عولمة السلطة العسكرية بفضل توسع الناتو

يتناول هذا التقرير توسع حلف شمال الأطلسي (الناتو) وزيادة عدد أعضائه المطرد، وتحوله إلى قوة عسكرية عالمية وما يتطلبه ذلك من حاجيات أعضائه في الطاقة والبنيات التحتية.
20 November 2008
1_710763_1_34.jpg









 


الدفاع المتبادل والتحكم في المصادر النفطية
اندماج في سبيل تحالف عالمي
مبادرة أمن الخليج
تطويق إيران
تطويق روسيا والصين وحلفائهما
تهديد روسيا
مشروع درع في الشرق الأقصى

ممر خاص بالطاقة عبر آسيا
الأهمية الجيوستراتيجية لسريلانكا
الوفاق الفرنسي الألماني
مواجهة دولية محتملة


 


رغم حل ميثاق فارسوفيا وتفكك الاتحاد السوفياتي، لم تغير منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) شيئا في أسس مهمتها، بل ظلت تتوسع عقب الحرب الباردة لتمتد عام 1999 -قبل حربها على يوغسلافيا- باتجاه أوروبا الشرقية.


 


إن المنظمة عاقدة العزم على زيادة عدد أعضائها وتوسيع مجال مهماتها، وبذلك ستتحول في نهاية المطاف إلى قوة عسكرية عالمية. وبصفتها تحالفا عسكريا جامعا، فإن المنظمة مطالبة بتأمين حاجيات أعضائها إلى الطاقة، وهذا يتطلب عسكرة طرق المواصلات العالمية، من أنابيب النفط الإستراتيجية إلى المياه الدولية والممرات البحرية التي تعبرها ناقلات النفط.


 


الدفاع المتبادل والتحكم في المصادر النفطية


 







"
تنص المادة الخامسة التي تمثل أساس اتفاقية الدفاع المتبادل، على أن أي هجوم على بلد
عضو هو بمثابة هجوم على مجموع الأعضاء
"


طالب النائب الأميركي ريتشارد لوغار بأن تهب منظمة حلف شمال الأطلسي إلى نجدة كل بلد عضو -مثل الولايات المتحدة- في حال تعرض مصادره النفطية لأي تهديد. ومبرر هذا التدخل في رأيه سيكون المادة الخامسة من اتفاقية الدفاع المتبادل. ولقد حظيت فكرته بدعم أعضاء أوروبا الشرقية والاتحاد الأوروبي الذين يعتمدون على روسيا الاتحادية لتزويدهم بالطاقة.


 


وقد نقل عن السيناتور لوغار قوله "يجب أن تفهم منظمة حلف شمال الأطلسي أنه لا فرق بين عضو يضطر للخضوع بسبب منع تزوده بالطاقة وعضو يواجه حصارا عسكريا أو عمليات عسكرية أخرى على حدوده"(1).


 


إن المادة الخامسة مبرر وجود الناتو، حيث تعتبر أي هجوم على بلد عضو بمثابة هجوم على مجموع الأعضاء.. إنها تمثل أساس "الدفاع المتبادل". وكل تفسير لهذه الاتفاقية المتعلقة بتأمين الطاقة قد يفيد بأنه يمكن لكل عضو في الناتو يُمنع عنه الإمداد بالطاقة أن يحظى بمساعدة باقي أعضاء الحلف. ويمكن بالتالي تفسير المادة الخامسة وكأنها تعني أن قطع التزويد بالطاقة عن أي دولة عضو في الحلف يعتبر عدوانا أو عملا حربيا. وتجدر الإشارة إلى أن أغلبية أعضاء الحلف لا تملك مصادر للطاقة خاصة بها.


 


من الطبيعي أن يثير هذا التوسع في مفهوم تأمين الطاقة الغضب والاضطراب لدى روسيا، ففي حال قبول الناتو بهذه العقيدة سيصبح من الممكن اتخاذها مبررا لفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على روسيا أو غيرها من الدول المنتجة للنفط، مثل إيران وتركمانستان وليبيا وفنزويلا، قصد الاستيلاء على مواردها من الطاقة.


 


في تصريح أدلى به المفوض التجاري الأوروببي بيتر ماندلسون، ورد أن "كلا من الطرفين (روسيا والاتحاد الأوروبي) يعتقد بأن الآخر يستعمل سلاح الطاقة وسيلة سياسية"، مضيفا أن العلاقات بين الاتحاد الأوربي وروسيا بلغت أسوء حالاتها في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وأن أوروبا "تسعى إلى تأمين إمداداتها الخاصة بالطاقة"(2).


 


ولهذا اعتبرت روسيا وحلفاؤها المشروع الأميركي والأوروبي المشترك لإقامة دروع واقية ضد الصواريخ بمثابة وسيلة ترمي إلى الاستيلاء على الاحتياطي الروسي والعالمي من الطاقة عبر التهديد باللجوء إلى القوة. وتجد كل من روسيا والصين وإيران نفسها محاطة بحزام عسكري، وهذا ما تعتبره روسيا جزءا من الجهود المبذولة من طرف الناتو لتطويقها هي وحلفائها.


 



اندماج في سبيل تحالف عسكري عالميا


 







"
شرع الناتو في التحول نحو عولمة قواته
العسكرية وعملياته، ويتجلى ذلك في تدخله القوي في أفغانستان وتخبطه الواضح في آسيا الوسطى، وقواعده في أفغانستان على الحدود الصينية والإيرانية
"


"منذ الحرب الباردة والدور الذي قامت به في المنطقة خلال التسعينيات، تحولت منظمة حلف شمال الأطلسي إلى منظمة عابرة للمحيط تنفذ مهمات على صعيد عالمي واسع رفقة شركاء عبر العالم. ولعل أوضح تجلٍّ لهذا التحول يبرز في الساحة الأفغانية. وعموما يمكن القول إن المنظمة تجاوزت نهائيا الجدل حول ما هو داخل نطاقها وما هو خارجه والذي طالما استحوذ على النقاش على امتداد التسعينيات.


