البرازيل.. ملامح دولة تصنع المستقبل

هل السر في قوة البرازيل تفرد الموقع، وضخامة المساحة، وعِظم امتداد الواجهات البحرية، والبعد عن بؤر التوتر والصراع؟ وهل لدروس التاريخ، وعمق التجربة، وحراك الزمن الفضل في ثبات المسير وثقة الخطوات؟ أهي الثروات الطبيعية أم أنه الخيار الديمقراطي؟
20 June 2010







عاطف معتمد عبد الحميد

في مطلع القرن الحادي والعشرين لخص الروائي البرازيلي "أفونسو دي سانتا أنا" التجربة البرازيلية بقوله: "إنني في هذه الأرض أغادر القرن العشرين إلى عتبات قرن جديد رغم أني ما زلت أتنفس هواء القرن التاسع عشر". حظيت مقولة "دي سانتا أنا" باستشهاد كثير من المفكرين وهم يتابعون الخطوات التي تقطعها البرازيل إلى مصاف القوى الصاعدة وقد تزاحمت أمامهم الأسئلة: هل السر في تفرد الموقع، وضخامة المساحة، وعِظم امتداد الواجهات البحرية، والبعد عن بؤر التوتر والصراع؟ وهل لدروس التاريخ، وعمق التجربة، وحراك الزمن الفضل في ثبات المسير وثقة الخطوات؟ أهي الثروات الطبيعية وخيرات ما خبأت الأراضي البكر أم أنه الخيار الديموقراطي والنضج الدبلوماسي والتقدم العسكري؟ السطور التالية تقدم مدخلا تعريفيا يكشف عن بعض إجابات تلك الأسئلة.


أرض المستقبل 
لمحات من التاريخ
الموارد الاقتصادية 
المزيج السكاني
القدرات العسكرية 
نظام الحكم الإدارة




أرض المستقبل


من المقولات الشعبية التي يتناقلها البرازيليون عبر العصور أن بلادهم تمثل "أرض المستقبل"؛ فهذه الدولة الشابة التي تمثل إحدى أهم محطات الاستقرار في "العالم الجديد" تشغل نصف القارة الأميركية الجنوبية بمساحة تبلغ نحو 8.5 مليون كم2؛ ومن ثَمَّ فلا عجب أن أهَّلها هذا الموقع لاحتلال مرتبة خامس أكبر دول العالم مساحة.





تحتل البرازيل  مرتبة مهمة بصفتها "رئة العالم". فغابات الأمازون وأحواض الأنهار في تلك الدولة تمثل "أكبر مستودع للتنوع الحيوي" في العالم. إن الأنظمة البيئية البرازيلية ترسم توازنات المناخ العالمي وتقلباته
من جهة الشرق ترنو البرازيل إلى العالم القديم بواجهة بحرية واسعة على المحيط الأطلسي بساحل يبلغ طوله نحو  7500 كم. وأمام هذا الساحل تترامى مجموعات جزرية تتبع التراب البرازيلي أشهرها فيرناندو دي نورونا وسانت بيتر. وإذا أردنا اختزال سمات الساحل البرازيلي فبوسعنا تسميته "ساحل الألوان الثلاثة"؛ فالشواطئ بيضاء ناصعة كوَّنها تاريخ طويل من عوامل النحت والإرساب البحري. ولأن هذه الشواطئ تتلقى كميات وفيرة من الأمطار فإن الغطاء الشجري يرصِّع الواجهات البحرية الأطلسية. أما زرقة المياه فتصنع الثلاثية اللونية التي ضمنت لسواحل البرازيل مرتبة متقدمة بين أهم المقاصد السياحية.

لدى البرازيليين خبرة بكافة شعوب أميركا الجنوبية، فإذا ما استثنينا الإكوادور وشيلي فإن كافة دول أميركا الجنوبية لها حدود مشتركة مع "جمهورية البرازيل الاتحادية"؛ إذ يحدها من الشمال كل من فنزويلا وسورينام غويانا الفرنسية، ذلك الإقليم الخاضع لسيادة فرنسا عبر البحار. أما كولومبيا فتحد البرازيل من الشمال الغربي، وتجاورها بوليفيا وبيرو من الجنوب الغربي، والأرجنتين وباراغواي وأوروغواي من الجنوب. (انظر الخريطة).

تتمع البرازيل بتنوع طبوغرافي يشمل التلال والجبال والسهول والمرتفعات. ويقع معظم تضاريس البلاد بين منسوبي 200 و 800 متر، ويبلغ أعلى قممها الجبلية (قمة بيكو دا نيبلينا) نحو 3000 متر، وتقع في المنطقة الحدودية مع فنزويلا في الشمال الغربي.


ويمكن تقسيم البرازيل من الناحية الطبوغرافية إلى أربعة أقسام:



  1. السهل الساحلي المطل على المحيط الأطلنطي.
  2. الهضبة البرازيلية الوسطى التي يبلغ متوسط منسوبها 500 متر.
  3. حوض نهر الأمازون في الشمال الغربي ويضم نحو 1000 رافد (أهمها نغرو وزينغو)، ويجري في حوضه خُمس المياه العذبة في العالم، وهو ثاني أطول أنهار العالم بعد النيل، وعلى ضفاف هذا الحوض تمتد غابات الأمازون التي تضم 30 % من إجمالي مساحة الغابات في العالم.
  4. حوض بارانا-باراغواي، وهي منطقة من الأراضي الرطبة الواسعة في جنوب البلاد (وتمتد لتصل أيضا إلى داخل باراغواي والأرجنتين).

البقاع الجنوبية الشرقية من البرازيل هي الأكثر تضرسًا ووعورة؛ إذ تتناوب السلاسل الجبلية والتلالية السيطرة على معالم سطح الأرض بمناسيب تزيد عن 1200 متر. وأهم هذه السلاسل جبال مانتيكويرا، وإسبينهاتشو، وسييرا دو مار. وعلى الحدود مع فنزويلا في الشمال تشكل مرتفعات غويانا منطقة تقسيم مياه بين روافد الأنهار المتجهة جنوبا لتصب في حوض نهر الأمازون، والروافد النهرية المتجهة شمالا لتصب في حوض نهر أورينوكو الذي يجري في أراضي فنزويلا.


