ماليزيا ما بعد عاصفة الانتخابات ورياح التغيير

تتناول هذه الدراسة الانتخابات الماليزية وما نتج عنها من تغيير فتح صفحة جديدة في العمل التشريعي والنيابي وتشكل خريطة جديدة للسياسيين
18 November 2008









إعداد/صهيب جاسم





معطيات الزلزال الانتخابي
جذور العاصفة السياسية
محددات المستقبل وتساؤلاته الـ15


في الثامن والعشرين من شهر أبريل/نيسان 2008 سيشهد البرلمان الماليزي صفحة جديدة في العمل التشريعي والنيابي الماليزي، وذلك في أولى جلساته التي ستنعقد في هذا التاريخ، بعد أن حددت الانتخابات الثانية عشرة خريطة جديدة للسياسيين تحت قبة ديوان الشعب كما يسمى هنا بالملايوية.



معطيات الزلزال الانتخابي





"
أبرزت الانتخابات تحولا في الصوت الصيني باتجاه المعارضة بسبب رفض الامتيازات المعطاة للملايويين وبحكم أن رئيس الوزراء الماليزي عبد الله أحمد بدوي اهتم كثيرا بما أسماه مشروع الإسلام الحضاري

"
بعد مرور خمسين عاما على استقلال اتحاد ماليزيا في يوم 31أغسطس/آب من سنة 1957 جاءت الانتخابات التشريعية، المحلية منها والمركزية، في الثامن من شهر مارس/آذار 2008 لتحدث هزات سياسية تجاوزت توقعات السياسيين، حتى المعارضين منهم، كما جاءت بعيدة عن دراسات الأكاديميين وتوقعات مراكز البحوث لتظهر معطيات جديدة في الساحة الماليزية لم تكن في الحسبان أصلا، من أبزرها:



  • حصول أحزاب المعارضة على نصف أصوات الناخبين وعلى عدد كبير من مقاعد البرلمان الاتحادي التي يبلغ مجموعها 222 مقعدا، حيث كسبت 82 مقعدا كان توزيعها كما يلي:



    • 31 مقعدا لحزب العدالة الشعبي بزعامة أنور إبراهيم (نائب رئيس الوزراء ووزير المالية السابق الذي بدأ نشاطه رئيسا لحركة الشباب الإسلامي بماليزيا في السبعينيات).


    • 23 مقعدا للحزب الإسلامي الماليزي.


    • 28 مقعدا لحزب الحركة الديمقراطية (وهو ذو أغلبية صينية وجذور يسارية وتوجه ليبرالي ).



  • حصول التحالف الوطني الحاكم على 140 مقعدا، أي أنه حصل على الأغلبية البسيطة دون الأغلبية الساحقة التي تمكنه من القيام بتعديلات دستورية دون معارضة، وهذه أكبر خسارة له منذ استقلال البلاد، بما في ذلك سقوط عدد من كبار الوزراء والمسؤولين في الدولة مع أنهم كانوا في السابق يضمنون الفوز على منافسيهم.


  • وعلى مستوى مجالس الولايات (وتضم 505 مقاعد موزعة على 13 ولاية) التي تحدد الأغلبية فيها من يحكم الولاية (حسب النظام الاتحادي المعروف عالميا) فقد تبين ما يلي:



    • تراجع نصيب التحالف الوطني الحاكم أيضا إلى 307 مقاعد (60% مقابل 40% للمعارضة)، بعد أن كان مسيطرا على الأغلبية قبل ذلك.


    • جاء الحزب الإسلامي في المرتبة الثانية بثلاثة وثمانين مقعدا (ليستلم حكم 3 ولايات لأول مرة في تاريخه منذ الخمسينيات).


    • 73 لحزب الحركة الديمقراطية (تسلم حكم ولاية بينانغ لأول مرة في تاريخه).


    • 40 لحزب العدالة الشعبي (تسلم حكم ولاية سلانغور التي تتسلمها المعارضة لأول مرة)، وهي أغنى وأهم ولاية ماليزية (تحيط جغرافيا بالعاصمة كوالالمبور).


    • مقعدان للمستقلين.



  • وإذا أخذنا هذه المعطيات بعين الاعتبار فهذا يعني ما يلي:



    • يعتبرا لحزب الإسلامي الماليزي بزعامة الشيخين عبد العزيز مات (مرشد الحزب وحاكم ولاية كلانتان) وعبد الهادي أوانغ (رئيس الحزب) الأقوى في مجالس الولايات بعد التحالف الوطني الحاكم. أما في البرلمان فإن الحزب الأقوى من بين المعارضين هو حزب العدالة الشعبي الذي ضرب رقما قياسيا في تاريخ الأحزاب الماليزية حيث ارتفع نصيبه البرلماني من مقعد واحد في الدورة السابقة (2004-2008) إلى 31 مقعدا ليتزعم بذلك الكتلة المعارضة (كتلة تحالف الشعب). 


    • ظلت الأقلية الصينية ممثلة في التحالف الحاكم (السلطة) منذ الاستقلال، من خلال حزب رابطة صينيي ماليزيا وحزب "غيراكان" الذي كان معارضا ثم انضم للتحالف الحاكم، إلا أن هذه الانتخابات أبرزت تحولا بارزا في الصوت الصيني باتجاه المعارضة، ويعود ذلك لأسباب كثيرة بعضها يعود إلى رفض الامتيازات المعطاة للملاويين، وبعضها يعود لأسباب اقتصادية، وربما يعود الأمر لأسباب دينية أيضا بحكم أن رئيس الوزراء الماليزي عبد الله أحمد بدوي اهتم كثيرا بما أسماه مشروع الإسلام الحضاري الذي ربما أخافهم بعض الشيء رغم أنه ضامن جديد لحقوقهم.


    • التحول الهندي شبه الكامل من التحالف الحاكم (من خلال حزبهم المشارك فيه وهو كونغرس هنود ماليزيا) إلى المعارضة وتحديدا حزب العدالة الشعبي بزعامة أنور إبراهيم، وقليل منهم إلى حزب الحركة الديمقراطية، بسبب شعور الهندوس بالتهميش الاجتماعي والاقتصادي، وهذا يرجع لعوامل تاريخية – حيث جلبهم الاستعمار البريطاني للعمل في الزراعة- ثم بسبب إهمال الحزب الهندي الذي يمثلهم في السلطة لمطالبهم.


المحور الأول: جذور العاصفة السياسية (15 عنصرا)





"
توجه الناخب الإسلامي للحزب الإسلامي لاقتناعه ببرنامجه ومخالفته للبرنامج الإسلامي الرسمي الذي يسهر بدوي على تطبيقه أما الناخب الصيني فتوجه إلى المعارضة لتوسيع وتقوية حضور الأقلية الصينية سياسيا

"
من الضروري التأكيد على أن حديثنا عن أسباب العاصفة السياسية في ماليزيا ليس من قبيل التنقيب في جذور حدث فارط ومنقض، فالكثير من هذه الأسباب ستظل ضمن معطيات الشد والجذب بين المعارضة والحكومة لسنوات قادمة، ولذلك فإن الإشارة إليها تظل مهمة سواء لفهم الواقع أو لاستشراف المستقبل السياسي لماليزيا. عندما فتحت صناديق الاقتراع أبوابها لعشرة ملايين ناخب ماليزي، أثبتت استطلاعات الرأي صحة الكثير من توقعاتها بشأن العوامل والدوافع التي وجهت الناخب في اتخاذ قراره الانتخابي. والأسباب التي حددت السلوك الانتخابي للماليزيين يمكن إجمالها في 15 عنصرا أو عاملا على النحو الآتي ذكره:


  • البعد الاقتصادي: رغم أن ارتفاع أسعار المواد الأساسية والخدمات يعتبر ظاهرة عالمية أو مرضا عالميا ألم باقتصاديات العشرات من الدول حسب اعتراف المنظمات الدولية، فإن التضخم وارتفاع أسعار الأغذية والمحروقات، فضلا عن الاضطراب الذي حصل ولو مؤقتا في توزيع بعض المواد، كان له بالغ الأثر على توجهات الناخب لصالح المعارضة، بل إن بعض المراقبين يعتقد أن ما دفع رئيس الوزراء بدوي إلى تعجيل الانتخابات هو التوقعات باحتمال تعرض ماليزيا لأزمة اقتصادية هذا العام، وهو الأمر الذي تكرر كل عشرية تقريبا. إن البعد الاقتصادي يرتبط بالقول هنا إن ماليزيا بدأت تتراجع من حيث قدرتها على منافسة دول مماثلة، ككوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة، في المجالات التعليمية والصناعية والصحية، وهذا ما أوجد حالة من عدم الرضا بين الكثير من الماليزيين الذين يحلمون بأن تظل ماليزيا ضمن قائمة الدول النامية الأكثر تقدما، أو بعبارة أخرى على رأس الدول الصناعية الجديدة، وأن تظل نموذجا يحتذى به في العالم الإسلامي من حيث المسيرة الاقتصادية.


  • اتهامات الفساد المالي والإداري: هذا ملف ساخن، وموضوع مثير، وحديث يجذب الجماهير إلى اجتماعات وتجمعات المعارضة الجماهيرية، سواء قبل الانتخابات أو بعدها. فملف اتهامات المعارضة لمسؤولين حكوميين وللنظام السياسي عموما الذي تسيطر عليه مجموعة أحزاب التحالف الحاكم بالتورط في قضايا فساد مالي وإداري ضيعت مبالغ طائلة من ثروات البلاد النفطية وغير النفطية، كانت فعلا مؤثرة على توجهات الناخب الماليزي. ربما لا يكون الكثير مما قيل ويقال مثبتا بالضرورة قانونيا، لكن الكثيرين ممن صوتوا للمعارضة يسلمون بشيوع الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة على نطاق واسع وهذا ما دفعهم لأن يتحولوا إلى ما سمي بـ"الأصوات الساخطة" على الحكومة تصديقا لنقد المعارضة لأجهزة رئيسية في الدولة مثل القضاء والشرطة وغيرهما.


