عدم رضاها عن دعوته المتحمسة لاستقلال التبت.بل ومضت الصين أبعد من ذلك في إحكام قبضتها على التبت من خلال اشتراط حصول مراسم تناسخ اللاما على موافقتها مسبقا، كما جددت قمعها السياسي، وخلقت خللا ديموغرافيا لصالح قومية الهان من خلال دعم حملة "الهجرة نحو الغرب".


وعلى ضوء ما سبق تبدو مناطق الجوار المحيطة بالهند ملتهبة أكثر من أي وقت مضى. وحين نضع في الاعتبار اضطرابات تلك المناطق، لن نندهش إذا ما عرفنا أن التحديات الرئيسية للهند تكمن في موقعها الجغرافي.


وفيما وراء إقليمها الحالي، فإن لدى الهند أسهما كثيرة في العالم العربي وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وإقليم المحيط الهندي. ويمثل الإقليم الأخير أهم طريق لعبور الطاقة، وأهم ممر بحري تجاري، فضلا عن كونه بؤرة التحديات في القرن الحادي والعشرين، تلك التحديات التي تتفاوت من الإرهاب والتطرف إلى القرصنة وتأمين طرق المواصلات البحرية.


في هذا الإقليم ثمة دول بالغة الأهمية بالنسبة للهند نظرا لموقعها الجنوبي على مقربة من المعابر الاستراتيجية، مثل مضيق هرمز (بين إيران وعمان) ومضيق ملقا (بين سنغافورة وإندونيسيا وماليزيا) وباب المندب (بين جيبوتي وإريتريا واليمن) ورأس الرجاء الصالح ( في جنوب إفريقيا) ومضيق موزمبيق (بين موزمبيق ومدغشقر). ولا يزيد اتساع باب المندب مثلا، الذي يربط أوربا وإقليم المحيط الهندي، عن 12 كم, في أضيق قطاعاته.


وللهند علاقات وثيقة ومحورية بالدول العربية. وستزداد هذه الروابط عمقا على المستوى الاقتصادي والسياسي في السنوات المقبلة. ولعل اعتماد الهند الكبير على صادرات البترول والغاز من إقليم الخليج العربي ووجود عمالة هندية كبيرة في الدول العربية يجعل العلاقات الهندية العربية على جانب كبير من الأهمية.


نحو انحياز متعدد


تعد الهند بوجه عام دولة "متأرجحة" في النظام العالمي الجديد. وفي وسط نظام عالمي متقلب على المستوى السياسي والمالي، تملك الهند إمكانات لعب دور بنّاء يساعد في كبح المخاطر الجيوسياسية عبر تعزيز منهج التعاون الدولي. ويحتاج النظام العالمي إلى مناهج جديدة وأساليب مبتكرة ومد جسور لجبر مناطق التصدع والى التأسيس لتعاون دولي كبير يمهد لاتفاق حول القضايا المصيرية الكبرى.





أهم ما يميز دينامية آسيا وازدهارها هو تمتعها بثلاثية الاستقرار والسلام والردع العسكري المتبادل. وتحتاج آسيا إلى الإبقاء على هذه العناصر الثلاثة وتدعيمها من أجل المساعدة في تحقيق نهضة آسيوية مكتملة النضج
ولدى الهند إمكانات يمكن الاستفادة منها في لعب دور القنطرة بين الشرق والغرب. فالهند ليست فقط أكبر ديموقراطية في العالم، بل فوق هذا هي أكثر بلدان العالم تنوعا. فداخل حدود الهند يعيش سدس سكان العالم، وهو ما يجعلها على المستوى اللغوي أكثر تنوعا حتى من القارة الأوربية. ففي الهند تتزاوج التقاليد القديمة مع ثقافات ما بعد الحداثة، ويتجسد هذا في ذلك المشهد الذي تحمل فيه آلة إليكترونية للتصويت الانتخابي على ظهر فيل إلى مركز الاقتراع.

لعبت الهند عبر تاريخ طويل دورا رئيسيا ومسهما في العلاقات الدولية. وبتراثها الفلسفي والثقافي، الذي يؤكد على الوسطية والقناعة والإبداع، تنظر الهند إلى العالم لا كساحة لصدام الحضارات، بل كمسرح لمد جسور التعاون في مواجهة التحديات المشتركة. وقد نجحت الحضارة الهندية على مدى قرون في التوفيق والمواءمة، ولعل تلك القدرة على المواءمة هي إحدى أهم نقاط القوة التي تحتاج الهند إلى توظيفها على الساحة الدولية.


