تنظيم القاعدة في بلاد المغرب

تروم هذه الدراسة البحث في دلالات الانتشار الجغرافي لتنظيم القاعدة، من خلال التركيز على منطقة المغرب العربي وذلك عبر طرح سؤال مركزي: هل يمتلك تنظيم القاعدة إستراتيجية واضحة يعمل من خلالها على توسيع انتشاره والتمدد جغرافيا في أماكن نائية؟
19 September 2010







تستغل القاعدة الصحراء المترامية الأطراف في بلاد المغرب (الجزيرة-أرشيف)


محمد ضريف


تروم هذه الدراسة البحث في دلالات الانتشار الجغرافي لتنظيم القاعدة، من خلال التركيز على منطقة المغرب العربي وذلك عبر طرح سؤال مركزي: هل يمتلك تنظيم القاعدة إستراتيجية واضحة يعمل من خلالها على توسيع انتشاره والتمدد جغرافيا في أماكن نائية, أم أن الأمر يرتبط بظروف موضوعية تدفع بعض التنظيمات المسلحة العاملة في مناطق محددة إلى البحث عن الالتحاق بتنظيم القاعدة تبعا لسياقات معينة؟


إن محاولة الإجابة عن هذا السؤال تقتضي معالجة الانتشار الجغرافي لتنظيم القاعدة من زاويتين: زاوية محددات الانتشار أولا، وماهية هذا الانتشار ثانيا.


أولا: محددات الانتشار الجغرافي 
ثانيا: ماهية الانتشار الجغرافي


أولا: محددات الانتشار الجغرافي


هناك ثلاثة عوامل تشكل في مجملها محددات تفسر الانتشار الجغرافي لتنظيم القاعدة، وهذه العوامل إما ذات طبيعة "أيديولوجية" أو "مؤسساتية" أو "تنظيمية".


العامل الأيديولوجي: السلفية الجهادية
إن السلفية الجهادية كعامل أيديولوجي، تسهل مهمة تنظيم القاعدة في الاستقطاب في المناطق التي يتشبع جزء من نشطائها بأيديولوجية السلفية الجهادية كما رسم معالمها منظرو التيار الجهادي في أفغانستان أواخر الثمانينات من القرن الماضي أمثال "سيد إمام" في كتابه "العمدة في إعداد العدة" أو"أيمن الظواهري" في كتابه "الحصاد المر". هذه الأيديولوجيا اجتاحت كثيرا من المناطق كالمملكة العربية السعودية واليمن والعراق, وهي أيديولوجيا تتأسس في مجملها على ثلاثة مقومات: أولها اعتبار "القتال" واجبا دينيا وليس مجرد ضرورة سياسية، وثانيها أولوية قتال "العدو القريب" بدل "العدو البعيد" وثالثها عدم التمييز بين التيار العلماني والتيار الإسلامي الذي يؤمن بالديمقراطية وتوابعها(1).


حضرت الإيديولوجيا السلفية الجهادية بقوة في منطقة المغرب العربي ابتداء من تسعينيات القرن الماضي في كل من الجزائر وليبيا قبل أن يتشبع بمبادئها الكثيرون فيما بعد في كل من المغرب وموريتانيا. وقد كانت أفكار "أبو عمر بن محمود" الملقب بأبي قتادة الفلسطيني محددة لسلوك وتوجهات التيار السلفي الجهادي المغاربي سواء من خلال "فتاواه" أو ما كان ينشره من آراء في نشرة (الأنصار) الناطقة باسم "الجماعة الإسلامية المسلحة" في منتصف التسعينيات من القرن الماضي, هذه الأفكار التي يختزلها كتابه "الجهاد والاجتهاد". (*)


العامل المؤسساتي: استغلال هشاشة الدولة



إضافة إلى العامل الأيديولوجي, فإن تنظيم القاعدة يختار الدول الضعيفة الهشة لينشط فيها ويتوسع ويتمدد. فعندما كان أسامة بن لادن مقيما في السودان بين سنوات 1991 و1996 شجعه انهيار الدولة في الصومال على إيجاد موقع قدم فيها(2), وكان انهيار بنيات الدولة العراقية بعد إسقاط نظام صدام حسين في أبريل/ نيسان 2003 حافزا لتنظيم القاعدة على إعادة بناء هياكله, كما يستغل التنظيم الصعوبات التي تواجهها السلطات اليمنية في ضبط أمنها ومراقبة مجالها ليؤسس في اليمن "تنظيم القاعدة في بلاد العرب".

كان ابن لادن يراهن على سقوط النظام السياسي في الجزائر خاصة بعد رجوع الأفغان الجزائريين إليها وتمكنهم من تأسيس "الجماعة الإسلامية المسلحة" سنة 1992, وكانت مفاجأة التنظيمات الجهادية كتنظيم القاعدة وجماعة الجهاد والجماعة الإسلامية والجماعة الليبية المقاتلة كبيرة عندما لاحظت الكيفية التي تحولت بها "الجماعة الإسلامية المسلحة" إلى  قوة ضاربة بعد مرور سنتين على تأسيسها, ففي 1994 أصبحت هي الممثل الوحيد للجماعات الإسلامية بعد انضمام قيادات من (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) إليها, كما أصبحت تعتبر نفسها الإطار الشرعي الوحيد لممارسة الجهاد ولا تعترف بأي إطار آخر للجهاد بما في ذلك "الجيش الإسلامي للإنقاذ".(3)


وقد اعتمدت "الجماعة الإسلامية المسلحة" أربع خطوات تمهيدا لتأسيسها:



