تركيا وإيران..البعد عن حافة الصدام

تركيا وإيران
25 November 2009






حقي أوغور


دخلت العلاقات التركية الإيرانية مرحلة جديدة مع إعلان قيام الجمهورية في تركيا عام 1923، فقد كان للشعار الذي رفعته تركيا آنذاك "السلم في الوطن والسلم في العالم" وقع طيب على إيران التي لم تكن تشعر بالراحة للسياسات "الإسلامية والطورانية" التي شهدتها الدولة العثمانية في آخر أيامها.


وبفضل هذه التطورات شعرت طهران أنها قد تخلصت -وإلى حد كبير- من الخطر التركي الذي كان يتهددها تاريخيا من جهة الغرب.


ما بعد الثورة 
في عهد العدالة والتنمية 
هواجس وظنون


معروف أن إيران قد استفادت من الإصلاحات التحديثية التي بدأت تركيا في تطبيقها والتي جذبت انتباه الشاه رضا پهلوي وزادته جرأةً على القيام بإصلاحات مماثلة في بلده. ورغم المشاكل الحدودية العالقة بين البلدين في تلك الفترة والتي لم تحلّ بسهولة إلاّ أنهما قد أبديا رغبة في تطوير العلاقات بينهما.


ما بعد الثورة


ومع الثورة الإسلامية عام 1979 بزعامة آية الله الخميني انقطعت فجأة تلك العلاقات ذات البعد الأمني، وحُلّت منظمة الميثاق المركزي بعد انسحاب إيران وباكستان منها.





تدعيم العلاقات الاقتصادية لا سيما في مجال النفط والغاز، والتنسيق الأمني والعسكري خاصة تجاه حزب العمال الكردستاني، والاعتدال في المواقف السياسية المتعلقة بالملف النووي، مثلت مجتمعة أرضية لعلاقات بين تركيا وإيران يمكن أن تتطور إلى آفاق أرحب
وعند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية وضعت العلاقات التركية الإيرانية على السكة من جديد خاصة مع تشكيل طورغوت أوزال لحكومته في تركيا بعد ذلك. ففي تلك الفترة لم تشارك تركيا في الدعاية المضادة لإيران، بل إنها عملت على استغلال الفرص التي صنعتها الحرب لإيجاد أسواق لاقتصادها المتنامي.

وقد اتبعت إيران سياسة مماثلة حيث كانت تتفادى أي خطاب أو تصرف يحول تركيا إلى خصم باستثناء بعض تصريحات الخميني عن أتاتورك وخصوصاً في الفترة التي كانت فيها إيران تعاني من حصار مفروض من طرف الدول الغربية والعربية.


وقد بدأ -ولو في الظاهر- تحسن العلاقات التركية الإيرانية بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 وظهور نية الولايات المتحدة الأميركية للتدخل في العراق.


فتركيا تعتبر أن أكبر تهديد أمني بالنسبة إليها هو إنشاء دولة كردية محتملة في شمال العراق، وفي هذا السياق أبدت انزعاجها من التحالف الوثيق الذي أظهرته الولايات المتحدة الأميركية إزاء أكراد العراق وهو ما دفعها إلى توثيق تحالفها مع إيران.


وفي هذه الفترة زاد حزب العمال الكردستاني من نشاطاته وبدأ يشن الهجمات على مراكز الشرطة على الحدود مع إيران الأمر الذي زاد من التقريب أكثر بين تركيا وإيران، ولأول مرة في تاريخ البلدين تتم عمليات عسكرية مشتركة بينهما.   


في عهد العدالة والتنمية 


وقد اعتبرت إيران فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 وتشكيله الحكومة منفردا تطورًا إيجابيا.


وعقب هذا الفوز وزعت الحلوى في الشوارع الإيرانية احتفاء بذلك، وظهرت في قنوات التلفزيون الإيرانية تعليقات فيها كثير من المبالغة  تقول بأن الشعب التركي أدار ظهره للأحزاب العلمانية وتوجه نحو الأحزاب الإسلامية.


