إبراهيم أوزتورك
مر الاقتصاد التركي بعملية تحول كبيرة طيلة السبع سنوات الواقعة في الفترة ما بين الأزمة الاقتصادية الداخلية سنة 2001 والأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008.
مؤشرات اقتصادية
الإصلاحات التي أعقبت أزمة 2001
النمو الاقتصادي ومصادره الأساسية
وقد انعكس هذا التحول على النحو التالي:
- قفز الناتج القومي الإجمالي بين عامي 2002- 2008 من 300 مليار دولار إلى 750 مليار دولار، بمعدل نمو بلغ 6.8 %.
- قفز معدل الدخل الفردي للمواطن في نفس السنة من حوالي 3300 دولار إلى حوالي 10.000 دولار.
- تحققت مستويات ملحوظة من توزيع العائدات.
- تجاوزت الدولة إلى حد كبير المشكلات المتعلقة بالاختلالات الناتجة عن الاقتصاديات الأساسية الكبيرة مثل العجز والتضخم.
- تحسنت أجواء الاستثمار، حيث دخلت تركيا بين أكثر الدول جذبا للاستثمار الخارجي.
- أصبحت تركيا في المرتبة السادسة عشرة في ترتيب أكبر الاقتصاديات على المستوى العالمي، والسادسة على المستوى الأوروبي، وبذلك تضيقت الفجوة ولأول مرة بهذه النسبة بين معدلات التنمية التركية ومعدلات التنمية الأوروبية.
أصبحت تركيا في المرتبة السادسة عشرة ضمن ترتيب أكبر الاقتصاديات على المستوى العالمي، والسادسة على المستوى الأوروبي، وبذلك ضاقت الفجوة ولأول مرة بهذه النسبة بين معدلات التنمية التركية ومعدلات التنمية الأوروبية |
- زيادة القوة الشرائية للأتراك بشكل سريع.
- أثبتت المنتجات التركية قدرتها على أن تنافس دولا كبيرة مثل مصر وروسيا وإيران من خلال جغرافيتها التي تتوسط القارات الثلاثة أوروبا وآسيا وأفريقيا، ومن خلال قوتها الاقتصادية التي تتعمق وتنفتح على العالم.
- زيادة صادرات الدولة من 30 مليار إلى 130 مليار دولار خلال خمس سنوات، وتنوع أسواق صادراتها، حيث تعتمد الصادرات التركية بشكل خاص، على المنتجات الصناعية، وتباع نصف الصادرات التركية إلى أسواق الدول الأوروبية الأكثر تطورا، ويباع النصف الآخر إلى أكثر من 180 دولة من دول العالم الأخرى.
ومن المظاهر الاقتصادية الأخرى التي جاءت متوازية مع التغيرات التي طرأت على الاقتصاد التركي دخول قطاعات اقتصادية جديدة وتطورها حتى وصلت في مدة قصيرة إلى قطاعات مستقرة.
وقد سعت هذه الدراسة -التي نعرض مختصرا لها هنا- إلى تحليل التحولات التي طرأت على الاقتصاد التركي وتحليل عملية تكوين الفرص الاقتصادية ومن ثم النتائج المرجوة عنها.
الإصلاحات التي أعقبت أزمة 2001
لقد بدأت تركيا بسلسلة من الإصلاحات في اتجاه اقتصاد السوق سنة 1999 برعاية من صندوق النقد الدولي، والتي ترافقت بشكل متوازي مع وجود مشاكل اقتصادية أدت إلى إضعاف الاقتصاد التركي، وبالرغم من وجود بعض الإشارات التي دلت على أن الأمور تسير على ما يرام في مطلع سنة 2000، إلا أن هذه السلسلة من الإصلاحات قد انتهت بأزمة عميقة سنة 2001، وكان من مظاهرها:
- انخفاض معدل النمو
- زيادة معدلات التضخم
- ارتفاع العجز في خزينة الدولة إلى درجة لا يمكن التحكم بها
- ارتفاع سعر الفائدة
- عدم استطاعة القطاعات الاقتصادية في الدولة تحمل هذه التغيرات وتردي أوضاعها
وبعد مجيء حزب العدالة والتنمية تم تغيير قسم كبير من الافتراضات والمبادئ الأساسية التي اعتمد عليها برنامج صندوق النقد الدولي، ومنها الاعتماد على نظام الصرف الثابت عوضا عن نظام الصرف المرن، وتم التزود باحتياطي خارجي بلغ ما يقارب 25 مليار دولار من أجل ضمان نجاح البرنامج، ومن هنا بدأت موجه كبيرة من الإصلاح تجتاح القطاعات المالية والإدارية.
