انحسار الأفق..إسرائيل والعرب والشرق الأوسط 1948-2012

يقدم الكتاب ملخصا تاريخيا عن أبرز محطات السلام والحرب بين العرب وإسرائيل، في محاولة استشرافية منه لمعرفة مستقبل علاقات الجانبين التي بلغت العام الأخير الدرك الأسفل، بعد أن بدا الواقع الإقليمي مكفهراً بالنسبة لإسرائيل منذ عشر سنوات.
201322085226236734_20.jpg
 

تحديات السلام

يقدم الكتاب ملخصا تاريخيا عن أبرز محطات السلام والحرب بين العرب وإسرائيل، في محاولة استشرافية منه لمعرفة مستقبل علاقات الجانبين التي بلغت العام الأخير الدرك الأسفل، بعد أن بدا الواقع الإقليمي مكفهراً بالنسبة لإسرائيل منذ عشر سنوات، لأنها اعتمدت في ردود فعلها على منطلقات "متقادمة" وغير مواكبة للتطورات الإقليمية، وعلى رأسها السلام والتنسيق الأمني مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية.

ويشكك الكتاب بهذه المنطلقات في ظل تطورات درامية تشهدها المنطقة، ومنها: 

  • سباق إيران نحو السلاح النووي، 
  • الهيمنة المتزايدة لتركيا "الإسلامية"، وتحولها من حليف وثيق إلى خصم عنيد، 
  • تراجع قوة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، 
  • تزايد نفوذ الإسلاميين في المنطقة، 
  • ارتفاع حدة الحروب غير المتناظرة وتهديد الصواريخ الباليستية، ليصل في النهاية إلى استحالة تحقق السلام مع الفلسطينيين، داعياً للبحث عن طريق لإدارة الصراع على نار هادئة.

الكتاب يتناول بالتفصيل أهم المراحل التاريخية لعملية التسوية بين العرب وإسرائيل، وما أثر عليها من تطورات سياسية واجتماعية داخلية في كل بلد من البلدان ذات العلاقة في السنوات الأخيرة، ليصل إلى خلاصة مفادها أن أجواء التفاؤل والأمل التي عاشتها المنطقة قبل عقدين من الزمن إبان انطلاق مؤتمر مدريد عام 1991، تراجعت بصورة مريعة لتحل محلها مشاعر الإحباط واليأس التي تغطي أرجاء الشرق الأوسط الحالي.

يبدأ المؤلف كتابه بتقرير حقيقة وصفها بـ"المؤلمة"، ومفادها بأن علاقات إسرائيل مع العالم العربي، ومكانتها الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط، وصلت إلى مستوى "مهين" وغير مسبوق، محملاً الجزء الأكبر منها لتأثيرات الربيع العربي.

وهو بذلك يطرح تساؤلاً يؤرق صناع القرار الإسرائيلي: إلى أي مدى يمكن الاعتماد على العلاقات السياسية والتنسيقات الأمنية التي طبعت علاقة تل أبيب مع القاهرة وعمان على وجه الخصوص؟ في ضوء ما اعتبرها تطورات مقلقة تشهدها الساحة الإقليمية.

ويرى "رابينوفيتش" رغم تفاؤله المفرط بأن التطورات المحلية والإقليمية في المنطقة ولدت قناعة لدى إسرائيل بعدم الاستعجال في الوصول إلى اختراقات ذات قيمة وأثر كبيرين في عملية السلام مع الفلسطينيين، لأن الوقت غير ملائم لها البتة في هذه الآونة، وهو ما قد يدفعها في المقابل إلى ما اعتبره "إدارة للصراع وليس حله"، ومحاولة تهدئة المواجهة معهم إلى الحد الأدنى، انتظاراً لتحسن ظروف المنطقة، والوصول إلى بيئة عربية إقليمية أكثر إقبالاً على السلام كما يقول.