وبالمقابل فإن أعضاء الحكومة بصورة خاصة، ومراعاة للوضع التركي الداخلي الحساس ومعرفة منهم بالتوازنات الداخلية، وتجنبا لإثارة ردود أفعال القوى المتنفذة داخل البلاد، وكذلك استنتاجا للدّرس مما حدث للنائبة المحجبة مروة قواقجي فإنهم لم يعبّروا عن سعادتهم بطريقة مُفرطة ومبالغ فيها.


ورغم التنافس التاريخي الذي ميز هاتين الدولتين فإنه عمليا يمكن القول بأن السياسة التركية إزاء إيران قد اعتمدت على ركائز ثلاث:



  1. تأمين الطاقة
  2. التنسيق في المسائل الأمنية المتعلقة بالمشكلة الكردية
  3. اعتبار إيران بالنسبة إلى تركيا ممرا إلى وسط آسيا وجنوبها

وفي وقت من الأوقات ثارت مزاعم في الإعلام التركي تذهب إلى أن إيران تدعم عمليات "تشيع" داخل تركيا، غير أن الخصوصية الثقافية لتركيا جعلت التأثير الإيراني لا يمسّ سوى قسمًا ضيّقا من الشريحة الإسلامية في البلاد.


ومن الناحية الأمنية فإن ثمة تقارب كبير فيما يتعلق بوجهات النظر خلال السنوات الأخيرة بين تركيا وإيران حول وحدة التراب العراقي والموقف من حزب العمال الكردستاني.


وبالموازاة مع تحسن العلاقات السياسية بين البلدين في هذه المرحلة شهدت حركة تصدير السلع والبضائع من تركيا إلى إيران زيادة مطّردة.





الحكومات في طهران ومنذ قيام الثورة انتهجت سياسة خارجية تفضل عدم إفساد العلاقات مع تركيا، متجاوزة موقفها الإيديولوجي واضعة في اعتبارها أن الجسر الوحيد المستقر الذي يربطها مع الغرب هو تركيا
وبالنسبة لإيران فإن الحكومات في طهران ومنذ قيام الثورة انتهجت سياسة خارجية تفضل عدم إفساد العلاقات مع تركيا، متجاوزة موقفها الإيديولوجي، واضعة في اعتبارها أن الجسر الوحيد المستقر الذي يربطها مع الغرب هو تركيا.

فالمشاكل الحدودية أو المشاكل المتعلقة بالثورة وما قيل عن تصديرها والتي عاشتها إيران مع جيرانها لم تؤثر في علاقتها بتركيا، وكل عام تفد إلى تركيا أعداد كبيرة من السياح لزيارة تركيا، وفي الوقت نفسه هناك الآلاف من الطلاب الإيرانيين يدرسون في الجامعات التركية، ولم يصدر أيّ تصريح تركي ينتقد سلوك هؤلاء الطلاب.
 
وقد تحسنت العلاقات الإيرانية التركية أكثر بسبب السياسات التي كانت تتبعها الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، خاصة بعد أن مارست تلك الإدارة ضغوطا شديدة على حكومة حزب العدالة والتنمية بمجرد وصول بوش الابن إلى السلطة من أجل السماح للوحدات العسكرية الأميركية بالمرور إلى العراق.


ولم تتحمس الحكومة في أنقره ولا الجيش لهذا الموضوع، كما رفض البرلمان التركي المذكّرة التي قدمت في هذا الصدد بفارق ضئيل من الأصوات، وقد قوبلت هذه الخطوة بتقدير كبير في إيران رغم ما كانت تضمره من عدم ارتياح بسبب علاقات تركيا بإسرائيل وعضويتها في حلف الناتو.


وكذلك قوبل رد الفعل الإيراني الغاضب من إسرائيل عقب اغتيال مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين برضا كامل في إيران. وقد بدا هذا الارتياح واضحا سواء من خلال اللهجة التي تكلم بها المسؤولون الإيرانيون أو من خلال التعليقات والتحليلات في وسائل الإعلام المقروءة والمرئية.