 


فمنطقة منظمة حلف شمال الأطلسي يمكن أن تشمل كل مجال، وهذا لا يعني أنها منظمة عالمية، بل إنها منظمة عابرة للمحيط، بيد أن للمادة الخامسة انعكاسات وتداعيات عالمية. إن المنظمة بصدد تطوير قدراتها وتحديد الأفق السياسي لمواجهة المشاكل والطوارئ التي تحدث على الصعيد العالمي، وهذا ما يمثل تحولا هائلا".


مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأوروبية والأوروآسيوية دانيال فريد (17 أبريل/نيسان 2007).


 


ويعتزم الناتو الانخراط في مخطط ذي "بعد شامل" قد يحولها إلى قوة عسكرية عالمية تضم دولا من خارج أميركا الشمالية والقارة الأوروبية. ورغم أن هذا القرار لم يتخذ رسميا بعد، فإن الناتو شرع في التحول نحو "عولمة" قواته العسكرية وعملياتها. فتدخله قوي في أفغانستان كما أن تخبطه واضح في آسيا الوسطى، وله قواعد في أفغانستان على الحدود الصينية والإيرانية.


 


ولقد دعم حضوره كذلك في البلقان عبر تدخله في يوغسلافيا السابقة. ثم إنه يعتزم القيام بتدخلات هامة في السودان وكافة القارة الأفريقية بشكل عام، الأمر الذي يصفه خصومه "بمسرحية الحفاظ على الأمن".


 


ثم إن الناتو يتدخل في لبنان ولو بطريقة غير رسمية(3)، كما ينتشر أسطوله الحربي الكبير في مياه أفريقيا الشرقية والبحر الأحمر وبحر عُمان. وتوجد قوات بحرية تابعة لدول أعضاء في الحلف -مثل ألمانيا والدانمارك- شرق البحر الأبيض المتوسط، على استعداد لضرب سوريا في حال حدوث حرب(4).


مبادرة أمن الخليج







"
عملت الولايات المتحدة على نصب ترسانتها
الصاروخية في الخليج كما استقدمت إلى هناك كميات ضخمة من العتاد العسكري وأجهزة الرادار
"


لقد دخلت منظمة حلف الناتو بشكل رسمي إلى الخليج، وإن كانت القوات المسلحة للعديد من أعضائها موجودة هناك وجودا فعليا منذ الحرب الباردة. وأعلن المدير المساعد لجهاز الأمن القومي الكويتي الشيخ ثامر علي صباح السالم الصباح أن بلاده أبرمت مع الناتو اتفاقية أمنية أثناء مؤتمر جمع مجلس التعاون الخليجي والحلف يومي 11 و12 ديسمبر/كانون الأول 2006.


 


ويضم مجلس التعاون الخليجي الذي أعيدت تسميته "مجلس تعاون دول الخليج العربية" كلا من المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين وعُمان. وتربط أعضاء المجلس بعضهم ببعض اتفاقية عسكرية تسمى "قوة درع الخليج". وهناك اتفاقيات أمنية ثنائية بين كل دولة على حدة وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا.


 


وسبق لحلف الناتو أن كان في مفاوضات مع قطر والكويت وأعضاء آخرين في مجلس التعاون الخليجي ليكون للحلف حضور رسمي أكثر في الخليج ولإبرام اتفاقية أمنية جديدة موجهة ضد إيران.


 


يشكل التوازن الجديد الخاص بمنطقة الخليج جزءاً من تحالف أوسع مرتبط بحلف الناتو في الشرق الأوسط، حيث تنتمي إلى هذا التحالف شرق الأوسطي كل من السعودية والأردن ومصر وإسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا والناتو إضافة إلى مجلس التعاون الخليجي(5). ويمثل هذا التحالف العسكري بالأساس توسع "الحوار المتوسطي" لحلف الناتو باتجاه الشرق. ويطلق على أعضاء التحالف من الشرق الأوسط "تحالف المعتدلين"، في حين يفترض أن تقود إيران وسوريا "تحالف المتطرفين".


 


وباستثناء الانعكاسات المحتملة عقب مواجهة ممكنة مع إيران، يثبت هذا التحالف بين مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو أن إيران بصدد التحول إلى مؤسسة وقوة عسكرية عالمية. ويسعى الناتو إلى التوسع في الشرق الأوسط نظرا لأنه يمثل منطقة ذات أهمية جيوستراتيجية قصوى، فضلا عن أنه يتوفر على مصادر هامة للطاقة. وتعتبر تركيا وإسرائيل طليعة حلف الناتو في هذه المنطقة.


 


عملت الولايات المتحدة على نصب ترسانتها الصاروخية في الخليج، كما استقدمت إلى هناك كميات ضخمة من العتاد العسكري وأجهزة الرادار. وكان المبرر الأصلي لهذا الانتشار العسكري في الخليج هو "الحرب الشاملة على الإرهاب" أولا، ثم بعد ذلك تحول إلى "اجتياح العراق". واليوم صار مبرر هذا التواجد العسكري حماية حلفاء واشنطن في الخليج -بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والكويت والسعودية- من الصواريخ الإيرانية.


 


إن المؤتمر الذي جمع مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو تلقى تفويضه من "مبادرة إسطنبول للتعاون"، وخصص لموضوع حمَل عنوان "القضاء على التحديات المشتركة" الذي جعل من إيران هدفا مباشرا للتعاون العسكري بين الجانبين(6).


 


تطويق إيران


 







"
أي هجوم من طرف إيران على دول الخليج لن يكون
إلا ردا على تعاون هذه الدول مع أميركا وقبولها بأن تستعمل جيوش الولايات المتحدة وحلفائها مجالاتها الجوية والبحرية والبرية ضد إيران
"


إضافة إلى هذا، انعقد المؤتمر الذي جمع بين مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو بعد مناورات عسكرية لأعضاء المجلس والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأستراليا، وهذا ما يثبت كذلك أن التعاون بين فرعي الناتو، أي التفاهم الفرنسي الألماني والتحالف الأميركي البريطاني، قد بدأ قبل المؤتمر التاريخي للحلف في مدينة ريجا في ليتوانيا عام 2006(7).