  • كل صوت معارض له مسوغاته: فالناخب الإسلامي توجه للحزب الإسلامي لاقتناعه ببرنامجه ومخالفته للبرنامج الإسلامي الرسمي (مشروع الإسلام الحضاري) الذي يسهر بدوي رئيس الوزراء على تطبيقه في الإدارات الحكومية والمجتمع، أما الناخب الصيني فتوجه إلى المعارضة لتوسيع وتقوية حضور الأقلية الصينية سياسيا، لاسيما بعد تراجع نسبها ديمغرافيا مقابل تزايد نسبة الملاويين -وغالبيتهم من المسلمين- التي تجاوزت 60% من السكان، أما الهندي (ولاسيما الهندوسي) فقد توجه إلى المعارضة بعد ترهل حزب كونغرس هنود ماليزيا وضعف دوره في تمثيل الهنود في الدولة (رئيسه ظل محافظا على منصب وزراي إلى جانب رئاسة الحزب لمدة 30 عاما! مبعدا القيادات الهندوسية الأخرى ومعرقلا دعوات الإصلاح في المنظمة الهندية السياسية الأكبر في ماليزيا).


  • "الصياغة" الجديدة لخطاب الحزب الإسلامي الماليزي: لو تصفحنا البرنامج الانتخابي، أو قرأنا تصريحات قادة الحزب الإسلامي فإننا سنلاحظ تغيرا بارزا في بعض مناحي هذا الخطاب رغم أن أساساته لم تشهد تغييرا يذكر، فهو لم يخلع أو ينكر منطلقاته وأهدافه الإسلامية، ولكن بحكم إدراك الحزب أنه لن يصل إلى سدة الحكم لو ظل وحيدا، دون تعاون مع أحزاب معارضة أخرى (عدد أعضائه 800 ألف)، فقد أخضع خطابه الانتخابي الموجه لرجل الشارع لإعادة صياغة بطريقة مكنته فعلا من جذب عدد أكبر من أصوات الناخبين، بعدما بدا لعقود سابقة كأنه "متقوقع" جغرافيا في ولاية أو ولايتين في الشمال الشرقي لماليزيا لا أكثر. كما أن برنامجه الانتخابي يعكس بشكل أو بآخر محتوى خطابات قياداته أمام الجماهير، هذه الخطابات التي رفعت شعار السعي لتأسيس "حكومة عادلة وأمينة وذات حكم رشيد". ويلاحظ هنا عدم وجود مصطلح "دولة إسلامية"، رغم أن تلك الصفات أو العناصر تعد من مكونات الهوية السياسية للحركات الإسلامية. ومع ذلك فقد ظل الإسلام حاضرا في تفاصيل الخطاب بصياغته الجديدة، ولكن بمصطلحات أقل جذبا لأضواء الإعلام. لقد ركز الحزب الإسلامي في ديباجته الانتخابية على ما يلي:




  1. السعي لإيجاد نموذج حكم في دولة تهتم برعاية شعبها، وتوفر له كل الفرص الحياتية التي يحتاجها.


  2. احترام العملية الانتخابية، والتعامل معها باعتبارها أحد أوجه الديمقراطية الهامة.


  3. التعامل مع الأزمات التي تعيشها البلاد، كارتفاع مستوى المعيشة وتزايد نسبة الجرائم الأخلاقية والجنائية في السنوات القليلة الماضية بجدية ونجاعة.


  4. إعلان الحرب على ما سمي بـ"وباء الفساد المالي والإداري".


  5. تحقيق نظام قضائي وأمني عادل ومنصف للمواطن، وضمان الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية.


  6. السعي لجعل الإسلام منهجا شاملا يحيا به المسلمون في شؤونهم الخاصة والعامة، وليس مجرد طقوس تعبدية فقط.


  7. إعادة النظر في الخطط الاقتصادية والسعي إلى مزيد من الشفافية والعدالة في توزيع الثروات، والنزاهة وعدم استغلال ثروات الدولة في غير محلها، ومحاربة الفقر، ودعم الطبقة المتوسطة من كل العرقيات والقوميات.


  8. النهوض بقطاع التعليم ليكون متميزا على المستوى الدولي، مع الحفاظ على خصوصية المدارس الإسلامية للملاويين، إلى جانب المدارس التي تحتضن الصينيين والهنود واعتبار ذلك جزءا مكونا لبوتقة التعليم الوطني.


  9. رفع الإنفاق الرسمي على الصحة وخدماتها، وإنشاء صندوق صحي جديد تسهم في تمويله ميزانية الدولة وكبرى الشركات الحكومية كشركة النفط والغاز(بيتروناس)، وهو ما نصحت به فعلا منظمة الصحة العالمية، وذلك خلافا للنموذج الرسمي المطروح الذي يمول من مدخرات المواطنين.


  10. إعادة صياغة سياسة الأجور وضبط الحد الأدنى لها.


  11. طرح برنامج يقوم على سياسة جديدة بشأن امتلاك الأراضي.


  12. رفع مستوى الاهتمام بالمرأة وحقوقها.


  13. تحقيق الاكتفاء الذاتي من المنتجات الزراعية الأساسية التي تستوردها ماليزيا بمبالغ طائلة ضمن خطة أمن غذائي شاملة.


  14. إعادة صياغة السياسة الإعلامية وقوانينها وضمان حق المواطن في الإطلاع على ما يهمه.


  15. عدم إهمال البيئة ضمن مشاريع التنمية والمدنية السريعة.


  16. إعادة صياغة خطة الوحدة الوطنية من أجل وئام ديني راسخ وتأسيس هيئة تهتم بديانات غير المسلمين من مسيحيين وهندوس وبوذيين، على خلفية وجود هيئات دينية عديدة تعنى بالمسلمين وشؤونهم.





"
ظلت ماليزيا منذ الاستقلال تحكم بنظام تحالف فريد من نوعه كان له إيجابيات في إرساء روح التعايش الديني والعرقي

"
ولو استمعنا لحكام الولايات الثلاث التي يحكمها الحزب الإسلامي (كلانتنان وقدح وبيراق) لوجدنا تغييرا في صياغة خطابهم سعيا منهم لطمأنة غير المسلمين، خاصة أن الإعلام والخطاب الرسمي ظلا يخوفانهم من "بعبع الإسلام السياسي". كما أن الحزب الإسلامي استعان في خطابه بسجل حكمه لولاية كلانتنان لمدة 18 عاما، وهو سجل لم يشهد حالة إهانة أو ظلم لغير المسلمين، بل إن أكبر تماثيل بوذا في ماليزيا بنيت في منطقة تقطنها أقلية بوذية في ولاية كلانتنان، التي يحكمها الإسلاميون وهي ذات أغلبية مسلمة، ومنذ عقود لم يتعرض أحد من المسلمين لهذه المعابد أو التماثيل بأذى.


  • حركة الدفاع عن حقوق هندوس ماليزيا: ونشير هنا إلى كون هذه الحركة سببا من الأسباب التي أدت إلى تراجع حظوظ الحزب الحاكم لصالح المعارضة، لأنها فعلا قوة انتخابية فاجأت الحكومة وحركت أصوات الهنود (أقل من 8% من السكان) لصالح المعارضة، بل إنها كانت جريئة في تسميتها وتحركاتها باسم "الهندوس" وليس "الهنود"، كما أنها لقيت تعاطفا من قبل بعض الجهات الدولية التي تجد في موضوع الحريات الدينية وجبة شهية. ورغم أن قضيتهم ليست دينية في جذورها بقدر ما هي قضية ناتجة عن إهمال للأوضاع الاجتماعية والتعليمية للهنود على نحو ما تقول قيادات هذه الحركة نفسها التي تمثل ما يعتبر تحالفا يضم عشرات المنظمات والجمعيات الصغيرة للهندوس فإنها مع ذلك تمكنت من استثارة العواطف الدينية عند الهندوس وجذبهم لصالحها. إن إشكالية هؤلاء تكمن في أن الحكومة لم تلتفت إلى إمكانية احتواء هذه الحركة منذ نشوئها، بل بدلا من ذلك حركت رجال الشرطة للتعامل مع مظاهراتها ليلتقط الإعلام العالمي هذه الصورة. لكن رغم ما وقع فإن البعض كان يشير إلى إمكانية أن يحتوي التحالف الحاكم هذا الأمر قبل الانتخابات، ولهذا مني كونغرس هنود ماليزيا المشارك في التحالف الحاكم بهزيمة ساحقة.



  • أنور إبراهيم: لا يمكن إنكار أن أنور إبراهيم لا يزال رقما صعبا في المعادلات السياسية الماليزية كما أدرك ذلك مبكرا محاضر محمد نفسه رئيس الوزراء الماليزي الأسبق، حيث فتح الباب أمام أنور ليتسلق الهرم السياسي لحزب المنظمة القومية الملايوية المتحدة (المعروف باسم أمنو أكبر أحزاب التحالف الحاكم) منذ مطلع الثمانينيات، حتى صار نائبا لمحاضر ونائبا لرئيس الوزراء، لكن أسبابا كثيرة سياسية ومالية (وربما أيدلوجية) دفعت محاضر إلى عزل أنور ثم دحرجته إلى واد سحيق من المحاكمات والإبعاد السياسي لمدة 9 سنوات متتالية (1998-2008). وخلال الانتخابات الأخيرة لم يكن لأنور بعد الحق في الترشح (رفع الحظر القانوني عن ترشحه لأي منصب سياسي مقرر حسب القضاء أواسط أبريل/نيسان أي بعد أسابيع من الانتخابات)، وقد يكون إجراء الانتخابات قبل موعدها أمرا مقصودا في حد ذاته لإبعاد أنور إبراهيم عن المشاركة السياسية. لكن هذه العوائق لم تمنع أنور إبراهيم من المشاركة في الحملات الانتخابية لحزبه وللأحزاب المعارضة الأخرى، وقد جاء تأييد الناخبين له في صورتي فوز زوجته د. وان عزيزة وان إسماعيل (في دائرة زوجها)، وكذا فوز ابنته نور العزة أنور، التي دخلت في منافسة مع وزيرة وثانية أشهر القيادات النسائية في التحالف الحاكم، رغم أن رئيس الوزراء بدوي شارك في حملة الوزيرة في هذه الدائرة بنفسه.