ورغم مرور أكثر من 500 سنة على الكشوف الجغرافية الأوربية في البرازيل إلا أنه ما تزال هناك مناطق في عمق غابات الأمازون لم يكتمل اكتشافها بعد، ومن غير المدهش أنه من فترة لأخرى يتم الإعلان عن العثور على قبيلة من الهنود الأصليين في غابات الأمازون التي ما تزال تمثل نحو 40 % من مساحة الأرض البرازيلية.


تُعرف البرازيل أيضا بأنها "أرض المياه"، فنهر الأمازون هو أهم معلم طبيعي بلا منازع ليس فقط في البرازيل بل في نصف الكرة الغربي على الإطلاق؛ فهذا الحوض النهري العظيم يعد أحد أطول وأغنى الأنظمة النهرية وأكثرها كثافة وحملا للمياه. تضم البرازيل إلى جانب الأمازون عددا أصغر من الأنظمة النهرية الأخرى في مقدمتها ساو فرانسيسكو وبارنيبا (في شرق البلاد)، ونهر إغوازو (بشلالاته الشهيرة) ويجري جنوبا عند الحدود مع الأرجنتين.


لا تضم "أرض المياه" الأنهار والروافد فحسب؛ فمساحات واسعة من المستنقعات والبحيرات الموسمية والأراضي التي تغمرها مياه الفيضانات تجعل "الأراضي الرطبة" في الداخل البرازيلي حقلا نموذجيا للباحثين والدارسين لاقتفاء أثر التغير البيئي الموسمي وتبدل الفصول الأربعة.


وبقدر التعدد الطبوغرافي وتنوعه، لا يمكن إعطاء البرازيل صفة مناخية أحادية، صحيح أن خط الاستواء ومدار الجدي يمرّان في هذه الأرض مما يجعلها دولة مدارية بامتياز، إلا أن عوامل أخرى عدلت من هذا "الحتم" المناخي"؛ فإذا قطعت البرازيل من شمالها إلى جنوبها ستكتشف أنماطا مناخية بالغة في التنوع بين استوائية ومدارية وشبه جافة وجبلية ومعتدلة.


وكما هو متوقَّع، ترك التباين/التنوع المناخي آثاره المباشرة على تباين وتنوع آخر في البيئة النباتية، والمجتمعات الحيوانية؛ إذ تبدأ الغابات الاستوائية المطيرة في الشمال، والصحراوات شبه الجافة في الشمال الشرقي، وتصل إلى الغابات الصنوبرية المعتدلة في الجنوب؛ حيث ينتشر الصقيع طوال الشتاء. وفيما بين هذه النطاقات تندس في وسط البرازيل سهول السفانا المدارية.


وكي تزداد الصورة الطبيعية إثارة يفاجئنا تاريخ "أرض المياه" بتقلبات مناخية مأساوية؛ فالأجزاء الداخلية من البلاد شهدت في غير مرة نوبات جفاف ومجاعات على نحو ما كان عام 1877 - 1878 شاهدا على موت نصف مليون إنسان ممن تضوروا جوعا وعطشا جرّاء الجفاف العظيم Grande Seca حين انحبست الأمطار، وضمرت الضروع والزروع.


وفي ظل هذه العوامل المناخية والنباتية الحاكمة هل لنا إلا أن نتوقع أنظمة بيئية متنوعة تعطي البرازيل مكانتها في المنظومة البيئية العالمية؟ فالبرازيل تحتل مرتبة مهمة بصفتها "رئة العالم". فغابات الأمازون وأحواض الأنهار في تلك الدولة تمثل "أكبر مستودع للتنوع الحيوي"، والأنواع النباتية والحيوانية النادرة تبلغ مداها في أرض البرازيل، ويقدرها البعض بأربعة ملايين نوع. لسنا هنا أمام نظام بيئي يسهم بقسط مهم من الميزانية المائية العالمية ضمن آليات التبخر والنتح ودورة الأمطار فحسب، بل إننا حقا أمام أنظمة بيئية ترسم توازنات المناخ العالمي وتقلباته.


ولهذا، يتطلع الجميع إلى البرازيل بشغف وقلق متزامنين؛ فتعاون البرازيل أو تقاعسها في السياسة البيئية العالمية يحدد جانبا مهما من مستقبل كوكب الأرض. وتجد البرازيل نفسها متأرجحة بين الاستماع لنداءات العالم بعدم المساس بالبيئة البكر والحفاظ على "الميراث الطبيعي"، وبين تلبية حاجات النمو الاقتصادي المرهونة بمشروعات اقتصادية طموحة في التنقيب عن المعادن واستخراج الخامات، تلك الأنشطة التي تستوجب إزالة الغابات وتمشيط البيئة الطبيعية بحثا عن مصادر جديدة تضمن سريان عجلة التنمية. على هذا النحو تمثل البرازيل مثالا جيدا للمقولة الشهيرة "التنمية عدو البيئة".


لمحات من التاريخ


يختلف الباحثون في أصل تسمية "البرازيل" وإن كان عدد من المصادر يُرجع الاسم الى أصل برتغالي-أسباني لكلمة "براسيل" وهو نوع من الأشجار ذات الجذوع الحمراء والبُنية والتي وجدها المستكشفون على شواطئ العالم الجديد مشابهة لأشجار المنطقة المدارية في جزر غرب أفريقيا، والتي كانت تستخدم لاستخراج الأصباغ الحمراء والبرتقالية.






البرازيل تُمسك  بتلابيب ماضيها، لكنها تفعل ذلك وهي مندفعة بشغف نحو المستقبل". والبرازيل التي شهدت الصراع الدامي بين الأوربيين والأفارقة والسكان الأصليين، وكانت مسرحا للكراهية والعنف والاستعباد هي ذاتها التي تجمع هؤلاء جميعا وهم يحتكمون إلى صناديق الاقتراع لتحديد مستقبلهم


و يُرجع آخرون الاسم الى جزر أسطورية في المحيط الأطلسي كانت تقع في مكان ما غرب الساحل الأيرلندي وعُرفت باسم "هي برازيل Hy Brazil" والتي تعني "أرض العظمة والقوة والجمال"، وعلى هذا النحو جاء وصول البحارة والمستكشفين البرتغال إلى العالم الجديد بمثابة تحقيق حلم الوصول إلى تلك الجزر الخرافية التي طالما خلبت ألباب المغامرين.

