غليان آسيا: بحر الصين الجنوبي ونهاية هادئ مستقر

تكمن أهمية كتاب "غليان آسيا" لروبرت دي كابلان في كونه يسلّط الضوء على منطقة بحر الصين الجنوبي التي تتحول تدريجيًا إلى منطقة صراع جيوسياسي في ظل التراجع الأميركي وصعود الصين على الساحة الدولية، وبالتوازي مع دأب الأخيرة على بناء قوتها العسكرية.
29 April 2014
2014429105848986734_20.jpg
(الجزيرة)

يعتبر كتاب "غليان آسيا: بحر الصين الجنوبي ونهاية هادئ مستقر" (في إشارة إلى الغليان الحاصل في منطقة جنوب شرق آسيا ونهاية الاستقرار في المحيط الهادئ) من أهم الكتب التي نُشرت حديثًا هذا العام؛ إذ يأتي الكتاب في توقيت مناسب جدًا على المستوى الدولي، في وقت يعود الاعتبار فيه شيئًا فشيئًا إلى معادلة القوة الحقيقية (أي: القوة العسكرية) والسياسات الجغرافية أو الجيو-بوليتيكس، وهو ما يتجلى بشكل شديد الوضوح في الأزمة الروسية-الأوكرانية، وموقف الغرب مما يجري هناك ناهيك عن التراجع الأميركي على مستوى العالم والذي نجم وسينجم عنه أيضًا حالات شديدة من عدم الاستقرار وفقدان التوازن الجيوبوليتيكي في مناطق مختلفة من العالم وعلى رأسها المنطقة العربية. كما أنه سيدفع عددًا من الدول الإقليمية الكبرى في مناطق مختلفة من العالم إلى أن تصبح أكثر عدائية في محاولة منها لاستغلال التراجع الأميركي من أجل إحكام سيطرتها على مناطق الفراغ؛ وهو الأمر الذي تحاول روسيا أن تعكسه في عدد من المناطق المتاخمة لها كما سبق وأن حصل في جورجيا ويحصل الآن في أوكرانيا.

وبين هذه وتلك، لا تزال بعض المناطق الجغرافية في العالم في وضع حساس دقيق من الناحية الجيوبوليتيكية، كما هي الحال في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا حيث من المنتظر أن يؤدي التصاعد في القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية إلى تقويض التوازن الذي لا يزال صامدًا إلى حد ما في تلك المنطقة من العالم بسبب قوة الدول الأخرى المحيطة بالصين، ولكن الخوف من أن ينهار التوازن سريعًا دفع بالولايات المتحدة الأميركية في العام 2011 إلى نقل تركيزها على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري إلى المحيط الهادئ وإلى تلك المنطقة تحديدًا.

الكتاب والكاتب

يعتبر مؤلّف الكتاب روبرت دي كابلان واحدًا من أبرز المهتمين بالكتابة من منظور جيوسياسي؛ إذ نجح في أن يحجز لنفسه مكانًا بين الكتّاب الأكثر تأثيرًا في هذا المجال عبر مؤلفاته العديدة ولاسيما الأخيرة منها ككتاب "الرياح الموسمية: المحيط الهندي ومستقبل القوة الأميركية"، وكتاب "ثأر الجغرافيا: ما تخبرنا عنه الخريطة حول الصراعات القادمة والمعركة ضد المصير".

يشغل كابلان حاليًا منصب رئيس قسم التحليل الجيوبوليتيكي في "ستراتفور"، وكان قد شغل عدة مناصب صحفية وبحثية في صحف ومجلات ومراكز أبحاث وأصبح مستشارًا لوزير الدفاع الأميركي في مرحلة من المراحل. وعلى الرغم من أنه يكتب من خلفية صحفية، وبأسلوب صحفي عادة، إلا أنه استطاع أن يعرض أفكاره بطريقة مميزة وقوية جعلت مجلة الفورين بوليسي تصنّفه على أنه واحد من بين قائمة أهم 100 مفكر في العالم (1) .

ينتمي كابلان إلى المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية التي تهمل الجانب الأخلاقي في العلاقات ولا تنظر إلى الأمور إلا بقدر ارتباطها بالقوة والمصلحة البحتة. يرى البعض أن كابلان تحول مع الوقت من معسكر الصقور المؤيدين للسياسة العدوانية في الشؤون الدولية (في إشارة إلى خلفيته الجدلية لكونه من أسرة يهودية وسبق له أن عاش في إسرائيل بل وخدم في الجيش الإسرائيلي لسنة واحدة) إلى معسكر أنصار المدرسة الواقعية، لا بل صار واحدًا من أبرز المتعصبين لها (2) .

