بلدان البلقان... آفاق مستقبلها الأوروبي

يرى الصحفي الإيطالي توماس ميغليرينا أن الحكم على البلقان بالعزلة والغناء خارج سرب الاتحاد الأوروبي سيدعم على قوى زعزعة الاستقرار التي نشطت بالتسعينات ولا يودّ أحد عودتها وهناك العديد من الإصلاحات المؤلمة تُصاغ وسيتم تنفيذها في المنطقة تحت اسم "مستقبل أوروبا"
17 January 2011







توماس ميغليرينا


في إطار المشروع السياسي الطموح لإعادة توحيد أوروبا، والذي بدأ بعد سقوط جدار برلين، أصبحت منطقة غرب البلقان هي الحلقة المفقودة واللبنة الأخيرة في أفق إتمام بناء هذا الصرح العظيم.


حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
الاتحاد الأوروبي وشروطه الصعبة
الانضمام للاتحاد ينطلق من البلقان أولا
أوروبا والإسلام في البلقان


حلم الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي






أصبح معظم البوسنيين والصرب والمقدونيين ومواطني الجبل الأسود (الذين أفقرتهم الحروب والأزمات) في حاجة إلى طلب تأشيرة من أجل زيارة أية وجهة أوروبية تقريباً
عام 2007، انضمت رومانيا وبلغاريا (واللتان تشكلان معاً الجزء الأكبر من المنطقة الشرقية) إلى الاتحاد الأوروبي فيما يشبه "تتمة قصيرة" لمسلسل توسيع الاتحاد(1) الذي بدأ سنة 2004، وبالرغم من الشكوك التي كانت تحوم حول مستوى استعدادهما الحقيقي للدخول في الاتحاد.(2) بعد ذلك بثلاث سنوات، ما زالت بوخارست وصوفيا مستبعدتين من بعض أفضل المزايا الملموسة للاتحاد (مثل العملة الموحدة أو منطقة شنغن(3))، وبقيتا خاضعتين لنظام مراقبة فريد من نوعه على يد بروكسل حول قضايا تخص مكافحة الفساد وتحقيق سيادة القانون. ولكن حتى في وجود هذا العيب المحرج فإنهما يشكلان جزءاً لا يتجزأ من الاتحاد: فهما ممثلان في مختلف المؤسسات، ويشاركان بدون قيود في عملية صنع القرار. كما أن الرومانيين والبلغاريين يتمتعون تقريباً بجميع الحقوق المرتبطة بالمواطنة داخل الاتحاد الأوروبي(4).


ولكن الوضع مختلف تماماً فيما يخص دول البلقان الغربية التي كانت حتى العام 1991 (باستثناء ألبانيا) قد تقاسمت خمسين عاماً من الماضي المشترك داخل بلد فيدرالي واحد: جمهورية يوغوسلافيا الاشتراكية الاتحادية. وبعد انضمام رومانيا وبلغاريا، أصبحت هذه المنطقة مطوقة تماماً من قبل الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، وخلال السنوات العشرين الماضية اتخذت الأمور "منحى عكسياً"، انمحت معه حتى بعض الحريات والمزايا التي كانت موجودة في ظل النظام الشيوعي.



فعلى سبيل المثال، كانت حرية السفر إلى جميع أنحاء العالم أفضل أمام 22 مليون مواطن من يوغوسلافيا مقارنة بمواطني معظم بلدان أوروبا الشرقية أو الغربية حتى عام 1989، قبل أن يضع انهيار الاتحاد، والحروب الدامية التي تلت ذلك، حداً لهذه الحرية. وفي غضون سنوات قليلة أصبح معظم البوسنيين والصرب والمقدونيين ومواطني الجبل الأسود (الذين أفقرتهم الحروب والأزمات) في حاجة إلى طلب تأشيرة من أجل زيارة أية وجهة أوروبية تقريباً. الألبان هم الشعب الوحيد الذي كان يعيش في الحالة نفسها، ولكنهم عاشوا في السابق وعلى مدى نصف قرن في شبه عزلة تامة فرضوها على أنفسهم.