ويذهب فريق ثالث بالتسمية إلى كلمة "بريس Bress" وتعني "المبارك" في لغة الشعوب السلتية (غرب أوربا)؛ ومن ثَمَّ فهذه البلاد "أرض مباركة". وربما ترتبط هذه التسمية بأجواء الصراع مع العالم الإسلامي في نهايات العصور الوسطى حين كان البعد الديني حاضرا في حركة الكشوف الجغرافية؛ حتى إن البرتغال سرعان ما أطلقت على ما صار يُعرف لاحقا بالبرازيل اسم "جزيرة الصليب الحق" Ilha de Vera Cruz ثم "أرض الصليب المقدس" Terra de Santa Cruz.


أيًّا كان أصل التسمية، تمثل البرازيل دولة شابة بمعايير التاريخ العتيق لحياة الأمم والشعوب. صحيح أن تعمير هذه الأرض بدأ قبل أكثر من مليون سنة (مثلها مثل بقية قارات العالم)، وحَوَت أرضها حضارات تعود إلى فترات العصر الحجري (تنتسب أقدم الآثار الموثوق في تاريخها إلى 12 ألف سنة مضت) إلا أن ظهور البرازيل كوحدة سياسية بدأ مع الاستعمار البرتغالي للعالم الجديد، وبالتحديد منذ وصول بيدرو ألفارس كابرال في عام 1500م ضمن حملات ما عُرف باسم "استكشاف العالم الجديد".


ومنذ ذلك التاريخ -ولأكثر من ثلاثة قرون- ستبقى البرازيل مستعمرة برتغالية تخضع لحكم الملك البرتغالي عبر "حاكم عام". وقد تحولت البرازيل مع هذا النظام الإداري الاستعماري إلى أكبر مركز في العالم لزراعة قصب السكر وهو ما استتبع جلب مئات الآلاف من الرقيق الأفارقة والقضاء على أغلب السكان الأصليين الذين لقوا حتفهم إما دفاعًا عن أنفسهم، أو في معسكرات العبودية، أو بالأمراض التي جلبها معه الرجل الأبيض وفي مقدمتها الجدري الذي يُعتقَد أنه فتك بآلاف السكان الأصليين.


لم تكن حدود البرازيل خلال القرن الاستعماري الأول على ما هي عليه اليوم؛ فعبر سلسلة من التوسعات التدريجية والحروب الاستعمارية (استمرت من 1500م وحتى 1800م) خاضت البرتغال صراعا مع الفرنسيين والإنجليز والهولنديين والإسبان لتوسعة حدود البرازيل، وكانت أبرز محطات الصراع في كل من مدينة ريو دي جانيرو في الجنوب الشرقي وساو لويس في الشمال الغربي، وعبر غابات الأمازون، فضلا عن مدينة ساكرمنتو على نهر دي لا بلاتا في الجنوب.


وفي نهاية القرن السابع عشر كادت الأهمية الاقتصادية لمستعمرة البرازيل تخفت مع تراجع صادرات قصب السكر قبل أن تُقدم مناجم الذهب طوق النجاة لمكانة البرازيل في المركب الاقتصادي الاستعماري. ويعبر عن هذا التحول الاسم الذي حمله إقليم (حاليًا ولاية) ميناس جيرايس Minas Gerais  والذي يعني في اللغة البرتغالية "المناجم العمومية"، والتي أسهمت بأكثر من ثلاثة أرباع كمية الذهب المستخرج من البرازيل. وحصلت أوربا على 80 % من حاجتها من الذهب خلال تلك الفترة من البرازيل فقط.


وكما في مزارع قصب السكر، جرت مرة أخرى موجات استعباد عشرات الآلاف من الرقيق الأفارقة لتدوير آلة التعدين واستخراج الذهب. وإذا كان القصب قد رفع مكانة البرازيل كمصدر للمواد الخام الزراعية، وقدم الانتعاشة المالية السخية للبرتغال، فإن الذهب كان يتجه إلى المملكة المتحدة، التي كانت لفترة طويلة مسؤولة عن حماية البرتغال ضد فرنسا؛ فعلى هذا النحو قدَّم الذهب البرازيلي الكثير للثورة الصناعية وكان له الفضل فيما بعد في تكدس الثروة البريطانية.


في عام 1815 شهدت البرازيل نقلة مهمة في تاريخها السياسي حين قام الملك البرتغالي جون السادس بمنح البرازيل صفة المملكة السيادية لكن مع بقائها في حالة من الاتحاد مع البرتغال. وفي عام 1822 خطا الأمير بيدرو دي ألكانترا (الذي حكم مملكة البرازيل وصيا على عرش والده جون السادس) خطوة تاريخية حين رفض عودة البرازيل مستعمرة تحت حكم البرتغال. وفي 7 سبتمبر من ذلك العام أعلن بيدرو ألكانترا (الذي سيُعرف لاحقا باسم بيدرو الأول) استقلال البرازيل، وصار أول إمبراطور للبلاد، وخاض حربا ضد البرتغال استمرت حتى 8 مارس 1827، وهو تاريخ استسلام آخر عسكري برتغالي في البرازيل.


عاشت البرازيل واحدة من أهم وأطول فتراتها التاريخية تحت حكم الإمبراطور بيدرو الثاني (1831-1889)؛ شهدت خلالها تنمية ملحوظة على المستويين العسكري والسياسي، وكذلك  في التمثيل الانتخابي، وتم خلال هذه الفترة إبطال تجارة الرقيق (1888)، وتزعم المتضررون من إلغاء الرق من قادة الجيش انقلابا عسكريا أطاح بالملكية عام 1889، وأعلن قيام الجمهورية.


بهذا الانقلاب العسكري ستدخل البرازيل مرحلة طويلة وحرجة من تاريخها السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وسيسيطر عليها كبار رجال تصدير البُن، ولن تُكتب لها النهاية إلا في عام 1974؛ فعلى مدار تلك الفترة الطويلة تعاقبت الحكومات العسكرية الاستبدادية على حكم البلاد في فترة تراجعت فيها الحريات، وفُتحت فيها المعتقلات، وسقطت البلاد في حروب أهلية وأزمات اقتصادية. وخلال تلك الفترة يبرز اسم الزعيم البرازيلي غيتويلو فارغاس الذي صعد إلى سدة الحكم مرتين الأولي من 1930 وحتى 1945، والثانية من 1951 وحتى 1954.


