التحولات السياسية في روسيا

يتناول هذا التقرير وضعية روسيا وهي تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي مع تغير الحكومات والمحاولات الانفصالية لبعض المناطق والأزمة الاقتصادية، فضلا عن تراكمات مشاكل العهد السوفياتي الذي انتهى إلى التفكك والاندثار.
19 November 2008
1_731541_1_34.jpg








 

إعداد/ د. لمى مضر الامارة


يمكننا القول إن الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين استلم السلطة في وقت كانت البلاد تعيش حالة من عدم الاستقرار السياسي، من تغير الحكومات في ظل الرئيس الأسبق بوريس يلتسين والمحاولات الانفصالية لبعض الجمهوريات التابعة للاتحاد الروسي، إلى ضنك الأزمة الاقتصادية عام 1998.


ولعل هذه المشاكل تعود في الأصل إلى تراكمات مشاكل العهد السوفياتي الذي انتهى إلى التفكك والاندثار، كما يمكن إرجاعها إلى طبيعة توجهات القادة الروس بعد تفكك الاتحاد السوفياتي واندفاعهم نحو الولايات المتحدة الأميركية والغرب، ظناً منهم بأن مثل هذا التوجه سيعود على روسيا بالمساعدات والدعم الاقتصادي.


لقد تم الوعي بهذه المشاكل في روسيا خلال الفترة الثانية من رئاسة يلتسين، وقد شرع في محاولة علاجها بطريقة منطقية، إلا أن الحالة الصحية المتردية للرئيس وما أشيع عنه من تعاطي المسكرات، حال دون تحقيق المستوى المطلوب من الإصلاحات التي تخدم الواقع الروسي.


ويمكننا القول إن بوتين استلم روسيا وهي في حالة انتقالية غير مستقرة تماماً، وهو ما استلزم منه انتهاج خط وطني صارم بغرض إصلاح الأوضاع، وتدارك الثغرات السابقة من حكم سلفه يلتسين. وبالفعل نجح إلى حد كبير في وقف التدهور والتخبط الذي عانت منهما روسيا على امتداد حقبة التسعينيات، واستطاع تكوين إدارة قوية للحكم.


وبدلا من تراجع دور روسيا دوليا، عادت تقوم بدور مؤثر نسبيا في عدة ملفات هامة معارضة الموقف الغربي، مثل ملف كوسوفو وملف البرنامج النووي الإيراني وغيرهما من الملفات الأخرى، إلى درجة أن مجلة تايمز الأميركية وصفت قيادة بوتين لروسيا بأنها "القيادة الناجحة في فرض الاستقرار على أمة لم تعرف الاستقرار لحقب طويلة، ونجحت في إعادة روسيا كقوة لها تأثيرها على الساحة الدولية". بيد أن التحدي الأساسي هو الإبقاء على استقرار هذه الدولة وعلى ما تحقق من نتائج جيدة بعد انتهاء فترة رئاسة بوتين الثانية. فوفقاً للدستور الروسي الذي أقر يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول 1993 ينتخب رئيس الدولة بواسطة الاقتراع الحر السري والمباشر لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط. وقد عمل بوتين فعلا على الالتزام ببنود الدستور وتجنب خرقه.





"
حقق بوتين بإحكام قبضته على روسيا هدفه الأساسي من إدخال الإصلاحات على نظام الدولة وإعادة بنائها بشكل قوي ومستقر
"
في جميع الأحوال، لقد حرص بوتين قبل خروجه من الكرملين على تدعيم مواقعه من خلال ضمان أغلبية برلمانية لحزب روسيا الموحدة الحاكم، الذي ساهم في تأسيسه وضمان تأثيره على القرار السياسي في البلاد من خلال شغل منصب رئيس الحكومة وقيامه بإضعاف مواقع مراكز القوى المالية والإعلامية المناهضة له. وقد قام بوتين بإجراء عدة خطوات للمحافظة على ما حققه من إنجازات، ومن بين هذه الخطوات:


  • إعلان بوتين الاثنين أول أكتوبر/ تشرين الأول 2007 أنه يعتزم قيادة حزب (روسيا الموحدة) في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ديسمبر/ كانون الأول 2007 بناءً على مقترح أعضاء حزب الوحدة الذي كان بوتين أحد المبادرين إلى تشكيله، قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية التي جرت في ديسمبر/ كانون الأول 1999 حيث ذكر في كلمة ألقاها خلال مؤتمر للحزب بالعاصمة موسكو ما يلي "أقبل بامتنان مقترحكم الخاص بترؤس قائمة حزب روسيا الموحدة في الانتخابات البرلمانية".



  • استطاع حزب روسيا الموحدة أن يحقق فوزا كبيراً في انتخابات مجلس الدوما (البرلمان) التي جرت يوم 2 ديسمبر/ كانون الأول 2007، إذ حصل على 315 مقعدا نيابيا من أصل 450، في حين نال الحزب الشيوعي 57 مقعدا، والحزب الليبرالي الديمقراطي 40 مقعدا، وحزب روسيا العادلة 38 مقعدا، الأمر الذي يعكس تأييد الكثير من الروس لجهود بوتين في إقامة دولة قوية مستقرة يكون لها وزن دولي يتناسب مع ما تتمتع به من إمكانيات هائلة، فضلا عن كونه يثبت الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها بين الروس.