 


تضمر الاتفاقيات المبرمة بين مجلس التعاون الخليجي وحلف الناتو دلالات مفادها بأن الخليج تم تقسيمه بين الوفاق الفرنسي الألماني وبين التحالف الأميركي البريطاني بالقوة لا بالفعل.


 


ورغم محاولة الشيخ ثامر والقيادة الكويتية التقليل من أهمية التعاون بين الكويت والناتو فإن هذا التعاون يدل بشكل واضح على توسع الحلف وعلى احتمال المواجهة مع إيران. وتركز تصريحات الكويتيين على أن هدف هذا المؤتمر الاستفادة من تجارب الناتو المستقاة من تركيبته الدولية المتنوعة.


 


وشجع الحضور العسكري الأميركي البريطاني المتصاعد وتوسع حلف الناتو في الخليج مسوؤلي مجلس التعاون الخليجي على التعاون مع القوات الأميركية والبريطانية. وكان وزير الدفاع البحريني الشيخ خليفة بن أحمد الخليفة قد صرح مؤخرا بأن إمارات الخليج "قادرة على مواجهة أي هجوم تشنه إيران الجارة"، وأنهم "سيردون بالقوة" إذا أغلقت إيران مضيق هرمز عقب ضربات أميركية(8). وليس من الصدف كذلك أن يصرح القادة الكويتيون بأنهم جاهزون لهجوم تقوده الولايات المتحدة ضد إيران ولحرب محتملة في الشرق الأوسط(9).


 


تجدر الإشارة إلى أن أي هجوم من طرف إيران على دول الخليج لن يكون إلا ردا على تعاون هذه الدول مع الولايات المتحدة وقبولها بأن تستعمل جيوش واشنطن وحلفائها مجالاتها الجوية والبحرية والبرية ضد طهران، فقد سبق لقادة هذه الدول أن ساندوا الأميركيين والبريطانيين في اجتياحهم العراق، وأراضيهم تأوي قواعد برية وجوية وبحرية أميركية هامة.


 


تطويق روسيا والصين وحلفائهما


 


يقول الكاتب العام لحلف الناتو مانفريد ورنر "يعتبر تطوير قدرتنا على نشر الاستقرار في الشرق من أهم أولويات التغيير.."، وأكد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أثناء تقديمه الميزانية العسكرية في حديث له أمام مجلس النواب يوم 7 فبراير/شباط 2007، أن الولايات المتحدة ما زالت تعتبر الصين وروسيا خصمين محتملين بالإضافة إلى إيران.


 


وقال غيتس إن روسيا والصين يمثلان تهديدا بالنسبة للولايات المتحدة "إضافة إلى الحرب الشاملة ضد الإرهاب.. يجب علينا كذلك أن نواجه المساعي الغامضة للصين وروسيا اللتين تنجزان برامج جد متطورة للتحديث العسكري"(10).


 


غير أن السؤال الذي يجب أن يطرح هو: من يهدد -في الحقيقة- من؟ أهم الروس والصينيون الذين يهددون أمن الولايات المتحدة أم العكس؟ وهل الصين وروسيا يمثلان تهديدا للاقتصاد الأميركي؟


 


مباشرة بعد هذه التصريحات طلبت وزارة الخارجية الروسية وحكومتها توضيحات من البيت الأبيض حول ما تستبطنه هذه الأقوال من تهديد. ويتزايد قلق الروس لشعورهم المتنامي بأن الطوق يضيق من حولهم. لقد بدأ الحصار يضرب حول روسيا والصين وحلفائهما منذ فترة طويلة.


 


ففي آسيا نجد أن الحدود الشرقية للصين معسكرة، كما أن إيران مطوقة تماما. وأما الحدود الغربية لروسيا فقد تم اختراقها من طرف الناتو. ويتواصل توسع الحلف رغم انتهاء الحرب الباردة ورغم وعودها بعدم التوسع، فالقواعد العسكرية ومنصات الصواريخ تحيط بالصين وإيران وروسيا الاتحادية.


 


تهديد روسيا


 







"
جمهوريتا أذربيجان وجورجيا مرشحتان بقوة
لإيواء مشروع الدرع الواقي من الصواريخ في القوقاز
"


صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم 27 فبراير/شباط 2007 أثناء مؤتمر ميونيخ حول الأمن، بأن حلف الناتو يستهدف روسيا الاتحادية، وأن سبق للحلف أن وعد بعدم التوسع شرقا(11). وكان الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسن قد عبر عن نفس المخاوف بخصوص توسع الناتو عند التحاق دول البلطيق به.


 


ويعتبر خطاب بوتين أهم تصريح روسي إلى الآن، وبذلك يدل على أن روسيا بدأت تحس بالخطر الذي يهدد حدودها المباشرة، من أقصى الشرق الروسي إلى حدودها مع جورجيا وأوروبا الغربية.


 


إن حلف الناتو لم يعد -في نظر الروس- ملتزما "بالتعايش السلمي". وكان اللواء يوري بالوييفسكي رئيس أركان القوات المسلحة الروسية المساعد الأول لوزير الدفاع قد أنذر الروس بأنهم يواجهون تهديدات عسكرية أكثر خطورة مما كانت عليه أثناء الحرب الباردة. وطالب -رفقة الرئيس بوتين- بصياغة عقيدة عسكرية روسية جديدة لمواجهة التهديدات المتزايدة القادمة من الولايات المتحدة والحلف الأطلسي(12).