  • السياسة المؤطرة بالأعراق وأحزاب المحاصّة العرقية: ظلت ماليزيا منذ الاستقلال تحكم بنظام تحالف فريد من نوعه، كان له إيجابيات في إرساء روح التعايش الديني والعرقي. فقبيل الاستقلال برزت ثلاثة أحزاب هي: المنظمة القومية الملايوية المتحدة (أمنو) ممثلة للملايويين المسلمين، ورابطة صينيي ماليزيا، وكونغرس هنود ماليزيا. وتوسع التحالف الحاكم ليشمل 14 حزبا بعضها صيني وبعضها هندي، وبعض آخر يمثل قبائل وعرقيات شرقي ماليزيا (التي لها خصوصية من حيث وجود قوميات مختلفة من السكان الأصليين فيها ولهم أحزابهم). فهذه الأحزاب اتفقت انطلاقا من البراغماتية واحترام الآخر والتعايش معا على الشراكة في الحكم والعمل بالمحاصّة العرقية والقومية. وظل التحالف بين هذه الأحزاب تحالفا ثابتا ولم يكن موسميا خلال الانتخابات كما هو الحال في الدول الأخرى، حيث كانوا يتقاسمون الدوائر في الانتخابات حسب نسبهم السكانية أو هكذا تبدو، وبعد الفوز في كل مرة يتقاسمون الحقائب الوزارية والوظائف الهامة. بيد أن هذا الأسلوب لم يعد يجد تجاوبا من قبل الكثير من الناخبين الذين فضلوا مثلا حزب العدالة الشعبي لكونه قدم لهم برنامجا سياسيا منفتحا على كل القوميات والعرقيات والديانات، بل إن الكثير من قيادات التحالف الحاكم، وعقب الانتخابات مباشرة، اعترفت بضرورة تحول "التحالف" الحاكم إلى "حزب" واحد على غرار العدالة الشعبي، يمتزج فيه الجميع بدلا من نظام المحاصّة والتأطير العرقي لكل حزب.



  • الخطة الاقتصادية والخطة التنموية الجديدتين: إثر أحداث المواجهات العرقية بين الصينيين والهنود عام 1969، وبعد تبين تأخر الملايويين من أهل الأرض (البومي بوترا أو السكان الأصليين) عن بقية السكان الصينيين من حيث المشاركة الاقتصادية، تبنت الحكومة سياسة اقتصادية تفضيلية تسعى للنهوض بأحوال الملايويين الذين وجدوا أنفسهم مهمشين ومنحصرين في المجال الزراعي وظيفيا، وفي الأرياف جغرافيا منذ أيام الاستعمار، في حين ركز الصينون على المدن والقيام بالأعمال التجارية. هكذا كانت الحالة خلال الاستعمار البريطاني، وظلت حتى بعد رحيله لفترة غير قصيرة. وفعلا حققت الخطة الكثير من المنجزات، ولا يمكن للمعارضة إنكار كون الملايويين استفادوا منها، بحيث أسهمت في بناء طبقة متوسطة من المتعلمين ورجال الأعمال والمثقفين الملايويين خلال العقود الثلاثة الماضية، لكن قادة المعارضة – رغم أن بعضهم استفادوا شخصيا من هذه الخطة–يؤكدون في الوقت نفسه أنها صارت في الفترة الأخيرة معرضة لسوء الاستخدام والاستغلال من قبل زعماء ملايويين في التحالف الحاكم ومقربين منهم، وعليه لم تعد مفيدة لرجل الشارع الماليزي. هكذا يقول الناقدون للحكومة، ومنهم الصينيون على وجه الخصوص الذين ظل كثير منهم يضمر عدم رضاه على هذه الخطة، على الرغم من سيطرتهم على نسبة كبيرة من الأعمال التجارية في البلاد، ليحولوا رفضهم لبقاء أية معاملة تفضيلية لصالح الملايويين إلى صوت مهم لصالح حزب الحركة الديمقراطية المعارض.

    أما حزب العدالة الشعبي فإنه يعرض برنامجا بديلا باسم الأجندة الاقتصادية الماليزية الجديدة، وذلك على خلفية تطبيقها في حكم الولايات أو الحكومة المركزية، وهو برنامج جذب الكثير من اهتمام الناخبين، ويرتكز في تنفيذه على مبادئ العدالة في التوزيع والشفافية والنزاهة وضمان حقوق المواطنين جميعا، أيا كانت عرقياتهم أو دياناتهم.



  • جيل جديد من الناخبين: طالما كان هذا العامل وراء النتائج الانتخابات المفاجئة في العديد من الدول كما هو الأمر اليوم في ماليزيا أيضا؛ فخلافا لأصوات الناخبين الذين صاروا تقليديا ملتزمين بتأييد حزب معين، وهو الأمر الذي بنى عليه التحالف الحاكم توقعاته المسبقة للانتخابات بالفوز الساحق، فإن الشباب الذين يدلون بأصواتهم لأول مرة خيبوا توقعات من كان يقلل من جرأتهم و طموحهم إلى التغيير.






  • "
    تتمثل مظاهر الإسلام الحضاري وخصائصه من وجهة نظر بدوي في: العالمية، الربانية، الأخلاق الفاضلة، التسامح، التكامل، الوسطية، التنوع، الإنسانية، وهي مفاهيم ليست غريبة على أصحاب الخطاب الإسلامي كما تؤكد على عدم الإضرار بأي من غير المسلمين من العرقيات والقوميات وأصحاب الديانات الأخرى

    "
    الانتقال من مراحل التأسيس والبناء التنموي إلى مرحلة النضج وإصلاح التفاصيل الدقيقة:
    هذا عنصر تختلط فيه جوانب اقتصادية واجتماعية وحتى فكرية، لكن الكثيرين لم ينتبهوا إليه؛ فماليزيا تخطت التأسيس والبناء التنموي في مراحله الأولى. لقد نجح التحالف الحاكم خلال العقود الخمسة المنصرمة -رغم كل ما يقال عن سلوكيات الفساد المالي والإداري في أجهزة الدولة– في تشييد بنية تحتية قوية إلى حد كبير مقارنة بالكثير من الدول. فكل من يزور ماليزيا يدرك هذه الحقيقة جيدا، لكن الخطاب الحكومي المبني على تذكير الناخب بأفضال التحالف الوطني الحاكم وإنجازاته لم يعد يجدي؛ فالناخب يقر بأن الكثير قد أنجز ويفتخر بكونه مواطنا ماليزيا، لكنه في الوقت نفسه يريد اهتماما أكثر بالتفاصيل الدقيقة لحياته اليومية، وكأننا هنا أمام لوحة فنية اكتمل رسم معظم عناصرها ولكن بقيت تفاصيلها الدقيقة دون اكتمال، وفعلا فقد حددت هذه التفاصيل توجهات الكثير من الناخبين الذين تجاوزوا مرحلة الثقافة السياسية السطحية إلى بلوغ تفكير سياسي أكثر نضجا ونقدا، فهم يريدون رواتب أعلى، وخدمات صحية أفضل، ومستويات تعليمة نموذجية، ونهوضا بمستويات معيشة الفقراء منهم، وحلا لإشكالات السكن التي يواجهها بعضهم، وفرص عمل للعاطلين.



  • الفارق بين نموذجين قياديين (من محاضر محمد إلى عبد الله بدوي): هذه ظاهرة طبيعية تحصل في تاريخ الحركات والأحزاب والدول، وليس هذا انتقاصا من شخصية بدوي، لكن لكل من بدوي وسلفه محاضر محمد الزعيم المؤسس أسلوبه الخاص، وطبيعة شخصيته المميزة، ولعله من سوء حظ بدوي أن خلف زعيما ذا أسلوب قيادي مركزي وحازم، وخطاب جريء وصوت عال. فبدوي يبدو هادئا وأقل انطلاقا في تصريحاته الصحفية، وأقل تحكما ومركزية داخل حزبه وحكومته، بل يبدو ميالا للتشاور مقارنة بمحاضر محمد. لا يسمح المجال هنا بالحديث التفصيلي عن سبب عدم رضا بعض الأطراف عن بدوي حتى داخل حزبه، فبعض العوامل لا ترجع إلى عيب في بدوي في حد ذاته. فقد حاول الرجل إنجاز مهمة الإصلاح التي وعد بها عند توليه مقاليد الأمور، إلا أنه وجد نفسه أمام نظام كامل يستدعي الإصلاح، كما أن هذا لا ينفي كون دافع التنافس الداخلي وأسباب أخرى، منها لوم الناقدين لبعض من بطانته تفسر ما حصل لصورة بدوي من اهتزاز في أعين الشارع الماليزي. وفي الخلاصة العامة يمكن القول إن مجموع هذه العوامل قد أثرت على شعبية بدوي قبيل الانتخابات حسب استطلاعات الرأي التي قامت بها جهات مستقلة، كتلك الدراسة التي قام بها أساتذة قسم العلوم السياسية بالجامعة الوطنية الماليزية وأعلنت قبل الانتخابات بثلاثة أيام. فقد أشار الاستطلاع إلى أن بدوي بدأ حكمه، والناس تنظر إليه على أنه "الرجل النظيف"، لكن هذه الصورة ما فتئت أن ضعفت مع حلول الانتخابات مقابل صعود شعبية محاضر الذي تبين أنه ما زال يحظى بشعبية لدى نصف ممن استطلعت آراؤهم، رغم أنه ترك الحكم منذ خمس سنوات تقريبا. بالطبع هذا الأمر أثار لغطا بين سياسيي حزب أمنو الذي يقوده بدوي خلفا لمحاضر، ووصلت الانتقادات المتبادلة بين قيادات الحزب الأكبر في ماليزيا حد مطالبة محاضر محمد وابنه والأمير تنغكو رزالي وغيرهم، بدوي بالاستقالة من منصبه، وهو ما رفضه بدوي حتى الآن، وربما قد يضطر لذلك مستقبلا.