  • حقق بوتين بإحكام قبضته على روسيا هدفه الأساسي من إدخال الإصلاحات على نظام الدولة وإعادة بنائها بشكل قوي ومستقر.



  • جرت انتخابات الرئاسة الجديدة في الثاني من مارس/ آذار 2008 وفاز فيها ديمتري ميدفيديف الذي رشحه حزب روسيا الموحدة رغم أنه ليس عضواً في الحزب، بعد حصوله على 70.28% من أصوات الناخبين. وقد تم هذا الفوز لسببين رئيسيين:




    • أولا: بفضل الدعم المباشر الذي حظي به ميدفيديف من الرئيس بوتين حيث ظهر معه في كافة الملصقات الانتخابية التي كتب عليها (نحن معاً سنفوز) فضلا عن تصريحات بوتين بكونه "يثق بقدرات ميدفيديف الذي عمل معه على مدى 17 عاما في مواصلة سياسته الإصلاحية".




    • ثانيا: ضعف المرشحين المنافسين؛ فغينادي زيوغانوف فشل في الفوز بالانتخابات الرئاسية التي خاضها ضد يلتسين ومن ثم بوتين، وقد يعود السبب إلى عدم رغبة الروس في العودة إلى ماضيهم الشيوعي فضلا عن عدم اقتناعهم بجدية ومنطقية البرامج المقدمة من قبله، وكذا الحال مع فلاديمير جيرنوفسكي. إذ يلاحظ أنهما قدما البرامج نفسها التي سبق وقدماها في الانتخابات السابقة التي فشلا في تحقيق أي فوز فيها. أما المرشحون الآخرون فهم من الضعف إلى الحد الذي لا يأخذهم أحد في الحسبان.






  • "
    يسود الاعتقاد أن بوتين اختار ميدفيديف لأنه يسهل السيطرة عليه، إذ يطمح الأول بأن تبقى الأمور تحت سيطرته ويظل الآمر الناهي من خلف ستارة
    "
    وهنا نطرح تساؤلا حول كل ما قيل ومازال يقال عن رغبة بوتين في الحفاظ على نفوذه وسلطته، وأنه يسعى إلى تعيين رئيس دولة يرضى عنه ليساعده في مواصلة بسط نفوذه على البلاد استعدادا للعودة إلى الكرملين في انتخابات عام 2012. هل القضية الأساسية عند بوتين البقاء في السلطة، أم إن غايته الأساسية مساعدة رئيس الدولة الجديد حتى يشتد ساعده، وليتأكد من استمرار النهج أو الخط العام نفسه الذي اتبعه بوتين واستطاع من خلاله أن ينهض بالبلاد.

    إجابة عن ما سبق طرحه من أسئلة يمكننا القول إن مصلحة روسيا تظل هي المحرك الأساس من وراء مثل هذا التوجه الذي اختاره بوتين، ولعل هذه المصلحة هي التي دفعت بالرئيس الأسبق بوريس يلتسين قبل ذلك للبحث عن شخص مناسب ليحل محله في رئاسة الدولة. ثمة شعور عميق عند بوتين بأن وجود رئيس ضعيف لا يخدم الوضع الروسي بتاتاً، وهو ما يستشف مما ذكره في أحد تصريحاته من أنه سيبذل قصارى جهده لضمان استقلالية وقوة الرئيس الجديد للبلاد "إنني لا أرغب في رؤية رئيس روسي ضعيف، سأكون عاملاً يمكن أن يعتمد عليه الرئيس القادم؛ ينبغي علينا التوصل إلى اتفاق حول كيفية أداء واجباتنا" واعداً بأنه سيبذل أقصى ما في وسعه لضمان استقلال وقوة الرئيس الجديد للدولة.


  • هذا الكلام يفهم منه أن بوتين سيبقى يلعب دورا مهما في الحياة السياسية لروسيا، وأقل ما يمكن أن يقدمه على هذا الصعيد هو خبرته وتجربته الممتدة ثماني سنوات متتالية قضاها كرئيس لجمهورية روسيا. فحتى لو لم يتم الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع رئيس الدولة الجديد، فإنه سيبقى كمستشار لرئيس الدولة فيما يخص السياسة الخارجية والداخلية ومجمل الأزمات التي تواجهها روسيا من قبيل أزمة الشيشان، والزحف الأميركي إلى الحدود الروسية من خلال تمدد حلف الناتو، والإرهاب الدولي، وغيرها من المشاكل الأخرى.



  • تسلم الرئيس الروسي الجديد مهامه في السابع من مايو/ أيار/ مايو 2008 ليصبح ثالث رئيس روسي في حقبة ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، بعد بوريس يلتسين (1991-1999) وفلاديمير بوتين (2000-2008). هذا وقد وصف الرئيس الجديد علاقاته مع بوتين بأنها علاقة صداقة وشراكة، معبرا عن ثقته في أن "التعاون المشترك بينه كرئيس للدولة وبوتين كرئيس للحكومة سيحقق نتائج إيجابية تعطي دفعة لتطور الدولة الروسية".



