توسعة عضوية مجلس التعاون الخليجي: الخيارات والمحددات

إن السياق الإقليمي الضاغط على مجلس التعاون لدول الخليج العربية يدفعها بشكل دوري، منذ نشأة المجلس عام 1981، إلى محاولات إعادة تموضعها الإقليمي؛ بغرض تحسين مكانتها الجيوسياسية، وتجنب مخاطر التحديات والتهديدات المحتملة.
20151149136302621_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
إن السياق الإقليمي الضاغط على مجلس التعاون لدول الخليج العربية يدفعها بشكل دوري، منذ نشأة المجلس عام 1981، إلى محاولات إعادة تموضعها الإقليمي؛ بغرض تحسين مكانتها الجيوسياسية، وتجنب مخاطر التحديات والتهديدات المحتملة.

تشير الورقة إلى أن إعادة التموضع الأولى قد شهدت ولادة مجلس التعاون عام 1981، بينما بدأت لحظة إعادة التموضع الثانية في عام 2011، وشملت ثلاثة أبعاد رئيسة؛ أوَّلها: انتهاج دول المجلس، على أساس جماعي أو فردي، لسياسة أكثر نشاطًا لمواجهة تداعيات عدم الاستقرار الإقليمي. وثانيها: تعزيز أوجه التنسيق والتكامل الخليجي، خاصة في الإطارين الأمني والدفاعي، وتمثل ثالث هذه الأبعاد في دعوة كل من الأردن والمغرب للانضمام إلى عضوية المجلس.

ويؤكد الباحث أن الهدف الرئيس من أية عملية توسيع مستقبلي لمجلس التعاون يكمن في محاولة إيجاد فضاء سياسي مشترك يتشاطر أعضاؤه القيم السياسية ذاتها، ويشمل دولاً تعيش أوضاعًا سياسية وثقافية واقتصادية متشابهة، وتواجه تحديات أمنية مشتركة.

ويخلص إلى أن عملية التوسيع هذه تكتسب أهمية خاصة لدول المجلس، خاصة في ظل عجز جامعة الدول العربية عن لعب الدور المنوط بها في توفير الحد الأدنى من أوجه التنسيق السياسي والاقتصادي والأمني والدفاعي لمواجهة التحديات والتهديدات. وفي هذا الإطار، يميل مجلس التعاون إلى انتهاج سياسة مرنة في التوسيع، لا تتطلب بالضرورة الانضمام الكامل للدولة المدعوة إليه.

وانطلاقًا من ذلك، تعالج الورقة محددات وأنماط توسيع عضوية مجلس التعاون الخليجي، واحتمالاته المستقبلية؛ حيث ترى أن فرصة المجلس في التوسيع وخياراته ستكون كبيرة في المستقبل المنظور، خاصة ضمن نمطي "التوسيع الوظيفي" و"الشراكة الاستراتيجية".

مقدمة

إنَّ السياق الإقليمي الضاغط على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يدفعها بشكل دوري إلى محاولات إعادة تموضعها الإقليمي بغرض تحسين مكانتها الجيوسياسية وتجنيبها مخاطر التحديات والتهديدات المحتملة؛ فالضغوطات الجيوسياسية المختلفة دفعت دول الخليج إلى إعادة تموضعها الإقليمي عن طريق إنشاء المجلس في عام 1981، فيما أدت الضغوطات الجيوسياسية الناشئة منذ عام 2011 إلى أن تعيد دول المجلس العمل على تحسين مكانتها الجيوسياسية عن طريق محاولة إعادة تموضع جديدة ذات أبعاد ثلاثة، تتمثل في انتهاج سياسة خارجية نشطة، وتعزيز أوجه التنسيق والتكامل ضمن المنظومة الخليجية، والتوجه نحو توسيع عضوية مجلس التعاون.

وبشكل أكثر دقة، فإن الهدف الرئيس من أية عملية توسيع لمجلس التعاون يكمن في محاولة إيجاد فضاء سياسي مشترك يتشاطر أعضاؤه القيم السياسية ذاتها ويشمل دولاً تعيش أوضاعًا سياسية وثقافية واقتصادية متشابهة وتحديات أمنية مشتركة. وتكتسب عملية التوسيع هذه أهمية خاصة لدول المجلس، لا سيما في ظل عجز جامعة الدول العربية عن لعب الدور المنوط بها في توفير الحد الأدنى من أوجه التنسيق السياسي والاقتصادي والأمني والدفاعي لمواجهة التحديات والتهديدات. وفي هذا الإطار، يميل مجلس التعاون إلى انتهاج سياسة مرنة في التوسيع، لا تتطلب بالضرورة الانضمام الكامل للدول المدعوة إليه.