ويفصل بالتحليل: لدينا سلطة فلسطينية ضعيفة، مع وجود تساؤلات حول رغبتها وقدرتها على الوصول إلى اتفاق سلام دائم، وفي المقابل لدينا حركة حماس التي تمتلك القدرة على إفشال أي اتفاق متوقع من هذا القبيل، وبالتالي فليس ممكناً في مثل هذه الأجواء الوصول إلى اتفاق كامل شامل مع الفلسطينيين، خاصة مع وجود حكومة يمينية في إسرائيل بدأت تتخذ سياسات ميدانية من شأنها إلغاء حل الدولتين كلياً، ورغم انتقاداته الحادة لرئيسها "بنيامين نتنياهو" لكنه لا يرى نفسه متعجلاً باتجاه توقيع اتفاق سلام مع شركائنا الفلسطينيين حالياً.

سوريا بين الأب والابن

المجال السياسي والأكاديمي الذي انشغل به "رابيتوفيتش" في العقود الأخيرة كانت سوريا، وقد قاد بنفسه طاقم التفاوض الإسرائيلي مع السوريين زمن الأسد الأب، مستبعداً في الوقت الراهن الوصول لاتفاق سلام مع الأسد الابن، بسبب ما تشهده البلاد من حرب أهلية دامية، وفقدان للدولة على أجزاء واسعة منها، وتشتت جهود النظام في السيطرة على الأحداث المتلاحقة.

ويضيف في الفصل المتعلق بسوريا: رغم أن الأسد الأب نفذ مجزرة دموية ضد الإخوان المسلمين في حماة قبل 30 عاماً، لكنه كان يحافظ على شرعية تمكنه من إبرام اتفاق سلام مع إسرائيل، لكن الابن اليوم فاقد لها بصورة كلية.

ويستذكر في هذا الخصوص مداولات المباحثات الثنائية بين تل أبيب ودمشق بإشراف واشنطن من خلال وزير خارجيتها الأسبق "وارن كريستوفر"، والعقبة الكأداء التي توقف عندها الجانبان والمتمثلة بالانسحاب الكامل من هضبة الجولان، ويتساءل: لنفترض أننا أعدنا الجولان للسوريين منذ زمن، كيف كانت ستبدو حدودنا المشتركة معهم في ظل ما وصفها بـ"المذبحة" الحاصلة حالياً؟

"رابينوفيتش" يلفت الأنظار إلى قضية كانت أوساط بحثية عربية عديدة ترفض الاقتراب منها بقوله أن أحد الأسباب الرئيسة لعدم تحمس حافظ الأسد لتوقيع اتفاق سلام مع إسرائيل هو خشيته من فقدانه لما أسماه عنصر قوته الرئيس، واستقرار حكمه، لاسيما وأنه قاد المنظومة العربية عقب اتفاق "كامب ديفيد" مع المصريين، وإقصائه للرئيس السادات، الذي تصالح مع إسرائيل، واقترب من الولايات المتحدة.

وفي تشخيص قد يبدو غير مألوف للقارئ العربي يقول المؤلف: إن "رابين" رئيس الحكومة الأسبق في إسرائيل، كلفه بمعرفة النوايا الحقيقية للسوريين، لاسيما وأنه لم يرد المغامرة بالمضي قدماً في عملية كاملة معهم، من خلال الانسحاب الشامل مع الجولان، بل العمل معهم خطوة خطوة، في ضوء تقييمه لإصرار الأسد على ذلك، وعدم رغبته بتقديم صورة نهائية عن اليوم التالي لتوقيع اتفاق السلام، خاصة العلاقات الثنائية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.

"رابينوفيتش" عاصر الكثير من المواقف السياسية "المغلقة"، ومنها الاجتماع الذي جمعه برئيس الحكومة الراحل "إسحاق رابين" ووزير الخارجية الأمريكية الأسبق "وارن كريستوفر" والمبعوث الأمريكي السابق لعملية السلام "دينيس روس"، يومها ضغط الأمريكان للحصول على تعهد بالانسحاب الكامل من الجولان، ولما منحه "رابين" الموافقة شرط ألا يبلغها للأسد.

لكن "كريستوفر" أبلغ الأسد بالموافقة الإسرائيلية، مما فاجأه، وقال أنه مستعد للوصول مع الإسرائيليين حتى النهاية، ولكن! عند هذه الكلمة أيقن "رابين" أنه غير جاد في السلام!

ثم يكشف في ثنايا الكتاب عن بعض تفاصيل الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" عام 1994 إلى دمشق، يومها رافق الأسد ضيفه للمطار، وطلب منه إذا وقع اتفاق سلام مع إسرائيل، حصول بلاده على ما تأخذه مصر سنوياً من مساعدات مالية وعسكرية.

