في أكتوبر عام 1884م كتب بشارة تقلا رئيس تحرير صحيفة الأهرام "إن المصري إذا ما هذبه والداه لا نجده يجّد هو وأهله إلا للحصول على وظيفة في دوائر الحكومة، ومتى حصل عليها انعكف بما لديه من المعدات لنوال النيشان أو الرتبة أو لزيادة الراتب كان أهلاً للخدمة أو لم يكن، وإذا ما قضى السنين الطوال فى الخدمة تعوَّد الكسل والبطالة فاستحال عليه أن يقوم بعمل آخر، بل تعذر عليه نوال الرزق والمعيشة من المزروعات والأراضي لإهماله ذلك، ويحصر اهتمامه بالوظيفة، ويصرف العناية إلى الحصول على منافعها المادية دون النظر في جهاتها الأدبية". إن هذا المقال وغيره على شاكلته يدعو إلى البحث في الجذور التاريخية التى صنعت عند المصريين تلك الرغبة العارمة في العمل في "الميري"، واستعدادهم للتمرغ في ترابه على حد قول المثل الشهير الذي ظلوا يتداولونه حتى وقت قريب وتلك الرابطة الحميمة بين التربية والتعليم والوظيفة الحكومية. عن هذا "الميري" أو "الوظيفة الحكومية في مصر" أو "البيروقراطية المصرية" أو بمعنى أوسع "الجهاز الإداري المصري"، ماله وما عليه، تدور دراستنا المركزة هذه، وهـي تتضمن نقطتين أساسيتين تعرضان لمقتضى حال الجهاز الإداري وتصورا لمآله كما يلي:
أولاً: مقتضى الحال، ويضم:
- البيروقراطية والنظام السياسي.
- ملامح من التطور التاريخي للجهاز الإداري المصري.
- البيروقراطية المصرية، وأهم مشكلات الجهاز الإداري.
ثانيًا: تصورا للمآل، ويضم:
- تقديم الخدمات العامة (الخدمات الصحية مثالاً).
- منطلقات التطوير ومتطلباته.
- أهم مقترحات التطوير.
أولاً: مقتضى الحال
ثانيا: تصور المآل
يمكن توضيح حالة الجهاز الإداري المصري في ثلاثة بنود على النحو التالي:
1- البيروقراطية والنظام السياسي
تعود بدايات التعريف بالبيروقراطية كمصطلح علمي إلى منتصف القرن الثامن عشر، وقد ارتبط هذا التعريف آنذاك بالعديد من الظواهر السابقة على الثورة الفرنسية؛ فكلمة Bureaucracy تُنسب إلى العالم الفرنسي فينسنت دو جورني Vincent de Gournay الذي كان أول من قام بالمزاوجة بين كلمة Bureau التي تعني بالفرنسية (المنضدة) وكذلك (المكتب) أي المبنى الذي يضم المنضدة والموظف الجالس أمامها، وكلمة Cracy اليونانية والتي تعني (الحكم) وبالإنجليزية To Rule، ومنذ تلك البداية وأدبيات العلوم الاجتماعية تتناقل مصطلح البيروقراطية بهذا المعنى الذي قدمه Gournay عام 1945 م.
ورغم أن البيروقراطية كحقيقة أو كظاهرة تعني وجود جهاز ما -بغض النظر عن مسماه- يقوم بمهمة إنجاز واجبات إدارية معقدة ومتداخلة، يعود وجودها إلى ما قبل الدولة بمفهومها الحديث إلا أن تعريف البيروقراطية والنظر إليها ودراستها والبحث فيها، كل هذا يعود إلى ما قبل الثورة الفرنسية بعقود قليلة.
قد باتت هناك "حاجة مجتمعية مصرية" تدعو وتطالب وتنادي وتحتج وتعتصم مطالبة بالتطوير، وقد آن الأوان للاستجابة لها، ولا أبالغ إذا ما نصحتُ بأن نفتش دومًا عن "البيروقراطية" في كل هذه السياقات |
وينظر إلى الألمانى ماكس فيبر Max Weber على أنه رائد التحليل السسيولوجي للظاهرة البيروقراطية، وهى تشكل عنده أسلوبا تنظيميًا بالمقارنة بغيره؛ حيث إنه يقود إلى الدقة والسرعة والوضوح، وتجنب الغموض والوحدة وتقليل النزعات وخفض النفقات واحترام التدرج الرئاسي، وكل ذلك يعنى تحسينًا فى الأداء الحكومي والإداري لصالح المواطنين.
في هذا السياق تقوم بين الجهاز الإداري والحكومة أوثق وأخطر العلاقات في النظم السياسية المعاصرة؛ فالجهاز الإداري يضع السياسات العامة موضع التنفيذ، بينما الحكومة تقوم بتحديد هذه السياسات، وتقوم بالتأكد من كفاءة تحقيق الجهاز الإداري لها، وتدخل عليها التعديلات الملائمة.
هذه العملية، لا تتم في إطار نظري واضح المعالم من ناحية هذا التقسيم المتخصص؛ فالسياسات العامة تخضع لتأثيرات متعددة من الجهاز الإداري الذي يستطيع الاشتراك في تحديدها بصورة غير مباشرة وخلال مداخل متعددة. ولكن لا بد من الوقوف بتأثير الجهاز الإداري عند حدود معينة لا يجب أن يتخطاها. وإلا أصبح هو المسئول عن الغاية والوسيلة معا وهو ما لا يستقيم مع العرف ولا المنطق العلمي للإدارة. إذن السياسات العامة هي الجسر الموصل بين الحكومة والبيروقراطية.