 


إن المشاريع العسكرية التي أطلقتها الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الأوروبيين الأعضاء في الناتو (بريطانيا وبولندا وجمهورية التشيك) واليابان بغرض إقامة درعين متوازيين مضادين للصواريخ، تهدد كلا من روسيا والصين. فأحد الدرعين سيتم نصبه في أوروبا، بينما سيتم نصب الآخر في الشرق الأقصى. ولقد تمت إقامة الدرعين تحت ذريعة التصدي للتهديدات الصاروخية المفترضة من إيران وكوريا الشمالية ضد الولايات المتحدة وأوروبا وكوريا الجنوبية واليابان.


 


وصرح قائد الجيش الروسي إيوري سولوفييف بخصوص نصب مضادات للصواريخ التي يفترض أن تنشر في أوروبا الشرقية بما يلي: "يتعلق الأمر هنا (الدرع المضاد للصواريخ المنصوب على حدود روسيا) بقضية جد ملحة وغاية في الأهمية من الناحية السياسية، ومن شأنها أن تجرنا إلى سباق تسلح جديد"(13). ويدور الحديث كذلك عن درع آخر يحتمل أن يقام في القوقاز أو حتى في أوكرانيا. إن جمهوريتي أذربيجان وجورجيا مرشحتان بقوة لإيواء مشروع الدرع الواقي من الصواريخ في القوقاز.


 


وقال قائد القوات الجوية الروسية اللواء فلاديمير بوبوفكين "يُظهر تحليلنا أن إقامة نظام رادار في جمهورية التشيك ونظام دفاع مضاد للصواريخ في بولندا تمثل تهديدا حقيقيا لنا"، مضيفا أنه "ليس من المؤكد تماما أن عناصر النظام الدفاعي الأميركي المضاد للصواريخ في أوروبا موجهة ضد إيران، كما صرح بذلك مسؤولون أميركيون"(14).


 


وتجدر الإشارة إلى أن مشروع الرادار المزمع إقامته في جمهورية التشيك يصطدم بمعارضة أغلبية الشعب التشيكي(15)، غير أن الحكومة التشيكية تتجاهل إرادة الشعب، مثلها في ذلك مثل الحكومات الأميركية والبريطانية والإيطالية والكندية واليابانية. وبعبارة أخرى فإن هذه الحكومات التي تدعي الديمقراطية تتخذ مواقف جد منافية للديمقراطية عندما يتعلق الأمر بمشاريع عسكرية وحروب خارجية.


 


إن حلف الناتو والشبكة الأوسع للتحالفات التي نسجتها الولايات المتحدة تواصل عسكرة الحدود الروسية والحدود الصينية. والغريب أن تركيا العضو من الشرق الأوسط للناتو والجار المباشر لإيران والمكان المناسب منطقيا لنصب مضادات للصواريخ مخصصة للحماية من تهديد صاروخي إيراني مزعوم، لم يتم اختيارها كموقع لإيواء درع مضاد للصواريخ. ولعل اختيار بولندا وجمهورية التشيك عوضا عن تركيا أو البلقان يدعو إلى الاعتقاد بأن المستهدف بالأساس هو روسيا وليس إيران.


 


مشروع درع في الشرق الأقصى


 


إضافة إلى كوريا الشمالية في الشرق الأقصى، سيقام مشروع درع آخر بمحاذاة الأقاليم الشرقية للصين المكتظة بالسكان والشرق الأقصى الروسي الغني بمصادر الطاقة. وقد ينصب هذا الدرع في اليابان، مع احتمال إقامة بعض المحطات المساندة في كوريا الجنوبية.


 


لقد شرعت الولايات المتحدة واليابان في إنجاز مشروع مشترك للدفاع المضاد للصواريخ منذ العام 1999. ومن غرائب الصدف أن يكون العام 1999 هو نفس العام الذي توسع فيه حلف الناتو وكذا عام الحرب على يوغسلافيا السابقة(16). وتجدر الإشارة هنا إلى أن تايوان تمثل كذلك حلقة حيوية في عسكرة الحدود مع الصين.


 


عند استكمال هذه الشبكة العسكرية العالمية، ستظهر للعيان القاعدة الحقيقية التي يقف عليها إنشاء مشروعي الدرع المضادة للصواريخ المتوازيين. إن مشاريع الدروع الآسيوية مشاريع مرتبطة وتندرج ضمن عولمة الناتو وتحالف عسكري أوسع شرع في تطويق روسيا والصين وحلفائهما.


 


وبالموازاة مع تطوير هذه الشبكة العسكرية الشاملة، انخرط الناتو والولايات المتحدة في محاولة تستهدف التحكم في المحيطات، فالتجارة الدولية وأعالي البحار وحركة المرور البحرية أضحت هدفا لنظام مراقبة قيد التثبيت، تقوده الحكومة الأميركية.


 


تطويق الصين: أهمية طرق النفط البحرية الإستراتيجية وتايوان وسنغافورة







"
ما دامت الصين لم تجد طريقة للحصول على
النفط من ممر لا تتحكم فيه الولايات المتحدة، فستظل تحت رحمة البحرية الأميركية التي تُخضع مضيقي تايوان وملقا لحراسة دائمة
"


للولايات المتحدة روابط عسكرية وثيقة مع تايوان لكون هذه الجزيرة تمثل قاعدة دعم لوجستي مهمة بالنسبة لأي عملية عسكرية ضد الصين وضد أمنها المتعلق بالطاقة. وتكتسي تايوان أهمية جيوستراتيجية بالغة بفضل موقعها بين بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. ولذا تولي الولايات المتحدة لتايوان أهمية قصوى اعتبارا لطرق الملاحة ذات الأهمية الإستراتيجية الكبرى التي يعبر من خلالها النفط وغيره من الموارد إلى الصين.


 


لقد تم الحديث كثيرا عن أهمية طرق النفط في آسيا الوسطى وأهمية الممرات البرية، غير أنه من الضروري الاهتمام كذلك بالطرق البحرية للنفط والممرات المائية الدولية ذات الأهمية الإستراتيجية.