إعادة التموضع الإقليمي لمجلس التعاون بين زمنين

نشأ مجلس التعاون لدول الخليج العربية في شهر مايو/أيار من عام 1981 في ظل سياق إقليمي بالغ التهديد؛ ففي عام 1979، كانت إيران قد تحولت إلى نظام ثوري ينادي بتغيير جذري في البنى السياسية لدول المنطقة وفي طبيعة علاقاتها الدولية. أما مصر، وبسبب توقيعها المنفرد على اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل؛ فقد بدأت للتوِّ ملامح عزلها عن النظام الإقليمي العربي الذي كانت مركز الثقل الرئيس فيه لعقود خلَتْ.

من جانب آخر، فقد تفاقم تعقيد البيئة الأمنية لدول المجلس إثر اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية في سبتمبر/أيلول 1980. أما ذروة التهديد الاستراتيجي لدول المجلس فقد تمثلت في اقتراب الاتحاد السوفيتي، والذي لم يكن يشاطرها القيم السياسية، شيئًا فشيئًا نحو تحقيقه الحلم الروسي القديم بالوصول إلى المياه الدافئة، إثر غزوه الناجح، في بداية الأمر، لأفغانستان. ورغم صدور إعلان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر لاستراتيجية جديدة، في شهر يناير/كانون الثاني من عام 1980، لأمن الخليج تنص على أن الولايات المتحدة الأميركية سوف تعتبر أية محاولة من قبل أية قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأميركية سيتم صده بأية وسيلة ضرورية بما في ذلك القوة العسكرية، إلا أن مدى التزام واشنطن الجدي بنجدة حلفائها في المنطقة كان لا يزال بحاجة إلى إثبات إثر فشل تدخلها في فيتنام.

وفي وضع كهذا بالنسبة لدول الخليج العربية، والتي كانت قد اكتسبت للتو طفرة نفطية جعلتها من أكثر دول الإقليم ثراء، أصبح من الواضح أن جامعة الدول العربية غير قادرة على توفير المظلة الإقليمية اللازمة لحفظ الأمن الإقليمي، بما يتطلبه هذا من توفير الحد الأدنى من التنسيق الدبلوماسي والسياسي والأمني والدفاعي. من هنا، وجدت دول المجلس نفسها بحاجة إلى إعادة موضعة موقعها في النظام الإقليمي عن طريق ملء حالة الفراغ الإقليمي الناجم عن عجز جامعة الدول العربية من خلال إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وهكذا، نجحت دول الخليج العربية في إعادة موضعة ذاتها في السياق الإقليمي ضمن هذه المنظومة الإقليمية الجديدة.

ورغم أن القدرات العسكرية الذاتية للدول الأعضاء في هذا التجمع الإقليمي الوليد لم تكن لتسعفها في ذلك الوقت لأن تكون لاعبًا عسكريًّا يُعتدُّ به على مستوى الإقليم، إلا أن الهاجس الرئيس للدول الأعضاء كان إيجاد فضاء سياسي مشترك يتشاطر أعضاؤه القيم السياسية ذاتها ويشمل دولاً تعيش أوضاعًا سياسية وثقافية واقتصادية متشابهة وتحديات أمنية مشتركة.

وإثر اندلاع الحركات الاحتجاجية التي شهدتها أكثر من دولة عربية منذ بداية عام 2011، فيما عُرف "بالربيع العربي"؛ فقد أطلت حالة الفراغ الإقليمي برأسها مجددًا على المنطقة. فلا تزال إيران تمثل هاجسًا أمنيًّا رئيسًا لدول المجلس، خاصة في الوقت الذي تتهم فيه عواصم دول المجلس طهران بانتهاج سياسة تدخلية-طائفية في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية. أما مصر، فقد أفل دورها الإقليمي نتيجة للتغيرات السياسية السريعة التي شهدتها البلاد، مقرونة بتراجع اقتصادي خانق واضطراب أمني غير مسبوق في بعض محافظاتها. كما بدا واضحا أن حالات عدم الاستقرار السياسي في دول مثل: تونس وليبيا واليمن وسوريا قد خرجت عن سيطرة النظام الإقليمي العربي، ممثَّلاً في جامعة الدول العربية. هذا في الوقت الذي اعترت العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية وبعض دول المجلس حالات من التوتر وفقدان الثقة المتبادلة نتيجة للنتائج الاستراتيجية لغزو العراق عام 2003. وقد تعمقت حالة التوتر وفقدان الثقة هذه نتيجة لما رأته دول المجلس من موقف أميركي ملتبس إزاء تطورات الربيع العربي.