رابينوفيتش"، الذي بحث في تاريخ سوريا الحديث، وجمع خبرة كثيرة في الاتصالات مع مبعوثي الأسد والوسطاء الأمريكيين، يتصدى لما أسماها الشروحات المختلفة والمتناقضة لفشل المفاوضات متعددة القنوات التي أدارها "إيهود باراك" في محاولة لإنهاء النزاعات مع سوريا والفلسطينيين.

واعتبر أن الاستنتاج المشوه لمسيرته بأن الأخير انطلق لمسيرة بعيدة الأثر، لكنها عديمة الأمل، لأن جهده لتحقيق سلام مع سوريا، كان متأخرا جدا، وعانى من نقص لمحاور مناسب، وهو الرئيس السوري في حينه حافظ الأسد، الذي كان يقترب من نهاية حياته، ويعاني –كما يقول- من "هبوط جسدي وعقلي"، وفقدان صلاحيته، وقوته السياسية، ولم يكن ذاك الحاكم كلي القدرة في بلاده الذي أدار بعناد المفاوضات مع الإسرائيليين بين سنوات 1992-1999. 

اتهام عرفات

ينتقل "رابينوفيتش" للحديث عن العوامل الداخلية الإسرائيلية، ودورها في تدهور العلاقات مع العرب والفلسطينيين، لاسيما عند حديثه عن "أريئيل شارون" الفائز في انتخابات 2001 مع اندلاع الانتفاضة الثانية، وأخرج إسرائيل مما أسماها "الأزمة العميقة" منذ تأسيسها، ففي حين أن "دافيد بن غوريون"، أقام الدولة، فإن "شارون" استعادها من جديد! من خلال نجاحه بوقف الانتفاضة،ومنح نفسه موقعاً جماهيرياً وشعبياً غير مسبوق.

وأشار إلى أن خطته للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة 2005، كانت عملية عميقة، تماماً كما فعل "رابين" في اتفاق أوسلو، وقد استفاد الاثنان من إرثهما الأمني والعسكري.

وبالوصول إلى "إيهود أولمرت" الذي أعلن خطة "الانطواء" في 2006، التي توقفت عقب حرب لبنان الثانية، التي تسببت له بانتكاسة انتخابية ألقت به خارج الحلبة السياسية والحزبية، وهو ما تسبب بمجيء حكومة "بنيامين نتنياهو" ذات التوجهات اليمينية القومية، وساهمت بدورها في إخفاق جهود السلام.

لكن هذه الحكومة لم تأت بصورة عفوية، لأن الجمهور الإسرائيلي يتجه يميناً منذ سنوات، وتبدى أمام الناخب حقيقة مفادها أن الانسحابات الإسرائيلية من خلال اتفاق أوسلو، والخروج من لبنان، والانفصال عن غزة، جميعها جلبت المزيد من الأضرار الأمنية على إسرائيل.

"رابينوفيتش" خلال حديثه عن المسار الفلسطينيين، وانسداد أفق التسوية معهم، يتهم الرئيس الراحل ياسر عرفات بالمسئولية عن عدم التوصل لاتفاق السلام، رغم وجود "إسحاق رابين" رئيس الحكومة الراحل الذي اغتاله يميني متطرف عام 1995.

واعتبر إياه "نقطة الانعطاف"، وجاء قتله لينزع الزعيم من المسيرة، وكان كفيلاً بان يقودها حتى نهايتها الناجحة في منتصف التسعينيات، لكنها مسيرة لم تمنح الفرصة الكاملة، والسبب الأساس لذلك مقتل "رابين".

وفي نظرة إلى الوراء، يعتقد "رابينوفيتش" أن العناية التي منحها "باراك" للفلسطينيين كانت جزئية ومجبرة بسبب الأهمية التي أولاها لسوريا، موجهاً انتقاده الشديد لسلوكه السياسي، الذي أقام ائتلافاً حكومياً مهزوزاً مع حركتي "شاس وميرتس"، لكنه تفكك في لحظة الاختبار عشية سفره لمفاوضات "كامب ديفيد"، مكرراً الخطأ الذي وقع فيه سابقاً "رابين" مع هذين الشريكين.