 


معلوم أن الحصول على الطاقة يكتسي بالنسبة للصين أهمية حيوية لأمنها القومي ولتقدمها وقوتها العسكرية. فإذا ما تم -في حال نشوب حرب- إيقاف تدفق النفط نحوها (الصين) أو تأخيره كما هو محتمل جدا، فستكون في موقف حرج ويمكن تعريضها للشلل والاختناق. ولعل ضرب نطاق بحري حولها يروم تحقيق هذا المراد.


 


التحكم في تزود الصين بالطاقة
يكتسي مضيقا تايوان وملقا أهمية جيوستراتيجية حيوية بالنسبة لنقل النفط وغيره من الموارد إلى الصين. وكل من يتحكم في المضيقين في الظرف الراهن، يتحكم في تزويد الصين بالطاقة. وسيمثل غلق المضيقين وإيقاف أو تأخير حاملات النفط ضربة قاسية بالنسبة للصين، تماما مثلما سيكون إقدام إيران على غلق مضيق هرمز ضربة قاسية بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ولهذا تراقب القوات البحرية الأميركية هذه الممرات الملاحية.


 


وما دامت الصين لم تجد طريقة للحصول على النفط من ممر لا تتحكم فيه الولايات المتحدة، فستظل تحت رحمة البحرية الأميركية التي تُخضع مضيقي تايوان وملقا لحراسة دائمة، وهذا ما جعل تايوان وسنغافورة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، ولقد تمت عسكرتهما بشكل قوي جدا حتى يتمكنا من التحكم في هذين المضيقين الحيويين. وفي حال نشوب حرب بين الصين والولايات المتحدة، فإن لتايوان وسنغافورة خطط طوارئ جاهزة لمنع وصول النفط إلى الصين.


 


ورغم وجود مضيق ملقا في المياه الإقليمية لماليزيا فإن العسكرة السريعة لسنغافورة تهدف إلى مراقبة ناقلات النفط بل وإيقافها إذا اقتضى الحال، وهذا من شأنه أن يضع حدا لتدفق الطاقة نحو الصين إذا ما اندلعت الحرب. ثم إن التجهيزات الخاصة بالبحرية العسكرية لدى سنغافورة جد متخصصة في خدمات البواخر الحربية والغواصات، ويتم استعمالها بكثافة من طرف البحرية الأميركية.


 


ممر خاص بالطاقة عبر آسيا


 


تدرك الصين أنها في موقع ضعيف إزاء أي تدخل أميركي محتمل يستهدف ضرب مصادر تزودها بالطاقة، ولهذا طور الصينيون قواعدهم البحرية، وهم اليوم يبذلون قصارى جهدهم لبناء منشآت خاصة بهم لتفريغ شحنات النفط الآتي عبر الأنابيب، إلى جانب بناء ممرات برية لنقل الطاقة تربط آسيا الوسطى وروسيا الاتحادية مباشرة بالصين.


 


ويرمي التعاون بين الصين وروسيا وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى إلى إنشاء ممر خاص بالطاقة عبر آسيا لضمان استمرار وصول الطاقة إلى الصين إذا ما ضربت عليها أميركا حصارا في أعالي البحار. أما اليوم فهناك محادثات جارية لتطوير أنبوب للغاز يربط إيران بالصين عبر باكستان والهند(17).


 


عارضت الصين الاقتراحات والمبادرات المتعلقة بارتفاع الحرارة المناخية مؤكدة أن النقاش حول هذا الملف يمثل تحديا متعمدا لتعطيل النمو الاقتصادي للصين وغيرها من الدول النامية، إذ تعتقد بكين أن هدف مبادرة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول التحولات المناخية، هو دفعها إلى تقليص انبعاث ثاني أكسيد الكربون لديها بما يضر بنشاطها الصناعي والاقتصادي(18).


 


تقوية حضور السفن الحربية في المحيط الهندي وعلى الخاصرة الشرقية للصين
لقد تم تعزيز حضور السفن الحربية حول الصين بصورة متزايدة، إلى جانب توسيع انتشار مجموعة الغواصات المرابطة في منطقة آسيا والمحيط الهادي بصورة خاصة.


 


وقد سبق أن أشار تقرير نشره المعهد الأسترالي للسياسة الإستراتيجية (أي.أس.بي.آي) إلى أن سباق التسلح يجري على قدم وساق في منطقة آسيا، ومما ورد فيه أن هناك "عملية تحديث وتوسع (عسكريين) ملفتين في قوس واسع يمتد من باكستان والهند، وصولا إلى اليابان مرورا بجنوب شرق آسيا"(19).


 


وكتب بيل غيرتز في صحيفة واشنطن تايمز يقول "ورد في تقرير داخلي -ظل سريا إلى اليوم- موجه لوزير الدفاع دونالد رمسفيلد، مفاده بأن الصين بصدد تطوير قواتها العسكرية وإقامة قواعد لها على طول خطوط الملاحة ابتداء من الشرق الأوسط، بما يتيح لها القذف بقواتها إلى ما وراء البحر لحماية تدفق النفط"(20).


 


وعلى صعيد آخر شرعت الصين فعلا في تنفيذ سياسة بحرية استباقية لتأمين بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي والمحيط الهندي. وتتصل كل هذه المناطق البحرية بالطرق البحرية الدولية التي تقل النفط من أفريقيا والشرق الأوسط إلى الصين.


 


ويحرص الصينيون على حماية إمداداتهم بالطاقة الحيوية من أي عدوان محتمل تشنه ضدهم القوات البحرية للولايات المتحدة وحلفاؤها. وتطلق وزارة الدفاع الأميركية على هذه القواعد البحرية اسم "صنف الجواهر" بسبب أهميتها الجيوستراتيجية بالنسبة لتوازنات السلطة البحرية في المحيط الهندي(21).


