(الجزيرة) |
يحاول كتاب "عُمان: الإنسان والسلطة" لمؤلفه سعيد سلطان الهاشمي، قراءة العلاقة الجدلية القائمة بين الإنسان (المواطن العُماني بأفكاره وتطلعاته) والسلطة (السلطة المركزية التي تدير البلاد)، تمهيدًا لفهم المشهد السياسي العُماني المعاصر. وهي قراءة وصفية تحليلية تجتهد في تتبع كل مرحلة من مراحل ذلك الجدل والصراع على مستوى الأفكار والأحداث.
يسعى المؤلف إلى تقديم تمهيد لفهم أربعة تيارات سياسية-اجتماعية لعبت دورًا مهمًا في العقود الأربعة الماضية منذ قيام الدولة المعاصرة في عُمان؛ وهي التيارات اليسارية، والتيارات الإسلامية، ومؤسسات المجتمع المدني، وأخيرًا الحركة الشبابية العُمانية التي جاءت مواكبة لما اصطُلح على تسميته بثورات الربيع العربي، والذي شكّلت معه الحالة العُمانية مثالاً يستحق التوقف عنده واستظهار تفاصيله الإيجابية والسلبية حسب المؤلف.
الكاتب، وبشكل صريح، لا يدعي الإلمام بجميع جوانب المشهد، ولا يزعم شمولية التناول للراهن السياسي في عُمان، إلا أنه يسعى من خلال مؤلفه إلى أن يمهد لحوار موضوعي يتناول شؤونًا رئيسة تُعنى بالإنسان العُماني من جهة وبالسلطة من جهة أخرى.
الحركات اليسارية
يرى المؤلف أنَّ دراسة الحركات اليسارية في عُمان تأتي في طليعة الموضوعات المسكوت عنها؛ عليه فهي تستمد تأثيرها على الحراك السياسي والاجتماعي للبلاد من قوة تغييبها أكثر من وفرة حضورها. كما يرى أن هذا الصمت لم تمارسه السلطة فحسب، بل مارسه كذلك أفراد وقيادات تلك الحركات؛ فغدا الأمر وكأنه سرٌ عظيم تواطأ الجميع على دفنه وإسقاطه من الذاكرة الوطنية.
إن هذا التغييب أوجد هوّة كبيرة في التاريخ العُماني المعاصر؛ فحتى الأصوات المستقلة التي كانت تكتب من الخارج نصرةً أو تحليلاً في إجمال وتفاصيل التيارات اليسارية تناقصت إلى حد الندرة لما لاقته من تضييق، وإهمال، وتجاهل ليس من السلطة السياسية الحاكمة فحسب، وإنما من أعضاء تلك الحركات نفسها، الذين سعوا إلى القطيعة مع تلك التجربة الثرية التي أثمرت خيرًا كثيرًا، وأحدثت تغييرًا جذريًا في بنية الدولة والحكم والتفكير السياسي في عُمان المعاصرة.
لقد كان حلم شباب هذه الحركات رغم اختلافها في التوجهات الأيديولوجية والأدوات والوسائل، هو إقامة "جمهورية ديمقراطية مستقلة"، يتحقق فيها التوزيع العادل للثروة، وتعميم العدالة الاجتماعية، وتؤصل المساواة. إنَّ هذا الحلم ما زال مطروحًا -بحسب الكاتب- حتى هذا اليوم، وبعد أربعة عقود من مراحل العمل والاجتهاد التي بذلها المواطن على الأرض العُمانية؛ حيث تبقى ذات المطالب ماثلة ومُلحة. لذلك لا يستقيم منطق مصادرة هذا الحق، مع سلوك بناء الدولة العصرية القائم ارتكازًا على مبدأ المشاركة والحق فيه.
