(الجزيرة) |
عرفت نهاية القرن العشرين مؤشرات عدّة عن تحولات عميقة كانت بصدد التشكّل في مجال العلاقات الدولية وموازين القوى العالمي، وطالت بالتالي رسم معالم الخارطة الاستراتيجية للمتحكّمين في العالم.
وقد ظهرت كتابات كثيرة تصف ما بدا من تلك التحولات وتتلمس خيوط التحالفات الجديدة والشكل الذي سيأخذه القرن الحادي والعشرين في مجال السياسات الدولية. وتركز النقاش في أغلبها حول موقع الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى في تلك الخارطة وطرائق تصرفها في مُخرجات ما كانت تعتقد أنه "قرنُها"، (1) وخاصة بعد أن أعلنت -خلال فترة رئاسة جورج بوش الأب- نهاية القطبية في السياسة الدولية، وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم، بل وذهب علماؤها ومثقفوها إلى أن تلك الهيمنة إعلان عن "نهاية التاريخ". (2)
ومن بين أهم الكتب التي رصدت مؤشرات تلك التحولات العميقة في النظام العالمي الجديد، والتي أثارت جدلاً واسعًا في العالم حول طروحاته، كتاب الدبلوماسي والمحلل الاستراتيجي السنغافوري كيشور محبوباني: (3) "نصف العالم الآسيوي الجديد"،(4) الذي رسم بشكل فارق أسباب تلاشي الهيمنة الغربية -والأميركية بالذات- على العالم (دون أن يعني ذلك نهاية الحضارة الغربية حسب تعبيره)، وعودة "المارد الآسيوي" إلى سطح التحكم في مفاصل العلاقات الدولية. (5)
الاستشراف وعلم تعيين الوقائع
وفي سياق هذه التحولات، صدر في الفترة الأخيرة كتاب جديد باللغة الفرنسية تحت عنوان "نحو نظام عالمي جديد" (6) للكاتب المتخصص في العلاقات الدولية والأزمات العالمية والنزاعات المسلّحة جيرار شاليان صاحب المؤلفات العديدة في مجال الدراسات الجيوسياسية والاستشرافية، بالتعاون مع ميشال جان، المختص بالشأن الصيني.
وتأتي قيمة الكاتب (وهو الفرنسي ذو الأصول الأرمينية) كونه من بين أولئك المختصين بالقضايا السياسية والاستراتيجية المتعلقة بـ"العالم الثالث" الذين كوّنوا معارفهم وخبراتهم في الميدان، لا في الصالونات المغلقة والنقاشات النظرية. فالرجل قضى أكثر من ربع قرن "يتجول" في 75 بلَدًا من بلدان إفريقيا وآسيا وأميركا. فقد كان رجل ميدان، يقتفي أثر حركات التحرر (في الجزائر، وشمال فيتنام، وغينيا بيساو، وكولومبيا، والبيرو، وسيريلانكا، وأفغانستان، وفلسطين، والبيرو، والعراق... إلخ)، ويلتقي الثوار ليطّلع من الداخل على أفكارهم ومعاناتهم وتطلعاتهم، ويستقي مما استخلصه هناك عددًا من التحاليل والكتب والتقارير المهمة التي كان لها كبير الأثر في فهم موضوعي وعقلاني لما يجري في كثير من بقاع العالم "المهمش" و"المسحوق" و"المُستعمَر". وقد ساهم في تأسيس مؤسسات بحثية في بعض المناطق التي زارها، كمركز الدراسات الاستراتيجية في كابول 2006، وأصدر ما لا يقل عن 40 كتابًا، من أشهرها "حروب وحضارات؛ الأنتولوجيا العالمية للاستراتيجية؛ رحلة 40 سنة من حرب العصابات؛ المأزق الأفغاني؛ أطلس النظام العالمي الجديد"، وهو بالإضافة إلى اختصاصه في علم العلاقات الدولية والدراسات الجيوسياسية، مؤرخ وشاعر ومترجم.
وقد جاء كتابه الأخير، الصادر عن دار سوي الفرنسية، في 320 صفحة مقسَّمًا إلى مقدمة و 15 فصلاً وخاتمة، إضافة إلى قائمة المراجع وبعض الخرائط والجداول.
