نتائج الانتخابات اللبنانية وتداعياتها

أكدت نتائج الانتخابات اللبنانية النيابية الأخيرة ضرورة إعطاء رئيس الجمهورية دور الضامن والموفق بين تكتلي الموالاة والمعارضة منعا لتعطيل الحكومة أو التفرد بها من أحد الطرفين، وأكدت ضرورة أن يواجه اللبنانيون مشكلاتهم المحلية بأعين ساهرة على ما يجري في الإقليم.
18 June 2009







 

إلياس حنّا


لا يمكن فصل لبنان عما يجري في المنطقة، خاصة وأن المنطقة تشهد تحوّلات كبرى، خاصة بعد وصول الرئيس باراك أوباما إلى سدّة الرئاسة في الولايات المتّحدة الأميركيّة. فهو يريد حلاّ لقضية العصر، فلسطين، ويريد مصالحة العالمين العربي والإسلامي، كما يريد الانفتاح على إيران، وترتيب الوضع العراقي كي يُسرّع الانسحاب العسكريّ منه.


وهناك أيضا في إسرائيل تحوّل مع وصول بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء مع تحالف يمينيّ متطرّف يؤمن بالعنف وسيلة فضلى بدل الدبلوماسيّة – حتى ولو قبل نتنياهو مؤخّرا بدولة فلسطينيّة لكن غير قابلة للحياة، نظرا للشروط التعجيزيّة التي وضعها.


كذلك الأمر في إيران، حيث جدّدت إيران العهد للرئيس أحمدي نجاد حتى ولو اعترض خصومه على النتيجة.


هذا هو الوضع الدوليّ – الإقليميّ الذي على لبنان أن يتعامل معه في المرحلة القادمة، إذ مهما حصل، فإن التداعيات، إيجابيّة كانت أم سلبيّة، سوف تُستشعر على الساحة المحليّة، خاصة بعد الانتخابات النيابيّة.


وكذلك لا يمكن لهذه الانتخابات، والمقصود هنا نتيجتها، أن تؤثّر في الديناميّة الإقليمية، فقط لأن اللعبة كبيرة، ولا تشكّل الانتخابات اللبنانية إلا حدثا تفصيليّا فيها، فلبنان يردّ على الفعل، ولا يفعل.
إذن، الانتخابات مهمّة لكلّ اللاعبين، الدوليّين كما الإقليميين، فقط لأنها تقوّي فريق على آخر عند الجلوس على طاولة تقسيم الجبنة. فماذا عن الانتخابات؟ 


- الانتخابات مسيحية والنتائج وطنية.
- تحديات ما بعد الانتخابات.
- التوصيات.
 


الانتخابات مسيحية والنتائج وطنية!





تمت إدارة الانتخابات في لبنان من ضمن الاصطفافات الإقليميّة، وشكلت انعكاسا مباشرا للمحاور الإقليمية في المنطقة
اعتبرت الموالاة أن هذه الانتخابات مصيريّة، فهي ستحدّد وجه لبنان المستقبليّ. أما المعارضة، فقد اعتبرت أن العالم كلّه يخوض عليها حربا شعواء، بعد أن قال الجنرال ميشال عون أن هناك حربا كونيّة تُخاض ضدّه. وبالنسبة للموالاة تدرك أنها أثبتت من خلال النتائج أنها الأغلبية، لكن هذا لا يعني أنها فعلا قادرة على حكم البلاد لوحدها. وإلا فما معنى الكارثة التي وقعت في 7 مايو/أيّار في بيروت؟

في هذه الانتخابات، قد يمكن القول أنه في الكثير من المناطق أو الأقضية، لم يكن هناك فعلا انتخابات نيابيّة، لا بل هي تعيينات بكلّ ما للكلمة من معنى، لأن النتائج كانت معروفة سلفا. ويصدق هذا التوصيف على المناطق الشيعية المؤيدة لحزب الله وحركة أمل، وعلى المناطق السنية المؤيّدة لتيّار المستقبل، كما على المناطق الدرزية المؤيدة للحزب التقدّمي الاشتراكيّ – حيث الزعيم وليد جنبلاط.


