الربيع العربي ونهاية حقبة ما بعد الاستعمار

يقدم هذا التقرير قراءة في كتاب "الربيع العربي ونهاية حقبة ما بعد الاستعمار" لمؤلفه حميد دباشي أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا بالولايات المتحدة، وهو محاولة فكرية، مقدمة للعقل العربي والغربي على السواء، لفهم الثورات العربية من دون الاستغراق في تفاصيلها المتسارعة.
201281294044771734_20.jpg
 

مؤلف الكتاب

حميد دباشي هو أستاذ الدراسات الإيرانية والأدب المقارن بجامعة كولومبيا بمدينة نيويورك الأميركية. ينحدر من أسرة إيرانية في إقليم الأحواز، حيث درس هناك وفي طهران قبل أن ينتقل للولايات المتحدة ويحصل على دكتوراه مزدوجة في علم اجتماع الثقافة والدراسات الإسلامية من جامعة بنسيلفينيا. وهو أحد مؤسسي معهد الاجتماع والأدب المقارن ومركز الدراسات الفلسطينية بجامعة كولومبيا. ألَّف 25 كتابا منها: "مابعد الاستشراق، المعرفة والقوة في زمن الإرهاب" و"لاهوت التحرير الإسلامي: مقاومة الامبراطورية" و"مخملبوف في كل مكان: صناعة مخرج الأفلام المتمرد." ولديه أيضا اهتمام بالسينما والفنون وعمل ضمن لجان تحكيم مهرجانات سينمائية دولية.

ملخص الكتاب

في الوقت الذي تموج به الساحة السياسية العربية من تطورات متسارعة خلال العام ونصف الماضي، فإن هناك محاولات فكرية لهضم هذا التغيير الهائل ووضعه في سياقات تاريخية وفلسفية، وذلك من أجل استيعابه من جهة، ومن أجل استشراف المستقبل من جهة أخرى، بعد أن أصبح الثابت الوحيد في هذه المنطقة هو التغيير. وفي هذا الإطار يأتي كتاب حميد دباشي "الربيع العربي ونهاية حقبة ما بعد الاستعمار/ The Arab Spring: The End of Postcolonialism" الصادر أوائل هذا العام (2012) عن دار "زد / Zed" للنشر في لندن.

وهو محاولة لتحدي كل المفاهيم التي تُبنى عليها التحليلات الحالية للربيع العربي، تحديا يصل إلى تفكيك كل عناصر هذه الظاهرة وتركيبها من جديد. فمؤلف الكتاب يرى أن رياح الديمقراطية تأخر هبوبها على هذه البقعة من العالم، وأن الربيع العربي حينما جاء فإنه لا يطيح بالأنظمة التي استقرت على العروش عقودا فحسب، بل يطلق الرصاصة الأخيرة على الأيدلوجيات التي نشأت في مرحلة ما بعد الاستعمار في العالم العربي، ولا يستثني من هذا تيار الإسلام السياسي ولا حتى تيار القومية العربية والماركسية في نسختها العربية. هذا فضلا عن التغيرات التي أحدثها، أو بالأحرى التي كشف عنها، في المسائل العرقية والنسوية بالعالم العربي.

ميدان التحرير عاصمة العالم الجديد

يبدأ الكتاب بعقد مقارنة بين ما اصطلح على تسميته ربيع الشعوب الذي حلَّ على بعض الدول الأوروبية عام 1848 والذي شهده كارل ماركس وقاده لكتابة البيان الشيوعي في نفس العام. وكما وصف ماركس باريس في تلك الحقبة بأنها عاصمة العالم الجديد بعد مرحلة إعادة التشكل التي خلفها الربيع الأوروبي، فإن القاهرة، كما يقول المؤلف، هي عاصمة العالم الجديد، وتحديدا ميدان التحرير الذي أصبح رمزا عالميا وليس مصريا فقط.