الكتاب يقدم رواية عن مفاوضات "كامب ديفيد" في تموز 2000، آثارها وأسباب فشلها، التي غدت منعطفاً في أي بحث للنزاع العربي – الإسرائيلي، وينشغل كثيراً في البحث عن إجابة السؤال القديم الجديد "من المذنب" بانهيار المسيرة السلمية، وقاد الطرفين إلى حرب استنزاف دامية، حيث يضاف الكتاب إلى عدد غير قليل من الروايات من المشاركين في المحادثات والباحثين الخارجيين، وكتب أخرى ستنشر قريباً.

ورغم أن "رابينوفيتش" لم يشارك في المحادثات مع الفلسطينيين، ولا حتى كمستشار وراء الكواليس، لكنه يعالجها بمسافة أكاديمية، ليست له رواية يدافع عنها، مثلما هو الحال لكّتاب إسرائيليين آخرين.

وفي تحليل أسباب الفشل يوزع "رابينوفيتش" بوفرة الشروحات والروايات إلى عدة مجموعات:

  1. عرفات مسئول عن الفشل كونه رد ما اعتبره "العرض الجريء" لباراك في "كامب ديفيد"، وهو المذنب الأساس بنظره، كونه زعيم "فشل في اختبار رجل الدولة"، لأنه لو أراد حقاً إقامة دولة فلسطينية، فقد فوت الفرصة فيما وصفه "الصيف المصيري" في تموز يوليو عام 2000، معتبراً أن السنوات التي مرت بين اتفاق أوسلو 1993 وكامب ديفيد 2000 تغير مفهوم النزاع لدى عرفات. 
  2. الخطأ يكمن في إدارة الوسطاء الأمريكيين، حيث وقف رئيس أمريكي في نهاية ولايته، أمام رئيس وزراء إسرائيلي عديم الائتلاف والخلفية السياسية،
  3. ينقل الكاتب عمن أسماهم أصحاب "المدرسة الحتمية" الذي اعتقدوا بأن الانهيار كان محتما، بسبب سعي عرفات ورفاقه لتصفية إسرائيل، ورفضهم الحل الوسط.

ويضيف في تحميل المسئولية للفلسطينيين أنهم رأوا في بداية عقد التسعينات من القرن العشرين أن الزمن يعمل في غير صالحهم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وحرب الخليج، والهجرات اليهودية المتزايدة، ولهذا السبب ذهبوا إلى أوسلو.

لكنهم في نهاية العقد تبين لهم أن الفجوة الديمغرافية تميل مجددا في غير صالح إسرائيل، وبدت لهم "مجتمعاً ليناً فاقداً للرغبة في القتال"، وجاءت معارك النفق عام 1996، والخروج من طرف واحد من لبنان أواسط 2000، عززت فقط هذا الانطباع، مما شجعهم على مواصلة الضغط.

الاندماج والتطبيع

فصل مشوق في الكتاب مكرس لاحتمالات التطبيع، وانخراط إسرائيل في المنطقة العربية، مقدراً بان طريق الاندماج لا تزال طويلة، بسبب طبيعة العلاقات المباشرة مع العرب، وبسبب الفجوة الاقتصادية مع العالم العربي، ورغم الجهود الأمريكية لإصلاح بعيد الأثر في المنطقة، فان "رابينوفيتش" يعتقد بمرور 20 سنة أخرى على الأقل إلى ان تستوعب الديمقراطية في الدول العربي، كما أن الإسرائيليين في نظره غير متحمسين برؤيا انخراط كامل في المحيط الشرق أوسطي.

ويقتبس المؤلف عن "شارون" من فترة ولايته كوزير للخارجية: "إذا حافظنا على حدود مفتوحة، فإن إسرائيل ستصبح دولة عبور، وستغرق بالمركبات الكثيرة، مئات آلاف الزوار العرب سيصلون، وليس هناك حراب في أياديهم، بل غصون الزيتون في أفواههم، ليصل إلى خلاصة نهائية مفادها أن السلام البارد يلائم الطرفين.