كانت الانتخابات فعليّة حيث الانتشار المسيحيّ، وقد قال في هذا المجال الصحافيّ في جريدة النهار الأستاذ جهاد الزين: إنها فعلا انتخابات المتصرّفيّة. ملمّحا بذلك إلى النظام السياسيّ الذي اعتمدته السلطنة العثمانيّة في جبل لبنان بعد الحرب الأهليّة عام 1861.


فالانتخابات في لبنان تمت إدارتها من ضمن الاصطفافات الإقليميّة، وشكلت انعكاسا مباشرا للمحاور الإقليمية في المنطقة. فحزب الله تدعمه إيران، وفريق الموالاة تدعمه دول الاعتدال العربيّ، وتؤيده الولايات المتحدة الأميركيّة. وإلا فما معنى زيارة نائب الرئيس الأميركيّ جوزف بايدن إلى بيروت قبيل الانتخابات، وتذكيره اللبنانيّين أن المساعدات الأميركية للبنان مرتبطة مباشرة بنتيجة هذه الانتخابات؟


لكن الجدير بالذكر هنا، هو السلوك السوريّ ونوعيّة الخطاب الذي اعتمده إزاء لبنان خلال فترة الانتخابات. فقد اعتبرت سوريا أن هذه الانتخابات هي شأن لبنانيّ داخليّ، وأرسلت سفيرها الجديد إلى لبنان قبيل موعد الانتخابات، والتزمت الصمت خلال وبعد انتهاء العمليّة الانتخابيّة. وللسلوك هذا دلائل مهمّة، وقد يكون من ضمن توافق إقليميّ – دوليّ، وتحضيرا لتبدّل كبير في العلاقة بين سوريا ولبنان.


وظهر السيّد حسن نصرالله على شاشة تلفزيون المنار بعد صدور النتائج ليعترف بهزيمة المعارضة، ولكن ليفتح باب الجدل أيضا حول الشرعيّة الشعبيّة مقابل الشرعيّة البرلمانيّة، مصرا على أن المعارضة تتمتّع بالمعارضة الشعبيّة مخالفا بذلك روحيّة النظام البرلمانيّ الديمقراطي.


معادلة الخسارة والربح
في حين لم يعترف الرئيس الجنرال ميشال عون بالخسارة، مصرا مجددا على أنه لا يزال يملك أكبر كتلة نيابيّة مسيحيّة. فماذا عن واقع الجنرال عون؟


ربح الجنرال عون كلّ من الأقضية المسيحيّة التاليّة:



  • ربح قضاء جزّين في جنوب لبنان بعد انتزاعه من يد رئيس حركة أمل ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي، الأمر الذي قد يوتّر على العلاقة بين الاثنين في المستقبل وكلاهما من المعارضة.
  • ربح قضاء كسروان حيث عرين الموارنة.
  • ربح أيضا قضاء جبيل، حيث مسقط رأس رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة ميشال سليمان وحيث للصوت الشيعيّ المتحالف مع عون له وزنه المهمّ.
  •  كذلك ربح عون قضاء بعبدا، حيث مقرّ الرئاسة الأولى، وحيث للصوت الشيعي المتحالف معه وقعه المهم.

وخسر في الأقضية والمناطق التالية:



  • خسر قضاء البترون حيث يترشّح صهره الوزير جبران باسيل.
  • خسر منطقة بيروت الأولى حيث ترشّّح مساعده اللواء عصام أبو جمرا.
  • خسر عون قضاء الشوف، حيث ترشّح الوزير ماريو عون.
  • وأخيرا وليس آخرا، خسر الجنرال قضاء زحلة حيث ترشّح الزعيم التاريخي التقليدي الكاثوليكيّ الوزير إلياس سكاف، وكان للصوت السنيّ المعارض له وقعه الأكيد.

في المحصّلة العامة، رسب أربعة وزراء حاليّين رشّحهم الجنرال ميشال عون والمذكورين آنفا، كما لم يحقّق وعده بالفوز بكتلة نيابيّة يتجاوز عددها حاجز الـ 35 نائبا، فكتلته الآن مؤلفة من حواليّ 24 نائبا مسيحيّا.


وأضف إلى ذلك أن نتائج صناديق الاقتراع شهدت تراجعا ملحوظا في نسبة التأييد المسيحيّ للجنرال عون، فعلى سبيل المثال، كان الفرق بين عون وأول الخاسرين في اللائحة المنافسة له في قضاء كسروان لا يزيد عن 1880 صوتا، في الوقت الذي كان فيه الفرق بالآلاف خلال انتخابات العام 2005.


