التصوف والسياسة في إفريقيا الغربية: السياق والأدوار

محرر الملف: سيدي أحمد ولد الأمير، باحث بمركز الجزيرة للدراسات

يجد الإطار المواضيعي لهذا الملف مبرره في طبيعة المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعاصرة التي اتخذتها ظاهرة الطرق الصوفية في بعض دول إفريقيا الغربية. وتبقى التجربة السنغالية في مجال تدبير الشأن الصوفي متميزة في أدائها وفي سياقها. وفي الواقع، فإن جزءًا كبيرًا من المسلمين بغرب إفريقيا ينتمون إلى طرق صوفية، تلك الطرق التي تشكِّل في مجملها جملة من الممارسات الدينية والاجتماعية وتندرج في علاقات سياسية مركَّبة ومعقدة مع النظم السياسية القائمة، كما تترابط وتتعالق مع دوائر مشابهة لها في دول مجاورة كموريتانيا والمغرب والجزائر.

ترسخت الطرق الصوفية بإفريقيا الغربية منذ تاريخ بعيد لكن مساراتها المتناسلة من سياقات جغرافية وتاريخية وجدت نفسها فاعلة ومنفعلة في نفس الوقت بمحيطها السياسي؛ حيث تداخل التصوف مع ديناميات التغيرات السياسية لا في فترة الاستعمار الفرنسي للمنطقة لكن أيضًا في عهد دولة الاستقلال وما واكبها وتلاها من تطورات.

ويسعى هذا الملف إلى جملة أهداف، من أبرزها: الوقوف على تشكُّل المسارات الصوفية في سياقها التاريخي والجغرافي والسياسي في إفريقيا الغربية وفي جوارها الإقليمي. وكذلك معرفة ملامح التفاعل بين هذه الطرق الصوفية مع ديناميات التغيرات الاجتماعية والسياسية بهذه المنطقة. ولا شك في أن الوقوف على تجلي مساهمات هذه الطرق الصوفية في المجال السياسي على مستوى الفضاء المكاني والعلاقات مع الفاعلين وعلى مستوى الخطاب يعتبر هدفًا مهمًّا لابد من رصد تجلياته. ثم إن العديد من أوراق هذا الملف يسعى إلى تبيُّن وتبيين مظاهر الارتباط الذي كرَّسته الطرق الصوفية بين شمال إفريقيا وبين إفريقيا جنوب الصحراء، دون أن تهمل معرفة الدور الذي يمكن أن تقوم به الصوفية في غرب إفريقيا كبديل عن الحركات الإسلامية الموسومة بالتشدد. 

وبصورة عملية، فإن الملف يعالج الأهداف المذكورة أعلاه من خلال تصنيفها إلى ثلاثة محاور وتحت كل محور مجموعة من العناوين كل عنوان منها سيكون موضوعًا لورقة بحثية. على أن تُجمَع الأوراق البحثية كلها في كتاب يتم تحريره ونشره من طرف مركز الجزيرة للدراسات، وهذه المحاور هي: