مستقبل العلاقات الإيرانية- الأميركية

تبحث هذه الورقة في أبعاد التغيير الذي أجراه روحاني في مسار السياسة الخارجية الإيرانية، وتتناول ببعض التفصيل التوجهات السائدة في الساحة السياسية الإيرانية؛ فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، ضمن مدارس فكرية تقسمها هذه الورقة إلى ثلاث.
201433171626361580_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تبحث هذه الورقة في أبعاد التغيير الذي أجراه روحاني في مسار السياسة الخارجية الإيرانية، وتتناول ببعض التفصيل التوجهات السائدة في الساحة السياسية الإيرانية؛ فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن، ضمن مدارس فكرية تقسمها هذه الورقة إلى ثلاث.

تعتقد المدرسة الفكرية الأولى التي ينتمي إليها آية الله خامنئي أن الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تتخلى عن سياساتها القائمة على الهيمنة. وينظر دعاة هذه المدرسة بمنتهى الريبة إلى أية جهود مصالحة؛ ولكن هذه المدرسة -أيضًا-لا ترفض رفضًا قاطعًا انفراج العلاقات بين البلدين.

أما المدرسة الفكرية الثانية -التي يقوم عليها الراديكاليون-فتؤكد وجود عداء متأصِّل بين نظام إيران الإسلامي والغرب، ويقولون: إن الطريق الوحيد هو المقاومة. ومن وجهة نظرهم فإن التفاوض يعني قبول الهزيمة؛ ولهذا يجب اعتباره خطًّا أحمر.

أما المدرسة الفكرية الثالثة فيمثلها المعسكر المعتدل، ومن أبرز رموزها الرئيس الإيراني الأسبق رفسنجاني، والرئيس الحالي حسن روحاني، ويعتقدون وجود مصالح مشتركة كثيرة، تتأثر سلبًا نتيجة للعلاقات العدائية بين البلدين.

وتخلص الورقة إلى أنه إذا تحسنت علاقات إيران مع الولايات المتحدة؛ فمن العقلانية أن نتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بحث المملكة العربية السعودية -والدول العربية الأخرى الحليفة-إلى التخلي عن سياسات المواجهة مع إيران، كما أن الولايات المتحدة لا يمكنها انتهاج سياسة خارجية متماسكة إذا كانت السعودية حليفتها الاستراتيجية في صراع مستمر مع إيران؛ بينما تسعى هي إلى التعاون مع إيران في التعامل لحل أزمات المنطقة الممتدة من لبنان إلى أفغانستان.

مع تولي حسن روحاني منصبه في حزيران/ يونيو من العام الماضي كانت إيران تواجه العديد من المشاكل؛ كان أهمها علاقات إيران المتوترة مع الغرب؛ خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية؛ وذلك بسبب برنامج إيران النووي، إضافة إلى الاقتصاد الذي تدهورت حالته.

تبحث هذه الورقة في أبعاد التغيير الذي أجراه روحاني في مسار السياسة الخارجية الإيرانية، وتتناول ببعض التفصيل التوجهات السائدة في الساحة السياسية الإيرانية فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية، ضمن مدارس فكرية تقسمها هذه الورقة إلى ثلاث.

يعتقد روحاني -والعديد من الاقتصاديين في إيران-أن سوء الإدارة من قبل الفريق الذي عمل مع الرئيس أحمدي نجاد كان مسؤولاً جزئيًّا عن حالة تدهور الاقتصاد الإيراني، كما كان للعقوبات المفروضة على إيران -أيضًا-تأثيرها العميق.

استنادًا إلى هذا الرأي فقد قام روحاني بشكل اتسم بالبساطة؛ ولكن بشكل فعال بشرح برنامج حملته الانتخابية لجماهير الشعب، التي نادت بالتغيير بعد ثماني سنوات مضطربة من رئاسة أحمدي نجاد، وقال روحاني معلقًا في سياق حملته الانتخابية: "إنه لأمر جيد أن تدور عجلات جهاز الطرد المركزي (تخصيب اليورانيوم)؛ ولكن عجلات المصانع الإيرانية يجب أن تدور كذلك"(1).

وفي أعقاب فوز روحاني الساحق أيَّد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله على خامنئي مفهوم "المرونة الشجاعة" في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية؛ وذلك بعد سنوات من المعارضة لإجراء محادثات مباشرة مع الأميركيين خصوصًا منذ عام 2003.

تزامن عزم المعتدل حسن روحاني على إجراء تغيير في مسار السياسة الإيرانية الخارجية من المواجهة إلى التعاون مع دعم آية الله خامنئي الحذر في التعامل مع الولايات المتحدة؛ الأمر الذي مهد الطريق لعقد اجتماع غير مسبوق بين البلدين على مستوى وزراء الخارجية.

المدارس الفكرية الإيرانية تجاه الولايات المتحدة

هناك ثلاث مدارس فكرية في النظام السياسي الإيراني فيما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة.

المدرسة الفكرية الأولى: تعتقد المدرسة الفكرية الأولى -التي ينتمي إليها آية الله خامنئي أن الولايات المتحدة الأميركية لا يمكن أن تتخلى عن سياساتها القائمة على الهيمنة؛ ونتيجة لذلك فإن جمهورية إيران الإسلامية ترفض هذه الهيمنة الأميركية، وتعتقد أن الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة هو إسقاط النظام القائم في إيران وإقامة نظام جديد؛ مثل نظام الشاه الذي كان يقبل العلاقة بين "الراعي والعميل".

وبسبب عدم الثقة العميقة تجاه الولايات المتحدة الأميركية؛ فإن دعاة هذه المدرسة ينظرون بمنتهى الريبة إلى أية جهود مصالحة ترعاها الولايات المتحدة الأميركية؛ ولكن هذه المدرسة -أيضًا-لا ترفض رفضًا قاطعًا انفراج العلاقات بين البلدين.

وقد صرح آية الله خامنئي في مارس/آذار 2013 أنه لا يعارض إجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة؛ ولكنه -أيضًا-عبر عن عدم تفاؤله(2).

وفي 9 من يناير/كانون الثاني 2014 أعاد التأكيد قائلاً: "كنا قد أعلنا في وقت سابق أننا إذا شعرنا أن ذلك مناسبًا، فإننا سنتفاوض مع الشيطان لردع شره"(3).

فيما يتعلق باستعادة العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، فإن آية الله خامنئي قد قال علنًا: "نحن لم نقل: إن العلاقات ستظل مقطوعة إلى الأبد. ولا شك فإن اليوم الذي تكون فيه العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية مفيدة للأمة الإيرانية، سوف أكون أول مَنْ يوافق على ذلك". وقد أكد ذلك في عدة تصريحات مماثلة، وهذا يوضح بشكل حاسم أنه لم يغلق الباب أمام الحوار، حتى أمام استعادة العلاقات مع الولايات المتحدة.

إن تشاؤم آية الله خامنئي بشأن نتائج المحادثات والتعاون مع الولايات المتحدة لم يأت من فراغ، ويرجع بشكل أساسي إلى تجربته في تاريخ العلاقة بين البلدين.

ما قبل وبعد أحداث سبتمبر/أيلول المأساوية
في "سبتمبر/أيلول 2001"، أجرت إيران محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أن المحادثات تركزت حول الوضع في أفغانستان سعت إيران إلى فتح حوار وتعاون مع الولايات المتحدة، وقد تم توجيه محور المحادثات بعد 11 من سبتمبر/أيلول تجاه التعاون بين الحكومتين، بهدف الإطاحة بحكومة طالبان؛ وذلك من خلال حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، والجماعة المسلحة المعارضة لطالبان، التي تم تجهيزها وتمويلها بواسطة إيران.

تعاونت إيران بشكل فعَّال مع القوات التي تقودها الولايات المتحدة من أجل إسقاط حركة طالبان، وفي جهود لاحقة لإقامة حكومة جديدة في أفغانستان كان لمساهمة إيران الدور الحاسم في هذا الأمر.

وقد تحدث السفير جيمس وبينز -رئيس وفد الولايات المتحدة- عن الدور الذي قام به نائب وزير الخارجية الإيراني وقتها ووزير الخارجية الحالي جواد ظريف: "تمكن ظريف من تحقيق الانفراج النهائي، الذي من دونه لم يكن ممكننًا لحكومة كرزاي أن تتشكل".

ولكن بعد بضعة أسابيع فقط أدرج الرئيس الأميركي بوش إيران في قائمة "محور الشر"، وفي عام 2003 ألمحت إيران بشكل غير رسمي لحكومة الولايات المتحدة بإمكانية إحداث صفقة كبرى في سياق جهود أخرى؛ وذلك من أجل التقارب كهدف لحل جميع القضايا المتنازع عليها بين الدولتين، وقد تم رفض ذلك -أيضًا-من قبل الإدارة الأميركية، وفي وقت لاحق في عام 2003 برز الخلاف الكبير بين البلدين بسبب برنامج إيران النووي كخلاف مركزي.