يتناول الكتاب صعود السيطرة الغربية على العالم وأفولها، سيطرة لم تدم حسب رأي المؤلف أكثر من قرنين من الزمن، كما يرسم معالم نظام دولي جديد يتشكّل تحت أعيننا، وتقفز فيه قوى صاعدة من القارة الآسيوية (وبالذات الصين) لتحتل تدريجيًا المشهد العالمي.
يتمحور الكتاب حول البحث في آليات وآثار وتداعيات "الإعلان عن بداية النهاية للهيمنة المطلقة التي مارسها الغرب منذ ما يقرب من ثلاثة قرون"، مؤشرًا إلى أن هذا التحول الجيوسياسي يظهر في الأزمة المالية والاقتصادية التي عرفها العالم عامي 2007 -2008، وفي التراجع الديمغرافي في أوروبا وأميركا، وفي ظهور الصين كقوة عظمى واحتلالها المرتبة الثانية عالميًا، إضافة إلى ظهور عدد من القوى الصاعدة كالهند والبرازيل وغيرهما.
عالم يتشكل من جديد
تلك هي الخلفية (الذهنية والنفسية) التي ينطلق منها الكاتب تفكيكًا وتحليلاً لفهم ما سيكون عليه حال النظام العالمي بعد ربع قرن من الآن. لذلك نجده يرسم في الفصل الأول خارطة الحضارات التي هيمنت على العالم وامتد نفوذها على الأراضي والعقول، وصولاً إلى ولادة الحضارة الغربية من رحم "الأنوار"، وبسط سيطرتها الروحية والمادية والسياسية على العالم على أثر الثورتين الفرنسية والأميركية. لكنه، ولئن اعترف بكونية القيم التي بشرت بها الحضارة الغربية وسعت إلى فرضها على مختلف مناطق العالم، إلا أنه انتقد بشدة تعاملها مع تلك القيم ومدى التزامها بها، بل واعتبر أن سوء إدارتها للرصيد الأخلاقي لتلك القيم هو أحد الأسباب المهمة التي سارعت بتراجعها وفقدانها لموقعها الريادي في العالم اليوم. طبعًا لم يكن "شاليان" هو أول من تناول موضوع نهاية عصر الهيمنة الغربية على العالم، فقد تشكّلت فرق بحث، وانعقدت مؤتمرات علمية، وصدرت كتب فردية وجماعية فصّلت في تراجع الهيمنة الأميركية على العالم شرقًا وغربًا؛ وذلك منذ ثمانينيات القرن الماضي. (7) بل إن الجهات الرسمية وشبه الرسمية، الأميركية نفسها بدأت بالاهتمام بهذه المسألة، وبما ينتج عنها من تطورات خطيرة. (8) ويذهب ألفريد ماك كوي، خبير المستقبليات في الجامعات الأميركية، إلى الجزم بأن "القرن الأميركي الذي بُشِّرَ به بشكل احتفائي جدًا مع بداية الحرب العالمية الثانية، سيضمحلّ وينطفئ في حدود عام 2025". (9)
وإضافة إلى عديد الفقرات الموزّعة على كامل الكتاب، فقد خصص المؤلف الفصل الثالث منه "أميركا في أزمة" للتفصيل في حيثيات فقدان أميركا للريادة العالمية، وبالخصوص على إثر تداعيات الحرب التي خاضها الرئيس بوش الأب في العراق، والتي اعتبر الكاتب أنها أفقدت أميركا بشكل نهائي ما كانت تتمتع به طيلة تاريخها المعاصر: المزاوجة الناجحة بين واقعية روزفلت وأخلاقية ويلسون، أو ما عبّر عنه ستانلي هوفمان بـ "العُذرية التاريخية دائمة التجدد".لم يصل "شاليان" إلى مستوى ما عبّر عنه بعض الباحثين بـ"الإفلاس الكامل والنهائي" للولايات المتحدة الأميركية، وإلى تسارع وتيرة تراجعها إلى حد خروجها من مشهد الكبار مع حلول سنة 2025، (10) بل ما زال يعتقد أنها ستبقى محافظة على مكانتها بالرغم من خسارتها لكثير من قواها في حربها الشاملة على الإرهاب.