بتولي الجنرال إيرنستو غيسيل (1974 -1979) وخليفته الجنرال جون بابتيستا فيغوريدو (1979 – 1985) رئاسة البلاد تم التحول التدريجي عن النمط الاستبدادي في سبيل الانتقال إلى الحكم المدني المؤسسي الديموقراطي الذي ترسخت معالمه مع الحكومات المدنية التي تولى فيها رئاسة البلاد شخصيات سياسية من أمثال خوسيه سارني (1985-1990)، وفيرناندو كولور (1990 – 1992)، وإيتمار فرانكو (1992- 1995)، وفيرناندو كاردوسو (1995- 2003)، ولولا دا سيلفا (2003-2010).


فصول التاريخ السابقة تركت مشاهد متفرقة جنبا إلى جنب، حتى إن المرء بوسعه في هذه الدولة تلمس مشاهد تنتمي إلى عصور وفترات تاريخية مختلفة. وبينما تنظر أغلب شعوب الأرض بقدر من "الخوف من الماضي" (في مقابل "حنين" شعوب أخرى لماضيها المجيد)؛ فإن البرازيل تبدو متفردة في أنها تحمل "عبء التاريخ".


ولغير العارفين تبدو البرازيل مجتمعات متفرقة تعيش جنبا إلى جنب، بعضها معاصر يتحدث لغة المستقبل وبعضها وكأنه تجمد منذ خمسة قرون أو يزيد. تبدو البرازيل من هذه الزاوية "أرضا للمتناقضات" حيث تتماس معالم الثروة والعوز في آن واحد؛ فتنتصب ناطحات السحاب إلى جانب عشش الفقراء ومدن الصفيح.


يدعونا العارفون إلى رؤية المشهد من زاوية أخرى؛ فعالم الأنثروبولوجيا البرازيلي "روبيرتو دا ماتا" يذهب إلى القول بأن البرازيل "تُمسك بكل ما أوتيت من قوة بتلابيب ماضيها، لكنها تفعل ذلك وهي مندفعة بشغف نحو المستقبل". على هذا النحو تبدو البرازيل التي شهدت الصراع الدامي بين الأوربيين والأفارقة والسكان الأصليين، وكانت مسرحا للكراهية والعنف والاستعباد الوحشي هي ذاتها التي تجمع هؤلاء جميعا وهم يحتكمون إلى صناديق الاقتراع لتحديد مستقبلهم، حتى وإن أفضي ذلك إلى توليفة من الحكم المركزي والتمايز الإقليمي.


الموارد الاقتصادية


إضافة إلى أهمية الموقع وعظم المساحة وضخامة الحجم السكاني، تتمتع البرازيل بموارد وإمكانات عالية، في مقدمتها المواد الخام الزراعية والرعوية والمعدنية فضلا عن الاستفادة من تنوعها البيئي في تطوير أنواع بديلة من الوقود الحيوي القائم على تحويل بعض المحاصيل الزراعية إلى غاز الإيثانول.





تتمتع البرازيل بموارد وإمكانات عالية، في مقدمتها المواد الخام الزراعية والرعوية والمعدنية فضلا عن الاستفادة من تنوعها البيئي في تطوير أنواع بديلة من الوقود الحيوي القائم على تحويل بعض المحاصيل الزراعية إلى غاز الإيثانول
تحتل البرازيل المرتبة السادسة عالميا في حجم القوى العاملة (95 مليون عامل). وتتوزع هذه القوى على قطاع الزراعة (20 %)، والصناعة (14 %)، والخدمات (66%). وفي أحدث التقديرات تناقص معدل البطالة إلى نحو 7 %، وتراجع معدل التضخم إلى نحو 4 %.

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في البرازيل نحو 50 مليون هكتار في مقابل نحو 180 مليون هكتار للأراضي الرعوية، ونظرا لهذه الإمكانات المساحية الكبرى تحتل البرازيل مراتب متقدمة عالميا في انتاج البن وفول الصويا والقمح والأرز والذرة وقصب السكر والكاكاو والموالح وعصير البرتقال، وغير ذلك من المنتجات الزراعية والحيوانية.


كما تحتل البرازيل المرتبة السابعة عالميا في إنتاج محاصيل الحبوب؛ إذ تنتج سنويا ما مقداره 65 مليون طن. وفي محصول مثل الذرة تحتل المرتبة الثالثة عالميا، والمرتبة الثامنة في إنتاج الأرز. وهي الأولى عالميا في إنتاج بعض محاصيل الخضروات مثل الفاصوليا. ولا تغادر البرازيل المراتب الأربعة/الخمسة الأولى في عديد من المحاصيل الزراعية ذات الأهمية الاقتصادية مثل القطن.


وتسهم الأراضي الرعوية الشاسعة في جعل البرازيل ثاني أكبر مالك للماشية في العالم (بعد الهند)؛ حيث تمتلك  200 مليون رأس، وهو ما يعادل 13 % من إجمالي ثروة العالم من الماشية. كما أنها واحدة من أكبر دول العالم في إنتاج اللحوم بطاقة إنتاج سنوية مقدارها 15 مليون طن. كما تحتل المرتبة السادسة بين أكبر دول العالم إنتاجا للألبان بطاقة إنتاج سنوية مقدارها 22 مليون طن.


أما المنتجات الصناعية فأهمها النسيج والأحذية والكيماويات والأسمنت والحديد والصلب والقصدير والسيارات والآلات والمعدات.


وتعد البرازيل اليوم ثاني أكبر منتج للنفط في أميركا الجنوبية بعد فنزويلا. ونظرا لحجمها السكاني وإمكاناتها الصناعية والتعدينية تحتل البرازيل المرتبة الثامنة عالميا في استهلاك النفط بمعدل 2.5 مليون برميل يوميا. ومع الاكتشافات المتوالية لحقول النفط تتقدم البرازيل بالتدريج بين دول العالم في حجم الاحتياطي المؤكد للنفط؛ حيث أصبحت تحتل المرتبة الخامسة عشر بحجم احتياطي مقداره نحو 13 بليون برميل.


ويحتوي حقلا البترول: كامبوس وسانتوس، واللذان يقعان في جنوب شرق البلاد، على الغالبية العظمى من احتياطات النفط المؤكدة في البرازيل، كما يسهمان بأكبر قدر من الإنتاج النفطي في البلاد. وقد تناقص صافي حصة واردات النفط البرازيلية من نحو 80 % في عام 1980 إلى أقل من 5 % في عام 2007، بل إن البرازيل صارت مكتفية ذاتيا منذ عام 2008.