  1. تمثلت الخطوة الأولى في تأكيد الحضور من خلال الهجوم المثير الذي قاده (الطيب الأفغاني) ضد تكنة (غمار) سنة 1991.
  2. تجسدت الخطوة الثانية في اختراق التنظيمات المسلحة كجماعة التكفير والهجرة حيث كان الأفغان الجزائريون يشرفون على تدريب أعضائها و(الحركة الإسلامية المسلحة) حيث مورست عملية استقطاب ممنهجة لعناصرها مما أفضى إلى إضعافها.
  3. ارتبطت الخطوة الثالثة بتأسيس تنظيمات مسلحة صغيرة ذات قاعدة (أفغانية) مثل "كتائب القدس" و"جماعة السنة والشريعة".
  4. تجلت الخطوة الرابعة في الدعاية لتيار الأصولية الأفغانية عبر توزيع المنشورات خاصة من قبل "جعفر الأفغاني" (مراد سيد أحمد) حيث كان يدعو سنة 1992 إلى إعلان الجهاد وقتل الطاغوت المتجسد في موظفي الدولة ورموز السلطة(4).

وانتهى هذا المسار بتأسيس "الجماعة الإسلامية المسلحة" سنة 1992 انطلاقا من تحالف أربعة تنظيمات مسلحة وهي "المنشقون عن الحركة الإسلامية المسلحة" و"كتائب القدس" و"الشريعة والسنة" و"الباقون على العهد".(5)
 
وفي 1994 تولى قيادة الجماعة الإسلامية المسلحة شريف القوسمي المعروف باسم (أبو عبد الله أحمد) والذي أصبحت الجماعة في عهده قوة ضاربة حيث تسارعت وتيرة الأحداث  بشكل دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن بنيات الدولة الجزائرية تتجه نحو الانهيار وأن نظاما أصوليا سيفرض نفسه في الجزائر وسيكون مِحضنا للجهادية العربية, وقد كانت هناك عديد من المؤشرات توحي بذلك منها:



  • أولا: إعلان أبو عبد الله أحمد في أغسطس/ آب 1994 قيام نظام الخلافة في الجزائر حيث نصب نفسه أميرا للمؤمنين وخليفة للمسلمين، وشكل حكومة من عشرة أعضاء يرأسها (محمد السعيد)(6).
  • ثانيا: تمكن الجماعة من فرض "شريعتها" في العديد من مناطق الجزائر, حيث بدا كأن السلطات الجزائرية لم تعد تتحكم إلا في كبريات المدن كالجزائر العاصمة وقسطنطينة ووهران(7).

وبقدر ما تمكنت الجماعة الإسلامية المسلحة من فرض وجودها بسرعة فائقة بقدر ما تراجعت بشكل مذهل, فقد شكل مقتل "أبو عبد الله أحمد" نقطة تحول كبير, فخليفتاه "جمال زيتوني" و"عنتر زوابري" ارتكبا أخطاء قاتلة بمبالغتهما في تقتيل المدنيين مما أفقدهما مساندة فئات واسعة من الشعب من جهة، ودفع التنظيمات الجهادية خارج الجزائر من التبرؤ من "الجماعة الإسلامية المسلحة"(8), كما أن النظام السياسي الجزائري سعى إلى اللعب على تناقضات الجماعات المسلحة واستغلال أخطائها ليعلن بعد وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى رئاسة الجمهورية في أبريل/ نيسان 1999 مبادرة المصالحة الوطنية في محاولة منه لاستعادة المبادرة وإعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة من جديد.
 
إن تنظيم القاعدة الذي تبرأ من "الجماعة الإسلامية المسلحة" وبارك تأسيس جماعة جديدة سنة 1998 وهي "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" ظل يعتبر الجزائر"بؤرة جهادية" نتيجة اتساع أراضيها وتنوع تضاريسها التي توفر للجماعات المسلحة فضاء ملائما للعمل.


العامل التنظيمي: المراهنة على خدمات التنظيمات القائمة
يراهن تنظيم قاعدة الجهاد في انتشاره الجغرافي على الاستعانة بخدمات تنظيمات قائمة، تقاسمه أيديولوجية السلفية الجهادية، وتقرر في ظل سياقات معينة الالتحاق به ومبايعة زعيمه أسامة بن لادن، وهو ما تبرزه حالتا أبو مصعب الزرقاوي في العراق وأبو مصعب عبد الودود في الجزائر.


لم يكن أحمد الخلايلة الملقب بأبو مصعب الزرقاوي عضوا في تنظيم القاعدة خلال إقامته في أفغانستان بين سنوات 1999 و2001, وعندما التحق بالعراق سنة 2002 انضم إلى جماعة (أنصار الإسلام) في كردستان, وعندما اجتاحت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها العراق سنة 2003, بادر إلى تأسيس تنظيم خاص به وهو (جماعة التوحيد والجهاد)(9).


نجح أبو مصعب الزرقاوي في بناء شبكة من الخلايا القادرة على بث الرعب, وهنا دخلت قاعدة الجهاد على الخط بهدف إلحاق (جماعة التوحيد والجهاد) بها مادام أن الأيديولوجيا واحدة والأهداف مشتركة, وهو ما استجاب له أبو مصعب الزرقاوي لاعتبارات خاصة وأعلن بتاريخ 17 أكتوبر/ تشرين 2004 مبايعته لأسامة بن لادن, وهكذا تحولت (جماعة التوحيد والجهاد) إلى (تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين)(10).