كما أنه في انتخابات العام 2005، حُسمت النتائج في الكثير من المناطق المسيحيّة لصالح عون في الساعات الأولى لبدء العمليّة الانتخابيّة، بينما ظلّت في هذه الانتخابات النتائج متقاربة حتى ساعات متقدّمة من الليل.


وبعد صدور النتائج الرسميّة، بدأت الأطراف المسيحية المتقابلة تتهم بعضها البعض حول الدور الذي لعبته أصوات المذاهب الأخرى – شيعة وسنّة – في إفشالها وإنجاح الطرف المسيحي المقابل لها، وكل منها يدعي أنه الأكثر تمثيلا للمسيحيين وأصواتهم.


فعلى سبيل المثال، يتّهم فريق 14 آذار الجنرال عون بأنه ربح في كلّ من جبيل وبعبدا بسبب ثقل الصوت الشيعي، فيردّ الجنرال بأن فريق 14 آذار فاز في كلّ من زحلة والكورة بسبب الصوت السنيّ، ولن يحسم هذا الجدل إلا ظهور النتائج الرسميّة المفصّلة من وزارة الداخليّة.


تحديات ما بعد الانتخابات





اللاعب المهمّ الذي برز على الساحة، هو رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي أكد أن دوره ليس إدارة التوازنات، إنما بلورة الحلول المتوازنة، وفرض هذه التوازنات وضمان قيامها، أي توافقي وتوفيقي. 
لم تعط هذه الانتخابات فرصة معيّنة لتظهّر كتلة وسطيّة، ما يعني أن لبنان لا يزال منقسما أفقيّا على المستوى الشعبي وعاموديّا على مستوى القيادات السياسية. وكذلك أظهر تقارب الأصوات أن الكثير من الناخبين قد صوّتوا للوائح كاملة دون أي حذف لبعض مرشحيها.

وأثبت الصوت المسيحيّ للجنرال عون، أنه فعلا يؤيّده لكن في حدود معيّنة لا يريد تجاوزها. تجلّى هذا الأمر في كلّ من الأشرفيّة – منطقة بيروت الأولى- كما في قضاء البترون – حيث منطقة الضابط الطيار سامر حنّا الذي قتل كما يعتقد على يد عنصر من حزب الله بعد أن أطلق النار على طوافة للجيش اللبناني كانت قد هبطت في منطقة سجد في جنوب لبنان.


وأهمية هذا المجلس تتأتى من أنه سيواجه الكثير من المشاكل الإقليميّة، وفي طليعتها الصراع العربيّ – الإسرائيلي في ظلّ مشروع الرئيس أوباما، وكذلك طرح نتنياهو مشروع الدولة الفلسطينيّة السيئ، فهذا سيلقيّ بظلاله على الساحة اللبنانيّة خاصة فيما يتعلق بموضوع عودة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتوطين.


كذلك سينتخب هذا المجلس رئيسه في ظلّ خلاف على ترشيح الرئيس نبيه برّي- لكن يبدو أن برّي سيكون رئيسه المقبل- وسوف يتعامل هذا المجلس مع المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، هذا عدا تأليف الحكومة العتيدة.


والجدير بالذكر أن فترة هذا المجلس سوف تنتهي قبل نهاية عهد الرئيس ميشال سليمان، الأمر الذي سيعطي رئيس البلاد مرونة كبيرة في مواجهة المرحلة المقبلة، خاصة في القدرة على لعب دور رئيسيّ في انتخاب خلفه.


وأخيرا وليس آخرا، سوف يحدّد هذا المجلس شكل الحكومة المقبلة. فماذا عنها؟


تشكيل الحكومة
سوف تعكس هذه الحكومة الأوزان الجديدة للأفرقاء، هذا مع التذكير أن الموالاة عادت لتربح الأكثريّة، اللهم إلا إذا حدث تصدّع فيها ما سيعيد رسم صورة التحالفات. لكن الخبراء يقولون أن التصدّع غير منتظر وممكن، وأنه سيكون هناك ليونة أكثر بين الموالاة والمعارضة، خاصة بين الوزير وليد جنبلاط والرئيس نبيه برّي، الأمر الذي قد يُترجم بتأييد جنبلاط لإعادة انتخاب هذا الأخير لمركز رئيس المجلس.