الحركات الإسلامية العُمانية
يسلّط الفصل الثاني من الكتاب الضوء على بعض الحركات الاسلامية العُمانية التي اشتبكت مع السلطة في العقود الأربعة الماضية؛ حيث يؤكد المؤلف على أنه منذ القرن الثاني للهجرة (الثامن الميلادي)، وعُمان تعيش حراكًا دؤوبًا للبحث عن الصيغة المناسبة لاستقرارها ونمائها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
فقد شكّل العام 750، وهو تاريخ الثورة التي أشعلتها الحركة الإباضية على الدولة الأموية الإعلان الأول عن الإمامة المستقلة الأولى، والتي انتُخب فيها الجلندى بن مسعود إمامًا للبلاد. مذّاك وعُمان تغوص في سلسلة من الأحداث الهادرة بالسياسة والتاريخ والجغرافيا؛ ففي العام 795 بدأت إمامة بني خروص والتي استمرت حتى العام 890؛ حيث دخلت البلاد بعدها تحت حكم النباهنة لفترة امتدت 500 عام تمَّ تداول الحكم فيها بالوراثة؛ حيث عانت عُمان الكثير من النزاعات القبلية، كما تميزت هذه الفترة بالقوة والاستبداد؛ وانتهى حكم النباهنة بالحرب الأهلية؛ وتسببت في إيجاد فراغ في القوة استفاد منه البرتغاليون الذين بسطوا نفوذهم على ساحل عُمان قرابة مائة عام. حتى جاء العام 1624 الذي تم فيه انتخاب إمام قوي وهو ناصر بن مرشد اليعربي والذي نجح في توحيد البلاد من جديد وطرد المستعمر، واستمرت قبيلته (اليعاربة) في حكم عُمان حتى العام 1719، بعدها دخلت البلاد في حرب أهلية أخرى بين الهناويين والغافريين مما أفسح المجال للفرس لاحتلال عُمان؛ إلى أن قام أحمد بن سعيد البوسعيدي والي مدينة صحار بطرد الفرس؛ مما شجع عددًا من العلماء من أهل الحل والعقد في ذلك الزمان على انتخابه إمامًا في العام 1753؛ وبذلك بدأت سلالة جديدة هي (البوسعيد) في حكم عُمان مستمرة حتى هذا اليوم بوجود السلطان قابوس بن سعيد سلطانًا على البلاد منذ العام 1970.
إنَّ إثارة موضوع الحركات الإسلامية في عُمان خلال العقود الأربعة الماضية، له دوافع موضوعية -كما يرى الكاتب- تشجع على الاقتراب منه رغم التحديات والصعوبات المتنوعة التي تكتنف وتحيط هذا النوع من الموضوعات الشائكة والإشكالية في مجتمع محافظ، للسلطة المركزية فيه الكلمة الفصل، وللشخصية الفردية تحفظاتها المعقدة.
يحاول المؤلف رصد تفرد التجربة؛ فالحالة العُمانية متفردة كونها تضم تنوعًا وثراءً مذهبيًا من النادر أن تجده متعايشًا بسلام، ويتمتع بهدوء نسبي، كما أنَّ فيه من الاحترام والتقدير ما هو لافت؛ فعُمان تتميز باحتضانها لثلاثة مذاهب إسلامية، وهي: الإباضية والسنية والشيعية، قلما تجدها تتعايش تحت سماء وطن واحد في العالم العربي.
كما يمضي الكاتب نحو التأكيد على حراك المجتمع العُماني وتفاعله الحي مع قضايا محيطه الإقليمي وعمقه القومي؛ رغم محاولات عدة لفصله عن ذاك العمق، وإعادة تشكيله فكريًا واجتماعيًا بعد عقود من العزلة، والقطيعة المعرفية عما يدور حوله. والحراك المقصود هنا؛ مؤشر حيوية وأصالة؛ حيوية نابعة من طبيعة المكان العُماني المفتوح على البحار والمحيطات الحاضنة للتبادل الحضاري على امتداد العصور. وأصالة منبعها الإنسان العُماني؛ المتشبث رغم التحديات بجذوره وأصوله، وحرصه على صياغة هويته الخاصة والتي لا تمثل أحدًا إلا هو؛ الإسلام محوره، والعروبة روحه، والوطن منتهاه.
يسلط المؤلف الضوء في كتابه على ثلاث حركات إسلامية، بحسب التسلسل الزمني لظهورها، هي: الشيعة الشيرازية، وتنظيم الإخوان المسلمين، والتنظيم الإباضي؛ إذ تشكّل هذه الحركات أبرز التنظيمات الإسلامية التي أطلت برأسها على المشهد السياسي العُماني في العقود الأربعة الماضية.