وبعد ذلك يسرد الكاتب فكرته التي تتمحور حول نهاية حقبة ما بعد الاستعمار وأن الربيع العربي هو خير تجسيد لنهاية هذه الحقبة. ويرى أن هذه الظاهرة الفريدة تعيد صياغة مفهوم الثورة مرة أخرى. فما نحن بصدده ليس استنساخا لنمط الثورة الذي مر بفرنسا وروسيا والصين وكوبا أو حتى الثورة الإيرانية عام 1979. فالأمر ليس تغييرا مفاجئا وجذريا للقوة السياسية مصحوبا بإعادة هيكلة المجتمع اقتصاديا واجتماعيا، بل يحمل تغييرا أعمق من هذا بكثير يطال الأنماط الثقافية السائدة، ولن تبقى الثورات العربية حجرا على حجر في الثقافة السياسية والاقتصادية في هذه المجتمعات؛ فالخرائط الجغرافية والفكرية المألوفة خلال العقود الماضية مرشحة وبشدة لإعادة الرسم مرة أخرى، بدءا من مصطلح الشرق والغرب نفسه، الذي يراه الكاتب تقسيما استعماريا بامتياز، وانتهاء بالأيدلوجيات الفكرية السائدة، وخاصة تلك التي يسميها الأيدلوجيات الحتمية. ويسوق هنا مثالا بما اصطلح على تسميته تيار الإسلام السياسي الذي رآه قد بلغ أوج تطوره مع نموذج القاعدة التي حاولت استخدام القوة بشكل عالمي من أجل إحداث التغيير، ليأتي الربيع العربي كي يبرهن على خطأ هذا المسار، ويضرب هذه الأيدلوجية في مقتل. فالحركات التي تبنت أفكارا ترى أنها وصفات حتمية لحل مشاكل المجتمعات العربية في مرحلة ما بعد الاستعمار لم يأت التغيير وفقا لأجندتها، وإن كانت قد ساهمت بدور فيه.

وليس أدل على ذلك من الشعارات التي رفعها الثائرون في بلدان الربيع العربي، عيش..حرية..كرامة إنسانية..أي تجاوز لكل أشكال الأيدلوجيات تماما، وإعلان لعملية تحول جديدة لا تتخذ شكل الدوغما الفكرية أو العنف وسيلة لها. وقد أستطاع المؤلف بذكاء أن يضع كل المفاهيم تحت مجهر الفحص الفكري، لكنه وإن بين مدى حداثة وتفرد ظاهرة الربيع العربي، إلا أنه احتفظ لنفسه بعقد مقارانات مع ربيع الشعوب بأوروبا 1848، وهي مقارنة تنهي في أحد جوانبها تفرد الربيع العربي في التاريخ كظاهرة كما أراد هو البرهنة على ذلك.

البداية مع الانتفاضة الفلسطينية

وفي محاولة منه لإعادة تأريخ الربيع العربي، فإنه يرى في الانتفاضة الفسطينية الأولى البداية الحقيقة للربيع العربي وبداية ما يسميه تمرد الإنسان العربي على الظلم المحلي المدعوم من الطغيان الدولي في عصر ما بعد الاستعمار في إطار متجاوز للأيدلوجيات السائدة في هذه الحقبة الزمنية. وخلال الفترة الزمنية بين الانتفاضة وعام 2011، حيث اندلاع الثورات العربية، يرى الكاتب أن الثورة الخضراء في إيران 2009 كانت تعبيرا عن ذاك الربيع نفسه، ويقول إنه تكهن أثناء اندلاعها بأنها ستلهم الشباب العربي في المنطقة من ناحية الطريقة التي اندلعت بها والوسائل التي استخدمها هؤلاء الشباب، فقد كان الأمر حينها يشي بأن هناك شيئا ما يتجاوز حدود الغضب الشبابي.

وقد يبدو وكأن الكاتب أقحم الإيرانيين في سياق تحليلي يتناول في الأصل دولا وشعوبا تجمعهم ثقافة واحدة وتسمية متعارف عليها ولو مؤقتا وهي الربيع العربي، لكنه في ذات الوقت حرر إيران من وضعها بشكل دائم في إطار نظام الحكم فيها فقط، وأدخل الشعب الإيراني وتطلعاته كطرف في المعادلة، قافزا بذلك على ثنائية السنة والشيعة. ولم يفرد في ذات الوقت مساحة كافية لتحليل الدور الإيراني في سوريا ومآلات هذه العلاقة وانعاكساتها على الربيع العربي مستقبلا، وهي نفس الفجوة التي يجدها القاريء في تعامله مع مسألة البحرين.