  • يسود الاعتقاد أن بوتين اختار ميدفيديف لأنه يسهل السيطرة عليه، إذ يطمح بوتين بأن تبقى الأمور تحت سيطرته ويظل الآمر الناهي من خلف ستارة. فأثناء سؤاله عن أبرز الخصال الواجب توفرها في المرشح للرئاسة الروسية أجاب بوتين بتلقائية "أي مرشح للرئاسة عليه أن يؤكد قبل انتخابه أنه لن يفسد أي شيء مما فعله بوتين لأجل روسيا". لكن رغم ما يقال من كلام مفاده أن ميدفيديف وبوتين وجهان لعملة واحدة، وأن الجديد سيكون امتداداً لما بدأه سلفه، فإنه من الطبيعي أن يترك ميدفيديف بصماته على السياسة الروسية الخارجية والداخلية، لأنه لا يستطيع أن يكون نسخة مطابقة لغيره، كما أن الموقع والوظيفة لابد أن يتركا بصماتهما على الشخص مهما كانت خصاله ومواصفاته.

    فمهما يكن من أمر، فلن يجد ميدفيديف مفرا من التمسك بالثوابت الروسية. يتضح هذا الأمر فعلا من خلال تعهده بأنه "سيستمر في الخط السياسي الذي انتهجه وينتهجه فلاديمير بوتين" مشيرا في نفس الوقت إلى أن روسيا تنتهج هذه السياسة منذ ثمانية أعوام، ومعرباً عن ثقته بأن عمله في فريق واحد مع بوتين سيكون مفيدا للبلاد.

    وقد أضاف الرئيس الجديد قائلا "أدرك جيدا مدى مبدئية الحفاظ على الاستقرار والحاجة إلى ضمان الاستمرار بالنسبة للبلد الذي يحتاج إلى تطور مطرد على مدى عقود" مؤكداً في الوقت نفسه، أنه لا ينوي إعادة النظر في صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، مشيرا إلى أن لا أحد ينوي إعادة توزيع السلطات بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة.

    وقد أكد ميدفيديف أن سياسة روسيا الخارجية ستبقى مستقلة وتركز على حماية المصالح الروسية في إطار القانون الدولي العام، أملاً في العمل "بانسجام تام مع بوتين كرئيس للوزراء".


حياة ديمتري أناتولييفيتش ميدفيديف


ولد ديمتري ميدفيديف في الرابع عشر من سبتمبر/ أيلول 1965 في ليننغراد (سانت بطرسبرغ حالياً وهو اسم المدينة الأصلي) من أب كان أستاذا بالهندسة وأم كانت تدرس اللغات. وتخرج في كلية الحقوق بجامعة ليننغراد عام 1987 ثم حصل على شهادة الدكتوراه في القانون الخاص من الجامعة نفسها عام 1990.


وعمل محاضراً بالجامعة التي تخرج فيها (وقد تغير اسمها فيما بعد إلى جامعة بطرسبرغ) لمدة تسع سنوات متتالية (من عام 1990 حتى عام 1999) وهي الجامعة نفسها التي درس وتخرج فيها بوتين قبل أن يلتحق بجهاز الاستخبارات الروسي (كي بي جي) عام 1975.


جذور العلاقة بين بوتين وميديفيديف



"
يعتبر ميدفيديف من قادة الجناح الليبرالي في الكرملين وهو من الجيل الجديد من القادة السياسيين الذين لم يعاصروا حقبة الاتحاد السوفياتي خلال ممارستهم لأعمالهم السياسية
"
عندما عاد بوتين إلى بطرسبرغ مطلع عام 1990 كضابط احتياط برتبة مقدم، توظف في الجامعة التي كان قد تخرج فيها بصفة مساعد رئيسها للشؤون الدولية، وهي نفس السنة التي عمل بها ميدفيديف في نفس الجامعة كأستاذ محاضر.

كما أن ميدفيديف اشتغل مستشاراً لرئيس المجلس التشريعي بالمدينة، ومستشاراً قانونياً بلجنة العلاقات الخارجية التي كان يرأسها بوتين بمكتب عمدة المدينة (اناتولي سوبشاك) منذ عام 1990 حتى 1995، ومنذ ذلك الحين بدأت الصداقة بين الرجلين تتوثق. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1993 انضم ميدفيديف إلى شركة مشاريع إيليم بالب مديرا للشؤون القانونية حتى عام 1999، وهي تعد من الشركات المهمة والضخمة.


بعد ثلاثة أشهر من تولي بوتين رئاسة الوزراء (أي في نوفمبر/ تشرين الثاني 1999) استدعى ميدفيديف ليلتحق بطاقم الموظفين التابعين لبوتين، وبعد شهر فقط من تولي بوتين مهمة الرئيس بالوكالة، عين ميدفيديف نائباً لمدير ديوان الحكومة حيث تولى إدارة شؤون موظفي طاقم بوتين وتنظيم مواعيده وجولاته، ورقي عام 2000 ليصبح النائب الأول لمدير ديوان الرئاسة. كما تولى إدارة حملة بوتين الانتخابية الرئاسية التي أجريت في مارس/ آذار 2000.