التوسع كأداة لإعادة التموضع الإقليمي لدول المجلس

وهكذا، شعرت دول المجلس أن عليها إعادة موضعة ذاتها في السياق الإقليمي مرة أخرى، على غرار ما حصل إبَّان لحظة التأسيس الأولى عام 1981. وإذا كانت لحظة إعادة التموضع الأولى قد شهدت ولادة مجلس التعاون، فإن لحظة إعادة التموضع الثانية التي بدأت في 2011 قد شملت ثلاثة أبعاد رئيسة، أولها: هو انتهاج دول المجلس، على أساس جماعي أو حتى على أساس فردي، لسياسة أكثر تأكيدًا (Assertive) ونشاطًا لمواجهة تداعيات عدم الاستقرار الإقليمي (1)؛ فلقد كانت دول المجلس الطرف الرئيس المبادِر في اليمن، كما لعب المجلس دورًا دبلوماسيًّا وعسكريًّا مهمًّا في الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي في ليبيا، ينما لا تزال دول المجلس تلعب دور الداعم الرئيس للمعارضة السورية. من جهة أخرى، لعبت دول المجلس، وإن بطريقة غير منسقة، دورًا أساسيًّا في التطورات السياسية في مصر منذ الإطاحة بحكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.

أما البعد الثاني الرئيس من أبعاد إعادة التموضع الخليجي في السياق الإقليمي فهو تعزيز أوجه التنسيق والتكامل ضمن المنظومة الخليجية ذاتها، وخاصة في الإطارين الأمني والدفاعي؛ فقد شهدت الفترة من 2011 وحتى اليوم، نقلة كبيرة في هذا الصدد؛ حيث مثَّلت الأحداث التي شهدتها كل من البحرين وعُمان فرصة نادرة لدول المجلس لإظهار قدراتها العسكرية والمالية لنزع فتيل مسببات عدم الاستقرار التي قد تشهدها الدول الأعضاء. كما شهدت هذه الفترة التوقيع على الاتفاقية الأمنية الخليجية، والتي من شأنها إقامة فضاء أمني مشترك بين الدول الأعضاء.

ويمكن الإشارة إلى قيام المجلس بإنشاء قوة بحرية خليجية مشتركة، وكذلك عزمه على إنشاء قيادة عسكرية موحدة كأبرز الأمثلة على التقدم الملموس في تعزيز أوجه التنسيق والتكامل في الإطارين الأمني والدفاعي (2). كما مثَّلت الدعوة التي قدمتها المملكة العربية السعودية في قمة الرياض، في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2011، بشأن تحول دول المجلس من حالة التعاون إلى حالة الاتحاد، والتي لا تزال قيد البحث والدراسة، ذروة محاولات تعزيز أوجه التعاون والتنسيق والتكامل ضمن المنظومة الخليجية. 

أما البعد الثالث من أبعاد إعادة التموضع الخليجي في السياق الإقليمي فهو الإعلان عن دعوة كل من الأردن والمغرب للانضمام إلى مجلس التعاون؛ ما يشير إلى توجه قوي للدول الأعضاء نحو توسيع المنظومة الإقليمية الخليجية.

محددات توسيع مجلس التعاون لدول الخليج العربية

لا يمكن فهم دعوة مجلس التعاون للأردن والمغرب للانضمام إليه دون أخذ السياق الإقليمي في الاعتبار بشكل كامل؛ حيث يمكن ملاحظة أربعة عوامل مشتركة جمعت بين محاولة دول الخليج العربية إعادة تموضعها في السياق الإقليمي عام 1981 والتي انتهت إلى إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومحاولتها الثانية عام 2011 والتي لم تكتمل نتائجها بعد، إلا أنه يمكن بسهولة ملاحظة أبعادها الثلاثة المتمثلة في السياسة التأكيدية النشطة، وفي تعزيز أوجه التنسيق والتكامل ضمن المنظومة الخليجية، وفي التوجه نحو توسيع عضوية مجلس التعاون.