غير أن الهند ليست شغوفة بالنهج الأمريكي في تصدير الديموقراطية. فهي تنظر للديمقراطية من زاوية عملية ترى فيها الوسيلة الأكثر فاعلية للتوفيق بين ثقافات تتحدث لغات مختلفة في كنف دولة واحدة. وعلى نحو ما يلاحظ هنرى كيسنجر فإن الهند "ليست تواقة لنشر ثقافتها ولا مؤسساتها، وهو ما يجعلها شريكا غير ملائم (للولايات المتحدة) لنشر الرسالة الأيديولوجية العالمية(20).


ومع هذا ستستمر الهند فخورة بنفسها كنموذج للديموقراطية غير الغربية. ورغم أن مفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان ودور القانون ترتبط عادة بالغرب، إلا إنه لدى الهند من التقاليد ومن موروث القيم ما هو أسبق في تبجيل تلك المفاهيم. وعلى نحو ما يشير الاقتصادي الشهير أمارتيا سن Amartya Sen فإن "النموذج الديموقراطي الحقيقي نجده في الهند في عهد الإمبراطور أشوكا الذي حكم البلاد خلال القرن الثالث ق.م، ونشر فيها نقوشا على ألواح حجرية تحث على السلوك المستقيم وتقر الحكم الرشيد، وتؤكد على مبدأ الحرية للجميع، دون استبعاد للنساء والعبيد، على نحو ما فعله أرسطو(21).


وبحسب أمارتيا سن فإن "الإدعاء بأن الأفكار الأساسية المؤكدة على الحرية والتسامح جاءت من رحم الحضارة الغربية على مدار الألف سنة الماضية، وبأن هذه المفاهيم تبدو غريبة بدرجة أو بأخرى عن البيئة الآسيوية، إنما هو قول مرفوض جملة وتفصيلا".


ثمة قضية أخرى ترتبط بدور الهند في توازن القوى الإقليمية. فخلال الفترة التي شهدت دفئا في العلاقات الأمريكية الهندية، جرت محاولات كثيرة لاستخدام الهند لكبح جماح الصين. لكن لا يجب أن تبنى العلاقات الأمريكة-الهندية على الانتهازية الإستراتيجية، و الصحيح أن تقوم على تحقيق المصالح القومية المشتركة. وبديهي أن المصالح المشتركة تتجاوز مجرد الاتفاق على القيم الديموقراطية.
ومن غير المتوقع أن تسمح الهند بأن يجعل منها أحد رأس حربة في وجه قوة أخرى، خاصة مع سعي الهند في السنوات المقبلة للاندماج في منظومة الاقتصاد الغربي. ذلك الاندماج الذي سيمكن  الهند من المفاضلة بين خيارات متعددة، من بينها على سبيل المثال الانتقال من نهج عدم الانحياز الذي أرساه جواهر لال نهرو إلى نهج معاصر يقوم على النفعية المعولمة.


وأخذا في الاعتبار التوازنات الدولية وتغير مواقع القوى، يبدو مبدأ عدم الانحياز في صيغته الأصلية غريبا عن عالمنا المعاصر، وإن كان كثير من سكان الهند ما زالوا يؤمنون بإمكانية إتباع طريق مستقل في السياسة الخارجية.


لقد حافظت الهند طويلا على مبدأ الاستقلالية السياسية، ويبدو أنها ستحتفظ بخيار إقامة علاقات شراكة متنوعة مع لاعبين عدة، سعيا منها لتحقيق مصالح متنوعة وفي ظروف متفاوتة. وهذا يعني أن الهند بدلا من أن تبقى "غير منحازة" فإن الأنسب لها أن تصبح "متعددة الانحياز". لكن دون أن يمنعها ذلك من أن تميل نوعا ما نحو واشنطن محتفظة في ذات الوقت بالعنصر الأساسي في عدم انحيازها، متبعة في ذلك نهجا يسمى الاستقلال الذاتي الاستراتيجي.