ويريد حزب الله من الحكومة أن تُضمّن بيانها الوزاريّ مادة تتعلّق بمستقبل سلاحه، بما قد يُلغي مفاعيل قرار مجلس الأمن 1559 والذي يدعو لحل الميليشيات المسلحة في لبنان ونزع سلاحها وسيطرة الحكومة اللبنانية على كامل أراضيها، والمعني به فيها جميعا هو حزب الله. ويريد الحزب المشاركة في الحكومة، لكنه قد يتنازل عن بعض المقاعد فيها لبعض حلفائه.


وحتى الآن، أرسل الحزب الكثير من الرسائل لمن يهمهّم الأمر فيما خصّ تشكيل الحكومة، وذلك فور اعتراف أمينه العام السيد نصرالله بخسارة المعارضة، وكلّ هذه الرسائل تتعلّق بالضمانات التي يريدها الحزب من الحكومة وفي الحكومة، وبوجه خاص في بيانها الوزاري.
ويريد الرئيس بري حصّته من الوزارة، خاصة من تلك الوزارات التي توصف بالسياديّة (الداخليّة، الماليّة، الخارجيّة، العدل).


أما الجنرال عون، فيريد نسبة من الحكومة توازي ما يُمثّل من التمثيل المسيحيّ (24 نائبا). لكنه بذلك يريد أن يكون في المعارضة وفي الحكومة في الوقت عينه، الأمر الذي سيضرب حتما مبدأ فصل السلطات.


ويُطالب الوزير سليمان فرنجيّة، وهو حليف الجنرال عون وفي كتلته حتى الآن، بالثلث المعطّل، أو ما يُطلق عليه أيضا الثلث الضامن، باعتبار أن القرارات الرئيسية في الحكومة يشترط لها موافقة أكثرية ثلثي أعضائها.


ولكن اللاعب المهمّ الذي برز على الساحة، هو رئيس الجمهورية ميشال سليمان. لذلك، لا يمكن تصوّر شكل الحكومة المقبلة وبرنامجها إلا من خلال مضمون الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهوريّة في ذكرى مرور عام على تسلّمه سدّة الرئاسة، والذي تضمن بعض النقاط التي تتلامس مباشرة مع الواقع المحلّي، فماذا عنها؟


فقد تنزه رئيس الجمهورية عن التورط في الشعارات التخوينيّة بين الأفرقاء، وعن الغرق في أمور مُتّفق عليها – الهويّة، والعدو مثلا وغيرها. وسحب البساط من تحت رجل من أدخل المطالبة بصلاحيات الرئيس في خطابه الانتخابي، ليحدد الرئيس سليمان نفسه دور الرئيس بأنه" حامي الدستور وعليه تبعة الحفاظ على الدستور وحمايته"، وبالتالي تمكينه من الفصل والبت بأي خلاف، "وأن المطلوب من رئيس الجمهورية التوافقي والتوفيقي ليس إدارة التوازنات إنما بلورة الحلول المتوازنة، وفرض هذه التوازنات وضمان قيامها، والحسم دائما "لمصلحة الوطن الواحد ومصالحه الوطنية العليا".


وهذه الجملة "التوافقي والتوفيقي" اعتبرها الكثير مهمّة جدّا لأن هناك من كان يطلب من الرئيس أن يكون توافقيّا فحسب وليس توفيقيا وبدون أنياب سياسيّة أي بدون نوّاب أو وزراء مؤيدين له. وعليه سيكون مشلولا في إدارة البلاد بانتظار توفّّر ظروف "توافقيّة" بين الأطراف، وبعدها يتحرّك. بكلام آخر، لا إجندة للرئيس وفقط يقوم بردّ الفعل بناء على سلوك الآخرين.