ولم تُرفع قيود التأشيرة لدخول بلدان الاتحاد الأوروبي إلا هذا العام: في يناير/كانون الثاني بالنسبة لصربيا والجبل الأسود ومقدونيا، وفي ديسمبر/كانون الأول بالنسبة لألبانيا والبوسنة والهرسك، ولكنها بقيت مفروضة على مواطني كوسوفو وحدهم. ولم يكن هذا التغيير بالأمر الهيّن بالنسبة لهذه الشعوب؛ فقبل بذلك بخمس سنوات أو يزيد، لم يكن ثلثا الطلاب الجامعيين في بلغراد قد جرّبوا متعة السفر خارج بلادهم، بالرغم من أن قطعها من الغرب إلى الشرق لا يكلف أكثر من ساعتين بقليل على السيارة. وبينما ستستمر الحواجز الاقتصادية في منع الناس من التمتع بمزايا السفر، على الأقل لفترة من الوقت، هناك بلا شك أمر مهم تم القيام به للخروج من عقلية "حالة الحصار" التي كانت منتشرة على نطاق واسع في هذه المناطق فيما مضى. ومن المرجح أن تظل هذه الخطوة هي الإجراء الملموس الوحيد نحو أوروبا الذي ستتخذه هذه البلدان لبعض الوقت.


الاتحاد الأوروبي وشروطه الصعبة





من المفارقات المريرة أن نرى بلدا مثل البوسنة والهرسك والذي شهد تدخلاً دولياً مكثفاً يبدو نائيا جدا عن التكامل الأوروبي  فبعد ثلاثة أشهر من الانتخابات، لا يتوفر البلد حتى على حكومة يمكن أن تنفذ ما هو مطلوب أوروبيا قبل أن يتم النظر في أي طلب للعضوية
تلقت هذه المنطقة وعداً بالحصول على منصب في طاولة الاتحاد منذ سنة 2002، ولقد تمت الإشارة إلى "وجهة النظر الأوروبية بخصوص بلدان غرب البلقان" في استنتاجات المجلس الأوروبي بكوبنهاجن في شهر يونيو/حزيران 1993. ورغم غموض هذه الفكرة، فإنها تبقى على الأقل التزاماً من جانب الاتحاد، بينما نجد أن بلداناً مثل مولدوفا وأوكرانيا أو روسيا البيضاء (والتي تطمح أو قد تطمح للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يوما ما) لم تحصل حتى على هذه الكلمات القليلة لتبني عليها آمالها.


وقد تمت الإشارة إلى هذه الوجهة في سياق ما عرف باسم "عملية تحقيق الاستقرار والانتساب". وكان من الواضح أن الأمر سيستغرق الكثير من الوقت: فالمنطقة كانت قد تمزقت بسبب الحرب خلال العقد الماضي بأكمله، بل ولفترة أطول من ذلك بقليل (وقعت الحرب بين الأقلية الألبانية والحكومة في سكوبيا في العام 2001). وقبل ذلك بأقل من سنتين تم خلع ميلوسيفيتش من السلطة في بلغراد.



وفي غضون ذلك، كان الاتحاد الأوروبي مشغولاً بإصلاح نفسه. وتمت الموافقة على معاهدة جديدة في مدينة نيس الفرنسية، ورغم أنها لم تكن مثالية فقد كانت تكفي لاستيعاب عشرة إلى اثني عشر عضواً جديداً للانضمام قريباً إلى الاتحاد الأوروبي. وعلى الأمد البعيد، أُطلقت الاتفاقية التي من شأنها وضع مشروع قاعدة قانونية جديدة: الدستور الأوروبي، الذي سيستوعب الحلول النهائية.



مضت ثمان سنوات الآن، فماذا تبقى من كل هذا الحماس؟ النزر القليل: سلسلة من المشاكل الخاصة بكل بلد وبرودة مزاج داخل الاتحاد الأوروبي قد خففت إن لم توقف عملية التوسيع برمته(5). وهو ما سنتطرق إليه هنا بالتفصيل.