وبالرغم من ذلك، فإن البعض يعتبر أنه ليس إسرائيليًا بما فيه الكفاية (3) ، لاسيما عندما اجتهد في تفسير توجهات جون ميرشامير الذي اشترك في تأليف كتاب اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية مع ستيفن والت (4) .

أهمية الكتاب

يتألف الكتاب من سبعة فصول ليست على نسق واحد، وقد يجد بعض القراء ذلك مزعجًا، فيما قد يراه آخرون أسلوبًا جديدًا ومريحًا حيث يكتب كابلان بعض الفصول بقلم الصحفي الرحالة ولاسيما تلك الفصول التي تتحدث عن البلدان في جنوب شرق آسيا وعن نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، فيما يكتب بعض الفصول الأخرى بقلم الكاتب الجيوبوليتيكي والمنظّر الواقعي. وعلى غير العادة، يضع كابلان معظم الأفكار الأساسية لكتابه في الفصل الأول وتتمحور حول الصراع على بحر الصين الجنوبي.

تكمن أهمية الكتاب في كونه يسلط الضوء على منطقة في طور التحول بشكل تدريجي ومتزايد إلى منطقة صراع جيوسياسي مع انتقال القوة والثروة من الغرب إلى الشرق تدريجيًا، وفي ظل التراجع الأميركي وصعود الصين على الساحة الدولية وذلك بالتوازي مع بناء الأخيرة لقوتها العسكرية بشكل متنام على رقعة الشطرنج الإقليمية ومركزها بحر الصين الجنوبي.

لماذا الصراع على بحر الصين الجنوبي؟

يربط بحر الصين الجنوبي العالم البحري للشرق الأوسط بمنطقة شبه القارة الهندية بشمال شرق آسيا، ويساوي النفط القادم من المحيط الهندي عبر مضيق ملقا باتجاه شرق آسيا مرورًا ببحر الصين الجنوبي حوالي ثلاثة أضعاف الكمية التي تعبر من خلال قناة السويس، وحوالي 15 مرة مقارنة بالكمية التي تعبر قناة بنما. أضف إلى ذلك أن حوالي ثلثي إمدادات الطاقة لكوريا الجنوبية و60% لليابان وتايوان و80% من واردات الصين النفطية تأتي عبر بحر الصين الجنوبي.

ومقارنة بالخليج العربي الذي يعتبر ممرًا لنقل الطاقة إلى العالم، فإن بحر الصين الجنوبي لا يعد معبرًا لإمدادات الطاقة فحسب، بل هو أيضًا ملتقى لخطوط التجارة البحرية الدولية الأكثر ازدحامًا في العالم.

وبالإضافة إلى مركزية الموقع التي يتمتع بها، يحتوي بحر الصين الجنوبي على حوالي 7 مليارات برميل نفط كاحتياطي مؤكد، وحوالي 900 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي، فيما يعتقد الصينيون أن باطنه يحتوي على كميات من النفط تفوق أية منطقة في العالم باستثناء السعودية، وهو  الأمر الذي إذا ما ثبتت صحته (هناك شكوك حوله)، فإنه يجعل منطقة بحر الصين الجنوبي بمثابة منطقة الخليج العربي.

ولا تنبع أهمية بحر الصين الجنوبي من الناحية الجيوبوليتيكية من موقعه المركزي واحتياطات الطاقة التي يكتنزها قعره فحسب، وإنما لكونه يضم أيضًا قرابة 200 جزيرة صغيرة وصخور وشعاب مرجانية (حوالي 13 منها تبقى بشكل دائم فوق الماء) حولته إلى مسرح للنزاعات الإقليمية بشأن أحقية ملكيتها؛ فبروناي تدعي أحقية الشعاب الجنوبية لجزر سبراتلي، وماليزيا تدعي أحقية ثلاث جزر من جزر سبراتلي فيما تدعي الفلبين أحقيتها في ثمان منها وفي السيادة على قسم من بحر الصين الجنوبي، في الوقت الذي ترى فيه كل من تايوان وفيتنام والصين أحقيتها في كل جزر سبراتلي وبارسيل والجزء الأكبر من بحر الصين الجنوبي.

