سُلطة الإعلام الاجتماعي.. تأثيراته في المنظومة الإعلامية التقليدية والبيئة السياسية

أصدر مركز الجزيرة للدراسات كتابا بعنوان "سلطة الإعلام الاجتماعي: تأثيراته في المنظومة الإعلامية التقليدية والبيئة السياسية"؛ يقدم مساهمة معرفية تثرِي النقاش حول مظاهر سلطة هذا الإعلام والقوة التأثيرية لشبكاته في منظومة الإعلام التقليدي، وكيف باتت هذه الشبكات تشكل "مصانع جديدة" لتكوين الرأي العام.
12 December 2017
590964222c8747dc8ac484fe454affd3_18.jpg
(الجزيرة)

في سياق التأثيرات الهائلة للإعلام الاجتماعي في البنية الإعلامية التقليدية والاتصالية الجديدة وكذلك البيئة السياسية والفاعلين فيها، والمجال الأكاديمي أيضًا، وتحديدًا الأنساق النظرية الكلاسيكية المُفَسِّرة للظواهر الإعلامية، يُقدِّم الكتاب الجديد الصادر عن مركز الجزيرة للدراسات "سُلطة الإعلام الاجتماعي: تأثيراته في المنظومة الإعلامية التقليدية والبيئة السياسية"، مساهمة معرفية تُثْرِي النقاش حول مظاهر سلطة هذا الإعلام والقوة التأثيرية لشبكاته في منظومة الإعلام التقليدي، والتحولات التي عرفتها مهنة الصحافة والممارسة الإعلامية عمومًا بفعل حالة التزاوج والاندماج مع منصات التواصل الاجتماعي. كما يُحدِّد الكتاب خصوصية البنية الاتصالية الجديدة في المجال العربي ثم معاني تحوُّل السلوك الاتصالي عند المستخدم العربي باتجاه شبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الاجتماعي عمومًا، وكيف باتت هذه المنصات "مصانع جديدة" لتكوين الاتجاهات والأفكار والرأي العام بعد أن امتد تأثيرها ونفوذها وسط الأفراد وقادة الرأي سواء بسواء.

ويشتمل هذا المُؤَلَّف الجماعي، الذي حرَّره الباحث بمركز الجزيرة للدراسات، محمد الراجي، على أربعة فصول يتناول أولها بقلم الأكاديمي، جمال زرن، الجدلَ الدائرَ والمتنامي في الحقل الأكاديمي والمهني حول تداخل العلاقة بين كل من ظاهرة الإعلام التقليدي والإعلام الجديد في سياق تمدد الإعلام الاجتماعي ومنصاته، مراجعًا حدودهما، ومُقَدِّمًا تعريفًا نظريًّا وتأطيرًا دلاليًّا لشبكات التواصل الاجتماعي والإعلام الاجتماعي. ويتتبع كيف استطاعت الأدوات الاتصالية الاجتماعية أن تكسب كل يوم مواقع جديدة في حياة الأفراد والمؤسسات كانت غائبة عن الإعلام التقليدي، ويكشف مكامن القوة التأثيرية لوسائل التواصل الاجتماعي في تمثُّلات الأفراد وعلاقتهم بوسائل الإعلام، التي أصبحت خاضعة اليوم إلى التفاعل الحيني والفوري من خلال التعليق، وأسَّست أيضًا جسورًا جديدة بين التليفزيون في هيئته التقليدية والتليفزيون وهو يلتحم بشبكات التواصل الاجتماعي.

وفي الفصل الثاني، يبحث الدكتور، كمال حميدو، في خصوصية البيئة الاتصالية الجديدة بالمجال العربي مُسْتَكْشِفًا محدداتها ومرتكزاتها، والسياقات الاجتماعية والثقافية والسياسية المُفَسِّرَة لتحولات المنظومة الاتصالية في صيغتها الجديدة، ثم دلالات تباين استخدامات ومركب تفضيلات المستخدم العربي لمنصات التواصل الاجتماعي، ثم مسببات ومعاني وحيثيات السلوك الاتصالي عند المستخدم العربي وتأثيرات التحولات الاتصالية على آلية عمل الفضاء العام في العالم العربي، مُنْطَلِقًا في تفسير متغيرات هذه البيئة من الحتمية التكنولوجية التي نتجت عنها بنية فكرية مختلفة تتسم بطغيان المنطق التشعبي اللاخطي عند ما يُسمِّيه: جيل "التلمتيكس"، والتي كانت عاملًا حاسمًا في هجرة ذلك الجيل مختلف أشكال ووسائل التواصل التقليدية بشكل أحدث قطيعة بين ذلك الجيل وجيل عصر الوسائط المطبوعة الذي فرض بنيته الفكرية الخطية على امتداد قرون منذ تعميم القراءة والكتابة حتى نهاية القرن العشرين.