بحلول نهاية عام 2011، ربما ستكون كرواتيا العضو الوحيد المرجح لإتمام مفاوضات الانضمام في وقت قصير نسبيا(6)، فلم يتبق سوى إتمام خمسة فصول قطاعية من أصل 33 انقسمت حولها عملية التفاوض. وهي تشمل بعض القضايا المثيرة للجدل للغاية، مثل مستقبل الأحواض الوطنية لبناء السفن، حيث يتوجب على زغرب تقليصها مع ما لذلك من انعكاسات اجتماعية سلبية من شأنها أن تزيد من خيبة الأمل المتزايدة أصلاً في الانضمام للاتحاد الأوروبي.


بمجرد الانتهاء من المفاوضات سيتم طرح نص اتفاقية الانضمام للاستفتاء في كرواتيا وسوف تحتاج إلى تصديق جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبعضهم قد يدعو إلى استفتاء أيضاً. وفي أفضل السيناريوهات، سوف يستغرق الأمر على الأقل حتى العام 2012 قبل حصول زغرب على مقعد في طاولة الاتحاد الأوروبي.



وتبقى الآفاق بالنسبة للدول الأخرى أكثر غموضاً وصعوبة في التنبؤ. فقد قدّمت مقدونيا طلبها للحصول على العضوية سنة 2004، ومُنحت رسمياً وضع مرشح بعد عام واحد من ذلك، ولكن منذ ذلك الحين، تشابكت في نزاع حول الأسماء مع اليونان (البلد العضو في الاتحاد الأوروبي) والتي منعت التقدم نحو أية خطوة أخرى(7). وعلى نفس المنوال، مُنح الجبل الأسود وضع المرشح خلال اجتماع المجلس الأوروبي شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولكن من دون أي موعد لبدء المفاوضات. ومن خلف هؤلاء، نجد ألبانيا التي قدّمت طلب العضوية في أبريل/نيسان 2009، ولكن طلبها الأول قوبل بالرفض من لدن اللجنة. وحسب السيناريو الأكثر تفاؤلاً، فقد يحصل هذا البلد على وضع المرشح مع نهاية العام 2011، ولكن لا شيء غير ذلك. وأخيراً، هناك البوسنة والهرسك التي تعتبر أبعد هذه البلدان من الوصول إلى مبتغاها. فبعد ثلاثة أشهر من الانتخابات، لا يتوفر البلد حتى على حكومة يمكن أن تنفذ ما هو مطلوب قبل أن يتم النظر في أي طلب للعضوية: إغلاق مكتب الممثل السامي، وهي مؤسسة دولية خاصة بإدارة البلاد كنوع من الحماية الدولية وذلك منذ إنشائه إثر اتفاق دايتون للسلام عام 1995.



وإنها لمفارقة مريرة أن نرى البلد الذي شهد تدخلاً دولياً مكثفاً هو أيضاً بلد حيث التكامل الأوروبي يبدو نائيا.



صربيا وكوسوفو هما حالة خاصة. فكوسوفو هي أصغر وأفقر دولة في أوروبا (إلى جانب مولدوفا، ولكن رغبة هذه الأخيرة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي غير مذكورة في أي مكان). كما أن استقلالها الذي أُعلن عنه في مارس/آذار سنة 2008 لا يزال متنازعاً عليه بقوة من جانب صربيا التي ما زالت ترى فيها مجرد إقليم منشق. بل حتى إن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ليسوا جميعاً متفقين على إقامة دولة كوسوفو(8). ما يقرب من نصف سكان البلاد عاطل عن العمل رسمياً، والاقتصاد في حالة يرثى لها ويعتمد اعتماداً كبيراً على تحويلات المهاجرين المالية. ولا تملك بريشتينا السيطرة على أحد الجيوب في شمال نهر إيبار المتاخم لصربيا، حيث لدى الصرب هناك الأغلبية ويرفضون الاعتراف بالوضع الجديد. أما في الجيوب الصربية الأخرى، والتي تعاني من عزلة أكبر، بدأ تأثير بلغراد يتلاشى وبدأ عدد متزايد من الصرب يختارون التعاون بدلاً من ذلك. وربما تكون الحالة عموماً هادئة، ولكنها تبقى متوترة؛ فكوسوفو لا تزال البقعة الأكثر تقلباً في أوروبا، ومصدراً محتملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة. وليس من قبيل الصدفة أن يحتفظ كل من الناتو والاتحاد الأوروبي على وجود أمني هناك(9).