من الواضح أن جميع هذه الدول وضعت في الغالب مشاكل الشرعية الداخلية وبناء الدولة خلفها، وأصبحت مستعدة للنظر إلى حقوقها الإقليمية التي تتجاوز شواطئها. هذا الضغط الناشئ باتجاه التطلع إلى المياه وراء الحدود يأتي من ثلاثة اتجاهات مختلفة:

هي شرق آسيا حيث الصين والكتلة الديمغرافية الأكبر في العالم من أية دولة أخرى، بواقع حوالي 1.3 مليار نسمة، وشبه القارة الهندية بواقع حوالي 1.5 مليار نسمة وجنوب شرق آسيا بحوالي 600 مليون نسمة. وإذا ما نظرنا إلى منطقة التقاء هذا الضغط من الاتجاهات الثلاثة، فسنجد أنه يتمحور حول المنطقة الوسطى الواقعة فيما بينها والمتمثلة في منطقة بحر الصين الجنوبي. وهناك الصعود الصيني والمراكمة المتزايدة للقوة ولاسيما على الصعيد العسكري وخصوصًا تطوير القدرات البحرية للصين مما يثير مخاوف هذه الدول التي تعتبر أصغر من ناحية الحجم والقوة، وهو ما يدفعها أيضًا إلى مواكبة الصعود الصيني في المنطقة بتوقيع المزيد من عقود التسلح العسكري ومحاولة الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة على أمل أن يردع ذلك الصين عن محاولة التوغل على جيرانها سيما وأنها تدعي وصايتها على هذه المنطقة دون منازع.

عقيدة مونرو صينية

وفقًا لكابلان، يعتبر بحر الصين الجنوبي مركزيًا لشرق آسيا بنفس القدر الذي يعتبر فيه البحر  المتوسط مركزيًا لأوروبا. وإذا افترضنا أن منطقتي الشرق الأوسط وشمال شرق آسيا هما منطقتان خارج العالم الغربي ويجب على الولايات المتحدة عدم السماح لأية قوة عظمى أخرى بالسيطرة عليهما، فإن المنطقة الواقعة بين هاتين المنطقتين المتمثلة ببحر الصين الجنوبي والغنية بمصادر الطاقة أيضًا تعتبر المنطقة الثالثة.

ويذكر المؤلف أن الصراع في هذه المنطقة -وبخلاف الصراعات والحروب التي اندلعت سابقًا- "يفتقر إلى الذرائع الاخلاقية" (لا فاشية أو نازية مثلاً). وعليه، فإن الصراع في منطقة بحر الصين الجنوبي سيكون صراعًا حول القوة والتجارة والأعمال بشكل مجرد.

يحاول كابلان أن ينقل للقارئ مدى الأهمية التي يحملها بحر الصين الجنوبي للصين، فيستعير من التاريخ مقاربة تشير إلى أن سلوك الصين الاستراتيجي في هذه المنطقة والبناء العسكري لقدراتها البحرية في مواجهة النفوذ الأميركي المباشر إنما يهدف في الأساس إلى خلق حالة مشابهة لتلك التي قامت بها الولايات المتحدة وفق ما عُرف حينه بعقيدة مونرو. فكما كانت الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر ترى أن منطقة الكاريبي قريبة منها وبعيدة عن أوروبا، كذلك ترى الصين أن منطقة بحر الصين الجنوبي قريبة منها وبعيدة كل البعد عن الولايات المتحدة، لكن مع فارق أنه في الحالة الأميركية كانت الدول حديثة الاستقلال في الكاريبي وأميركا اللاتينية تخشى أوروبا الاستعمارية وتتطلع إلى الولايات المتحدة ربما لدفع هذ الخطر على أمل أن تكون حصنًا منيعًا دون عودة الاستعمار، أما في الحالة الصينية، فإن الدول القريبة من الصين أكثر استقرارًا سياسيًا واقتصاديًا لكنها تخشى من تنامي قدرات الصين العسكرية ومن سعيها إلى الهيمنة، لذلك تتطلع إلى الولايات المتحدة كعامل موازن.

هذه الدول تخشى من دون شك الصعود العسكري للصين وتطوير الأخيرة لقدراتها البحرية على وجه الخصوص، صحيح أنها قد لا تخاف على المدى القصير عمليات غزو عسكري تقوم بها الصين، لكنها تخاف حتمًا من أن تصبح مضطرة في مرحلة ما للاعتراف بالهيمنة الصينية بدلاً من معارضتها. بمعنى آخر، هي تخشى ان تكون بمثابة فنلندا إبان الاتحاد السوفيتي، تشهد عملية القضم البطيء أو حتى التأثير الصيني على الوضع داخل هذه البلدان دون أن تكون بكين مضطرة إلى غزوها.