  • الانفتاح على العالم اقتصاديا وثقافيا وحتى دينيا وسياحيا: إذا علمنا أن المعارضة قد فازت بعشر مقاعد من مجموع 13 مقعدا برلمانيا تمثل العاصمة كوالالمبور وتوابعها من المناطق الاتحادية، ولو كان هناك حكم محلي للعاصمة لكان فعلا من نصيب المعارضة الآن، فيمكننا أن ندرك تأثير الانفتاح والتواصل مع العالم الخارجي على الناخب الماليزي، الذي لم يعد تقليديا كما اعتقد قادة التحالف الحاكم. لقد تزايد تواصل الماليزيين مع غيرهم في السنوات الماضية من خلال سفرهم للدارسة والعمل والسياحة، ومن خلال تزايد أعداد الأجانب في بلادهم. إن تدفق عشرات الآلاف من الطلبة ومثلهم من رجال الأعمال، ومئات الألوف من العاملين، والملايين من السياح (نجاح منقطع النظير للدعاية السياحية الماليزية التي جذبت 21 مليون سائح عام 2007 !! مقابل عدد سكان ماليزيا البالغ 26 مليون نسمة فقط) على ماليزيا، إلى جانب التواصل الديني والتعليمي والثقافي. فكل ذلك أسهم بدرجات متفاوتة في تغيير الكثير من ملامح وأسلوب التفكير السياسي للعقل الماليزي. فعلا هناك جملة عناصر تعتمل داخل المجتمع الماليزي وتساهم في إعادة تشكيله بعيدا عن الأنظار وما يطفو على السطح الخارجي.



  • الإسلام الحضاري: الدين الرسمي للدولة هو الإسلام، ولطالما كان هذا الأمر محل جدل بين الإسلاميين والوطنيين المحايدين في هذا الشأن، والعلمانيين المعارضين لأسلمة الدولة. فزعامات التحالف الوطني وعلى رأسها محاضر محمد سابقا، وعبد الله بدوي اليوم، تؤكد أن ماليزيا دولة إسلامية. محاضر نفسه بدأ جهودا لأسلمة الكثير من مناحي الحياة، وقد ساعده أنور إبراهيم ومن معه في إنجاز هذه المهمة منذ بداية الثمانينيات. وجاء بدوي فأطلق مبادرة أخرى باسم الإسلام الحضاري، وهو توجه يركز على التنمية بما يتوافق مع مبادئ الإسلام، ويهتم بتحسين مستوى معيشة المواطن عبر المعرفة والنهوض بالمجتمع وأفراده. كما أنه نموذج يسعى لتحقيق ثنائية التنمية والصلاح الديني والأخلاقي في نفس الوقت، والجمع بين النهوض الاقتصادي والصناعي من جهة، والالتزام بمنظومة القيم الإسلامية في مواجهة العالم المتعولم من جهة أخرى. إن الإسلام الحضاري ليس مذهبا جديدا بقدر ما هو محاولة لإعادة الأمة المسلمة إلى منابع إسلامها الحنيف (القرآن الكريم والسنة النبوية) التي كانت أساس بناء الحضارة الإسلامية لقرون مديدة. فبدوي الذي استعان بأكاديميين من الجامعات الماليزية في صياغة هذا المفهوم أو التنظير لهذا التوجه، يؤمن بوظيفة الدولة ومسؤوليتها الدينية إلى جانب وظيفتها الدنيوية، وبأن ينعكس ذلك على الخطط الاقتصادية وتنمية القوى البشرية والمناهج التعليمية. ويهدف "الإسلام الحضاري" إلى تحقيق 10 أهداف نشير إليها فيما يلي –لأنه يفترض أن تظل محل تطبيق ما دام بدوي في السلطة- وهي:




    1. الإيمان بالله وتحقيق التقوى.


    2. الحكومة العادلة.


    3. حرية واستقلال الشعب.


    4. التمكن من العلوم والمعارف.


    5. التنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة.


    6. النهوض بمستوى الحياة.


    7. حفظ حقوق الأقليات والمرأة.


    8. حماية الأخلاق الحميدة والقيم الفاضلة.


    9. حماية البيئة.


    10. تقوية القدرات الدفاعية للأمة.

تتمثل مظاهر الإسلام الحضاري وخصائصه من وجهة نظر بدوي في: العالمية، الربانية، الأخلاق الفاضلة، التسامح، التكامل، الوسطية، التنوع، الإنسانية. وهذه المفاهيم ليست غريبة على أصحاب الخطاب الإسلامي، وهي إلى جانب ذلك تؤكد على عدم الإضرار بأي من غير المسلمين من العرقيات والقوميات وأصحاب الديانات الأخرى. فمن أهداف هذه الخطة (الإسلام الحضاري) في نهاية المطاف إعداد الأمة المسلمة، كما يقول أصحاب هذا المفهوم، لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين دون أن تنسى دينها وقيمها، ومن ذلك مهمة الإنسان الذي استخلف لإعمار هذه الأرض، وهو مسعى لتغيير أسلوب تفكير وحياة الملايويين المسلمين بأن يكونوا أكثر "جهادا" و"اجتهادا" في النهوض بحياتهم وبلادهم، وأكثر "إتقانا" في أعمالهم، وأن يستعينوا بأواصر "الأخوة الإسلامية" والبحث عن "الحكمة والعلم" أينما وجدت، مستذكرين "أثر الحضارة الإسلامية في ظهور عصر النهضة الأوروبية". ويبدو في الخلاصة النهائية أن الإسلام الحضاري، ليس إلا مسمى جديدا لما يعرف بـ"الإسلام منهج حياة".


لكن هذا الخطاب نظر إليه من قبل الإسلاميين الآخرين سواء في الحزب الإسلامي الماليزي أو في جهات أخرى، على أنه وسيلة لتقوية تأييد المسلمين الملايويين للسلطة، وأن كثيرا منه يفتقد لمقومات التطبيق العملي، ولا يعدو أن يكون جزئي التأثير. فقد اعتبره الناقدون –أكاديميا- تكرارا لما هو قائم من سياسات حكومية ساعية لأسلمة الدولة والمجتمع، كما رأى فيه المعترضون و"المتوجسون خيفة" من غير المسلمين توجها نحو دولة إسلامية لا يريدون لها قياما في ماليزيا؛ ولذلك أثار هذا الخطاب جدلا بين الكثير من الأوساط الشعبية أكثر مما جذب تأييدا للحكومة، التي يقول بعض المؤيدين لمضمون هذا الخطاب إنه كان عليها أن تنفذ هذه المفاهيم دون ضجة إعلامية وبصمت. بل إن التسمية ذاتها أثارت انتباه الباحثين في الشأن الإسلامي، حيث إنها توحي بأن هناك "إسلاما حضاريا" وآخر "غير حضاري".




  • الإنترنت: المعارضة في مواجهة الإعلام المطبوع والمرئي الرسمي: تتبع وسائل الإعلام الرئيسية في ماليزيا توجهات الدولة وأحزابها، وليس للمعارضة قناة تلفزيونية أو صحيفة يومية أو إذاعة، فوسائل إعلامها صحف ونشرات أسبوعية توزع على أعضائها فضلا عن خطابات زعمائها الجماهيرية. لكن الوسيلة التي حركت الجماهير، لاسيما المثقفة والمتعلمة منها، هي مواقع الإنترنت التي أثبتت فاعليتها حيث أقر بدوي بأن عدم اهتمام تحالفه بالإنترنت كان أحد أسباب العاصفة التي واجهها في الانتخابات، وهذا يكفي لإيضاح أثر المواقع الحزبية أو الإخبارية أو المنتديات في التواصل والتأثير على المرشحين المعارضين والناخبين.



  • التركيز على ولاية ترنغانو ونسيان الولايات الأخرى: هذا خطأ تكتيكي على مستوى الولايات وقع فيه التحالف الحاكم، فقد سبق أن حكم الحزب الإسلامي المعارض ولاية ترنغانو (1999-2004) ثم استعادها التحالف الحاكم في انتخابات 2004، وكان الخوف كل الخوف بالنسبة للتحالف الحاكم من أن يعود الحزب الإسلامي ثانية إليها، فتركزت جهود التحالف الحاكم على تحقيق الفوز في هذه الولاية بأي ثمن، حتى أثيرت قضية الحافلات التي تنقل "ناخبين أشباحا" من مناطق أخرى اصطدم راكبوها بمؤيدي الحزب الإسلامي يوم الاقتراع في ترنغانو المعروفة بأنها من معاقل الإسلاميين. وبالفعل تمكن التحالف الحاكم من المحافظة على ولاية ترنغانو، لكن قادته لم ينتبهوا إلى أن الجماهير في أربع ولايات أخرى إلى جانب كلانتان وهي الخامسة، فضلا عن العاصمة كانت تنتظر كلها حكاما لولاياتها من المعارضة، فكأن التركيز الحكومي كان على جبهة ترنغانو في حين تجاوز تحول الناخبين نحو المعارضة في جبهات أخرى توقعات الجميع، وهكذا فوجئ التحالف الوطني الحاكم بخسارته في العاصمة وخمس ولايات أخرى، إلى جانب فوز المرشحين المعارضين في دوائر أخرى كانت حكرا على التحالف الحاكم منذ الاستقلال.


