استطلاع الرأي العام العربي لسنة 2008

صدر هذا الاستطلاع عن كرسي أنور السادات للسلام والتنمية بجامعة ماريلاند وبالتعاون مع مؤسسة الزغبي الدولية وهو جزء من الاستطلاع السنوي الذي يشرف على إنجازه أستاذ كرسي أنور السادات والتنمية في جامعة ماريلاند الباحث شبلي تلحمي.
21 November 2008
1_515495_1_34.jpg








صدر هذا الاستطلاع عن "كرسي أنور السادات للسلام والتنمية"، جامعة ماريلاند بالتعاون مع مؤسسة الزغبي الدولية في 21 مايو/أيار 2008.


تقديم/ د. خالد حاجي












خالد حاجي
حمل استطلاع الرأي العام العربي لسنة 2008 -وهو جزء من الاستطلاع السنوي الذي يشرف على إنجازه أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ماريلاند الباحث شبلي تلحمي- جملة من النتائج المعبرة، من أبرزها:


  1. 61% من المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن انسحاب أميركا من العراق سيوفر فرصة للسلام ونبذ الخلافات القائمة بين الفرقاء في هذا البلد.


  2. أن غالبية العرب لا يرون أن إيران تشكل تهديدا للمنطقة العربية، و44% من المستطلعة آراؤهم يرون أن حصول إيران على أسلحة نووية قد يكون له آثار إيجابية على المنطقة.


  3. يولي الرأي العام العربي بنسبة 86% الأولوية للقضية الفلسطينية ويصنفها في خانة أهم القضايا إطلاقا أو على الأقل ضمن أهم ثلاث قضايا يعينها المستطلعة آراؤهم.


  4. فيما يتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني، فعدد المتعاطفين مع منظمة فتح 8%، في مقابل 18% مع حماس، و38% معهما معا. وبخصوص ما حدث في فلسطين من مشاكل بين الطرفين، يعتبر 15% أن المخطئ هو حماس، بينما يعتبر 23% أن السلطة المعينة من طرف محمود عباس هي المخطئة، ويذهب 38% من الرأي العام العربي إلى إدانتهما معا فيما حدث.


  5. بخصوص الأزمة اللبنانية عبر 9% من المستطلعة آراؤهم عن تعاطفهم مع الأغلبية الحاكمة، في مقابل 30% مع حزب الله.


  6. بالنسبة لشعبية الزعماء العرب والمسلمين، لا تزال شعبية حسن نصر الله في تصاعد، بحيث حظي بـ26% من الرأي العام العربي، ويأتي بعده الرئيس السوري بشار الأسد بنسبة 16%، مقارنة مع 2% لفائدة الرئيس الليبي معمر القذافي.


  7. وبخصوص الموقف من الولايات المتحدة الأميركية فقد عبر 83% من الرأي العام العربي عن موقف سلبي من هذا البلد، كما أن 70% لا يثقون في الولايات المتحدة الأميركية.


  8. لا تزال فرنسا تتمتع بشعبية لدى الرأي العام العربي، كما أن الصين تزداد شعبية، في مقابل باكستان التي انخفضت شعبيتها.


  9. وبخصوص الإعلام تظل الجزيرة هي الرائدة لدى 53% من الرأي العام العربي، وتليها القنوات المصرية مجتمعة بـ17%، ثم العربية بـ9%. أما قناة الحرة فلا تشاهدها إلا نسبة 2% من المستطلعة آراؤهم.


إن هذا الاستطلاع، وإن كانت صياغة أسئلته تعبر عن توجهات أصحابه الفكرية واقتناعاتهم السياسية، فهو لا يخلو من قيمة علمية حقيقية. فنتائج الاستطلاع تعكس حالة الوعي العربي، كما تجلي مجموعة من الحقائق المتعلقة لا بواقع المنطقة العربية السياسي فحسب، بل بنظرة أبناء المنطقة إلى ذاتهم وعلاقة هذه الذات مع العالم الخارجي والقوى المؤثرة فيه. ولئن كانت الأرقام والنسب المتضمنة في الاستطلاع غاية في الأهمية، فإن قراءة هذه الأرقام وهذه النسب قد تتمتع بأهمية أكبر بالنظر إلى ما تنطوي عليه من دلالات صريحة، نجملها في النقاط التالية:




  • أميركا والعالم العربي:
    بالرغم من كل الجهود المبذولة من طرف الإدارة الأميركية من أجل تحسين صورة أميركا لدى العالم العربي، فإن ذلك لم يزد الرأي العام العربي إلا نفورا منها. فالرأي العام العربي لا يثق في الإدارة الأميركية ولا في سياسييها. وقد ظل موقف الرأي العام العربي سلبيا من الحكومة الأميركية، والواضح أنه لا يتفاعل مع دعوات هذه الحكومة المتكررة إلى إصلاح العالم العربي وترسيخ الديمقراطية فيه، ويعتبر نفسه غير معني بهذه الدعوات ولا طرفا شريكا في إنجاح هذه الإصلاحات. ولعل ما يزيد صورة أميركا تهشما في نظر الرأي العام العربي هو مغامراتها العسكرية في العراق. تدل أرقام الاستطلاع على أن هذا الرأي العام يعتبر أميركا جزءا من مشكلة العراقيين وليس جزءا من الحل، لذلك فأغلبية المستطلعة آراؤهم يرون ضرورة رحيل الاحتلال الأميركي كي تتحسن أوضاع العراق.