إن إرتباط ولاء الجهاز الإداري "بالمهنة أو الاحترافية" أكثر من "الجماهير أو الرضاء العام" يعني أن منظمات الجهاز الإداري –في غياب العمل السياسي المعبر عن الجماهير- تعمل دون إحساس بحاجات جمهوره وبأهمية هذا الرضاء العام، وهذا يمثل نقطة ضعف خطيرة في حياة أية منظمة توجد في المجتمع وترتبط بجمهورها أو عملائها، الذي يقرر مدى الرضا أو درجة قبول ناتج عملياتها ومن ثَمَّ يصبح عاملا حاسما في تقرير كفاءتها وفي تطورها، بل قد يؤدي انخفاض الرضا العام إلى انهيار الحكومة ذاتها.
وهذا ما ينقلنا للحديث باختصار عن الرضاء العام.
يُعرِّف البعض الرضاء العام بأنه "إحساس المواطن بفاعلية السياسة العامة الموصلة إليه في تدعيم مكانته الاجتماعية، وإحساسه بالمسؤولية العامة، وتمكينه من التعبير عن هذه المسئولية".
الرضاء العام هو "تقدير أو تقييم لأداء الخدمة، والمبني بدرجة كبيرة على وجهات النظر عن التوصيل الفعلي للخدمة". وأيضا الرضاء العام هو "إحساس المواطن بالأثر الإيجابي للسياسات العامة ممثلا في تلبية المنظمات العامة لمطالبه واحتياجاته وتوقعاته وذلك كمًّا وكيفًا". إنه في النهاية مفهوم ديناميكي متغير بمعنى أنه يختلف من مواطن إلى آخر وفقا لأولوية مطالبه واحتياجاته وتوقعاته، ويتغير من سياسة عامة إلى أخرى ومن فترة زمنية إلى غيرها.
ويمكن استخدام مفهوم "الرضاء العام" كأداة فعالة في تطوير منظمات الجهاز الإداري؛ وذلك من خلال إجراء قياسه كتعبير عن جدوى الخدمة المقدمة ثم السعي نحو التطوير. وتتعدد أساليب قياس الرضاء العام: الشكاوى-جماعات التركيز-الملاحظة-استطلاع الرأي.
2- ملامح من التطور التاريخي للجهاز الإداري المصري
في عام 1805م أنشأ محمد على ديوان الوالي ليختص بضبط المدينة أي العاصمة وربطها، والفصل في المشاكل بين الأهالي والأجانب على السواء. وبعد خمس سنوات تغير الاسم إلى "الديوان الخديوي" ثم أصبح "الديوان" والذي تضخم سنة بعد أخرى وانقسم إلى أقلام مختلفة أخذت في التضخم هي الأخرى، وتعددت الدواوين.
وفي عام 1837 م صدر قانون "السياستنامة" -وهو القانون الأساسي للدولة والذي يعد أول دستور مكتوب عرفته مصر في تاريخها الحديث- الذي ألغى الدواوين والمجالس الموجودة، وحصر السلطة في سبعة دواوين سُمِّيت دواوين العموم يرأس كل منها موظف يسمي "الكتخدا"، وهي: الديوان العالي (نواة نظارة الداخلية)-ديوان الجهادية-ديوان البحر-ديوان كافة الإيرادات-ديوان المدارس-ديوان الأمور الأفرنكية والتجارة المصرية-وديوان الفاروقيات.
في عام 1857 م أصدر خديوي مصر محمد سعيد باشا إرادة سَنِية برفع ثلاثة دواوين إلى مستوى النظارات مع تعديل اختصاصها وأسمائها، وهي: نظارة الداخلية-نظارة الجهادية-نظارة المالية، وعين لكل منها ناظرا، وفي عام 1858 م عين ناظرا لديوان الخارجية، وفي عام 1864م أنشئت نظارة للأعمال الهندسية التي كانت ضمن اختصاص نظارة الداخلية وأُطلق عليها نظارة الأشغال.
في عام 1872 م أنشئ ديوان الحقانية ليختص بأعمال القضاء والتي كانت من اختصاص نظارة الداخلية.
وفي عام 1914 م أعلنت إنجلترا حمايتها على مصر وأصبحت مصر سلطنة بعد أن ظلت خديوية، وأُطلق على النظارات (وزارات) وعلى النظار (وزراء). وتوالى إنشاء الوزارات فتأسست وزارة الصحة عام 1936م، ووزارة الشؤون البلدية والقروية عام 1937م، ثم وزارة الشؤون الاجتماعية عام 1939م، وتطور الأمر حتى وصلنا إلى التشكيل الحالي المعروف.
هذا وقد أُنشِئت أول مدرسة للإدارة في عام 1868م في عهد الخديوي إسماعيل، وكانت تضم الإدارة والألسن معًا تحت مسمى "مدرسة الإدارة والألسن" وتقوم بتعليم اللغات وكذا الإدارة للوظائف الملكية.
وجاء أول تنظيم لشؤون الموظفين في مصر وهو عدد من الأوامر والفرمانات الخديوية التي صدرت عام 1883م ، وكان أول كادر يحدد المرتبات للرتب المدنية قد صدر بأمر من الخديوي سعيد باشا عام 1862م مع مقابلة الترتيب (الدرجة) المدنية بما يناظرها من رتبة عسكرية مثل رتبة ثانية ممتازة تقابل رتبة اللواء.