وتتقدم البرازيل دول العالم في إنتاج الوقود الحيوي؛ إذ يُعد إنتاج الإيثانول من قصب السكر أحد المشروعات الحكومية الناجحة الأخرى في البرازيل، وهو ما يجعل من هذه الدولة إحدى أكبر دول العالم إنتاجا لغاز الإيثانول، وأكبر مصدِّر لهذا النوع من الوقود عالميا. ومما يبشر بمستقبل ناجح لقطاع الطاقة القائمة على الإيثانول أن قصب السكر المزروع لهذا الغرض لا يشغل من الأراضي الزراعية في البرازيل سوى 1 %، كما أن نحو ثلثي التوسع في زراعة قصب السكر لإنتاج الإيثانول تم على حساب أراضي مستصلحة حديثا وليس على حساب أراض زراعية أساسية.
وعلى مستوى الخامات المعدنية تتقدم البرازيل دول العالم في إنتاج البوكسيت (المركز الثالث بعد أستراليا والصين)، والحديد (المرتبة الثانية بعد الصين)، وعدد كبير آخر من المواد الخام. وفي هذا الصدد أصبحت شركة "فال دو روي دوس" البرازيلية ثاني أكبر شركات التعدين عالميا؛ وذلك بعد ضمها لشركة "إنكو" الكندية لإنتاج النيكل.


وإلى جانب المواد الخام زادت البرازيل من تصدير السلع عالية ومتوسطة التقنية. وأصبحت شركة إمبريير Embraer  البرازيلية واحدة من كبريات شركات تصنيع الطائرات في العالم.


ويوفر كل ما سبق من سلع وخامات قدرات تصديرية مقدارها ما بين 160 إلى 200 بليون دولار سنويا. وتُعد الولايات المتحدة الشريك الأول حيث تستقبل 14 % من الصادرات البرازيلية، تليها الأرجنتين (9 %)، ثم الصين (8%) وهولندا وألمانيا (5 % لكل منها). وكنتيجة لما سبق فإن لدى البرازيل ناتجا محليا إجماليا يربو على 2 تريليون دولار سنويا، وهي تحتل بذلك المرتبة العاشرة، وهي بدون شك مرتبة متقدمة نسبيا بين دول العالم.


المزيج السكاني


يقترب عدد سكان البرازيل من  200 مليون نسمة وهي بهذا أكبر دول أميركا الجنوبية سكانًا، وخامس دول العالم. ونظرا للمساحة الشاسعة للبلاد فإن كثافتها السكانية منخفضة ولا تتجاوز 24 نسمة/كم2. 





يقترب عدد سكان البرازيل من 200 مليون نسمة وهي بهذا أكبر دول أميركا الجنوبية سكانًا، وخامس دول العالم. ونظرا للمساحة الشاسعة للبلاد فإن كثافتها السكانية منخفضة ولا تتجاوز 24 نسمة/كم2
وقد قفز عدد سكان البرازيل عدة مرات خلال القرن الماضي، فبعد أن كان لا يزيد عن 18 مليون نسمة في عام 1900 تضاعف إلى 40 مليون نسمة عام 1940، ثم تضاعف مرة أخرى إلى أكثر من 90 مليون نسمة عام 1970 قبل أن يقفز قفزته الواسعة عام 2010 ويصل الى ما يقرب من 200 مليون نسمة.

وتشترك البرازيل في هذا النمو السكاني "الانفجاري" مع غيرها من بقية دول العالم الثالث التي مرت بمرحلة التحسن الكبير في وسائل الرعاية الطبية، والتحكم في الأوبئة والأمراض، وخفض معدلات الوفيات وخاصة وفيات الأطفال الرضع. لكن من المتوقع أن تشهد البرازيل في ربع القرن المقبل تراجعا في النمو السكاني نتيجة الوصول الطبيعي إلى مرحلة الاستقرار السكاني خاصة بعد التقدم الطبي الذي رفع أمد الحياة (العمر المتوقع عند الميلاد) إلى 72 سنة. وإن كان هذا لا يمنع من التقرير بأن القدرات الطبيعية والاقتصادية للبرازيل ما تزال قادرة على استيعاب نمو سكاني في المستقبل المنظور.


يتألف سكان البرازيل من 54 % من البيض (ذوي الأصول البرتغالية والإيطالية والهولندية والألمانية والإسبانية والبولندية)، و39 % من ذوي البشرة البنية والذين ينقسمون بدورهم إلى شقين: الملاتو (سلالة ناتجة عن تزاوج البيض والأفارقة)، والكابوكلوز (تزاوج البيض والهنود الأصليين)، والكافوكوز (تزاوج الأفارقة والهنود الأصليين)، و6 % من السود (أحفاد الأفارقة الذي جُلِبوا قسرا)، ونحو 1 % للمهاجرين من أصول آسيوية وعربية وغيرهم.


يبلغ عدد السكان الأصليين اليوم نحو 200 ألف نسمة (0.1 % من إجمالي السكان)، بينما تشير التقديرات إلى أنه وقت وصول البرتغاليين إلى المنطقة في عام 1500 كان عدد السكان الأصليين يزيد عن ستة ملايين، وكانوا ينتمون إلى مجموعات عرقية أهمها التيوبي Tupi والجوراني Guarani والجي Jê والأراواكس Arawaks والكاريب Caribs.


ويعيش أغلب سكان البرازيل (84 %) في المدن والتجمعات الحضرية، وهو ما يجعلها واحدة من أعلى دول العالم في السكن الحضري. وتتصدر أربع مدن قائمة أكبر التجمعات الحضرية في البلاد، وهي ساو باولو (20 مليون نسمة)، وريو دي جانيرو (12 مليون نسمة)، وبيلو هوريزونتي (6 مليون نسمة)، وجميعها تقع في الجنوب الشرقي. هذا بالإضافة إلى عدد آخر من المدن كبيرة الحجم، مثل: سلفادور (ولاية باهيا)، وبرازيليا (عاصمة البلاد)، وقريطبة (ولاية بارانا)، وريسيفي (ولاية بيرنامبوكو).