وفي يونيو/ حزيران من العام نفسه انتخب رئيسا لإدارة شركة غازبروم العملاقة. خلال الفترة من 2001 إلى 2003 تم تكليف ميدفيديف بمشروعات خاصة إلى جانب مسؤولياته اليومية في الكرملين، وقد شملت هذه المهام رئاسة لجنة مراقبة صياغة وسن إطار تشريعي حول إصلاح الخدمة المدنية، والسعي لإيجاد أفضل السبل للإشراف على النظام القضائي، كما ساعد ميدفيديف بوتين في إنهاء الانتخابات الشعبية لحكام الأقاليم وتمرير قوانين أخرى تعزز قبضة الكرملين على السياسات، وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2003 عين رئيسا للديوان الرئاسي.


يوم 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2005 تمت ترقية ميدفيديف نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، وأنيطت به مهمة محددة ألا وهي الارتفاع بمستوى حياة كل فرد من أفراد المجتمع الروسي. كما تم تعينه أيضاً نائباً أول لرئيس مجلس تنفيذ المشاريع القومية المهمة التابع لمكتب الرئاسة، قبل أن يصبح رئيساً لمجلس تنفيذ المشاريع القومية التي تركز على المشاريع الزراعية والصناعية والثقافية والصحية.


وقد بذل جهدا كبيرا في إنعاش قانون الولادات في روسيا وتطويره. وفي العاشر من ديسمبر/ كانون الأول 2007 أعلن بوتين ترشيح ميدفيديف لرئاسة الجمهورية.


أهم صفاته
يعرف عن ميدفيديف أنه من التكنوقراط الخبراء بالأمور الاقتصادية، وكان هذا واضحاً عندما تسلم رئاسة المجلس المسؤول عن تنفيذ المشاريع الوطنية الكبرى، ومنها الإشراف على حملة توزيع عائدات بيع الغاز الروسي على مشاريع تحسين قطاعات الصحة العامة والإسكان والزراعة والتعليم والخدمات الاجتماعية.

ويعتبر ميدفيديف من قادة الجناح الليبرالي في الكرملين، وهو من الجيل الجديد من القادة السياسيين الذين لم يعاصروا حقبة الاتحاد السوفياتي خلال ممارستهم أعمالهم السياسية، ولم يحسب على أجهزة الاستخبارات السوفياتية سابقاً (كي جي بي) أو ما يسمى جهاز الأمن الفيدرالي حالياً، لأنه لم ينخرط في العمل ألاستخباري أبداً. ولا يوجد دليل على أن ميدفيديف عمل لصالح أجهزة أمن الدولة.


كوّن ميدفيديف لنفسه صورة الليبرالي الكلاسيكي في زمن تسود فيه المشاعر القومية المناهضة للغرب؛ فقد اعترف مثلا وفي مرات عدة بأن روسيا تواجه مشاكل الاعتماد المفرط على صادراتها من الغاز الطبيعي، والفساد وتدني الكثافة السكانية. ورغم أنه رئيس لثاني أكبر شركة مملوكة للدولة بالعالم وهي غاز بروم، فإنه يعارض سياسة تملك الدولة للشركات ويفضل الخصخصة، كما يدعو إلى ضرورة أن تكون القوانين التي تحد من دخول الأجانب إلى القطاعات الإستراتيجية الاقتصادية الروسية مثل الطاقة والموارد الطبيعية، واضحة ومتوازنة.


أهم توجهاته وأفكاره



"
تعهد ميدفيديف بمواصلة سياسة بوتين الخارجية الرامية لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب وإيلاء أهمية خاصة للعلاقات ببلدان كومنولث الدول المستقلة السوفياتية سابقا ودعم صربيا في الموقف من استقلال كوسوفو
"
على الصعيد الداخلي قاد ميدفيديف حملته الانتخابية تحت شعار مواصلة تنفيذ برنامج بوتين الرامي لجعل روسيا قوة يعتد بها على كافة الأصعدة وتحسين مستوى حياة سكانها ومستوياتهم المعيشية، وصيانة الاستقرار السياسي بالبلاد.

كما أنه يعد مدافعا قويا عن صيانة وحدة أراضي روسيا والدفاع عن حريات وحقوق مواطنيها، فقد أكد مثلا "إننا لا نريد أن نتوقف عند الحد الذي وصلنا إليه اليوم، فلدينا الكثير من المشاكل التي لم نتمكن من حلها حتى الآن، والشرط الرئيسي لمعالجتها يكمن في ضمان الاستقرار السياسي" مضيفاً أنه "من المهم أن يتقدم بلدنا كل يوم في جميع المجالات، وبالذات في المجال الاقتصادي".

وقد ذكر مديفيديف في المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس) في ديسمبر/ كانون الأول 2007 بقوله "إننا نؤمن ونهدف إلى خلق علاقات متينة وواسعة النطاق بين روسيا والمستثمرين الروس والأجانب، وندعو وندعم رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في روسيا لغرض المساعدة في الاستثمار وللاستفادة من نقل خبراتهم إلى داخل روسيا". ويقول مصرفيون في مجال الاستثمار إن ميدفيديف أظهر سلطة في الكرملين من خلال إجرائه إصلاحا جوهريا لغاز بروم سمح للدولة بتعزيز سيطرتها، ولكن في الوقت نفسه فتح المجال أمام الأجانب لتملك أسهم الشركة.