كان كاتب هذا المقال يعمل نائبًا لسكرتير مجلس الأمن الإيراني وقتها حسن روحاني - إضافة إلى أنه كان المتحدث باسم فريق التفاوض النووي الإيراني ما بين عامي 2003 و2005 في المفاوضات مع مجموعة الاتحاد الأوروبي الثلاثية (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا)، كانت العقبة الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق هو إصرار الولايات المتحدة على فكرة عدم تخصيب اليورانيوم داخل إيران، وقد شرح الوضع جيدًا وزير الخارجية البريطاني وقتها جاك سترو، الذي قال معلقًا في جلسة نقاشية على تلفزيون بي بي سي في يوليو/تموز 2013: "لقد وصلنا لنقطة ما باحترام، وبعدها تعقدت المسألة؛ سحب الأميركيون البساط فعلاً من تحت أقدام الرئيس محمد خاتمي، وحصل الأميركيون على ما لم يكن يريدونه"(4).

أدت هذه التجارب إلى اعتقاد آية الله خامنئي أن الأميركيين ليسوا على استعداد لتقديم أي تنازلات؛ أقلَّ من "تغيير النظام"؛ فيما كان لديه مرارًا وتكرارًا الرغبة في فتح الأبواب للمصالحة؛ ولكن دون جدوى.

المدرسة الفكرية الثانية: التي ينادي بها الراديكاليون؛ ويؤكد هؤلاء أن هناك عداءً متأصلاً بين نظام إيران الإسلامي والغرب، ويقولون: إن الطريق إلى النجاح الكبير هو المقاومة؛ حتى تعترف الولايات المتحدة الأميركية بإيران، وتحترم هويتها كما هي، ومن وجهة نظرهم فإن التفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية يعني قبول الهزيمة؛ ولهذا يجب اعتبار ذلك خطًّا أحمر.

ويجادل حسين شريعتمداري -أحد أنصار هذه المدرسة-بقوله: تصر الولايات المتحدة على جلب إيران إلى طاولة المفاوضات من أجل تدمير مكانتها باعتبارها "حامل لواء النضال ضد الهيمنة العالمية"(5).

ويقول شريعتمداري: إن المقاومة الإيرانية للولايات المتحدة أصبحت تمثِّل نموذجًا لجميع المقاتلين من أجل الحرية في العالم الإسلامي.

ويتابع قائلاً: "إن الولايات المتحدة الأميركية تنوي كسر شوكة هذا النموذج بصرف الأنظار؛ من خلال التفاوض مع إيران؛ إنهم يريدون إعطاء هذا الانطباع إلى الحركات في العالم الإسلامي أن جمهورية إيران الإسلامية حليفكم الاستراتيجي والأيديولوجي تتحاور مع الولايات المتحدة الأميركية (بعد سنوات طويلة من المقاومة)، وأنه ليس هناك خيار آخر غير الجلوس إلى الولايات المتحدة الأميركية والتحدث معها"(6).

المدرسة الفكرية الثالثة: ويمثلها المعسكر المعتدل؛ ومن أبرز رموزها الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني، والرئيس الحالي حسن روحاني، ورواد هذه المدرسة يتفقون مع فكرة أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى تغيير النظام إذا استطاعت إلى ذلك سبيلاً؛ ومع ذلك فإنهم يعتقدون وجود مصالح مشتركة كثيرة، اقتصاديًّا وسياسيًّا، وأن هذه المصالح المتبادلة تعاني من العراقيل نتيجة للعلاقات العدائية بين البلدين؛ وعلى سبيل المثال فهم يرون أن الجهاديين والمتطرفين يمثلون عدوًّا مشتركًا وخطيرًا لكل من إيران والولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في المنطقة؛ لذا ينبغي أن يتم التعاون من أجل استئصالهم، أو على الأقل احتوائهم.

ويعتقد أنصار هذه المدرسة أنه من خلال المفاوضات الجادة والمشاركة؛ فمن الممكن بالفعل الاستفادة بتفعيل المصالح المشتركة، وإعادة تشكيل موقف الولايات المتحدة تجاه النظام الإيراني.

في مقابلة معه أثناء حملته الانتخابية، قال روحاني: "قبل ثماني أو عشر سنوات كان يمكن أن نتحدث عن تخفيف حدة التوتر مع الولايات المتحدة... والآن ونحن في مرحلة العداء... يجب علينا أولاً أن نقلل من حدة هذا العداء إلى حالة التوتر؛ ومن ثم محاولة نزع فتيل الأزمة"(7).