يبدو العامل التنظيمي المتمثل في المراهنة على الاستفادة من خدمات التنظيمات القائمة أكثر وضوحا في حالة الجزائر, فمنذ تأسيس "القاعدة" سنة 1988 في أفغانستان وانتهاء الحرب الأفغانية السوفياتية, كان العديد من "الأفغان العرب" يستعدون لنقل ساحة المعركة إلى الجزائر, وعندما اضطر هؤلاء "الأفغان العرب" إلى الخروج من باكستان وأفغانستان استقر أغلبهم في "السودان" التي احتضنتهم بين سنوات 1991 و1996, ومن مقامه في الخرطوم, كان أسامة بن لادن يراقب ما يجري في الجزائر من تطورات, وقد لعب عضو مجلس شورى "القاعدة" الجزائري (سعيد قاري) دورا في تأسيس (الجماعة الإسلامية المسلحة G.I.A) سنة 1992(11), وظل بن لادن على اتصال بقيادات الجماعة من خلال بعض موفديه إليها إلى أن قررت كل التنظيمات الجهادية الموجودة في السودان إدانة المذابح التي كان يقوم بها أمير الجماعة الإسلامية المسلحة (عنتر زوابري) الذي تولى قياداتها سنة 1994 وكفر الشعب الجزائري برمته وأهدر دمه, وقد شجع أسامة بن لادن قيادات داخل الجماعة الإسلامية المسلحة على الانفصال عنها وتأسيس تنظيم جديد يعمل على تصحيح صورة العمل الجهادي الذي أساء إليها (عنتر زوابري), بل هناك من يرى أن أسامة بن لادن هو الذي اقترح اسم التنظيم الجديد: "الجماعة السلفية للدعوة والقتال"(12).


تأسست "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" في أغسطس/ آب 1998، وتبرأت مما تقوم به "الجماعة الإسلامية المسلحة" من مجازر، وبررت استبدال اسمها بكون الاسم الأخير أضحى يرمز إلى دعاة الهجرة والتكفير(13), كما صاغت ميثاقا بمثابة برنامج علمي وعملي يحكم سير الجماعة, كما شكلت (مجلس الأعيان) (مجلس أهل الحل والعقد) والذي أنيطت به مهمة الحسم في القضايا الأساسية من قبيل تعيين أمير الجماعة وعزله وفتح الجبهات القتالية(14).





بمجرد ما تستعيد "الدولة" المبادرة ينعكس ذلك سلبا على فروع تنظيم القاعدة, كحالة تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين وحالة تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي التي بحث فيها تنظيم أبو مصعب عبد الودود عن مجال يتسم بهشاشة بنيات الدولة فراهن على دول الساحل جنوب الصحراء.
تعاقب على إمارة الجماعة السلفية للدعوة والقتال منذ الإعلان عن تأسيسها أربعة أمراء:

  1. عبد المجيد ديشو الملقب بأبو مصعب عبد المجيد الذي قاد الجماعة منذ تأسيسها في أغسطس/ آب 1998 إلى  حين مقتله في الأول من يونيو 1999.
  2. حسان حطاب الذي خلف أبو مصعب عبد المجيد واستمر في قيادة الجماعة إلى  أن أزيح من موقعه سنة 2002.
  3. نبيل صحراوي الملقب بأبو إبراهيم مصطفى وهو الأمير الثالث للجماعة وقتل سنة 2004.
  4. عبد الملك درودكال الملقب بأبو مصعب عبد الودود الذي خلف نبيل صحراوي ولازال على رأسها.

من مقامه في أفغانستان واصل أسامة بن لادن إرسال موفديه لقيادات الجماعة السلفية للدعوة والقتال, ومنهم موفده اليمني "عماد عبد الواحد أحمد" الذي دخل إلى  الجزائر في يونيو/ حزيران 2001 قبل أشهر قليلة من اعتداءات 11 سبتمبر التي اتخذ منها حسان حطاب أمير الجماعة موقفا سلبيا, وقد يكون موقفه من بين الأسباب التي أفضت إلى إزاحته سنة 2002(15).



انتظر الأمير الجديد للجماعة السلفية للدعوة والقتال نبيل صحراوي حلول الذكرى الثانية لاعتداءات 11 سبتمبر 2001 ليصدر بيانا يعلن من خلاله مساندة تنظيمه لابن لادن في حربه ضد الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها، حيث ورد في البيان أن الجماعة السلفية تؤكد "للعالم عموما وللمسلمين خصوصا ولاءها لكل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ولكل مجاهد يرفع راية الجهاد في سبيل الله في فلسطين وأفغانستان، بإمارة المُلا محمد عمر، وتنظيم القاعدة بإمارة الشيخ أسامة بن لادن"(16).


لم يكن (بيان النصرة) الذي أصدرته "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بتاريخ 11 سبتمبر/ أيلول 2003 إلا مجرد تعبير عن ولاء عام للعمل الجهادي, ولم يتحول هذا الولاء العام إلى ولاء خاص لتنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن إلا يوم 11 سبتمبر 2006 عندما أقدم أبو مصعب عبد الودود الذي تولى قيادة الجماعة سنة 2004 خلفا لنبيل صحراوي على مبايعة أسامة بن لادن, وكانت هذه "المبايعة" تمهيدا لاستبدال اسم الجماعة السلفية باسم جديد: "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" في يناير/ كانون الثاني 2007.


ثانيا: ماهية الانتشار الجغرافي


تبرز محددات الانتشار الجغرافي لتنظيم قاعدة الجهاد ماهية هذا الانتشار الذي تحكمه ثلاثة أبعاد أساسية: أولها بعد "مجالي" وثانيها بعد "إجرائي" وثالثها بعد "سياسي".


البعد المجالي: من "القطرية" إلى "الإقليمية"
تعبر ماهية الانتشار الجغرافي في بعدها المجالي عن نفسها من خلال تحويلها التنظيمات المسلحة التي يراهن عليها تنظيم القاعدة من تنظيمات "ٌقطرية" إلى تنظيمات توسع من مجال نشاطها ليشمل الدول المجاورة, وهذا ما تجسده تجربة (الجماعة السلفية للدعوة والقتال) التي تحولت إلى (تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي).