وصدر أول كادر لدرجات الموظفين وترقياتهم عام 1907م، ثم كادر آخر عام 1921م، ثم ثالث عام 1939م، والذي استمر حتى قيام ثورة يوليو 1952م حين أُسِّس أول جهاز خدمة مدنية في مصر مكون من: الإدارة العامة للاختيار والتمرين-الإدارة العامة للميزانية-الإدارة العامة لشؤون الموظفين-والإدارة العامة للتشريع والبحوث.
وأول قانون منظم يحكم شئون العاملين صدر في 1951م برقم 15، وبدأ تطبيقه أول يوليو 1952م، والقوانين المنظمة للعاملين في مصر حاليًا هي القانون رقم 58 لسنة 1971م الخاص بالعاملين في الحكومة، والقانون رقم 42 لسنة 1978م الخاص بالعاملين في الدولة، والقانون رقم 48 لسنة 1979م الخاص بنظام العاملين بالقطاع العام، والقانـون رقم 203 لسنة 1991م الخاص بشركات قطاع الأعمال العام.
أما عن محاولات الإصلاح الإداري فيمكننا تتبعها تاريخيًا منذ أول محاولة عام 1830م حين صدر أمر عالٍ تنص مادته الأولى على أنه "يجب أن يكون للمصالح الحكومية الأميرية نظام خاص بها، وأن تُقرَّر درجات مستخدميها"، وتعددت الإجراءات حتى وصلنا إلى عام 1910م حين أُنشئ المجلس الأعلى للموظفين، وتلا ذلك عدة إجراءات خاصة بشروط التعيين وتعديل المرتبات، وفي 1948م تم إنشاء ديوان الموظفين والمعاشات في وزارة المالية.
وتضمنت محاولات الإصلاح الإداري كذلك استخدام خبراء أجانب لتقديم النصح والمشورة نحو التطوير فجاء الخبير البريطاني "بول سنكر A.P.Sinker" عام 1950م، والذي قدم تقريره المشهور بتقرير "سنكر" متضمنا عددًا من التوصيات بعد أن شخَّص أهم مشكلات الجهاز الإداري المصري في : التدخل الحزبي-التضخم في عدد الموظفين-انخفاض مستوى المرتبات-نظام ترتيب الوظائف-نظام الترقيات والعلاوات-نظام المرتبات.
ثم جاء الخبيران الأمريكي "لوثر جوليك Luther Gulick" والإنجليزي "جيمس بوليك Games Pollek"، وتلاهما الخبير الباكستاني "غلام أحمد"، ولم تختلف توصيات هؤلاء الخبراء كثيرًا عما قدمه "سنكر".
وتعددت محاولات وإجراءات الإصلاح الإداري على المستويين التشريعي والتنفيذي خلال الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى اليوم، ولكن لم نشعر حتى اليوم بنتائج حقيقية أو عوائد قيمة.
ومن ثم يثور هذا التساؤل: لماذا -مع تعدد محاولات وإجراءات الإصلاح الإداري خلال أكثر من تسعة عقود- لم يتم تطوير الجهاز الإداري المصري بالصورة المنشودة؟
نستطيع أن نقدم ما يذهب إليه الخبراء من الأسباب الرئيسة في الآتي بصفة عامة:
- الحلول المقترحة تميل إلى الشكلية والمظهرية والنمطية.
- تأليه الحل العلمي.
- مسألة الإمكانيات.
- المناعة ضد الإصلاح.
- مصالح الصفوة البيروقراطية.
ولا يتسع المجال هنا للتفصيل في شأن هذه الأسباب.
3- البيروقراطية المصرية وأهم مشكلات الجهاز الإداري
يصور كثير من الباحثين المجتمع المصري على أنه أكثر المجتمعات مركزية، وقد وضع "ماكس فيبر" النموذج المصري كأحد النظم المركزية الأساسية، واعتبر نظام الموظفين في "مصر الفرعونية" النموذج التاريخي الذي سارت عليه البيروقراطية فيما بعد.
ويرى الدكتور "جمال حمدان" أن المركزية الصارخة طبيعيا وإداريا هي من أبرز ملامح الشخصية المصرية، وهى صفة متوطنة لأنها قديمة قدم الأهرام ومزمنة حتى اليوم، وأنه إلى جانب الطبيعة والتضاريس -عدم وجود تضاريس وعرة أو مناخ متباين- يوجد عامل مهم يدعو إلى مزيد من المركزية وهو العامل الوظيفي؛ فالبيئة فيضية والمجتمع نهري؛ ولهذا أصبح الري مرادفا للتنظيم بل التنظيم المركزي الذي يخضع فيه الجميع طواعية لسلطة عامة مطلقة، وكان هذا من أقوى عوامل ظهور الوحدة السياسية المبكرة في مصر، كما أنه علَّم الشعب النظام الذي هو أساس الحضارة، إلا أنه أسَّس أيضا لدور الحكومة الطاغي، وأرسى نواة الموظفين الثقيلة، وأصبحت البيروقراطية المركزية عنصرا أصيلا في مركب الحضارة المصرية.