"رابينوفيتش" في سياق كتابه، يتابع الحديث عن منظومة العلاقات العربية-العربية، وتأثيرها على إسرائيل، ووضعيتها الاستراتيجية في المنطقة، بادئاً بالعلاقات السورية – العراقية، بالقول أن الرئيس السوري بشار الأسد لم يرغب بقيام الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق، ولا معنياً ببقاء قواتها فيه، وهو ما أدخله في دائرة صراع طويلة مع إدارة الرئيس السابق "جورج بوش"، ودفعه دوماً لتوجيه الانتقادات لأمريكا.

أكثر من ذلك، يورد المؤلف معلومات نسبها إلى مصادر رسمية موثوقة في واشنطن تقول بأن الأسد جعل من مطار دمشق، والحدود العراقية مرتعاً لعناصر المقاومة العراقية، وسهل عمل التنظيمات السنية الساعية لمحاربة القوات الأمريكية هناك، وهو ما كان سبباً في إذكاء التوتر بين الأسد و"بوش".

أما في حديثه عن منظومة العلاقات السورية – الأردنية، يقول "رابينوفيتش" أنها شهدت فترات صعود وهبوط، لكنها تميزت بقدر كبير من السلبية، رغم أن البلدين حاولا الحفاظ على علاقات متواضعة بينهما، في ضوء أن مشكلتهما تكمن في انتماء كل منهما لمعسكر مختلف ينتهج سياسة متباينة في منطقة الشرق الأوسط، لكن العلاقات بين دمشق وعمان لم تصل درجة العداء المتبادل بينهما.

وحول منظومة العلاقات السورية – الفلسطينية، يشير "رابينوفيتش" إلى أنه بعدما نجح الرئيس الراحل حافظ الأسد بتحويل سوريا من دولة ضعيفة إلى لاعب أساسي في المنطقة لها تطلعات، وتمتلك قدراً من القوة، ووجد أن هناك ضعفاً من قبل الدول العربية المحيطة في لعب دور في الملفين اللبناني والفلسطيني، وجد أمامه الفرصة ليحتوي الفصائل الفلسطينية التي لم تجد من يحتويها، ومنحها ملاذاً داخل أرضه، ومنصة لتوجيه النقد اللاذع للرئيس الراحل ياسر عرفات، وقد استمر الأسد الابن على نهج والده، ليضمن سيطرته عليها.

كتاب استثنائي رغم انحيازه

الكتاب يعتبر استثنائياً لأن مؤلفه خاض جميع مراحل عملية السلام بين إسرائيل والعرب، ومواكب لكل مراحل الصراع العربي – الإسرائيلي، والمحاولات الجارية لحله، ونظراً لقوة علاقاته واتصالاته مع جملة من دوائر صنع القرار، فإن الكتاب يقدم لمحة عامة وتحليلا مفصلا وشاملا للقضايا الرئيسية في هذا الموضوع.

يأخذ الكتاب أهميته الفريدة لأنه يتضمن فصولا جديدة، اعتمادا على التطورات السياسية والاجتماعية في السنوات الأخيرة، وحتى الآن، خاصة الآثار المترتبة على "الربيع العربي" والتحديات الجديدة للحرب المتناظرة والأسلحة البالستية، ورغم أنه يرى أن الوقت ليس مناسباً لمحاولة إيجاد تسوية للنزاع، لكنه يقدم أفكارا للخروج من حالة الركود القائمة.

كما تنبع جدية الكتاب من كونه يقدم جديداً للقراء من خلال اطلاع مؤلفه على الكثير من منعطفات عملية السلام، والمحاولات الحثيثة التي بذلتها جهات إقليمية ودولية لاستمرارها، كما أن الخلفية الأكاديمية والاستشراقية للمؤلف توازت مع المواقع الرسمية التي تبوأها في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، لاسيما في سنوات الذروة 1992-1995، وإدارته للعلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل آنذاك.

وقد وصف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق "هنري كيسنجر" الكتاب بأنه يقدم مرآة عن آفاق السلام بين العرب وإسرائيل، كون المؤلف كان شريكاً محورياً في عملية السلام، ويقدم مساهمة كبيرة في فهم الآفاق المتوقعة لما وصفه بـ"الربيع العربي" على المنطقة، ومستقبل العلاقة مع إسرائيل.