ويتركز التوزيع السكاني في الجنوب الشرقي (بنسبة 42 %)، والشمال الشرقي (بنسبة 28 %) في الوقت الذي ينتشر فيه 15 % من السكان في المناطق الداخلية في الوسط والغرب والشمال والتي تستحوذ على أكثر من 64 % من مساحة البلاد. 


وعلى مستوى التوزيع الجغرافي للأعراق الرئيسية في البلاد فإن الجنوب يشهد تركزا عاليا للبيض، بينما يُعتبر الجنوب الشرقي منطقة مختلطة الأعراق مثله في ذلك مثل الإقليم الشمالي الشرقي، أما الأقليم الشمالي والشمالي الغربي حيث حوض الأمازون فالتأثير العرقي فيه للسكان الأصليين.


ومن عيوب خريطة التوزيع السكاني في البرازيل تركز السكان على طول الساحل الشرقي وفي نطاق موازٍ لا يبعد أكثر من 300 كم عن الساحل. ورغم أن العاصمة البرازيلية انتقلت من ريو دي جانيرو في الجنوب الشرقي الساحلي إلى مدينة برازيليا في الهضبة الوسطى عام 1960 رغبة في تشجيع السكان على الاستقرار نحو الداخل إلا أن الصورة التقليدية العامة لتوزيع السكان لم تتغير كثيرا عن حالة القرون الاستعمارية الأولى؛ حيث ما تزال الكثافة السكانية مرتفعة على الساحل الشرقي ومخلخَلة في الداخل.


وتمثل المسيحية على المذهب الكاثوليكي العقيدة الأساسية في البلاد بما يجعل البرازيل أكبر دولة كاثوليكية في العالم، وتشير بعض الإحصاءات إلى أن نحو ثلاثة أرباع السكان يعتقدون ذلك المذهب في مقابل 15 % لأتباع المذهب البروتستانتي و1,5% يتبعون ديانات روحانية محلية، و1 % يعتنقون ديانات وثنية، ونحو 1 % يعتنقون الإسلام(*).


تشكل البرتغالية اللغة الرسمية للبلاد مع السماح باستخدام اللغات المحلية للسكان الأصليين في بعض البلديات، مثل منطقة ساو جابريل ودا كاشوييرا (في غرب البلاد) فضلا عن لغات المهاجرين في التجمعات السكانية الإيطالية والألمانية والعربية. ولأن البرازيل هي الدولة الوحيدة الناطقة بالبرتغالية في أميركا الجنوبية الناطقة بالإسبانية؛ فإن ذلك قد جعل لهذه الدولة خصوصية حضارية وتميزًا في الهوية الثقافية.


ولعل أحد التهديدات التي تنتقص من حالة السلم الأهلى والتناغم المدني ارتفاع معدل الجريمة في البلاد؛ إذ يبلغ معدل حالات القتل الناجمة عن العنف السكاني نحو 50.000 حالة سنويا، حتى إنه في ربع القرن المنصرم قُتل جرَّاء موجات العنف الداخلي نحو نصف مليون نسمة.


القدرات العسكرية


حظي الجيش بمكانة مرموقة في المجتمع البرازيلي؛ ففضلا عن المناصب الرفيعة التي عادة ما يتقلدها جنرالات الجيش في الحياة المدنية (من مقاعد النواب والوزراء إلى رئاسة البلاد) يرسِل كثير من العائلات الأرستقراطية والثرية أبناءهم إلى الجيش، وخاصة بعض قطاعاته مثل قوات الطيران والقوات والبحرية.





مع تراجع المهددات الخارجية وإبعاد الجيش عن السياسة بالخيار الديموقراطي، أعاد الجيش استخدام قوته وإمكاناته في المجالات المدنية؛ فشارك في تدعيم البنية الأساسية بمد شبكات الطرق والجسور، وتدشين مؤسسات الرعاية الطبية والمراكز التعليمية وغيرها
تمتلك البرازيل جيشا يقترب قوامه من 0.4 مليون عسكري، الأمر الذي يجعل منها صاحبة أكبر جيش في قارة أميركا الجنوبية. ويقوم نظام التجنيد في البرازيل على الخدمة الإلزامية لمن هم في سن 21-45 سنة ولمدة تتراوح بين 9-12 شهرًا. أما من يتقدمون للعمل في الجيش تطوعا فتبدأ الخدمة لديهم من سن 17 عاما.

ومنذ مطلع ثمانينيات القرن العشرين سمحت الدولة للمرأة بالتطوع والتجنيد في الجيش، لتصبح بذلك أولى دول أميركا الجنوبية التي تأخذ بزمام تلك المبادرة.


وعلى المستوى الجغرافي السياسي يتوزع الجيش البرازيلي على ستة أركان، تتمركز كل منطقة أركان منها حول مدينة رئيسة، مثل: ريو دي جانيرو، وساو باولو، وبورتو أليغر، وريسيفي.  وإضافة إلى ريو دي جانيرو وبورتو أليغر، يتخذ الأسطول البرازيلي مواقعه في أربعة موانئ أخرى، هي: سلفادور، وناتال، وبيليم، ولاديريو.


ومن الناحية النظرية تعاني البرازيل من موقع جيوبوليتيكي ضعيف؛ نتيجة للطول البالغ لحدودها البرية (نحو 17.000 كم) مشتركة مع أكثر من 10 دول (مثلها في ذلك مثل الصين وروسيا). لكن من الناحية العملية لا يمثل ذلك حاليا أي تهديد حقيقي؛ نظرا لحالة السلم والاتفاقات الثنائية التي تجمع البرازيل بكل جيرانها وهو ما يجعل الجيش البرازيلي دون تهديد خارجي فعلي، على خلاف المعاناة الحقيقية، والحروب المشتعلة، والتنافسات الساخنة التي تعيشها الحدود في حالة الصين وروسيا.


لكن حالة السلم الحالي لا تلغي صراع الجيش عبر التاريخ على جبهات مختلفة؛ فقد تعددت مهام الجيش البرازيلي (بأفرعه الثلاثة: البرية والجوية والبحرية) من خلال المشاركة في الأحداث الكبرى التي تعرضت لها البرازيل خلال مجمل تاريخها؛ ففي الفترة الاستعمارية تأسس الجيش البرازيلي على خبرات صراع البرتغال مع الدول الاستعمارية المنافسة (فرنسا وإسبانيا وهولندا وبريطانيا).