خَلُصَ المؤلف إلى بعض من المشتركات العامة التي تجمع الحركات الإسلامية العُمانية محل الدراسة (الشيعة الشيرازية، وتنظيم الإخوان المسلمين، والتنظيم الإباضي)؛ حيث يرى أن هذه المشتركات أثّرت على مسار نشاط تلك الحركات سواء على مستوى النشأة والتأسيس، أو على مستوى المنطلقات الفكرية والسياسية، أو على مستوى البنية التنظيمية والمؤسسية، وأخيرًا على جدلية العلاقة مع السلطة المركزية. ويمكن إيجاز تلك المشتركات في الآتي: الخوف على المذهب، وتأثير العامل الخارجي، وبطء تفاعل المجتمع مع الفكرة الحركية، وغياب الأدبيات المكتوبة، والسرية المُعطِّلة، وأخيرًا وليس آخرًا حدة تعامل سلطة الدولة المركزية في مواجهتها.
معوقات المجتمع المدني في عُمان
قفز موضوع المجتمع المدني إلى دائرة اهتمامات الرأي العام في عُمان منذ مطلع الألفية الثانية؛ حيث راج استخدام المصطلح إعلاميًا وسياسيًا وثقافيًا بشكل ملحوظ، عاكسًا تزايد التطرق له في الأحاديث الخاصة، وفي الحوارات العامة، كموضوع حان الالتفات له. وأصبح مفهوم المجتمع المدني محل بحث وتنظير، وأضحت استحقاقاته تُستوعَب وتُثمَّن أكثر فأكثر كاستحقاقات أساسية، ليس من حيث الإسهام في التنمية الوطنية فحسب، بل أيضًا، في النسق نفسه، وفي إثراء مفهوم المواطنة وتعضيده من خلال تفعيل إسهامات المواطنين، من مختلف مواقعهم في المجتمع المدني، في بناء الصرح الوطني.
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن استشعار العُمانيين أهمية بلورة مفهوم المجتمع المدني في الوعي الوطني، ومن ثم العمل على تفعيل استحقاقاته في الحياة الوطنية، جاء بشكل طبيعي، بمعنى أنه جاء في سياق تطور دائب منذ بداية نهضتهم الحديثة نحو استكمال جميع عناصر الدولة المعاصرة، واستيفاء جميع مكونات المجتمع المنفتح حكومةً وشعبًا على خبرات الأمم.
حسب المؤلف، فإنَّ ما يميز التجربة العُمانية هو تشكل مؤسسات مجتمعها المدني خارج رحم السياسة واهتماماتها وانشغالاتها وتطلعاتها إلا أن الجدلية المعروفة والمتبادلة التأثر والتأثير بين الديمقراطية ومؤسسات المجتمع المدني، ولو بشكلها المعكوس هذا، لربما ستساعد في تعزيز وسائل الوصول إلى الديمقراطية التي تنشدها أجيال هذا البلد العربي المتكئ على إرث ثري في تقاليد الحكم، والسياسة، والتي اختمرت في خبرتها الوطنية، التفاعل مع أكثر الشعوب العربية تنوعًا في الأصول والأعراق، سواءً على مستوى التاريخ أو الجغرافيا.
لا يمكن إصدار أي تقييم منصف لمؤسسات المجتمع المدني العاملة في عُمان لأسباب تتعلق بعوامل كثيرة، منها أعمارها الزمنية من جهة، وطبيعة النظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد من جهة أخرى؛ فعامل الزمن مهم للحكم على مثل هذه المشروعات، بالإضافة إلى أن طبيعة النظام السياسي والظرف التاريخي الذي ظهر فيه له تأثير لا يمكن أن يُغفل؛ فكما للزمن ضروراته لنضج الأفكار وتمايزها؛ فإن للنظام السياسي العُماني المتبني لنظام دولة الرفاه، والممسك بجميع تفاصيل المشهد؛ انعكاساته على كل مفاصل المجتمع. ففي وسط عاش فيه المواطن وتربى على أن الحكومة عليها كل الواجبات التأسيسية بل عليها الدعم والرعاية والمراقبة أيضًا، أثّر ذلك سلبًا على طبيعة سير ونمو هذه المؤسسات؛ إذ سلبها الاستقلالية التي يجب أن تشعر بها، وزرع الاتكالية في نفوس فئات كثيرة من أعضائها.