وقد نقلت الجملة آنفة الذكر الرئيس من منتظر سلبيّ، إلى مُبادر إيجابيّ فاعل يملك القدرة على المبادرة، خاصة إذا كان الموضوع يتعلّق بالمصلحة العامة. واعتبر البعض أن الرئيس قام من خلال خطابه بعمليّة استباقيّة لمرحلة ما بعد الانتخابات، فهو يملك توقيع مراسيم تشكيل الحكومة، لذلك هو يريدها:



  • حاضنة، ضامنة للكلّ وليس للبعض.
  • تعكس في تشكيلها روح الدستور الميثاقية.
  • حكومة تشبه لبنان وتنوعه لا مكان فيها للمثالثة، بل للمشاركة الكاملة، وكأنه يرسم مسبقّا صورة الحكومة الجديدة.
  • بكلام آخر، لا للثلث المعطّل، مع التشديد على سقوط مفاعيل اتفاق الدوحة بعد حصول الانتخابات.

ويقترح البعض في هذا الصدد أن يُعطى رئيس الجمهورية الثلث المعطّل أي ثلث مقاعد الحكومة، مثلا كأن يعطى 11 وزيرا من أصل ثلاثين.


ويقترح البعض الآخر إعطاء الرئيس عددا من الوزراء يكون معه قادرا على منع التصويت على الأمور المصيريّة والتي تتطلّب موافقة الثلثين، مثلا يعطى 8 وزراء للمعارضة و3 للرئيس و19 للموالاة. وبهذا يقوم أي الرئيس بضبط الموالاة فلا تبرم أمرا مهما يحتاج للثلثين دون المعارضة، وكذلك يضبط المعارضة لأنها من دون حيازتها الثلث لا تستطيع عرقلة الحكومة وقراراتها وبالتالي تعطيلها. وبذلك يكون الرئيس هو الضامن لكلّ الأفرقاء لأن استكمال العدد المطلوب للتعطيل أو للإقرار هو في يده حصرا دون غيره.


لكن السيناريو الأسوأ قد يكون في تعذر تأليف الحكومة، ليستمرّ الفراغ في البلاد، خاصة إذا لم يعتذر الرئيس المكلّف لأن الدستور لا يحدّد مهلة زمنيّة للتأليف. عندها، وإذا رأى الرئيس حسب ما ورد في خطابه أن المصلحة العليا تستوجب تأليف الحكومة فقد يعمد وبالاتفاق مع الرئيس المكلّف إلى إصدار مراسيم التعيين حتى ولو رفضها البعض. فهل سيستعمل الرئيس هذه الصلاحيّات؟


توصيات






  • على المعارضة – خاصة حزب الله- أن تعي أنه لا يمكن تكرار تجربتيّ حرب يوليو/تمّوز 2006، وأحداث 7 مايو/أيار. إذ لا يمكن دائما خلق المنظومة الفكريّة التي تبرر استعمال السلاح لحماية السلاح كما قال أمين عام حزب الله
    بعد التجارب المريرة على المعارضة أن تعي أنه عندما تشارك في الحكومة سوف تصبح موالاة، وإلا عليها البقاء في مقاعد المعارضة. وفي هذا الإطار، على سلوكها أن يكون متجانسا مع المفاهيم الدستوريّة التي يقوم عليها النظام اللبنانيّ
  • كذلك على الموالاة -في حال قرّرت المعارضة عدم الاشتراك في الحكومة- أن تعي أهميّة العمل المقاوم، لتأخذ بعين الاعتبار أن العدو الإسرائيليّ هو دائما يتربّص بلبنان، خاصة بعد إعلان نتنياهو مشروعه للدولة الفلسطينيّة، الأمر الذي يهدّد التوازنات في لبنان. قد تعبّر الموالاة عن تفّهمها لذلك، عبر استمزاج رأي المعارضة خاصة حزب الله عن كيفيّة لحظ ذلك أو إدراجه في البيان الوزاريّ، وهذا قد يستلزم البتّ سريعا بالإستراتيجيّة الدفاعيّة على طاولة مغلقة لسحبها من التداول اليوميّ، وهو ما يحتّم رسم إستراتيجيّة كبرى للبنان حول كيفيّة تعامله مع المتغيّرات الطارئة في منطقّة الشرق الأوسط والذي أصبح شرق أوسط كبيرا جدّا.

  • ولأن رئيس البلاد يريد حكومة تعكس الطابع اللبنانيّ حسب ما ورد في خطابه، فمن الضروري أن يعي كلّ الأفرقاء أن المطلوب هو تنفيذ الأجندة المحليّة وليس الأجندات الشخصيّة المذهبيّة وغيرها. لذلك يجب على الكلّ تقديم التنازلات والحكم بالشراكة، لأن المرحلة المقبلة تحمل الكثير من التحديّات للبنان.