كان ميدفيديف قد قدم يوم 15 فبراير/ شباط 2008 تقريرا إلى منتدى كراسنويارسك الاقتصادي تضمن برنامج التنمية الاقتصادية للبلاد للسنوات الأربع المقبلة. وجاء في التقرير إنه سيتولى حل أهم المشاكل الاقتصادية في البلاد من خلال سيره في أربعة اتجاهات، وهي مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، والبنى التحتية، والابتكارات، والاستثمارات. أما عن المسائل الأساسية التي يتوجب على روسيا حلها في غضون السنوات الأربع المقبلة -حسب رأي ميدفيديف- فهي على النحو الآتي ذكره:




  1. خفض الحواجز الإدارية بشكل كبير والتأكيد على التوعية العامة باحترام القوانين.


  2. تحديث البنى التحتية بالاعتماد على تطبيق الابتكارات العلمية والمستحدثات التكنولوجية. 


  3. تنفيذ برنامج التنمية الاجتماعية في البلاد وتخفيف العبء الضريبي لتحفيز الابتكارات وتشجيع الاستثمارات في الموارد البشرية؛ ويعتبر اقتراح ميدفيديف فيما يتعلق بخفض الضرائب من أجل التوصل إلى النمو التحديثي للاقتصاد (على حساب إدخال الابتكارات العلمية التقنية الحديثة) الهدف الأساسي للبرنامج من وجهة النظر الاقتصادية.


  4. بناء نظام مالي مستقل وتحويل الروبل إلى إحدى العملات الاحتياطية الإقليمية.

وفي هذا السياق اقترح ميدفيديف تبني قانون حول مواعيد التحول إلى نسبة مخفضة وموحدة لضريبة القيمة المضافة.


أما على الصعيد الخارجي، فقد تعهد بأنه سيواصل سياسة بوتين الخارجية الرامية لبناء نظام دولي متعدد الأقطاب، وأنه سيولي أهمية خاصة للعلاقات ببلدان كومنولث الدول المستقلة السوفياتية سابقا ويدعم صربيا في الموقف من استقلال كوسوفو.

وأضاف "أود أن أؤكد أن رابطة الدول المستقلة كانت ومازالت وستبقى الأولوية السياسية الخارجية والاقتصادية الروسية الرئيسية" مؤكداً أنه لا يوجد بديل أمام بلدان وشعوب الرابطة سوى حسن الجوار وتطوير التعاون فيما بينها. فأهمية الدول التي كانت خاضعة للاتحاد السوفياتي من جهة المصالح الروسية، تدفعها للدفاع عنها بكل الوسائل. وقد أكد أنه سيتوجه في أول زيارة خارجية يقوم بها كرئيس لروسيا إلى أحد البلدان السوفياتية سابقا.


واعتماداً على تصريح ميدفيديف، فإنه سيؤمن استمرارية النهج السياسي الذي سار عليه الرئيس فلاديمير بوتين.



أهم توجهات الرئيس بوتين داخليا وخارجيا







  • "
    يرى بوتين أن أي اقتراب من الحدود الروسية أو إقامة قواعد عسكرية في الدول التي كانت خاضعة للنفوذ السوفيتي هو تهديد مباشر للأمن القومي الروسي يستلزم التصدي له بكل الوسائل

    "
    أولاً: الحفاظ على الأمن القومي ووحدة الأراضي الروسية من التهديدات الداخلية والخارجية، وذلك من خلال تأكيده الحاجة لتحسين القدرات القتالية للجيش الروسي من أجل حماية الأمن القومي. لقد ذكر بوتين أن الأمن القومي الدائم شرط جوهري لاستقرار روسيا، وحتى تكون حياة المواطنين سلمية وبناءة، وعنصرًا أساسيا في التنمية الداخلية. كما دعا الجيش الروسي إلى إعداد نفسه لمواجهة أي تهديد يتراوح بين "عمل إرهابي أو صراع محلي أو حتى عدوان مباشر (إن جيشاً وقوات بحرية قادرة على القتال هما عاملان حاسمان بالنسبة للأمن القومي) فقد أمر بوتين القوات المسلحة بأن "تتحلى بالقدرة على التحرك والحرفية بكل معنى الكلمة وأن تكون مزودة بالجيل الجديد من الأسلحة لتلبية المتطلبات العصرية". ودعا إلى "ضرورة التطلع إلى المستقبل للكفاح من أجل مستقبل البشرية والكفاح على وجه الخصوص ضد الإرهاب." فروسيا "تستعد بجدية للقيام بإجراءات وقائية ضد الإرهابيين"؛ كما أكدً أن هذه الإجراءات تتماشى والمعايير التشريعية والقانون الدولي. الحقيقة إن في هذا الأمر ما يدل على سلوك سياسة العصا والجزرة، أو الترغيب والترهيب التي ينهجها بوتين. فمن جهة أولى، يتقدم مثلا بمشروع قانون لمجلس الدوما يدعو للعفو عن "المتمردين" الشيشان الذين يقومون طواعية بإلقاء السلاح ووقف العمليات "الإرهابية" وتعليق عضويتهم في "المنظمات الإرهابية"؛ ومن جهة ثانية يوعز بضرب أوكار القادة الشيشان المطالبين بالانفصال.