في الجانب المقابل يرى الكاتب أنَّ هناك إيجابيات لا يمكن إنكارها، من قبيل وضع لبنات العمل المؤسسي بمفهومه الحديث، إلا أنه وحتى الآن، تبقى الحكومة في مرحلة انشغالها ذاك، لم تترك المجال لبناء ثقافة رصينة جادة للعمل المدني عمومًا ولم يَذكر خطابها الإعلامي أو يذكّر بأهمية وجود دور لمؤسسات المجتمع المدني من البدايات. إضافة إلى مخاوف واضحة من قِبل الحكومة من إعطاء الاستقلالية لهذا الجهد تحت حجة أن المجتمع لم يبلغ سن الرشد بعد. بل أكثر من ذلك، ظلت الحكومة وإلى وقت قريب قلقة من المطالبات الأهلية بتشكيل المؤسسات المهنية والنقابات العمالية؛ إذ إن قيام هذا النوع من التنظيمات سيفتح الباب واسعًا أمام مطالبات سياسية لا ترغب السلطة في توفيرها في هذا الوقت، بل ترى في ذلك زعزعة للأمن والسلم الوطني، والذي كان مبررًا كبيرًا وواسعًا لتأخير كثير من المطالبات المدنية المشروعة.
صحيح أن الوضع قد تغير قليلاً في الفترة الأخيرة وتم السماح لتلك الأنواع من المؤسسات والنقابات العمالية بالانتظام والتشكل -ولو أنها جاءت أيضًا من قمة الهرم السياسي والاجتماعي-؛ إلا أنَّ الصورة القابعة في الخلفية الذهنية للمواطن العُماني ما زالت لم تبتعد كثيرًا عن تلك المقولة آنفًا، والتي تعبّر عن صعوبة تقبل مؤسسات مجتمع مدني حرة وذات نفوذ وتأثير، والتعايش معها تحت سماء واحدة.
يثير الكاتب في مؤلفه عدة تساؤلات ويحاول أن يجد لها إجابات، فيتساءل عن الفائدة من التذكير بأهمية شراكة المجتمع المدني مع انعدام ثقافة حاضنة لما يسمى بالحقوق المدنية، والفائدة من التذكير بأهمية شراكة المجتمع المدني في ظل غياب فكرة أن المجتمع قائم على تعاقد بين الحاكم والمحكوم، والفائدة من هذه المنظمات في ظل فصلها عن مؤسسات برلمانية تملك قرار التشريع والمحاسبة والرقابة، والقيمة من هذه المؤسسات في ظل فك ارتباطها بمهام أساسية من قبيل: الشفافية، ومكافحة الفساد، وتفعيل ثقافة المساءلة، وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان!
ففي الوقت الذي اعتاد فيه الناس على عدم المسير بعيدًا عن رعاية مؤسسات الحكومة ودعمها، لا يمكن أن يقطف المجتمع ثمار ما يحلم به من شجرة المجتمع المدني. وليس أدل على ذلك -كما يرى المؤلف- من مطالبات البعض بالاستقلالية وفي ذات الوقت مطالبتهم الحكومة بواجب الدعم المالي دون التنبه إلى أنَّ صاحب التمويل هو صاحب القرار.
الحراك الشبابي العُماني
عاشت عُمان حركة احتجاجية مكثفة في الفترة من مطلع فبراير/شباط وحتى منتصف مايو/أيار 2011؛ شهدت فيها البلاد تخلقًا جديدًا على مستويات عدة؛ سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية. وفي الوقت الذي يرى فيه البعض أن انطلاق الاحتجاجات في "السلطنة الهادئة" يعد أمرًا مفاجئًا للمراقبين ولدول الجوار الخليجي وحتى لنظام الحكم نفسه في البلاد، إلا أن هذا الحكم العام -حسب الكاتب- لا يعدو كونه فهمًا سطحيًا لطبيعة شعب وثيق الصلة بالثورات والحراك الاجتماعي والسياسي، لما يتمتع به من ميزات جيوسياسية فرضتها عليه ظروف الجغرافيا والتاريخ والثقافة.