وأول هذه العوامل المشتركة هي غياب الدور المصري الفعَّال ضمن الإطار الإقليمي العربي، إما بسبب المقاطعة الجماعية العربية لها عبر تعليق عضويتها عام 1979، أو بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي التي ألمَّت بها منذ عام 2011. أما العامل الثاني فهو انتهاج إيران لسياسة تعديلية (Revisionist) نشطة، ترى دول المجلس أنها المستهدف الرئيس من ورائها؛ فقد مثَّل الزخم الثوري الإيراني في بداية الثمانينات هاجسًا أمنيًّا استراتيجيًّا لدول المجلس، في الوقت الذي مثَّلت فيه مكاسب طهران الاستراتيجية في الإقليم، والتي تعود أساسًا إلى الاحتلال الأميركي-البريطاني للعراق عام 2003، تهديدًا متجددًا للمنظومة الخليجية. أما العامل المشترك الثالث فهو عجز النظام العربي الرسمي، ممثَّلاً بجامعة الدول العربية، من أن تكون مظلة إقليمية فعَّالة توفر الحد الأدنى من التنسيق الدبلوماسي والأمني والدفاعي بين الدول الأعضاء فيها. ويبدو هذا العامل ظاهرًا بشكل أكثر وضوحًا في عام 2011 مما كان الوضع عليه في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من القرن الماضي. أما العامل المشترك الرابع فهو ضعف الثقة الخليجية بمدى التزام واشنطن بالحفاظ على الوضع الراهن في منطقة الخليج العربي.

ورغم وجود هذه العوامل المشتركة الأربعة، إلا أنه يجدر ملاحظة فارق أساسي بين محاولة دول الخليج العربية إعادة تموضعها في السياق الإقليمي عام 1981، والتي انتهت إلى إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ومحاولتها الثانية عام 2011 التي تحمل أبعادًا ثلاثة تتمثل في توسيع المنظومة الخليجية وتعميق تكاملها وتعزيز دورها الإقليمي؛ فإبَّان قيام مجلس التعاون في عام 1981، كانت الدول المدعوة للانضمام إليه بالغة الثراء من جهة، ولكنها تعاني من درجات عالية من الانكشاف الاستراتيجي والديمغرافي وتواضع مستويات التعليم والتصنيع والتحضر فيها من جهة أخرى.

ومن هنا، يمكن النظر لإنشاء مجلس التعاون في عام 1981 على أنه محاولة انكفائية دفاعية تستهدف توفير حزام دفاعي إقليمي يحمي الدول الأعضاء من محيطها الجيوسياسي المضطرب سياسيًّا والفقير اقتصاديًّا. أما في عام 2011، فيمكن القول: إن إعادة التموضع الخليجية والتي تشمل محاولة ضم أعضاء جدد إليه، فهي أبعد ما تكون عن الانكفاء والدفاع، بل على العكس من هذا؛ فالإعلان عن الرغبة في توسيع المجلس يشير إلى تحول نحو الانفتاح والرغبة في التأثير المباشر في السياق الإقليمي العربي الواسع. ويشير هذا أيضًا إلى صعوبة الفصل بين بُعدي السياسة التأكيدية النشطة التي انتهجتها الدول الأعضاء في المجلس والرغبة في توسيعه. وهكذا، بينما مثَّل إنشاء مجلس التعاون عام 1981 قيام نظام إقليمي فرعي طرفي ضمن النظام الإقليمي العربي، مثَّلت محاولة توسيعه عام 2011 تقدمًا في موقع هذا النظام الإقليمي الفرعي الطرفي ومضيه نحو مركز الثقل والتأثير والضبط في النظام الإقليمي العربي. 

وللمزيد من التبيان للأهمية الكبيرة للعوامل الأربعة المحددة للموقع الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية وعلاقاته بالسياق الإقليمي، فإنه يمكن مقارنة محاولتي إعادة التموضع الإقليمي التي قامت بها دول الخليج العربية عامي 1981 و2011، بتلك التي قامت إثر الغزو العراقي للكويت وحرب تحرير الكويت عامي 1990-1991.