استراتيجية احتواء مع الديكتاتور الصالح

في أثناء حديثه عن الدول المحيطة ببحر الصين الجنوبي في عدد من الفصول، يبدو واضحًا تبني كابلان لفكرة جدلية في كون الأنظمة في هذه المنطقة استطاعت أن تعطي نموذجًا فريدًا للديكتاتور الصالح كماليزيا مهاتير محمد، وسنغافورة لي كوان، وحتى تايوان تشيانغ كاي تشيك والذين طوروا جميعًا في بلدانهم أنظمة هجينة ساعدت على خلق اقتصاديات ليبرالية وحديثة.

يرى كابلان في هذا السياق، أن ماليزيا وسنغافورة تتحركان قدمًا إلى الأمام لاسيما على الصعيد الاقتصادي عبر تقديم نموذج الدولة المدنية التجارية الحديثة والتي تعكس نفسها عبر خليط فريد من الديمقراطية والسلطوية. وهناك إندونيسيا ذات الديمغرافيا الإسلامية الضخمة والتي حافظت على تقليد شمولي في الحكم خلال العقود السابقة في عصر الحرب الباردة والتي من الممكن أن تتحول إلى هند أخرى في المنطقة عبر ديمقراطية قوية ومستقرة تستطيع أن تمنحها القدرة على إبراز قوتها من خلال اقتصادها المتنامي. وهناك فيتنام التي تسعى دومًا إلى تقارب عسكري دائم مع الولايات المتحدة الأميركية.

تقوم هذه الدول المحيطة ببحر الصين الجنوبي بصفقات تسلح واتفاقات عسكرية لمحاولة كبح جماح أي عدوان صيني، لكنها لن تكون قادرة على موازنة الصين إلا من خلال التواجد الأميركي في المنطقة، وهو أمر يرى كابلان أنه من الصعب على الولايات المتحدة المحافظة عليه على المدى البعيد خاصة في ظل التخفيض المستمر للموازنة العسكرية.

وقد شهدت هذه المنطقة بين الأعوام 2009 و2011، توقيع ما لا يقل عن 19 اتفاقية دفاعية، وأصبحت فيتنام جارة الصين مركزًا لعدد كبير من هذه الشراكات الدفاعية الجديدة التي ربطتها بالهند وكوريا الجنوبية واليابان والفلبين وماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وأستراليا. والكثير من هذه البلدان قام أيضًا بتوقيع اتفاقيات وترتيبات مماثلة فيما بينها.

يقول كابلان: إنه كلما سار الأمر كذلك بين هذه الدول، خفّ العبء الثقيل على الولايات المتحدة في تحمل المسؤوليات في تلك المنطقة وأصبح أكثر سهولة عليها تأمينها للجميع. لكنه في المقابل يشير إلى أنه لا يجب ان يكون لدى واشنطن أي وهم؛ فهذه الدول جميعها باستثناء اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا لا تمتلك القدرة العملانية لمواجهة أي تحد ينجم عن تطوير الصين لقدراتها العسكرية، علمًا بأن هذه الدول أيضًا بعيدة كل البعد عن القدرات العسكرية الأميركية فضلاً عن أنه وباستثناء فيتنام وأستراليا، لا تمتلك هذه الدول خبرة قتالية مفيدة خلال العقود الأخيرة.

ويرى المؤلف أن تخفيض الولايات المتحدة لالتزاماتها في الهادئ وترك الأمور لدول المنطقة نفسها لتحمل المزيد من الأعباء قد يكون ممكنًا على المدى البعيد وليس القصير، فأي إخلال بالالتزامات على المدى القصير لاسيما في التواجد البحري قد يؤدي إلى دفع دول مثل الصين والهند وروسيا، إلى أن تصبح أكثر عدائية تجاه بعضها البعض. كما أن تطوير جميع الدول المحيطة بالمنطقة لقدراتها البحرية سيجعل النشاطات البحرية أكثر مما كانت عليه مما يعني أن ذلك سيرفع من احتمال حصول اصطدام يؤدي إلى حرب  مستقبلاً، ناهيك عن أن أنصار الليبرالية والمحافظين الجدد وحتى الواقعيين التقليديين، جميعهم متفقون على ضرورة أن تحافظ الولايات المتحدة على توازن القوى في النصف الشرقي للكرة الأرضية.