النمو الاقتصادي ومصادره الأساسية
يمكن القول من الناحية التقنية أن الدولة إذا استطاعت أن تحقق معدلات نمو طيلة فترة خمس سنوات مستمرة فهذا يعني أنها قد أسست لبرنامج نمو مستمر، ولقد استطاعت تركيا الخروج من تلك الأزمة بسرعة عن طريق الإصلاحات التي اتبعتها والتي تمثلت بالدعم الخارجي والتعامل مع الأسواق الخارجية، ولهذا فقد حققت نموا ملحوظا.
زادت صادرات تركيا من 30 مليار إلى 130 مليار دولار خلال خمسة أعوام، وتباع نصف الصادرات إلى أسواق الدول الأوروبية الأكثر تطورا، ويباع النصف الآخر إلى أكثر من 180 دولة من دول العالم الأخرى |
- استمرت معدلات النمو بالصعود طيلة الفترة الواقعة بين 2002-2008، وباستثناء سنة الأزمة العالمية 2008 فقد كان معدل النمو طيلة الفترة الواقعة بين 2002-2006 يقدر ب: 6.9%.
- قفز الناتج المحلي الإجمالي من 350 مليار سنة 2002 إلى 750 مليار سنة 2008.
- قفز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 3300 دولار سنة 2002 إلى 10000 دولار سنة 2008.
- ارتفع حجم الصادرات من 33 مليار إلى 130 مليار في نهاية سنة 2008
ويجدر بالذكر أن سنة 2003 على وجه الخصوص والفترة التي تلتها قد شهدت استقرارا سياسيا ودعما خارجيا كبيرا خصوصا من خلال الإصلاحات التي كان لابد منها لاستكمال التأهيل لعضوية الاتحاد الأوروبي.
الاستثمار
لقد اعتمدت زيادة معدلات النمو في تركيا بعد عام 2002 على استثمارات القطاع الخاص، وتراجعت المراقبة الحكومية للقطاع الخاص بشكل سريع في المواضيع المتعلقة بمصادر رؤوس الأموال والإنتاج والبيع، ومن نتائج ذلك:
- ارتفاع حجم الاستثمار بحوالي أربعة أضعاف ونصف.
- ارتفاع حجم الإنتاج ضعفين.
- ارتفاع معدل استخدام رؤوس الأموال من 75% إلى 80%.
- ارتفاع معدلات استثمار القطاع الخاص في الفترة الواقعة بين 2001-2008 ما نسبته 300%، أما استثمارات القطاع الحكومي فقد بلغت 100%.
- ارتفاع نسب الاستهلاك في نفس الفترة بنسبة وصلت 39% في القطاع الخاص و22% في القطاع الحكومي.
وقد بلغ مجموع قيمة الاستثمارات من الناتج المحلي الإجمالي ما نسبته حوالي 25% محققة أعلى مرتبة على مستوى أوروبا.
الإنتاجية
ارتفع الاستثمار الخارجي في تركيا بحوالي أربعة أضعاف ونصف، وارتفع الإنتاج ضعفين، كما ارتفعت معدلات استثمار القطاع الخاص في الفترة بين 2001-2008 ما نسبته 300%، أما استثمارات القطاع الحكومي فقد بلغت 100% |
ورغم التحسن النسبي الذي عاشه قطاع الزراعة منذ عام 2003، إلا أنه تعرض لتراجع شديد ولأول مرة بعد الجفاف العالمي سنة 2007، أما عام 2008 فقد شهد نموا ملحوظا للقطاع الزراعي وقطاع البنوك بشكل متوازي، ويتوقع أن يحقق القطاع الزراعي بنهاية سنة 2009 نموا كبيرا.