وعلى مدى السنوات الـ(25 الماضية) أي منذ وفاة آية الله الخميني، تأرجحت مواقف المدرستين الأولى والثالثة بين التعاون والرفض، في حين بقي المعسكر الثاني يسعى دون كلل لمنع أي محادثات، وأي فكرة لتحسين العلاقات بين إيران والولايات المتحدة.

موقف روحاني في السياسة الإيرانية

يعتبر روحاني من السياسيين القلائل الذين يمتلكون المؤهلات والخلفية عن حقيقة الأوضاع فيما يتعلق بالسياسة الإيرانية؛ فخلال الحرب الإيرانية مع العراق في ثمانينات القرن الماضي كانت لدى روحاني علاقات وثيقة مع قادة الجيش الإيراني وحرس الثورة الإسلامية (الفيلق الثوري)؛ حيث كان يشغل منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة، وخدم لمدة ثماني سنوات رئيسًا للجنة السياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، وخدم 16 عامًا أمينًا عامًّا لمجلس الأمن القومي، وكذلك كان كبير المفاوضين للبرنامج النووي الإيراني بين عامي 2003 و2005؛ الأمر الذي جعله ضمن مجموعة محدودة للغاية من الشخصيات السياسية التي تمتلك الفهم العميق لسياسة إيران الخارجية، والإلمام بأدق التفاصيل حول أزمة الملف النووي الإيراني، هذا إضافة إلى أنه قد خدم لمدة 23 عامًا دون انقطاع ممثلاً لآية الله خامنئي في مجلس الأمن القومي، وحتى انتخابه في يونيو/حزيران الماضي كان روحاني على اتصال مع كل مفاصل السلطة في إيران.

هذه الصفات جعلت روحاني في وضع يتيح له فرصة التفاوض مع النخبة الحاكمة؛ بما في ذلك المرشد الأعلى، كما أنه كان يتفاوض -أيضًا- مع القوى العالمية بشأن الأزمة النووية الإيرانية.

ونتيجة لجهود روحاني ومهاراته التفاوضية؛ فقد تم التعليق المؤقت والطوعي لتخصيب اليورانيوم بين عامي 2003 و2005؛ وذلك على الرغم من أن آية الله خامنئي كان مترددًا في عملية تعليق التخصيب.

ولهذا فإنه من الحكمة قول: إن روحاني اليوم كشخصية معتدلة عازم على إنهاء القضية النووية، والتحرك نحو انفراج العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، بدعم من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وبدعم كبير من الشعب الإيراني، فضلاً عن مكانته الخاصة في السياسة الإيرانية.

وعلى الولايات المتحدة أن تضع في حساباتها موقف روحاني وجهوده المخلصة، إذا كان عزمها الحقيقي هو فك العقد المستعصية فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي من خلال العملية السياسية.

التحديات التي تواجه العلاقات الأميركية/الإيرانية

ونظرًا إلى عمق فقدان الثقة بين البلدين وخصوصًا من الجانب الإيراني، فسيتم بلا شك تحديد مصير ومسار مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران؛ وفقًا لنتائج اتفاق جنيف المعروف باسم: "خطة العمل المشترك".

ونظرًا إلى مواقف البلدين فلن يكون هناك تنشيط لأي مشاركة ثنائية ما لم يتم التوصل إلى اتفاق شامل بشأن القضية النووية، والسبب بسيط؛ هو أن روحاني وفريقه -بمن في ذلك وزير خارجيته جواد ظريف- لا يمكنهم إقناع المرشد الأعلى وأتباع المعسكر الأول، إنه حتى لو كانت نية الولايات المتحدة في نهاية المطاف هي إسقاط النظام؛ فإنه يمكن إعادة تشكيل هذه النوايا من خلال محادثات ومفاوضات صادقة وجادة، وتدابير لإعادة بناء الثقة بين الطرفين.

وتأكيدًا لوجهة النظر هذه فإن الاجتماع الذي عُقد بين وزير الخارجية الأميركية جون كيري، ونظيره الإيراني جواد ظريف على هامش مؤتمر الأمن في ميونخ في فبراير/شباط 2014 يؤكد أن الوضع في واشنطن مشابه تمامًا للوضع في طهران؛ لأن أوباما لا يستطيع إقناع الكونغرس وجماعات الضغط بإجراء مساومة مع إيران.