إن تاريخ مصر السياسي والاجتماعي يبين في وضوح تام أن البيروقراطية كأسلوب للحكم والإدارة كانت متبعة في مصر القديمة أيام الفراعنة وعلى مر السنين، وهنا يمكن اعتبار عصر بداية الأسرات فترة "تكوين" بالنسبة لنظم الإدارة التي نشأت بدائية ثم أصبحت فيما بعد أساسا لكل التنظيمات الكبيرة التي طبقت في الفترات التالية، فإذا ما رجعنا إلى العصور الأولى لوجدنا جذور البيروقراطية تتمثل في شخصية "الكاتب الجالس القرفصاء" في أيام الفراعنة، ثم "شيخ البلد" في مصر القديمة، ومع مرور الوقت تأكدت سمات المركزية والبيروقراطية وتضخم الجهاز الإداري واستشرى، وأصبح الموظفون يشعرون بأهمية خاصة ويمارسون سلطاتهم بطريقة تعسفية واستبدادية مشتقة من شخصية الحاكم. وسير التاريخ يدلنا على أن رخاء مصر وازدهارها واستقرار العمران فيها كان رهنا بدرجة أو بأخرى بدور الجهاز الإداري، ومن هنا تأتي أهمية العمل على تطويره وإصلاحه واعتبار ذلك عملية ديناميكية مستمرة.
وإلى جانب هذا الملمح المميز للبيروقراطية المصرية وهو "المركزية الشديدة" يمكن طرح السمات التالية كـ مشكلات وأمراض الجهاز الاداري المصري التي انتهى إليها الخبراء والمتخصصون:
- عدم وضوح أهداف العمل في الإدارة الحكومية، وغياب معايير تقييم الأداء، وانفصال الأنشطة في تلك الإدارة بشكل واضح عن أهداف وتوجهات الخطة القومية للتنمية.
- تضخم العمالة وسوء توزيعها.
- ارتفاع تكلفة العمالة مع تدني إنتاجيتها.
- طول وتعقد الإجراءات دون مقتضى حقيقي.
- سوء أساليب ومعايير اختيار القيادات الإدارية.
- إهدار حق الجماهير في المشاركة في إدارة الخدمات، والرقابة على أداء وحدات الإدارة الحكومية.
- تقادم المباني والمعدات والآليات المستخدمة.
- تعدد الأجهزة والجهات الإدارية التي يضطر المواطن -أو المستثمر- للتعامل معها لإنجاز معاملة محددة.
- عدم اعتراف وحدات الإدارة الحكومية بما يصدر عن بعضها البعض من مستندات وشهادات، وإصرار كل منها على أن يتقدم المواطن في كل مرة بالمستندات الأصلية المعدة خصيصا لكل جهة (الجهات الحكومية تتعامل كجزر منفصلة).
- فشل القانون رقم 5 لسنة 1991م -قانون القيادات- في تحقيق أهدافه، وانحراف التطبيق عن الأسس التي تضمنها القانون.
- عدم تناسب الأجور والمكافآت للعاملين مع الأهميات النسبية للأعمال التي يقومون بها، وإهدار الأسس العامة لنظام ترتيب الوظائف.
- ازدياد الفساد الإداري وشيوع مظاهره في مختلف القطاعات والمستويات.
- تعارض وتضارب المصالح بين بعض موظفي الدولة الذين يجمعون بين الوظيفة وعضوية المجالس التشريعية.
- غياب أسلوب يربط بين نتائج تقييم أداء الموظف وتجديد صلاحيته للاستمرار في الوظيفة.
- كثرة التشريعات وتعديلاتها وتضاربها وحيرة الموظف والجمهور بينها.
- عدم شمول محاولات الإصلاح السابقة لعناصر المنظومة الإدارية كلها.
وإذا أردنا التركيز على أهم المثالب والعيوب التنظيمية للإدارة الحكومية في مصر، وجدنا ما يلي:
- العقلية المصلحية الضيقة؛ فكل جهة إدارية وكل موظف حكومي حريص كل الحرص على تأكيد امتيازاته وتضخم اختصاصاته على حساب الجهات الأخرى، ولكنه أيضا شديد المهارة في تحويل و"زحلقة" كافة المشكلات والموضوعات المعقدة على غيره بحجة أنها ليست من اختصاصه ولسان حاله يقول: "ياعم أنا مالي".
- التركيز على شكل "الوزارة" كهيكل للتنظيم الرئاسي، على حين أن ثمة أنشطة تتطلب جهة تخطيط ورقابة ومتابعة يتعين أن تكون أعلى من الوزارات أو على الأقل مختلفة عنها من حيث الطبيعة القانونية والتنظيمية. ومن الأمثلة على ذلك وقوع التخطيط، والعلاقات الثقافية الخارجية، والرقابة في اختصاص وزارات وليس لجانا عليا أو مجالس قومية مثلا وهو الأسلوب الأفضل.
- تتميز الوزارات نفسها بشكل تنظيمي نمطي التدرج والترتيب ينطبق على كافة الوزارات بصورة تذكِّر بالأسلوب الفرنسي للتنظيم وبطريقة لا تتكيف مع الطبيعة الخاصة لنشاط كل وزارة خصوصا في دولة يتسع دور الحكومة فيها ليشمل عددا كبيرا من مجالات النشاط غير التقليدية كالاقتصاد والثقافة...إلخ.