المحور الثاني: محددات (أو مؤثرات) المستقبل وتساؤلاته الـ15





"
عقب ظهور نتيجة الانتخابات كان رئيس الوزراء الماليزي السابق محاضر محمد الذي اختار بنفسه عبد الله بدوي ليخلفه، أول من ألقى باللائمة في تراجع التحالف الحاكم على بدوي شخصيا

"
لن ندخل هنا في خضم تحديد السيناريوهات المستقبلية المحتملة، رغم أننا سنأتي على ذكر ذلك ضمنيا في سياق التحليل، لكننا سنشير إلى محددات أو مؤثرات وتساؤلات تعين على استشراف المستقبل السياسي لماليزيا، ونحدد من بينها 15 عنصرا مؤثرا، وذلك على النحو الآتي ذكره:


  • تماسك التحالف الوطني الحاكم: تتركز أهم العناصر التي من الممكن أن تغير المستقبل السياسي لماليزيا حول التساؤل التالي: هل سيظل التحالف الوطني الحاكم متماسكا؟ علما بأن هذا الأمر يتوقف أساسا على مدى تمسك حزب المنظمة القومية الملايوية المتحدة (أمنو) بأعضائه البالغين 2.7 مليون ملايوي مسلم، وهو بمثابة العمود الفقري للتحالف الذي يضم أحزابا أخرى تمثل الصينيين والهنود والقوميات الأخرى من سكان شرق ماليزيا التي يسكن فيه 25% من السكان مقابل 75% في شبه جزيرة الملايو بغرب ماليزيا وفيها العاصمة ومعظم الولايات. فهناك اليوم دعوات مرتفعة بتحويل التحالف إلى حزب واحد، وهذا ليس بالأمر الهين. فكيف يمكن دمج كل تلك التشكيلات المختلفة من العرقيات والقوميات التي اعتادت التحالف، وتقاسم كعكة السلطة بالتفاهم المسبق قبل الانتخابات، كيف يمكنها الانصهار في بوتقة حزب واحد؟ وما هي شروط كل طرف؟



  • من المبكر الحديث عن هذا الأمر الآن نظرا لاستبعاد حدوثه في الوقت الراهن أو حتى قريبا. أما على المدى القريب فإن ما نعنيه بتماسك التحالف الحاكم هو احتمالات انتقال قسم من نوابه البرلمانيين إلى المعارضة (تحتاج المعارضة ما بين 30 و40 نائبا لتشكيل حكومة بديلة)، وبذلك يفقد التحالف الحاكم حتى الأقلية البسيطة (112 مقعدا هي شرط تشكيل الحكومة و148 هي الأغلبية الساحقة اللازمة للتعديلات الدستورية)، وهذا ما تشيعه قيادات تحالف الشعب المعارض، وما يثير مخاوف الأحزاب الحاكمة التي اضطرت حتى لمراقبة نوابها ومعرفة ما إذا كانت هناك اتصالات بينهم وبين قادة المعارضة لترتيب صفقات الانتقال وبالتالي إسقاط حكومة التحالف الحاكم واستبدال تحالف الشعب المعارض بها. والحديث هنا لا يقتصر على حزب أمنو، حيث إن أحزاب الصينيين والهنود تعيش أزمة ثقة الناخبين كذلك، الأمر الذي شكل أزمة قيادية هزت بدورها تماسك التحالف الحاكم، وربما ينتقل فعلا بعض نواب الحزب الحاكم إلى حزب العدالة أو الحركة الديمقراطية المعارضين.

    بعض القادة الشباب من حزب العدالة والحزب الإسلامي يتحدثون بجدية وحماسة عن ضرورة تغيير خطاب أحزابهم والاستعداد الذهني والنفسي، فضلا عن تأهيل البرامج والخبرات لإمكانية أن يتحولوا من معارضين إلى أحزاب سلطة خلال عام 2008. إذا كان هذا شأن المتفائلين من المعارضين، فهناك آخرون يستبعدون حدوث ذلك قريبا. بالطبع يظل هذا سيناريو من السيناريوهات وليس السيناريو الوحيد، وفي حال حصوله فإنه سيعني قدوما مبكرا للمعارضة لأول مرة إلى السلطة في ماليزيا، وإلا فعليها أن تنتظر الانتخابات القادمة بعد أربع سنوات في حالة تماسك التحالف الحاكم واستجابته لدعوات الإصلاح السريع قبل مواجهته أزمات داخلية أكثر تهديدا لنفوذه السياسي ولمصالحه الاقتصادية.



  • أداء أو مستقبل عبد الله أحمد بدوي: عقب ظهور نتيجة الانتخابات كان محاضر محمد رئيس الوزراء الماليزي السابق -الذي اختار بنفسه عبد الله بدوي ليخلفه في أكتوبر/تشرين الأول 2003 – أول من ألقى باللائمة في تراجع التحالف الحاكم على بدوي شخصيا، كما صدر نفس الموقف عن ابن محاضر موخريز محاضر، –الذي خلف والده في دائرته الانتخابية بعد كبر سن محاضر- حيث طالب بدوي بصريح العبارة بالاستقالة، وهو ما رفضه بدوي مدافعا عن نفسه. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ليس من الموضوعي أن يلام بدوي عن كل الأخطاء والمشكلات التي تعيشها البلاد، فقد استلم الحكم منذ أقل من خمس سنوات، ولهذا يدور جدل حول حجم الأخطاء التي ورثها بدوي عن حقبة سلفه محاضر محمد، وتلك المرتبطة بفترة حكمه.

    ليس من السهل تحديد ذلك بدقة، وليس من هدف هذه السطور تحديد أخطاء أو إنجازات كل من بدوي ومحاضر، لكن انتقاد هذا الأخير لمن اختاره بنفسه، وقوله إنه نادم على اختياره لقيادة البلاد، يثير تساؤلا حول أداء محاضر نفسه وحجم أخطائه، رغم أنه أنجز الكثير من المكاسب التي لا مراء فيها لصالح ماليزيا. لقد اعترف بدوي بعد شهر ونيف من انقضاء الانتخابات في 12/4/2008 بأنه كان شخصيا أحد العوامل التي ساهمت في العاصفة السياسية التي هبت على تحالفه الحاكم، مقرا بأن الكثير من الوعود السابقة بالتحسين والتغيير لم تنفذ حتى الآن، واعدا بالعمل على إعادة تأهيل حزبه وتحالفه، وقال إن هذه الوعود أدرجت في البرنامج الانتخابي لتحالفه منذ عام 2004، ومنها معالجة العجز المالي و إصلاح الشركات المرتبطة بالحكومة. ومن المؤكد أن تصريح بدوي هذا لن ينهي الأزمة ولن يكون كافيا لإرضاء من يريد إسقاطه، فحزبه بدأ يغلي من الداخل وهناك من دعاه فعلا إلى فتح باب التنافس على كل المناصب القيادية، بما فيها منصب رئيس الحزب (وهو منصب رئيس الوزراء إن بقي التحالف الوطني حاكما) وذلك قبل ديسمبر/كانون الثاني المقبل في اجتماع استثنائي لحزب أمنو. فهل سيظل بدوي في منصبه وإلى متى؟ هل سيتم إسقاطه من داخل الحزب أم سيستقيل ليحل مكانه نائبه نجيب تون عبد الرزاق وزير الدفاع، أو غيره من شخصيات أمنو المتطلعة لصعود السلم القيادي للحزب؟ وهل صحيح ما يقال عن كون نجيب بات مفضلا لدى بعض الدول الغربية، وأقل اهتماما بجهود أسلمة الدولة؟ وهل سيستطيع بدوي أن يحافظ على منصبه بإجراء إصلاحات معينة وتحسينات تجميلية أم إن التحالف الحاكم برمته –إذا سعت المعارضة إلى حجب الثقة ونجحت في ذلك في البرلمان- سيسقط ويتحول إلى معارضة؟



  • تماسك المعارضة: لا يمكن النظر إلى أحزاب المعارضة على أنها صف واحد أو كتلة متجانسة، رغم أنها شكلت تحالف الشعب يوم 1/4/2008 إثر تنسيق قبيل وخلال الانتخابات؛ لأن تجربة عملها المشترك لا تزال حديثة العهد، ورغم أنها تعد نفسها لاستلام السلطة يوما ما -وهذا ما دفعها إلى عقد اجتماع خلال شهر أبريل/نيسان الجاري على خلفية تكوين تحالف سياسي يضم النواب البرلمانيين وأعضاء المجالس المحلية وحكام الولايات الذين فازوا من هذه الأحزاب المعارضة، وهو تحالف يهدف إلى تحديد الإستراتيجية المستقبلية والاتفاق تفصيليا على برنامج عمل موحد. علينا ألا ننسى هنا أن تحالفا سابقا بينها انحل عقده بسبب خلافات أيديولوجية بين الإسلاميين وغيرهم من المعارضين، إذ حصل صدام بين خطاب الحزب الإسلامي الداعي لأسلمة الحياة وحزب الحركة الديمقراطية الذي يعارض ذلك بشدة.




    "
    يتوقع أن يظل أنور إبراهيم شخصية هامة للغاية بالنسبة للمعارضة فوجوده سهل تشكيل تحالف الشعب بعد أن ظل الحزب الإسلامي وحزب الحركة الديمقراطية متباعدين
    "
    لكننا نرى أن الحزب الإسلامي "لطف" أو "خفف" من خطابه الإسلامي كما حصل مع أحزاب إسلامية في دول أخرى، كما أن حزب الحركة الديمقراطية خفف من حدة علمانيته ومعارضته لفكرة ترسيخ إسلامية دولة ماليزيا، هذا على الأقل خلال الفترة الماضية، ولذلك يظل التساؤل المطروح هنا: كيف ستثبت المعارضة تماسكها؟ وهل يستطيع أنور إبراهيم أن يمسك العصا من وسطها ليكون حزبه حزب وسط بمشروع العدالة الاجتماعية وبرنامج الأجندة الاقتصادية الجديدة بين إسلاميين عن يمينه ويساريين عن شماله؟ المعارضة ركزت في خطابها الموحد على اتفاقها على قواسم مشتركة، ومنها السعي إلى رفاهية الشعب، ومحاربة الفقر والفساد، وصيانة حقوق الإنسان والحريات، وترسيخ العدالة، وتوفير فرص متساوية أمام المهمشين خصوصا، بغض النظر عن العرق أو الدين. وبشيء من التفصيل، وعدت المعارضة ناخبيها بإلغاء القوانين ذات البعد الأمني، كقانون الأمن الداخلي الذي يسمح بالاعتقال لشهور أو سنوات دون محاكمة، وقانون الجامعات الذي يحرم الجامعيين من النشاط السياسي، وقانون سرية المعلومات الحكومية الذي يحد من قدرة الصحافة على الاطلاع على ملفات الدولة ومجريات أعمالها، ثم إصلاح وكالة مكافحة الفساد وتقويتها. ويعتبر تماسك المعارضة هنا عنصرا هاما، خاصة أنها باتت تسيطر على حكم خمس ولايات، وستزداد أهمية التماسك والتناغم البرامجي إذا ما استلمت السلطة المركزية، وحينها سيعول التحالف الوطني الذي يحكم اليوم على الاختلافات الأيديولوجية التي يمكن أن تظهر بين ثلاثي تحالف الشعب المعارض حاليا. والسؤال الجوهري المستقبلي هو: هل سينجح تحالف الشعب البديل هذا في تقديم وتطبيق نموذج حكم ناجح في شتى مناحي الحياة، يتجاوز نجاحات حكومات التحالف الوطني الذي قاده محاضر ومن بعده خليفته بدوي والذي ظل يحكم ماليزيا بنموذجه السياسي لخمسة عقود متتالية، وهل بوسعه فعلا تفادي أخطائه؟ من المعلوم هنا أنه ليس بمقدور كل أحزاب المعارضة تقديم نموذج ناجح للحكم يضاهي تجارب من حكم قبلها.