الأهمية الجيوستراتيجية لسريلانكا







"
تحاول الولايات المتحدة إغلاق كل الطرق التي
يمكن أن يصل عبرها إمداد النفط مباشرة إلى الصين بعيدا عن الطرق البحرية التقليدية الخاضعة للحراسة الأميركية
"


تقع المنشآت الصينية على طول هذا الممر الحيوي، فالصينيون هم الذين قاموا بتصميم وبناء ميناء غوادر في باكستان على ساحل بحر عُمان، كما أنهم وقعوا اتفاقية مع سريلانكا تسمح لهم باستعمال ميناء "هاماباتوتا" العسكري الواقع جنوب الجزيرة(22).


 


وإلى جانب ذلك خططت الصين لبناء ميناء عسكري في ميانمار التي تعتبر حليفا جيوستراتيجيا هاما بالنسبة إليها. ومن المعلوم هنا أن بناء هذا الميناء من شأنه أن يزيل كل المصاعب والتهديدات المتأتية من مضيقي تايوان وملقا، علما بأن الصين محاذية لميانمار ولديها شبكة سكك حديدية وطريق للنقل البحري تربط شاطئ ميانمار بجنوب الصين(23).


 


بموازاة ذلك تحاول الولايات المتحدة إغلاق كل الطرق التي يمكن أن يصل عبرها إمداد النفط مباشرة إلى الصين التي عملت على توثيق التعاون النفطي الآسيوي، بعيدا عن الطرق البحرية التقليدية الخاضعة للحراسة الأميركية. ومن المعلوم هنا أن كل الاتفاقات التي تم إبرامها في المنطقة والمتعلقة بالمنشآت العابرة لآسيا -مثل خط الأنبوب الذي يربط إيران بالهند عبر باكستان- تعتبر مضرة بالمصالح الأميركية والبريطانية وبمشروع حلف الناتو الهادف إلى السيطرة على أوراسيا.


 


يعير الأسطول البحري الأميركي في المحيط الهادي أهمية بالغة لجزيرة غوام نظرا لأهميتها الإستراتيجية، كما أن الولايات المتحدة بصدد تعميق تعاونها مع أستراليا وسنغافورة والفلبين واليابان لمواصلة مهمة تطويق الصين(24).


 


وتوفر قضية الصواريخ والأسلحة النووية لكوريا الشمالية مبررا


مثاليا لواشنطن لتشديد خناقها على الصين، كما توفر "المبادرة الأمنية ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل التي أطلقتها إدارة بوش عام 2003 بعد اجتياح العراق مباشرة، غطاء مناسبا لمراقبة الحركة التجارية الدولية وإيقاف تزود الصين بالطاقة في حال ما إذا دخلت معها في حرب.


 


مراقبة الممرات البحرية الإستراتيجية و"البحرية الحربية الأميركية الكلية"


يعتبر التحكم في البحار والتجارة جبهة مواجهة إضافية لتطويق عملاقي أوراسيا: الصين وروسيا، وهي بالضبط الأهداف التي تتوخاها "المبادرة الأمنية ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل" وإنشاء "قوات بحرية عالمية" تحت إمرة الولايات المتحدة. وعلى هذا الأساس فإن الصين تجد نفسها من هذه الزاوية عرضة للتهديد القادم من المحيط أكثر من التهديد الذي يواجهه الجار الروسي.


 


فقد بدأت فعلا الشبكة البحرية التي أقامها حلف الناتو وحلفاؤه تتشكل وتبرز إلى الوجود بصورة متزايدة، عبر مشاركة أكثر من 40 دولة في المناورات البحرية التي أجريت في بحر عُمان والمحيط الهندي(25). ومن شأن مثل هذه المبادرات الأميركية والأطلسية تهديد إمداد الصين بالطاقة، وتهديد حركة التجارة الدولية بين أفريقيا وأوراسيا عبر المحيط الهندي.


 


"أسطول بحري من ألف مركبة"
صرح
قائد العمليات البحرية الأميركية الأميرال مايك مولن بأن الولايات المتحدة تسعى لإنشاء "أسطول قوامه ألف قطعة بحرية" للتحكم في المياه الدولية(26). وتعني هذه الإستراتيجية المتوخاة في نهاية المطاف اندماج حلف الناتو والقوات البحرية الحليفة في مهمة "شراكة بحرية دولية" -حسب تعبير البحرية الأميركية- بشكل يضم مختلف وسائل النشاط البحري بشقيه العسكري والمدني: "الأساطيل، والدرك البحري، والقوات البحرية، ومستعملي الموانئ، والشركات التجارية البحرية، وكثير من المنظمات الحكومية وغير الحكومية"(27).


 


أما المناطق الأولى التي ستطبق فيها هذه الإستراتيجية الجديدة فتشمل الخليج ومياه أفريقيا الشرقية وبحر العرب. هذا وقد أشار الأميرال مولن إلى أن هذه القوة البحرية العالمية تضم 45 سفينة حربية تابعة في معظمها لحلف الناتو، وهي تنتشر في الخليج ومياه الشرق الأوسط باعتبارها جزءا من القوات البحرية الدولية(28). أما العمليات الجارية في مياه الشرق الأوسط وبحر العرب، فتشارك فيها اليوم "القوات الخاصة الموحدة" رقم 150 و152.


 


وتعمل "القوات الخاصة الموحدة" رقم 150 في مياه خليج عُمان وخليج عدن والبحر الأحمر، وفي شمال بحر العرب حيث ترسو سفن حربية فرنسية عديدة هناك. أما "القوات الخاصة الموحدة" رقم 152 التي تضم بدورها سفنا حربية إيطالية وفرنسية وألمانية، فتعمل في الخليج، ويوجد مقر قيادة عملياتها في البحرين.


 


ما يجدر تسجيله هنا هو كون "القوات الخاصة الموحدة" رقم 152 تعمل ضمن 45 مركبة حربية، وقد سبق أن وصفها الأميرال مولن بأنها تابعة للقوات البحرية العالمية، وهي تخضع في قيادتها للبحرية الأميركية والقيادة الوسطى، إذ تتولى هاتان القيادتان العمليات البحرية في الخليج وكافة الشرق الأدنى. كما يجدر التذكير هنا بأن أغلب القوات التي شاركت في عمليتي "الحرية للعراق" في الخليج و"الحرية الدائمة" في البحر قبالة القرن الأفريقي هي من بين السفن الحربية التابعة للناتو بالأساس.