- كذلك تتميز الوزارات بتضخم تنظيمها الداخلي بصورة غير عادية وبكثرة مكاتب الوزراء والوكلاء والمديرين وما يسمى بالمكاتب الفنية والقانونية والعلاقات العامة.... إلخ.
- يتميز التنظيم الإداري بعدم وضوح فضلا عن عدم وعي الموظفين لوجود التفرقة بين الإداريين Line والفنيين Staff داخل المنظمة، ولسنا ندعي أن هذه التفرقة حقيقية أو ضرورية خصوصا في ظروف التنمية وإنما كل ما نعنيه هو أن هذه التفرقة غير مفهومة على الإطلاق من جانب الإداريين المصريين سواء على المستوى النظري أو المستوى العملي.
- المبالغة أحيانا في اللجوء إلى صيغة "الجهاز المركزي" في التنظيم الحكومي ويبدو أنه كلما ظهرت مشكلات في التنسيق كانت هذه الصيغة هي الحل المقترح لدرجة أنه اقتُرِح مرة إقامة جهاز مركزي للمباني الحكومية. من ناحية أخرى اقترح البعض إلغاء كافة الأجهزة المركزية وضم مسؤولياتها إلى الوزارات الموجودة بالفعل ومن ذلك إدماج الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في وزارة التخطيط حين كانت قائمة.
- المبالغة في عدد أجهزة الرقابة وتداخل الاختصاصات فيما بينها، فعندنا من جهات الرقابة ما يلي:
- الأجهزة المركزية: التعبئة العامة والإحصاء، والمحاسبات، والتنظيم والإدارة.
- أجهزة ذات طبيعة قانونية وقضائية، وهي مجلس الدولة والنيابة الإدارية والرقابة الإدارية.
- أجهزة خاصة تزيد أو تقل صفتها الرقابية بحسب الظروف السياسية والتنظيمية وذلك من قبيل وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، والسكرتارية العامة لرئاسة الجمهورية، وربما أيضا المباحث العامة والمخابرات.. إلخ.
يمكن إجمالا أن نصف "الجهاز الإداري الحكومي بأنه بالغ النمو والتعقد، فضلا عن تضخم قمته، وانفصام أجزائه، واختناق مستواه الأوسط، واستشراء ما يشبه الشلل في مستواه الأدنى |
1- تقديم الخدمات العامة (الخدمات الصحية مثالاً)
يمكن عرض تصور ما ينبغي أن يكون عليه حال الجهاز الإداري المصري في ثلاثة أبعاد على النحو التالي:
يحتل قطاع الخدمات الصحية في معظم دول العالم موقعًا متميزًا بين باقي القطاعات الخدمية الأخرى نظرًا للأهمية الخاصة التي تفرضها طبيعة الخدمات التي يقدمها هذا القطاع واتصالها المباشر بصحة الأفراد بل وبحياتهم. وقد ولَّدت تلك الأهمية زيادة في الطلب على خدمات هذا القطاع بمعدلات سريعة ومتلاحقة كنتيجة لارتفاع وتنوع أشكال الخدمات الصحية والرعاية الطبية الممكن تقديمها، والتطور السريع والمتلاحق في مختلف مجالات التقنية الطبية، وما واكبه من ظهور معدات طبية وأجهزة ومستلزمات معملية باهظة التكاليف، وتشخيص أنواع جديدة من الأمراض لم تكن معروفة من قبل وما تستلزمه مواجهتها من أبحاث وتجارب ذات تكلفة عالية للوصول إلى أنسب الطرق لعلاجها، وارتفاع متوسط الأعمار وما نتج عنه من تغير هيكلي في التركيبة السكانية، وارتفاع معدلات التضخم العام في مستلزمات الأجهزة والمعدات الطبية والمواد الخام اللازمة لتصنيع الدواء وما شابه ذلك. انعكست كل هذه الأسباب مجتمعة في شكل ارتفاع بمعدلات سريعة متلاحقة في تكلفة الحصول على تلك الخدمات الصحية.
وتتعدد مشكلات تقديم الخدمة الصحية في مصر، كما في كثير من دول العالم الآخذة في النمو، في النقاط التالية:
- عدم المساواة في توفير الخدمات الصحية لكافة المواطنين في المجتمع سواء من حيث الخدمات البسيطة أو الوقائية أو من حيث نوعية وحجم الخدمات التي تُقدم أو تُوَفَّر في المراكز الحضرية وتلك التي تقدم وتوفر في المناطق الريفية والأطراف النائية.
- سوء توزيع الأجهزة والمؤسسات والمتخصصين في المجال الصحي؛ فقد يظهر للملاحظ العادي أحيانًا أن هناك فائضًا في الأطباء مثلاً في مناطق معينة بينما يوجد ندرة وعجز في مناطق أخرى.
في هذا السياق نشير إلى نص دستور مصر الدائم الصادر في 1971 م في المادة (16) على أن "تكفل الدولة الخدمات الثقافية والاجتماعية والصحية، وتعمل بوجه خاص على توفيرها للقرية في يسر وانتظام رفعًا لمستواها"، ونص في المادة (17) منه على أنه "تكفل الدولة خدمات التأمين الاجتماعي والصحي، ومعاشات العجز عن العمل والبطالة والشيخوخة للمواطنين جميعًا؛ وذلك وفقًا للقانون".