لا يشكك المؤلف بأن البلاد قد مرت بفترة "استرخاء اجتماعي وسياسي" منذ القضاء على المعارضة المسلحة في أواسط سبعينيات القرن الماضي ممثلة بالجبهة الشعبية لتحرير عُمان، إلا أنَّ ذلك لا يعني، حسب تحليله، أن الإنسان العُماني ظلَّ ساكنًا مغيبًا عن تشكل وعيه السياسي؛ بل عاش مراقبًا، مقيمًا، وشريكًا فاعلاً في جهود التنمية والتعمير التي وعده بها السلطان قابوس في خطابه الأول بعد توليه حكم السلطنة بأنه سيعمل "بأسرع ما يمكن لِجَعْلِهم يعيشون سُعداء لمستقبل أفضل"، وتعهد "بالعمل الجاد على تثبيت حكم ديمقراطي عادل لبلادهم".
كما أنه ليس بغريب على العُمانيين، وهم الذين اهتموا باكرًا بالعلاقة بين الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، الاشتغال بإصلاح أنظمة حكمهم، والتمرد على كل فكرة تحاول أن تصيبهم بالجمود والتأخر أو حتى التنكر وعدم احترام خبرتهم التاريخية، وهم الذين خبروا تمدد دولتهم وما يحمله ذلك التمدد الإمبراطوري من إيجابية في مجموع الخبرة السياسية وإدارة الحكم لإثنيات وأعراق وطوائف ومذاهب مختلفة.
يؤكد الكاتب على أنَّ اللافت في تلك الاحتجاجات -خلافًا للثورات الشعبية التي عمَّت تونس ومصر وليبيا وغيرها من الدول العربية- أنها لم تتطرق إلى شعار "إسقاط النظام"، بل اقتصرت على المطالبة بالعدالة الاجتماعية، وتحسين الأحوال المعيشية، وإجراء إصلاحات سياسية من بينها حل مجلس الوزراء ومحاربة الفساد ومحاسبة الوزراء المتورطين، وإجراء إصلاحات دستورية جذرية تضمن الحريات العامة كحرية التعبير والتجمع وتكوين النقابات والجمعيات، والفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية؛ وهي مطالب ما فتئ العُمانيون يطالبون بها حكامهم سلاطين وأئمة منذ قرون.
هناك ثلاثة عوامل رئيسة، كانت ضاغطة على الإنسان العُماني، متراكمة ومتراكبة عليه منذ سنين. رغم وجود دوافع متعددة أخرى؛ إلا أن تلك العوامل الثلاثة كانت الأبرز والأكثر تداولاً بين عموم المواطنين والنخب قبل حلول ربيع الثوارات العربية، بيد أنها لم تلاق من الحكومة العُمانية آنذاك آذانًا مصغية وحلولاً جذرية، وإن صادفت ذلك فكانت تتعامل معها بطريقة المطمئن المتعامل مع النتائج وليس مع الأسباب، وهذه العوامل هي: التعليم والتشغيل والمشاركة السياسية التي ما فتئت تشكّل أزمات ظلَّ النظام السياسي العُماني يتعامل معها بمسكنات وقتية، وظنَّ أنه يحسن صنعًا في إدارتها بينما في حقيقة الأمر كان يُقتّر على الأولى (التعليم)، ويقلّل من أهمية الثانية (التشغيل)، ويؤجل الثالثة (المشاركة السياسية) لحين بلوغ المجتمع سن الرشد وفق رؤيته ومعاييره غير المعلنة ولا المقنعة.
خاتمة
بالرغم من أنَّ سنتين ليستا بالمدة الكافية لتتبع آثار وعواقب تلك القرارات التي اتخذها النظام السياسي في عُمان إبان الربيع العُماني، وتقييمها على بنية النظام السياسي والاقتصادي في عُمان بعمق تحليلي له وزنه على الواقع، إلا أنَّ هناك بعض الملاحظات الختامية التي يرى المؤلف من خلالها تلخيصًا لهذه المرحلة:
-
لقد أنجز جيل الشباب العُماني مهمته بنجاح عندما استثمر الظرف التاريخي للتنبيه على كوامن الخلل عند السلطة المركزية وأوجه القصور التي تعانيها الدولة في هياكلها التنظيمية وبنيتها الأساسية، وقبل ذلك أهدافها السياسية والاقتصادية.