العِرق واللون

ولم يترك الكاتب الملف الإيراني من دون أن يستخدمه للدلالة على حضور مسألة العرق واللون ونقد الطريقة التي تعاملت بها بعض الثورات مع هذه المسألة. إذ يقول إن هناك إشاعة سرت بين بعض النشطاء الإيرانيين مصحوبة بصور تفيد أن هناك جنودا عربا يشاركون في قمع المتظاهرين المدنيين عام 2009، ولم يكن هؤلاء في الحقيقة سوى إيرانيين ينحدرون من الجنوب حيث السكان ذوو لون البشرة الداكن، وهي نفس المنطقة التي ينحدر منها المؤلف، وهو ما يراه دليلا على وجود خطاب عنصري ضد العرب، فالتفكير المباشر في الصورة النمطية عن العرب لمجرد رؤية أناس بلون بشرة مختلف هو أمر كاشف عن مشكلة إدراكية في إيران في التعامل مع العرب.

ويرى أن هذه اللغة غير قاصرة على النشطاء الإيرانيين وحسب، بل تجد صداها عند مفكرين عرب مرموقين حين اعتبروا أن انتفاضة المدنيين في إيران عام 2009 مؤامرة أميركية إسرائيلية مدعومة من السعودية، ويساوونها، في تعال، بثورة الأرز في لبنان. واستمر استخدام هذه المصطلحات، التي يصفها بالتافهة، بشيء من التضخيم من قبل بعض النشطاء الإيرانيين الذين رفضوا الثورتين التونسية والمصرية وسخروا منهما على اعتبار أنهما انقلابان عسكريان في ثوب أنيق، أو ببساطة، فإن العرب يقومون اليوم بما قمنا به من 30 سنة مضت، ويستخلصون أن هناك فارقا زمنيا، وهم متأخرون عنا بثلاثة عقود. فهناك عنصرية من الإيرانيين تجاه العرب والعكس، وعنصرية أخرى من كليهما تجاه الأفارقة السود، ويدلل على ذلك بقتل المقاتلين الليبيين لمهاجرين من الأفارقة السود ظنا منهم أنهم من المرتزقة الأفارقة الذين جلبهم القذافي لقتال الثوار، ويرى أن هذه عنصرية بغيضة تربط العنف بعرق أو بلون معين والتي استخدمها الاستعمار الاوروبي وتطل برأسها، وللأسف، في واحدة من أنبل اللحظات التاريخية والانتفاضات الجماعية ضد الطغيان الداخلي.

مسألة المرأة

ثم يأتي الكاتب على دور المرأة، حيث يرى أن الثورات حطمت الصورة النمطية عن المرأة المسلمة، فقد كانت المرأة العربية في مركز الحدث تنظم المظاهرات وتخرج فيها، بل وتنقلها للعالم أيضا عبر وسائل الإعلام الاجتماعي. وهو مشهد كان كفيلا للتدليل على سقوط كل المفاهيم الاستشراقية التي حملتها الحرب على الإرهاب وتصوير المرأة العربية والمسلمة على أنها في انتظار الجيش الأميركي ليحررها في العراق وأفغانستان بنفس الطريقة التي تحررت بها في هذه الدول بعد هذه الحروب. ولم تكن المرأة في مقدمة الصفوف في هذه الثورات وحسب، بل كانت في مقدمة الضحايا أيضا مع ازدياد الاغتصاب والعنف ضد النساء في سوريا وليبيا. ولعل الدور الثوري للنساء ليس بجديد على المرأة العربية، بل هو دور قامت به على مدار التاريخ في ظروف مختلفة.

لقد كانت آراء المحللين الغربيين تتسائل عن هؤلاء النسوة اللاتي لم يخرجن من أجل المطالبة بالمساواة بين الجنسيين، فجذور النظرة الاستشراقية الغربية للمرأة العربية والمسلمة لا تعود للعقود الماضية وحسب، بل تمتد في القدم لتتجاوز مرحلة ما بعد الاستعمار. وكان يتم تصوير هذه المرأة في صورة إنسان منزوع القوة، وتم توارث هذه النظرة في المفاهيم والمصطلحات لأجيال تلو أخرى من الباحثين حتى من ذوي أصول تعود للعالم الثالث، وقد ساعد استخدام هذه المصطلحات من قبل هؤلاء على إضفاء بعض المصداقية عليها.