1979 وبداية النهاية
تبقى الأطروحة الأكثر طرافةً وجِدّة في الكتاب ما أوْدَعَه المؤلف في الفصل الثاني منه "الانعطافة الكبرى لعام 1979"، والقائمة على مخالفة كل الذين أرّخوا لبداية التحولات العميقة في النظام الدولي بسقوط حائط برلين وانتهاء الحرب الباردة أو بغزو العراق أو بتفجيرات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتأكيد على أن عام 1979 هو عام محوري حاسم، أعطى "ضربة البداية" لانهيار النظام العالمي القائم، وشكّل منعطفًا تاريخيًا في مسار السياسات العالمية. رصد شاليان في هذه السنة "1979" حدوث أربعة أحداث كان لها تأثيرات حاسمة في تحديد مسارات النظام الجديد، وهذه الأحداث هي على التوالي:
-
الانعطافة الحاسمة التي قامت بها الصين نحو اقتصاد السوق، وترحيب الولايات المتحدة الأميركية بذلك، بل واستقبالها للزعيم الصيني دنغ شياو بينغ في شهر يناير/كانون الثاني من العام 1979، وعقدها سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية معه. لقد كان قرار تبني اشتراكية السوق مفاجئًا من قبل الصينيين، وتحولاً حاسمًا عن السياسات المتبعة منذ العام 1949؛ حيث كان دنغ شياو بينغ ذو التسعين سنة من عمره قد وضع قانونًا للسلوك القويم في العلاقات الخارجية، يتألف من 28 حرفًا من الأبجدية الصينية، تشكّل سبع نصائح في المجال: (11) "تحليل التحولات بهدوء؛ مقاربة التغيير بإيمان وصبر؛ ضمان مكانتنا الخاصة؛ لا تتفاخروا بما يمكننا القيام به ولا تتعرضوا للأضواء المسلطة؛ حافظوا على التواري؛ لا تطالبوا بالقيادة أبدًا؛ ابحثوا عن الإنجاز".
وكانت هذه المبادئ في الحقيقة موجهة بالأساس للتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية، وأدت بعد ثلاثين سنة إلى صعود الصين لتحتل المرتبة الثانية بعد أميركا في الاقتصاد العالمي، في وقت ضربت فيه الأزمة الاقتصادية والمالية الأسواق الغربية والعالمية.
-
الثورة الإسلامية "الخمينية" في إيران، التي دفعت بالإسلام الشيعي للظهور والفعل في ساحة القوى الإقليمية، وقد ارتبط هذا الظهور بعداء حاد للإمبريالية الأميركية.
-
الأزمة النفطية الثانية بعد أزمة 1973، التي أقنعت السياسيين الغربيين وبشكل نهائي بضرورة مراجعة نمط العيش في بلدانهم.
-
غزو الاتحاد السوفيتي لأفغانستان، وفرض نظام شيوعي موال لها، وهي المرة الأولى التي يتدخل فيها السوفيت عسكريًا خارج مجال دول حلف فِرصوفيا. وقد أدى ذلك إلى جرّ الولايات المتحدة الأميركية إلى الحلبة عبر التسليح المكثف للمجاهدين الأفغان، والدخول في حلف مع الإسلام السني الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
لقد قلبت هذه الأحداث الأربعة التي وقعت في سنة 1979 -بحسب جيرار شاليان- معادلات الصراع الدولي رأسًا على عقب، وساهمت بشكل فارق في رسم معالم النظام العالمي الصاعد، فسرّعت من السباق نحو التسلح، وانهيار المعسكر الاشتراكي بسقوط حائط برلين، والظهور القوي للإسلام "الجهادي المتشدد" في عدة مناطق من العالم، ووقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001؛ ما دفع بأميركا إلى الارتماء كليًا في حرب كونية ضد ما وصفته بالإرهاب. وقد تزامن ذلك الصدع الجيوسياسي العالمي مع تحوليْن دولييْن فاقَمَا من آثاره المدمرة على الريادة الغربية، هما: التغير الواسع في البنية الديمغرافية العالمية التي عرفت نسب شيخوخة وضمورًا سكانيًا كبيرًا في الغرب مقارنة ببقية مناطق العالم، والأزمة الاقتصادية والمالية المستفحلة التي ضربت أساسًا أوروبا والولايات المتحدة الأميركية؛ ما سمح بظهور قوى اقتصادية صاعدة وتصدرها للمشهد كالهند والبرازيل وكوريا الجنوبية وتركيا وجنوب إفريقيا وماليزيا، وعلى رأس تلك الدول تتصدر الصين المشهد كقوة اقتصادية وعسكرية وبشرية عظمى.