إذًا، كانت الإيديولوجيا السلفية الجهادية حاضرة بقوة منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي في منطقة المغرب العربي، غير أن تعبيراتها التنظيمية كانت متباينة بين بلد وآخر, ففي الجزائر، عبرت هذه الأيديولوجيا عن نفسها من خلال "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" ولم تكن مرتبطة بـ "القاعدة" تنظيميا, أما في دول مغاربية أخرى  فقد تأسست مجموعات كانت قريبة من القاعدة كالجماعة المغربية المقاتلة والجماعة الليبية المقاتلة والجماعة التونسية المقاتلة. إن حضور الإيديولوجيا هو الذي تستغله "القاعدة" من أجل تجميع شتات السلفيين الجهاديين المغاربيين في تنظيم مركزي أريد له أن يكون "إقليميا" وباسم معبر:  "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي". فما هي سياقات التأسيس؟ وما هي الأولويات المحددة في المرحلة الراهنة؟.


ترتبط سياقات التأسيس بجملة من التحولات، منها ما له علاقة بالتنظيمات السلفية الجهادية المغاربية، ومنها ما له علاقة بإستراتيجية تنظيم القاعدة "الأم", فعلى المستوى الأول, وبعيد اعتداءات 11 سبتمبر 2001 التي استهدفت الولايات المتحدة الأميركية, تلقت التنظيمات السلفية الجهادية المغاربية "ضربات" جعلتها تفقد كثيرا من فعاليتها حيث اعتقلت قيادات الجماعة الليبية المقاتلة والجماعة المغربية المقاتلة, وهي نفس "الضربات" التي تلقتها "الجماعة السلفية للدعوة والقتال", هذه "الضربات" دفعت بالعديد من السلفيين الجهاديين المغاربيين إلى البحث عن "ملاجئ" بعيدا عن بلدانهم خاصة في دول الساحل جنوب الصحراء(17).


فالتوجه نحو دول الساحل لم يكن "اختيارا" بل كان "ضرورة", فالضعظ الذي مورس على "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" تحديدا دفع إلى إعادة النظر في الأولويات وفي طبيعة التحالفات, فقد انقسمت قيادات الجماعة السلفية إلى تيارين: تيار يدافع عن ضرورة الإبقاء على الطابع "القطري" للتنظيم وبالتالي التركيز على "الداخل الجزائري" وهو موقف كان يدافع عنه "حسان حطاب", وتيار يدافع عن فتح التنظيم في وجه السلفيين الجهاديين المغاربيين وتوسيع ساحة المواجهة لتشمل الساحة المغاربية(18), وهذا التيار الثاني هو الذي فرض خياره ليس لكونه تيارا قويا داخل الجماعة ولكن لكون المعطيات الموضوعية على الأرض لم تكن تسمح بخيار آخر, وهكذا حدد هذا الخيار طبيعة التحالفات ومهد لها سلفا, فالجماعة السلفية للدعوة والقتال وقبل أن يعلن زعيمها "أبو مصعب عبد الودود" بيعته لتنظيم القاعدة يوم 11 سبتمبر 2006 وقبل أن يعلن عن ميلاد "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" في يناير 2007, كانت الجماعة السلفية قد ترجمت خيارها في توسيع ساحة المواجهة بالهجوم على ثكنة "المغيطي" الموريتانية في يونيو/ حزيران 2005.


تزامنت التحولات التي طالت التنظيمات السلفية الجهادية المغاربية خاصة "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" مع الإستراتيجية الجديدة التي بلورها تنظيم القاعدة نهاية سنة 2003 بعد احتلال العراق من قبل الولايات المتحدة الأميركية. لقد جسد هذا الاحتلال "ولادة جديدة" لتنظيم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري, وأصبحت الإستراتيجية الجديدة تتأسس على كون إقامة الدولة الإسلامية في العالم العربي تمر ضرورة عبر إقامة دولة إسلامية في العراق, وعليه فان كسب الحرب في بلاد الرافدين أضحى رهانا مركزيا, ولكسب هذا الرهان سعت "القاعدة" إلى البحث عن "مقاتلين", وغدت منطقة المغرب العربي في منظور الإستراتيجية الجديدة خزانا بشريا لتغذية الحرب في العراق.


إن التفاعل بين التحولات التي عاشتها الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ورغبتها في إعادة بناء هياكلها بعد الضربات الموجعة التي تلقتها والتحولات التي طالت إستراتيجية تنظيم القاعدة بعد احتلال العراق ورغبته في بناء تنظيم "مغاربي" يساعد على عملية استقطاب المقاتلين هو الذي ساهم إلى حد كبير في تأسيس "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي"(19).





المراهنة على خدمات بعض الجماعات المسلحة من قبل تنظيم القاعدة لا يفيد كثيرا, ما دام أن هذه الجماعات لا تلتحق بالقاعدة إلا وهي في حالة "احتضار" كحالة الجماعة الإسلامية المصرية والجماعة الليبية المقاتلة.
لا تنفصل أولويات تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي المسيطرة في المرحلة الراهنة عن سياقات تأسيسه بحيث يمكن الحديث عن ثلاث أولويات:

  1. تتعلق الأولوية الأولى بالسعي إلى إثبات الوجود, في محاولة للرد على من يشكك في قدرة التنظيم الجديد على تنفيذ تهديداته واعتباره مجرد ظاهرة إعلامية ليس إلا(20).

  2. ترتبط الأولوية الثانية بالرغبة في إضفاء المشروعية على البعد "الإقليمي" الذي أصبح يرمز إليه الاسم الجديد للتنظيم. فأبو مصعب عبد الودود يرفض أن يعتبر تنظيمه الجديد مجرد استبدال لاسم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" بل يعتبره إطارا تنظيميا جديدا يروم تجميع السلفيين الجهاديين المغاربيين, ولإضفاء المشروعية على البعد الإقليمي, حرص تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أن يضم إلى  مجلس الشورى التابع له أسماء أشخاص مغاربيين غير جزائريين(21). هذا من جهة, ومن جهة أخرى عمل على توسيع دائرة نشاطه لتشمل دولا مغاربية أخرى وخاصة موريتانيا.