وفي مواجهة هذه المشكلات وغيرها وعملا على تحسين تقديم الخدمات الصحية يوضح تقرير "أداء الحكومة في 5 سنوات 2004 – 2009م" الصادر في يوليو 2009م الجهود الحكومية في مجال الرعاية الصحية، وذلك فى البند ثالثًا من بنود التقرير والمعنون "خدمات أفضل لتحسين نوعية الحياة" يضم التعليم، الصحة، الإسكان، المياه والصرف الصحى، الكهرباء، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، شبكة النقل والمواصلات، الإعلام، البيئة، الثقافة، الحكومة الالكترونية. وفيما يتعلق بالخدمات الصحية عرض التقرير للإنفاق على الخدمات الصحية، تطوير وتعميم الخدمات الصحية-مكافحة الأمراض ومؤشرات تحسين الأوضاع الصحية، في الصفحتين 42-43. والأرقام والبيانات والمؤشرات المعروضة تعبر عن إنجازات الحكومة فى مجال الخدمات الصحية وفق إحصاءاتها ودراساتها ومقاييسها، لكني-وأتحدث هنا كمواطن مصري- لا أشعر حقيقة بمردود أو عائد هذا "الإنفاق الكبير" في الواقع الفعلي. ويكفى القيام بتحليل مضمون بسيط للصحافة المستقلة أو الحزبية أو حتى الحكومية ومتابعة قصيرة للبرامج الحوارية، ولشكاوى المواطنين، وملاحظة الصور وقراءة التحقيقات والمقالات، لنتبين أن هناك مساحة شاسعة بل وبوْنا هائلا بين ما تقول به بيانات وأرقام الحكومة وبين ما يشعر به المواطن، ونؤكد هنا على عدم توافر الرضاء العام عن مستوى تقديم الخدمات الصحية في مصر حتى اللحظة الراهنة، والتي كان آخر مظاهرها تلك المخالفات القانونية التي شابت عمليات العلاج على نفقة الدولة، والتي كُشِف النقاب عنها في عام 2010 وبخاصة تلك المتعلقة بتورط نواب في البرلمان واتخاذهم من العلاج على نفقة الدولة وسيلة للتكسب غير المشروع .
2- منطلقات التطوير ومتطلباته
من مراجعة أبرز الجهود التي بذلت في مجال تطوير الجهاز الإداري في مصر يتبين أن أيديولوجية الإصلاح قد تزايد تعلقها وتمسكها بما يمكن أن نسميه "الأساليب العلمية" في معالجة مشكلات الإدارة، وأن معظم الوصفات الخاصة بالإصلاح بصفة عامة قد دارت حول "التنظيم" أو "هندسة المؤسسات"، وهكذا استقر أن تبني مجموعة من "المبادئ العلمية والأساليب الفنية" هو السبيل نحو رفع الكفاءة في الجهاز الإداري في الدولة وزيادة فعاليته. وهذا أمر طيب ومقبول ولكن لا يجب التوقف عنده؛ فمتطلبات التطوير ومنطلقاته أبعد من ذلك وأكثر شمولاً وهو ما سنبينه بعد قليل.
هذا عن الفكر الحاكم في إصلاح وتطوير الجهاز الإداري في مصر، فماذا عن سمات برامج الإصلاح ذاتها؟
لقد تميزت هذه البرامج أو الخطط بأسلوب "ترقيعي" في أساسه على الرغم من كل الحديث عن أهمية "هز الجهاز الحكومي" وتحقيق "الثورة الإدارية". وهكذا تراكمت كثرة من القوانين واللوائح والترتيبات، وأنشئت أو ألغيت أو أدمجت المؤسسات وعقدت المؤتمرات والندوات والبرامج ولكن ظل الطابع العام لكل أيديولوجية الإصلاح هو أنها جزئية وتدرجية وجانبية.
التطوير الإداري قرار سياسي في الأساس، يتوقف مدى النجاح في تحقيقه على رغبة وقدرة القيادة السياسية على اتخاذ ودعم ومتابعة الإجراءات والسياسات اللازمة بالتشاور مع الأطراف المعنية |
فإذا كان ما تقدم هو أيديولوجية التطوير الإداري في مصر والسمة البارزة في برامجه وخططه، فما أهم متطلبات ومنطلقات هذا التطوير؟
في تصورنا عدة منطلقات ومتطلبات ترشدنا إليها الخبرة التاريخية والدراسات المتعددة التي قام بها الخبراء والمتخصصون، وأهمها:
- أن التطوير الإداري قرار سياسي في الأساس، يتوقف مدى النجاح في تحقيقه على رغبة وقدرة القيادة السياسية على اتخاذ ودعم ومتابعة الإجراءات والسياسات اللازمة بالتشاور مع الأطراف المعنية.
- أن الإصلاحات الجزئية للحد من حجم الجهاز الإداري ومن تزايد تكاليفه لم تصادف نجاحًا كبيرًا.
- من المهم تخفيف أعباء الإدارة العامة بإعطاء مزيد من الدور والإسهام للقطاعين الخاص والأهلي، وإلغاء احتكار بعض وحدات الجهاز الإداري للخدمات التي تقوم بها.
- من الضروري رفع كفاءة إيصال الخدمات العامة، والعمل على استخدام وسائل غير تقليدية مثل عقود الإدارة، والتنافسية... إلخ.
- العمل على كسب تعاون المواطنين وإثارة اهتمامهم بالعمل الإداري والسعي نحو تغيير نظرتهم للبيروقراطية ونظرة البيروقراطية لهم، بمعنى آخر التخلص من علاقات العداء والشك المتبادل.