    كما يرى بوتين أن أي اقتراب من الحدود الروسية أو إقامة قواعد عسكرية في الدول التي كانت خاضعة للنفوذ السوفياتي هو تهديد مباشر للأمن القومي يستلزم التصدي له بكل الوسائل؛ وقد صرح بما يلي "لقد توفرت مسوغات كبيرة أخرى للذود بصلابة أكثر عن مصالح روسيا. فروسيا ستكون مضطرة لإجراء تغييرات في تصويب الصواريخ في حالة نشر عناصر المنظومة الأميركية للدفاع المضاد للصواريخ في أوروبا الشرقية، وانضمام أوكرانيا وجورجيا إلى الناتو". ومن جانب آخر نلاحظ التلميحات الروسية للاعتراف باستقلال بعض الأقاليم داخل جورجيا في خطوة تهدف إلى إقناع (أو الضغط على) جورجيا بأن تفكر مليا قبل الإقدام على أية خطوة عملية تفضي إلى الانضمام إلى حلف الناتو، كما يجب على حلف شمال الأطلسي أن يفكر في انعكاسات مثل هذه التحذيرات. فقادة الناتو يدركون أن ترشيح جورجيا للانضمام إلى الحلف سيطلق يد روسيا للاعتراف باستقلال جمهوريتين معلنتين من جانب واحد في القوقاز وهو ما قد يؤدي إلى عواقب دولية أكثر خطورة مما أدى إليه الاعتراف باستقلال إقليم كوسوفو في البلقان.



  • ثانياً: الدفاع عن المصالح القومية الروسية: اعتبر بوتين الدفاع عن المصالح القومية على رأس مهماته الإستراتيجية، وحثّ المواطنين الروس على الاتحاد قائلاً "حينما نكون متحدين فقط نستطيع جعل روسيا قوة اقتصادية كبرى، ودولة ديمقراطية مفتوحة على العالم". فعلى الصعيد السياسي سعى بوتين إلى الحفاظ على هيبة ومكانة روسا الدولية من خلال وقف التدهور والتخبط الذين عانت منهما منذ نهاية حقبة التسعينيات، كما استطاع تكوين إدارة قوية لفرض النظام والانسجام العام في البلد. وبدلا من تراجع دور روسيا دوليا عادت لتلعب مجددا دورا مؤثراً نسبيا، وقد ظهر حضور موسكو في عدة ملفات هامة تعارض فيها الموقف الغربي مثل ملف كوسوفو وملف البرنامج النووي الإيراني.

    تعد مهمة تأمين الظروف المناسبة للتطور الاقتصادي للبلد من بين أولويات السياسة الداخلية الروسية في عهد بوتين، وقد كان من نتائج ذلك مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وتحسين أحوال الروس المعيشية بصورة ملحوظة. فقد كان السعي لمضاعفة الناتج القومي خلال عشر سنوات من حكم بوتين ومحاربة الفقر ثم تطوير القوات المسلحة بحيث تستطيع الدفاع بجدارة عن مستقبل روسيا الاتحادية على رأس السياسة الروسية.

    وقد أسفرت سياسة الاستقرار المالي التي اتبعت السنوات الأخيرة على حساب فائض الإيرادات من تصدير الخامات، عن نتائج ملموسة تمثلت في تخلص البلاد من عبء الديون الخارجية الكبيرة، وارتفاع احتياطي المصرف المركزي الروسي وموارد صندوق الاستقرار وصندوق الرفاهية، أي ضمان ما يمكن تسميته "وسادة الأمان" التي من شأنها حماية البلاد من أزمات دولية مالية. ويمكن إرجاع هذه المكاسب للنهج الذي اتبعه بوتين من خلال إعادة سيطرة الدولة على مجموعة من القطاعات الهامة خاصة قطاع النفط والغاز، وهو أمر يُعد عدولا عن النهج الذي اتبعه يلتسن في بداية التسعينيات والذي يقوم على أساس العلاج بالصدمة واتباع سياسة الخصخصة، حيث منحت عمليات الخصخصة في التسعينيات أصولاً قيّمة بأسعار زهيدة لدائرة ضيقة من رجال الأعمال، وهو أمر أدركه بوتين وحاول معالجته أثناء فترة حكمه. وعلى صعيد آخر فقد سعى بوتين عبر مبيعات الأسلحة إلى الخارج وبصورة رسمية، وبيع مفاعلات الطاقة النووية، إلى جني العملة الصعبة والحفاظ على القدرات الصناعية والبحثية لروسيا، وبالنتيجة تأكيد نفوذها وهيبتها على الصعيد العالمي.