  3. تتحدد الأولوية الثالثة في الانخراط المباشر في ترجمة الإستراتيجية الجديدة لتنظيم القاعدة والمتمثلة في العمل على استقطاب المقاتلين المغاربيين وإرسالهم إلى بلاد الرافدين(22).

البعد "الإجرائي: آليات استقطاب المقاتلين المغاربيين
مند الإعلان عن تأسيس "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" واستقطاب العناصر الجديدة لهذا التنظيم يتم بتعاون بينه وبين الجماعات المقاتلة في كل من تونس وليبيا والمغرب.


هناك مقاتلون يتم استقطابهم لتدريبهم على كيفية صنع المتفجرات والأحزمة الناسفة وتفخيخ السيارات. وبالنسبة للمطلوبين من الأشخاص في المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا من قبل الأجهزة الأمنية فإنهم يفضلون الالتحاق بمعسكرات القاعدة في الجزائر خاصة في جبال بومرداس.


وهناك مقاتلون ليسوا في حاجة للخبرة في مجال صنع المتفجرات، يرسلون فقط لتنفيذ عمليات انتحارية. فالجماعات المقاتلة عبر خلاياها تسهل لهم عملية السفر إلى البلدان المجاورة للعراق عبر تزويدهم بوثائق مزورة من بطاقات تعريف وجوازات سفر(23).


فيما يتعلق باشتغال الشبكات التي تستقطب المقاتلين للعراق, هناك ثلاث دوائر:



  1. الدائرة الأولى هي دائرة التخطيط والتوجيه، وتتألف من القيادات السياسية.
  2. الدائرة الثانية هي دائرة التنسيق, وتتكون من القيادات الميدانية التي تتوفر على خبرة على صعيد الاستقطاب, وتأمين الدعم اللوجيستيكي.
  3. الدائرة الثالثة هي دائرة التنفيذ, وتضم الأشخاص المستقطبين المرشحين للقيام بأعمال إرهابية.
    إن العلاقات بين الدوائر الثلاث ليست "مباشرة", حيث يوجد مجموعة من "الوسطاء" الذين يؤمنون التواصل (24).

أما ما يرتبط بأسلوب الاستقطاب, فيتم على أساس "أيديولوجي" وليس على أساس "تنظيمي", فلأسباب أمنية، وحرصا على سلامة "القيادات الميدانية" التي تشكل دائرة تنسيق, يستقطب "المنفذون" بدفعهم إلى التشبع بأيديولوجيا العنف الديني والإيحاء إليهم بتشكيل خلايا دون إدراكهم أنهم جزء من "تنظيم" لا يعرفون شيئا عن قياداته.


إن أسلوب الاستقطاب على أساس "الأيديولوجيا" يحيل على المعايير التي تعتمد في الاستقطاب, وهنا يجب التمييز بين  نوعين من الخلايا, النوع الأول يعرف بخلايا المراقبة, حيث تكلف بترشيح الأشخاص الذين يفترض أن لديهم ميلا نحو "العنف", حيث يأخذ الترشيح بعين الاعتبار ثلاثة معايير:



  1. يتجسد المعيار الأول في درجة مرتفعة من "التدين" تعبر عن نفسها بالذهاب المنتظم لأماكن العبادة.
  2. يتمثل المعيار الثاني في الانضباط والذي يتجلى في الانتماء لإحدى الجماعات الدينية.
  3. يرتبط المعيار الثالث بالتشكيك في الخيارات المعتمدة من طرف تلك الجماعات وبداية البحث عن "بديل".

هذا فيما يتعلق بالنوع الأول من الخلايا, أما النوع الثاني فيعرف بخلايا تقوية العقيدة أو الإيمان ووظيفتها تتحدد في"الشحن الأيديولوجي", حيث يجد الأشخاص المستقطبون والمرشحون للقيام بعمليات انتحارية أنفسهم أمام منظومة أيديولوجية تبرر العنف وتؤصل له شرعيا وهذه المنظومة الأيديولوجية تكتسب خطورتها من كونها عابرة للحدود والقارات وتعبر عن نفسها من خلال فتاوى أو كتابات تؤثر بشكل كبير في معتنقيها لتدفعهم للقيام بأعمال (إرهابية) يعتقدون بوجوب القيام بها باعتبارها واجبا دينيا(25).


إن أسلوب الاستقطاب على أساس "الأيديولوجيا" يجعلنا في مواجهة تنظيمات تتشكل دوائرها السفلى -وهي دوائر التنفيذ- من مجموعة من الخلايا التي لا توجد بينها أية صلات مباشرة, بل إن كثيرا من الخلايا تتصرف على أساس كونها مجموعات مستقلة لا علاقة لها  بأي تنظيم آخر. وإن هذا الأسلوب في ظاهره يدفع إلى الاعتقاد لتشكل خلايا انطلاقا من تأثر بأيديولوجيا العنف الديني, لكنه في عمقه يعبر عن خيار جديد في العمل التنظيمي.


يستقطب المقاتلون المغاربيون  إلى  العراق بطريقتين:



  1. الطريقة الأولى، هي الاتصال المباشر بالشخص الذي يراد استقطابه, ويوجد في المغرب العربي العديد من الخلايا التي تتكون من عدد قليل من الأشخاص (مابين 3 أو 5 أشخاص) تعمل على الاتصال ببعض الأشخاص بعد استكشاف ميولهم وتوجهاتهم. ولأسباب أمنية، فإن هذه الخلايا تتخد كافة الاحتياطات، حتى إذا وجدت لدى بعض الأشخاص استعدادا للذهاب للقتال في العراق فإنها غالبا ما تساعده على السفر إلى بعض البلدان المجاورة للعراق خاصة سوريا والأردن وتركيا بهدف العمل، وهناك يجد نفسه وسط أشخاص يعلنون له عن أهدافهم والدور المطلوب منه.