  • إيران والعالم العربي:
    تؤكد نتائج الاستطلاع أن موقف الرأي العام العربي من إيران ليس موقفا سلبيا، حيث إن غالبية المستطلعة آراؤهم لا يرون في هذا البلد تهديدا لاستقرار المنطقة العربية، بقدر ما هي عليه إسرائيل وأميركا. ويذهب عدد كبير من المستطلعة آراؤهم إلى حد اعتبار أن السلاح النووي الإيراني لن يزيد المنطقة إلا تحصينا وقوة، وهذا على خلاف كبير مع ما يشاع من وجود تخوفات من أن تصير إيران قوة نووية. ويجلي هذا الموقف من إيران نقطة مهمة مفادها أن الرأي العام العربي يختلف اختلافا جذريا عن رأي النخب السياسية والمثقفة في العالم العربي بخصوص القضايا المصيرية الكبرى. فلئن نزعت بعض الأنظمة إلى معاداة إيران وإعلان التخوف من مشروعها النووي والتحريض على وأده في مهده، فإن الأمر يختلف مع الرأي العام في العالم العربي الذي لا يرى في تجريد إيران من برنامجها النووي أولوية تذكر.


  •  الموقف من حركات المقاومة:
     يجلي لنا الموقف الشعبي المتعاطف مع حماس وكذلك ما تتمتع به شخصية حسن نصر الله من شعبية من بين باقي الحكام وأصحاب القرار في العالم العربي، انحياز الرأي العام العربي إلى صف المقاومة، بغض النظر عن انتماء هذه المقاومة المذهبي. فالرأي العام المستطلع يؤكد على قدرة الشعوب العربية على التمييز بين الخطر الخارجي، المتمثل في الاحتلال الخارجي وما يصاحبه من مشاريع، وبين خطر الاختلاف المذهبي. ولذلك نجد أن غالبية المستطلعة آراؤهم يؤكدون على أولوية القضية الفلسطينية ومكانتها، في مقابل القضايا الأخرى التي تمت بصلة إلى الإصلاح والتغيير الداخليين، أو غيرها من القضايا الأخرى.


  • الإعلام العربي:
    تظل الجزيرة على رأس القنوات العربية من حيث عدد المتابعة، بحيث تتجاوز القنوات الأخرى بأضعاف مضاعفة. ولعل السر فيما تحظى به الجزيرة من قبول لدى المشاهد العربي يكمن في طرائق تغطيتها لأحداث المنطقة وتوفيقها في التعبير عن نبض الشعوب العربية وانحيازها إليها، عوض الانحياز إلى مواقف النخب السياسية والمثقفة المقطوعة عن المجتمعات العربية. ولا يعدل نجاح الجزيرة في استقطاب المشاهدين في العالم العربي إلا إخفاق غيرها من القنوات وفشلها في صناعة هذا الرأي العام أو إعادة تشكيله. فقناة الحرة الأميركية لا تظفر إلا بـ2% من الاهتمام لدى المشاهد العربي. والواضح أن سر نجاح الجزيرة في هذا المجال هو أمر متعلق بانحيازها إلى الشعوب العربية عوض النخب السياسية والمثقفة. والجزيرة لا تصنع رأيا عاما عربيا بقدر ما تعكسه وهي تقف على نفس الأرضية الثقافية التي يقف عليها هذا الرأي العام، وتتغذى من نفس المناخ الفكري الذي يتغذى منه.


هكذا، فالاستطلاع يضع صناع القرار في الغرب، وتحديدا في أميركا، وكذا صناع القرار والنخب السياسية في العالم العربي أمام خيارات متباينة. إن الإقرار بالتباين الحاصل في المواقف بين النخب السياسية والفكرية، وبين الشعوب في العالم العربي يستدعي التفكير الجدي في مستقبل مشاريع الإصلاح والتغيير والتنمية في المنطقة العربية. فإما أن يؤخذ برأي هذه الشعوب وبالتالي ترفع إلى مرتبة الشريك في وضع هذه المشاريع، فتصير قوة رافعة تضمن نجاحها وتحققها، وإما أن يكتفي صناع القرار في وضعهم للمشاريع المتعلقة بالمنطقة برأي النخب، حارمين بذلك الشعوب من إمكانية الاشتراك ومن ثمة من أن تقوم بدورها كرافعة تسند كل إصلاح وتغيير وتنمية.


إن استطلاع الرأي الذي أمامنا يستحثنا على إعادة التفكير في العلاقة القائمة بين النخب السياسية والفكرية في العالم العربي وبين الشعوب. الواضح أن سياسة الإقصاء للشعوب العربية وانتهاج سياسة القبضة الحديدية في التعامل معها لن تفيد في تلميع صورة أحد، لا صورة القوى الخارجية ولا صورة مؤسسات الحكم. لقد درجت القوى الخارجية، وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، على الاعتقاد أن فرض مشاريعها على المنطقة العربية يمر عبر مؤسسات النخب الحاكمة، في تنكر تام لإرادة الشعوب العربية. وبالنظر إلى إخفاق هذه المشاريع، أصبحت هذه القوى، أكثر من أي وقت مضى، مدعوة للتفكير في شيء اسمه الرأي العام العربي كشريك محترم في أي مشروع.
_______________
مركز الجزيرة للدراسات