تطورات قطاع الأموال الحكومية
من الأمور التي سجلت في الآونة الأخيرة عدم زيادة عجز القطاع الحكومي مع معدلات النمو المرتفعة كما كان يحث من قبل، بل إن ما حصل هو العكس فرغم معدلات النمو المرتفعة التي شهدتها تركيا مؤخرا فإن انخفاضا في عجز الموازنة والمديونية العامة قد تحقق.
استقرار الأسعار
يعتبر التضخم وما يحمله من عدم استقرار في الأسعار من أهم العراقيل التي تواجهها اقتصاديات الدول، وكما هو معروف فإن هناك ثلاثة مهمات أساسية للأوراق النقدية في أي دولة، فهي:
- وسيلة مبادلة للفعاليات الاقتصادية
- وسيلة للادخار
- وحدة قياس
وتتعرض الدولة لنوع من التضخم المزمن الذي يمتد لفترة طويلة وبمستويات عالية إذا تعرضت هذه العوامل للضعف.
وبالنسبة إلى تركيا فبعد أن وصلت نسبة التضخم فيها سنة 2001 إلى 70% انخفضت في نهاية سنة 2007 إلى 8.4% ، ثم عادت وارتفعت قليلا حتى وصلت سنة 2008 بسبب زيادة الأسعار العالمية لتصل إلى 10%.
وبسبب انخفاض الأسعار وانخفاض الطلب في بداية عام 2009 انخفضت نسبة التضخم للأسعار الاستهلاكية في نهاية شهر مارس/ آذار إلى 7.8%. والسبب في ذلك يعود إلى أن نسبة الأوراق النقدية الأجنبية من مجموع نسبة ادخارات البنوك في تركيا سنة 2001 كانت 75%، والقسم الباقي والذي كان يشكل 25% كان يمثل النقود المحلية.
وقد انعكس الأداء الجيد للاقتصاد التركي إلى انخفاض معدلات الفائدة والتضخم بشكل سريع، كما حقق انخفاضا في عجز الموازنة وزيادة الإنتاجية وزيادة التجارة الخارجية.
وقد قامت الحكومة بإصدار قوانين مختلفة من أجل تنشيط حركة الثروات والأموال في نهاية سنة 2008 وحقق ذلك دعما ماليا يقدر بـ 15 مليار دولار انعكس بشكل إيجابي على أسعار الفائدة.
كما عملت الحكومة بشكل فاعل على تطوير أدواتها الاقتصادية غير الربوية (أو الإسلامية التي تعمل خارج نظام الفائدة) من أجل الاستفادة من مصادر أموال المؤسسات التي تعمل وفق هذا النظام.
النمو والعجز الخارجي
خلال نمو الاقتصاد التركي تحققت تطورات هامة فيما يخص التجارة الخارجية، فقد ارتفعت الصادرات من 28 مليار سنة 2000 إلى 131 مليار سنة 2008 وارتفعت الواردات في نفس الفترة من 55 مليار إلى 202 مليار.
وبشكل متوازي مع الإصلاحات التي عقبت الأزمة الاقتصادية تم تغطية جزء كبير من عجز الموازنة العامة للدولة، لكن عجز القطاع الخاص استمر لأسباب تنظيمية، ومن أجل حل هذه المشكلة لا بد من إحداث تحول صناعي فاعل، وتعميق دور الإصلاحات التي تزيد من حجم الادخار.
ويتوجب على تركيا كذلك أن تركز على قطاعات اقتصادية محددة تحقق فيها مستويات عالمية وتكون مركز جذب مثل قطاعات السيارات، والكهرباء، والماكنات والأدوات، والأنسجة، والأثاث، والطاقة، وهذا هو التميز المنشود من تركيا في القرن الحادي والعشرين.
_______________
أستاذ مشارك في قسم الاقتصاد بجامعة مرمرة إسطنبول.النص ملخص لدراسة موسعة يمكن الاطلاع عليها بالضغط هنا.