  2. الطريقة الثانية، هي استقطاب بعض المقاتلين عن طريق بعض المواقع الجهادية على الإنترنت حيث يطلب منه الالتحاق ببعض الدول المجاورة للعراق(26).

البعد "السياسي": الالتحاق بين "الاختيار" و"الاضطرار"
للإشارة إلى انتشاره الجغرافي وتأكيد تنامي قوته، يحرص تنظيم القاعدة بين الفينة والأخرى على الإعلان عن التحاق بعض التنظيمات المسلحة بصفوفه ومبايعتها للشيخ أسامة بن لادن، كإعلان (أيمن الظواهري) عن التحاق قيادات من (الجماعة الإسلامية المصرية) أو"الجماعة الليبية المقاتلة" بصفوفه.


إن السؤال الذي يفرض نفسه: هل هذا الالتحاق هو التحاق اختيار أم التحاق اضطرار؟, وللإجابة عن هذا السؤال نتطرق لتجربتي "الجماعة الليبية المقاتلة" و"الجماعة المغربية المقاتلة".


الجماعة الليبية المقاتلة:
تاسست "الجماعة الليبية المقاتلة" في بداية التسعينات من القرن الماضي ولم تعلن عن نفسها إلا سنة 1995 عندما دخلت في مواجهات مع السلطات الليبية (27), غير أنها لم تصمد في المواجهة لاختلال موازين القوى, فاضطرت قياداتها التي كانت متمركزة في السودان إلى التوجه سنة 1996 إلى أفغانستان بضغط من حكومة "الخرطوم" إلى جانب قيادات تنظيم القاعدة وجماعة الجهاد.


في أفغانستان, حاولت الجماعة الليبية المقاتلة إعادة بناء نفسها، غير أنه قبل استكمال هذا البناء, فوجئت باعتداءات 11 سبتمبر 2001 وما تلاها من غزو أميركي انتهى بإسقاط نظام طالبان وخروج قادة الجماعة من أفغانستان، وانتهى الأمر بأغلبهم  إلى الاعتقال حيث سُلموا إلى  ليبيا ومن بينهم أمير الجماعة "عبد الحكيم الخويليدي" الملقب بـ "أبو عبد الله الصادق''(28)


يبدو أن قرار التحاق "الجماعة الليبية المقاتلة" بتنظيم القاعدة, وهي الجماعة التي حرصت دائما على الحفاظ على استقلاليتها التنظيمية, لم يكن اختيارا بقدر ما كان اضطرارا أملته رغبة من تبقى من نشطاء هذه الجماعة في قطع الطريق على مسلسل المصالحة الذي انخرط فيه العديد من قادة الجماعة المقاتلين مع النظام الليبي(29).


الجماعة المغربية المقاتلة:
إن منطق الاضطرار وليس الاختيار هو الذي حكم التحاق من تبقى من نشطاء "الجماعة المغربية المقاتلة" بصفوف تنظيم قاعدة الجهاد في المغرب الإسلامي. فما هو مسار هذه الجماعة؟


مرت "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة" منذ تأسيسها بثلاث محطات:


المحطة الأولى، تتحدد في الفترة الممتدة بين 1998 و 2002 حيث كانت "الجماعة" مطالبة بتوفير دعم لوجيستي لأعضاء القاعدة, فتنظيم القاعدة لم يكن يرغب في استهداف المغرب بقدر ما كان يتعامل معه كقاعدة خلفية بإمكانها أن تسهل مأمورية أعضائه من قبيل توفير إقامات لهم، أو تزويجهم بمغربيات، أو تيسير انتقالهم إلى أوروبا من خلال تزويدهم بوثائق هوية مزورة, وهناك حدثان يؤشران لهذا الدور خلال هذه المحطة، يتعلق الحدث الأول بمحاكمة أحد "الأفغان المغاربة" وهو علي علام، حيث انصبت التهم الموجهة إليه أساسا علي سرقة للوثائق الرسمية، ومنها جوازات السفر, وكان علي علام قد "وظف" من قِبل بعض أعضاء "الجماعة المغربية المقاتلة" للقيام بذلك, ويرتبط الحدث الثاني بتفكيك ''الخلية النائمة" صيف 2002 والتي كانت تضم ثلاثة سعوديين متزوجين بمغربيات ظلوا لسنوات يتنقلون بين المغرب وأفغانستان التي كانوا يقيمون بها قبل سقوط نظام طالبان نهاية سنة 2001, ومعلوم أن أعضاء هذه الخلية النائمة وإن أصروا على استبعاد التهم الموجهة إليهم بخصوص رغبتهم في استهداف استقرار المغرب, لم ينفوا صلتهم بالقاعدة (30).


إن توفير الدعم اللوجيستي كمهمة رئيسية للجماعة المغربية المقاتلة في هذه المحطة الأولى كان ينسجم مع الأهداف العامة لتنظيم القاعدة التي رسخت وجودها في أفغانستان وكانت تتخذ منه منطلق تحقيق إستراتيجيتها المرتكزة أساسا على المساس باستقرار النظام السياسي في المملكة العربية السعودية.


المحطة الثانية، تتحدد في الفترة الممتدة بين 2002 و 2004 حيث لم يعد دور الجماعة المقاتلة مقتصرا على توفير الدعم اللوجيستي بل تعداه إلى المشاركة في تنفيذ بعض العمليات التخريبية ضد بعض الدول عقابا لها  على تعاونها مع الولايات المتحدة الأميركية في حربها ضد الإرهاب, وفي هذا الإطار تندرج الاعتداءات التي استهدفت مدينة الدار البيضاء ليلة 16 مايو/ أيار 2003 وتلك التي استهدفت مدريد يوم 11 مارس/ أذار 2004(31).