فإعادة التموضع الخليجي التي أعقبت الغزو العراقي للكويت، والذي كان حدثًا صادمًا للمنظومة الخليجية بكل المقاييس، قد أفضت إلى محاولة إقامة حالة من التحالف مع كل من مصر وسوريا، فيما عُرف بـ"دول إعلان دمشق" (3). ومن نافلة القول: إن إعلان دمشق لم يتحول إلى شراكة استراتيجية قابلة للحياة والتطور بين دول مجلس التعاون وبين كل من مصر وسوريا، ناهيك عن تحوله إلى عملية توسيع للمنظومة الخليجية عبر انضمام القاهرة ودمشق إليها؛ حيث إن كل العوامل الأربعة المحددة لإعادة التموضع الخليجي في السياق الإقليمي التي توفرت في عامي 1981 و2011 قد غابت في عام 1991.

فإثر حرب تحرير الكويت، كانت مصر قد استعادت مركزيتها الإقليمية ضمن النظام الإقليمي العربي، وإن لفترة مؤقتة، كما كانت إيران قد خرجت للتوِّ منهكة من حرب ثماني السنوات ضد العراق، وكان زخمها الثوري قد خبا وأصبح دورها الإقليمي محاصرًا. أما جامعة الدول العربية، فقد تمكنت في عام 1990 من إظهار قدر لا بأس به من النجاعة الإقليمية كأداة مرجعية لشرعنة التفاعلات بين الدول العربية. أما الولايات المتحدة الأميركية، فقد تمكنت من إظهار التزام كامل بالحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة عن طريق دورها القيادي دبلوماسيًّا وعسكريًّا والذي أفضى إلى تحرير الكويت في نهاية المطاف. وهكذا، لم تكن دول مجلس التعاون بحاجة إلى إجراء تغييرات استراتيجية كبيرة في وضعها الإقليمي، ولهذا ظل إعلان دمشق تحالفًا تكتيكيًّا مؤقتًا وعابرًا في أفضل الأحوال.

أنماط توسيع مجلس التعاون لدول الخليج العربية

بالعودة إلى تاريخ مجلس التعاون، يمكن استقراء ثلاثة أنماط من التوسيع التي يتخذها في إطار علاقاته مع محيطه الإقليمي، أولها: هو "التوسيع الوظيفي". ويستخدم المجلس هذا النمط من أنماط التوسيع حينما لا تتشاطر الدولة المدعوة مع بقية دول المجلس في القيم السياسية، ولكنها تمثل أهمية استراتيجية واجتماعية واقتصادية لتلك الدول. وفي هذه الحالة، يعمد المجلس إلى إدماج الدولة المدعوة في عدد من الفعاليات والمنظمات والهيئات واللجان التابعة له ذات الطبيعة الوظيفية. وينطبق هذا النمط من التوسيع على حالة العراق في الثمانينات من القرن الماضي وعلى حالة اليمن في الوقت الحاضر.

أما النمط الثاني من أنماط التوسيع التي يتخذها مجلس التعاون فهو نمط "الشراكة الاستراتيجية" مع الدولة المدعوة. ويشير هذا النمط إلى وجود حالة من التوافق الاستراتيجي بين الدول الست الأعضاء حاليًا في المجلس، وبين الدولة (أو الدول) المدعوة للمجلس تتضمن التزامًا متبادلاً بتقديم أوجه الدعم المختلفة حين الحاجة. إلا أن هذا الالتزام المتبادل لم يتخطَّ بعد مرحلة الالتزام الأدبي، ولم يرقَ بعدُ لأن يكون التزامًا مؤسسيًّا عميقًا ومُلزِمًا. كما أن تشابه القيم السياسية للدولة المدعوة لهذا النمط من التوسيع قد لا يرافقه تشابه في القيم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية مع بقية دول المجلس.

وهذا النمط هو الذي استقر عليه نمط التوسيع الخليجي نحو الأردن والمغرب، على الأقل في الوقت الحاضر. ومن المرجح كذلك أن يتحول نمط التوسيع الخليجي نحو اليمن من النمط الوظيفي إلى نمط الشراكة الاستراتيجية في حال استقرت أوضاعه السياسية. كما أن المرونة التي يتمتع بها هذا النمط من أنماط التوسيع تجعله قابلاً لاستيعاب بلدان عربية جديدة في المستوى المنظور، مثل: العراق ومصر (والتي كانت جزءًا من إعلان دمشق)، بل وحتى بلدان غير عربية مثل باكستان.