    وبالطبع فإن التقارب بين روسيا الاتحادية وبين الدول ذات السياسات المضادة لسياسات الولايات المتحدة يندرج في إطار المسعى الروسي المذكور، أي أن هذا التقارب ليس مقصودا لذاته فقط بقدر ما يشكل أداة روسية للضغط على الولايات المتحدة.



  • ثالثاً: تعزيز القدرات الروسية من خلال التركيز على دور السلاح النووي لمستقبل الأمن القومي الروسي بإدامة هامش من الردع يضمن سلامة الاتحاد الروسي، ومن ذلك امتلاك عامل الردع النووي، واعتبار أن قوة روسيا النووية يجب أن تبقى قادرة على ضمان تدمير وتحطيم أي عدوان محتمل قد تتعرض له البلاد. يقول بوتين في هذا الصدد "إن المحافظة على التوازن الإستراتيجي تعني أن قوات الردع الإستراتيجية يجب أن تكون قادرة على تدمير أي عدوان محتمل، بصرف النظر عن نظم الأسلحة الحديثة التي يتمتع بها المعتدي، لن نظل نقارن بين كميات الأسلحة الإستراتيجية في مجال القوة النووية، كما كنا نفعل منذ عقود" ففي العالم الحالي، تبدو "نوعية الأسلحة أكثر أهمية من عدد الرؤوس النووية".



  • رابعاً: الحفاظ على القيم والتراث الروسي وضرورة مجاراة متطلبات العصر من ديمقراطية وحقوق إنسان. ويوصف بوتين بأنه ليس ديمقراطيا بالشكل الذي يعرفه الغرب، وليس مناضلا في سبيل حرية التعبير، وإنما هدفه الأول هو استقرار الدولة، وهذا الهدف أهم عنده من الحرية. لقد ركزً بوتين فعلا على تعزيز حكم القانون ونظام العدالة الروسي إضافة إلى تركيزه على حماية المواطنين من الانتهاكات الناجمة عن البيروقراطية الفاسدة. ويؤكد بوتين في هذا الصدد على أن "أولوية السياسة الرئيسية هي استمرار تطور البلاد باعتبارها دولة ديمقراطية وحرة تلتزم بالقيم والمُثل الأوروبية" ويضيف "نحن دولة حرة ولن يتحدد وضعنا في العالم الحديث إلا بمدى نجاحنا وقوتنا". غير أنه ترك المجال مفتوحاً أمام إمكانية تعريف روسيا للديمقراطية بصورة مختلفة عن تعريف الغرب لها "يجب على روسيا أن تصون قيمها الخاصة وتحميها، وأن تلتزم بميراثها، وتجد طريقها إلى الديمقراطية". كما أوضح أن "أي محاولة لتغيير روسيا بالطرق غير القانونية ستواجه بمعارضة صارمة وشديدة". وأكد أن روسيا "لن تتسامح مع أي محاولة لتغيير الحكم في روسيا مشابهة لما حدث في بعض الجمهوريات السوفياتية السابقة كأوكرانيا مثلاً".



  • خامساً: تطوير العلاقات مع الدول المشاركة في رابطة الدول المستقلة. فقد انطلق بوتين في هذا المجال مشيرا إلى أن عدة ملايين من سكان دول الرابطة يجدون العمل في روسيا مما يؤكد كونها باتت مجالا مغريا للعمل. وأكد ضرورة توطيد التعاون مع دول الرابطة على جميع المستويات خاصة الجوانب الإنسانية والاقتصادية والأمنية؛ كما أكد في كلمة ألقاها في القمة غير الرسمية لزعماء رابطة الدول المستقلة أن السياسة الخارجية الروسية في منطقة الرابطة لن تتغير في حال فوز ميدفيديف.



  • سادساً: الدعوة إلى إقامة عالم متعدد الأقطاب، والرفض الحازم لعالم يحكمه قطب واحد، حيث ذكر الرئيس بوتين أن "تحديات وتهديدات جديدة للمصالح القومية لروسيا قد بدأت تظهر على الصعيد العالم؛ فهنالك سعي متزايد نحو تأسيس هيكلية عالمية أحادية القطبية تسيطر بموجبها الولايات المتحدة عسكريا واقتصاديا على العالم باستخدام القوة. إن روسيا ستسعى لتحقيق نظام عالمي متعدد الأقطاب يمكنه أن يعكس فعلا التنوع الموجود في العالم الحديث بمصالحه المتنوعة الكبيرة". ويضيف "إن إستراتيجية الفعل المنفرد يمكن أن تؤدي إلى الإخلال باستقرار الوضع الدولي وتشجع سباق التسلح وتسيء للعلاقات المتبادلة بين الدول" ضارباً مثلا على ذلك من تطورات الوضع في العراق "لقد أظهرت التجارب أنه ليس بمقدور أي بلد حتى وإن كان قويا جدا حل هذه المشكلة أو تلك بشكل انفرادي".