 


الوفاق الفرنسي الألماني


 







"
توجست الصين منذ البداية من هذه المبادرة
ورفضت المشاركة في مشروع 2003، إذ لم تر فيه سوى وسيلة تبرر للولايات المتحدة وحلفائها مواصلة مراقبة المياه والتجارة الدوليتين
"


يتكون الأسطول البحري الآخذ في التعاظم من اندماج أولي يضم ثلاثة أفرع من قوات المهمات الخاصة تابعة للتحالف، ومن سبع وحدات بحرية للإسناد. أما السفن الحربية الخمسة والأربعون فتعود لعدة دول، منها فرنسا وإيطاليا وهولندا وكندا وأستراليا وباكستان وغيرها من الشركاء، ومنها بالطبع سفن تابعة للولايات المتحدة وبريطانيا.


 


وتخضع كل هذه القوات البحرية العالمية للقيادة المشتركة لحلف الناتو والقيادة الوسطى. ولم يكن بالإمكان إنشاء هذا الأسطول الضخم غير المسبوق دون الوفاق الفرنسي الألماني داخل الناتو. ولقد اتخذ من "الحرب الدولية على الإرهاب" ذريعة لزرع السفن الحربية على هذا النحو الموسع.


 


المراقبة الشاملة للمياه الدولية
إضافة إلى القوات البحرية الدولية التي أنشأتها الولايات المتحدة والناتو، تم وضع إستراتيجية عامة تهدف إلى مراقبة حركة التجارة والتنقلات الدولية ومراقبة المياه الدولية.


 


وتهدف "المبادرة الأمنية ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل إلى مراقبة نقل المواد الأولية والتجارة الدولية بذريعة إيقاف تهريب مكونات أو تقنية أسلحة الدمار الشامل أو أنظمة إطلاقها (تقنية أو مكونات الصواريخ). ومن المعلوم هنا أن من تولى الإعداد لهذه الإستراتيجية هو جون بولتون عندما كان يشغل مهمة نائب وزير الخارجية الأميركي المكلف بمراقبة التسلح والأمن الدوليين.


 


من الواضح هنا أن هذه الإستراتيجية التي أطلقها البيت الأبيض يوم 31 مايو/أيار 2003 لا تستبعد خرق القانون الدولي، فبحسب هذا القانون لا يحق للبوارج الحربية التابعة للولايات المتحدة أو للناتو أن تفتش السفن التجارية الأجنبية الموجودة في المياه الدولية، وعلى هذا الأساس إذا لم تسمح الدولة التي قدمت منها السفن التجارية بهذا التفتيش فإن العمليات الأميركية تدخل تحت طائلة الإجراء غير المشروع بموجب الجزء السابع من اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بقانون البحار (1982) الذي ينص صراحة على أنه لا يحق للسفن الحربية أن توقف أو تفتش إلا سفن بلادها أو سفن الدول التي تربطها بها معاهدة ثنائية تمنحها هذا الحق.


 


واشنطن تمنح نفسها حق مراقبة السفن الأجنبية بشكل تعسفي
بموجب الاتفاقات الدولية لا يمكن تفتيش أي سفينة أجنبية في المياه الدولية إلا إذا لوثت المياه القريبة من البلاد التي تملك السفن الحربية، أو في حالة الشك الراجح بوجود قرصنة. كما أن السفن المبحرة في المياه الدولية والتابعة لأي دولة من الدول تتمتع بحصانة كاملة تمنع إيقافها أو تفتيشها من طرف سفن دولة أخرى.


 


وعلى هذا الأساس يعتبر إيقاف البحرية الأميركية أيا من السفن التابعة لكوريا الشمالية أو سوريا أو الصين في المياه الدولية مخالفا للقانون الدولي. بيد أن كل شيء بدأ يتغير مع النظام الجديد المقترح والمطبق حاليا من طرف الولايات المتحدة على كوريا الشمالية خصوصا في مياه المحيطين الهندي والهادي، علما بأن العديد من الدول -ومنها ماليزيا- انتقدت هذه العمليات وشككت في شرعيتها(29).


 


لقد كانت الصين ومنذ البداية متوجسة من هذه المبادرة، كما رفضت المشاركة في مشروع 2003، إذ لم تر فيه سوى وسيلة تبرر للولايات المتحدة وحلفائها مواصلة مراقبة المياه والتجارة الدوليتين، غير أن روسيا انضمت إلى هذا المشروع بحكم أنها في وضع يختلف عن الصين التي يتعلق وجودها بالمواصلات البحرية والمياه الدولية، ومن ذلك أن البحرية الروسية -بموجب هذه الاتفاقية- بإمكانها إيقاف وتفتيش السفن الأميركية التجارية نفسها.


 


لقد تم اختيار سنغافورة واليابان وبحر الصين الجنوبي -وكل هذه الجهات محاذية للصين- كي تكون الموقع الأساسي لتدريب قوات الأسطول العامل تحت راية "المبادرة الأمنية ضد انتشار أسلحة الدمار الشامل". وقد شاركت في هذه التدريبات إلى جانب روسيا، كل من الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان وأستراليا وكندا وسنغافورة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا، ولم يكن اختيار هذا الموقع اعتباطيا.


فمنذ تفعيل هذه المبادرة الأمنية تم إيقاف وتعطيل حركة العديد من سفن كوريا الشمالية بشكل غير مشروع، بل إن الصين نفسها -وغيرها من الدول- تظل مهددة بعمليات دولية غير قانونية، بما يذكر بالمناطق الدولية للحظر الجوي التي فرضت بشكل تعسفي على العراق قبل اجتياحه. وهكذا تم خلق سابقة قد تبرر مستقبلا إيقاف السفن الصينية وحركة المواصلات البحرية نحو الصين.