  • أداء المعارضة في حكم خمس ولايات وتمثيل العاصمة نيابيا: ستشكل مشاركة الأحزاب هذه في حكم ولاية بيراق التي أصبح حاكمها من الحزب الإسلامي ووزراؤه من حزبي العدالة والحركة الشعبية، اختبارا مصغرا لمدى إمكانية أن تشهد ماليزيا وصول التحالف الشعبي الثلاثي المعارض هذا إلى سدة الحكم المركزي في كوالالمبور، في حال تناغمت جهوده واستطاع بالفعل أن يحكم الولاية دون ظهور خلافات جذرية بين مختلف مكوناته بما من شأنه تهديد هذا التحالف في حكم الولاية بالسقوط، ثم في حال نجاحه في تقديم أداء إداري في تلك الولاية أفضل من الأداء السابق للتحالف الوطني الحاكم. فالناخب الماليزي لن يرحم أيضا المعارضة إن لم تقدم له إنجازات حقيقية من خلال الصلاحيات التي اكتسبتها على مستوى الولايات. فحزب العدالة الشعبي مثلا يحكم ولاية سلانغور، وحزب حركة الديمقراطية يحكم ولاية بينانغ، والحزب الإسلامي يحكم ثلاث ولايات كما سبقت الإشارة إلى ذلك. سيراقب الجميع الإعلام والناخبون، أداء المعارضة عن كثب، وكما هو معروف في عالم السياسية فإن التصويت السابق لصالحهم كان تصديقا وثقة بهم بوصفهم معارضين يصرخون بأعلى أصواتهم مطالبين بالإصلاح، ولكن متى استلموا السلطة في بعض الولايات وعززوا حضورهم القوي في البرلمان، فسيكون التصويت في الانتخابات المقبلة مبنيا على تقييم أدائهم، لاسيما في حالة عدم سقوط التحالف الوطني الحاكم في الحكم المركزي، فسيكون حينها نجاح المعارضين في الولايات الخمس ورقة جذب أصوات أكثر في انتخابات 2012، إن ظل الحال على ما هو عليه حتى ذلك التاريخ.

    جانب آخر مهم أيضا هو أن التحالف الوطني الحاكم اعتاد تعديل الدستور بما يناسب سياساته وخططه دون مواجهة صعوبة، نظرا لامتلاكه الأغلبية الساحقة في البرلمان. لكن في البرلمان الـ12 والقائم اليوم لن يستطيع القيام بأي تعديل دستوري كما فعل مئات المرات خلال العقود الخمسة الماضية، وهنا ينتظر المواطن الماليزي الذي يؤيد المعارضة من أحزابها أداء متميزا في المجال التشريعي تحت قبة البرلمان.



  • أنور إبراهيم والدور المستقبلي: يتوقع أن يظل أنور إبراهيم -إن لم تحصل مفاجآت- شخصية هامة للغاية بالنسبة للمعارضة، فوجوده سهل تشكيل تحالف الشعب بعد أن ظل الحزب الإسلامي وحزب الحركة الديمقراطية متباعدين، ولهذا استحال إسقاط التحالف الوطني الحاكم طوال العقود الماضية. فأنور إبراهيم شخصية تتمتع بمهارات قيادية وسياسية كثيرة، كما يتمتع بكاريزما واضحة، ولكونه مقبولا لدى المسلمين وغيرهم، فقد كان سببا في التقريب بين المختلفين من المعارضين. لقد أعاد تشكيل التحالف المعارض بعد تفككه لسنوات، كما نجح في حل الكثير من الإشكالات بين المعارضين، ابتداء من توزيع الدوائر على مرشحيه، وانتهاء بالاتفاق على أجندة حكم مشتركة في الولايات وتوزيع مناصبها دون تصارع فيما بينها. ولعل السؤال المهم هو: ما الدور الذي سيلعبه أنور في المستقبل؟ وهل سيعجل بدخوله إلى البرلمان في حالة إفراغ أحد نواب حزبه مقعده البرلماني لصالحه إن فاز في نفس الدائرة في انتخابات إعادة فيها؟ وهل سيظل مجرد زعيم للمعارضة أم سيصبح رئيسا لوزراء ماليزيا يوما ما؟ كل هذه الأسئلة لا يفضل أنور إبراهيم الخوض في الإجابة عنها حاليا.



  • اختبار صلاحية النموذج السياسي التعددي لحزب العدالة الشعبي: يعد خطاب حزب العدالة الشعبي بزعامة أنور إبراهيم جريئا في خطابه وأطروحاته السياسية رغم حداثة عهد هذا الحزب في الحياة السياسية الماليزية حيث إنه تأسس عام 1999، عقب العاصفة السياسية التي أدت إلى محاكمة وسجن أنور منذ أواخر عام 1998. فقد اخترق برنامج الحزب الحواجز العرقية التي مايزت بين الأحزاب الماليزية فصار كل منها يعرف بارتباطه بعرقية أو قومية معينة، وعندما أعلن أنور إبراهيم أن نتائج الانتخابات تمثل "بزوغ فجر جديد"، كان يريد أن يقول إن الماليزيين بتصويتهم للمعارضة قد فتحوا صفحة جديدة في الثقافة السياسية الماليزية، بل إن السنوات القادمة ستثبت ما إذا كان الاعتقاد بارتباط العمل السياسي بلون عرقي أو قومي محدد، وهو اعتقاد راسخ في صلب الحياة السياسية الماليزية، سيزول لصالح تحالفات سياسية تتجاوز الحواجز العرقية والدينية.
    يلاحظ أن تحالف الشعب المعارض يتكون من أحزاب تنطلق من أفكار وأيديولوجيات متنوعة بيد أنه لم يتخلص تماما من اللون العرقي والديني. فرغم أن الحزب الإسلامي ملايوي لأن معظم مسلمي ماليزيا من الملايويين فإنه فتح الباب أمام المسلمين من الصينيين والهنود، ورغم أن حزب الحركة الديمقراطية صيني في الغالب فقد فتح الباب أمام غير المسلمين من الهنود.

    أما حزب العدالة فإنه يعكس النسب الديمغرافية لألوان الطيف الاجتماعي؛ فقادته من المسلمين الملايويين، و60% من أعضائه وشخصياته من الملايويين المسلمين كما هي نسبتهم سكانيا، إلى جانب احتضانه الهنود والصينيين (هندوسا وبوذيين ومسيحيين). يتقدم حزب العدالة ببرنامج سياسي بني على تصور مفاده أن الماليزيين يريدون ممارسة حزبية مختلفة عما ألفوه حتى اليوم، تمزج بين كل القوميات، وتعمل على تحقيق منافع مشتركة مع الحفاظ على حقوق الجميع الثقافية والدينية، مادامت الكثير من الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها الجميع موحدة وتهم الجميع. ومن المعلوم هنا أن هذا البرنامج سيخضع لاختبار مصغر أثناء حكم حزب العدالة لولاية سلانغور، وفي حالة نجاحه، فإن فلسفته المنفتحة عرقيا وقوميا ستهيئ الحزب للقيام بدور أكبر، ربما في ريادة سياسية أخرى على مستوى الحكم الاتحادي المركزي. إنها فرضية سياسية ستظهر الأيام مدى صحتها ونجاعتها، لاسيما أن محاولتي حزبي غيراكان والشعب التقدمي سابقا باءتا بالفشل حيث تأسستا على التعددية العرقية في تشكيلاتهما إلا أنهما تحولا إلى الانتظام العرقي فيما بعد، عندما انضما للتحالف الوطني الحاكم، وإن كان هناك فارقا اليوم سواء في السياق الزمني أو في القيادات السياسية والأجواء العامة بين تجربتي هذين الحزبين ماضيا وحزب العدالة راهنا.