-
تبين بالتجربة العملية الحاجة لمؤسسات دولة تواصل الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي الشامل، وإلا فإنَّ الأمر لن يكون أكثر من فورة عابرة لن يصل أثرها أعمق من السطح.
-
أوضحت التجربة كذلك، استمرار القبضة الأمنية على مفاصل الدولة، وعدم ثقة هذه الأجهزة في قيام السلطات التشريعية والقضائية بمهامها الطبيعية، والتعلم من أخطائها وتجاربها؛ الأمر الذي ولَّد خللاً بنيويًا لا يمكن إخفاؤه عند تقييم المشهد السياسي العُماني المعاصر.
-
لا يمكن لفكرة النمو الاقتصادي أن تقدم حلولاً فاعلة وعميقة للمجتمع والدولة في عُمان. ويبدو أنَّ التنمية الإنسانية الحقيقية والشاملة هي التي تحتاجها البلاد في راهنها ومستقبلها القريب، خاصة الجوانب المتعلقة بالتعليم والعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة والتصدي لإشكالات الفساد الإداري والمالي بمزيد من سلوكيات وتشريعات المحاسبة والرقابة والشفافية التي هي باختصار مباشرة التطبيقات العملية للديمقراطية؛ حيث إنها الضامن الوحيد لاستمرار الأمن الإنساني والسلم الوطني والوئام الاجتماعي.
-
ينبغي التفريق بين تنازلات تكتيكية يقدم عليها النظام لوأد أية حركة احتجاجية، ما يلبث أن يتراجع عنها، وبين إصلاح سياسي حقيقي.
-
كشفت التجربة بعد أحداث الربيع العربي أن بعض الأنظمة السياسية في الخليج لا تملك الإرادة ولا المقدرة بحكم طبيعة تكوينها، على الانتقال إلى مشروع إصلاح سياسي حقيقي؛ إذ إن ذلك رهن بأمور كثيرة، لها علاقة ببنية هذه الأنظمة وطبيعة توجهاتها السياسية والاقتصادية، وموقعها في الخارطة الاجتماعية، وارتباطاتها الإقليمية والدولية.
وأخيرًا وليس آخرًا، يرى الكاتب أن عُمان اليوم تقف على مفترق طرق تاريخي؛ حيث الشعب قال كلمته، قدر استطاعته، والسلطان تفاعل مع مطالب الناس، قدر خبرته وفهمه لطبيعة الحكم الذي أسسه. إلا أن الجيل الجديد في عُمان لن يكتفي بالمراقبة؛ إذ إنه أصبح يمتلك أدوات التغيير وتوقيتاتها أكثر من ذي قبل، كما أصبح أكثر حرصًا على بناء دولة راسخة الأركان في معمارها الدستوري والسياسي والاقتصادي.
ولأن الشعب في عُمان يريد الحياة الكريمة –حسب المؤلف- فإنَّ الزمن العربي الراهن بكل ثوراته، وثرواته الإنسانية، ونهضته من سبات الاستبداد والظلم، يغذي هذا المطلب، ويمنحه شرعية تاريخية لا يمكن لعاقل أن يتجاهلها، وعندما يريد الشعب فليس من قوة تقف أمام ما يريد.
ختامًا نعتقد بأنّ المؤلف كان جريئًا في تناول موضوع البحث، لكنه كان حذرًا عندما يتعلق الأمر بتقديم الحلول الناجعة ذات الصلة برأس هرم السلطة السياسية في البلاد، وكذلك بتقديم رُؤى استشرافية للمستقبل.
ويبدو أن تشريح الباحث للمشهدين السياسي والاجتماعي في عُمان جديرٌ بأن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل الفاعلين الرئيسيين كافة (فئات المجتمع وصانع القرار) وإن لم تتفق تلك الأطراف مع كافة تفاصيلهما.
معلومات الكتاب
العنوان: عُمان الإنسان والسلطة.. قراءة ممهدة لفهم المشهد السياسي العُماني المعاصر
المؤلف: سعيد سلطان الهاشمي
عرض: د. جمال عبدالله، باحث مختص في الشأن الخليجي
الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت- لبنان
تاريخ النشر: سبتمبر/أيلول 2013
عدد الصفحات: 272
___________________________
جمال عبدالله، باحث مختص في الشأن الخليجي