ساحة الموت، ساحة الولادة
يعرض الكتاب في فصوله الستة التالية (من الفصل 3 إلى الفصل 8)، وبكثير من التفصيل، للمناطق والدول التي فقدت سيطرتها في النظام المعولم السابق (أميركا-روسيا-أوروبا)، وتلك التي تشهد إرهاصات ولادة النظام الجديد في رحمها أو هي على علاقة تماس معه (آسيا والدول الصاعدة-العالم العربي-إيران)، مبرزًا عناصر القوة والضعف لدى كل منها؛ ما يسمح باستشراف الدور الذي تلعبه في النظام العالمي الذي يتشكل، مع اهتمام خاص بموقع أوروبا في تلك التحولات، وبالتخصيص بموقع فرنسا التي يرى أنها تخلفت كثيرًا عن المساهمة في الأحداث الجارية، وفقدت الأدوات اللازمة التي تؤهلها للتموقع فيه.
ويختم شاليان بالفصل التاسع الذي تناول فيه بلدان أقصى الشرق الآسيوي، وجعله في الحقيقة مقدمة للفصول الخمسة التالية التي خصصها شريكه في التأليف ميشال جان بالكامل للصين التي عرفت، منذ أن وضع مهندس سياساتها الجديد دنغ شياو بينغ تصوراته موضع التنفيذ (1979-2012)، نجاحًا هائلاً من حيث حجم الإصلاحات الاقتصادية وسرعة النتائج، وتنامي قوتها العسكرية، مع اعتماد دبلوماسية قوة كبيرة؛ ما أهّلها لأن تصبح ثاني دولة عظمى على الساحة الدولية من الناحية الاقتصادية. وبالرغم من ذلك الانفتاح الكبير على الخارج وتضاعف فرص المبادلات مع التيارات الفكرية والسياسية والحياتية العامة شرقًا وغربًا؛ فقد حافظت الصين على الحضور الفارق للدولة المركزية كراعية لتلك التحولات، وعلى بقاء الشعور القومي متأججًا لدى عامة الصينيين.
ركز ميشال جان في الفصول التي خصصها للصين على رسم صورة للصين القديمة وكيفية ولوجها للحداثة، وفصّل في آليات نهضتها الحديثة مع دنغ شياو بينغ، وفي مختلف "الدروس" التي واجهتها أثناء التحولات العميقة التي عرفتها بِنْيتها الثقافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وعلاقة ذلك بالمحيطين بها. كما بحث فيما اعتقد أنه "إرهاصات لعصر صيني جديد"، وعرض في الفصل 14 الأولويات التي حددها الحزب الشيوعي الصيني والمسارات التي على الأمة الصينية اتباعها في السنوات الخمسة القادمة (2013-2017)،(12) وذلك أثناء انعقاد مؤتمره الثامن عشر في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2012. ومع تجديد القيادة، أكد الحزب ثقته في التوجه العام للعقود المنصرمة، ورسم هدفًا بعيدًا للصين يحدد سياساتها في مختلف المجالات لا سيما ما يخص نهضة الأمة الصينية وتصدرها للعالم مع حلول عام 2049، أي مع ذكرى مئوية إعلان قيام الجمهورية الشعبية الصينية. ولكن عقبات عديدة يمكن أن تَحُول دون تحقيق تلك الطموحات أو الأهداف المرسومة، (13) بعضها على علاقة بالداخل الاجتماعي والسياسي الصيني، وبعضها على علاقة بمفهوم الأمن الإقليمي الذي لا ينظر فيه بعض بلدان آسيا الصاعدة للهيمنة الصينية بعين الرضا، وبعضها على علاقة بالتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الدائرة في فلكها في ظل الرغبة في الدفاع عن مواقع مختلف الأطراف الاستراتيجية المتواجدة في نقاط تقاطع بحرية عديدة في العالم. لذلك ستجد الصين نفسها كقوة عظمى ذات نزعة توسعية واضحة في مواجهة مباشرة "عسكرية" مع أميركا وحلفائها إذا هي أخطأت التصرف وغلبت عليها نزعتها الهيمنية القديمة، خاصة وأن الصورة المُطَمْئِـنة التي تريد أن تسوّقها عن نفسها إلى حد الآن لا تعدو كونها جزءًا من استراتيجيتها القائمة على سياسة "القفازات المخملية" بحسب "شاليان".