وعلى الرغم من جميع خسائرها، تبقى صربيا أكبر بلدان المنطقة وأهمها من حيث السكان (7.3 مليون شخص). وقد قدمت طلب العضوية للاتحاد الأوروبي في ديسمبر/كانون الأول 2009، وتحظى بدعم من عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي (من جيرانها وغيرهم) التي تودّ أن يتم تسريع عملية الانضمام لأسباب جيوسياسية واقتصادية. وتعد صربيا أحد العوامل المهمة (إن لم تكن العامل الأساس) في استقرار منطقة غرب البلقان، وأيضاً واحدة من أهم أسواقها.


الانضمام إلى الاتحاد ينطلق من دول البلقان أولا






مما يزيد الأمور تعقيداً بالنسبة لصربيا أنه مازال عليهاا أن تبرئ ذمتها تجاه المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وهو ما تشترطه دولة واحدة على الأقل، وهي هولندا، للمضي قدماً في عملية الانضمام فمازال هناك شخصان متهمان بارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية طليقين: قائد صرب البوسنة السابق راتكو ملاديتش والزعيم السابق للصرب في كرواتيا غوران هادزيتش
رغم تشنج العلاقات، يبقى محتماً على كوسوفو وصربيا التحرك معاً نحو أوروبا. فإذا ما سبق أحدهما الآخر في الانضمام إلى الاتحاد، فإنه قد يمنع انضمام الآخر. وهذا ما يصفه بعض مسؤولي الاتحاد في بروكسل بعبارة: "مستقبل كل من كوسوفو وصربيا يكمن في الاتحاد الأوروبي". إنه لمستقبل بعيد حقاً. فحتى من أجل بدء التحرك في هذا الاتجاه، فإن أول شيء نحتاجه هو الحوار المباشر بين المتباريين الاثنين. وكان الاتحاد الأوروبي يضغط بشدة لإطلاقه بعد ما فشلت بلغراد في الطعن في إعلان استقلال كوسوفو لدى محكمة العدل الدولية، خصوصاً وأن رد صربيا كان إيجابياً. أما من جانب كوسوفو، فقد تأخرت الأمور بعد انهيار الحكومة الائتلافية بين حزب كوسوفو الديمقراطي ورابطة كوسوفو الديمقراطية (LDK) اختصارا(10) مما أدى إلى انتخابات مبكرة في ديسمبر/كانون الأول. وأكد التصويت زعامة حزب كوسوفو الديمقراطي مع ما شاب الانتخابات من مخالفات في بعض معاقل الحزب. إضافة إلى ذلك، وبعد أربعة أيام من الاقتراع، أعلن التقرير الذي اعتمدته لجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان للجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي(11) أن السيد ثاتشي وشركاءه متورطون في أنشطة إجرامية عدة يعود تاريخها إلى أيام حرب العصابات(12)، بما في ذلك الاتجار بالأعضاء البشرية.


ولا يبدو أن مشاكل ثاتشي قد منعت الجانب الصربي من المشاركة في شكل من أشكال المحادثات. وفي هذا الصدد، تمثل الأشهر المقبلة الفرصة السانحة التي لن تدوم إلى الأبد. فالوضع الاقتصادي الصربي صعب (وقد حصل بالفعل على دعم بصفقة قيمتها 4 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي)، وربما يزداد سوءاً، ما سيؤجج المزيد من المواقف القومية. كما أنه من المقرر إجراء الانتخابات العامة سنة 2012. وكلما اقترب موعد التصويت، كلما تضاءلت قابلية أي زعيم صربي لتقبل الحلول الوسطى مع "الأعداء".