المحطة الثالثة، تنطلق في "مسار الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة" سنة 2004 حيث تحدد دورها مرة أخرى جراء تفاعلات سقوط نظام صدام حسين في أبريل/ نيسان 2003 وانتقال جزء من نشطاء القاعدة إلى بلاد الرافدين حيث بلور كل من أسامة بن لادن وأيمن الظواهري إستراتيجية جديدة أصبحت تراهن على كسب المعركة في العراق وإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة الأميركية وإقامة دولة إسلامية في بغداد تشكل مدخلا لإسقاط الأنظمة "الطاغوتية" في العالم العربي, ولبلوغ هذا الهدف يقتضي تزويد العراق بالمقاتلين, ووفق هذا التصور اعتبرت "القاعدة" المغاربيين سواء في بلاد المغرب العربي أو في أوروبا بمثابة خزان بشري بإمكانه تغذية الحرب في العراق. في هذا الإطار أضيفت إلى مهمتي الجماعة المغربية المقاتلة المتمثلتين في توفير الدعم اللوجيستي والمشاركة في تنفيذ العمليات التخريبية، مهمة جديدة تتجسد في استقطاب المقاتلين من المغاربة، سواء داخل المغرب أو في أوروبا، من أجل إرسالهم إلى العراق(32).


بعد ميلاد تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي كان هناك خياران متاحان أمام الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة: الاندماج في التنظيم الجديد أو الحفاظ على استقلاليتها التنظيمية.


يبدو خيار اندماج الجماعة المغربية المقاتلة في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الخيار الأكثر واقعية, وذلك لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية. ذاتيا وحسب السلطات المغربية، فالجماعة المقاتلة قد أضعفت إضعافا شديدا ولم يعد بإمكانها الاستمرار في تهديد استقرار المغرب, ذلك أن أغلب قياداتها قد اعتقلت وتقبع في السجون المغربية والبلجيكية والأسبانية والفرنسية, فمعلوم أن القضاء المغربي قد حاكم المجموعة الأولى من نشطاء الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة في شهر ديسمبر/ كانون أول 2003, كما حاكم المجموعة الثانية بعد اعتقال سعد الحسيني في شهر مارس/ أذار 2007 بالدار البيضاء, كما أقدمت السلطات البلجيكية على محاكمة بعض قيادات الجماعة نهاية سنة 2005 وعلى رأسهم الحسين الحسكي وعبد القادر حكيمي. والاعتقاد السائد الآن أن الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة قد انهارت تنظيميا، باعتبار أن أغلب أعضاء مجلس شوراها أو مجلسها التنفيذي أو رؤساء لجانها ونوابهم هم معتقلون في السجون المغربية أو الأوروبية.


وينضاف إلى العامل الذاتي عامل موضوعي، يتمثل في ميلاد تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي، وهو تنظيم يضع من بين أهدافه تجميع السلفيين الجهاديين في منطقة المغرب العربي، واحتواء التنظيمات الجهادية "القطرية" كالجماعة الإسلامية التونسية المقاتلة" والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة", وقد سبق الإعلان عن التحاق الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة, بصفوف تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي, وهذا الالتحاق من شأنه أن يدفع "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة" إلى الاندماج في صفوف تنظيم القاعدة.


خيار اندماج الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة في تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وإن كان الأكثر واقعية غير أنه ليس بالضرورة الأقرب إلى التحقق, فالمعطيات الأمنية والاستخبارتية المتوفرة تشير إلى وجود تنسيق بين الجماعة المغربية المقاتلة وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي دون أن يفقدها ذلك التنسيق استقلاليتها التنظيمية, فالجماعة لازالت قائمة، ولا يمكن الاستناد إلى كون أغلب قيادات الجماعة هي معتقلة للقول بانهيارها التنظيمي, فاستخلاف القيادات المعتقلة هو أمر معمول به في مثل هذه التنظيمات إضافة إلى كون الأجهزة الأمنية الأوروبية لازالت بين الفينة والأخرى تعلن عن اعتقالها لأشخاص تتهمهم بالانتماء إلى "الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة"(33).


خلاصة الدراسة:
تتأسس فرضية هذه الدارسة على كون الانتشار الجغرافي لتنظيم قاعدة الجهاد هو محكوم بجملة من المحددات يمكن اختزالها في ثلاثة عوامل أساسية: عامل أيديولوجي، يتمثل في انتشار أيديولوجيا السلفية الجهادية, وعامل مؤسساتي، يرتبط بهشاشة بنيات الدولة وأجهزتها  وضعف قدرتها على مراقبة مجالها, وعامل تنظيمي، يكمن في وجود جماعات مسلحة تدفعها ظروف معينة إلى مبايعة تنظيم قاعدة الجهاد.


إن هذه الفرضية وبارتباطها بالمحددات السالف ذكرها, لا تفيد حتما تناميا في قوة تنظيم القاعدة, بل قد تنطوي على مكامن ضعف قاتلة, فبمجرد ما تستعيد "الدولة" المبادرة ولو بشكل نسبي ينعكس ذلك سلبا على فروع تنظيم القاعدة, كحالة تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين وحالة تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي، بحيث بحث تنظيم أبو مصعب عبد الودود عن مجال يتسم بهشاشة بنيات الدولة فراهن على دول الساحل جنوب الصحراء.