ووفقًا للتقارير وردًّا على وزير الخارجية الأميركي جون كيري -الذي أثار موضوع سوريا حاثًّا إيران على إظهار استعدادها تأدية دور بنَّاء وفعال في وضع حدٍّ للصراع في سوريا، قال ظريف: إنه "ليس لديه تفويض لمناقشة الوضع في سوريا، وإن التركيز في الاجتماع على المفاوضات النووية"(8). ويمثل ذلك ردًّا واضحًا على سياسة الولايات المتحدة لمنع إيران من المشاركة في مؤتمر جنيف الثاني حول الأزمة السورية(9)؛ ولكن إيران كانت مستعدة للمشاركة في المحادثات متعددة الأطراف دون شرط من أجل إيجاد حلول لإنهاء المأساة في سوريا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2013 أكد المرشد الأعلى دعمه لفريق التفاوض الإيراني؛ مستخدمًا لهجة قوية؛ حيث قال: "لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن فريق التفاوض؛ فهؤلاء هم أبناء الثورة... نحن نؤيد بقوة فريق دبلوماسيتنا"(10).

وعلى الرغم من هذا الدعم القوي، لا تزال هناك انتقادات متفرقة من المتشددين للطريقة التي ينتهجها ظريف وروحاني في معالجة القضية النووية.

ولكن يبقى التحدي الرئيسي لاتفاق جنيف المؤقت في نهاية المطاف؛ هو أن الحل السلمي للأزمة النووية الإيرانية يأتي من الخارج، خصوصًا من الولايات المتحدة.

يصر اللوبي المؤيد لإسرائيل وبعض أعضاء الكونغرس على أن فرض الضغوط على إيران هو السبيل الوحيد لإحداث التغيير في سلوكها؛ ويعتبر السيناتور منديز الراعي الرئيس لمشروع قانون العقوبات المعروف باسم: "قانون إيران الخالية من الأسلحة النووية"، وهو من الناحية العملية الحظر النفطي الكامل على إيران.

ويقول منديز: "العقوبات الحالية جلبت إيران إلى طاولة المفاوضات، والتهديدات بفرض العقوبات في المستقبل يستوجب من إيران التعاون والعمل بحسن نية على طاولة المفاوضات". ولكن هذه الرؤية المعيبة ارتكزت على أن العقوبات كانت السبب الوحيد في إقناع الإيرانيين بالتوقيع على اتفاق جنيف المؤقت، وقد اعترف الرئيس الأميركي أوباما أن الإصرار على عدم تخصيب اليورانيوم داخل إيران أمر غير واقعي، وغير قابل للتحقيق.

يمكن القول بوجود دلائل تشير إلى أن الإدارة الأميركية لا تزال تخطئ في قراءة الوضع، وتسعى لفرض المطالب التي قد تهدد بفشل اتفاقية جنيف.

في جلسة استماع في مجلس الشيوخ يوم 4 من فبراير/شباط 2014 قالت ويندي شيرمان -رئيسة الوفد الأميركي المفاوض في المباحثات مع إيران: "نحن نعلم أن إيران لا تحتاج أن يكون لها منشأة تخصيب محصنة تحت الأرض؛ مثل فرادو، أو مفاعل الماء الثقيل في أراك؛ من أجل أن يكون لها برنامج نووي سلمي"(11).

تعتبر هذه المطالب الضمنية من المهددات لفشل الاتفاق؛ إن إغلاق هذه المنشآت من شأنه أن يعطل الاستثمارات البشرية والمالية الضخمة التي بُذل فيها الكثير من الجهد لعدة سنوات؛ تحقيقًا لرغبة قوى أجنبية، ويعد هذا مناقضًا تمامًا لأحد، أعمدة الثورة ومقاومة النظام الإيراني للهيمنة الأجنبية.

في الواقع؛ فإن مقاومة إيران للتخلي عن تخصيب اليورانيوم ينبع من النظرة العالمية نفسها؛ إضافة إلى ذلك فإن الخضوع لمثل هذه المطالب سيتسبب في تكبد تكاليف سياسية عالية لصناع القرار في إيران، الذين يرتبط عندهم استمرار البرنامج النووي بمفهوم الاعتزاز الوطني، وسيجعلهم عرضة لاتهامات بيع كرامة البلاد.
كان رد جواد ظريف سريعًا على تصريحات ويندي شيرمان؛ حيث أكد أن إغلاق المنشآت النووية الإيرانية يعتبر من "الأمور المستحيلة"(12).