ومما يزيد الأمور تعقيداً أنه مازال على صربيا أن تبرئ ذمتها تجاه المحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة، وهو ما تشترطه دولة واحدة على الأقل، وهي هولندا، للمضي قدماً في عملية الانضمام. فمازال هناك شخصان متهمان بارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية طليقين: قائد صرب البوسنة السابق راتكو ملاديتش والزعيم السابق للصرب في كرواتيا غوران هادزيتش. وحتى الآن باءت كل محاولات إلقاء القبض عليهما بالفشل. ملاديتش، على وجه الخصوص، مطلوب لعلاقته بمجزرة سريبرينيتشا التي قُتِل فيها ما يصل إلى 8000 مسلم في يوليو/تموز 1995، وهي أسوأ مجزرة عرفتها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وحتى لو كان الاتحاد الأوروبي يميل إلى مكافأة تعاون صربيا بشأن كوسوفو من خلال تسريع طلب عضويتها، فمن الصعب تخيل جميع الدول الأعضاء يعطون الضوء الأخضر من دون وصول ملاديتش إلى لاهاي من أجل محاكمته.


أوروبا والإسلام في البلقان






هناك تصورات خاطئة لدى كثير من الناس حول الهوية الإسلامية. وفي الواقع، إذا كان هناك مكان في أوروبا يمكن أن نجد فيه تقاليد أوروبية متجذرة غبر القرون للإسلام، فإنه بالتأكيد سوف يكون منطقة البلقان. وبدلاً من أن يكون هذا مصدر خوف، ينبغي أن يكون حافزاً على الحوار والتفاهم المتبادل.
هذه، باختصار، هي بعض أكبر الصعوبات المعلقة الخاصة بمختلف بلدان المنطقة. ورغم ذلك لن تكتمل الصورة من دون وصف موجز عن الوضع داخل الاتحاد الأوروبي.


بعد عشر سنوات من الجدل المؤسساتي وبعض الإخفاقات (مثل فشل الدستور الأوروبي) تمكّن الاتحاد الأوروبي في النهاية من إصلاح مؤسساته وقواعد العمل من خلال اعتماد معاهدة لشبونة التي دخلت حيز التنفيذ في 1 ديسمبر/كانون الأول 2009. وبعد ذلك بوقت قصير، تسببت المتاعب المالية في اليونان في واحدة من أكبر الأزمات حتى الآن في تاريخ الاتحاد. وقد وضعت الحاجة إلى تدخل وإنقاذ أضعف أعضاء منطقة اليورو مبدأ التضامن بين الدول في اختبار عسير. ورغم أن الأزمة الشاملة قد أمكن تجنبها، إلا أن تشنج العلاقات وتلاشي الحماس مازالا هناك.


وفي ما قد يكون أخطر عواقب الأزمة، نجد ظهور بوادر انشقاق أوروبا إلى قسمين يتعارض فيهما مجموعة من الدول ذات وضعية مالية سليمة مع أكثر الدول "إسرافاً". ففي البلدان القوية مالياً ترتفع شكاوى حول الحاجة إلى دفع الفاتورة عن شركاء عديمي الضمير، في حين نرى في البلدان التي يتم إنقاذها عدم ارتياح حول الخسارة الفعلية للسيادة وهذا يعني ضمناً رؤية عدد متزايد من الخيارات الاقتصادية "تُملى" من الخارج.



وفي هذا السياق من الصعوبات والاضطرابات الاجتماعية والتشاؤم، لم يبق هناك حماس كبير للتوسع، وهي سياسة كان من الصعب تقديمها لعامة الناس حتى في الظروف الجيدة. ويصعب فهم مزايا توسيع الأسواق من طرف المواطنين العاديين الذين قد يرون في التوسع مخاوف من الإغراق الاجتماعي والهجرة. يُضاف إلى ذلك سمعة المنطقة "السيئة" بوصفها مصدراً للمتاعب وعدم الاستقرار.



وأخيراً، هناك الهوية الإسلامية لبعض السكان، أو بالأحرى التصورات (الخاطئة) لدى كثير من الناس حول الهوية الإسلامية. وفي الواقع، إذا كان هناك مكان في أوروبا يمكن أن نجد فيه تقاليد أوروبية متجذرة غبر القرون للإسلام، فإنه بالتأكيد سوف يكون منطقة البلقان. وبدلاً من أن يكون هذا مصدر خوف، ينبغي أن يكون حافزاً على الحوار والتفاهم المتبادل. وقد بذلت بعض التجارب في هذا المنحى؛ وإذا كللت بالنجاح، يمكن أن تصبح مساهمة بلدان البلقان تجربة لا تقدر بثمن في القارة التي يطمحون إلى الانضمام إليها.