كما أن المراهنة على خدمات بعض الجماعات المسلحة من قبل تنظيم القاعدة لا يفيد كثيرا, ما دام أن هذه الجماعات لا تلتحق بالقاعدة إلا وهي في حالة "احتضار" كحالة الجماعة الإسلامية المصرية والجماعة الليبية المقاتلة.


________________


محمد ضريف، أستاذ علوم سياسية بكلية الحقوق بجامعة المحمدية بالمغرب، وباحث مختص بشؤون الجماعات الإسلامية. له عدد من المؤلفات منها: الدين والسياسة في المغرب، الإسلاميون المغاربة، الحركة الإسلامية النشأة والتطور, الحقل السياسي المغربي, تاريخ الفكر السياسي في المغرب. وغيرها من المؤلفات والدراسات باللغتين العربية والفرنسية.


(*) انظر عرضا لكتاب الجهاد والاجتهاد في الملف ذاته من خلال الرابط التالي: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/B5184450-4B7F-44AC-9FCC-25EAE80C5DB2.htm


المصادر والهوامش:


1. Mohamed Darif : le radicalisme religieux au Maghreb. R/ Afkar-idées.  Istitut uropéen de la méditéranée. N :3. 2004. P : 37
2. عبد الباري عطوان: القاعدة- التنظيم السري. دار الساقي. الطبعة الثانية. بيروت. 2009. ص: 285-286.
3. محمد ضريف: الإسلام السياسي في الجزائر. منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي. الطبعة الأولى. الدار البيضاء. نوفمبر 1994. ص:244.
4. نفس المرجع ص 241.
5. نفس المرجع. نفس الصفحة.
6. نفس المرجع. ص: 246.
7. مايكل ويليس: "التحدي الإسلامي في الجزائر" – الجذور التاريخية و السياسية لصعود الحركة الإسلامية". مترجم.
8. عادل خير الله. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. بيروت. الطبعة الأولى. 1999. ص: 488.
9. انظر على سبيل المثال: "الجماعة الليبية المقاتلة": بيان بشان الجهاد في الجزائر. 6 يونيو 1996. بيان رقم 6.
10. كمال الطويل: "القاعدة وأخواتها" – "قضية الجهاديين العرب". دار الساقي. بيروت. الطبعة الأولى. 2007. ص: 365
11. كان أبو مصعب الزرقاوي  يعلن رفضه للعمليات التي استهدفت الولايات المتحدة الأمريكية يوم 11 سبتمبر 2001 قبل التحاقه بالقاعدة, انظر :عبد الباري عطوان: القاعدة ... م.س.
2. كمال الطويل: القاعدة ... م.س.
13. محمد مقدم:"الأفغان الجزائريون". المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار. الطبعة الأولى. الجزائر 2002. ص: 107
14. الجماعة السلفية للدعوة و القتال: بيان "الجماعة رحمة". 13 أبريل 1999.
15. الهيئة الإعلامية للجماعة السلفية للدعوة والقتال: حوار مع نبيل صحراوي "أبو إبراهيم مصطفى". الخميس 18 ديسمبر 2003. الموقع: www.upi-fia.fi/document.php ?DOCID=220  
16. المرجع السابق.
17. الجماعة السلفية للدعوة والقتال: بيان نصرة. 11 سبتمبر 2003.
18. لقد اضطر "عمار صايفي" الملقب ب"عبد الرزاق البارا" وهو أحد قيادات الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى البحث عن ملجئ في دول الساحل جنوب الصحراء, وقد اعتقلته ميليشيات متمردة في دولة تشاد والتي سلمته بعد مفاوضات إلى السلطات الليبية التي سلمته بدورها إلى السلطات الجزائية في أكتوبر 2004.
19. الهيئة الإعلامية للجماعة السلفية للدعوة والقتال: حوار مع نبيل صحراو... م.س.
20. حول الدور الذي لعبته قضية العراق في التحاق الجماعة السلفية للدعوة و القتال لتنظيم القاعدة, انظر :Mathieu Guidère : La tentation internationale d’Al-Qaïda au Maghreb. Centre des études de sécurité. Ifri. Paris. Décembre 2008.
21. قام أتباع أبو مصعب عبد الودود بتنفيذ عمليات تخريبية اعتبروها "استعراضية" بدءا بيوم 11 أبريل ومرورا بـ 11 يوليو وأخيرا يوم 11 ديسمبر 2007.
22. محمد ضريف: "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: سياقات التأسيس وأولويات المرحلة الراهنة". أخبار اليوم. 16 مايو 2009 . ص:18.
23. محمد ضريف: "ملاحظات حول آليات استقطاب المقاتلبن المغاربيين''. المساء 17 مارس 2010. ص: 11.
24. نفس المرجع. نفس الصفحة.
25. نفس المرجع. نفس الصفحة.
26. نفس المرجع. نفس الصفحة.
27. الجماعة الليبية المقاتلة: بيان بشان الإعلان عن قيام الجماعة الإسلامية المقاتلة بليبيا. الخميس 18 أكتوبر 1995. البيان رقم 1
28. للمزيد من المعطيات, انظر: كمال الطويل: القاعدة ... م.س. ص: 377.
29. أعلن أيمن الظواهري التحاق الجماعة الليبية المقاتلة بتنظيم القاعدة أواخر سنة 2007.
30 Mohamed Darif : Monarchie marocaine et acteurs religieux. Afrique orient. Casablanca. 2010  p: 163.
31.  IDEM 
32. وقد أكد سعد الحسيني أحد قيادات الجماعة المغربية المقاتلة و الذي اعتقل في المغرب في مارس 2007 نجاحه في استقطاب أكثر من 17 مغربيا وأرسلهم إلى العراق بين سنوات 2004 و2007
33. محمد ضريف: الجماعة المغربية المقاتلة وسؤال الصيرورة. المساء. 18 نوفمبر 2009. ص:7


عودة للصفحة الرئيسية للملف