وقد ترسخت سمعة تركيا الإيجابية في المنطقة بفضل الجهود الكثيفة التي بذلتها الحكومة التركية لوقف إطلاق النار أثناء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان صيف عام 2006.   


ثم جاءت المشادّة الكلامية بين رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في منتدى دافوس 2009 لتزيد من موجة الإعجاب بتركيا في إيران.


وبينما كانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين لا تتوقف مدحا وإشادة بهذا الموقف كان الطلاب الإيرانيون يمطرون السفارة التركية في طهران بالورود والأزهار، بل إن هناك من اقترح إطلاق اسم رئيس الوزراء التركي أردوغان على أحد الشوارع في طهران.


هواجس وظنون 


لكن بالرغم من هذه التطورات في النظرة الإيرانية وفي الوعي الإيراني إزاء تركيا في السنوات الأخيرة إلا أنّه لا يمكن القول إن السياسة الخارجية التركية تتماهى تماما مع المصالح الإيرانية وتتطابق معها.


فالواقع أن إيران تتابع بقلق شديد الوساطات التي تقوم بها تركيا بين إسرائيل وسوريا، ولذلك فإن المسؤولين السوريين اضطروا لتنظيم عدة زيارات إلى طهران بهدف إزالة المخاوف التي تساور إيران.


فإيران متخوّفة من نية تركيا إقصاءها عن إقراء بعض الخيارات الإستراتيجية بالمنطقة. وكمثال على ذلك -وعلى إثر الأزمة الجورجية- طرحت تركيا مشروع منتدى التعاون القوقازي، وهذه الخطوة أزعجت إيران التي لا تخفي علاقاتها بالمنطقة. وفي رده على الاقتراح التركي صرح وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي بأن أي كيان إقليمي لا تشارك فيه إيران لن يكون بمقدوره تأمين الاستقرار، كما قام متكي بزيارات مكوكية إلى دول المنطقة لاستطلاع الأمر.


ومن بين المسائل الحساسة في العلاقات الإيرانية التركية مشكلة الملف النووي الإيراني، وقد كان لافتا أن تركيا تعاملت مع هاتين المسألتين بهدوء واتزان.


فقد دأبت الحكومة التركية باستمرار على القول بأنه من حق كل دولة امتلاك الطاقة النووية واستخدامها في الأهداف السلمية، وقد برز موقفها هذا بصورة واضحة في السنوات الأخيرة. وفي كلمة لرئيس الحكومة نفسِه رجب طيب أردوغان ألقاها في الولايات المتحدة الأمريكية وجه كلامه إلى الدّول الغربية قائلا: "إنه ليس من العدل أن تمتلكوا أنتم مئات الأسلحة النووية بينما تقولون لإيران لا تفعلي ذلك".


هذا الموقف التركي من الملف النووي الإيراني قد يمكن أنقره من لعب دور الوسيط النزيه بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية مستقبلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.


ومن جانب آخر فإن تركيا نأت بنفسها –على الأقل بشكل علنـي- عن الاتهامات الموجهة إلى إيران والمتعلقة بنفوذها المتزايد في العراق ورغبتها في تكوين هلال شيعي.

هذه المواقف التي تتألف من مزيج من تدعيم العلاقات الاقتصادية لا سيما في مجال النفط والغاز، وتنسيق أمني وعسكري خاصة تجاه حزب العمال الكردستاني، واعتدال في المواقف السياسية  المتعلقة بالملف النووي، مثلت مجتمعة أرضية لعلاقات ثنائية يمكن لها أن تتطور إلى آفاق أرحب.
_______________
كاتب وباحث تركي. النص ملخص لدراسة موسعة يمكن الاطلاع عليها بالضغط هنا.

عودة للصفحة الرئيسية للملف