وقال: إن "التكنولوجيا النووية الإيرانية غير قابلة للتفاوض، وإن التعليقات حول المنشآت النووية الإيرانية لا قيمة لها". ويجب على السيدة شيرمان التمسك بالواقع، وعدم الحديث عن أشياء مستحيلة؛ حتى لو كانت للاستهلاك المحلي؛ لأن مثل هذه الكلمات لا تخدم إمكانية التوصل إلى حل.

والواقع أن تفاصيل أنشطة إيران النووية -مثل مستوى ومدى تلك الأنشطة، وتنفيذ المراقبة والتدابير اللازمة للتأكد من أن إيران قد لا تعمل على تحويل برنامجها النووي نحو التسلح- أمر قابل للتفاوض؛ ولكن للأسباب المذكورة سابقًا ليس ذلك بإغلاق منشآتها.

وفي الوقت ذاته فإن الأساس المنطقي وراء طلب الولايات المتحدة إغلاق تلك المنشآت يبدو ضعيفًا؛ لأنه ليس هناك دولة قامت بتطوير القنبلة النووية وهي عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA وتحت إشرافها. حتى إن جمهورية كوريا الشعبية (كوريا الديمقراطية) قد انسحبت من معاهدة حظر الانتشار النووي في عام 2003 قبل اختبار أول قنبلة نووية لها بعد ثلاث سنوات.

اختارت الحكومة الإيرانية البقاء بصفتها دولة موقِّعة على معاهدة الانتشار النووي، وإذا كانت تسعى إلى تطوير أسلحة نووية كان بإمكانها الانسحاب من المعاهدة قانونًا بعد إعطاء إشعار لمدة ثلاثة أشهر للوكالة؛ ومن ثم إعادة تكوين برنامجها لإنتاج الأسلحة النووية، على الأقل دون عواقب قانونية.

إذا كانت إيران تعتزم الحصول على أسلحة نووية سرًّا؛ فلماذا كانت تبحث القيام بذلك في المنشآت المعروفة بأنها تحت تهديد الإغلاق؟ ولماذا الدعوة إلى فرض عقوبات شديدة القسوة بالإصرار على استمرار الأنشطة النووية العلنية؟ ولو كانت إيران لا ترغب حقًّا في النشاط النووي السلمي، لكان بإمكانها إغلاق المنشآت المعترف بها؛ لتُظهر الاستسلام لمطالب الأجنبي، والعمل سرًّا وفي الخفاء.

آفاق نجاح وفشل الاتفاقية

يعتبر الاتفاق النووي عاملاً محوريًّا في تحديد مستقبل العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران.

والحقيقة أن الوصول إلى اتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 يتأثر بشكل كبير بالاتفاق بين إيران والولايات المتحدة؛ ولأنه منذ سبتمبر/أيلول 2003 تاريخ بداية الأزمة النووية الإيرانية وحتى سبتمبر/أيلول 2013، قامت الولايات المتحدة بإغلاق الطريق أمام أي صفقة واقعية، وإذا فشل الجانبان في التغلب على خلافاتهم فلن يكون هناك اتفاق، وإذا نجح الطرفان في الغالب فسيلقى ذلك في الغالب ترحيب الآخرين.

إن النجاح في التوصل إلى اتفاق بشأن القضية النووية من شأنه إغلاق صفحة مريرة في العلاقات المضطربة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وسيفتح الأبواب أمام التقدم في مناطق النزاعات الأخرى؛ وربما الأهم أن يتم التعاون بين البلدين، والعمل على تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، الذي يعاني الأزمات من لبنان في الغرب إلى أفغانستان في الشرق. جنبًا إلى جنب مع حلفائها في المنطقة -وبتعاون الولايات المتحدة مع إيران- يمكن تشكيل نظام أمنى إقليمي لمحاربة التهديد الأمني الكبير والوشيك لمصالح وأمن جميع الأطراف المعنية.

إن صعود التطرف والجماعات الجهادية في ظل الظروف الراهنة يحتم على الولايات المتحدة وإيران ألا يكونا في حالة عداء؛ – لأن المستفيد من هذا الوضع هو الجماعات الإرهابية، ويصب في مصلحة صعودها، وامتدادها من بلد إلى آخر.

ثم ماذا لو فشل اتفاق جنيف المؤقت؟
في مثل هذا الاحتمال، فإن الولايات المتحدة على الأرجح سوف تقوم بفرض عقوبات أكثر صرامة على إيران؛ ونتيجة لذلك فإن التواصل والحوار بين إيران والولايات المتحدة الأميركية سيتوقف، ويعودان إلى تبادل نمط السنوات الماضية، أي تبادل عبارات التهديد، والوصول مرة أخرى إلى ذروة العدائيات؛ وهذا الوضع يدفع حتمًا السياسات المعتدلة الحالية من قبل إيران إلى الهامش، ويؤدي إلى عودة السياسات الراديكالية.