مواجهة دولية محتملة


تتضح بشكل متزايد ومن خلال التصور العسكري الكوني وطموحات حلف شمال الأطلسي، الأهداف المرسومة من وراء توسيع عمليات الحلف وتوجيهاته العسكرية. فكلما اشتد نظام التحالفات العسكرية اتضح أكثر من أي وقت مضى أن المستهدفين الرئيسيين هم عمالقة أوراسيا، أي روسيا والصين، وربما الهند.


إن توسيع الناتو لا يقف عند حدود أوروبا والاتحاد السوفياتي السابق، فالحلف بات يتطلع إلى توسع عالمي، حيث يتشكل اليوم في منطقة آسيا حلف مواز، انطلاقا من شبكة التحالفات العسكرية القائمة في منطقة الساحل الآسيوي للمحيط الهادي(30). أما من جهة الصين وروسيا -تضاف إليهما إيران الآن- فثمة مشروع تحالف أوروآسيوي آخذ في التشكل على خلفية مواجهة الناتو والولايات المتحدة.


 


وفي نهاية المطاف يمكن القول إن منطقة الشرق الأدنى (أي الشرق الأوسط) ستكون الموقع المحدد فعلا لوتيرة توسع حلف الناتو، فإذا ما سقط الشرق الأدنى تحت السيطرة الكاملة للتحالف الأميركي البريطاني والناتو، فإن الأرضية ستكون مهيأة وقتها لدخول مرحلة جديدة من "حرب طويلة" المدى تقود مباشرة إلى قلب أوراسيا.
_______________
كاتب متخصص في قضايا الشرق الأوسط وباحث بمركز البحوث حول العولمة


عنوان النص الأصلي بالإنجليزية:
«
The Globalization of Military Power: NATO Expansion, NATO and the broader network of US sponsored military alliances», 18 mai 2007.


هوامش


1 Judy Dempsey, U.S. senator urges use of Nato defense clause for energy, International Herald Tribune, 28.11.2006.


2 Mu Xuequan, Mandelson: Mistrust between Russia, EU worst since Cold War ends, Xinhua News Agency, 21.4.2007.


3 Pr. Michel Chossudovsky, Behind Closed Doors: Nato’s Riga Security Conference, Centre for Research on Globalization, 26.11.2007.


«Riga», the Latvian capital, was the place of a historical Nato conference which involved all the major decision makers, parties, corporations, and individuals within the Nato alliance. The Belarusian Opposition was also invited.


Debating «War and Peace» behind Closed Doors: Nato’s Riga Security Conference, by Pr. Michel Chossudovsky, outlines the Nato program being discussed behind closed doors and provides a comprehensive list of attendants and participants of the Trans-Atlantic summit in Latvia.


4 Mahdi Darius Nazemroaya, The March to War: Naval build-up in the Persian Gulf and the Eastern Mediterranean, Centre for Research on Globalization (CRG), 1.10.2006.


5 Kuwait to sign Nato security agreement during Gulf conference next week, Kuwait News Agency (KUNA), 6.12.2006.


6 Kuwait to sign Nato agreement, Op. cit.


7 Pr. Michel Chossudovsky, «Weapons of Mass DestructionBuilding a Pretext for Waging War on Iran?, Centre for Research on Globalization (CRG), 1.11.2006.


8 Gulf states «can respond to attack,» Gulf Daily News, Vol. XXIX (29), No. 364, 19.3.2007.


9 B. Izzak, Kuwait prepared for any US-Iran war, Kuwait Times, 10.5.2007.


10 Robert M. Gates, Posture Statement to the Senate Armed Services Committee (Testimony, Senate Armed Services Committee, Washington, District of Columbia, 6.2.2007).


11 Vladimir Putin, Speech and the Following Discussion at the Munich Conference on Security Policy (Address, Munich Conference on Security Policy, Munich, Bavaria, 10.2.2007).


12 U.S. Anti-Missile Systems in Europe Threatens Russia-General, MoscNews, 9.2.2007.


13 U.S. Anti-missile Shield in Europe May Cause Arms Race-Russian General, MoscNews, 16.3.2007.


14 U.S. anti-missile shield threatens Russia-General, Reuters, 22.1.2007.


15 Mark John, U.S. missile plan triggers Nato tensions, Reuters, 5.3.2007.


16 Sarah Suk, U.S. admiral confident of missile shield effectiveness, Kyodo News, 1.5.2007.


17 Atul Aneja, «Pipeline should extend to China,» The Hindu, 7.5.2007.


18 Chinese object to climate draft, British Broadcasting Corporation (BBC), 1.5.2007.


19 Andrew Davies, The enemy down below: Anti-submarine warfare in the ADF (Barton, Australian Capital Territory: Australian Strategic Policy Institute ASPI, Février 2007), page 1.


20 Bill Gertz, China builds up strategic sea lanes, The Washington Times, 18.1.2005.


«China is building strategic relationships along the sea lanes from the Middle East to the South China Sea in ways that suggest defensive and offensive positioning to protect China’s energy interests, but also to serve broad security objectives,» said the report sponsored by the director, Net Assessment, who heads Mr. Rumsfeld’s office on future-oriented strategies.


21 Pallavi Aiyar, India to conduct naval exercises with China, The Hindu, 12.4.2007.


22 Ibid.


23 Ibid.


24 Luan Shanglin, U.S. to stage large-scale war games near Guam, Xinhua News Agency, 11.4.2007.


25 Naval chief: U.S. has no plan to attack Iran, Xinhua News Agency, 17.4.2007.


26 Thom Shanker, U.S. and Britain to Add Ships to Persian Gulf in Signal to Iran, The New York Times, 21.12.2006.


27 Ibid.


28 Ibid.


29 Malaysia in no hurry to join U.S.-led security pact, Reuters, 17.4.2007.


30 Mahdi Darius Nazemroaya, Global Military Alliance: Encircling Russia and China, Centre for Research on Globalization, 10.5.2007.