فيما قال "ديفيد إيغنيشيس" الكاتب الرئيس في "واشنطن بوست" أنه لم يجد دليلاً مرشداً لفهم قصة العرب وإسرائيل خلال النصف الثاني من القرن العشرين، أفضل من هذا الكتاب من خلال تقديمه لسرد تاريخي "حزين" لمفاوضات السلام بين مختلف الأطراف، معتبراً أن الكتاب جدير بأن يقتنيه كل صناع القرار في المنطقة، لفهم طبيعة الصراع الدائر بين إسرائيل والعرب منذ عام 1948.

ومع ذلك، فبالإمكان وضع عدد من الملاحظات المنهجية والعلمية حول الكتاب، من أهمها:

  1. المؤلف يقدم رواية إسرائيلية مكررة حول تحميل الفلسطينيين والعرب في فشل عملية التسوية، ويبرئ ذمة إسرائيل منها، مع بعض التلميحات الخجولة، رغم أن كثيراً من الكتب الإسرائيلية التي تناولت ذات الموضوع، واطلع عليها كاتب السطور، كانت أكثر موضوعية في توزيع المسئولية بصورة نسبية.
  2. لا أحد يملك التسليم بصوابية ومصداقية جميع المواقف التي أتى بها المؤلف، على غزارتها وكثافتها، لاسيما تلك المتعلقة بما وراء الكواليس، والتي لم تجد طريقها للإعلام سوى عبر هذا الكتاب، وهو ما يمنح القارئ حق إبداء التشكيك بجزء منها، أو على الأقل اجتزاء بعض الحقيقة بما يتناسب مع الطرح الإسرائيلي.
  3. يبدي المؤلف تعلقاً غير محدود وليس مسبوقاً بشخص "رابين"، واعتباره الرافعة الوحيدة لعملية السلام مع العرب، بحيث أنه يبدي عدم تقديره لجهود سياسية قام بها أسلافه بدءً بـ"بيريس"، ومروراً بـ"نتنياهو" في دورته الأولى، ووصولاً إلى "باراك" و"شارون"، وانتهاء بـ"أولمرت ونتنياهو" في دورته الثانية، وهو ما قد يمنح رافضي التسوية مع الفلسطينيين فرصة القول بهذه الفرضية.

وهذه منهجية علمية غير دقيقة لأن السلام يجرى بين الشعوب وليس الزعماء، وقد رأت إسرائيل كيف أن زوال النظام المصري شكل لها "معضلة إستراتيجية" لأنها أقامت سلاماً معه وليس مع الشعب المصري!

"رابينوفيتش" مؤلف الكتاب 71 عاماً، باحث وسفير ودبلوماسي إسرائيلي، خدم في صفوف الجيش الإسرائيلي برتبة عميد، وبعد تقاعده من المؤسسة العسكرية عمل سفيراً في الولايات المتحدة بين عامي 1993-1996، ورئيساً لطاقم المفاوضات مع سوريا في فترة الذروة أوائل سنوات التسعينات من القرن الماضي عقب انعقاد مؤتمر مدريد 1991.

ثم توجه للسلك الأكاديمي وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة كاليفورنيا، حيث عين لاحقاً في جامعة تل أبيب، رئيساً، فباحثاً، فمؤسساً لدائرة أبحاث الشرق الأوسط بالتعاون مع مركز "ديان" للدراسات الإستراتيجية، ويعمل اليوم أستاذاً زائراً في جامعة "نيويورك"، ومعهد "بروكينغز" بواشنطن، ونائباً لرئيس معهد دراسات الأمن القومي، وهو عضو مؤسس في جمعية الفلسفة الأمريكية، وأكاديمية "كامبردج"، ومن كتبه السابقة: سوريا تحت حكم البعث، الحرب على لبنان، السلام الضائع بين إسرائيل والعرب، نهاية السلام بين سوريا وإسرائيل.

معلومات الكتاب
اسم الكتاب: انحسار الأفق..إسرائيل والعرب والشرق الأوسط 1948-2012
المؤلف: البروفيسور "إيتمار رابينوفيتش" - السفير الإسرائيلي الأسبق في واشنطن، ورئيس طاقم المفاوضات مع سوريا
دار النشر: كنيرت وزمورا بيتان- تل أبيب
سنة الصدور: 2012
عدد الصفحات: 415 صفحة
لغة الكتاب: العبرية
عرض: د. عدنان أبو عامر

ABOUT THE AUTHOR