إن السياسات غير المتوافقة والمتصارعة من الجانبين لا يمكن أن تستمر إلى أجل غير مسمى، ويوضح التاريخ أنه عندما تفشل الحكومات في التغلب على خلافاتها من خلال الحوار؛ يكون البديل الوحيد هو السعي إلى حل عسكري.

إذا كان هدف الولايات المتحدة هو التأكد من سلمية أنشطة إيران النووية، فإن ذلك يمكن تحقيقه من خلال ضمان أقصى مستوى من الشفافية، ومراقبة التدابير في إطار معاهدة حظر الانتشار النووي.

نظرًا إلى الحالة غير المستقرة في الشرق الأوسط؛ فإن المنطق يفرض اعتماد نهج واقعي تجاه الأزمة بشأن البرنامج النووي الإيراني؛ الأمر الذي سوف يحول دون أي انهيار مؤسف لاتفاق جنيف المؤقت، الذي يرى كثيرون أنه الفرصة الأخيرة للتوصل إلى تسوية دبلوماسية.

تأثير التقارب الإيراني-الأميركي على الدول العربية المجاورة لإيران

هناك حاليًّا مدرستان فكريتان في الدول المجاورة فيما يخص علاقاتها مع إيران؛ معسكر بقيادة الصقور في الملكة العربية السعودية وبعض الدول العربية الأخرى، وهؤلاء ينتابهم القلق من أي تحسن في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، ويرون أن ذلك من شأنه أن يُقَوِّض وزنهم في المنطقة لصالح إيران؛ ولذلك يرون أنفسهم في منافسة مستديمة مع إيران.

وهناك المعتدلون في الدول العربية؛ بقيادة سلطنة عمان، وتعتبر هذه المدرسة الفكرية الثانية أن علاقات أفضل بين إيران والولايات المتحدة من شأنه أن يخدم المصالح المشتركة لجميع البلدان في المنطقة.

وهم يرون أن السلام بين إيران والولايات المتحدة الأميركية قد يفتح الطريق أمام تكوين تعاون إقليمي؛ مما يؤدي إلى تحقيق الاستقرار والسلام بين إيران وجيرانها، وبشكل أهم مع المملكة العربية السعودية؛ وهذا من شأنه أن يعمل على ضمان تدفق مستقر للنفط، الذي هو في مصلحة الولايات المتحدة وأصدقائها وحلفائها؛ فضلاً عن إيران، إضافة إلى ذلك -وربما الأهم- أن يعمل على خلق قوة موحدة للقضاء على عدو مشترك هو الإرهاب والتطرف.

تتسق العقلية الإيرانية المعتدلة بدعم من المرشد الأعلى مع وجهة النظر العمانية، التي تنادي بتشكيل علاقات إيران الخارجية مع جميع الدول، ولاسيما الدول المجاورة لإيران في المنطقة بما يحقق المصالح المشتركة.

فإذا تحسنت علاقات إيران مع الولايات المتحدة فمن العقلانية أن نتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بحثِّ المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى الحليفة على التخلي عن سياسات المواجهة تجاه إيران، وهذا مهم جدًّا؛ ليس لأن الوضع المتفجر في الشرق الأوسط فقط هو الذي يحتم ضرورة التعاون بين إيران والمملكة العربية السعودية كقوتين إقليميتين؛ ولكن أيضًا لأن الولايات المتحدة لا يمكن أن تنتهج سياسة خارجية متماسكة إذا كانت المملكة العربية السعودية حليفتها الاستراتيجية في صراع مستمر مع إيران؛ بينما تسعى الولايات المتحدة للتعاون مع إيران في التعامل مع أزمات المنطقة الممتدة من لبنان إلى أفغانستان.

وبالتالي فمن الأسلم أن نفترض أن تحسين العلاقات بين إيران والولايات المتحدة -على الرغم من أن ذلك لم يكن في التصور سابقًا- قد يجعل الولايات المتحدة تلعب دور الوسيط الفعال بين إيران والمملكة العربية السعودية وغيرها من حلفائها العرب؛ لفتح صفحة جديدة في العلاقات التي ظل يشوبها التوتر لسنوات عديدة.