  • على الموالاة كما المعارضة العمل على إنتاج قانون انتخابيّ عصريّ يعتمد النسبيّة، كما العمل على تنفيذ بنود اتفاق الطائف خاصة ما يتعلّق باللامركزيّة الموسّعة، كما تأليف هيئة إلغاء الطائفيّة السياسيّة حتى ولو كانت موضوعا شائكا اليوم.

  • على الحكومة العتيدة أن تعمد إلى استصدار قانون الانتخاب البلديّ قبل الاستحقاق في العام 2010، خاصة وأن القانون القديم لا يأخذ بعين الاعتبار التبدّلات المهمّة خاصة التوازنات المذهبيّة في المجتمع اللبنانيّ.

  • على الموالاة أن تعيّ أنها ثّبتت الأغلبيّة لصالحها، لكن هذا الأمر لا يعني أنها أصبحت قادرة على الحكم كما تريد، إذ أن أحداث السابع من مايو/أيار لا تزال ماثلة في أذهان اللبنانيّين، حتى إنها كانت شعارا انتخابيّا لتيّار المستقبل. من هنا يجب مقاربة الحكم بشكل لا يتجاوز الخطوط الحمر لدى حزب الله وحلفائه الذين يتمتّعون بقدرة تعطيليّة – خاصة العسكريّة. ومن هنا يجب إدارة الشأن اللبنانيّ – الأزمة – بعقلانيّة، وذلك بانتظار ما ستأتي به الحلول الإقليميّة.

  • وعلى المعارضة – خاصة حزب الله- أن تعي أنه لا يمكن تكرار تجربتيّ حرب يوليو/تمّوز 2006، وأحداث 7 مايو/أيار. إذ لا يمكن دائما خلق المنظومة الفكريّة التي تبرر استعمال السلاح لحماية السلاح كما قال أمين عام حزب الله. كما على حزب الله أن يعي أنه لا يمكن للقوى الأمنيّة أن تبقى متفرّجة على 7 أيار جديد، لأن هذا قد يؤدّي إلى انفراطها وإلى عودة لبنان إلى الاقتتال الداخليّ، وهذا أمر تحلم به إسرائيل فقط لنزع الشرعيّة عن حزب الله تمهيدا لضربه.

  • حتى الآن، يبدو أن رئيس الحكومة المقبل هو النائب سعد الدين الحريريّ. لذا على الحريري أن يفرّق بين المحكمة الدوليّة، والاتهامات التي أطلقها ضد سوريا حول اغتيال والده منذ العام 2005، وبين دوره كرئيس حكومة كلّ لبنان. فهو قد يضّطرّ لزيارة سوريا، فهل سيفعل؟ بالطبع نعم، لكن الأمر يعتمد على خلق الظروف المناسبة. فهل جوّ التهدئة السوريّة خلال الانتخابات كان من ضمن تفاهم عربيّ – عربيّ؟

  • وأخيرا وليس آخرا، على كلّ الأفرقاء السياسيّين أن يعوا أنه لا يمكن لهم إرضاء كلّ حلفائهم الدوليّين، كما الإقليميّين. فما يرضي أميركا قد يزعج سوريا وإيران، وما يرضي إيران قد يزعج المملكة العربيّة السعوديّة، وما يرضي المملكة قد يزعج سوريا، وهكذا دواليك واللبنانيون وحدهم سيدفعون الثمن. لذلك على الأفرقاء اللبنانيين أن يضعوا نصب أعينهم المصلحة الوطنية حتى ولو كان كلّ فريق منهم ينظر إليها ويعيها بمنظار مختلف، وهذا لا يلغي إمكانيّة التقاطع في مواضيع كثيرة. بعبارة أخرى يجب عليهم أن يعملوا على إدارة الأزمة داخليّا وفي بعدها المحلي، مع إبقاء الأعين ساهرة على ما يجري في الإقليم تحسبّا لأي طارئ، وذلك بانتظار الحلول الموعودة، والتي لا يبدو أنها قريبة.
    _______________
    محاضر في جامعة سيدة اللويزة، لبنان، وعميد ركن متقاعد.