  • مستقبل الحزب الإسلامي قوة ملايوية بديلة عن حزب أمنو: حزب العدالة الشعبي رغم أن غالبيته من الملايويين، فإنه لا يعتبر حزبا ملايويا صرفا؛ ففيه عناصر من كل الديانات والأعراق، وهذا ما يجعل مستقبل خطابه السياسي معرضا للتقلب في بعض الأحداث الحساسة. إن الحفاظ على تأييد قاعدة عريضة عرقيا ودينيا أمر يحتاج إلى قيادة فائقة الحنكة والذكاء؛ وليس بالأمر السهل إرضاء أطراف مختلفة في قومياتها ومعتقداتها الدينية في نفس الوقت. إن حفظ حقوق الملايويين المسلمين، و الإبقاء على سيادتهم سياسيا في نفس الوقت، بحكم أنهم الأغلبية وأهل الأرض، يستلزم في حال سقوط التحالف الوطني الحاكم (حيث حزب أمنو الملايوي هو الأقوى) أن يكون في تحالف الشعب المعارض حزبا إسلاميا (باعتبار الإسلام هوية ثقافية وسياسية للملايويين وليس فقط برنامجا وأيدلوجيا فكرية)، ويبدو أن المرشح الوحيد للقيام بهذا الدور هو الحزب الإسلامي (رغم أنه منفتح أمام المسلمين من الصينيين والهنود). هناك من حزب أمنو من طرح هذه الفكرة بلغة التحذير من أن حزب أمنو سيفقد الريادة بين الملايويين لصالح أحزاب أخرى معارضة، والتساؤل هو: إلى أي مدى سيتجه خطاب الحزب الإسلامي باتجاه مخاطبة المسلمين وغيرهم، سواء تعلق الأمر بتخفيف حدة التركيز على السعي لتطبيق الحدود، أو إعلان السعي لتأسيس دولة إسلامية (رغم أن التحالف الحاكم يقول إن ماليزيا بالفعل دولة إسلامية)، وكذا تركيز الخطاب على الجوانب التي تمس الحياة اليومية للناس؟ وهل يدرك قادة الحزب الإسلامي دورهم الذي لم يعد، في نظر ناخبيه، مجرد معارض يرفع شعارات إسلامية براقة ويعقد احتفالات جماهيرية همها تصيد أخطاء التحالف الحاكم، بل قيادة حزب مرشح لأن يكون بديلا عن حزب أمنو الذي ظل منذ ما قبل الاستقلال أكبر حزب للملايويين المسلمين؟ هل يدرك قادة الحزب الإسلامي أنه في حال تذبذب مواقف حزب العدالة الشعبي مستقبلا – لأي سبب كان- فإن الحزب الإسلامي سيكون "صمام أمان سياسي" للملايويين، ضمن أية تشكيلة حكم قادمة تضم المعارضة وتشترك فيها الأطراف الرئيسية الثلاثة: حزب العدالة والحزب الإسلامي والحركة الديمقراطية؟



  • مكانة الإسلام والتجاذب الديني: هل سيظل الإسلام هو السائد سياسيا وحضاريا؟ أم إن تعاظم دور الصينين والهنود السياسي قد يؤثر على ذلك ولو جزئيا؟ أم إن حزب العدالة والحزب الإسلامي سيقدمان نموذجا أكثر نفعا للمسلمين ولغيرهم، وأفضل من نموذج حكم التحالف الوطني الحاكم بشأن التعايش الديني، وذلك بالمواءمة بين الأسلمة من جهة وحفظ حقوق غير المسلمين والأقليات والقوميات الأخرى من جهة ثانية؟ يشار هنا إلى أن نسبة المسلمين تبلغ 60.4% من السكان البالغ عددهم ما بين 26 و27 مليونا حسب تقديرات عام 2007، ويشكل البوذيون نسبة 19.2%، والمسيحيون9.1%، والهندوس 6.3%، وتشكل الديانات الصينية القديمة (الطاوية والكونفوشوسية) والديانات المحلية الأخرى 5%.

    مع أن الإسلام دين الأغلبية يحتفظ غير المسلمين بحقوقهم الدينية والمدنية، ولطالما أثير جدل حول هوية ماليزيا وما إذا كانت إسلامية أم علمانية، وقد شهدت انتخابات عام 2008 الأخيرة تصاعدا لصوت الكنيسة وسعيها لأول مرة إلى توجيه الناخب المسيحي لاختيار المرشحين الذين يدافعون عن علمانية الدولة و"الحريات الدينية"، وهي عبارة "دبلوماسية" تضمر رفضا لحديث السياسيين عن أسلمة الدولة، وتدعم مرشحين من غير المسلمين أيا كانت أحزابهم ممن يسعون لتطبيق برامج تفيد غير المسلمين بشكل مباشر، كرفع القيود القانونية المفروضة على ردة المسلم وتحوله إلى دين آخر، وتسهيل بناء المزيد من المدارس الصينية والتاميلية وغير ذلك، وتسهيل العمل التبشيري بين المسلمين وغيرهم من السكان الأصليين.

    من جانب آخر نجد أن عددا كبيرا من المنظمات والجمعيات الإسلامية، وعلى رأسها حركة الشباب الإسلامي، وجماعة إصلاح ماليزيا واتحاد علماء ماليزيا قد وحدت موقفها في مطالبة جميع الأحزاب سواء الحاكمة أم المعارضة بعدم المساس بمكانة الإسلام التي أقرها الدستور الماليزي باعتباره دين الأغلبية الضامن لحقوق الأقليات، مؤكدين على نقاط أساسية نذكر أهمها:




    1. الدفاع عن مكانة الإسلام الدستورية بوصفه دين الدولة، ورفض الادعاءات القائلة بأن ماليزيا دولة علمانية.


    2. تعزيز مكانة المحاكم الشرعية، ووضع أطر قانونية لوقف الأعمال التبشيرية الهادفة إلى تحويل المسلمين عن دينهم في بعض الولايات التي تفتقد لمثل هذه القوانين (المطبقة في بعض ولايات ماليزيا دون غيرها)، ومحاسبة من يعيق أداء الموظف أو العامل المسلم لواجبه الديني خلال عمله، ومحاسبة من يتسبب في الإضرار بالوئام الديني، ويسيء إلى الإسلام حسب قوانين ماليزيا.


    3. زيادة عدد ساعات المواد الإسلامية في المدارس الوطنية، وفتح المزيد من مؤسسات التعليم العالي الإسلامي في التخصصات العلمية، ودعم المدارس الإسلامية الشعبية، وإعادة إحياء استخدام الملايوية في تدريس مواد الرياضيات والعلوم بعد أن استبدلت بها الإنجليزية، وإحداث تناغم بين المدارس الإسلامية الخاصة والحكومية، وعدم حرمان غير المسلمين ممن يستحقون معونة تعليمية من ذلك، وزيادة عدد المنح الدراسية المخصصة للملايويين المسلمين لإكمال دراساتهم العليا في الخارج.


    4. احترام وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة والمسموعة لمشاعر الأغلبية المسلمة في موادها الفكرية والترفيهية والثقافية.


    5. محاربة الفساد واستغلال السلطة، وتعزيز القيم الإسلامية واقعيا وتعيين شخصيات إسلامية مستقلة غير حزبية أعضاء في مجلس الشيوخ ليراقبوا السياسات المتعلقة بالإسلام والمسلمين.


    6. رفض الأحزاب التي تؤسس خطابها على علمنة ماليزيا وترفض إسلاميتها دستوريا وسكانيا.


    7. تشكيل لجان مشتركة تجمع السلطات المحلية المعنية والمنظمات الإسلامية في حال وجود طلب ببناء معبد بوذي أو هندوسي أو كنيسة في منطقة غالبية سكانها من المسلمين.


    8. التطبيق الحقيقي للبرامج المعلنة والمكتوبة ضمن خطط الدولة، أو القوانين ذات البعد الديني التي قد تجد تساهلا في تنفيذها، ورفض استخدام غير المسلمين الاصطلاحات الدينية الإسلامية باللغة الملايوية للتمييز بين لغة الطقوس التعبدية للمسلمين وغيرهم.

      مثل هذه المطالب تعكس طبيعة القضايا التي تشهد شدا وجذبا وخلافات بين قوى المجتمع المسلمة وتلك غير المسلمة، وهذا التدافع، ولو كان يتم في صمت وبهدوء؛ يظل تدافعا موجودا، فكيف ستتعامل الأحزاب الحاكمة أو المعارضة مع مثل هذه المطالب الدينية من مختلف أتباع الديانات؟ وهل ثمة احتمال بوقوع أحداث ساخنة تنبع من خلافات حول مثل هذه القضايا بما يؤثر على الواقع السياسي الماليزي مستقبلا كما حصل في تحرك الهندوس الآنف الذكر أم أن مثل هذا الأمر يظل مستبعدا في الوقت الراهن؟






  • "
    ما يدفع أغلبية السياسيين والمحليين إلى التفاؤل هو أن معظم الناخبين الماليزيين قد ولدوا بعد أحداث عنف عام 1969، ولذا فهم غير معنيين بانعكساتها ومخلفاتها النفسية والفكرية

    "
    هل ستشهد ماليزيا حياة سياسية يسيطر عليها حزبان أو تكتلان؟:
    أظهر مركز الاستقلال (مرديكا) الماليزي للدراسات في نتائج أحد استطلاعاته التي أعلنها يوم 7/4/2008، ما يؤكد اعتقاد الكثيرين بأن الناخب الماليزي قد تجاوز فعلا عقدة العرق والقومية في توجهه عند ممارسته عملية الاقتراع. فاثنان من كل ثلاثة سألهم باحثو المركز عما يفضلونه من صيغة لعمل الأحزاب، أجابوا بأنه من الأفضل أن تندمج أحزاب التحالف الحاكم لتصبح حزبا واحدا، وإذا ما ترسخت قوة تحالف الشعب المعارض، سواء ظل معارضا أو تحول إلى تحالف حاكم بديل، فإن هناك توقعات بأن يسجل عام 2008 بداية تشكل ساحة سياسية ذات ملامح جديدة، أهمها وجود تحالفين أو جبهتين رئيستين من القوى السياسية، سواء اندمجت أحزاب التحالفين (الوطني الحاكم وتحالف الشعب المعارض) وتحولت إلى حزبين أم ظلت تحالفين لأحزاب. والخلاصة النهائية أن ما بدأ يظهر إلى حد الآن في ماليزيا هو إعلام بانتهاء عهد التحالف الوطني المسيطر تماما والمطمئن من أن المعارضة ضعيفة لدرجة أنها لا تقدر على تهديده. اليوم هناك جبهتان مرشحتان لأن تكونا عنوانا لتشكل كفتي ميزان في الحياة السياسية الماليزية، بعد أن كانت هذه الكفة مثقلة في جانب بنفوذ التحالف الحاكم مقابل ضعف كفة المعارضة وتفرق صفها.