أما النمط الثالث من أنماط التوسيع التي يتخذها مجلس التعاون في إطار علاقاته مع محيطه الإقليمي فهو نمط "التوسيع السياسي"، أي: الانضمام الكامل للمجلس. ويتطلب هذا النمط ليس فقط تشابه القيم السياسية بين الدول الأعضاء، أو تماثل التحديات الأمنية التي تواجهها، وإنما أيضًا تشابه بناها الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وحتى الآن، لا ينطبق هذا النمط إلا على الدول الست الأعضاء حاليًا في المجلس، وهي: دولة الإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، والمملكة العربية السعودية، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت.

أولوية تماثل القيم السياسية: حالة دعوة الأردن والمغرب للانضمام للمجلس

من المهم الإشارة إلى أن إيجاد فضاء سياسي مشترك يتشاطر أعضاؤه القيم السياسية ذاتها ويشمل دولاً تعيش أوضاعًا سياسية وثقافية واقتصادية متشابهة وتحديات أمنية مشتركة لا يشير إلى ضرورة أن تكون جميع الأنظمة المدعوة للانضمام إلى المجلس وراثية، بل يشير إلى ضرورة أن تكون هذه الدول متوافقة حول القيم السياسية الأساسية التي تقوم عليها الدول المؤسسة للمجلس، وهي الحفاظ على الوضع القائم (Status Que) في المنطقة، واعتماد نهج الإصلاح المتدرج، مع إعطاء الأولوية للتحديث في القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية. فمعيار التوسيع إذن هو تماثل "القيم"، وليس "الأنظمة" السياسية".

إن العديد من التحليلات التي تناولت أسباب دعوة كل من الأردن والمغرب للانضمام لمجلس التعاون قد تركزت حول عاملين رئيسين (4)، أولهما: أن دعوة المجلس لكل من الأردن والمغرب للانضمام إليه يعود إلى الرغبة في تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين من جهة، وبين الدول الست من جهة أخرى. فالتعاون الدفاعي بين الأردن والمغرب مع دول المجلس، وتحديدًا إسهام عَمَّان والرباط في أمن منطقة الخليج العربي عن طريق إرسال المدربين والمستشارين إلى المنطقة، أو عن طريق المناورات العسكرية المشتركة، أو حتى عن طريق إرسال قوات عسكرية على غرار إرسال المغرب لبضعة آلاف من الجنود إلى المملكة العربية السعودية إبان حرب تحرير الكويت 1990-1991، هو السبب وراء هذه الدعوة.

إلا أن تحليلاً معمَّقًا لهذا العامل يكشف أن القدرات العسكرية للبلدين المدعوين لا تمكِّنها من القيام بانتشار عسكري واسع خارج حدودهما، ناهيك عن أن القدرات العسكرية لدول المجلس مجتمعة، ومن خلال العودة إلى التقارير المتخصصة في هذا المجال، مثل تقرير "الميزان العسكري" الذي يصدر سنويا عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، يشير إلى أنها قد تطورت بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين (5)

أما العامل الثاني الذي تناوله عدد من المحللين حول السبب من وراء دعوة كل من الأردن والمغرب للانضمام لمجلس التعاون فهو رغبة دول المجلس في منع حصول إضرابات في الدولتين "الملكيتين" خارجه. وغني عن القول: إن المغرب والأردن كانتا على الدوام مملكتين تواجهان حالات مزمنة من عدم الاستقرار السياسي ومن المصاعب الاقتصادية شطرًا كبيرًا من تاريخهما السياسي الحديث، ومع هذا لم يسبق دعوتهما للانضمام للمجلس من قبل. كما أن توجيه الدعم الاقتصادي المباشر وغير المباشر لهاتين الدولتين لا يتطلب أبدًا ضمهما إلى المجلس (6).

من جهة أخرى، يغفل الكثير من المحللين الأعباء الاستراتيجية والدبلوماسية التي قد تقع على عاتق دول المجلس جرَّاء ضم كل من الأردن والمغرب إلى المجلس؛ فانضمام الأردن إلى المنظومة الخليجية يعني خلق تماس بري مع إسرائيل؛ ما قد يضطر دول المجلس إلى اتباع نهج جديد من الناحيتين السياسية والدفاعية. كما أن انخراط الأردن الكامل في القضية الفلسطينية من خلال إشرافه على المقدسات الإسلامية في القدس، واحتضانه لملايين الفلسطينيين، يعني انخراطًا خليجيًّا كاملاً في هذه القضية قد لا تكون دول المجلس مستعدة له في الوقت الحاضر. كما أن انضمام المغرب للمنظومة الخليجية يعني أن المجلس سيصبح معنيًّا بشكل مباشر بالقضية الصحراوية، وما يتبع هذا من خلافات علنية ومكتومة مع الأمم المتحدة من جهة ومع الجزائر من جهة أخرى (7). ناهيك عن أن الخلافات الحدودية المزمنة بين المغرب والجزائر، وبين المغرب وإسبانيا قد تجر المجلس إلى مواجهات دبلوماسية هو في غنى عنها.