وبعد الاستقلال استمد الجيش البرازيلي خبراته بشكل أساسي من حرب عام 1648 لانهاء الاحتلال الهولندي في الأجزاء الشمالية من البرازيل. وبين عامي 1822 و1824 خاض الجيش سلسلة من الحملات العسكرية لتدعيم الاستقلال وإنهاء التبعية للبرتغال، وبين عامي 1851-1852 خاض حربا ضد الأرجنتين، ثم ضد أوروغواي (1864-1865).


وفيما بين عامي 1864 و1870 خاض الجيش البرازيلي واحدة من أكبر معاركه حين شارك بأكثر من 200 ألف عسكري فيما عُرف بحرب "التحالف الثلاثي" الذي ضم البرازيل والأرجنتين وأوروغواي ضد باراغواي. وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية شارك الجيش البرازيلي بقوات رمزية وقفت إلى جانب الأطراف التي شكلت ما عُرف بـ "المعاهدة الثلاثية" التي ضمت بريطانيا وفرنسا وروسيا في الحرب الأولى، بينما توجهت قوات برازيلية إلى إيطاليا لمساندة قوات الحلفاء ضد ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية.


وإضافة إلى أدواره في الحروب والمعارك عبر الحدود، شن الجيش البرازيلي انقلابات عسكرية للإطاحة بنظم حكم لم يكن راضيا عنها؛ على نحو ما حدث عام 1889 (من أجل إعلان الجمهورية وإنهاء الحكم الإمبراطوري)، وفي عام 1930 (فيما عُرف بثورة 1930)، وعام 1945 (فيما عُرف بانقلاب القضاء على الحكومة الاستبدادية المعروفة باسم الدولة الجديدة  Estado Novo التي كان قد أرساها الجنرال فارغاس واستمرت من 1937 وحتى 1945)، وانقلاب عام 1964 الذي كرَّس الديكتاتورية العسكرية حتى عام 1985.


وفي العَقدين الأخيرين، ومع تراجع المهددات الخارجية وإبعاد الجيش عن لعبة السياسة بالخيار الديموقراطي، أعاد الجيش البرازيلي استخدام قوته وإمكاناته في المجالات المدنية هذه المرة؛ فشارك بفاعلية في تدعيم البنية الأساسية بمد شبكات الطرق والجسور، وتدشين مؤسسات الرعاية الطبية والمراكز التعليمية وغيرها.


وبدلا من التحالفات العسكرية المسلحة للعدوان والحرب خرج الجيش البرازيلي إلى قارات العالم لكن ليشارك هذه المرة في مهام حفظ السلام.


وفي العقد الأخير بدأ انتباه الجيش البرازيلي يتجه نحو الجبهة الغربية في حوض الأمازون والتي تشهد ثلاثة تهديدات متوازية، هي: تجارة المخدرات، وتهريب السلاح، وتهديد بيئة الأمازون بإزالة الغابات. ولهذا السبب أعاد الجيش البرازيلي انتشاره فسحب قواته من المحور الجنوبي والجنوبي الشرقي (خاصة بعد اتفاقات السلام مع دول الجوار الجنوبي) ليوجهها نحو الشمال الغربي فيما عُرف بـ "حملة احتلال التخوم" في مهمة تهدف إلى تعويض غياب الجيش البرازيلي عن تخوم الأمازون التي قد تتهددها مخاطر مستقبلية، في مقدمتها المبالغة في التخويف العالمي من انهيار النظام البيئي في الأمازون وتداعياته العالمية؛ مما قد يدعو الى "تدويل الأزمة" وتدخُّل أطراف خارجية.


فضلا عما سبق تتجه البرازيل إلى تحويل الصناعات العسكرية إلى صناعات تصديرية، وكانت قد حققت بالفعل نجاحا مسبوقا خلال ثمانينيات القرن العشرين حين كانت المصدِّر الأول لأسلحة العراق في حربه مع إيران.


وبلغت صادرات السلاح البرازيلي مستوى متقدما حين وصلت الأسلحة البرازيلية إلى أكثر من أربعين دولة في العالم الثالث. ويعتبر مجال الدفاع الجوي أحد أبرز القطاعات التي تتفوق فيها البرازيل ليس فقط في المجال العسكري بل في المجال المدني أيضا الذي برزت من خلاله شركة "إمبرير" كواحدة من كبريات تصنيع الطائرات المدنية في العالم.


وفي سبيل ذلك تعقد البرازيل شراكات للتصنيع العسكري مع كل من فرنسا وروسيا سواء لتحديث الصناعات العسكرية البحرية (خاصة في مجال الغواصات النووية)، أو للتكامل البيني لتصدير أسلحة مشتركة التصنيع.


نظام الحكم والإدارة


البرازيل جمهورية فيدرالية يحكمها رئيس يشغل في ذات الوقت منصب رئيس الحكومة ويساعده نائب. ويجرى انتخاب الرئيس ونائبه في ورقة اقتراع واحدة عبر انتخاب شعبي لفترة مدتها أربع سنوات (ويجوز إعادة انتخاب الرئيس مرة ثانية وأخيرة). وتتألف الهيئة التشريعية (الكونغرس) من مجلسين: واحد للشيوخ (ويضم 81 مقعدا تمثل 27 وحدة إدارية بواقع 3 أعضاء عن كل ولاية والمنطقة الفيدرالية للعاصمة)، ويتم انتخابهم لفترة مدتها ثماني سنوات عبر آلية اقتراع شعبي كل أربع سنوات لتجديد أعضاء المجلس بدءا باقتراع على ثلث الأعضاء وبعد أربع سنوات أخرى على الثلثين الباقيين)؛ أما المجلس الآخر  فهو مجلس النواب ( ويضم 513 عضوا) ويتم انتخاب أعضائه لفترة أربع سنوات.





تتألف جمهورية البرازيل من اتحاد فيدرالي قوامه 26 ولاية ومنطقة فيدرالية واحدة تضم العاصمة برازيليا. وتنقسم كل ولاية إلى عدد من البلديات يبلغ مجموعها 5564 بلدية. وإذا نسبنا عدد سكان البلاد إلى البلديات؛ فإن متوسط عدد السكان في كل بلدية يبلغ نحو 36 ألف نسمة
أما على المستوى القضائي، فإن أرفع هيئة قضائية هي المحكمة الفيدرالية العليا والتي تتألف من 11 قاضيا برتبة وزير يعينهم رئيس البلاد مدى الحياة (بشرط مصادقة مجلس الشيوخ)، فضلا عن محكمة العدل العليا، والمحاكم الفيدرالية الإقليمية (يعيَّن فيها القضاة أيضا لمدى الحياة).  