  • حرية وسائل الإعلام: لوحظ إثر الانتخابات جرأة غير معهودة من قبل قسم من صحفيي وسائل إعلام محسوبة على الحكومة وأحزابها، تأثرا بالتيار المؤثر في إعلام الإنترنت. فقد ظهرت بعض الكتابات لتنتقد التحالف الوطني الحاكم، وهو ما لم يكن ممكنا قبل انتخابات مارس 2008، لكن ذلك لا يشير إلى بداية عهد الحريات الصحفية؛ فلا تزال العديد من القوانين والإجراءات الرسمية تحول دون ذلك. لكن المؤشرات السياسية والمجتمعية تشير إلى أن هناك تغيرا، ولو كان جزئيا أو مرحليا، ستشهده وسائل الإعلام الماليزي على المدى المتوسط، حيث لم يعد المشاهد أو القارئ يتقبل خطاب "المتحدث الرسمي باسم التحالف الحاكم" الذي طغى على الساحة الإعلامية طوال عقود متتالية. لا شك أن التغير المحتمل في محتوى وسائل الإعلام سيؤثر على الثقافة السياسية وعلى الكثير من الأحداث، فضلا عن اتجاهات الرأي العام، وربما وتحريك الشارع والتأثير على الساسة أنفسهم، وهذا الأمر ليس قاصرا على ماليزيا بل عرفته الكثير من دول العالم.


  • مستوى تنفيذ وعود الإصلاح: هذا الأمر سيكون محل مراقبة المواطن الماليزي سواء تعلق الأمر بأداء المعارضة في خمس ولايات (أو في حالة استلامها السلطة المركزية) أم تعلق الأمر بأداء التحالف الحاكم. فهل سيعمل كل من استلم منصبا تنفيذيا هاما على تحريك جهود الإصلاح في مجال صلاحياته؟

    هذا الأمر سيؤثر على الرأي العام وتوجهات الناخبين في أي اقتراع مقبل، ونضرب مثالا على ذلك بقاضي القضاة الماليزي عبد الحميد محمد الذي قال في تصريح له يوم 9/4/2008 إنه يؤيد مطالب نقابة المحامين الماليزيين (وتضم 12 ألف محامي) بتأسيس هيئة مستقلة لاختيار القضاة، وهو أول تصريح من نوعه لشخص في منصبه يوحي باستعداد المؤسسة القضائية لاتخاذ خطوات عملية على طريق الإصلاح القضائي وتعزيز استقلاليتها عن القيادة التنفيذية السياسية، مقرا بأن ذلك قد يحسن من صورة القضاء لدى الماليزيين.

    ترتبط بهذا الأمر عناصر أخرى تتعلق بمدى جدية التحالف الحاكم إن بقي في الحكم في تنفيذ وعوده، وذلك بتصحيح ما اعوج من آليات مؤسسات الدولة. فالمواطن الماليزي بات يراقب اليوم إلى أي مدى سيلتزم التحالف الوطني الحاكم، أو تحالف الشعب المعارض (في حكم الولايات الخمس) بمعايير الحكم الرشيد في تحقيق العدالة، والمساواة في الفرص وتوفير الخدمات والإمكانات.



  • الخوف من معكرات أو منغصات عرقية أو دينية: شهدت ماليزيا مواجهات عرقية في 13مايو/أيار 1969 وتم احتواؤها، كما حدثت بعض الحوادث الأخرى المحدودة والضيقة فيما بعد وقلما يتذكرها الناس، ومع كل ذلك فإن حالة الوئام الديني والعرقي تظل سمة إيجابية يمتدح بموجبها الكثيرون ماليزيا، لكن يظل القلق موجودا من إمكانية حدوث تماس أو تدافع عرقي أو ديني، رغم نضج المواطنين الماليزيين وترسخ سلوكيات التعايش بينهم. هذا القلق يمكن أن يتجدد إذا ما حدثت تقلبات سياسية كبيرة، وسعى البعض لغرض سياسي أو غيره إلى تعكير الجو وبلبلة الأوضاع، وهو الأمر الذي يتوجب على أحزاب التحالف الوطني الحاكم وأحزاب تحالف الشعب المعارض الانتباه إليه، وذلك بعدم الانجرار وراء أية تصريحات أو تعليقات تثير النعرات العرقية البغيضة.

    ما يدفع أغلبية السياسيين والمحليين إلى التفاؤل هو أن معظم الناخبين الماليزيين قد ولدوا بعد أحداث عنف عام 1969، ولذا فهم غير معنيين بانعكساتها ومخلفاتها النفسية والفكرية، وهذا ما يجعلهم أكثر نضجا وتعاليا على أية مواجهات عرقية أو دينية، وهم بذلك أقل تفاعلا مع الخطاب المبطن بالتحذير من أن فوز المعارضة سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار وإراقة الدماء حيث إن فوزا جزئيا للمعارضة عام 69 قد سبق أحداث العنف تلك وهو أقل بكثير من فوزرها عام 2008، لكن الواقع حتى الآن أثبت أن فوز المعارضة لم يفجر الوضع، أما مع توسع نفوذ المعارضة، عاجلا أم آجلا، فسيظل القلق متركزا على احتمال سعي بعض الأطراف إلى إثارة بعض الصدامات لإفشال حكومة المعارضة، وليس قلقا من صدامات تتحرك عفويا من الشارع، لأن الكثير من الصينيين والهنود صوتوا للمعارضة إلى جانب نسبة كبيرة من الملايويين المسلمين، وفي هذه الحالة من سيثور إذًا!



  • الوضع الاقتصادي: لا يمكن إغفال البعد الاقتصادي في المعادلة السياسية الصينية. فالغالبية الساحقة من الماليزيين ظلوا موالين للتحالف الوطني الحاكم بسبب اعتقادهم أن كل ما يشهدونه من تطور في حياتهم هو وليد سياسات هذا التحالف، أما وقد تحول بعضهم إلى المعارضة فإنه سيرقب أداءها في الولايات الخمس، وعلى الجانب الآخر سيراقب الجميع أداء التحالف الوطني، وخلافا لذلك فإن أي أزمة اقتصادية ستنعكس على الواقع السياسي المهزوزأصلا، وربما بشكل مفاجئ وغير متوقع حاليا.



  • التعليم بين التوجه الديني والليبرالي: تشهد ماليزيا فيضانا من المؤسسات التعليمية الخاصة وكثير منها ينتهج نهجا ليبراليا في تعليمه، إلى جانب ظهور عدد متزايد من الجامعات الإسلامية وكأنهما يسيران في خطين متوازيين كل يبني تلاميذه بطريقة مختلفة، كما يظل التعليم الأساسي محل نقاش بين السياسيين والأكاديميين، فهناك دعوات إلى إصلاحه والنهوض به؛ فالإسلاميون لهم نظرتهم الخاصة إلى هذا الملف وغيرهم لهم نظرة أخرى مغايرة، والسؤال المطروح هو: كيف ستكون تشكيلة الجيل الماليزي الجديد ونحن في بداية القرن؟ هل سيغلب الطابع الديني الإسلامي على التعليم الذي يحتضن المسلمين في حين ستدعم المدارس الخاصة بغير المسلمين، أم سيغلب عليه الطابع التحرري الليبرالي مع الحفاظ على الدراسة المسائية الجانبية للطلبة المسلمين؟ وكيف ستنجح مناهج المدارس الوطنية الساعية للموازنة بين خصوصيات القوميات وبين القواسم المشتركة، في تخريج جيل متوازن يحافظ على خصوصيته الثقافية والدينية لكنه يتعايش بكل احترام وتسامح وتقدير مع الآخرين؟

    يعتبر التعليم مجال بحث آخر قد يبدو بعيدا عن تحليل الواقع السياسي، لكنه في الحقيقية سيرسم مستقبل ماليزيا وتجربتها السياسية لعقود قادمة، وربما بشكل أبعد من دور المؤثرات القصيرة أو المتوسطة الأمد المرتبطة بالأحزاب أو الشخصيات السياسية، لكونه يمثل القطاع الحيوي الذي يعنى بتربية وتنشئة الأجيال من مختلف العرقيات والقوميات وكل منها يريد أن يتمايز عن غيره ويتعايش معه في الوقت نفسه ضمن الحياة السياسية والعامة.



  • التأثيرات الخارجية: لم تعلن دول كبرى ذات علاقة اقتصادية أو جيو سياسية هامة بماليزيا موقفا سلبيا أو إيجابيا تجاه احتمالات التغيير السياسي المستقبلي في ماليزيا، علما بأنها تتمتع بعلاقات قوية بدول آسيا، والعالم العربي والإسلامي، إلى جانب علاقة مستقرة ومهمة للغاية اقتصاديا مع الولايات المتحدة وأوروبا (18% من الصادرات الماليزية تتجه إلى الأسواق الأميركية و%12 من الواردات إلى ماليزيا من الولايات المتحدة)، ومن ثم فإن حدوث أي تغيير من شأنه أن يثير موقفا إيجابيا أو سلبيا من قبل بعض القوى، ولكن من المبكر التفصيل في أي منحى سيتجه إليه الموقف الخارجي.


إن التاريخ يشهد بأن مسلمات الواقع السياسي لأي دولة من الدول لن تظل كذلك إلى الأبد، والتغيرات التي شهدتها منطقة جنوب شرق آسيا (من الفلبين مرورا بتايوان وتايلند وحتى إندونيسيا) تشير إلى أن رياح التغيير بدأت تهب فعلا على ماليزيا، لكنها قد تكون أقل سرعة تبعا لطبيعة الحياة وشخصية المواطن الماليزي وأسلوب تفكيره، وربما تفاجئ الجميع بسرعة وتيرتها، وربما يكون عام 2008 بداية لكثير من الأحداث السياسية الساخنة بعد فترة من الهدوء السياسي أو هكذا يبدو على السطح الخارجي.


وسواء حصل انتقال للسلطة من التحالف الوطني إلى المعارضة، أو بقي التحالف الوطني في حكمه متعايشا مع معارضة قوية، فإن المعيار الأهم يظل يتعلق بإمكان الحفاظ على الاستقرار والأمن والوئام في كلتا الحالتين. فيحق لماليزيا أن تحتفل وتفخر بأنها نضجت سياسيا وديمقراطيا بعد خمسين عاما على استقلالها، وبعد عقود متواصلة من التركيز على التنمية الاقتصادية التي سجلت فيها نجاحات باهرة لا يمكن إنكارها.
_______________
مركز الجزيرة للدراسات