ومن هنا، فإن تجاهل العديد من المحللين لعنصر تماثل القيم السياسية في دعوة كل من المغرب والأردن للانضمام للمجلس قد أدى إلى التركيز على عوامل غير حاسمة، وإن كانت مساعدة، في تشكيل التكتلات الإقليمية؛ فمن الواضح أن دعوة الأردن والمغرب للانضمام إلى المجلس قد جاءت، رغم كل الصعوبات التي تكتنفها، مدفوعة بتماثل القيم السياسية بشكل رئيس.

خاتمة

يمكن القول: إن تقدم الموقع الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية نحو مركز الثقل والتأثير والضبط في النظام الإقليمي العربي، في الوقت الذي لا تزال فيه جامعة الدول العربية عاجزة عن أداء دورها في توفير الحد الأدنى من التنسيق والتعاون بين أعضائها بما يكفل لهم مواجهة التحديات والتهديدات الماثلة أمامهم، يعني أن فرصة المجلس في التوسيع وخياراته ستكون كبيرة في المستقبل المنظور خاصة ضمن نمطي "التوسيع الوظيفي" و"الشراكة الاستراتيجية". 
________________________________
د. سعود التمامي - أستاذ مساعد في جامعة الملك سعود 

الهوامش
1-  لتفاصيل أكثر، انظر:
Al Tamamy, S. Saudi Arabia and the Arab Spring, Opportunities and Challenges of Security, In: Journal of Arabian Studies: Arabia, the Gulf, the Red Sea, Volume 2, Issue 2, 2012, Pages: 143-156. 
2-  مصدر لـ «الشرق الأوسط»: سعودي سيرأس القيادة العسكرية الخليجية الموحدة، الشرق الأوسط، العدد 12806، يمكن الوصول إليه عبر:
http://classic.aawsat.com/details.asp?section=4&article=754475&issueno=12806#.VId51NFxldg
أيضًا: نتائج القمة الخليجية: اتحاد جمركي، قوة بحرية، دعم للسيسي وهادي، وإدانة لداعش والنصرة، سي إن إن، يمكن الاطلاع عليه عبر:
http://arabic.cnn.com/middleeast/2014/12/09/gccsummit-doha-final-statement
3- يمكن الاطلاع على النص الكامل لإعلان دمشق عبر: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/IraqKwit/30/doc02.doc_cvt.htm
4- على سبيل المثال: توسيع مجلس التعاون الخليجي بداية خارطة عربية سياسية جديدة، سي إن إن، يمكن الوصول إليه عبر:  http://archive.arabic.cnn.com/2011/hiaw/5/26/jordan.gulf/
5-  The Military Balance 2014, the International Institute for Strategic Studies, Rutledge, London.
6-  في الواقع، فإن الدعوة لانضمام الأردن إلى المجلس تعود إلى عام 2001. انظر: المجالي يدعو لانضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، الشرق الأوسط، العدد 8266. يمكن الوصول إليه عبر: http://classic.aawsat.com/details.asp?section=4&article=47770&issueno=8266#.VIdxb9Fxldg
7-  فرغم أن البيان الختامي الذي توَّج أعمال الاجتماع الوزاري المشترك الرابع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزيري خارجية المغرب والأردن تضمن التأكيد والدعم "لمبادرة الحكم الذاتي، الجدية وذات المصداقية، التي تقدمت بها المملكة المغربية كأساس للتفاوض من أجل إيجاد حل نهائي للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية"، إلا أن البيان الختامي لقمة الدوحة خلا من أية إشارة في هذا الصدد. انظر: البيان الختامي لوزراء خارجية الخليج والأردن والمغرب أكد التعاون لمحاربة الإرهاب، الشرق الأوسط، العدد 13147، يمكن الوصول إليه عبر:
http://classic.aawsat.com/details.asp?section=4&article=795956&issueno=13147#.VIeAYdFxldg

عودة للصفحة الرئيسية للملف

ABOUT THE AUTHOR