- الأخذ بمداخل وأساليب التطوير الحديثة مثل إدارة الجودة الشاملة، والمقارنة المرجعية، وتعزيز الشفافية في عمل الإدارة العامة، ومساءلة الجهاز الإداري.
- إعادة النظر في وظائف الجهاز الإداري؛ بحيث يتيح دور هذا الجهاز -علاوة على التنفيذ المباشر لبعض المهام- مشاركة أكثر فعالية لكل من القطاع الخاص والمنظمات غير الحكومية، على أن يتم هذا في ظل إشراف وتوجيه فعال من الجهاز الإدارى.
- تنمية القيادات الإدارية، والاهتمام بإعداد الصف الثاني.
- إعادة هيكلة أجهزة الرقابة المركزية وتطوير أدوارها بما يناسب التغير في دور الدولة.
- استرداد تكلفة بعض الخدمات الحكومية، وتطبيق أنظمة أخرى حديثة في تقديم بعض هذه الخدمات.
- تغيير ثقافة العاملين بالأجهزة الإدارية لتكون قادرة على استيعاب الدور الجديد للمواطنين، ومعرفة كيفية التعامل معهم للتوصل إلى أفضل الحلول للمشكلات.
- التفكير في تطبيق نظام "المفوض العام" أو "الأمبودسمان" الذي يتلقى شكاوى المواطنين ويحققها وينتهي إلى توصيات للأجهزة الإدارية المعنية، وقد أثبت هذا النظام فعالية كبيرة كما في تجارب الدول الإسكندنافية.
- تصبح الدولة مسؤولة فقط عن قطاعات النشاط الإستراتيجية، مثل: البترول، وقناة السويس، والصناعات الحربية، وتباشر دورها في هذه المجالات بشكل مباشر من خلال أجهزتها كما يمكن تنفيذها بواسطة أجهزة أهلية أو خاصة تحت إشرافها.
- أن للدولة دورا في فض المنازعات بين العمل ورأس المال كعنصرين أساسيين في التنمية تباشره (بالتشريع وبالتحكيم).
- الاتفاق على أن قطاعات الإدارة الحكومية المختلفة لها مشكلات وأوضاع متباينة، الأمر الذي يحتم أن تتباين الحلول والمعالجات بما يتناسب مع خصوصية كل قطاع من قطاعات الجهاز الإداري للدولة ومن ثَمَّ تجنب الوصفات النمطية.
- أهمية استحداث وتفعيل نظم وآليات لتقييم أداء وحدات الجهاز الإداري بالدولة بالمقارنة بالأهداف المحددة من ناحية، وبالموارد المخصصة من ناحية أخرى. (الربط بين المدخلات والمخرجات، وتبين مدى مناسبة الأنشطة والإجراءات لكليهما).
3- أهم مقترحات التطوير
في بيان حكومة الدكتور أحمد نظيف (2004م) ورد البند السابع عن"تطوير الجهاز الإداري للدولة" وجاء فيه "أن عدد العاملين بالجهاز الإداري للدولة قد زاد إلى أن بلغ 5.67 مليون موظف حكومي يعملون في إطار قانون ونظم وقواعد آن الأوان لمزيد من تطويرها وتحديثها، فضلا عن أن العاملين بالحكومة أنفسهم في حاجة إلى برامج تدريبية متطورة لرفع كفاءتهم ولزيادة مستوى أدائهم، وأن الحكومة قد راعت أن يسير هذا التطور ويتم هذا التحديث من خلال: تطوير وتنشيط الخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين وللمستثمرين، وتطوير نظم الإدارة في مؤسسات الدولة، وإنشاء واستكمال قواعد البيانات القومية والاقتصادية، وإعادة هيكلة القطاع الحكومي، وتطوير نظم شغل الوظائف القيادية، وأخيرًا تحقيق اللامركزية وتعزيز المشاركة المجتمعية".
من المثير للدهشة واللافت للنظر بل والذي يدعو إلى الاستنكار في هذا السياق، أن تقريرًا للحكومة المصرية صدر في يوليو 2009م أيضًا بعنوان (أهم 60 إنجازًا في 60 شهرًا) لم يتضمن إنجازًا واحدًا عن إصلاح الجهاز الإداري للدولة والذي لا يكف الجميع صباحًا ومساءً عن اتهامه بأنه السبب الأساسي في كل مشكلات الوطن، وعرقلة جهود التنمية. فقط يذكر التقرير في ص39 "تشكيل لجنة الشفافية والنزاهة لوضع إستراتيجية قومية لتعزيز ودعم الشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد بوحدات الجهاز الإداري بالدولة والقطاعات الحكومية والعامة". ولم نجد بندا واحدا يتعلق بما ذهب إليه بيان الحكومة في شأن تطوير وتحديث الجهاز الإداري للدولة.