يرى كابلان أن العلاقات الأميركية-الصينية هي أهم علاقات ثنائية في العالم على الإطلاق، وأنه من أجل أن تبقى هذه العلاقات صحية، فإنه من الأفضل لو قامت هذه الدول الآسيوية بمساعدة نفسها على موازنة الصعود العسكري الصيني المتنامي بدلاً من الاعتماد الكلي على القوة العارمة للولايات المتحدة الأميركية. ويعتبر المؤلف أن الطريقة المثلى لتحقيق ذلك عبر رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان".

الحرب ليست أمرًا محتومًا

بالرغم من أن كابلان لا يستبعد بشكل مطلق وقوع حرب في تلك المنطقة نتيجة الصراع الجيوبوليتيكي الحالي والذي سيتراكم مع الوقت، إلا أنه يرى أنها ليست أمرًا محتومًا؛ فهو ينقل نظرية ميرشامير عن أن المياه تشكّل عائقًا طبيعيًا بقدر ما تشكّل التضاريس القارية على اليابسة. كما أن البحر -وعلى عكس اليابسة- يعرف الحدود الطبيعية بشكل أكثر وضوحَا، وبالتالي يعطي القدرة على تخفيف النزاعات من حيث الاشتباك المباشر بين الأطراف. أضف إلى ذلك، أن هناك مسألة السرعة؛ ففي المياه، وعلى عكس الجو أو البر، فإن أسرع السفن الحربية تبحر بشكل أبطأ مما يُعتقد؛ ما يعطي الوقت اللازم للجهود الدبلوماسية (ساعات وربما أيامًا) لجميع الأطراف لتجنب الخطأ في الحسابات أو في المواجهات.

عامل آخر يجب أخذه بعين الاعتبار عندما نتحدث عن المياه؛ فالسفن وحتى الطائرات، لا تحتل الأراضي اليابسة كما تفعل الجيوش، كما أن منع الآخرين من توسيع حدود ملاحتهم في البحر سيكون أسهل بكثير من محاولة السيطرة عليها. ويتحدث كابلان عن تايوان في هذا المجال وكيف أن الصين قد تتمكن في النهاية من التفوق على تايوان إذا ما أرادت الدخول في حرب معها، وأن ذلك سيكون مختلفًا عن التحضير لغزوها وهو أمر بالغ الصعوبة من الناحية العملية نظرًا للمعطى المائي؛ لذلك فإن التركيز في القرن الحادي والعشرين في شرق آسيا سيكون حيث المياه (على عكس القرن العشرين الذي تركز في أوروبا حيث اليابسة)، وبالتالي سيحظى العالم بفرصة أفضل لتجنب المواجهات العسكرية.

يعتقد كابلان أن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين لن تكون مشحونة بالعداء والأيديولوجيا كما كانت عليه العلاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، فمن الواضح أن لدى الصين والولايات المتحدة توجهات استراتيجية مختلفة، وحقيقة أن الصين لا تزال حتى الآن تبدو في مسار صاعد وقوة عسكرية متراكمة سيجعل من الأمر أصعب لاحقًا، لكن يأمل كابلان في أن تكون آسيا البحرية وبحر الصين الجنوبي على وجه التحديد أكثر قابلية لمعادلة توازن القوى في القرن الحادي والعشرين مما كانت عليه القارة الأوروبية.

معطيات عن الكتاب
اسم الكتاب: غليان آسيا: بحر الصين الجنوبي ونهاية هادئ مستقر
المؤلف: روبرت دي كابلان
الناشر: راندوم هاوس
تاريخ النشر: 25 مارس/آذار 2014
اللغة: الإنجليزية
عدد الصفحات: 256 صفحة
مراجعة وعرض: علي حسين باكير/باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية
________________________________
علي حسين باكير، باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية.

الهوامش:

1)  انظر:

        http://www.stratfor.com/about/analysts/robert-kaplan

2) في موضوع إسرائيل ، انظر نفس المرجع السابق.

3) انظر إلى رابط المقالة أدناه على سبيل المثال، حيث ينتقد إريك إلمان (مستشار سياسي وكاتب إسرائيلي) روبرت كابلان الذي يبرر بطريقة أو بأخرى ما يقوله جون ميرشامير المعروف  بمعارضته الشديدة لدور اللوبي الإسرائيلي في أميركا، وطبيعة العلاقة بين البلدين.
     www.algemeiner.com/2012/01/13/robert-d-kaplans-intellectual-arrogance-and-moral-blindness /

4) انظر:
www.theatlantic.com/magazine/archive/2012/01/why-john-j-mearsheimer-is-right-about-some-things/308839/?single_page=true

ABOUT THE AUTHOR