وتتميز الحياة الحزبية البرازيلية بالنضج والحيوية ويتصدر المشهد حزب الحركة الديموقراطية؛ وحزب العمال؛ والحزب الجمهوري؛ والحزب الشعبي الديموقراطي، والحزب الاشتراكي، والحزب الشيوعي، وحزب الشعب المسيحي وغيرها من الأحزاب ذات البرامج الليبرالية والديموقراطية واليسارية والمحافظة فضلا عن جماعات معارضة واتحادات عمالية وجماعات ضغط دينية.


وتشترك البرازيل في أغلب المنظمات الدولية والمحافل والمنتديات العالمية، بل وتمثل عضوا بارزا وقياديا في تجمعات العالم الثالث، ومجموعة العشرين، والقوى المعارضة لهيمنة الشمال على الجنوب في منظمة التجارة العالمية، وتسعى بجدية للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.


تتألف جمهورية البرازيل من اتحاد فيدرالي قوامه 26 ولاية ومنطقة فيدرالية واحدة تضم العاصمة برازيليا. وتنقسم كل ولاية إلى عدد من البلديات يبلغ مجموعها 5564 بلدية. وبمعدل حسابي يمكن القول: إن كل ولاية تنقسم إلى 214 بلدية. وإذا نسبنا عدد سكان البلاد إلى البلديات؛ فإن متوسط عدد السكان في كل بلدية يبلغ نحو 36 ألف نسمة.


تتمع كل ولاية بصلاحيات من الحكم الذاتي تمكنها من جمع الضرائب، وفي نفس الوقت تتلقى حصة من المساعدات المالية من عائدات الضرائب الموجهة من قِبل الحكومة الفيدرالية المركزية. ولكل ولاية حاكم ومجلس تشريعي يتم انتخاب أعضائه بشكل مباشر من قبل الناخبين. وللولايات أيضا محاكم قضائية مستقلة، غير أن هذه المحاكم ليس لديها صلاحيات سن التشريعات والقوانين التي تأتيها رأسا من الحكومة الفيدرالية.


أما البلديات فمثلها مثل الولايات تتمتع بصلاحيات إدارية ذاتية الحكم، وتقوم بنفسها بجمع الضرائب، وتتلقى حصة من المساعات المالية وأموال الضرائب من المستوى الإداري الأعلى (الولاية ثم المجلس الفيدرالي). ولكل بلدية عمدة ومجلس تشريعي منتخَب لكن ليس لها محاكم قضائية وإنما تتوجه قضائيا وقانونيا نحو محاكم الولايات.
تتجمع الولايات (وما تضمه من بلديات) في خمسة أقاليم: الشمالية، والشمالية الشرقية، والوسط-الغرب، والجنوبية الشرقية، والجنوبية. غير أن هذه الأقاليم الخمسة ليس لها أية صفة إدارية أو قانونية أو سياسية بل هي فقط ذات صفة جغرافية وخرائطية لإجراء المهام التعدادية والإحصائية والمقارنة بين الأقاليم من حيث مستويات التنمية والبرامج والخطط المستقبلية.


ويتألَّف علم البرازيل من خلفية خضراء (يرى البعض أنها ترمز للمقومات الزراعية والبيئة البكر للبرازيل) يتوسطها معيَّن أصفر اللون يجسد ماسة (يرى البعض أنها دلالة على الثروات المعدنية التي تضمها أرض البرازيل)، ويتوسط الماسة كرة سماوية زرقاء تضم 27 نجما (تمثل الولايات البرازيلية والمنطقة الفيدرالية للعاصمة)، وصُممت هذه النجوم بنفس الطريقة التي تظهر بها المجموعات النجمية فوق سماء البرازيل. ويتوسط هذه الكرة الزرقاء وشاح أبيض يحمل شعار الدولة القائل: ORDEM E PROGRESSO  أو "دولة القانون والرخاء".
_______________


عاطف معتمد عبد الحميد، أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة القاهرة. حصل على درجة الدكتوراه من روسيا، حائز على جائزة الدولة التشجيعية في مصر عام 2009. له العديد من الدراسات والأبحاث المنشورة في دوريات محكمة، كما له العديد من الكتب المتعلقة بروسيا وآسيا الوسطى والقوقاز، والشيعة في المنطقة العربية، فضلا عن اهتمامه الخاص بالأقليات المسلمة حول العالم حيث زار العديد من البلدان التي تتواجد فيها هذه الأقليات وكتب عنها، وكانت آخر إصداراته في هذا المجال كتاب "الأقلية المسلمة في الهند". ويُعرَف معتمد أيضا كمترجم؛ حيث نقل إلى العربية العديد من الكتب أهمها ترجمته لكتاب "النظام العالمي القديم والجديد" للمفكر الأميركي نعوم تشومسكي، والصادر عن دار نهضة مصر، القاهرة.


أهم المصادر:
• Susanne Gratius (2010) Brazil’s geo-political and geo-strategic conditions for leadership. Unpublished report prepared for Aljazeera Centre for Studies.
• http://en.wikipedia.org/wiki/Brazil
• CIA Factbook (2010) Brazil.
• FAO (2010) www.fao.org
• Fausto. B (1999) A concise history of Brazil. Cambridge Univ. Press. p 9-25
• St. Louis.R, & Draffen.A ( 2005) Brazil. Lonely Planet Guide. P 13-62
• Gomez.M (2005) Black Crescent: The Experience and Legacy of African Muslims in the Americas. Cambridge University Press. P 91-97
• Sachs.I et.al (2009) Brazil: A century of Change. The University of North Carolina Press.
• Filippo Bof & Filippo Santaniello(2006) The Geopolitics of South America: Venezuela and Brazil. http://www.eni.com/it_IT/attachments/lavora-con-noi/pdf/GEOPOLITICA-SudAmerica.pdf
• Burns.E, Hull.R &, Lee Ralph. P (1997) World Civilizations, their history and their culture. Norton and Company. P 775-819


عودة إلى الصفحة الرئيسية للملف