إذا كان بإمكان الولايات المتحدة وإيران إحداث تحولات استراتيجية في علاقاتهما، لماذا لا يمكن لإيران والمملكة العربية السعودية أن يحذوا حذوها؟ إن مثل هذا التحول من شأنه أن يسهل في إنشاء نظام للتعاون الإقليمي في المنطقة وخارجها.
_____________________________________
السفير حسين موسيان - باحث في كلية وورو ويلسون للشؤون العامة والدولية بجامعة برينستون، شغل سابقًا منصب سفير إيران لدى ألمانيا، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الأمن القومي الإيراني، والمتحدث باسم وفد التفاوض النووي الإيراني، أحدث مؤلفاته حول العلاقات الإيرانية الأميركية الذي سيصدر في مايو/أيار 2014م.

الهوامش والمصادر
(1) Great Expectations: Iran’s New President and the Nuclear Talks, Middle East Briefing N°36
Washington/Brussels, 13 August 2013:
http://www.crisisgroup.org/~/media/Files/Middle%20East%20North%20Africa/Iran%20Gulf/Iran/b036-great-expectations-irans-new-president-and-the-nuclear-talks.pdf.
(2) Iran's leader says he is not opposed to direct talks with US, but not optimistic, Published March 21, 2013, Associated Press:
http://www.foxnews.com/world/2013/03/21/iran-leader-says-is-not-opposed-to-direct-talks-with-iran-but-not-optimistic.
(3) Saeed Kamali Dehghan, Nuclear talks showed US hostility towards Iran, says supreme leader, theguardian.com, Thursday 9 January 2014:
http://www.theguardian.com/world/2014/jan/09/nuclear-talks-us-hostility-iran-khamenei.
(4) Straw: US stalls accord on Iran nuclear program, Friday, July 05, 2013:
http://en.alalam.ir/news/1491728.
(5) شريعتمداري: آمريکا مذاکره را براي مذاکره مي خواهد، شريعتمداري، أميركا تريد التفاوض لأجل التفاوض، سايت ألف، يکشنبه ?? ارديبهشت ????:
 http://alef.ir/vdcg.w97rak9ynpr4a.html?8935.
(6) شريعتمداري: آمريکا مذاکره را براي مذاکره مي خواهد، شريعتمداري، أميركا تريد التفاوض لأجل التفاوض، سايت ألف، يکشنبه ?? ارديبهشت ????:
 http://alef.ir/vdcg.w97rak9ynpr4a.html?8935.
(7) روابط با آمريکا بايد از تخاصم به وضعيت تنش تبديل شود/ احترام را به پاسپورت إيراني برمي‌گردانم، ????/?/??، مهرنيوز:
 http://www.mehrnews.com/detail/News/2066682.
(8) مسئله هسته اي سرنوشت روحاني و جهت آينده إيران را رقم خواهد زد:
http://www.al-monitor.com/pulse/fa/contents/articles/originals/2014/02/iran-geneva-us-policy-rouhani.html##ixzz2v07IcZkC.
 (9) Samira Said, Nick Paton Walsh and Matt Smith, Iran out of peace conference on Syria, so Geneva talks still on, January 20, 2014:
http://edition.cnn.com/2014/01/19/world/meast/syria-geneva-talks.
(10) آيت الله خامنه أي: هيچکس نبايد مذاکره کنندگان ما را سازشکار بداند/از اين مذاکرات ضرر نمي‌کنيم، وكالة ايسنا Mar 04 2014:
http://isna.ir/fa/news/92081207161/%D9%87%DB%8C%DA%86%DA%A9%D8%B3-%D9%86%D8%A8%D8%A7%DB%8C%D8%AF-%D9%85%D8%B0%D8%A7%DA%A9%D8%B1%D9%87-%DA%A9%D9%86%D9%86%D8%AF%DA%AF%D8%A7%D9%86-%D9%85%D8%A7-%D8%B1%D8%A7-%D8%B3%D8%A7%D8%B2%D8%B4%DA%A9%D8%A7%D8%B1.
 (11) Iran MPs blast remarks by US Geneva representative, Press TV, Wednesday Mar 05, 2014:
http://www.presstv.ir/detail/2014/02/06/349492/iran-mps-slam-remarks-by-us-envoy.
(12) Iran MPs blast remarks by US Geneva representative, Press TV, Wednesday Mar 05, 2014:
http://www.presstv.ir/detail/2014/02/06/349492/iran-mps-slam-remarks-by-us-envoy.

 

عودة للصفحة الرئيسية للملف

ABOUT THE AUTHOR