  • سابعاً: التركيز على تفعيل دور الأمم المتحدة لحل الأزمات الدولية انطلاقاً من إيمان بوتين بفكرة الجهود الجماعية لنزع فتيل النزاعات في كل مناطق العالم المتأزمة. ويستند منطقه هذا إلى العمل على ألا تؤدي النزاعات المحلية أو الإقليمية إلى حدوث مواجهة أو خلق توتر بين القوى الكبرى. فبوتين يعيد التأكيد باستمرار على ضرورة إعطاء الأمم المتحدة دورا فاعلا في الساحة الدولية ويظهر دعما كبيرا لإجماع واسع في الأمم المتحدة حول إعطاء دور أكثر فعالية للأمين العام في حل الخلافات، والتعاون مع المنظمات الإقليمية لخلق بيئة أفضل للمفاوضات، إذ يذكر بأن "استخدام وسائل القوة، مع تجاوز للآلية الشرعية الدولية الراهنة، سيؤدي إلى تخريب أسس القانون والنظام الدوليين. ونطمح إلى أن تبقى الأمم المتحدة المركز الرئيس في تنظيم العلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين، وستبقى روسيا الاتحادية تقاوم بحزم المحاولات الهادفة لتقليل دور الأمم المتحدة ومجلس الأمن في الشؤون الدولية". وتبدو دعوة بوتين إلى ضرورة اللجوء إلى الأمم المتحدة وسيلة لتجاوز سلبية تراجع الدور الروسي دوليا، وذلك من خلال الاستفادة من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن لصيانة مصالحها والدفاع عنها؛ وتجدر الإشارة هنا إلى أن التلويح بالعضوية الدائمة وما تمخض عنها من قدرة روسيا الاتحادية على إجهاض الميل الأميركي للاستفراد بالقرار يُعد مشابها لسعي الاتحاد السوفياتي السابق إلى توظيف موقعه بمجلس الأمن في الاتجاه الذي يخدم مصالحه، أي توظيف حق النقض (فيتو) المسند بالهيبة والمكانة الدولية التي كان الاتحاد السوفياتي يتمتع بها. وعلى ما يبدو تحاول روسيا اليوم إيجاد "لعبة توازن" مع الولايات المتحدة "لأنها لا تريد مزيدا من تأزيم العلاقات بين البلدين".



  • ثامناً: إقامة علاقات دولية على أسس مصلحية، وهو أمر يمكننا ملاحظته من خلال استقراء بعض أقوال بوتين، ومنها ما يؤكد أن "روسيا تسعى إلى بناء سياسة خارجية ذات مزايا مشتركة لمختلف الأطراف المتعاونة فيما بينها. إن هذه السياسة ذات شفافية قصوى تأخذ بعين الاعتبار المصالح المشروعة للدول الأخرى وتهدف إلى التوصل إلى قرارات مشتركة تخدم مصالح كل الأطراف" وهو أمر يدل على الخط الدبلوماسي الجديد الذي انتهجته روسيا في عصر العولمة وحرية الأسواق.



  • تاسعاً: إقرار السلام العالمي وتجنب النزاعات العسكرية والتأكيد على مبدأ التعاون والصداقة مع شعوب ودول العالم كافة، مشيراً إلى أهمية الخط الإستراتيجي في التعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. يقول بوتين "لم تعد روسيا والولايات المتحدة تتبادلان الأحقاد، وهذا سيعطي فرصة للتخلص معاً مما كان مصدر رعب للعالم بأسره. إن الدولتين لم تعودا بحاجة إلى أن تخيف الواحدة الأخرى للتوصل إلى اتفاق، وإن كتل الحديد لا تضمن الأمن، بل الإرادة السياسية للشعوب وكذا الدول وقادتها". كما أن التوسط في حل الأزمات الدولية للحيلولة دون تفاقم الصراعات القائمة وحلها بالطرق السلمية، دون اللجوء إلى القوة العسكرية، كان من ضمن الأمور التي اهتم بها بوتين "إن روسيا مهتمة بنظام مستقر للعلاقات الدولية يرتكز على مبادئ العدالة والاحترام المتبادل والتعاون المفيد والمشترك، وضرورة التركيز على الوسائل السياسية والدبلوماسية لحل أي خلافات تحدث ما بين الدول". وفي الوقت نفسه يؤكد ما يلي "إن قدرات الدفاع الروسية كانت وما تزال جزءاً مركباً من الأمن الدولي، ومعروف تاريخياً أن روسيا تحملت مسؤوليات خاصة إزاء الاستقرار والأمن العالميين في مختلف أرجاء المعمورة".


وفي الختام يمكن الاستنتاج أن ما يتطلع إلى تحقيقه ميدفيديف يتمحور حول:




  1. الاسترشاد بالقيم الحضارية مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التدبير الاقتصادي وتنوع الملكية، وضرورة وجود الدولة القوية القادرة على الدفاع عن الوطن والمواطن. 


  2. حصول البلاد على الاستقرار من خلال تحقيق سياسة التنمية دون إبطاء، ومن خلال مراقبة العمليات الجارية في الحياة الاقتصادية وضبطها.


  3. التأكيد على خروج روسيا من ماضيها الشيوعي إلى غير رجعة.


  4. التحرك على الساحة الدولية من منطلق احتفاظ روسيا بمكانتها كأكبر قوة أوروبية.

_______________
كلية العلوم السياسية/ جامعة النهرين، وقد تم إعداد التقرير بتاريخ 9 أبريل/ نيسان 2008.