وبعبارة أخرى، فمن المرجح أن تستمر الهند في رسم مسارها واتخاذ قراراتها المصيرية بنفسها. إذ من الأجدى لها أن تصبح ذات انحياز متعدد ساعٍ إلى التعاون مع محاور متنوعة وهادف إلى تحقيق منافع متبادلة مع اللاعبين الكبار، لأن ذلك أفضل للهند لبلوغ أهدافها ودعم مناهجها الساعية إلى التعاون الدولي في هذا العالم المتغير من حولنا.


وفي السياسية الآسيوية، فإن المصالح الهندية تتمثل في السعى إلى التنافس الاستراتيجي أمام اللاعبين الرئيسين، لكن دون الانزلاق إلى صراع أو صدام جيوسياسي. ولعل أجواء عدم الثقة المتعمقة في آسيا وتصاعد التطرف القومي إنما ينذران بخلق أوضاع ستضر حتما بمصالح كافة الأطراف. ويبدو التحدي المشترك للجميع هو التقليص من أجواء عدم الثقة المتبادلة وتعظيم فرص فتح طرق وممرات لتعاون مشترك  مثمر. ولن يتحقق ذلك من خلال غض الطرف عن القضايا الشائكة التي تواجه آسيا، بل بالسعي لتسويتها بطرق عملية.







لا يمكن للهند تجاهل الانشغال بالبحث عن حل لقضية التنافس الآسيوي على الطاقة والذي بدأ يلقي بظلال وخيمة على الأوضاع الجيوسياسية. واللافت للانتباه أن التحالفات الجديدة والمفاجئة بين بعض الشركاء في آسيا تتزعمها اليوم القوى الآسيوية الصاعدة وليس الولايات المتحدة والتي كانت تهيمن على سياسات القارة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وعلى ضوء ما سبق سيتأثر التعاون والأمن في آسيا بدرجة كبيرة بالتوازنات القائمة بين اللاعبين الكبار. وستؤدي الحاجة إلى تأمين مصادر مستقرة من الطاقة إلى دفع هؤلاء الكبار في آسيا إلى تكوين حلقة وصل بين سياسات الطاقة والسياسات الخارجية، وذلك مع إدراك هؤلاء اللاعبين لضرورة دعم استراتيجيات دبلوماسية تهدف إلى ضبط فرص استغلال الطاقة فيما وراء البحار.


ويجب ألا تؤدي المنافسة حول مصادر الطاقة إلى إشعال الخلافات بين الدول الآسيوية. ومن المؤكد أن الجهود الرامية إلى تحقيق أقصى المكاسب الربحية، والى بسط السيطرة على مصادر النفط والغاز وطرق نقلهما، ستزيد حتما من مخاطر التوترات والصراعات البينية.
وفي ظل الحاجة إلى مؤسسات آسيوية إقليمية قادرة على تسوية وإدارة النزاعات، سنجد أن الحاجة ماسة لتحقيق تعاون مشترك يساعد على تلطيف أجواء الصراعات الجيوسياسية حول مصادر الطاقة.


وتتمثل أهم التحديات التي تواجهها الهند والصين وغيرهما من الاقتصادات الآسيوية في كيفية تدبير احتياجاتها من الطاقة عبر سياسات أكثر فاعلية تضمن نقل واستهلاك الطاقة بشكل آمن، فضلا عن إتباع سياسات استيراد تحقق مصالح تعاونية مشتركة.


ولا مفر من تعاون مشترك من أجل ضمان أمن الممرات البحرية لتفادي وقوع صدام استراتيجي آسيوي. فعندما تتداخل مزاعم كل طرف بالسيطرة البحرية، لن يكون الحل في أن يمضي كل طرف إلى التنقيب والاستخراج دون الاتفاق مع الطرف الآخر. أما النزاعات على النطاقات القانونية لاستكشاف مصادر الطاقة في المياه المفتوحة فتحتاج لأن تسوى من خلال قانون تنظيمي متفق عليه.


وفي ظل تزايد الاعتماد المتبادل بين الدول الآسيوية، يصعب تحقيق مصالح الهند والصين واليابان وغيرها من  الدول إذا ما كانت هذه الدول متورطة في ممارسات تمس بالاستقرار الأمني، قد تصل بأي منها إلى لعبة المجموع الصفري، حيث الخسارة الشاملة.


ويمكن للدول الآسيوية الثلاث الكبرى (الهند والصين واليابان) أن تعطي نموذجا لبقية الدول الآسيوية من خلال إرساء علاقات سياسية مستقرة تركز على التعاون المتبادل المثمر. وبدون أن تبادر هذه القوى لذلك فربما لن تكون هناك فرصة لمعالجة التحديات التى تواجه القارة  الآسيوية على مستوى الأمن والتنمية. 