لتحقيق ذلك، يجب أن يبقى منظور الاتحاد الأوروبي أولاً على قيد الحياة. والحكم على البلقان بالعزلة والغناء خارج السرب سوف يدعم على وجه التحديد قوى زعزعة الاستقرار التي كانت نشطة في التسعينات والتي لا يودّ أحد عودتها. وحالياً، هناك العديد من الإصلاحات المؤلمة التي تُصاغ، وسيتم تنفيذها في المنطقة تحت اسم "مستقبل في أوروبا". وإذا تلاشى الهدف، سوف تختفي الطاقة من أجل التغيير لا محالة.
_______________
صحفي إيطالي مهتم بشؤون البلقان


الإحالات:


1 - في 1 مايو/أيار 2004، التحق عدد غير مسبوق من البلدان الأوروبية بالاتحاد الأوروبي الذي كان مشكلاً حينها من 15 بلداً: ثمانية بلدان من القطب الشيوعي السابق (إستونيا، لاتفيا، ليتوانيا، بولندا، جمهورية التشيك، سلوفاكيا، وهنغاريا)، إلى جانب جزيرتي قبرص ومالطة.



2 - كان بالإمكان تأجيل انضمام رومانيا وبلغاريا إلى الاتحاد سنة واحدة كحد أقصى.



3 - منطقة شنغن تلغي الحدود في وجه سكان الاتحاد. تسعى بلغاريا ورومانيا إلى الانضمام إليها هذا العام، ولكن يبدو أن فرنسا وألمانيا تعارضان هذا الانضمام لكونه "مبكراً". انظر

http: // euobserver .com/?aid=31566


4 - ولكن ليس جميع الحقوق: فمثلاً، في بعض بلدان الاتحاد، تبقى حرية تنقل العمال الرومانيين والبلغاريين مقيدة بشروط الفترة الانتقالية، والتي يمكن أن تدوم إلى غاية سنة 2015.



5 - تجاهلنا قصداً في هذه المقالة قضية تركيا ومسألة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فهذا موضوع متشعب لا يمكن للمقالة أن تستوعبه.



6 - من المفارقة أن كرواتيا لا تحبذ كثيراً اعتبارها جزءاً من منطقة البلقان. ففي الوثائق الرسمية للاتحاد الأوروبي، يُشار إليها على أنها جزء من "جنوب شرق أوروبا".



7 - عارضت اليونان استخدام مصطلحي "مقدونيا" و"مقدونيون" للإشارة إلى البلاد والشعب. ولنفس السبب، تعثر انضمام سكوبيا إلى حلف الناتو.



8 - حتى اليوم، لم تعترف بلدان إسبانيا، سلوفاكيا، اليونان، قبرص، ورومانيا باستقلال كوسوفو.



9 - الاتحاد الأوروبي حاضر في كوسوف من خلال بعثة فرض سيادة القانون (

EULEX)، التي أُنشئت شهر فبراير/شباط 2008 بولاية مراقبة عمل الشركة والجهاز القضائي، ولديها سلطات تنفيذية محدودة. يحتفظ حلف الناتو في كوسوفو بقوة عسكرية من 8600 فرد (KFOR).


10 - حزب كوسوفو الديمقراطي (

PDK)، برئاسة الوزير الأول هاشم ثاتشي، الزعيم السابق لجيش تحرير كوسوفو (UCK)، الجماعة المساحة من أجل الاستقلال سنة 1999. رابطة كوسوفو الديمقراطية (LDK)، مؤسسها الراحل إبراهيم روكوفا، القائد المعروف للعصيان المدني الألباني في كوسوف خلال سنوات حكم ميلوزوفيتش.


11 - تأسس المجلس الأوروبي (

www.coe.int) سنة 1949، وهو أقدم مؤسسة سياسية في أوروبا. لا يجب الخلط بينه وبين الاتحاد الأوروبي.


12 - التقرير من تأليف السيناتور السويسري ديك مارتي، ومن المرتقب أن تصادق عليه الجمعية البرلمانية للمجلس الأوروبي يوم 25 يناير/كانون الثاني.