ويناقش الأكاديمي، عبد الله الزين الحيدري، في الفصل الثالث، التغييرَ العميقَ الذي حدث في الخارطة الإبستمولوجية للمجال العمومي الميدياتيكي، بفعل تطور تكنولوجيا الإعلام والاتصال، ودَفَع بظهور موجة جديدة من التفكير المبني حول دور شبكات التواصل الاجتماعي "الفعَّال" في توجيه الرأي وصناعته، متسائلًا: إلى أي مدى يمكن اعتبار شبكات التواصل الاجتماعي مُحَدِّدًا قويًّا في بناء الرأي العام، خصوصًا أن نسب المستخدمين في العالم لهذه الشبكات تتزايد كل يوم؟ وهل الحضور المضاعف لمنصاتها في حياة الناس مجرد حتمية تكنولوجية أم أنه حضور فاعل في حركة التغير الاجتماعي وحاسم في اختياراته؟ وهل باتت الشبكات الاجتماعية المُوَلِّد الحقيقي للفعل الاجتماعي مثلما يلوح في ظاهر الأحداث الاجتماعية، والسياسية بالخصوص، كما هي حال أحداث الربيع العربي، أو أحداث الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، خلال يوليو/تموز 2016، الذي هزَّ الحياة السياسية محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا؟

ويتجاوز الباحث، في محاولة للفهم الحقيقي لمورفولوجيا الفعل الاجتماعي، النظريات الكلاسيكية والمعيارية للعلوم الاجتماعية التي تَسْكُنُها استنتاجات مُنَمْذَجَة وأرقام باهتة لا تجيب عن أسئلة المجتمع، ويتخطَّى براديغم التبسيط القائم على البحوث الوصفية ودراسات الجمهور، مُعْتَمِدًا مقاربة نظرية حديثة؛ يحاول تفكيك عناصرها ضمن معادلة رياضية، هي الأولى من نوعها في الكشف عن قوة تأثير الإعلام الاجتماعي الذي يصفه بـ"المصانع الجديدة للرأي العام"، في إطار ما يُسَمِّيه بالمقاربة "التَّنَاهُجِيِّة" التي تتيح تثبيت أسس منهجية وإبستمولوجية جديدة لعلوم الإعلام والاتصال وتمكِّن من فهم أفضل لكيفية تحرُّك المعلومات وتحوُّلها من طاقة كامنة إلى قوة فاعلة في المجتمع.

وفي الفصل الرابع، يُبْرِز الدكتور عبد الرحمن الشامي دور شبكات التواصل الاجتماعي في ظهور قادة رأي عام جدد، وتمكين قادة الرأي التقليديين من ممارسة دورهم القيادي للوصول إلى متابعيهم على نحو أسرع. ويركز هذا الفصل على استقصاء استخدامات قادة الرأي العام الخليجي لشبكات التواصل في ظل الحصار الذي فرضته السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، على دولة قطر في 5 يونيو/حزيران 2017، راصدًا أهم المنصات التي يستخدمها هؤلاء القادة ومركَّب تفضيلاتهم في إنتاج المضامين والقيم، ويبحث استخدامات قادة الرأي الديني الخليجي لشبكات التواصل الاجتماعي التي تُمَثِّل منبر وعظ افتراضيًّا وتواصليًّا وترويجيًّا للمشاريع الخيرية خاصة في أوقات المناسبات الدينية والأزمات ذات البعد الديني.

معلومات عن الكتاب

العنوان: سلطة الإعلام الاجتماعي: تأثيراته في المنظومة الإعلامية التقليدية والبيئة السياسية

تأليف: مجموعة من الباحثين

تحرير: د. محمد الراجي

الناشر: مركز الجزيرة للدراسات- الدار العربية للعلوم ناشرون

التاريخ: 2017