لقد كان أهم ما يميز دينامية آسيا وازدهارها هو تمتعها بثلاثية الاستقرار والسلام والردع العسكري المتبادل. وتحتاج آسيا إلى الإبقاء على هذه العناصر الثلاثة وتدعيمها من أجل المساعدة في تحقيق نهضة آسيوية مكتملة النضج.


وفي الختام يمكن القول إن التحديات التي تواجه العالم اليوم فريدة في نوعها، وتشمل قضايا جديدة، وعالمية التأثير، وتتفاوت بين الارتفاع في حرارة المناخ العالمي وتفشي الإرهاب الدولي.


وخلال قرون طويلة إمتدت حتى الحرب العالمية الثانية، تطلعت أنظار العالم إلى أوربا كمركز للصراع على توازن القوى، بل إن الحرب الباردة لم تكن حربا بين الشرق والغرب بل كانت تنافسا بين كتلتين أوربيتين. أما الآن فان عجلة التاريخ تدور في اتجاه آخر نجد فيه أنفسنا أمام مهمة بناء توازن بين قوى العالم تكون آسيا مركزه، علينا إذن أن نحضر أنفسنا لانتقال جديد في مراكز القوى تتربص به تحديات عابرة للقوميات.


___________________


براهما تشيللاني، أستاذ الدراسات الاستراتيجية بمعهد البحوث السياسية، نيودلهي. ترجم النص من الإنجليزية إلى العربية عاطف معتمد عبد الحميد.


المصادر:


(1) Gunnar Myrdal, Asian Drama: An Inquiry Into the Poverty of Nations (New York: Pantheon, 1968).


(2) Kishore Mahbubani, The New Asian Hemisphere: The Irresistible Shift of Global Power to the East (New York: PublicAffairs, 2008).


(3) Stanley A. Weiss, “India, the Incredible and the Vulnerable,” International Herald Tribune, April 23, 2008.


(4) 2008 World Policy Conference at: http://www.worldpolicyconference.com/ 


(5) Atlantic Council, Needed: A Comprehensive U.S. Policy Toward Pakistan, Report of Task Force co-chaired by former Senator Chuck Hagel of Nebraska and Senator John Kerry of Massachusetts (Washington, DC: The Atlantic Council, February 2009).


(6)  في عام 1893 تم ترسيم خط دوراند الحدودي بين الهند وأفغانستان الخاضعتين آنذاك للسيطرة البريطانية، وبقي هذا الخط لفترة طويلة محط مقت ورفض من أفغانستان باعتباره فرضًا استعماريًا قسريًا.


(7)  في ظهوره لأول مرة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في 27 يناير 2009، كوزير للدفاع في حكومة باراك أوباما، سعى روبرت جيتس إلى تقليص الأهداف في أفغانستان قائلا " لو وضعنا أنفسنا هدفا لخلق نوع ما من مذبح الأبطال في آسيا الوسطى فسنكون خاسرين لا محالة. ذلك لأنه ليس لدى أحد في العالم متسع من الوقت، أو قدر من الصبر أو المال، كي ينذر نفسه لهذا الهدف".


(8) على نحو ما يشير تقرير صحيفة نيويورك تايمز فإن "الاستراتيجية التي تتبعها إدارة أوباما والقائمة على بناء شراكة مع باكستان لدحر التمرد إنما تنادي بإعادة صياغة جذرية لمؤسسات تلك الدولة، بل وإعادة صياغة المزاج القومي الباكستاني، وهو طموح يبدو أنه لا السياسيين الباكستانيين ولا الشعب الباكستاني على استعداد لقبوله.. فتدعيم المؤسسات المدنية الباكستانية الضعيفة، وعصرنة الأحزاب السياسية الضاربة بجذورها في ولاءات إقطاعية، وإعادة صياغة جيش يرتكز اليوم على عدوه القديم، ورهين ارث من الصراعات البالية، إنما هي في الحقيقة تحديات ضخمة تستغرق تلبيتها بضعة عقود." أنظر للتفصيل:
 Jane Perlez, “Time is Short as U.S. Presses Pakistan,” New York Times, April 6, 2009.


(9) Leslie H. Gelb, “How to Leave Afghanistan,” New York Times, March 12, 2009.