العمالة المهاجرة

ويوجه الربيع العربي ضربة قوية لمسارات الهجرة من وإلى العالم العربي. فبالنسبة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فقد وجه الربيع العربي ضربة قوية لسياسات الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين بعد سقوط أنظمة حليفة لأوروبا في هذا المجال كنظامي معمر القذافي وزين العابدين بن علي. إذ كان النظامان يحصلان على مساعدات أوروبية في مقابل الحد من هذه الهجرة، وبمجرد سقوطهما تدفقت أعداد كبيرة من المهاجرين على السواحل الأوروبية المتوسطية.

أما بالنسبة للعمالة القادمة إلى العالم العربي والمتمثلة في العمالة الآسيوية، فيلفت الكاتب النظر إلى أهمية ما قامت به من احتجاجات قبل عدة سنوات في دبي للمطالبة بالكرامة والحقوق. ولا يفصل هذه الاحتجاجات عن سياق الربيع العربي الطامح إلى استرداد كرامة الإنسان وحريته في هذه البقعة من العالم. ويرى أن هؤلاء العمال، والظروف التي يعملون فيها والمظالم التي يثيرونها، لن يكونوا معزولين عن سياق التطورات التي تشهدها المنطقة.

استخدام العنف المسلح

ثم يصل المؤلف إلى نقطة غاية في الأهمية، وتتعلق بمسألة دور العنف والسلاح في ثورات رفعت شعار السلمية. ففي سوريا وليبيا واليمن كانت هذه الدول مثالا لامتداد دولة مرحلة ما بعد الاستعمار. وعندما خرج الناس فيها إلى الشوارع كانوا يزدادون ثقة بأنفسهم وأدركوا قدرتهم على ملء واحتلال الفضاء العام الذي كان ملكا حصريا للدولة تملؤه بمعرفتها قبل أن يأتي من يتحداها ويُفقدها شرعيتها. وكان استخدام النظام المفرط للقوة دليل ضعفه في هذه البلدان الثلاثة. وكان الصمود البطولي للشعب السوري أمام ديكتاتورية نظام الأسد ومحاولته قمع انتفاضتهم السلمية بالعنف واستمرارهم أسبوعا وراء آخر وشهرا وراء آخر مخلفين آلاف القتلى وعشرات الآلاف من المعتقلين ومأساة إنسانية على الحدود التركية السورية، هناك لم يسقط نظام الدكتاتورية الشيطانية للأسد وحسب، ولكن سقط أيضا منطق عنف القدرة العسكرية لأميركا وإسرائيل في المنطقة. وفي هذا الإطار يرى الكاتب أن الخطر الحقيقي على القواعد الأميركية المنتشرة في طول العالم وعرضه ليست هجمات طالبان والقاعدة وإنما النموذج المجيد لميدان التحرير وميدان آزادي في إيران اللذان يجسدان الرغبة في الديموقراطية السلمية للشعوب، وتحدي الطغاة الذين يحكمونهم. ورغم الخلخلة التي حدثت في بنيان الدولة، كان الخبر السعيد هو أن الناس شكلت لجانا لتدارس شؤونهم، وأنتج هذا حالة من التعاون المدني والمجتمعي هي الضمانة المثلى للمستقبل بعد انتهاء هذا الصراع.

وكان لاستخدام القوة من الطرف الخارجي ممثلا في الناتو دلالة أخرى، فتدخله في ليبيا لم يكن من أجل استعراض عضلاته العسكرية والتحكم في التبعات الراديكالية لهذه الثورات فقط، بل للتحكم في التبعات الجغرافية والاقتصادية خاصة مسألة العمالة المهاجرة.