آسيا: المارد العائد في السياسة الدولية
وفي خاتمة الكتاب، يسوق "شاليان" البراهين على أن اتجاه مراكز القوة في النظام العالمي الجديد قد تحول عن الغرب، نحو آسيا تحديدًا، وعلى رأسها الصين والهند، متبوعة ببعض القوى الإقليمية الصاعدة كالبرازيل وغيرها؛ وعلى أن الولايات المتحدة الأميركية كقوة عظمى لن تغيب نهائيًا عن رقعة العلاقات الدولية. وهو يؤكد أن القرون التي هيمن فيها الغرب "أوروبا وأميركا" على النظام العالمي لم تكن إلا قوسًا في التاريخ الحضاري الطويل، وأننا اليوم بصدد العودة إلى عالم متعدد الأقطاب، تلعب فيه آسيا "الصين والهند بشكل خاص" والعالم الإسلامي، وبعض دول أميركا الجنوبية، والولايات المتحدة الأميركية دورًا مهمًا في تشكيل الرقعة الجديدة للعلاقات الدولية، كهياكل ومؤسسات وقيم.
ويختم المؤلفان كتابهما بنظرة استشرافية متشائمة بخصوص موقع أوروبا وقدرة فرنسا بالذات على استدراك أمرها ومواجهة مصيرها بمراجعات شجاعة وضرورية، عسى أن تتمكن أوروبا من التواجد ضمن التكتلات العشرة الأولى في العالم في حدود العام 2020.
يمثل كتاب جيرار شاليان هذا مسحًا علميًا دقيقًا لساحة العلاقات الدولية ورسمًا للتقاطعات الجيوسياسية والجيوثقافية والجيوعسكرية والجيواقتصادية التي يعرفها انهيار نظام عالمي، ومحاولة قيام آخر مكانه. وهو وإن أفلح في توظيف مختلف المعطيات المتوفرة لفهم التحولات العميقة التي يعرفها العالم، بحسٍ كبير من الموضوعية والتعاطف مع الشعوب المتحررة من الهيمنة الغربية، إلاَّ أنه لم يوفّر جهدًا في تحريض أوروبا على مراجعة توجهاتها، والاقتناع بتغيير نظرتها لذاتها وللآخرين، والتواضع للقوى الصاعدة، وذلك عبر محاولة النصح والاقتراح ورسم معالم خارطة طريق على طول صفحات الكتاب.
وإذا كنا نفهم غياب القارة الإفريقية (عدا بلدان المغرب العربي وإفريقيا الجنوبية) وغياب أميركا الجنوبية (عدا البرازيل) عن هذا الكتاب، باعتبارها لا تتوفر على المقومات التي يقوم عليها النظام العالمي الجديد كما يتصوره الكاتبان: القوة الاقتصادية، والتقدم التكنولوجي، والاستعداد العسكري، فإننا يمكن أن نشير إلى بعض من المواضع التي تميّزت بـ"خفّـة" تحليلية واستشرافية، كتلك التي نلاحظها على سبيل المثال في قراءته لمآلات الثورات العربية وتأثير إغراق المنطقة العربية في احتراب داخلي مدمّر، على قدرة الرقعة الإسلامية المترامية في تركيا وإيران وإندونيسيا وماليزيا على التموقع ضمن الخارطة الدولية المرتقبة؛ ويصبح ما جاء في هذا الكتاب على غاية الأهمية إذا نظرنا فيه بالتوازي مع كتاب كيشور محبوباني: "نصف العالم الآسيوي الجديد- التحول الحتمي للقوة العالمية نحو الشرق".
معلومات الكتاب
عنوان الكتاب: نحو نظام عالمي جديد Vres un nouvel ordre du monde
المؤلف: جيرار شاليان و ميشال جان Gérard Chaliand, Michel Jan
عرض: عبدالحق الزموري،مدير مركز أبعاد للدراسات الاستشرافية المغاربية – تونس.