هذا عن الرأي الرسمي للحكومة المصرية الحالية بشأن تطوير الجهاز الإدارى المصري والذي لم ينتقل أبدًا إلى حيز التنفيذ؛ فماذا عن تصور الخبراء والمتخصصين؟
تتعدد الاجتهادات وتتباين الرؤى في هذا الشأن، وقد وجدنا أن أكثر الأطروحات دقة وتركيزًا كان البرنامج القومي للتطوير والذي نتج عن/أو كان مخرج ورشة عمل مهمة، والذي قام بإعداده وصياغته الأستاذ الدكتور على السلمي أستاذ الإدارة البارز ووزير التنمية الإدارية سابقًا، ويتضمن ذلك البرنامج ستة محاور على النحو التالي باختصار شديد:
المحور الأول: الموظف العام
يركز هذا المحور على إعادة صياغة الهيكل الوظيفي بالجهاز الإداري للدولة بناء على دراسة الاحتياجات الحقيقية من العاملين وتحسين أوضاعهم من حيث الرواتب والحوافز، واقتراح تحقيق طفرة في دخول موظفي الدولة بإعفاء رواتبهم وحوافزهم من الضرائب، وكذا تدبير مصدر لتمويل الزيادات في الرواتب بفرض رسم على الخدمات المقدمة للمواطنين.
المحور الثاني: تطوير النظم وتبسيط الإجراءات
يهتم هذا المحور بتبسيط إجراءات تعامل المواطنين مع أجهزة الدولة من خلال إبعاد المواطن عن الاتصال المباشر بالموظف الذي يؤدي الخدمة، وتطبيق فكرة ONE STOP SHOP.
المحور الثالث: تطوير الهيكل العام للجهاز الإداري للدولة
يقوم هذا المحور من برنامج الإصلاح الإداري على فكرة رئيسية مؤداها ضرورة إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة ليتناسب -من حيث الأساس التنظيمي والحجم والاختصاصات- مع الدور الجديد للدولة في ظل سياسات التحرير الاقتصادي.
المحور الرابع: الإصلاح التشريعي
يتوجه هذا المحور من الإصلاح الإداري إلى أهمية إعادة صياغة القوانين الأساسية المنظمة لعمل الجهاز الإداري للدولة بحيث تكون في الأساس أداة معاونة على رفع كفاءة الأداء، وتمكين القيادات الإدارية من تحمل مسؤولياتها واستخدام صلاحياتها بحرية مسئولة، لا أن تكون وسيلة للتقييد والتعويق بما يؤدي إلى تراجع القيادات الإدارية عن ممارسة صلاحياتها التزامًا بما يفرضه كثير من القوانين المطلوب تغييرها من إجراءات مطولة. والفكرة المحورية في توجهات الإصلاح التشريعي المقترح أن تتوافق فلسفة القوانين الحاكمة للجهاز الإداري مع التوجهات والسياسات الاقتصادية والاجتماعية الجديدة للدولة.
المحور الخامس: التطوير التكنولوجي للجهاز الإداري
يرى الخبراء أن تحقيق الإصلاح الإداري الفعال يتطلب الأخذ بأسباب التقدم التي توفرها تكنولوجيا المعلومات الحديثة بكل ما تعنيه من سرعة في الأداء ودقة في المعلومات وحداثة تلك المعلومات، وتخفيف الأعباء عن العاملين وعن المواطنين، ويذكرون أن مقومات هذا التطوير التكنولوجي متوفرة لكن غير مستغلة.
المحور السادس: آليات تنفيذ البرنامج القومي للإصلاح الإداري
نجاح تنفيذ هذا البرنامج لتطوير الجهاز الإدارى المصري يعتمد بصفة أساسية على اقتناع القيادة السياسية بأهميته وجدواه، ويستدعي إنشاء آلية أو جهاز يخطط لوضعه موضع التنفيذ ويتابع التقدم ويقيم النتائج، ويراه الخبراء والمتخصصون متجسدًا في "مجلس أعلى للإصلاح الإداري" برئاسة السيد رئيس الجمهورية ويضم فى عضويته رئيس مجلس الوزراء ووزير التنمية الإدارية (أمينا عامًا)-وزير المالية-وزير العدل-وزير القوى العاملة-رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة-رئيس هيئة الرقابة الإدارية-رئيس اتحاد الغرف التجارية-رئيس اتحاد الصناعات المصرية-ممثلا لجمعيات رجال الأعمال-ممثلا لاتحادات المستثمرين-ممثلا لنقابة التجاريين-عددا من أساتذة وخبراء الإدارة-ممثلا للإعلام الرسمي.
وختاما
كان ما تقدم عرضًا لمقتضى حال "الجهاز الإدارى المصري" وتصورا لمآل هذا الجهاز، ويبقى أن نؤكد على أهمية وضرورة تطوير هذا الجهاز الذي يلعب دورًا خطيرًا فى النظام السياسي، ويكفي أن نتذكر هنا أن التنظيم البيروقراطي يستطيع أن يُقوِّض "الحكومة" ويهدد الاستقرار. وذلك من خلال عدة أساليب، أبرزها:
- تزويد المواطنين بمعلومات خاطئة.
- إمداد الحكومة ذاتها وتضليلها بالمعلومات غير الصحيحة.
- التنفيذ غير الكفء للبرامج والمشروعات.
- الامتناع عن تقديم الخدمات العامة أو تجميدها أو تعقيد إجراءاتها.
وأعتقد أنه قد باتت هناك "حاجة مجتمعية مصرية" تدعو وتطالب وتنادي وتحتج وتعتصم مطالبة بالتطوير، وقد آن الأوان للاستجابة لها، ولا أبالغ إذا ما نصحتُ بأن نفتش دومًا عن "البيروقراطية" في كل هذه السياقات.
_____________________
حسين عطية أفندي، أستاذ الإدارة العامة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.