(10) حدد الرئيس باراك أوباما هدفه في أفغانستان في "استراتيجية خروج". وعلى نحو ما ذهب المحلل دان توينج فإن هذا النهج " يطرب مسامع طالبان والقاعدة، ويمكّن في قلوبهم الإيمان بالصمود أمام القوات الدولية في أفغانستان. وقد نجح الترويج الدعائي لطالبان والقاعدة في نشر هذا الموقف في كل مكان، وهو ما كان ضروريا لدعم أنشطتهم في أفغانستان والأراضي الوعرة في منطقة القبائل الباكستانية. وفي ظل الإعلان عن استراتيجية خروج، لماذا تخاطر إذن الأغلبية المعتدلة من الأفغان والباكستانيين بحياتهم لمساندة القوات العسكرية المحلية ما دام ظاهرا للعيان أن طالبان والقاعدة ستنتصران على القوات الأفغانية وعلى الحكومتين المدنيتين الضعيفتين في كابل وإسلام آباد". أنظر في ذلك:
Dan Twining, “Questions that Obama's Af-Pak strategy doesn't answer,” Foreign Policy, March 30, 2009. Available at: : http://shadow.foreignpolicy.com/blog/3313


(11) White House, White Paper of the Interagency Policy Group's Report on U.S. Policy Toward Afghanistan and Pakistan, released March 26, 2009.


(12) Dennis C. Blair, Director of National Intelligence, Annual Threat Assessment of the Intelligence Community for the Senate Select Committee on Intelligence, submitted to the Senate Select Committee on Intelligence, February 12, 2009.


(13) على نحو ما ذهب أحد المحللين فإن "ثمة قناعة متزايدة بأن القيادة المنهكة لهذا التنظيم الهلامي، وإن لم تسقط بعد رغم ما تعانيه من مطاردة وتعقب دائمين،  بوسعها شن هجوم فعال ومميت في عقر دار الولايات المتحدة وتدبير عمليات بارزة الأثر ضد قوات النيتو في أفغانستان فضلا عن تهديد مستقبل باكستان. أما القول بأن القاعدة تعمل بتلك الفعالية التدميرية من خلال الانطلاق من مواقع جبلية نائية ومنعزلة، أو حتى القول بأنها تفتقر لشبكة معقولة من الاتصالات خشية رصدها والإيقاع بها، فكلها أطروحات تنافي المنطق السليم". أنظر في ذلك:
Kanwal Sibal, “Obama is Frittering Away India’s Goodwill,” Mail Today, April 7, 2009.


(14) بدأت القاعدة كشبكة مفككة لوجستيًا في النصف الثاني من ثمانينيات القرن العشرين تضم المجاهدين الذين تصدوا لمحاربة القوات السوفيتية في أفغانستان، ثم تشتت أعضاؤها عقب الانسحاب السوفيتي عام 1989. وعلى نحو ما تشير دائرة المعارف البريطانية فإن القاعدة "ضمت أعضاء نشطيين ومتعاطفين من عشرات الدول (كان أغلبهم من المقاتلين السابقين في أفغانستان) واتخذت في النهاية من أفغانستان مقرا لها ( حوالي عام 1996) وذلك تحت رعاية من حركة طالبان".  أنظر في ذلك:
Encyclopedia Britannica, “Al Qaeda: Islamic Militant Organization.” Available at:
http://www.britannica.com/EBchecked/topic/734613/al-Qaeda


(15) Emily Wax, “Food Costs Push Bangladesh to Brink of Unrest,” Washington Post, May 24, 2008.


(16) Brahma Chellaney, Asian Juggernaut: The Rise of China, India and Japan (New Delhi: HarperCollins, 2007), p. 117.


(17) Stanley A. Weiss, “Myanmar: Whom Do Sanctions Hurt?” International Herald Tribune, February 20, 2009.


(18) توصلت الصين إلى إتفاق مع باكستان تقوم بموجبه بتوسعة طريق كاراكورام السريع وتجدده ليصبح طريقا مفتوحا في كافة الأجواء المناخية.


(19) National Intelligence Council, Global Trends 2025


(20) Henry A. Kissinger, “Anatomy of a Partnership,” Tribune Media Services, March 10, 2006.


(21) Amartya Sen, “East and West: The Reach of Reason,” The New York Review of Books, July 20, 2000.


عودة إلى الصفحة الرئيسية للملف