تاريخ النشر: أبريل/ نيسان 2013
الناشر: سوي، باريس- فرنسا SEUIL
عدد الصفحات: 320
____________________________________
عبد الحق الزموري - مدير مركز أبعاد للدراسات الاستشرافية المغاربية – تونس
الهوامش
1- Source: «Déclin de l’Occident et montée de l’Orient », par Jean-Pierre Lehmann, Réseau Voltaire, 2 septembre 2008, http://www.voltairenet.org/article157953.html
2- Francis Fukuyama ; La Fin de l’Histoire et le dernier homme. Paris : Flammarion, coll. “Champs”, 1993
3- صنفته Foreign Policy في المرتبة 94 في قائمة أول 100 مفكر عالمي سنة 2011. ومن أهم مؤلفاته (بالإنجليزية): هل يستطيع الآسيويون التفكير؟ فهم الهوة بين الشرق والغرب، 2001 / ما بعد عصر البراءة، إعادة بناء الثقة بين أميركا والعالم، 2005 / نصف العالم الآسيوي الجديد: التحول الحتمي للقوة العالمية نحو الشرق، 2008 / التقارب الأكبر: آسيا والغرب، عالم واحد 2013.
4- KishoreMahbubani ; The New AsianHemisphere – The Irresistible Shift of -Global Power to the East. United States : Public Affairs, 2008
وقد تُرجم الكتاب إلى العربية تحت عنوان: نصف العالم الآسيوي الجديد-التحول الحتمي للقوة العالمية نحو الشرق. ترجمة: غادة وحيد وسمير كريم. القاهرة: المركز الوطني للترجمة، 2009.
5- انظر: د. فريدريك معتوق؛ المارد الآسيوي يسيطر. بيروت: منتدى المعارف، 2013.
6- Gérard Chaliand (avec la collaboration de Michel JAN); Vers un nouvel ordre du monde. Paris : Seuil éditions, 2013. 298 p
7- انظر على سبيل المثال لا الحصر: Alfred W. McCoy ; « La fin du "Siècle Américain" La disparition des États-Unis en tant que superpuissance mondiale »[نهاية "القرن الأميركي"، اضمحلال الولايات المتحدة الأميركية كقوة عالمية عظمى] . Asia Times Online, 8 décembre 2010. In http://www.esprit-europeen.fr/etudes_geopo_fin-des-USA.html
KishoreMahbubani ;The New AsianHemisphere. (op. cit)
8- أهم تلك المبادرات جاءت من فريق البحث الذي شكّله الأستاذان Alfred McCoy وFrancisco Scarano في جامعة ويسكونسن-ماديسون بالولايات المتحدة الأميركية ومشاركة مركز هارفاي غولدبرغ، وشارك فيه ما لا يقل عن 130 باحثًا من القارات الأربعة. وقد تواصل العمل في "مشروع الإمبراطورية الأميركية: صعود الهيمنة الأميركية العالمية وتراجعها" من سنة 2004 إلى غاية 2010. كما صدّرت مجلة التايم الأميركية غلافها في 22 أغسطس/آب 2011 بعنوان ذي دلالة: THE DECLINE AND FALL OF EUROPE
9- Alfred W. McCoy ; « La fin du "Siècle Américain"
يذهب ألفريد ماك كوي إلى أن استطلاعًا للرأي أُنجِزَ في شهر أغسطس/آب 2010، بيّن أن 65 بالمائة من الأميركيين يعتقدون أن بلادهم في وضع تراجع حثيث.
10- وهو موقف ألفريد ماك كوي في الدراسة السابقة.
11- Peter Franssen ; « La Chine ouvre les portes ». www.infochina.be , 9 décembre 2009
انظر أيضًا: شاليان؛ نحو نظام عالمي جديد. ص221-225.
12- يذهب البنك الدولي إلى أن الصين يمكن أن تصبح مع سنة 2016 القوة الاقتصادية الأولى في العالم إذا ما حافظت على نسبة نمو سنوي يتجاوز 7 بالمائة بين سنوات 2010 و2020 بحسب ما حددته قرارات المؤتمر 18 للحزب الشيوعي الصيني
13- Kishore Mahbubani ; « La Chine a-t-elle oublié les règles du jeu diplomatique ? »Les Echos, 27/07/2012
http://lecercle.lesechos.fr/economistes-project-syndicate/autres-auteurs/221151269/chine-a-t-elle-oublie-regles-jeu-diplomatique (Traduit de l’anglais par Pierre Castegnier)