انهيار عالم وقيام آخر

ولن يقف تأثير هذا الربيع العربي في محيطه الجغرافي وحسب، بل سيمتد شمالا وغربا إلى دول ظنت نفسها أنها مركز العالم. لقد انهار العالم الذي ظن نفسه كل شيء ليس سياسيا فحسب، وإنما فلسفيا أيضا. وحتى نصل للعالم الذي نعيش فيه ويخرج فيه الناس للتظاهر ويكون هناك رمزية لميداني التحرير وآزاد، فهناك شيء أبعد من الديموقراطية الليبرالية الغربية، شيء نحتاج لأن نسميه ونصك له مصطلحه الخاص. وستلعب الديموغرافية والعمالة المهاجرة والطبقية القائمة على النوع والكوارث البيئية دورا محوريا. ولن يختفي الإسلام في هذا العالم، بل سيدخل في حوار مع طرف جديد. فالإسلام اليوم يفقد محاوره الأبرز وهو الغرب، وأصبح المجال مفتوحا لمن سيدخل في حوار معه.

في هذا العالم ستلعب الأفلام والخيال والشعر دورا قويا، كهتاف الناس في الشارع "الشعب يريد إسقاط النظام". ولابد أن نتيح لهذا العالم أن يسترجع الأدلة المادية للتعددية العالمية في الأفلام والخيال والفن والشعر، ونريد أن يشعر الناس بهذا، والفضاء المثالي لممارسة كل هذا هو نموذج ميداننا ميدان التحرير. لقد ورثنا أنظمة معرفية تحتاج لإسقاط هي الأخرى مع الأنظمة السياسية المتداعية، وهذه الأنظمة ليست مما خلَّفه الاستعمار لنا، وإنما تلك التي ولدت في فترة ما بعد الاستعمار. ولذلك، وكما سقطت رؤوس الدول العربية من على عروشها، لابد وأن تسقط التصورات عن العرب والمسلمين في لندن وباريس ونيويورك هي الآخرى.

وفي مقابل هذا الفوران من التغيير يرى الكاتب أن هناك محاولات لتجريد العرب من ربيعهم الثوري من قبل أميركا وإسرائيل والسعودية، ولم يبرر لنا لماذا أغفل موقف إيران من الثورة السورية. ومضى ليؤكد أننا كأناس عاديين نصنع الثورات، والثورات أيضا تصنعنا. فهذه الثورات عبارة عن رواية وليست ملحمة. فليس فيها أبطال كجمال عبد الناصر، وإنما البطل الحقيقي هم الشباب. وسيعيد ميدان التحرير عولمة العالم مرة أخرى بإعادة تشريقه (أي تأثير الشرق على العالم). وستحقق هذه الثورات استنارة ثقافية تنقذ أوروبا من انكفائها على ذاتها، وتنقذ أميركا من نموذج حركة حفلة الشاي اليمينية وتعيد لهذا النوع من الأفكار، التي عفا عليها الزمن إنسانيتها مرة أخرى. فهذه الثورات هي نهاية مصطلح أوروبا كفكرة وهوية، وستحرر الأوروبيين من ثنائية (أوروبا والآخرون)، ويتحرر المسلمون من كونهم مجرد آخرين، ويرى أن فكرة أوروبا كانت مجرد اختراع للعالم الثالث الذي يعيد اختراع نفسه الآن.

ويمكن اعتبار الكتاب محاولة فكرية، مقدمة للعقل العربي والغربي على السواء، لمواكبة الحدث العربي التاريخي من دون أن يغرق في تفاصيليه المتسارعة، رغم أنه اعتمد كثيرا على اقتباسات من وسائل الإعلام التي تغطي الثورات العربية، وحاول أن تكون اقتباساته انتقاء لما هو فكري عميق. وهو أيضا محاولة لرسم ملامح طريقة فلسفية للعقل التحليلي للربيع العربي ينطلق من مسلمات ورموز مختلفة كميدان التحرير الرمز، الذي يقترح أن يكون جزءا من نقاش أوسع يشمل إعادة تعريف مواقع القوى وانتقالها من الشكل الحكومي إلى أشكال أكثر إنسانية.
_____________________________
عرض الكتاب: هاني بشـر - مراسل قناة الجزيرة في لندن

ABOUT THE AUTHOR